logo
العدالة المناخية كأزمة سياسية وإدارية

العدالة المناخية كأزمة سياسية وإدارية

عمونمنذ 3 أيام
لم يعد من الممكن التعامل مع البيئة كمسألة منفصلة عن إدارة الدولة أو عن موازين العدالة. فالعدالة المناخية لم تعد مفهومًا بيئيًا نخبويًا، بل باتت تمثل أزمة سياسية حقيقية وإدارية عميقة، تختبر قدرة الحكومات على إدارة الأزمات على أسس أخلاقية واستراتيجية في آنٍ معًا.
تكمن الأزمة في جوهرها في التناقض الصارخ بين من يُنتجون الكوارث المناخية، ومن يتحملون كلفتها. فالدول الصناعية الكبرى، ذات التاريخ الطويل في تلويث الغلاف الجوي، ما زالت تملك الأدوات الاقتصادية والبنية التحتية التي تمكنها من امتصاص بعض الصدمات، بينما تُترك الدول الفقيرة والهشة، والتي لم تساهم أصلًا في تدهور المناخ، تواجه آثارًا كارثية على مجتمعاتها واقتصاداتها الهشة. هذه الفجوة لا تعبر عن خلل بيئي فحسب، بل عن غياب للعدالة كقيمة تحكم العلاقات الدولية ونُظُم الحوكمة.
هنا تتحول العدالة المناخية إلى معضلة سياسية، لأن توزيع العبء المناخي ليس مجرد مسألة علمية، بل قرار سيادي يُبنى على مفاوضات دولية غير متكافئة. ترفض بعض الحكومات الالتزام بخفض الانبعاثات أو تقديم التمويل، بينما تُطالب أخرى بحقها في "التنمية أولًا"، حتى لو كانت على حساب البيئة، لأن من سبقوها استنزفوا حصة الأرض منها. وفي هذا الشدّ والجذب، تُدفن أصوات الشعوب الهشة التي لا تملك سوى التكيّف القسري مع أوضاع لم تُسهم في صناعتها.
أما من الناحية الإدارية، فتكمن الأزمة في ضعف البنية المؤسسية في كثير من الدول لمواجهة آثار المناخ، سواء عبر التخطيط المدني، أو إدارة المياه، أو استراتيجيات الطوارئ، أو التكيف الزراعي. كثير من السياسات تُبنى كردود فعل لحظية، لا كرؤية استباقية تدمج المناخ في قلب القرار الإداري. وفي ظل غياب الحوكمة البيئية، تبقى العدالة المناخية شعارًا جميلًا، دون أثر فعلي على الأرض.
إن العدالة المناخية ليست مجرد مطالبة بتعويض مالي، بل تطلب إعادة النظر في معايير توزيع الموارد، وفي شكل الشراكات بين الشمال والجنوب، وفي طريقة صنع القرار الدولي. إنها تطلب أن تُبنى السياسات البيئية على أساس "من الأكثر هشاشة؟ ومن الأكثر قدرة على التحمّل؟"، لا على أساس من يملك سلطة التفاوض. كما تتطلب حكومات محلية تضع العدالة في صلب خططها، لا أن تكون مجرد منفذ لتعليمات دولية أو مموّل لمشاريع خارجية الشكل، خاوية الجوهر.
وفي العالم العربي، تبرز أهمية هذا الطرح أكثر، لأن المنطقة مهددة بالجفاف، وبفقدان الأراضي الزراعية، وبنزوح بيئي داخلي صامت قد يتحول إلى انفجارات اجتماعية، لا تُفهم إلا في ضوء فشل إدارة أزمة مناخية تم تجاهلها لعقود. الأردن، على سبيل المثال، لا يملك ترف الانتظار، ولا يملك فائضًا من الموارد، لكنه يملك فرصة لبناء نموذج استباقي في إدماج العدالة المناخية في السياسة العامة، شرط توفر الإرادة والشفافية والكفاءة.
العدالة المناخية اليوم هي مرآة للعدالة السياسية. من يُقصي الهشّ بيئيًا، يقصيه اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. ومن يُخفق في إدارة الأزمة على أساس الإنصاف، إنما يُعيد إنتاج الظلم في ثوب جديد. ولهذا، فإن أزمة المناخ، كما هي بيئية، هي أيضًا سؤال في جوهر السلطة: لمن تُصنع السياسات؟ ولأي غدٍ نُخطط؟.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إجلاء مجموعة جديدة من الأردنيين من محافظة السويداء
إجلاء مجموعة جديدة من الأردنيين من محافظة السويداء

