logo
عن تونس واليقظة الممكنة

عن تونس واليقظة الممكنة

الزمانمنذ 7 أيام
صنّاع الخراب لا يصنعون مستقبلاً
عن تونس واليقظة الممكنة – البشير عبيد
ليس أخطر على وطن من أولئك الذين يتوهّمون أن التغيير الحقيقي لا يكون إلا بهدم ما هو قائم، وإشعال الحرائق في مؤسسات الدولة، تحت مسمى 'القطيعة الثورية' أو 'التطهير الجذري'. هؤلاء لا يسعون إلى الإصلاح ولا إلى البناء، بل يدمنون خطاب التقويض والانهيار، ويضعون أنفسهم فوق الجميع، ويختزلون الوطن في هواجسهم العقائدية أو انتقاماتهم السياسية. يتحدثون بلغة النار، ويزعمون أن الأمل لا يولد إلا من تحت الركام.
في تونس، كما في غيرها من البلاد التي اجتازت مراحل انتقال صعبة، ظهرت هذه الأصوات بقوة، مستفيدة من الهشاشة العامة، ومن التراخي أحيانًا في مواجهة من اعتبروا 'رموز الخراب القديم'. لكن ما لا يدركه هؤلاء أن التدمير، وإن بدا جذابًا للوهلة الأولى، لا يصنع مشروعًا. أن تنقضّ على المؤسسات وتدعو إلى نسف كل ما تحقق، من قوانين وتنظيمات وركائز دولة، هو أن تعيد المجتمع إلى نقطة الصفر، بل إلى ما هو أسوأ: إلى فوضى لا تؤسس لغير التيه والانقسام.
تونس، التي أنجبت أجيالاً من المكافحين والمصلحين والمبدعين في مختلف الحقول، ليست أرضًا للعدم ولا حاضنة للفوضى. بل هي أمة تعلّمت من تاريخها القريب والبعيد، أنها تنهض كلما حاول البعض إسقاطها. وأنها في أحلك لحظاتها، تُنتج وعيًا جماعيًا يرفض الانتحار السياسي أو المغامرة الخطيرة التي لا ترى في الدولة غير غنيمة، أو في الثورة غير مناسبة للانتقام. ولذلك، فإن مواجهة هذا التيار الهدموي ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية تمسّ بقاء الدولة ومعنى العيش المشترك.
صراع الوعي في زمن الارتباك السياسي
لم تعد المعركة في تونس محصورة في السياسة وحدها، بل امتدت لتطال الوعي الثقافي للمجتمع بأسره. فالنزاع اليوم، في جوهره، هو بين وعيٍ يريد بناء مستقبل يستند إلى قيم المواطنة، والحرية، والعدالة، ووعيٍ مُشوّش، مشحون بأوهام أيديولوجية أو مطامع انتهازية، يختزل الصراع في معارك سطحية ويتهرب من الأسئلة العميقة.
لقد أنتجت السنوات الأخيرة حالة من الانقسام الحاد داخل المجتمع التونسي، ليس فقط بين فئات اجتماعية واقتصادية، بل أيضًا في الفهم العام لطبيعة الدولة، وحدود الثورة، ومعنى السيادة. وأصبحت القطيعة بين الدولة ومثقفيها، أو بين النخب الفكرية وقواعدها الاجتماعية، واقعًا ملموسًا. الإعلام، الذي يُفترض أن يكون رافعة للوعي وتنويرًا للرأي العام، تحوّل في جزء منه إلى منصات للتراشق أو لتبييض بعض المشاريع الفوضوية، مما أفقد المواطن بوصلته وزاد من ضبابية المشهد العام.
ومع ذلك، لا تزال هناك مساحات واعدة، وأصوات ثقافية متنورة ترفض هذا الانحدار، وتحاول إعادة الاعتبار للعقل، ولخطاب الإصلاح العقلاني العميق. هذه الأصوات تدعو إلى وعي جديد يُدمج فيه التاريخ بالراهن، والحرية بالمسؤولية، والتقدّم بالمصالحة مع الذات الوطنية. وعي يعترف بجراح الماضي دون أن يستسلم لها، ويراهن على الدولة لا كآلة بيروقراطية، بل كأفق جامع لتطلعات التونسيين، وكوعاء تتشكّل داخله كل صور التغيير المتدرج والعادل.
الرهان اليوم، إذًا، ليس فقط على من يحكم، بل على كيف نفكّر وننتج وننقد ونقترح. فإذا كانت النخبة التونسية مدعوّة اليوم إلى شيء، فهو الانخراط مجدّدًا في الفعل الثقافي المواطني، بعيدًا عن الاصطفافات الحزبية الضيقة، والدفاع عن الدولة من داخل منظومة الفكر، لا من هامش الاحتجاج الدائم. المعركة التي نخوضها لا تُحسم فقط في الميادين أو المؤسسات، بل أيضًا في الكتب، والصحف، والمسرح، والجامعة، والمقهى، وفي كل مساحة يُمكن أن يُصاغ فيها المعنى ويُدافع فيها عن الأمل.
