
مستنقع اليمن.. لماذا لا تنتصر القوة الأمريكية على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
وقال المجلس في
تقرير تحليلي
ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن البحر الأحمر كان محور تحول جذري في المشهد الأمني البحري العالمي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما شنّ الحوثيون في اليمن حملة هجمات متكررة على سفن تجارية وعسكرية في أحد أهم الممرات المائية في العالم.
وقد تسببت هذه الهجمات، التي أعلن الحوثيون أنها تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة، في اضطرابات غير مسبوقة في التجارة العالمية، مما أجبر شركات الشحن الكبرى على تغيير مساراتها، مما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن بنسبة 250%، مما يهدد سلاسل التوريد العالمية. وفق التحليل
يسيطر الحوثيون على ما يقرب من ربع الأراضي اليمنية، بما في ذلك المناطق الشمالية والغربية ذات الكثافة السكانية العالية، بالإضافة إلى مساحات شاسعة من الساحل الغربي ومعظم جزر اليمن المطلة على البحر الأحمر.2 تمنح هذه السيطرة على الساحل الغربي الجماعة موقعًا استراتيجيًا يسمح لها بتعطيل حركة الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر.
وقد تطورت القدرات العسكرية للحوثيين بشكل كبير على مدار سنوات الصراع في اليمن، ولا سيما ترسانتهم من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. عزز الدعم الإيراني، المباشر وغير المباشر، هذه القدرات بشكل أكبر، كما تمكن الحوثيون من تطوير صناعة عسكرية محلية قوية، مدعومة بالمواد المهربة من إيران، على الرغم من حظر الأسلحة المفروض على الحركة.
ردًا على هذا التهديد، أطلقت الولايات المتحدة في ديسمبر 2023 عملية "حارس الرخاء"، وهي مهمة بحرية متعددة الجنسيات تهدف إلى حماية السفن التجارية المارة عبر البحر الأحمر. ومع استمرار هجمات الحوثيين حتى يناير 2024، صعّدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ردهما العسكري، وشنّتا موجة من الغارات الجوية على مواقع الحوثيين في اليمن. في مارس 2025، أطلقت إدارة الرئيس دونالد ترامب عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الحوثيين، أُطلق عليها اسم "عملية الفارس الخشن".
واصلت الجماعة مهاجمة السفن في البحر الأحمر، حيث ظلت حركة الملاحة البحرية عرضة للاضطرابات، مما أثار شكوكًا جوهرية حول فعالية الاستراتيجية الأمريكية وتساؤلات حول سبب فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة. في مايو 2025، أعلن الرئيس ترامب فجأة عن اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، بوساطة وسطاء دوليين. ومع ذلك، لم تكن إسرائيل طرفًا في الاتفاق، مما أثار تساؤلات مرة أخرى حول طبيعة المواجهة بين الولايات المتحدة والحوثيين والعواقب المحتملة.
وعلى الرغم من الجهود المكثفة، التي شملت 931 غارة جوية ضد الحوثيين والتي بلغت تكلفتها ما يقرب من 7 مليارات دولار، فشلت الولايات المتحدة في ردع الجماعة أو القضاء عليها.4 ويعود هذا الفشل إلى حد كبير إلى ثلاثة أسباب:
أولاً، التعقيدات الجيوسياسية متعددة الأبعاد في الشرق الأوسط؛ ثانيًا، تطور قدرات وتكتيكات الحرب غير المتكافئة للحوثيين، مما أضعف التفوق العسكري الأمريكي، ولا سيما من خلال نشر الطائرات بدون طيار منخفضة التكلفة والصواريخ البدائية؛ وثالثًا، القيود الهيكلية التي تواجه الولايات المتحدة، وأهمها خوفها من التورط في صراع بري.
تتناول هذه المذكرة السياسية هذه القضية المعاصرة بأبعادها الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية المتشابكة، والتي تؤثر على الأمن البحري العالمي، والتجارة الدولية، والتوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط.
ويقدّم بحث أسباب فشل القوة العظمى الوحيدة في العالم في مواجهتها جماعة مسلحة غير حكومية دروسًا مهمة حول طبيعة الصراعات المعاصرة وحدود القوة العسكرية التقليدية في مواجهة التهديدات غير التقليدية في القرن الحادي والعشرين.
