
هل تتحول الإسكندرية إلى "فينيسيا" أخرى جنوب المتوسط؟
رعد وبرق ورياح تجاوزت سرعتها 50 كيلومتراً في الساعة، إلى جانب أمطار غزيرة وتساقط ثلوج، ظاهرة نادرة الحدوث بمدينة الإسكندرية المصرية، اعتبرها متخصصون دوليون "جرس إنذار" لأخطار حقيقية تهدد مستقبل المدينة العريقة.
لم تعد الإسكندرية تواجه فقط تقلبات مناخية مفاجئة، وفق متخصصين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، بل تواجه خطراً متصاعداً على مدار أعوام، تنذر به دراسات حديثة حذرت من احتمالية غرق أجزاء واسعة منها، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل الشواطئ وتسرب المياه المالحة إلى أساسات المباني.
وأثارت العاصفة الثلجية التي فاجأت مدينة الإسكندرية جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وسط انتقادات موجهة إلى هيئة الأرصاد بسبب تعاملها "الروتيني" مع الظاهرة، وفق آراء متخصصين.
وبينما أكدت عضو الهيئة منار غانم أن التحذيرات أُرسلت مسبقاً إلى الجهات المعنية، اعتبر الرئيس الأسبق للهيئة أحمد عبدالعال، أن التحذير لم يكن كافياً، مشيراً إلى أن ما صدر كان مجرد نشرة اعتيادية، وكان ينبغي إصدار بيان قوي، محذراً من أن بعض مناطق الإسكندرية مهددة بالغرق في حال عدم اتخاذ إجراءات حاسمة من قبل الدولة.
غرق محتمل
يبدي أستاذ علوم البحار الفيزيائية والتغيرات المناخية كريم طنبل، مخاوفه من السيناريو الكارثي الذي قد تواجهه مدينة الإسكندرية في العقود المقبلة، قائلاً لـ"اندبندنت عربية"، "تتزايد المخاوف من غرق الإسكندرية كونها تقع تحت مستوى سطح البحر، ولا يحميها سوى الكثبان الرملية، وهي نفسها التي تؤمن الساحل المصري بأكمله على البحر المتوسط. هذه الكثبان أعلى من مستوى البحر، لكنها مهددة بالتآكل نتيجة التغيرات المناخية، وإذا تآكلت فستغرق المدينة فوراً".
ويحذر طنبل من أن "السيناريو الأسوأ" يضع احتمال غرق الإسكندرية في الفترة ما بين عامي 2050 و2100، في حال عدم اتخاذ خطوات فعالة لخفض الانبعاثات الكربونية. ويضيف أستاذ علوم البحار الفيزيائية، الذي يشغل أيضاً منصب عميد البحث العلمي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، أن محطة الأرصاد الجوية التابعة للأكاديمية رصدت خلال العواصف الثلجية الأخيرة كميات من الأمطار تكفي لملء ستة ملاعب كرة قدم بارتفاع مائي يبلغ ثلاثة سنتيمترات لكل ملعب.
"المشكلة لم تعد فقط في ضعف البنية التحتية، بل في التغيرات المناخية الحادة التي تشهدها المدينة، خصوصاً أن الحدث المناخي المتطرف الأخير كشف عن عجز شبكات الصرف عن استيعاب كميات الأمطار الهائلة، وهذه ظواهر لن تبقى استثنائية، بل ستتحول تدريجاً إلى واقع مناخي جديد، مما يستدعي مواجهته عبر الاستثمار في البنية التحتية وتطوير أنظمة الإنذار المبكر".
وحذر طنبل من أن الإسكندرية مهددة بالغرق إذا ارتفع منسوب سطح البحر بمقدار 50 سنتيمتراً، والانبعاثات المتسارعة ستؤدي إلى مزيد من الظواهر المناخية الحادة، بينما الدراسات والتقديرات العلمية المتعلقة بغرق المدينة تضع احتمالات وقوع هذا السيناريو في الفترة ما بين عامي 2050 و2100، وفقاً لاعتبارات تعتمد على مدى قدرة العالم على الحد من الانبعاثات.