لحظة مفصلية: التغيير لا يتم بحلم أو وهم
تونس اليوم تقف في مفترق طرق تاريخي لا يقبل أنصاف المواقف. لا هي عادت إلى الوراء، ولا هي تقدّمت بما يكفي لإغلاق جراح الماضي أو تجاوز إخفاقات المرحلة السابقة. هذه المرحلة الهجينة من الانتقال الديمقراطي المتعثر، والتجاذبات السياسية الحادة، تُشكّل لحظة اختبار حقيقية لإرادة التونسيين في حماية مشروعهم الوطني.
لكن التغيير المنشود ليس نزهة ولا صراخًا في الفراغ. هو رؤية شاملة، تشترط فهم اللحظة، واستيعاب تحديات الداخل والخارج، واستدعاء كل الأدوات المتاحة لبناء المستقبل دون اجترار أخطاء الماضي. إن الحلم بتونس أخرى — عادلة، قوية، سيّدة — ليس مجرد شعار، بل هو جزء من مشروع بدأ منذ عقود، دفع فيه كثيرون ثمنًا باهظًا من حرياتهم وأعمارهم وآمالهم. لكنه مشروع لم يكتمل بعد، ويكاد يُختطف اليوم من جديد من قبل من يتاجرون بالحلم أو يختزلونه في خطب غوغائية.
التغيير لا يتحقق من خلال الاجتثاث ولا من خلال الإنكار، بل عبر مواجهة الأسئلة الجوهرية: كيف نعيد الثقة إلى مؤسسات الدولة؟ كيف نضع حدًّا للفساد؟ كيف نصوغ عقدًا اجتماعيًا جديدًا يحترم الكرامة ويكفل العدالة ويحقق التنمية؟ هذه الأسئلة لا تحتمل التجاهل، ولا تجيب عنها اللجان، بل تحتاج إلى جرأة سياسية وثقافية، وإلى تحالف بين قوى المجتمع الحية، قاعديًا ومؤسساتيًا.
وهنا، يكون من الضروري الانتباه إلى أن العدالة الانتقالية، مثلًا، لا تعني الانتقام، وأن الإصلاح لا يعني النقمة، وأن النقد لا يعني العدمية. لقد تعب الشعب من الشعارات الكبرى، وهو الآن يريد حلولًا ملموسة، وبرامج واقعية، وخطابًا هادئًا، واضحًا، شجاعًا في نفس الوقت. وهو ما يتطلّب طبقة سياسية جديدة، ونخبًا فكرية متصالحة مع المجتمع، مؤمنة بإمكانية البناء رغم صعوبة اللحظة.
المعركة لا يقودها الجبناء
لم تعرف تونس يومًا كيف تخضع بصمت. منذ عقود، والمجتمع التونسي يقدّم النماذج في المقاومة المدنية، في التعليم، في الفكر، في الحقوق الاجتماعية، وفي معارك التحرر من الاستبداد. لذلك، فإن معركة اليوم، بكل تعقيداتها، لا يمكن أن تُترك للمترددين أو الانتهازيين أو المتاجرين بالأوهام.
المعركة الحقيقية في تونس لا تقودها نخب فاسدة اعتادت اللعب على الحبال، بل يصنعها نساء ورجال خبروا الشارع، وذاقوا مرارة الخذلان، لكنهم لم يفقدوا الإيمان. إنها معركة من أجل استرداد الدولة من براثن الفساد والمصالح الضيقة، لا للاستيلاء عليها، بل لإعادتها إلى التونسيين. إنها معركة ضد الفوضى بكل أنواعها، وضد المال السياسي، وضد التخوين، وضد من اختزل الديمقراطية في صندوق اقتراع خاوٍ من المعنى.
الجبناء يختبئون خلف تبريرات لا تنتهي: الوضع الإقليمي، الضغوط الدولية، هشاشة الداخل، المؤامرات. لكن الشجعان وحدهم من يرفعون راية البناء رغم العوائق، ومن يرون في كل أزمة فرصة، لا ذريعة للانسحاب. المعركة الآن هي معركة إرادة، ومسؤولية، وصبر، وبناء طويل النفس.
وما من مستقبل يُكتب لتونس إن تُركت في قبضة من يبيعون أوهامًا لا تصنع اقتصادًا، ولا تؤسس عدالة، ولا ترسخ سيادة. وحده مشروع وطني جامع، يقوده أناس يمتلكون النزاهة والمعرفة والشجاعة، يمكنه أن يعيد لتونس ملامحها، ويمنحها موقعها الذي تستحق بين الأمم.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عبدالله: بغداد و واشنطن تعرفان الجهات المهاجمة لحقول نفط إقليم كوردستان
عبدالله: بغداد و واشنطن تعرفان الجهات المهاجمة لحقول نفط إقليم كوردستان

