
مناورات عسكرية روسية في بحر البلطيق.. ما رسائلها؟
موسكو- تواصل السفن الحربية الروسية مناوراتها العسكرية الواسعة في بحر البلطيق ، في إطار ما سمته وزارة الدفاع الحفاظ على القدرات العملياتية وتأمين قواعدها في هذا المسطح المائي، بمشاركة قطعات من الأسطول الشمالي وبدعم من طائرات القوات الجوية الفضائية وقوات منطقتي موسكو و لينينغراد العسكريتين.
ويشارك في المناورات نحو 3 آلاف جندي وأكثر من 20 سفينة حربية وقاربا وسفينة دعم وقرابة 25 طائرة ومروحية وما يصل إلى 70 وحدة من المعدات العسكرية والخاصة.
ووفق برنامج المناورات، سيتعين على أطقم السفن حل مهام مكافحة الغواصات، والتصدي للقوارب غير المأهولة، والتدريب على استهداف الأهداف البحرية والجوية "المعادية".
سياسة الاحتواء
وتأتي المناورات الروسية الجديدة بعد نحو شهر من مناورات عسكرية في إستونيا أغلقت على خلفيتها السلطات في طالين (العاصمة) معبر نارفا الحدودي مع روسيا لمدة 3 أيام بعد أن أقر البرلمان الإستوني مشروع قانون يسمح للسفن العسكرية في بحر البلطيق باستخدام القوة ضد السفن "المشبوهة" وحتى إغراقها إذا اعتُبرت تهديدا للبنية التحتية تحت الماء.
كما تأتي بعد يوم واحد من انتهاء مناورات "حصن الرعد 2025" العسكرية الدولية في ليتوانيا بمشاركة نحو 8 آلاف جندي، وقال قائد القوات المسلحة الليتوانية رايمونداس فايكسنوراس إنها لاختبار استعداد القوات الليتوانية والحليفة لتنفيذ خطط دفاعية على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
وكان ألكسندر غروشكو نائب وزير الخارجية الروسي قد وصف هذه المناورات بأنها تستهدف روسيا، مؤكدا أن بلاده ستتخذ إجراءات لإحباط "جهود نشر القوة باتجاه روسيا"، وأن جميع مناورات الناتو مرتبطة بفكرة واحدة هي احتواء روسيا وإعداد التحالف لمواجهة عسكرية معها.
أسطول الظل
ويطرح تزايد النشاط العسكري المتزايد لفنلندا وإستونيا في بحر البلطيق والمناورات الروسية "المضادة" تساؤلات عن أسباب التصعيد الجديد على محور بحر البلطيق، وفيما إذا كان المقصود هو مواجهة ما يسمى "أسطول الظل" الذي يقول الاتحاد الأوروبي إن روسيا تستخدمه لتجاوز العقوبات المفروضة عليها.
ومن المفيد في السياق الإشارة الى الحادثة التي وقعت منتصف الشهر الحالي عندما حاولت البحرية الإستونية الاستيلاء على ناقلة النفط "جاغوار" في المياه المحايدة خلال توجهها إلى بريمورس.
وكان الإستونيون يعتزمون إجبار الناقلة -التي كانت ترفع علم الغابون – على التوجه إلى المياه الإقليمية للجمهورية، لكن المقاتلات الروسية تدخلت ورافقت الناقلة إلى وجهتها.
ويفسر الخبير في الشؤون العسكرية ألكسي أرباتوف المناورات الروسية بأنها لتأمين الدوريات المستقبلية في المياه المحايدة، للحد من "التجاوزات" التي حصلت مؤخرا، وتمثلت بمحاولات إيقاف سفن مدنية وإجبارها على دخول موانئ إستونيا وليتوانيا ولاتفيا وفنلندا والسويد.
ويضيف أرباتوف للجزيرة نت أن أسطول البلطيق يعمل حاليا على الحد من أي تأثير عدواني على السفن المدنية الروسية، بما في ذلك مساعدة أنظمة الدفاع الساحلي والطيران.
ويتابع أن روسيا اكتسبت خبرة كبيرة خلال عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن عندما كان القراصنة الصوماليون ينشطون هناك وأوقفوا سفنا مدنية واستولوا عليها ونهبوا طواقمها، قبل أن تقوم سفن الأسطول الروسي بمواجهتهم وإيقافهم.
