logo
حرب الوكالة: السودان والإمارات.. هل تغير «دولة ممزقة» تاريخ الحروب؟

حرب الوكالة: السودان والإمارات.. هل تغير «دولة ممزقة» تاريخ الحروب؟

التغيير٢٦-٠٤-٢٠٢٥

لعقود طويلة، كانت حروب الوكالة ـ ولا تزال ـ حيزاً غامضاً تتحرك فيه الدول لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من دون الانخراط المباشر في أعمال عسكرية واسعة النطاق.
التغيير ــ وكالات
لكن هذا الحيز الرمادي ـ ثمة احتمالات ولو ضعيفة ـ قد يتقلّص، إذ تعيد دعوى قضائية جديدة النقاش حول إمكانية تجريم المشاركة ـ ولو عن بُعد ـ في جرائم الحرب.
السودان ضد الإمارات
يقاضي السودان دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تأجيج نزاع داخلي، من دون أن تنشر الدولة الخليجية قواتها على الأراضي السودانية.
يزعم السودان أن الإمارات متواطئة ـ بتقديم دعم مالي وسياسي وعسكري ـ في 'إبادة جماعية' ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع بحق قبيلة المساليت في غرب دارفور، نوفمبر 2023.
القضية 'غير مسبوقة في نطاق القانون الدولي'، يقول لموقع 'الحرة' عبدالخالق الشايب، وهو مستشار قانوني وباحث في جامعة هارفارد.
وإذا قضت المحكمة لصالح السودان، فيسكون الحكم ـ بدوره ـ 'سابقة قانونية' تُحمّل فيها دولة المسؤولية القانونية عن حرب بالوكالة، خاضتها عن بُعد.
وسيوفر الحكم أساسا لمساءلة الدول عن حروب الوكالة، وإعادة تقييم مبدأ عدم التدخل في سياق الحروب غير المباشرة.
يقول خبراء قانون لموقع 'الحرة'، إن قضية السودان ـ إذا نجحت ـ ستؤدي إلى إعادة النظر في أدق التحفظات المتعلقة بالمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، خصوصا عندما تكون هناك ادعاءات بارتكاب إبادة جماعية.
وقد تفقد الدول ـ نتيجة لذلك ـ القدرة على حماية نفسها من اختصاص المحكمة في مثل هذه القضايا.
ومن تداعيات القضية ـ إذا قررت محكمة العدل الدولية البت فيها ـ إعادة تفسير اتفاقية الإبادة الجماعية لتشمل حالات التورط غير المباشر أو التواطؤ في جرائم الحرب.
حروب الوكالة
في حديث مع موقع 'الحرة'، تقول ريبيكا هاملتون، أستاذة القانون الدولي في الجامعة الأميركية في واشنطن، إن مفهوم الحرب بالوكالة يتبدى عندما تتصرف دولة كراع وتدعم طرفا آخر في ارتكاب أفعال خاطئة.
ورغم أن حروب الوكالة تبدو ظاهرة حديثة، فلها تاريخ طويل ومعقّد.
تُعرّف بأنها صراعات تقوم فيها قوة كبرى ـ عالمية أو إقليمية ـ بتحريض طرف معين أو دعمه أو توجيهه، بينما تظل هي بعيدة، أو منخرطة بشكل محدود في القتال على الأرض.
تختلف حروب الوكالة عن الحروب التقليدية في أن الأخيرة تتحمل فيها الدول العبء الأكبر في القتال الفعلي، وعن التحالفات التي تساهم فيها القوى الكبرى والصغرى حسب قدراتها.
وتُعرف حروب الوكالة أيضا بأنها تدخّل طرف ثالث في حرب قائمة. وتشير الموسوعة البريطانية إلى أن الأطراف الثالثة لا تشارك في القتال المباشر بشكل كبير، ما يتيح لها المنافسة على النفوذ والموارد باستخدام المساعدات العسكرية والتدريب والدعم الاقتصادي والعمليات العسكرية المحدودة من خلال وكلاء.
من الإمبراطورية البيزنطية إلى سوريا
يعود تاريخ الحروب بالوكالة إلى عصور قديمة، فقد استخدمت الإمبراطورية البيزنطية استراتيجيات لإشعال النزاعات بين الجماعات المتنافسة في الدول المجاورة، ودعمت الأقوى بينها.
وخلال الحرب العالمية الأولى، دعمت بريطانيا وفرنسا الثورة العربية ضد الدولة العثمانية بطريقة مشابهة. وكانت الحرب الأهلية الإسبانية ساحة صراع بالوكالة بين الجمهوريين المدعومين من الاتحاد السوفيتي والقوميين المدعومين من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية.
وخلال الحرب الباردة، أصبحت الحروب بالوكالة وسيلة مقبولة للتنافس على النفوذ العالمي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تجنبا لاحتمال نشوب حرب نووية كارثية.
ومن أبرز الأمثلة: الحرب الكورية، حرب فيتنام، الغزو السوفيتي لأفغانستان، والحرب الأهلية في أنغولا. استمرت هذه الحروب حتى القرن الحادي والعشرين. وتُعد الحرب في اليمن مثالا واضحا لحروب الوكالة، حيث تدعم إيران الحوثيين بينما تدعم السعودية وحلفاؤها الحكومة اليمنية.