أساليب الحوثيين المتطورة: المراحل والتكتيكات
خلال المرحلة الأولى من الصراع، التي امتدت من أكتوبر إلى نوفمبر 2023، بدأ الحوثيون بشن هجمات على نطاق محدود، استهدفت بشكل رئيسي إسرائيل والسفن المرتبطة بها. وشكّل اختطاف سفينة "جالاكسي ليدر" في 19 نوفمبر نقطة تحول، إذ أظهر قدرة الحوثيين على تنفيذ عمليات معقدة في عمق البحر الأحمر.
وتميزت هذه المرحلة باستخدام الحركة لصواريخ كروز "المندب-2" المضادة للسفن وطائرات مسيرة انتحارية؛ وهناك أدلة على أن هذه الأسلحة طُوّرت بدعم إيراني، وأن تصميمها وتشغيلها يعتمدان على تقنيات مماثلة لتلك المستخدمة في الهجمات على منشآت النفط في المملكة العربية السعودية عام 2019.
شهدت المرحلة الثانية (ديسمبر 2023 - يناير 2024) توسعًا ملحوظًا في نطاق عمليات الحوثيين، التي باتت تستهدف جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل، بغض النظر عن جنسيتها أو ملكيتها. عكس هذا التحول في الاستراتيجية تصعيدًا سياسيًا من جانب الحوثيين، بالإضافة إلى ثقتهم المتزايدة في قدراتهم العسكرية.
خلال هذه الفترة، شنوا ما لا يقل عن 20 هجومًا على السفن التجارية في البحر الأحمر، وقد تعرض بعضها لأضرار جسيمة نتيجة لذلك.7 كما أطلق الحوثيون صواريخ باليستية باتجاه مدينة إيلات الساحلية الإسرائيلية على البحر الأحمر. دفع هذا الولايات المتحدة إلى إطلاق عملية حارس الرخاء في 18 ديسمبر 2023، بمشاركة أكثر من 20 دولة، لحماية حرية الملاحة عبر البحر الأحمر.
تضمنت هذه العملية نشر سفن حربية وطائرات استطلاع في المنطقة، مما أضاف بُعدًا جديدًا للصراع. اعتمد الحوثيون على استراتيجية الحرب غير المتكافئة، باستخدام أسلحة منخفضة التكلفة نسبيًا مثل الطائرات بدون طيار والمركبات السطحية غير المأهولة (
USVs
، أو القوارب المسيرة) لتحقيق تأثير كبير ضد القوات الدولية. مكّنت هذه الاستراتيجية الجماعة من تحدي القوى الكبرى رغم مواردها المحدودة نسبيًا.
اتسمت المرحلة الثالثة من المواجهة، الممتدة من فبراير إلى مايو 2024، بتصعيد حاد بين الحوثيين وخصومهم الأمريكيين والبريطانيين. بدأ الأخيرون بشن غارات جوية على مواقع عسكرية حوثية في اليمن، مستهدفين منصات إطلاق صواريخ ومراكز قيادة وسيطرة.
وتشير التقارير العسكرية إلى أن هذه العمليات دمرت أكثر من 60 هدفًا حوثيًا. ردًا على ذلك، بدأت الجماعة باستهداف السفن الأمريكية والبريطانية بشكل مباشر.9 ومن أبرز الحوادث خلال هذه الفترة غرق سفينة الشحن البريطانية "إم في روبيمار"، بينما تضررت عدة سفن أخرى.
كما وسع الحوثيون نطاق هجماتهم ليشمل خليج عدن، حيث أطلقوا صواريخ على ناقلة البضائع السائبة "إم في ترو كونفيدنس"، مما أسفر عن مقتل ثلاثة بحارة. تزامنت هذه التطورات مع تصاعد التوترات الإقليمية، مما دفع القوات الأمريكية إلى شن غارات جوية على مواقع الحوثيين في اليمن ردًا على ذلك.
وردًا على ذلك، كثف الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر، مستخدمين تكتيكات جديدة مثل الهجمات الجماعية بالطائرات بدون طيار والعمليات باستخدام الزوارق السريعة المحملة بالمتفجرات.