وأشار أرباتوف إلى أن الدول الأوروبية المنضوية تحت "تحالف الراغبين" باتت تصعّد الوضع في بحر البلطيق و"تتعدى" على البحر الأسود بعد أن اعتُمدت مؤخرا وثيقة تعتزم فيها ضمان الأمن من خلال إشراك دول البحر الأسود والدول غير الأعضاء فيه من الاتحاد السوفياتي السابق مثل مولدوفا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان.
ويؤكد أن المناورات الروسية جاءت كذلك ردا على تجاهل الأوروبيين القضايا الأمنية في البحر الأسود التي تقلق روسيا، حيث يأمل الاتحاد الأوروبي في استبدال اتفاقية مونترو التي تنظم وجود السفن الأجنبية في البحر الأسود بشكل صارم.
ويتابع أرباتوف أنه إذا وُضع هذا الإعلان -الذي توصلت إليه دول الاتحاد الأوروبي- موضع التنفيذ فقد يسعى الاتحاد الأوروبي ممثلا بفرنسا وألمانيا إلى رفع مستوى التصعيد لأقصى حد في البحر الأسود.
ويختم "بما أن قوات أسطول البحر الأسود تشارك في العملية العسكرية الخاصة مع أوكرانيا فإن هذا يبدو محاولة لإضعاف روسيا بشكل جدي، ففي حال وصل الوضع في البحر الأسود إلى ذروته فإن المناورات القادمة لضمان سلامة الملاحة ستُجرى في البحر الأسود كذلك، ويبدو أن القيادة الروسية تستعد لذلك من خلال مناورات البلطيق".
لمكافحة القرصنة
من جانبه، يعتبر الخبير في القانون الدولي ديمتري سوسلوف أن تصاعد التوترات في بحر البلطيق دفع روسيا إلى استخدام القوافل العسكرية لمرافقة سفنها، وردا على إجراءات إستونيا التي حاولت احتجاز ناقلة يُزعم تورطها في التحايل على العقوبات.
ويضيف سوسلوف في حديث للجزيرة نت أن المناورات الروسية واسعة النطاق في بحر البلطيق هي رسالة تحذيرية تجاه الإجراءات التي تتخذها الدول الأوروبية بهدف فرض حصار بحري، وهي إجراءات محفوفة بعواقب وخيمة، حسب تعبيره.
ويحذّر من أن التاريخ يشهد أمثلة عديدة لمحاولات حصار بحري أدت إلى صراعات مسلحة، مشيرا إلى أن محاولات الضغط على روسيا قد تؤدي إلى حصول حوادث عشوائية، مثل الاصطدامات مع السفن أو الطائرات العسكرية الروسية، مما قد يجعلها خارجة عن السيطرة.
ويلفت سوسلوف إلى أن أهداف المناورات الروسية تنطلق من قاعدة قانونية تنص عليها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تمنح أي دولة مجاورة لأي منطقة مائية الحق في العمل على منع أو التحذير من أي أعمال غير قانونية تتعلق بالتهريب، مع إمكانية نقل أسلحة الدمار الشامل والبضائع المحظورة ضمن مياهها الإقليمية فقط.
