
من وحي زيارة لاريجاني... كيف "تميّز" الدولة اللبنانية بين التدخلات الخارجية؟!
هكذا، تحوّلت الزيارة، التي جاءت في ذروة نقاش داخلي حول "خارطة طريق" حكومية لنزع سلاح " حزب الله "، سريعًا إلى اختبار لسياسة لبنانية جديدة قيد التشكل، تقوم على مدّ اليد للجميع، لكن تحت سقف سيادة الدولة وحصرية قرارها الأمني والعسكري. ويأتي ذلك في وقت تحاول فيه الحكومة رسم توازن جديد في علاقاتها الخارجية، وسط تصاعد اتهامات من الأوساط المقرّبة من "حزب الله" بأنها تميل إلى الاصطفاف في المحور الغربي المعادي لإيران.
في القصر الجمهوري، استقبل الرئيس جوزاف عون لاريجاني برسالة واضحة: "غير مسموح لأي جهة حمل السلاح أو الاستقواء بالخارج"، مؤكّدًا انفتاح لبنان على أي تعاون في إطار الاحترام المتبادل للسيادة. وفي السراي الحكومي، كرّر رئيس الحكومة نواف سلام موقفًا لا يقل صراحة وحزمًا، مؤكدًا أنّ لبنان لن يقبل أي تدخل في شؤونه الداخلية، وداعيًا طهران إلى الالتزام العلني بهذا المبدأ.
في المقابل، حاول لاريجاني تهدئة الأجواء، مؤكدًا أنّ إيران "تحترم سيادة الدول ولا تتدخل في شؤونها"، من دون أن ينفي عمليًا دعم بلاده للمقاومة، وخصوصًا "حزب الله"، وهو الذي حرص على لقاء الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، وزيارة ضريح السيد حسن نصر الله. وهنا يطرح السؤال: ما الرسائل التي تحملها زيارة لاريجاني، وبالأخصّ طريقة التعامل معه؟ وأبعد من ذلك، هل "تميّز" الدولة اللبنانية بين التدخلات الخارجية، ولا سيما الإيرانية والغربية؟.
في المبدأ، يمكن القول إنّ لبنان الرسمي تعامل مع زيارة لاريجاني كما لم يتعامل مع أي زيارات سابقة لمسؤولين خارجيين، وهو ما ظهر جليًا في المواقف المعلنة عن رئيسي الجمهورية والحكومة خلال استقبالهما للضيف الإيراني، فضلاً عن تصريح وزير الخارجية يوسف رجّي الذي قال صراحة إنه ما كان ليلتقي لاريجاني لو طلب موعدًا، وهو كلامٌ اعتبره كثيرون بعيدًا عن الأعراف الدبلوماسية.
وإذا كان البعض قد تعمّد تسريب معلومات عن أنّ أحد المسؤولين الذين التقاهم لاريجاني كان بدوره في وارد "الاعتذار" عن عدم استقباله، ردًّا على تصريحات لمسؤولين إيرانيين، أبرزهم علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، انتقدوا قرار الحكومة حصر السلاح بيد الدولة، فإنّ العارفين يرون ان أرادوا استغلال هذه المشهدية من أجل توجيه "رسالة طمأنة" إلى المجتمع الدولي، عنوانها اعتماد "الحزم" مع إيران.
وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري خرج عن هذه السياسة الرسمية، إن صحّ التعبير، فكان له على النقيض، دور محوري في "تدوير الزوايا"، خلال لقائه مع الضيف الإيراني، حيث قرأت مصادر سياسية في هذا الحراك أنّ بري يحمل دائمًا "ورقة توازن" داخلية تراعي الحفاظ على موقع المقاومة، وتجنّب أي مواجهة مفتوحة مع الحكومة، مع مراعاة المناخ الإقليمي وضغوط العواصم الغربية والعربية.
وبعيدًا عن الأسلوب الرسمي في التعامل مع زيارة لاريجاني، يبقى الأكيد أنّ الأخيرة لم تخلُ أيضًا من مشاهد رمزية، تمثّلت خصوصًا في اللقاءات "غير الرسمية" التي عقدها الرجل، وخصوصًا اجتماعه مع الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، حيث جاء ليعزّز البعد التقليدي للعلاقة، إذ شكر الأخير إيران على دعمها، مؤكدًا أن المقاومة مستمرة في دورها طالما استمرت إسرائيل في احتلال الأراضي اللبنانية وتهديد أمن البلد.