وفي مقابل التحذيرات العلمية المتزايدة، تتصاعد الانتقادات للخطاب الحكومي الذي يُتهم بـ"التهوين الدائم" من الظواهر المناخية العنيفة التي باتت تضرب بانتظام المدن المطلة على البحر المتوسط، وعلى رأسها الإسكندرية. ويربط متخصصون بين تكرار العواصف في شرق المتوسط وارتفاع درجات حرارة المياه، مما يؤدي إلى اشتداد الظواهر المتطرفة وتوسع نطاق تأثيرها.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تزامناً مع الضجة التي أثيرت على مواقع التواصل في مصر، أقرت وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد، بوجود سيناريوهين محتملين لمستقبل المدينة، "أحدهما متشائم يتوقع غرقاً كاملاً للإسكندرية ومنطقة الدلتا، والآخر أكثر تفاؤلاً يرجّح وقوع أضرار جسيمة فقط، ونحن نتعامل مع كلا السيناريوهين بجدية"، بحسب ما صرحت به في مقابلة متلفزة.
وأشارت فؤاد في مداخلة تلفزيونية إلى أن منظومة التعامل مع الظواهر المناخية القاسية "تعتمد على الإنذار المبكر"، لكنها أقرت في المقابل بأن هذه المنظومة "لا تزال بحاجة إلى مزيد من التمويل، وتكنولوجيا أكثر تقدماً، وموارد بشرية مدرّبة".
وحذرت دراسة حديثة صادرة عن الجامعة التقنية الألمانية في مارس (آذار) الماضي من الخطر المتزايد الذي يهدد الإسكندرية بفعل التغيرات المناخية، مرجحة أن استمرار هذه الظواهر قد يفضي إلى غرق المدينة التاريخية المطلة على البحر المتوسط. وأبرزت الدراسة ارتفاعاً لافتاً في وتيرة انهيار المباني، إذ قفز العدد من حالة واحدة سنوياً إلى 40 حالة، في ظل تغلغل المياه المالحة إلى أعماق الأساسات، مما يهدد استقرار البنية العمراني، فخلال العقدين الماضيين شهدت الإسكندرية انهيار أكثر من 280 مبنى، بمعدل يفوق عشر مرات ما كانت عليه الحال في العقود السابقة.
سيناريو أتلانتس
يتفق أستاذ الطبيعة البحرية بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد أحمد رضوان، مع المخاوف المطروحة في شأن مستقبل الإسكندرية، ويقول لـ"اندبندنت عربية" إن خطر غرق المدينة قائم، وتنبع أسبابه من احتمالات عدة، منها ارتفاع مستوى سطح البحر إلى معدلات قياسية، مما قد يؤدي إلى أن تصبح بيوت المدينة تحت الماء وتختفي كما اختفت قارة أتلانتس، أو أن تواجه تسونامي يضرب السكان ويقضي عليهم، كذلك لا يستبعد رضوان أن تتعرض الإسكندرية لأعاصير أو زلازل تدمر منشآتها وتدفع سكانها إلى هجرها فتتحول إلى "خرابة".
وحول سبل التخفيف والتكيف والمرونة، يقول أستاذ الطبيعة البحرية إنه لا مناص من تعاون الإدارات المسؤولة مع العلماء المتخصصين لمواجهة أية أخطار محتملة، إذ تتنوع التهديدات ما بين ارتفاع منسوب البحر والعواصف العنيفة والزلازل، وكلها أخطار قد تشهدها المدينة.
ويلفت إلى أنه لا خلاف على تسجيل ارتفاع فعلي في مستوى سطح البحر، لكن "السيناريو الأسوأ لن يتحقق سريعاً. في الثمانينيات كنا نعتقد أن الإسكندرية ستغرق بحلول عام 2000، ثم تغيرت التقديرات لتتوقع حدوث ذلك عام 2100".
ويعود أستاذ العلوم البحرية ويشدد على أن العاصفة الثلجية الأخيرة كانت حالاً جوية حرجة وغير مسبوقة، إذ لم نشهد مثلها في فصل الشتاء، ومن الضروري الاستعداد لها عبر وضع سيناريوهات واضحة، وتكثيف التوعية، وتثقيف السكان حول كيفية التصرف في حالات الطوارئ مثل التعرض لتسونامي.