لكنه يوضح أنه لا يُسجل في أي مكان حق أي دولة في مهاجمة السفن المشبوهة خارج نطاق مياهها الإقليمية، أي المنطقة الخاضعة لولايتها القضائية، وبالتالي فإن أي محاولة لتوسيع نطاق حقها ليشمل المنطقة المشمولة بمفهوم المياه المحايدة تندرج ضمن مفهوم القرصنة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
سلسلة انفجارات شرقي أوكرانيا وقصف روسي مكثف على خاركيف
أفاد مراسل الجزيرة بوقوع سلسلة انفجارات في مقاطعات عدة شرقي أوكرانيا نتيجة لهجمات متفرقة، على الرغم من الخطط لعقد جولة ثانية من المفاوضات لإنهاء حرب روسيا على أوكرانيا. وأعلنت الإدارة العسكرية في خاركيف تعرض حيين وسط المدينة لقصف روسي مكثف بالمسيرات الانتحارية تمكنت 8 منها من الوصول إلى مواقع ومنشآت عدة من بينها محطة وقود ومبانٍ حكومية وسكنية، مما أدى إلى أضرار واسعة. وقالت القوات الجوية الأوكرانية إن روسيا أطلقت 5 صواريخ و107 مسيرات نحو أوكرانيا، وتم إسقاط 3 مسيرات و69 صاروخا منها. وأشارت الإدارة العسكرية في سومي إلى استهداف بلدات ومناطق متفرقة من المقاطعة بمسيرات انتحارية وقنابل موجهة خلفت قتلى وعددا من الجرحى. وقد أكدت إدارة مقاطعة زاباروجيا جنوب شرقي أوكرانيا مقتل فتاة وإصابة آخرين نتيجة قصف مكثف تعرضت له بلدات الخطوط الأمامية للجبهة. وذلك إضافة إلى إعلان إدارات مقاطعات أوديسا ودنيبرو بتروفسك ومقاطعة كييف لهجمات جوية وعمل للدفاعات الجوية في أجوائها ليلا. وفي هجوم منفصل على مدينة خيرسون، أصيب رجل يبلغ من العمر 66 عاما بجروح قاتلة جراء قصف روسي، وفقا لما كتبه أوليكساندر بروكودين حاكم المنطقة. في المقابل، أسفرت هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية على روسيا عن إصابة 10 أشخاص في منطقة كورسك خلال الليل، وفقا لما ذكره القائم بأعمال الحاكم ألكسندر خينشتاين. محادثات وتسارعت وتيرة الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في الأسابيع الأخيرة، إذ التقى الجانبان في وقت سابق من هذا الشهر في أول جولة من المحادثات المباشرة بينهما منذ أكثر من 3 سنوات. ولكن المفاوضات في إسطنبول لم تسفر إلا عن تبادل للأسرى، ووعدت بالبقاء على اتصال. وصرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الجمعة بأن حكومته لا تتوقع نتائج من محادثات أخرى مع روسيا ما لم تقدم موسكو شروط السلام مسبقا، متهما الكرملين ببذل "كل ما في وسعه" لتخريب أي اجتماع محتمل. وأضاف زيلينسكي في بيان على تليغرام "يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار لمواصلة التقدم نحو السلام. علينا أن نوقف قتل الناس". وقال الرئيس الأوكراني أيضا إنه ناقش مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"اجتماعا قادما محتملا في إسطنبول، والشروط التي تكون أوكرانيا مستعدة للمشاركة بموجبها"، حيث اتفقا على أن الجولة القادمة من المحادثات مع موسكو "لا ينبغي أن تكون مضيعة للوقت". وأعلنت روسيا أنها سترسل فريقا من المفاوضين إلى إسطنبول لعقد جولة ثانية من المحادثات يوم الاثنين، لكن كييف لم تؤكد بعد إذا كانت ستحضر.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
بعد انتقاده بوتين.. هل يمهّد ترامب لتجاهل التسوية السياسية للحرب الأوكرانية؟
موسكو – في وقت بدت فيه العلاقات الروسية الأميركية كأنها تبتعد عن خطاب المواجهة وتقترب من الحوار السياسي لحل الأزمات العالقة بينهما، لا سيما ملف الحرب الأوكرانية ، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب"النارية" ضد نظيره الروسي فلاديمير بوتين لتطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التصريحات مقدمة للعودة إلى التوتر بين البلدين. وكان الرئيس الأميركي صرّح يوم 27 مايو/أيار الجاري بأن "بوتين لا يفهم أنه لولا ترامب لكانت روسيا قد تعرضت لأمور سيئة للغاية"، وقال إن الرئيس