في المقابل، تستغرب أوساط محسوبة على الحزب أسلوب التعامل مع لاريجاني، متسائلة كيف يمكن إقرار ورقة وُصفت بأنها "أميركية" على طاولة مجلس الوزراء، وبضغط مباشر من الموفد الأميركي، ثم توجيه الانتقادات إلى مسؤول إيراني على تصريح داعم للمقاومة. وترى هذه الأوساط أن موقفَي عون وسلام يعكسان اصطفافًا مع محور غربي–عربي يسعى إلى تضييق الخناق على الحزب وعلى داعميه، وفي مقدمتهم إيران.
ويذهب بعض المراقبين أبعد من ذلك، معتبرين أنّ ما جرى في ملف "حصرية السلاح" يجسد تنفيذًا شبه حرفي لإملاءات غربية، ولا سيما أميركية، إذ إنّ إقرار هذا المبدأ جاء بضغط واضح ومباشر من واشنطن، حتى إنّ تحديد موعد جلسة مجلس الوزراء لم يحصل إلا بعد تصريح الموفد الأميركي توم براك بأنّ "الكلمات لا تكفي"، في إشارة إلى وجوب اتخاذ خطوات ملموسة، عبر إعلان واضح من مجلس الوزراء، رغم أن البيان الوزاري نصّ أساسًا على المبدأ.
هذه الاتهامات تفتح الباب أمام سؤال أوسع: هل تتعامل الدولة اللبنانية مع التدخلات الخارجية بعين واحدة؟ وهل سيُطبّق مبدأ "لا للتدخل" على جميع الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا، إذا تكثّف حضور مبعوثيها في بيروت خلال الأسابيع المقبلة؟.
هنا يكمن الاختبار الحقيقي للسياسة الجديدة، وفق العارفين. فإذا استطاعت الحكومة إثبات أنها تطبق المعيار نفسه على الجميع، مع الحفاظ على مسار عملي لإلزام إسرائيل بوقف الاعتداءات والانسحاب، فقد تنجح في ترسيخ مبدأ المسافة الواحدة سياديًا. أما إذا أُقحم المبدأ في مقايضات سياسية أو طُبق انتقائيًا، فستترسخ القراءة التي ترى في الموقف اللبناني اصطفافًا ضد إيران، بما يتيح استثماره داخليًا في شدّ العصب وتوتير المشهد.
في المحصلة، بدت زيارة لاريجاني إلى بيروت أكثر من مجرد محطة في جولة لمسؤول إيراني رفيع المستوى، بل لعلّها شكّلت لحظة كاشفة لمدى قدرة لبنان على صياغة معادلة جديدة توازن بين الانفتاح على مختلف القوى الإقليمية والدولية، وبين ترسيخ سيادة الدولة وحصرية قرارها. ومن هنا، فإنّ ما ستكشفه الأسابيع المقبلة لن يكون متعلقًا فقط بمسار العلاقة مع طهران، بل أيضًا بمصداقية الخطاب السيادي اللبناني أمام جميع اللاعبين الخارجيين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المنار
منذ 4 دقائق
- المنار
وزارة الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 61,944 شهيداً و155,886 جريحاً منذ 7 أكتوبر 2023
وزارة الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 61,944 شهيداً و155,886 جريحاً منذ 7 أكتوبر 2023 وزارة الصحة في غزة: 47 شهيداً و226 مصاباً برصاص الاحتلال خلال الساعات الـ24 الماضية حماس: حديث الاحتلال عن إدخال خيام جنوب غزة تحت عنوان إنساني تضليل مكشوف للتغطية على جريمة تهجير ومجزرة وشيكة حماس: خطط احتلال غزة وتهجير سكانها جريمة حرب كبرى تعكس استهتار الاحتلال بالقوانين الدولية والإنسانية حماس: تصديق رئيس أركان العدو على خطط احتلال مدينة غزة إعلان عن موجة جديدة من الإبادة والتهجير الجماعي المزيد


المنار
منذ 4 دقائق
- المنار
الشيخ الخطيب: سلاح المقاومة لحماية لبنان