ويلفت رضوان أيضاً إلى أن مخاوف تأثير العواصف الشديدة في المباني مبررة، مما يستدعي مراعاة الاعتبارات الهندسية في التخطيط العمراني لتفادي الكوارث. وختم حديثه قائلاً "الإسكندرية يجب أن تكون مستعدة دائماً، والغرق يتزايد في مناطق مثل أبو قير والمكس بسبب انخفاض مستواها مقارنة ببقية المدينة".
ولا يختلف أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بعد في جامعة "تشابمان" الأميركية هشام العسكري كثيراً عن الآراء السابقة، إذ يقول لـ"اندبندنت عربية" إن "تكرار هذه العواصف الثلجية مؤكد، وهذه النتائج معتمدة على استخدامنا الأقمار الاصطناعية والنماذج الرياضية لدراسة ما يمكن أن يحدث في المستقبل، وتحليل الحركات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية التي تتحكم في كوكب الأرض".
ويتابع "وفقاً لدراساتنا التي تتابع التغيرات الحاصلة في حوض البحر المتوسط، فإن تكرار العواصف الثلجية بات أمراً مؤكداً، وما يجري الآن من تطرف مناخي هو نتيجة مباشرة لتلك التحولات"، معتبراً أن استمرار الاحترار العالمي وارتفاع درجة حرارة الكوكب بشكل مطرد سيجعل الظواهر المناخية العنيفة تحدث بوتيرة أقرب وبشدة أكبر، ليس في الإسكندرية فقط، بل على امتداد حوض البحر المتوسط بكامله.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 7 ساعات
- Independent عربية
ولادة نادرة لسلحفاتين من نوع مهدد بالانقراض في محمية فرنسية
ولد صغيرا سلحفاة من نوع "ميلانوشيليس تريكاريناتا" المهدد بالانقراض، الذي يعود أصله إلى سفوح جبال هيمالايا، في محمية "أ كوبولاتا" للسلاحف في فيرو في جزيرة كورسيكا الفرنسية، وهي "حالة نادرة". وقال بيار مواسون، مدير الطب البيطري في محمية "أ كوبولاتا" التي تعد أكبر محمية لسلاحف المياه العذبة والبرية في أوروبا، إن هذا النوع مدرج في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التي يضعها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. وولد الصغيران اللذان أطلق عليهما موقتاً "تريك" و"تراك" ولن يعرف جنسهما إلا بعد "خمسة أو ستة أعوام"، في 19 مايو (أيار) الماضي والأول من يونيو (حزيران) الجاري، وقد بلغ وزنهما الجمعة 9.64 و8.89 غرامة. وقال مواسون، "إنهما يحبان ديدان الأرض!"، مضيفاً أنه ينتظر اقتراحات لتغيير اسميهما. يبلغ طول هذه السلاحف البرية نحو 20 سنتيمتراً فيما يصل وزنها إلى كيلوغرام واحد تقريباً عند اكتمال نموها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في عام 2017، "ضبطت جمارك هونغ كونغ 98 سلحفاة من هذا النوع تم استقدامها من الهند، وأرادت حكومة هونغ كونغ حماية قسم من أعدادها الموجودة في متنزهات أوروبية موثوقة، تحسباً لانقراضها بفعل مرض ما"، بحسب ما أوضح مواسون. وفي نهاية عام 2021، اختارت "كادوري فارم أند بوتانيك غاردن" في هونغ كونغ والتي كانت تهتم بهذه السلاحف منذ 2017، مركز "إيميس" في سويسرا لإرسال خمسة ذكور وخمس إناث، بينما "استقبلنا انثيين غير حاملين وذكرين"، على قول مواسون. وأضاف، "نجحنا في جعلها تتكاثر وحصلنا على ثلاث بويضات ومنهما على تريك وتراك اللذين يعدان أول صغيري سلاحف يولدان في الأسر في أوروبا"، موضحاً أن "هذين الصغيرين مقدر لهما أن ينموا هنا"، وأنه باستثناء السلاحف في سويسرا وكورسيكا، لا يوجد سوى نحو 100 منها في الأسر في مختلف أنحاء العالم، موزعة على خمسة متنزهات في آسيا وثلاثة في أوروبا (المجر والنمسا وإنجلترا). في مايو 2024، ولدت سلحفاة غالاباغوس عملاق، وهو نوع مهدد بالانقراض، في فيرو. وقد احتفلت هذه السلحفاة التي سميت "داروين" بعيد ميلادها الأول.


