
محمد ولد الرشيد .. المنتخبون الصحراويون هم الصوت الشرعي للساكنة المحلية
انطلقت، صباح السبت بمدينة العيون، أشغال ندوة وطنية تحت عنوان "من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل"، وذلك في إطار مبادرة تشريعية تنظمها مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة بمجلس المستشارين، المخصصة لتقديم المشورة في ملف الوحدة الترابية للمملكة.
ويأتي هذا اللقاء في سياق وطني ودولي خاص، يعكس الحاجة الملحة إلى تعزيز الترافع المؤسساتي والمدني حول قضية الصحراء المغربية، ومواكبة التحولات التي يعرفها هذا الملف على مختلف الأصعدة.
الندوة، كما أبرزت الأرضية التأطيرية، تهدف إلى الربط بين الامتداد التاريخي للصحراء المغربية وواقعها التنموي اليوم، من خلال قراءة جديدة لمسارات التراكم السياسي والدبلوماسي، واستشراف التحديات المقبلة.
وهي محطة لتكريس الوعي الجماعي حول عمق الانتماء الوطني لسكان الصحراء، ودورهم في الدفاع عن الوحدة الترابية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على التحولات التنموية والثقافية والاجتماعية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية في ظل الدينامية الوطنية المتسارعة.
تنظيم هذا اللقاء بمدينة العيون لم يكن اعتباطيًا، بل يحمل بعدًا رمزيًا قويًا، يعكس الارتباط الروحي والسياسي العميق بين هذه الربوع والعرش العلوي. فالعين التي ظلت شاهدة على لحظات النضال، أصبحت اليوم واجهة لتنمية شاملة ومجالا خصبًا لتكريس السيادة المغربية، ومسرحًا لمشاريع مهيكلة عززت الاندماج الوطني وساهمت في إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجال.
وأكد محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، أن احتضان مدينة العيون لندوة وطنية تتمحور حول مستقبل النزاع المفتعل بشأن الصحراء المغربية، يحمل دلالات عميقة تعكس المكانة المتقدمة التي أضحت تحتلها الأقاليم الجنوبية في مسار ترسيخ السيادة الوطنية، كما يترجم حجم التحولات التنموية التي عرفتها هذه المنطقة بفضل التوجيهات الملكية السديدة.
ولد الرشيد، الذي كان يتحدث خلال الجلسة الافتتاحية للندوة المنظمة تحت شعار 'الصحراء المغربية: من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل'، أبرز أن المسار الذي أطلقه الراحل الملك الحسن الثاني من خلال المسيرة الخضراء، وجد امتداده الطبيعي في عهد الملك محمد السادس، الذي أرسى دعائم نموذج تنموي شامل، يرتكز على الاستثمار في الإنسان والمجال، وتفعيل الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي لتحقيق العدالة المجالية والتنمية المتوازنة.
وسلط رئيس الغرفة الثانية الضوء على ما تحقق على الأرض من مشاريع كبرى وأوراش مهيكلة، مؤكدا أن هذه المنجزات ليست سوى ثمرة نهج وطني واضح المعالم، يتسم بالجدية والاستباقية، ما جعل من الأقاليم الجنوبية نموذجا وطنيا متميزا في مجال التنمية والإقلاع الاقتصادي والاجتماعي.
قبائل وشيوخ الصحراء المغربية وتجسيدهم قيم الوفاء للعرش العلوي
وفي معرض حديثه عن الشرعية الديمقراطية، توقف ولد الرشيد عند الدور التاريخي الذي لعبته قبائل وشيوخ الصحراء المغربية في تجسيد قيم الوفاء للعرش العلوي، مشيرا إلى المكانة التمثيلية الهامة التي يحظى بها المنتخبون الصحراويون، بوصفهم الصوت الشرعي للساكنة المحلية، كما أكده جلالة الملك في خطابه بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء.
كما استعرض ولد الرشيد التطورات الإيجابية التي يشهدها المسار الدبلوماسي المغربي، مبرزا حجم المكاسب التي راكمتها المملكة، خاصة في ما يتعلق بتوسيع دائرة الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي، الذي يقدمه المغرب كحل واقعي وجدي للنزاع، بفضل الرؤية الملكية التي جعلت من التنمية الداخلية سندا لتعزيز الموقف التفاوضي، ومن الوحدة الوطنية ركيزة للترافع الخارجي الفعال.