أكد نائب رئيس 'المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى' في لبنان الشيخ علي الخطيب أن 'لبنان بحاجة إلى نظام وطني يحفظ الأمن والمصالح والحقوق بالتساوي بين المواطنين'، وشدد على أن 'الأزمة في البلاد تعود إلى نظام طائفي يُدار بمصالح حزبية ضيقة لا تراعي مصلحة الوطن'. ولفت الشيخ الخطيب في كلمة له في إحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين في بلدة الدوير الجنوبية إلى أن 'الأحزاب الطائفية فشلت في بناء دولة عادلة، وتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية التدهور السياسي والاقتصادي'، وانتقد 'القوى السياسية التي تطالب بسحب سلاح المقاومة'، ورأى أن 'هذه الدعوات تخدم أجندات خارجية وتزرع الخوف والفتنة بين الطوائف اللبنانية'. وشدد الشيخ الخطيب على أن 'سلاح المقاومة ليس موجهاً للداخل، بل وُجد لحماية لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وقد أثبتت المقاومة قدرتها على ردع العدو وحماية السيادة'، وحذّر من 'مخطط خارجي يستهدف إغراق لبنان في الفتن الداخلية عبر قرارات حكومية استثنت مكونات أساسية'، واعتبر أن 'القرار المتخذ في مجلس الوزراء بشأن سلاح المقاومة هو بمثابة حكم بالإعدام على الطائفة الشيعية في لبنان ومحاولة لضرب ركائز الوطن'. ودعا الشيخ الخطيب إلى 'التنبّه من السعي إلى إشعال فتنة بين الجيش اللبناني والمكوّن الشيعي'، وحمّل من 'يقفون خلف هذه السياسات مسؤولية تهديد وحدة الوطن'، وذكّر 'بتجارب سابقة عُرض فيها على المسيحيين الهجرة، ليؤكد أن كل الطوائف اللبنانية ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها'، وشدد على 'أهمية التعايش الإسلامي–المسيحي كقيمة حضارية للبنان'. وأكد الشيخ الخطيب على 'ضرورة الوعي والمسؤولية الوطنية'، ولفت الى أن 'المقاومة ليست سبب الفتنة، بل هي صمام أمان للوطن، وأن الاستسلام للضغوط الخارجية هو أول طريق الهزيمة'، داعيا 'اللبنانيين إلى الثبات في مواجهة التحديات'. المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام


صدى البلد
منذ 4 دقائق
- صدى البلد
الهلال الأحمر المصري يدفع 2400 طن مساعدات غذائية وطبية في قافلة «زاد العزة» الـ 16 إلى غزة
دفع الهلال الأحمر المصري، اليوم، قافلة « زاد العزة .. من مصر إلى غزة» الـ 16، حاملة عدد من شاحنات المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية العاجلة، في اتجاه جنوب القطاع، عبر معبر كرم أبو سالم، وذلك في إطار جهوده المتواصلة كآلية وطنية لتنسيق المساعدات إلى غزة. حملت القافلة الـ 16 من «زاد العزة»، نحو 2400 طن من المساعدات الضرورية التي تضمنت مايزيد عن 2300 مساعدات غذائية ودقيق، وأكثر من مائة طن مستلزمات طبية، ومواد إغاثية لازمة يحتاجها القطاع، ويأتي ذلك في إطار الجهود المصرية لتقديم الدعم الغذائي والإغاثي لأهالي القطاع. يذكر أن قافلة « زاد العزة .. من مصر إلى غزة »، التي أطلقها الهلال الأحمر المصرى، انطلقت في 27 يوليو، حاملة آلاف الأطنان من المساعدات التي تنوعت بين: سلاسل الإمداد الغذائية، دقيق، ألبان أطفال، مستلزمات طبية، أدوية علاجية، مستلزمات عناية شخصية، وأطنان من الوقود. ويتواجد الهلال الأحمر المصري كآلية وطنية لتنسيق وتفويج المساعدات إلى غزة، على الحدود منذ بدء الأزمة حيث لم يتم غلق معبر رفح من الجانب المصري نهائيًا، وواصل تأهبه فى كافة المراكز اللوجستية وجهوده المتواصلة لدخول المساعدات التي بلغت أكثر من 36 ألف شاحنة محملة بنحو نصف مليون طن من المساعدات الإنسانية و الإغاثة، وذلك بجهود 35 ألف متطوع بالجمعية.