Independent عربية
منذ 11 ساعات
- Independent عربية
هل تتحول الإسكندرية إلى "فينيسيا" أخرى جنوب المتوسط؟
رعد وبرق ورياح تجاوزت سرعتها 50 كيلومتراً في الساعة، إلى جانب أمطار غزيرة وتساقط ثلوج، ظاهرة نادرة الحدوث بمدينة الإسكندرية المصرية، اعتبرها متخصصون دوليون "جرس إنذار" لأخطار حقيقية تهدد مستقبل المدينة العريقة. لم تعد الإسكندرية تواجه فقط تقلبات مناخية مفاجئة، وفق متخصصين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، بل تواجه خطراً متصاعداً على مدار أعوام، تنذر به دراسات حديثة حذرت من احتمالية غرق أجزاء واسعة منها، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل الشواطئ وتسرب المياه المالحة إلى أساسات المباني. وأثارت العاصفة الثلجية التي فاجأت مدينة الإسكندرية جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وسط انتقادات موجهة إلى هيئة الأرصاد بسبب تعاملها "الروتيني" مع الظاهرة، وفق آراء متخصصين. وبينما أكدت عضو الهيئة منار غانم أن التحذيرات أُرسلت مسبقاً إلى الجهات المعنية، اعتبر الرئيس الأسبق للهيئة أحمد عبدالعال، أن التحذير لم يكن كافياً، مشيراً إلى أن ما صدر كان مجرد نشرة اعتيادية، وكان ينبغي إصدار بيان قوي، محذراً من أن بعض مناطق الإسكندرية مهددة بالغرق في حال عدم اتخاذ إجراءات حاسمة من قبل الدولة. غرق محتمل يبدي أستاذ علوم البحار الفيزيائية والتغيرات المناخية كريم طنبل، مخاوفه من السيناريو الكارثي الذي قد تواجهه مدينة الإسكندرية في العقود المقبلة، قائلاً لـ"اندبندنت عربية"، "تتزايد المخاوف من غرق الإسكندرية كونها تقع تحت مستوى سطح البحر، ولا يحميها سوى الكثبان الرملية، وهي نفسها التي تؤمن الساحل المصري بأكمله على البحر المتوسط. هذه الكثبان أعلى من مستوى البحر، لكنها مهددة بالتآكل نتيجة التغيرات المناخية، وإذا تآكلت فستغرق المدينة فوراً". ويحذر طنبل من أن "السيناريو الأسوأ" يضع احتمال غرق الإسكندرية في الفترة ما بين عامي 2050 و2100، في حال عدم اتخاذ خطوات فعالة لخفض الانبعاثات الكربونية. ويضيف أستاذ علوم البحار الفيزيائية، الذي يشغل أيضاً منصب عميد البحث العلمي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، أن محطة الأرصاد الجوية التابعة للأكاديمية رصدت خلال العواصف الثلجية الأخيرة كميات من الأمطار تكفي لملء ستة ملاعب كرة قدم بارتفاع مائي يبلغ ثلاثة سنتيمترات لكل ملعب. "المشكلة لم تعد فقط في ضعف البنية التحتية، بل في التغيرات المناخية الحادة التي تشهدها المدينة، خصوصاً أن الحدث المناخي المتطرف الأخير كشف عن عجز شبكات الصرف عن استيعاب كميات الأمطار الهائلة، وهذه ظواهر لن تبقى استثنائية، بل ستتحول تدريجاً إلى واقع مناخي جديد، مما يستدعي مواجهته عبر الاستثمار في البنية التحتية وتطوير أنظمة الإنذار المبكر". وحذر طنبل من أن الإسكندرية مهددة بالغرق إذا ارتفع منسوب سطح البحر بمقدار 50 سنتيمتراً، والانبعاثات المتسارعة ستؤدي إلى مزيد من الظواهر المناخية الحادة، بينما الدراسات والتقديرات العلمية المتعلقة بغرق المدينة تضع احتمالات وقوع