وأشار إلى أن مجلس المستشارين أولى هذا الملف أهمية استراتيجية، تجلت في تأسيس مجموعة عمل موضوعاتية مؤقتة تعنى بالقضية الوطنية الأولى، بهدف بلورة رؤى ومقاربات استشرافية تساهم في دعم المجهود الوطني على الواجهة الترافعية، وتعزز الانخراط البرلماني في خدمة القضية.
واعتبر أن الندوة الوطنية تشكل مناسبة مؤسساتية لتبادل الرؤى حول تحديات المرحلة الراهنة، ولبنة نحو بلورة آفاق مستقبلية لملف الصحراء، مذكرا بأهمية الاستماع إلى أصوات الفاعلين المحليين وشيوخ القبائل والنخب الصحراوية، لما لهم من دور مركزي في ترسيخ الوحدة الوطنية والمساهمة في صياغة مقترحات تدعم الجبهة الداخلية وتنسجم مع المساعي الرسمية للمغرب في المحافل الدولية.
وشدد في كلمته الافتتاحية على أن ما تحقق في الأقاليم الجنوبية لم يعد مجرد وعود أو مخططات، بل تحوّل إلى منجزات قائمة تعكس نجاعة الرؤية الملكية السديدة.
وأبرز أن ورش الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي الجديد جعلا من هذه الأقاليم نموذجًا في العدالة المجالية والتنمية المندمجة، مؤكدًا أن هذه التحولات رسخت المغرب كفاعل دولي موثوق وشريك في الاستقرار الإقليمي.
وفي قراءة تحليلية للمسار الدبلوماسي، أشار ولد الرشيد إلى أن الإجماع الوطني حول مغربية الصحراء، إضافة إلى الشرعية التمثيلية لمنتخبي الأقاليم الجنوبية، منح المملكة موقعًا تفاوضيًا قويا وشرعية ديمقراطية، سمحت بتحقيق تقدم ملحوظ في ملف الصحراء على المستوى الدولي. هذا التقدم، حسب قوله، يُجسَّد اليوم في تنامي الدعم العالمي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة كحل وحيد وواقعي للنزاع المفتعل.
وفي الاتجاه ذاته، اعتبر لحسن حداد، رئيس مجموعة العمل الموضوعاتية، أن الحديث عن الصحراء هو في جوهره حديث عن الهوية الوطنية والامتداد التاريخي للدولة المغربية، مستحضرًا مفهومي البيعة والانتماء. وأبرز أن الشرعية التاريخية ليست فقط مرجعية للماضي، بل أساس لبناء المستقبل، حين تُترجم إلى سياسات ومشاريع ومؤسسات تعكس قوة الحضور المغربي في الأقاليم الجنوبية.
وأعرب لحسن حداد، عن اعتزازه بالحضور الوازن والمتنوع الذي طبع أشغال الندوة الوطنية، مشيرًا إلى مشاركة فاعلة لمنتخبين، ووجهاء وشيوخ القبائل، وممثلي المجتمع المدني، إلى جانب برلمانيين وخبراء. واعتبر أن هذا الانخراط الجماعي يعكس عمق الالتفاف الوطني حول قضية الصحراء المغربية، مؤكدا أنها ليست فقط مسؤولية الدولة، بل قضية وطنية جامعة تهم جميع مكونات الأمة.
وأوضح حداد أن النقاش حول الصحراء المغربية لم يعد مجرد دفاع سياسي كلاسيكي، بل تحول إلى بناء رؤية استشرافية قوامها تحويل شرعية التاريخ إلى سياسات تنموية ومؤسسات ومبادرات استراتيجية. وأكد أن الاعترافات الدولية المتزايدة بمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي للنزاع، تكتسب قوتها الحقيقية حين تترافق مع جهود ميدانية تجعل من الأقاليم الجنوبية فضاءً متكاملاً للاستثمار والعدالة المجالية والاندماج الإفريقي.