الدستور

timeمنذ 28 دقائق

  • الدستور

إجلاء مجموعة جديدة من الأردنيين من محافظة السويداء

نيفين عبدالهادي أعلنت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين عن إجلاء مجموعة جديدة من المواطنين الأردنيين من محافظة السويداء في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، عبر معبر (نصيب/ جابر) إلى المملكة، بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمغتربين السورية وأجهزة الدولة في سوريا. وقال الناطق الرسمي باسم الوزارة، السفير الدكتور سفيان القضاة، إنه جرى إجلاء 83 مواطنًا أردنيًّا ومرافقيهم، عبر حافلات الهلال الأحمر السوري، وذلك استمرارًا للجهود المشتركة مع المؤسسات الوطنية في المملكة. وجدّد السفير القضاة تثمينه لجهود الأشقّاء في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، لمواصلة استجابتهم وتعاونهم في تسهيل عملية الإجلاء للمواطنين الأردنيين.

ترمب: سنفرض رسوما جمركية بنسبة 100% على الرقائق وأشباه الموصلات وفرضنا على الهند رسوما بقيمة 50%
ترمب: سنفرض رسوما جمركية بنسبة 100% على الرقائق وأشباه الموصلات وفرضنا على الهند رسوما بقيمة 50%

سرايا الإخبارية

timeمنذ 28 دقائق

  • سرايا الإخبارية

ترمب: سنفرض رسوما جمركية بنسبة 100% على الرقائق وأشباه الموصلات وفرضنا على الهند رسوما بقيمة 50%

سرايا - قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الأربعاء، إن إدارته تعتزم فرض رسوم جمركية كبيرة جدًا على الرقائق وأشباه الموصلات، مشيرًا إلى أن نسبة الرسوم ستصل إلى 100% تقريبًا. وقال ترمب: "أحرزنا تقدمًا كبيرًا في ملف الرسوم الجمركية"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة فرضت بالفعل رسومًا بنسبة 50% على الهند، ضمن سياسة تجارية أشد صرامة تجاه الدول التي تستفيد من الأسواق الأمريكية دون التزامات مقابلة. كما أشار ترمب إلى أن بلاده ستتجه نحو فرض الكثير من العقوبات الثانوية على الهند، بسبب استمرارها في شراء النفط الروسي، ما اعتبره تحديًا للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو. ونوه إلى أن الولايات المتحدة قد تفرض رسوما جمركية إضافية على الصين بسبب شرائها النفط الروسي.