وأظهر الصراع في سورية قبل سقوط نظام بشار الأسد مثالا صارخا لحروب الوكالة في عصرنا، من خلال تدخل روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا دعما لفصائل مختلفة.
قضية السودان ضد الإمارات قد تدفع دولا أخرى إلى التفكير باللجوء إلى محكمة العدل الدولية في دعاوى مماثلة، ولكن!
الإبادة الجماعية؟
لا تتعلق دعوى السودان بحروب الوكالة تحديدا، يؤكد الخبراء، بل تستند إلى اتفاقية 'منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة المتورطين فيها'.
تدّعي الخرطوم أن ميليشيات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بينها القتل الجماعي، والاغتصاب، والتهجير القسري للسكان غير العرب، وتزعم أن تلك الجرائم ما كانت لتحدث لولا الدعم الإماراتي، بما في ذلك شحنات الأسلحة عبر مطار أمجاراس في تشاد.
'يحاول السودان أن يثبت دور دولة أخرى غير المباشر في ارتكاب قوات عسكرية أو ميلشيا تحارب في السودان إبادة جماعية'، يقول الخبيرة عبدالخالق الشايب.
'أساس القضية،' يضيف، 'المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها'.
رغم أن كلّا من الخرطوم وأبوظبي من الموقعين على الاتفاقية، تعتقد هاملتون أن من غير المحتمل أن يتم البت في هذه القضية، إذ إن 'محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها'.
'عند توقيعها على اتفاقية الإبادة الجماعية،' تتابع هاميلتون، 'أكدت الإمارات أنها لم تمنح محكمة العدل الدولية السلطة للفصل في النزاعات التي قد تنشأ بينها وبين دول أخرى بشأن هذه الاتفاقية'.
ويلفت ناصر أمين، وهو محام مختص بالقضايا الدولية، إلى أن النزاع القائم في السودان يُعتبر وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني نزاعا مسلحا داخليا، إلى أن تثبت الخرطوم بأن هناك تدخلا من إحدى الدول لصالح أحد أطراف النزاع داخليا'.
'وهذا يحكمه بروتوكول ملحق باتفاقيات جنيف أو بالقانون الدولي الإنساني المذكور في المادة 3 من البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف المنعقدة عام 1929،' يضيف.
تنص المادة الثالثة على أن أحكام هذه الاتفاقية لا تسمح لأي دولة أن تتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى أو أن تمارس أي أعمال داعمة لأي فصيل متنازع أو متصارع.
'على السودان أن يثبت أمام محكمة العدل الدولية أن هناك خرقا حدث للمادة 3 من البروتوكول'، يوضح.
لم يرد المركز الإعلامي، لسفارة الإمارات في واشنطن، على طلب للتعليق بعثه موقع 'الحرة' عبر البريد الإلكتروني.
نقاط القوة والضعف
وتقول ربيكا هاملتون 'من المؤسف' أنه من غير المحتمل أن تُرفع هذه القضية، حيث إن محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها.
ويشير الباحث القانوني، عبدالخالق الشايب، إلى أن قضية السودان ضد الإمارات 'يبقى التعامل معها متعلقا بوكالات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن تحديدا'.
لكن هاملتون تقول إن هناك مجموعة من القوانين الدولية التي تحظر حروب الوكالة، لكن 'التحدي الحقيقي يكمن في كيفية إنفاذ هذه القوانين'.
'سابقة'.. حتى لو تعثرت؟
أن تتعثر قضية السودان ضد الإمارات ـ بسبب الاختصاص القضائي ـ أمر وارد، لكنها تبقى، وفق خبراء في القانون، 'ذات دلالة رمزية كبيرة'.
'بغض النظر عن نتيجتها،' تقول أستاذة القانون الدولي ربيكا هاملتون، لموقع 'الحرة'، 'تمثل القضية محاولة جريئة من دولة ممزقة بالصراعات لتوسيع مفهوم المساءلة عن ممارسات الحرب الحديثة'.
وحتى إن رفضت محكمة العدل الدولية النظر في الدعوى، فإن القضية تضيّق الحيز الرمادي الفاصل بين المسؤولية المباشرة والمسؤولية غير المباشرة عن جرائم الحرب.
في تصريحات لموقع 'JUST SECURITY'، يشير خبراء قانون إلى أن صدور حكم لصالح السودان ـ حتى وإن كان ذلك غير مرجح ـ قد يؤدي إلى إعادة تقييم شاملة للمعايير القانونية الدولية المتعلقة بتواطؤ الدول وتدخلها.
قبول الدعوى قد يدفع القانون الدولي إلى مواجهة التكلفة الحقيقية لحروب الوكالة الحديثة — سواء خيضت بجنود على الأرض، أو من خلال دعم مالي وعسكري عن بُعد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عطل مفاجئ يضرب منصة "إكس" وتضرر آلاف المستخدمين
عطل مفاجئ يضرب منصة "إكس" وتضرر آلاف المستخدمين