وأشار إلى أن المغرب يربط اليوم بين السيادة والتنمية، من خلال تنزيل حقيقي لورش الجهوية المتقدمة، وإطلاق مشاريع بنية تحتية كبرى، وترسيخ موقع الأقاليم الجنوبية كبوابات استراتيجية نحو العمق الإفريقي. ولفت إلى أن الرهان لم يعد فقط على التوفيق بين التاريخ والمستقبل، بل على قدرة الدولة والمجتمع في الدفاع عن الشرعية التاريخية من خلال مشاريع مستقبلية تترجم هذا الانتماء.
واستعرض رئيس المجموعة الخطوط العريضة للعمل الذي قامت به الهيئة الموضوعاتية، والذي تميز بمقاربة تشاركية منفتحة على قضايا التاريخ، والقانون الدولي، والدبلوماسية المؤسساتية، والتنمية، مؤكدا أن تنظيم الندوة يشكل تتويجا لهذا المسار، ويعكس في الوقت ذاته الوعي البرلماني المتزايد بأن قضية الصحراء هي مشروع مجتمعي طويل النفس، يتطلب تعبئة متواصلة، ومعرفة معمقة، واستباقا للتحديات.
واختتم حداد كلمته بالتنويه بدور رئيس مجلس المستشارين في مواكبة هذا الورش ودعمه المستمر، معربا عن تقديره لالتزام أعضاء المجموعة الموضوعاتية ومجهودات أطر المجلس في إنجاح هذه المحطة. كما دعا إلى تحويل هذا اللقاء إلى نقطة انطلاق جديدة نحو مبادرات وطنية متجددة ترسخ مغربية الصحراء، باعتبارها قضية وجود وجوهرًا للوحدة الوطنية والتنمية والانفتاح.
الندوة لم تقتصر على البعد السياسي، بل انفتحت أيضًا على مقاربات متعددة، حيث يناقش المشاركون محاور تتعلق بالبعدين التاريخي والسياسي للنزاع، والمكانة القانونية للصحراء في ضوء قرارات الأمم المتحدة ومبادرة الحكم الذاتي، إلى جانب الوقوف عند المنجزات والتحديات التنموية التي تعرفها المنطقة، وأهمية الثقافة الحسانية في تكريس الهوية الوطنية الجامعة.
الرسالة العامة التي وجهها منظمو الندوة تؤكد أن قضية الصحراء لم تعد مجرد ملف نزاع إقليمي، بل تحولت إلى مشروع مجتمعي طويل النفس، يستدعي انخراطًا جماعيًا وتعبئة مستمرة. ومن هنا، تبدو هذه المبادرة البرلمانية مساهمة نوعية في ترسيخ مغربية الصحراء كقضية وجود، واستثمارا في الذاكرة الوطنية والتراكم التنموي لصياغة مستقبل مشترك يسوده الانتماء والسيادة والتنمية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بلبريس
منذ 21 دقائق
- بلبريس
عاجل..ترامب و روبيو وهيجسيث يعلنون النصر علي البرنامج النووي الايراني
اعلن كل من الرئيس الامريكي ترامب ووزير خارجيته ماركو روبيو وزير دفاعه بيت هيجسيث تدمير البرنامج النووي الايراني قائلين : "لقد تم تدمير منشآت التخصيب النووي الرئيسية في ايران بشكل كامل مؤكدين في نفس الوقت ان إيران ملزمة إبرام اتفاقية السلام الآن ، والا ان الآتي سيكون اكثر قساوة وتدميرا . وعليه ، فتدمير البرنامج النووي الايراني من طرف الجيش الامزيكي يعتبز منحى اساسي في الحرب الاسرايلية الايرانية.