في المرحلة الأخيرة (يونيو/حزيران - ديسمبر/كانون الأول 2024)، توسّع الحوثيون بشكل غير مسبوق في تنوع هجماتهم، وأعلنوا أنهم سيبدؤون بتنسيق عملياتهم العسكرية مع الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران.11 أشار هذا التطور إلى تحول استراتيجي كبير، لا سيما وأن عمليات الحوثيين أصبحت جزءًا من استراتيجية إقليمية أوسع نطاقًا لاستهداف جميع السفن المرتبطة بإسرائيل، بما في ذلك تلك المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
رافق هذا التحول النوعي هجوم حوثي بطائرة مُسيّرة على تل أبيب في يوليو/تموز 2024، أثار ذعرًا عالميًا.12 تمكنت الطائرة المُسيّرة من الوصول إلى هدف رئيسي في المدينة قبل أن تُسقطها أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية. ورغم محدودية الأضرار، وجّه الهجوم رسالة قوية من الحوثيين، مُظهرًا قدرتهم على ضرب عمق إسرائيل. دفع هذا الأخير إلى الرد باستهداف ميناء الحديدة اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيون.
ثم استهدف الحوثيون تل أبيب بما زعموا أنه صاروخ فرط صوتي - صاروخ عالي السرعة قادر على اختراق الدفاعات الجوية. أثار هذا الأمر قلقًا بالغًا لدى المسؤولين العسكريين في إسرائيل وخارجها، إذ سلّط الضوء على تطور قدرات الحوثيين الصاروخية. ورغم أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية تمكنت من اعتراض الصاروخ، إلا أن الحادثة أدت إلى مزيد من التصعيد.
في الواقع، ردّت إسرائيل على هذه الهجمات في يوليو وسبتمبر 2024 بغارات جوية مكثفة على ميناء الحديدة - أحد أهم الموانئ البحرية في أيدي الحوثيين - وعلى البنية التحتية الحيوية في المدينة. شكّل هذا تصعيدًا خطيرًا في الصراع، لا سيما وأن الميناء يُعدّ نقطة دخول رئيسية للمساعدات الإنسانية إلى اليمن. في الوقت نفسه، ربما كان قصف ميناء الحديدة يهدف إلى قطع طرق إمداد الحوثيين لاستيراد الأسلحة الإيرانية، وهو ما يُعدّ، بالنسبة لإسرائيل، خطوة استباقية نحو إضعاف القدرات العسكرية المتقدمة للحوثيين.
ومع ذلك، ارتبط التصعيد في هذه المرحلة ارتباطًا وثيقًا بالتوترات الإقليمية بين إسرائيل وكل من إيران وحزب الله. ويُعتقد أن إيران زوّدت الحوثيين بتكنولوجيا الصواريخ المتطورة والطائرات المسيّرة المستخدمة في الهجمات على السفن وعلى تل أبيب. تزامن التهدئة اللاحقة مع الهدنة المُعلنة في غزة في يناير/كانون الثاني 2025.13
بفضل هذه العمليات، رسّخ الحوثيون مكانتهم كقوة هائلة في المنطقة، لدرجة أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة نفذتا 931 غارة جوية على مواقع الحوثيين بين يناير/كانون الثاني 2024 ويناير/كانون الثاني 2025. ومع ذلك، لم تنجح هذه الضربات في ردع الجماعة، التي واصلت هجماتها بعد انهيار وقف إطلاق النار في غزة الذي أُعلن عنه في أوائل مارس/آذار.14
لماذا تفشل الاستراتيجية الأمريكية؟
يُظهر الوضع الميداني أن فشل الاستراتيجية الأمريكية في صد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لا يعود إلى ظروف مؤقتة أو عوامل تكتيكية، بل ينبع من مجموعة من العوامل الهيكلية المتجذرة، مما يُشير إلى احتمال استمرارها في المستقبل المنظور. تندرج هذه العوامل تحت ثلاثة عناوين رئيسية:
يكمن السبب الأول وراء فشل الاستراتيجية الأمريكية في التعقيدات الجيوسياسية الإقليمية والدولية. فمسألة الحوثيين متشابكة في شبكة معقدة من الصراعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأبرزها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد استغل الحوثيون هذا التشابك لتصوير هجماتهم البحرية على أنها دعم لغزة، مما وضع الولايات المتحدة أمام معضلة صعبة: كيف تحمي ممرات الشحن العالمية دون المساس بدعمها العسكري والسياسي لإسرائيل؟ لقد أضعف هذا التناقض الموقف الدبلوماسي الأمريكي وقلل من فعالية أدواته الاستراتيجية.
أدى تردد الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة - وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - في الانخراط في عمليات عسكرية ضد الحوثيين إلى تفاقم عزلة واشنطن في هذه القضية، مما جعل عملية "حارس الرخاء" جهدًا دوليًا هشًا يفتقر إلى زخم سياسي حقيقي.