الروسي "يلعب بالنار". وجاءت انتقادات ترامب لبوتين في ظل الغارات الروسية المكثفة على أوكرانيا ، وما اعتبره ترامب عدم إحراز أي تقدم في محادثات إنهاء الحرب، مضيفا كذلك أن بوتين "جنّ جنونه" وأنه "يقتل الكثير من الناس دون داعٍ". من جانبها، سعت موسكو إلى "امتصاص" الهجوم الكلامي لترامب، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن "لكل دولة مصالحها الوطنية التي تحميها، وهذه المصالح فوق كل اعتبار". وذهب المتحدث في تصريحه إلى ما تشبه إشارات الغزل بقوله إن "الولايات المتحدة، التي تبذل جهودا حثيثة في إطار التسوية السلمية، ترغب في إحراز تقدم في هذه العملية"، مؤكدا أن موسكو ممتنة لواشنطن على هذه الجهود، وأنها تستعد للجولة المقبلة من المفاوضات مع كييف وستحافظ على الاتصالات مع الإدارة الأميركية. ومن بين جميع المسؤولين الرسميين الروس، وحده ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي غرّد خارج السرب، وقال إن "كلام ترامب عن لعب بوتين بالنار، والأمور السيئة للغاية التي قد تحدث لروسيا.. أعرف شيئا واحدا سيئا للغاية، الحرب العالمية الثالثة. آمل أن يفهم ترامب هذا". كلام ميدفيديف رد عليه في اليوم نفسه المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لأوكرانيا وروسيا كيث كيلوغ بقوله إن "زيادة المخاوف بشأن الحرب العالمية الثالثة تصريح مؤسف وغير مسؤول من ميدفيديف، ولا يليق بقوة عالمية"، مضيفا أن "الرئيس ترامب يعمل على وقف الحرب ووضع حد لأعمال القتل. ونحن في انتظار استلام مذكرة التفاهم من روسيا التي وعدتم بها قبل أسبوع. أوقفوا إطلاق النار فورا". تعبير عن فشل يبدو أن ما أعطى تصريحات ترامب الأخيرة صدا واسعا هو أنها لم تقتصر على توجيه انتقادات لاذعة لبوتين، بل حملت تهديدات باحتمال فرض عقوبات جديدة على روسيا. فهل بدأ العد التنازلي لتراجع الإدارة الأميركية عن مقاربتها للصراع الروسي الأوكراني وتفاهماتها الأخيرة مع موسكو؟ وفق وجهة نظر الباحث في الشؤون الدولية ديمتري كيم، فإن التصريحات "القاسية" التي أدلى بها ترامب ضد بوتين تُظهر يأس الولايات المتحدة من محاولة إجبار روسيا على الخضوع للمقاربة الأميركية لوقف الحرب على أوكرانيا. ويضيف في تعليق للجزيرة نت، أن ترامب يتمتز بفقدانه القدرة على ضبط النفس في التعابير والتوصيفات السياسية. فقد وصف بوتين بـ"المجنون"، و فولوديمير زيلينسكي و كير ستارمر و إيمانويل ماكرون ودونالد توسك و فريدريش ميرز بـ"المُحرِّضين على الحرب"، لكن عجزه عن ضبط انفعالاته هذه المرة مرتبط بفشل واشنطن في مواجهة روسيا وهزيمة بوتين شخصيا. ويوضح أن واشنطن كانت تأمل أن تتمكن من جرّ أوكرانيا إلى المعسكر الغربي وتوسيع حلف الناتو وإجبار روسيا على الاستسلام، لكن كان ذلك رهانا خاسرا؛ فقد كانت هذه قضية محورية بالنسبة لروسيا عندما ساعدت الولايات المتحدة في الإطاحة بحكومة موالية لموسكو في أوكرانيا، ثم بنت أكبر جيش في أوروبا هناك ودعمته في مواجهة القوات الروسية، حسب قوله. إعلان على هذا الأساس، يضع المتحدث هجوم ترامب على بوتين في سياق التمهيد للتراجع عن الوعود التي قطعها بوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث كان رهانه الحقيقي على أن موسكو المنهكة من الحرب والتي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من العقوبات، ستتجاوب بسرعة، لكن تبيّن العكس. "حفظ ماء الوجه" من جانبه، يرى الخبير في النزاعات الدولية فيودور كوزمين أن ترامب يتظاهر بالغضب الشديد من روسيا، ويحاول الإيحاء بأن بوتين على وشك إحراق "الجسر الذهبي" الذي بناه له، لكن على الأرجح وبالعكس من ذلك، ستؤدي إجراءات محددة إلى تصعيد ضد أوكرانيا. ويضيف للجزيرة نت أن "ترامب على ما يبدو لا يتلقى معلومات كافية ودقيقة بشأن الصراع في أوكرانيا، إذ يتكلم ويوجه الاتهامات للرئيس الروسي وكأنه لا يعرف بحصول