بلبريس
منذ 21 دقائق
- بلبريس
نساء الأصالة والمعاصرة يرفعن سقف المطالب: "لا لتزويج الطفلات ولا لتعدد الزوجات"
جددت منظمة نساء حزب الأصالة والمعاصرة مطالبتها بتجريم تزويج القاصرات ومنع تعدد الزوجات، داعية في الآن ذاته إلى اعتماد الوسائل العلمية الحديثة لإثبات النسب، بما يضمن حماية حقوق الطفل والمرأة، ويحول دون إسقاط الحضانة عن الأم بسبب زواجها، ويكفل حقها في السفر بالمحضون دون قيود إلا في حال وجود قرار قضائي يثبت عكس ذلك. وفي ختام الدورة الثالثة للمجلس الوطني للمنظمة، التي انعقدت صباح السبت بقصر المؤتمرات في سلا، شددت نساء الحزب على ضرورة تحديد سن الزواج في 18 سنة كاملة لكلا الجنسين، مع إلغاء جميع الاستثناءات القانونية التي تتيح زواج القاصرات، معتبرات أن الوقت قد حان لملاءمة مدونة الأسرة مع مقتضيات الدستور المغربي والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. كما تقدمت المنظمة بتوصيات تطالب بمنع تعدد الزوجات إلا في حالات محددة وضيقة، انسجامًا مع المرجعية الحقوقية الدولية والمكتسبات الوطنية في هذا المجال، داعية المجلس العلمي الأعلى إلى مزيد من الاجتهاد في القضايا المرتبطة بإثبات النسب وتوسيع نطاق الأدلة المعتمدة فيه، بما يشمل آخر ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا. وفي سياق تحسين العدالة الأسرية، دعت المنظمة إلى رقمنة المساطر القضائية المتعلقة بمدونة الأسرة، وتسهيل إجراءات تسجيل عقود الزواج التي تبرم في الخارج من طرف المغاربة، وذلك عبر قبول النسخ الورقية أو الرقمية، مع توجيهها إلى الجهات المختصة داخل المغرب، ضمانًا للربط الإداري والقانوني بين الجالية ووطنها الأم. وأوصت نساء الحزب كذلك بإلغاء العمل بسماع دعوى الزوجية، معتبرات أن وثيقة عقد الزواج يجب أن تظل الوسيلة الوحيدة المعتمدة لإثبات العلاقة الزوجية، مع الدعوة إلى تثمين العمل المنزلي للمرأة واحتسابه ضمن حقوقها المالية، والتنصيص على عقوبات قانونية ضد من يرفض إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، حماية للأطفال ومراعاة لمصلحتهم الفضلى. كما أكدت المنظمة على ضرورة تقنين الوساطة الأسرية وإعطائها طابعا قانونيا واضحا يسهم في تدبير النزاعات الأسرية، مع التأكيد على تمكين جميع الأطفال من الحماية القانونية الكاملة، بغض النظر عن الوضعية العائلية أو طبيعة العلاقة بين الوالدين. وطالبت بتحقيق المساواة التامة بين الأم والأب في شروط الحضانة، وتكريس مبدأ تقاسم النيابة القانونية أثناء العلاقة الزوجية أو بعد انتهائها. وشددت المنظمة على ضرورة مراجعة شروط الوصية لجعلها تمتد إلى الورثة، في إطار أحقية الشخص في التصرف في أمواله قبل وفاته، مع الدعوة إلى حماية بيت الزوجية بعد وفاة أحد الوالدين، بما يصون كرامة الأسرة ويحفظ تماسكها. وختمت المنظمة بيانها بالتأكيد على أن ورش تعديل مدونة الأسرة يعد محطة محورية في مسار الإصلاحات القانونية والاجتماعية التي تشهدها المملكة، معتبرة أن هذا الورش يحظى برعاية ملكية سامية ويهدف إلى تطوير الإطار القانوني للأسرة بشكل ينسجم مع التحولات المجتمعية ومبادئ العدل والإنصاف، دون التفريط في مقاصد الشريعة الإسلامية.