على الصعيدين السياسي والاجتماعي، يستمد الحوثيون قوتهم من نواة صلبة، متجذرة في السياق اليمني، ومعززة بسردية أيديولوجية فعّالة مكّنتهم من ترسيخ قاعدة شعبية، من خلال ربط عملياتهم بالقضية الفلسطينية وتقديم أنفسهم كممثلين لـ"محور المقاومة" ضد الهيمنة الغربية. كما أقام الحوثيون علاقات عابرة للحدود مع ميليشيات إقليمية، بما في ذلك جماعات في العراق والصومال، مما وفر لهم موارد بشرية ولوجستية إضافية وأكسبهم خبرة في التكيف والصمود.
ومن العوامل الرئيسية الأخرى التي ساهمت في هذا الفشل إتقان الحوثيين للحرب غير المتكافئة. فقد تمكنوا من تحويل مسرح عمليات البحر الأحمر إلى ساحة اختبار ناجحة لأساليب الحرب غير المتكافئة. باستخدام طائرات مسيرة منخفضة التكلفة وصواريخ بدائية نسبيًا، كان لها تأثير كبير على حركة الملاحة البحرية الدولية، مما أجبر شركات الشحن العالمية مثل ميرسك على تغيير مسارها بعيدًا عن المنطقة، على الرغم من وجود الجيش الأمريكي.
ونتيجة لذلك، انخفض المرور اليومي عبر مضيق باب المندب بنحو الثلثين بين نوفمبر 2023 وفبراير 2025. ورغم العمليات العسكرية الأمريكية، ظل البحر الأحمر منطقة محظورة على شركات الشحن الكبرى؛ وقد أشار الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك إلى أن العمليات العسكرية لم تكن كافية لضمان سلامة السفن التجارية.15
على الرغم من أن البحرية الأمريكية أسقطت حوالي 400 طائرة مسيرة وصاروخ حوثية، إلا أن هجمات الجماعة استمرت دون هوادة، بل وتصاعدت في بعض الأحيان، مما أدى إلى فشل استراتيجي في إعادة حركة الملاحة البحرية إلى طبيعتها.
ووصف تقرير صادر عن موقع ميدل إيست مونيتور الحوثيين بأنهم "ظهروا أقوى بعد أن نجوا من أكثر من ألف غارة جوية، مما يثير الشكوك حول فعالية الجيش الأميركي".16 وهذا يعكس حقيقة مفادها أن التفوق العسكري لا يترجم بالضرورة إلى نصر سياسي أو نصر في ساحة المعركة ضد خصم لامركزي ومرن ومتماسك أيديولوجياً.
يكمن تفسير ثالث، لا يقل أهمية، في القيود الهيكلية المفروضة على عملية صنع القرار الأمريكية. فقد اصطدمت الاستراتيجية الأمريكية ضد الحوثيين بعوامل مؤسسية وسياسية راسخة على المستوى المحلي.
ويخشى صانعو القرار من الانزلاق إلى صراع بري مطول يُذكرنا بما حدث في العراق وأفغانستان، مما يُقيد هامش المناورة العسكري لديهم ويُحد من قدرتهم على نشر وسائل أكثر حسمًا. علاوة على ذلك، أثار استخدام الذخائر الموجهة بدقة في عملية "الراكب الخشن"، التي أطلقتها إدارة ترامب في مارس 2025 واستهدفت أكثر من 800 موقع للحوثيين، بتكلفة تزيد عن مليار دولار، مخاوف مسؤولي القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من احتمال نفاد المخزونات الاستراتيجية.
ورغم أن إدارة ترامب أعادت تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية وفرضت عقوبات على قادتهم، إلا أن الجماعة استمرت في تلقي الدعم غير المباشر من إيران وتوسيع قدراتها العسكرية.18
وفي السياق الاقتصادي، لم تأخذ واشنطن في الاعتبار البعد التجاري للبحر الأحمر. لم تتأثر قرارات شركات الشحن بالانسحاب بتهديد الحوثيين فحسب، بل أيضًا بانخفاض الطلب العالمي في ظل سياسات ترامب التجارية، مما جعل استعادة الملاحة في البحر الأحمر هدفًا أقل إلحاحًا في حسابات السوق.