هذا السيناريو في الفترة ما بين عامي 2050 و2100، وفقاً لاعتبارات تعتمد على مدى قدرة العالم على الحد من الانبعاثات. وفي مقابل التحذيرات العلمية المتزايدة، تتصاعد الانتقادات للخطاب الحكومي الذي يُتهم بـ"التهوين الدائم" من الظواهر المناخية العنيفة التي باتت تضرب بانتظام المدن المطلة على البحر المتوسط، وعلى رأسها الإسكندرية. ويربط متخصصون بين تكرار العواصف في شرق المتوسط وارتفاع درجات حرارة المياه، مما يؤدي إلى اشتداد الظواهر المتطرفة وتوسع نطاق تأثيرها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تزامناً مع الضجة التي أثيرت على مواقع التواصل في مصر، أقرت وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد، بوجود سيناريوهين محتملين لمستقبل المدينة، "أحدهما متشائم يتوقع غرقاً كاملاً للإسكندرية ومنطقة الدلتا، والآخر أكثر تفاؤلاً يرجّح وقوع أضرار جسيمة فقط، ونحن نتعامل مع كلا السيناريوهين بجدية"، بحسب ما صرحت به في مقابلة متلفزة. وأشارت فؤاد في مداخلة تلفزيونية إلى أن منظومة التعامل مع الظواهر المناخية القاسية "تعتمد على الإنذار المبكر"، لكنها أقرت في المقابل بأن هذه المنظومة "لا تزال بحاجة إلى مزيد من التمويل، وتكنولوجيا أكثر تقدماً، وموارد بشرية مدرّبة". وحذرت دراسة حديثة صادرة عن الجامعة التقنية الألمانية في مارس (آذار) الماضي من الخطر المتزايد الذي يهدد الإسكندرية بفعل التغيرات المناخية، مرجحة أن استمرار هذه الظواهر قد يفضي إلى غرق المدينة التاريخية المطلة على البحر المتوسط. وأبرزت الدراسة ارتفاعاً لافتاً في وتيرة انهيار المباني، إذ قفز العدد من حالة واحدة سنوياً إلى 40 حالة، في ظل تغلغل المياه المالحة إلى أعماق الأساسات، مما يهدد استقرار البنية العمراني، فخلال العقدين الماضيين شهدت الإسكندرية انهيار أكثر من 280 مبنى، بمعدل يفوق عشر مرات ما كانت عليه الحال في العقود السابقة. سيناريو أتلانتس يتفق أستاذ الطبيعة البحرية بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد أحمد رضوان، مع المخاوف المطروحة في شأن مستقبل الإسكندرية، ويقول لـ"اندبندنت عربية" إن خطر غرق المدينة قائم، وتنبع أسبابه من احتمالات عدة، منها ارتفاع مستوى سطح البحر إلى معدلات قياسية، مما قد يؤدي إلى أن تصبح بيوت المدينة تحت الماء وتختفي كما اختفت قارة أتلانتس، أو أن تواجه تسونامي يضرب السكان ويقضي عليهم، كذلك لا يستبعد رضوان أن تتعرض الإسكندرية لأعاصير أو زلازل تدمر منشآتها وتدفع سكانها إلى هجرها فتتحول إلى "خرابة". وحول سبل التخفيف والتكيف والمرونة، يقول أستاذ الطبيعة البحرية إنه لا مناص من تعاون الإدارات المسؤولة مع العلماء المتخصصين لمواجهة أية أخطار محتملة، إذ تتنوع التهديدات ما بين ارتفاع منسوب البحر والعواصف العنيفة والزلازل، وكلها أخطار قد تشهدها المدينة. ويلفت إلى أنه لا خلاف على تسجيل ارتفاع فعلي في مستوى سطح البحر، لكن "السيناريو الأسوأ لن يتحقق سريعاً. في الثمانينيات كنا نعتقد أن الإسكندرية ستغرق بحلول عام 2000، ثم تغيرت التقديرات لتتوقع حدوث ذلك عام 2100". ويعود أستاذ العلوم