المغربية المستقلة
منذ 25 دقائق
- المغربية المستقلة
مولاي بوبكر حمداني : الحكم الذاتي المغربي ممارسة سيادية ومرجعية قانونية
المغربية المستقلة : مولاي بوبكر حمداني، رئيس مركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية، في مداخلته خلال ندوة وطنية عقدت بمدينة العيون بتاريخ 21 يونيو 2025 حول 'قضية الوحدة الترابية للمملكة من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل'، قدم الدكتور مولاي بوبكر حمداني، رئيس مركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية، قراءة أكاديمية في المبادرة المغربية للحكم الذاتي من منظور القانون الدولي، معتبرا إياها نموذجا سياديا متقدما لتسوية النزاعات الترابية، وحلا واقعيا ينسجم مع متطلبات الشرعية الدولية، ويُعد في الآن ذاته مساهمة بناءة في تعزيز السلم والاستقرار داخل القارة الإفريقية. الدكتور حمداني أوضح أن جوهر المبادرة المغربية لا يكمن فقط في صياغة مقترح سياسي ظرفي، بل في بناء قانوني ومؤسساتي رصين يستند إلى مبدأ السيادة المعاصرة، حيث لم تعد هذه السيادة مرادفة للجمود والمركزية، بل غدت تعني قدرة الدولة على تكييف بنياتها الداخلية وفق منطق الاستقرار والاندماج الوطني. وعليه يرى المتحدث إن المقترح المغربي لا يقوض السيادة بل يفعلها، إذ يندرج بوضوح ضمن الوحدة الترابية للمملكة ويحتفظ للدولة المركزية بالاختصاصات السيادية الجوهرية كالدفاع، الأمن، الدين والعلاقات الخارجية، بينما يمنح الجهة سلطات واسعة في المجالات التشريعية والتنموية والاجتماعية، وفق منطق التفريع والتمكين المؤسسي. و قد بين المتدخل أن المفهوم عرف تطورا دلاليا كبيرا خلال العقود الأخيرة، من صيغة مثيرة للريبة إلى أداة هندسة مؤسساتية متقدمة، صارت تُستعمل لحل النزاعات المعقدة داخل الدول دون المساس بوحدة ترابها. من هذا المنطلق، تعد المبادرة المغربية واحدة من أبرز تطبيقات 'تقرير المصير الداخلي التوافقي'، والذي يمثل اليوم بديلاً عقلانيًا عن خيارات الانفصال أو الاستيعاب القسري، وهي بهذا المعنى تكرس ثقافة الحوار والتفاوض السياسي، وتبتعد عن منطق فرض الحلول من خارج السياق الوطني. استعرض الدكتور حمداني مجموعة من التجارب الدولية المماثلة، من جزر آلاند في فنلندا إلى جنوب تيرول في إيطاليا، ومن كيبك الكندية إلى الحكم الذاتي المتعدد الأشكال بإسبانيا، مرورًا بالنموذج التفويضي المعتمد في المملكة المتحدة. وأبرز في هذا الصدد كيف أن المبادرة المغربية تجمع بين خصائص من هذه التجارب، مع الاحتفاظ بخصوصية تكييفها ضمن السياق المغربي، ما يجعلها نموذجا غير مقلد، بل مبادرة أصلية تستلهم ولا تستنسخ. وفيما يتعلق بالنموذج الإسباني، توقف المتحدث مطولا عند خصوصيته اللافتة في مجال تدبير التعدد داخل دولة موحدة، مبرزًا أن إسبانيا اعتمدت منذ دستور 1978 ما يعرف بنظام 'الدولة المركبة'، الذي يجمع بين مبدأ وحدة الأمة الإسبانية وحق الجهات أو 'القوميات التاريخية' في الحكم الذاتي. هذا النظام أفرز تفاوتا واضحا بين الجهات، إذ أن بعضها يتمتع بصلاحيات موسعة جدًا، كما هو الحال في كتالونيا التي تتوفر على لغة رسمية خاصة، ونظام تعليم وإدارة محلية مستقل، وقوة أمنية جهوية كاملة، في حين أن جهات أخرى تكتفي بصلاحيات أقل. أما إقليم الباسك، فقد بلغ نموذجا فريدا من الاستقلالية المالية، إذ يحتفظ بجل عائداته الضريبية ويحول فقط نسبة متفق عليها إلى الحكومة المركزية، مما يمنحه