جيش الاحتلال يهاجم أهدافا لحزب الله
جيش الاحتلال يهاجم أهدافا لحزب الله

سرايا الإخبارية

timeمنذ 28 دقائق

  • سرايا الإخبارية

جيش الاحتلال يهاجم أهدافا لحزب الله

سرايا - قال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي ليل الأربعاء، إن "الجيش" هاجم أهدافا وصفها بـ"الإرهابية" لحزب الله تضم مستودعات أسلحة ومنصة صاروخية وبنى تحتية في جنوب لبنان. وأضاف أدرعي عبر منصة "إكس" أن الأهداف شملت مستودعات أسلحة ومنصة صاروخية وبنى تحتية استخدمها الحزب لتخزين آليات هندسية مخصصة لإعادة إعمار "بنى تحتية إرهابية" في المنطقة. وتابع أن حزب الله يواصل محاولاته لترميم بنى تحتية في أنحاء لبنان. واستهدفت سلسلة غارات إسرائيلية، أطراف دير سريان الشمالية لناحية مجرى نهر الليطاني جنوبي لبنان. وأفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" في لبنان بسقوط إصابات جراء غارات إسرائيلية استهدفت مرآباً للآليات والجرافات بجوار منازل مأهولة في دير سريان. ونفذ الطيران الحربي الإسرائيلي مساء الأربعاء سلسلة غارات جوية مستهدفاً المنطقة الواقعة بين بلدات يحمر الشقيف وعدشيت القصير ودير سريان جنوبي لبنان. ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، يسري في لبنان اتفاق لوقف إطلاق النار بعد نزاع امتد أكثر من عام بين "إسرائيل" وحزب الله، تحوّل إلى مواجهة مفتوحة اعتباراً من أيلول/ سبتمبر. لكن رغم ذلك، يشن الاحتلال الإسرائيلي باستمرار غارات في مناطق لبنانية عدة، خصوصاً في الجنوب، تقول غالباً إنها تستهدف عناصر في الحزب أو مواقع له. ويزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه يواصل العمل "لإزالة أي تهديد" ضده، مشددا على أنه لن يسمح للحزب بإعادة تأهيل بنيته العسكرية. كذلك توعد بمواصلة شن ضربات ما لم تنزع السلطات اللبنانية سلاح حزب الله. ونص وقف النار بوساطة أميركية على انسحاب حزب الله من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (على مسافة حوالي 30 كيلومتراً من الحدود) وتفكيك بناه العسكرية فيها، في مقابل تعزيز انتشار الجيش وقوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل). ونص على انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، إلا أن "إسرائيل" أبقت على وجودها في 5 مرتفعات استراتيجية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها. وفي وقت سابق أمس الأربعاء، تصاعدت وتيرة التوتر السياسي في لبنان عقب اتخاذ حكومة نواف سلام قراراً بتكليف الجيش اللبناني إعداد خطة لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام، في خطوة اعتبرها حزب الله بمثابة استهداف مباشر لما وصفه بـ"سلاح المقاومة"، واعتبرته حركة "أمل" استعجالاً "لتقديم المزيد من التنازلات المجانية". وفي بيان شديد اللهجة، وصف حزب الله القرار بأنه "خطيئة كبرى" تمس بأسس الدفاع الوطني في وجه العدوان الإسرائيلي-الأميركي، واعتبر قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية بمثابة "مخالفة ميثاقية واضحة"، بدعوى انتهاكه للبيان الوزاري الذي التزمت فيه الحكومة بتحرير الأراضي اللبنانية عبر القوى الذاتية، لا عبر الاستجابة لمطالب خارجية، بحسب البيان. واتهم حزب الله الحكومة بـ"الاستسلام" أمام ضغوط الموفد الأميركي توم باراك، واعتبر أن تمرير هذا القرار بمثابة "منح إسرائيل فرصة للعبث بأمن لبنان وجغرافيته"، وانتهى إلى أن الحزب سيتعامل مع القرار على اعتبار أنه "غير موجود"، مشددًا على انفتاحه على الحوار، "لكن فقط في مناخ بعيد عن الضغوط والعدوان"، بحسب تعبيره. وقبل أيام قليلة، أكد وزير العدل اللبناني أنه لن يُسمح لـ"حزب الله" بجر لبنان والشعب اللبناني معه في حال اختار الانتحار برفضه تسليم السلاح. وقال نصار في تغريدة على منصة "إكس"، إن "حزب الله إذا اختار الانتحار برفض تسليم سلاحه، فلن يسمح له بأن يجر لبنان والشعب اللبناني معه".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store