البحرية ويشدد على أن العاصفة الثلجية الأخيرة كانت حالاً جوية حرجة وغير مسبوقة، إذ لم نشهد مثلها في فصل الشتاء، ومن الضروري الاستعداد لها عبر وضع سيناريوهات واضحة، وتكثيف التوعية، وتثقيف السكان حول كيفية التصرف في حالات الطوارئ مثل التعرض لتسونامي. ويلفت رضوان أيضاً إلى أن مخاوف تأثير العواصف الشديدة في المباني مبررة، مما يستدعي مراعاة الاعتبارات الهندسية في التخطيط العمراني لتفادي الكوارث. وختم حديثه قائلاً "الإسكندرية يجب أن تكون مستعدة دائماً، والغرق يتزايد في مناطق مثل أبو قير والمكس بسبب انخفاض مستواها مقارنة ببقية المدينة". ولا يختلف أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بعد في جامعة "تشابمان" الأميركية هشام العسكري كثيراً عن الآراء السابقة، إذ يقول لـ"اندبندنت عربية" إن "تكرار هذه العواصف الثلجية مؤكد، وهذه النتائج معتمدة على استخدامنا الأقمار الاصطناعية والنماذج الرياضية لدراسة ما يمكن أن يحدث في المستقبل، وتحليل الحركات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية التي تتحكم في كوكب الأرض". ويتابع "وفقاً لدراساتنا التي تتابع التغيرات الحاصلة في حوض البحر المتوسط، فإن تكرار العواصف الثلجية بات أمراً مؤكداً، وما يجري الآن من تطرف مناخي هو نتيجة مباشرة لتلك التحولات"، معتبراً أن استمرار الاحترار العالمي وارتفاع درجة حرارة الكوكب بشكل مطرد سيجعل الظواهر المناخية العنيفة تحدث بوتيرة أقرب وبشدة أكبر، ليس في الإسكندرية فقط، بل على امتداد حوض البحر المتوسط بكامله.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
الجيوش الغربية تستعد لـ"الحرب الإدراكية" وساحتها عقول المواطنين
تتعامل هيئات أركان الجيوش الغربية بقدر كبير من الجدية مع مفهوم "الحرب الإدراكية" (أو المعرفية) الجديد، ومفاده أن الجيوش يجب أن تكون متأهبة لحروب تكون فيها ساحة المعركة عقول المواطنين، ولكن ليس فقط من خلال عمليات التأثير المألوفة. ويشمل مصطلح "الحرب الإدراكية" ظواهر متنوعة، كالحملة الأخيرة على "تيك توك" لدعم اليمين المتطرف في رومانيا، و"متلازمة هافانا" الغامضة التي طاولت دبلوماسيين أميركيين في عام 2016، ومناورات الصين للترويج للوحدة مع تايوان. ويتمثل العنصر المشترك بين هذه الأحداث المتباينة في العقل البشري الذي أصبح التأثير فيه أسهل من أي وقت مضى بفضل الترابط الفائق بين مجتمعات العالم. ورأى اللفتنانت كولونيل الفرنسي فرنسوا دو كلوزيل أن العقل البشري "ساحة المعركة الجديدة في القرن الحادي والعشرين". حرب صامتة وأوضح الضابط الفرنسي الذي أعد تقريراً لحلف شمال الأطلسي (ناتو) عن هذا الموضوع أن "الأمر يتعلق بإضعاف الخصم من دون بدء القتال رسمياً. إنها حرب صامتة". وأضاف "سنسعى إلى تغيير طريقة التفكير. سنعمل على الانتباه، واللغة، والتعلم، والذاكرة، والإدراك، والفكر. أي على كامل نطاق الآليات المعرفية". وذكَر على سبيل المثال، شبكة التواصل الاجتماعي "تيك توك" التي تخضع شركتها الأم "بايت دانس" للمحاسبة أمام الحزب الشيوعي الصيني والتي تُضعِف الشباب "بإبعادهم عن القراءة". وقال