استقلالية مالية غير مسبوقة في أوروبا الغربية. هذا النظام 'اللامتماثل' في منح الحكم الذاتي لم يُنظر إليه كتهديد لوحدة الدولة، بل كآلية عقلانية لتدبير التنوع، وهو ما يتقاطع مع الفلسفة المؤطرة للمبادرة المغربية. وقدّم المتحدث مثالا على ذلك في مسألة الشرطة المحلية، التي اعتبرها خطوة جريئة من الدولة المغربية تدل على استعداد حقيقي لمنح الجهة أدوات فعلية لتدبير شؤونها، وهو مستوى لا تتجرأ كثير من الدول على اعتماده في تجاربها اللامركزية. كما توقف المتحدث عند نقطة استراتيجية بالغة الأهمية تتعلق بإدارة الموارد الطبيعية، حيث تنص المبادرة على أن العائدات المتأتية من استغلال الثروات الطبيعية في الجهة سترصد للمنطقة نفسها، وهو ما يقطع مع 'لعنة الموارد' التي لطالما كانت سببًا للنزاعات في مناطق عدة من العالم. واعتبر أن هذا الإجراء لا يمثل فقط توجها اقتصاديا، بل رؤية سياسية تؤمن بأن التنمية الحقيقية هي مفتاح الاستقرار، وأن إشراك الساكنة المحلية في ثرواتها يعزز الانتماء والثقة بالدولة. من حيث البنية المؤسساتية، تقدم المبادرة تصوراً متكاملا ومتقدما، لا يكتفي بالهياكل الكلاسيكية الثلاثية، بل يُدخل عناصر مبتكرة مثل ضمان تمثيلية القبائل الصحراوية، ودمج وظيفتي رئاسة الجهة والتمثيل الرسمي للدولة في شخص واحد، بما يضمن التنسيق المؤسسي ويمنع ازدواجية السلط. كما أن المحاكم الجهوية، وإن استقلت في اختصاصاتها، ستصدر أحكامها باسم الملك، ما يُبقي على وحدة السلطة الرمزية والسيادية. على مستوى القانون الدولي، أكد الدكتور حمداني أن المبادرة المغربية تتحدث اللغة القانونية المعاصرة، وتنسجم تماما مع منطق مجلس الأمن الذي دعا في أكثر من قرار إلى حل سياسي واقعي ودائم قائم على التوافق. كما أنها تفعل مبدأ اللاتماثل البنّاء الذي يتيح للدول أن تُعطي أقاليم بعينها وضعًا خاصًا دون أن تعمم ذلك النموذج، في انسجام مع تجارب ديمقراطية متعددة. وفي هذا الإطار، شدد على أن الطابع المخصوص للمبادرة لا يمس بمبدإ المساواة بين الجهات، بل يندرج في منطق التمايز الوظيفي، كأداة عقلانية لتدبير تنوع الدولة. أما من الزاوية الإفريقية، فقد اعتبر المتحدث أن القيمة المضافة للمبادرة المغربية تتجاوز بعدها المحلي، إذ تمثل، في نظره، مساهمة استراتيجية في تشكيل نماذج بديلة لتسوية النزاعات الترابية بالقارة الإفريقية، ذلك أن القارة، التي تعاني من موجات انفصالية وانقسامات هوياتية تهدد بنيان الدولة الوطنية، في أمس الحاجة إلى حلول تضمن وحدة الدول دون سحق تنوعها الداخلي. المبادرة المغربية، بهذا المعنى، تقدم درسًا قانونيا وسياسيا مفيدا، وتؤكد أنه بالإمكان تحقيق التوازن بين الهوية المحلية والوحدة الوطنية دون المساس بأي من الطرفين، يضيف المتحدث. وفي ختام مداخلته، أشار الدكتور مولاي بوبكر حمداني إلى أن المبادرة المغربية لا تمثل فقط إطارا قانونيا، بل أيضا مشروعا وطنيا طموحا يعكس الثقة التي راكمها المغرب في تدبيره لقضاياه الكبرى، ويعبر عن استعداد حقيقي لمنح صلاحيات واسعة ضمن دولة موحدة، في إطار رؤية متكاملة للتنمية والحكامة الجيدة. إن قوة هذه المبادرة، وفق تحليله، لا تكمن فقط في مضمونها، بل أيضًا في توقيتها، ومقروئيتها الدولية، وقدرتها على ملاءمة تطورات القانون الدولي دون التفريط في الثوابت الوطنية، ما يجعل منها اليوم، ليس فقط أداة لحل نزاع، بل مرجعا يحتذى في جهود الاستقرار والتكامل السياسي بالقارة الإفريقية.