هجمات إرهابية ضخمة تنفذها أوكرانيا كل يوم تقريبا ضد المدن الروسية المسالمة". ويقرّ المتحدث بأن الولايات المتحدة قد تفرض عقوبات جديدة على روسيا، ولكنه مع ذلك يرى أن هذه القيود ستكون رمزية إلى حد ما بهدف الإظهار "لصقور أوروبا" أن واشنطن تمارس ضغوطا على موسكو. ويلفت إلى أن ترامب يدرك تماما أن العقوبات الجسيمة لا تضرّ إلا بالمصالح الأميركية لأنها تُقرّب روسيا والصين. لكن إذا فرضت فلن تشمل عقوبات مصرفية جديدة. ومع ذلك، لا يستبعد كوزمين خيارات أخرى للضغط على روسيا لتقديم تنازلات، بما في ذلك الموافقة على وقف إطلاق نار لمدة 30 يوما.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
جيوش العالم تزيد التسلح وتراكم انبعاثات الكربون
مع انخراط العالم في أكبر عدد من الصراعات المسلّحة منذ الحرب العالمية الثانية، شرعت البلدان في حملات إنفاق عسكري، ليصل مجموعها إلى رقم قياسي بلغ 2.46 تريليون دولار في عام 2023، كان لتلك الصراعات آثار إنسانية واقتصادية واجتماعية مدمرة، ومخاطر بيئية ومناخية. حسب دراسة جديدة، يشكّل الحشد العسكري العالمي تهديدا وجوديا لأهداف المناخ، فعدد قليل من الجيوش تتمتع بالشفافية بشأن حجم استخدامها الوقود الأحفوري، لكن الباحثين في الدراسة قدروا أن هذه الجيوش مجتمعة مسؤولة بالفعل عن 5.5% من انبعاثات الغازات المسببة لل احتباس الحراري على مستوى العالم. وقالت إيلي كيني، الباحثة في مرصد الصراعات والبيئة والمؤلفة المشاركة للدراسة، والتي شاركت في إعدادها حصريا مع صحيفة غارديان البريطانية، "هناك قلق حقيقي بشأن الطريقة التي نعطي بها الأولوية للأمن على المدى القصير، ونضحي بالأمن على المدى الطويل". ويشكّل تغيّر المناخ عاملا محفزا للصراعات التي يرتبط بالتنافس على الموارد الشحيحة بعد فترات جفاف وتصحر طويلة، أو على الموارد الجديدة، حيث يُؤدي انحسار الجليد البحري في القطب الشمالي إلى توترات حول مَن يملك السيطرة على موارد النفط والغاز والمعادن الحيوية النادرة التي أصبحت متاحة حديثا. ومن المتوقع أن يرتفع حجم الإنفاق، وبالتالي الانبعاثات مع تصاعد التوترات في عدد من المناطق، ومع إشارة الولايات المتحدة، التي كانت لعقود من الزمن أكبر دولة منفقة على الجيش في العالم، إلى أنها تتوقع من حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تخصيص المزيد من الموارد لقواتهم المسلحة. وحسب مؤشر السلام العالمي، ارتفعت وتيرة العسكرة في 108 دول عام 2023، مع تورط 92 دولة في صراعات مسلحة بشكل ما. أوروبا والعودة إلى السلاح وفي أوروبا، كانت الزيادة دراماتيكية بشكل خاص، فبين عامي 2021 و2024، ارتفع إنفاق دول الاتحاد الأوروبي على الأسلحة بأكثر من 30%، وفقا للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية. وفي شهر مارس/آذار، أشار الاتحاد الأوروبي، الذي شعر بالقلق إزاء خفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب المساعدات العسكرية والدعم الدبلوماسي لأوكرانيا، إلى أنه سيذهب إلى أبعد من ذلك، مع مقترحات لإنفاق 800 مليار يورو (907 مليارات دولار)، إضافية في جميع أنحاء الكتلة، كما جاء في خطة تسمى "إعادة تسليح أوروبا". في تحليلٍ أجراه مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، بحثت كيني وزملاؤها التأثير المحتمل لزيادة العسكرة على تحقيق أهداف المناخ، وكانت النتيجة صادمة، فالزيادة المحتملة في الانبعاثات الناتجة عن إعادة تسليح حلف الناتو وحدها تعادل إضافة تكلفة دولة كبيرة وكثيفة السكان مثل باكستان إلى ميزانية الكربون المتبقية في العالم. وقدر الباحثون أن إعادة التسلح التي يخطط لها حلف الناتو وحدها قد تزيد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنحو 200 مليون طن سنويا. وقالت إيلي كيني "يتناول تحليلنا تحديدا التأثير على الهدف الـ13 من أهداف التنمية المستدامة، وهو