شفق نيوز

timeمنذ 14 دقائق

  • شفق نيوز

عبدالله: بغداد و واشنطن تعرفان الجهات المهاجمة لحقول نفط إقليم كوردستان

افاد نائب رئيس مجلس النواب شاخوان عبدالله، يوم السبت، أن الجهات التي شنت هجمات بالطائرات المسيرة واستهدفت المنشآت النفطية باتت معروفة لدى السلطات العراقية. وقال عبدالله في تصريح ادلى به للصحفيين من داخل مبنى البرلمان العراقي، إن "حكومة اقليم كوردستان ابدت استعدادها الكامل لتسليم النفط الى الحكومة الاتحادية"، مبينا أن الحكومة الاتحادية تتعرض لضغوط لمعالجة ملف النفط مع الاقليم. وعن مسألة عدم تمويل بغداد لرواتب الموظفين في الاقليم، قال عبدالله إنه "لا يوجد أي مبرر على قطع الرواتب، والموضوع أصبح مسيساً". وتابع نائب رئيس البرلمان ان "الجهات التي استهدفت الحقول النفطية في اقليم كوردستان باتت معروفة لدى الحكومة الاتحادية ومن يقف وراءها وينبغي لها ان تحاسب هؤلاء وليس شعب كوردستان بقطع الرواتب عنهم". وأكد أنه من تاريخ 14 من شهر تموز / يوليو الماضي ولغاية يوم 18 من الشهر ذاته تعرضت الحقول والمنشآت النفطية في الاقليم الى 14 هجوماً بطائرات مسيرة خلال الايام الاربعة تلك، لافتا إلى أن الجانب الأمريكي والعراقي يعلم من هي الجماعة التي شنت الهجمات وبكامل التفاصيل.