صوت الأمة

timeمنذ 32 دقائق

  • صوت الأمة

عطل مفاجئ يضرب منصة "إكس" وتضرر آلاف المستخدمين

تعطّل منصة التواصل الاجتماعي "إكس - X" لآلاف المستخدمين، حسبما أفاد موقع "داون ديتكتور - Downdetector" المتخصص في تتبع حالات التعطّل. وسُجلت أكثر من 26 ألف حالة إبلاغ عن مشاكل في استخدام المنصة حول العالم، وفقًا لموقع "داون ديتكتور"، الذي يتتبع حالات التعطّل من خلال جمع تقارير الحالة من مصادر متعددة. ولم تعلق منصة "إكس" على تعطل الموقع. تعتمد أرقام "داون ديتكتور" على التقارير التي يقدمها المستخدمون. قد يختلف العدد الفعلي للمستخدمين المتضررين.

"طنين و فرقة الأمل " .. المركز القومي للسينما يحتفي بالإبداع السوداني في أمسية جماهيرية
"طنين و فرقة الأمل " .. المركز القومي للسينما يحتفي بالإبداع السوداني في أمسية جماهيرية

صوت الأمة

timeمنذ 32 دقائق

  • صوت الأمة

"طنين و فرقة الأمل " .. المركز القومي للسينما يحتفي بالإبداع السوداني في أمسية جماهيرية

في السابعة مساء يوم الأربعاء المقبل ، ينظم مركز الثقافة السينمائية، التابع للمركز القومي للسينما،أمسية سينمائية، يعرض خلالها الفيلم السوداني (طنين) وفيلم (فرقة الأمل) للمخرج محمد فاوي. وقد ذكر المركز القومي للسينما، في بيان اليوم السبت، أن عرض الفيلمين يأتي في إطار حرص المركز على التأكيد على الحقوق الثقافية وتحقيق العدالة الثقافية بين جميع الفئات داخل المجتمع، ومن المقرر أن يتم عقب عرض الفيلمين، عقد ندوة يديرها المخرج زهير عبد الكريم الأمين العام ومؤسس اتحاد الفنانين السودانيين بمصر، وذلك بحضور المخرج محمد فاوي وأبطال وصناع الفيلمين. الفيلم السوداني القصير "طنين" هو العمل الأول للمخرج محمد فاوي، وشارك في مهرجان الفيلم الإفريقي في نيويورك، وكان الفيلم قد شهد عرضه الأول عالميا في الدورة 44 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي. "طنين" فيلم سوداني للمخرج محمد فاوي، وشاركه في كتابة السيناريو أحمد شاويش ونورا عادل، ومن بطولة جسور أبو القاسم، زهرة منصور وعلي عبد الغفار، والأحداث مأخوذة عن قصة حقيقية تدور حول أم مريضة تراقب ابنها وابنتها وهما يواجهان مأساتها والواقع الجديد بينما تسوء حالتها الصحية. أما الفيلم الوثائقي "فريق الأمل" للمخرج محمد فاوي، فيتناول ويوثق تجربة حقيقية لمجموعة من النساء والفتيات خاضن تجربة ممارسة التصوير وذلك من خلال ورشة عمل لتعلم التصوير. ويأتي ذلك في إطار حرص مركز الثقافة السينمائية علي إقامة العديد من الفعاليات الخاصة، والتي تتناسب مع مختلف الفئات العمرية داخل المجتمع.

وفاة الشيخ السيد سعيد سلطان القراء
وفاة الشيخ السيد سعيد سلطان القراء

صوت الأمة

timeمنذ 32 دقائق

  • صوت الأمة

وفاة الشيخ السيد سعيد سلطان القراء

توفي القارئ الشيخ السيد سعيد، الملقب بسلطان القراء، حيث أعلنت أسرة القارئ الشيخ منذ قليل عن وفاته وكان الشيخ سيد سعيد توقف منذ سنوات عن القراءه وذلك بسبب معاناته من مرض الفشل الكلوي، ويقوم بالمتابعة في المستشفي للقيام بجلسات الغسيل الكلوي 3 مرات أسبوعيا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store