عالم الأنثروبولوجيا المتخصص في الهندسة الاجتماعية والمُلحق بهيئة الأركان العامة للجيش الفرنسي أكسل دوكورنو، "من يتحكم بالخوارزمية يتحكم بالسردية، سواء بالنسبة إلى 'تيك توك' للصين أو 'إكس' للولايات المتحدة". إلا أنه يشدد على أن "الحرب المعرفية تتطلب تأثيراً على نطاق أوسع بكثير". التأثير في الدماغ من هذا المنطلق، لا تعدو حملات التضليل كونها تكتيكاً واحداً ليس إلا، من بين تكتيكات أخرى، ضمن استراتيجية أوسع نطاقاً، قد تشمل تقنيات أخرى مثل نشر صور خفية أو حتى موجات كهرومغناطيسية للتأثير بشكل مباشر في الدماغ. هذه إحدى الفرضيات المطروحة لتفسير "متلازمة هافانا"، التي عانى منها عشرات الدبلوماسيين الأميركيين المتمركزين في كوبا في عام 2016. وكان التأثير ملموساً بدرجة كبيرة، ومن وجوهه الصداع وطنين الأذن وعدم القدرة على التركيز، وفقدان القدرات المعرفية. وقال عالم الأعصاب المشارك في التحقيق جيمس جوردانو الذي تحدث بصفته الشخصية، إن القضية أحدثت ما يشبه تأثير كرة الثلج، إذ ظن آلاف الأشخاص الآخرين أنهم تأثروا، واضطرت السلطات إلى تخصيص إمكانات كبيرة جداً للتحقق من الوضع. ولاحظ جوردانو الذي يدير مركز مستقبل الحرب في جامعة الدفاع بواشنطن، أن الغموض الناتج من هذا النوع من العمليات يُحدث ضباباً، ويتساءل المرء عما إذا كان صحيحاً أم لا". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) الديمقراطيات أكثر عرضة للخطر وتبنت كل من الصين وروسيا هذه المسألة منذ مدة طويلة. وأشار فرنسوا دو كلوزيل إلى أن "العقيدة العسكرية الصينية تدمج ثلاثة مجالات: الفضاء المادي- البر والجو والبحر والفضاء- والفضاء الإلكتروني، والفضاء المعرفي". أما الروس، "فقد أدركوا منذ زمن بعيد أهمية استخدام الكائن البشري لأغراض سياسية". ولاحظ أن الأنظمة الديمقراطية أكثر عرضة للخطر لكونها تمتنع في المبدأ عن المناورات التي تتجاوز نطاق التأثير. وأضاف "أما نحن، أي الديمقراطيات الليبرالية، فلا نعمل- أقله علناً- على أسلحة تُغيّر المفاهيم، بينما ليست لدى خصومنا أي مشكلة تتعلق بالأخلاقيات". واعتبر أكسل دوكورنو أن الحملات الإعلامية العدائية التي استهدفت فرنسا في منطقة الساحل أو كاليدونيا الجديدة قد تندرج ضمن هذا المنطق، وفي هذه الحالة، تستند الحرب المعرفية إلى نقطة ضعف سابقة مرتبطة بجراح التاريخ الاستعماري، و"التصدعات المجتمعية، والمشكلات العالقة أو الخاضعة للنقاش"، بهدف تعميق الانقسامات، و"إثارة الاحتجاجات والفوضى". وتكون نتيجة ذلك انعدام الثقة في المؤسسات وتعميق الانقسامات. دور الحس النقدي وتوضيحاً لكيفية حماية النفس عند اكتشاف هذه التكتيكات، في معظم الأحيان، بعد فوات الأوان، شّد أكسل دوكورنو على ضرورة تحديد نقاط ضعف المجتمعات وتدريب المواطنين على مرحلة متقدمة من الحسّ النقدي، أي "الإدراك فوق المعرفي"، وهو وسيلة لابتعاد المرء عن أفكاره ومشاعره الخاصة. أما السويد، فأنشأت من جهتها "وكالة للدفاع النفسي" في عام 2022 لتحديد التهديدات وتنسيق جهود الجهات المعنية، سواء كانت عسكرية أو مدنية، أو كانت تنتمي إلى القطاع العام أو القطاع الخاص.