مجزرة شنكال… بيان إلى الرأي العام
مجزرة شنكال… بيان إلى الرأي العام

حزب الإتحاد الديمقراطي

timeمنذ 14 دقائق

  • حزب الإتحاد الديمقراطي

مجزرة شنكال… بيان إلى الرأي العام

في ذكرى مجزرة شنكال التي تركت جرحاً غائراً في ضمير الإنسانية بتاريخ 03/آب/2014، نحن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، نستذكر، اليوم، جميع شهداء المجزرة وشهداء ثورة الحرية بكل احترام في ذكراها الحادية عشرة، كما نحيِّي تضحيات أبطال حركة حرية كردستان الذين أنقذوا حياة مئات آلاف الإيزيديين من الموت. شنكال التي تمثل موروثاً ثقافياً كردياً ضارباً جذوره في التاريخ القديم، ارتُكبت فيها مجزرة القرن قبل أحد عشر عاماً، في الثالث من آب 2014، وهي مجزرة ضد البشرية في العصر الحديث بكل ما تحمل الكلمة من معنى. إن الهجوم على شنكال آنذاك في شخص المجتمع الإيزيدي كان استمراراً لنهج إبادة جذور الشعب الكردي وإنكار وجوده وإرثه الثقافي، ومحاولة لاقتلاع الهوية الدينية الإيزيدية التي تُعَدُّ أقدم مَنهلٍ للعلم والفلسفة والديانات منذ عمق التاريخ، حيث حاولت الأنظمة الاستبدادية والقوى الظلامية التضحية بالمجتمع الإيزيدي في شنكال وإبادته على يد إرهابِيِيْ (داعش) وبمساندة كبيرة وواضحة من الدول الإقليمية ضمن مخطط ممنهج استراتيجي ومُنَظَّمٌ بشكل احترافي في سياق تنفيذ مشاريع سياسةِ الإبادة والإمحاء بحق المجتمعات والثقافات التاريخية بالمنطقة، وكانت البداية من المجتمع الإيزيدي في شنكال والتي راحت ضحيتها الآلاف من الأطفال والنساء وكبار السن من رجال الدين، ونزوحٍ مئات الآلاف من الإيزيديين الأبرياء واختطاف وسبي آلاف النساءِ والفَتَيَاتِ كغنائم حرب ليتم بيعيهم في أسواق النخاسة وحرق وقتل وذبح كل من يرفض الاستسلام لطاعة الإرهاب والإجرام، ومازال مصير آلاف النساء والأطفال والشبان مجهولاً. إن هذا المخطط الإجرامي بكافة أنماطه ما زال مستمراً في المنطقة، وذلك باستهداف العديد من المناطق ذات الثقافات المجتمعية الأخلاقية والدينية المختلفة، سواء كان في 'عفرين، سركانية، مناطق العلويين في الساحل، ومناطق الدروز في السويداء' ويستهدفون النساء بشكل عام، كما أن المخاوف كبيرة لامتداد هذه الجرائم الإرهابية إلى العديد من المناطق الأخرى، خاصة بعد التطورات التي شهدتها المنطقة من سيناريوهات دموية معروفة لدى الجميع في سوريا. إننا في المجلس العام لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، وبروحِ ونضالِ جميع مقاومي وشهداء شنكال، إذ نُحيِّيْ مقاومة المجتمع الإيزيدي وصموده في شنكال، هذا المجتمع الذي نظَّم نفسه ودافعَ عن إرادته وقِيَمِهِ التاريخية وبَنى تاريخاً جديداً من الملاحم الوطنية بالمقاومة أمام أعتى الجماعات الإرهابية في العالم، وحقق انتصاراً تاريخياً، نطالبُ الحكومة العراقية أن تعترف بإرادة المجتمع الإيزيدي وإدارته الذاتية بشكل دستوري توافقي، لا أن تفرض السياسات الأمنية والعسكرية في شنكال، كما ندعو جميع القوى السياسية والوطنية العراقية والكردستانية والمنظمات المدنية والحقوقية إلى حماية هذا الإرث الثقافي التاريخي للمجتمع الإيزيدي في شنكال، وفي الوقت نفسه؛ نتوجه بالنداء إلى جميع الإيزيديين بضرورة رصِّ الصفوف والتوافق والتلاحم مع مرحلة السلام والمجتمع الديمقراطي التي تُعدُّ أساس الحل ونهاية الفرمانات والمجازر. المجلس العام لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD 02/08/2025

عراقجي: الصداقة الإيرانية الباكستانية رصيد استراتيجي للمستقبل
عراقجي: الصداقة الإيرانية الباكستانية رصيد استراتيجي للمستقبل