العمل المناخي، أي اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ وآثاره"، وأضافت "وما يخلص إليه تحليلنا، بالنظر إلى مختلف الأهداف الفرعية لهذا الهدف.. هو أن هناك تهديدا حقيقيا للعمل المناخي العالمي ناجما عن الزيادة العالمية في الإنفاق العسكري". من بين جميع وظائف الدول، تُعدّ الجيوش فريدة من نوعها في استهلاكها للكربون. يقول لينارد دي كليرك، من مبادرة محاسبة انبعاثات غازات الدفيئة في الحروب، وهو أحد المشاركين في الدراسة "أولا، من خلال المعدات التي تشتريها، والتي تتكون أساسا من كميات كبيرة من الفولاذ والألمنيوم، التي يستهلك إنتاجها كميات كبيرة من الكربون". وتأتي الانبعاثات أيضا من خلال العمليات، حيث تكون الجيوش سريعة الحركة، وتستخدم الوقود الأحفوري للتنقل، الديزل للعمليات البرية والكيروسين للعمليات الجوية، أو في العمليات البحرية، يُستخدم الديزل بشكل أساسي أيضا، إذا لم تكن تعمل بالطاقة النووية. ونظرا للسرية التي تحيط عادة بالجيوش وعملياتها، يصعب تحديد كمية غازات الاحتباس الحراري التي تنبعث منها، قال دي كليرك "اخترنا الناتو لأنه الأكثر شفافية من حيث الإنفاق، لذا، ليس هدفنا التركيز عليه تحديدا، بل ببساطة لأن لديه بيانات أكثر توافرا". وقد قام الباحثون بحساب مقدار الزيادة في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إذا قامت دول حلف الناتو باستثناء الولايات المتحدة، لأنها تنفق بالفعل أكثر بكثير من الدول الأخرى، بزيادة قدرها نقطتان مئويتان في حصة الناتج المحلي الإجمالي المخصصة لجيوشها. هذه الزيادة جارية بالفعل، حيث زاد العديد من الدول الأوروبية إنفاقها العسكري بشكل ملحوظ استجابة للأزمة في أوكرانيا، ورغم التزام دول الناتو علنا بزيادة الإنفاق إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي. العسكرة والأثمان البيئية يرى الباحثون أن خطة إعادة تسليح أوروبا قد تؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة قدرها 3.5%، من حوالي 1.5% في عام 2020. وافترض الباحثون زيادة مماثلة في عدد أعضاء الناتو غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل المملكة المتحدة. واستعار الباحثون منهجية من ورقة بحثية حديثة زعمت أن كل زيادة بنسبة نقطة مئوية واحدة في حصة الناتج المحلي الإجمالي المخصصة للإنفاق العسكري، من شأنها أن تؤدي إلى زيادة في الانبعاثات الوطنية تتراوح بين 0.9% و2%، وقدروا أن صدمة الإنفاق بنسبة نقطتين مئويتين من شأنها أن تؤدي إلى زيادة تتراوح بين 87 و194 ميغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (CO2e) سنويا في جميع أنحاء الكتلة. يقول الباحثون إن هذه الزيادة الهائلة في الانبعاثات لن تُفاقم انهيار المناخ فحسب، بل إن ارتفاع درجات الحرارة العالمية سيضر بالاقتصاد، وتشير التقديرات الأخيرة للتكلفة الاجتماعية للكربون، وهو مؤشر نقدي على أضرار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، إلى أنها تبلغ 1347 دولارا لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، مما يشير إلى أن التكلفة السنوية للحشد العسكري لحلف الناتو قد تصل إلى 264 مليار دولار سنويا. وتشير كيني إلى أن هذا لا يمثل سوى جزء ضئيل من التكلفة الكربونية الحقيقية للعسكرة، وقالت "الحسابات الواردة في الدراسة، والتي تشمل 31 دولة، تمثل 9% فقط من إجمالي الانبعاثات العالمية، وإذا نظرنا إلى تأثير ذلك، نجد أن هناك الكثير من دول العالم التي لم نأخذها في الاعتبار في هذا الحساب تحديدا". ويشير التحليل أيضا إلى أن زيادة الإنفاق على الجيوش تُقلل الموارد المتاحة للسياسات الرامية إلى التخفيف من آثار تغير المناخ، ويبدو أن هذا هو الحال بالفعل، إذ تُمول المملكة المتحدة -على سبيل المثال- زيادة إنفاقها بخفض ميزانية مساعداتها الخارجية، وهي خطوة تتكرر في بلجيكا وفرنسا وهولندا.