اذاعة طهران العربية

timeمنذ 41 دقائق

  • اذاعة طهران العربية

عراقجي: الصداقة الإيرانية الباكستانية رصيد استراتيجي للمستقبل

بالتزامن مع زيارة رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية مسعود بزشكيان إلى إسلام آباد، وصف وزير الخارجية سيد عباس عراقجي، في مقالٍ بصحيفة "نيوز" الباكستانية بعنوان "مستقبل مشترك"، الأبعاد المختلفة للعلاقات الإيرانية الباكستانية والفرص المتاحة للبلدين. في هذا المقال، أشار عراقجي إلى أن أحد المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو تطوير علاقات قوية ومستقرة ومفيدة للطرفين مع الدول المجاورة. وأضاف رئيس السلك الدبلوماسي: "في هذا الإطار، تحظى علاقاتنا مع باكستان بمكانة خاصة، وهي علاقة لا تُعرّف فقط على أساس القرب الجغرافي، بل تتجذر في قرون من الخبرة الحضارية المشتركة، والتوافق الديني، والروابط الثقافية، والمصالح الاستراتيجية المتقاربة. لا يمكن ل إيران وباكستان، بصفتهما دولتين مستقلتين تقعان في نقطة استراتيجية في القارة الآسيوية، الاستفادة من شراكة مستدامة فحسب، بل تتمتعان أيضا بالقدرة على لعب دور حاسم في مستقبل المنطقة". وتابع قائلا: "زيارة الرئيس مسعود بزشكيان إلى باكستان رمز لهذا الزخم المتزايد في العلاقات الثنائية". وتأتي هذه الزيارة في أعقاب تاريخ من التفاعلات رفيعة المستوى، بما في ذلك الزيارة التاريخية للرئيس الراحل سيد إبراهيم رئيسي إلى إسلام آباد والزيارة المتبادلة لرئيس الوزراء شهباز شريف إلى طهران. تتجاوز هذه التبادلات والمشاورات الدبلوماسية المستمرة بين كبار المسؤولين في البلدين العلاقات الاحتفالية وتُظهر توافقا استراتيجيا عميقا. * إيران و باكستان ترتقيان إلى مستوى مؤثر في المعادلات الإقليمية وأضاف عراقجي: يُظهر هذا التوجه أن البلدين، بوعي وهدف، يرفعان علاقاتهما إلى مستوى مؤثر في المعادلات الإقليمية. تمتد حدود إيران و باكستان على طول 900 كيلومتر، وهي ليست مجرد خط فاصل بين البلدين، بل هي جسر يربط الأمم والحضارات منذ قرون. عبر هذه الحدود، لم تتدفق البضائع فحسب، بل تدفقت أيضا الأفكار واللغات والقصائد والمعتقدات التي أبقت مجتمعاتنا حية حتى يومنا هذا. من طقوس النوروز إلى التقاليد الصوفية المشتركة، خلقت هذه الروابط الثقافية والروحية شعورا بالثقة والألفة الدائمة التي تُعتبر أساسا للتعاون السياسي.يُعزز هذا الرابط أيضا التقارب الديني. كدولتين مسلمتين فخورتين، تستند إيران و باكستان إلى مبادئ إسلامية كالعدالة والرحمة والتضامن. هذه القيم ليست عامل تماسك داخلي فحسب، بل هي أيضًا دليل سلوكنا الدولي. هذه القيم هي التي تدفعنا للوقوف معًا لدعم مُثُل عليا كالقضية الفلسطينية، وعدم الصمت في وجه الظلم، والسعي إلى السلام من خلال التعاون والاحترام المتبادل. وأردف وزير الخارجية: من منظور اقتصادي، تُتيح القدرات التكاملية بين البلدين فرصًا فريدة. وقد وفّرت ديناميكية القطاع الزراعي الباكستاني وموارد الطاقة الغنية في إيران، إلى جانب المصلحة المشتركة في توسيع البنية التحتية للاتصالات، أساسًا طبيعيًا للتقارب الاقتصادي. بالإضافة إلى هذه التنسيقات القطاعية، يؤمن كلا البلدين بمنظور طويل الأجل لبناء اقتصاد منفتح وعادل يعتمد على التعاون الإقليمي. وأوضح عراقجي، من خلال مواءمة وجهات النظر، يمكن ل إيران و باكستان إقامة شراكة اقتصادية قائمة على المرونة المتبادلة والتقدم التكنولوجي والنمو الشامل، وهو تعاون يُمكن أن يُحدث تحولا حقيقيا في مستويات معيشة الناس، ويخلق فرص عمل، ويضع نموذجًا للتنمية الإقليمية والمحلية. * تعميق التنسيق الأمني ومضى وزير الخارجية قائلا: في ظلّ التهديدات العابرة للحدود الوطنية التي تُهدد أمننا المشترك، تقف إيران و باكستان بيقظةٍ في وجه الشبكات الإرهابية النشطة في المناطق الحدودية. التنسيق في مكافحة الإرهاب ليس خيارا، بل ضرورةٌ حتمية. بالإضافة إلى هذه التهديدات المحلية، يواجه كلا البلدين أيضا تحدياتٍ استراتيجية أوسع، بما في ذلك الأعمال العدوانية والمزعزعة للاستقرار في المنطقة. وأضاف: "إنّ الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة، واحتلال سوريا ولبنان، والهجمات غير المبررة الأخيرة على الأراضي الإيرانية، تُبرز جميعها الحاجة إلى رد مشترك ومنسق على القوى الساعية إلى الفوضى والهيمنة. لا يمكن للحكومات المسؤولة أن تصمت في وجه هذه التهديدات. لقد حان الوقت ل تعميق التنسيق الأمني واتخاذ موقفٍ واضحٍ وموحدٍ في المحافل الدولية". * التضامن والتعاطف لن يُنسى أبدا وتابع عراقجي يقول: في هذا الصدد، تُقدّر إيران تقديرا عميقا الموقف المبدئي للحكومة الباكستانية في إدانتها غير المشروطة للعدوان العسكري الإسرائيلي والأميركي على الأراضي الإيرانية في يونيو/حزيران 2025. ففي الوقت الذي اتخذت فيه القوى الغربية الجانب الخاطئ من التاريخ، دافعت باكستان بثبات عن القانون الدولي والاستقرار الإقليمي والتضامن مع جارتها. وأضاف: كان الدعم الصادق من الشعب الباكستاني مؤثرا للغاية أيضا. وكان لتعبيراتهم العفوية عن التعاطف صدى عميق في قلوب المجتمع الإيراني. وقد تابع الشعب الإيراني بامتنان المشاهد التي رفع فيها إخوانهم وأخواتهم الباكستانيون أصواتهم دعما لإيران. لن يُنسى هذا التضامن والتعاطف أبدا؛ لأنه ذكّرنا مرة أخرى بعمق الرابطة بين البلدين ومتانة قيمنا المشتركة". ولفت عراقجي الى أن إيران و باكستان تتمتعان أيضا بسجل رائع من التعاون في مجال المؤسسات متعددة الأطراف، وأشار إلى أنه: في الأمم المتحدة، وقف البلدان دائما معا في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي منظمة التعاون الإسلامي، نسعى جاهدين لحل مشاكل الأمة الإسلامية. وبصفتنا أعضاء فاعلين في منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة التعاون الاقتصادي (ECO) ومجموعة الدول الثماني النامية (D-8)، فإننا نسعى لتحقيق أهداف مشتركة في مجالات التواصل والتكامل الاقتصادي والسلام الإقليمي. وقد عزز هذا التنسيق الدبلوماسي صوتنا على المستوى العالمي ويلعب دورا في توجيه الخطاب الدولي القائم على العدالة والتعددية والإنصاف. وصرح وزير الخارجية: إن هذا التعاون ليس مجرد استجابة للأزمات، بل يعكس أيضا تقاربا استراتيجيا أوسع. تؤكد كل من إيران و باكستان على مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين والحل السلمي للنزاعات. كلاهما ملتزم بنظام إقليمي تتولى فيه الدول الإسلامية زمام مصيرها وتعمل معًا لصياغة مستقبل مشترك. ويضيف رئيس السلك الدبلوماسي: "شراكتنا منطقية أيضا في السياقات الثلاثية والإقليمية الأوسع. فمع وجود أفغانستان كجار مشترك، تتشارك إيران و باكستان مصالح متشابهة في تحقيق الاستقرار في ذلك البلد واستبدال التطرف بالتنمية والسلام. ومن خلال مواءمة الاستراتيجيات الاقتصادية والاستفادة من الموقعين الجيوستراتيجيين، يمكن للبلدين تحويل المنطقة من ساحة صراع إلى مركز للتعاون". * إنشاء ممرات الترانزيت وأشار عراقجي الى أن إنشاء ممرات عملية لتجارة الترانزيت، قائمة على المصالح المشتركة، سيعود بفوائد ملموسة على شعبي البلدين، وسيعزز مكانة إيران و باكستان كمهندستين لنظام إقليمي جديد. وأضاف: "يتطلب الطريق إلى الأمام الوحدة والعزيمة والتصميم على تحويل المُثل العليا المشتركة إلى مؤسسات مستدامة وإنجازات عملية. إن تعزيز الحوار الدبلوماسي، وتوسيع الروابط الاقتصادية، والتبادلات الثقافية والتعليمية، ومأسسة التعاون في مجالي الأمن والتنمية، سيضيف عمقا حقيقيا ومتانة للعلاقات الثنائية". وقال: "زيارة الرئيس بزشكيان فرصة ليس فقط لتجديد الالتزامات، بل أيضا لإعادة النظر في وجهات النظر. وفي هذا المسار، يمكننا أن نستمد الإلهام من الشاعر الوطني الباكستاني، العلامة إقبال، المُلهم الكبير، الذي ذكّرنا: "تولد الأمم في قلوب الشعراء، وعلى أيدي السياسيين إما أن تنمو أو تموت". واردف عراقجي، من واجبنا الآن ضمان نمو إيران وباكستان، بل وظهورهما جنبًا إلى جنب كصانعي مستقبل سلمي متعدد الثقافات ومتقارب في المنطقة. وأضاف: "صداقتنا ليست من مخلفات الماضي؛ إنها رصيد استراتيجي للمستقبل. في الوحدة تكمن القوة، وفي التعاون يتجلى الهدف، وفي الاحترام المتبادل يتشكل أساس السلام الدائم والتقدم المشترك".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store