وصف تقريرٌ لصحيفة الإيكونوميست اتفاق وقف إطلاق النار المحدود المبرم في 6 مايو/أيار 2025 بأنه "صفقة فاوستية"، إذ عزز سيطرة الحوثيين على اليمن بدلًا من استعادة الاستقرار البحري. ووصف زعيم الحركة، عبد الملك الحوثي، النتيجة بأنها "هزيمة أمريكية مخزية"، تعكس التحول الرمزي والأخلاقي في ميزان القوى في الصراع.19
يبدو أن تفكك هذه العوامل الثلاثة - الجيوسياسية والعسكرية والهيكلية - التي استندت إليها الاستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر، والذي يُرسخ استمرار هذا الفشل ما لم تخضع هذه المقاربات الأمنية والدبلوماسية لمراجعة شاملة، سيناريو أكثر ترجيحًا من مجرد نجاح تكتيكي محدود.
نظراً لتعقيدات المشهد الإقليمي، تُشدد هذه المذكرة السياسية على ضرورة إعادة صياغة نهج أكثر توازناً يجمع بين الأبعاد الأمنية والسياسية والإنسانية، ويراعي الواقع الميداني. وبناءً على ذلك، نقترح اتجاهين استراتيجيين عمليين. إلا أن صياغة استراتيجية واقعية وفعّالة تتطلب إدراك حدود القوة التقليدية، وتوجيه الجهود نحو حلول تدريجية متعددة الأدوات، تراعي التوازن بين الأمن والاستقرار الإنساني، وتفتح مساراً دبلوماسياً لا يتجاهل الواقع السياسي الميداني:
1. اعتماد استراتيجية احتواء ذكية وفعّالة من خلال بناء ودعم قيادة يمنية موحدة، والحد من التدخل العسكري المباشر:
بدلاً من توسيع نطاق عملياتها العسكرية المكلفة، يمكن للولايات المتحدة اتباع استراتيجية احتواء مرنة تُركز على تمكين الشركاء المحليين في اليمن وتعزيز قدراتهم الدفاعية على الأرض. لتحقيق ذلك، يجب على الولايات المتحدة تركيز جهودها على معالجة الثغرات الهيكلية في قيادة القوات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، لا سيما وأن انقسام ولاءات هذه القوات - للسعودية أو الإمارات العربية المتحدة - يُعدّ أحد نقاط ضعفها الاستراتيجية الرئيسية.
وهذا يُبرز ضرورة استخدام الولايات المتحدة لنفوذها السياسي للضغط على حليفيها الخليجيين لتوحيد القيادة العسكرية اليمنية في هيكل موحد. من شأن ذلك أن يُحسّن أداء القوات الحكومية في ساحة المعركة، ويُقلّل اعتمادها على التدخلات الخارجية، ويُمهّد الطريق لبناء جهاز دفاع وطني مستدام.
2. عزل المسار الإنساني عن أي تصعيد سياسي أو عسكري، وضمان وصول المساعدات:
في ظل تصنيف واشنطن للحوثيين منظمة إرهابية، والهجمات المتكررة على ميناء الحديدة، والقيود المفروضة على عمل منظمات الإغاثة، سواء من قبل الحوثيين أو بسبب القيود التي تفرضها هذه المنظمات على نفسها، يواجه اليمن خطر تفاقم الكارثة الإنسانية، لا سيما وأن أكثر من ثلثي سكان اليمن يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين. لذلك، يجب فصل المسار الإنساني عن الاعتبارات العسكرية والسياسية، من خلال دبلوماسية إنسانية متوازنة تتضمن ما يلي:
إنشاء آلية تنسيق إنسانية محايدة برعاية الأمم المتحدة، تضم ممثلين عن منظمات الإغاثة والسلطات المحلية، بهدف ضمان تبادل المعلومات وتحديد أولويات التدخلات غير العسكرية.
توسيع نطاق عمل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، من خلال تمويل مرن وتفويض سياسي أوسع من مجلس الأمن الدولي يسمح له بالتفاوض المباشر مع جميع الأطراف وضمان حرية حركة القوافل وتدفق الإمدادات.
تقديم حوافز إنسانية مشروطة، مثل تسهيل دخول الواردات التجارية أو دعم مشاريع التنمية الصغيرة في المناطق التي تلتزم بضمان حرية حركة عمال الإغاثة.
وضع إطار عقوبات دقيق وذكي يستهدف الأفراد أو الكيانات التي تعرقل العمليات الإنسانية، دون التأثير على السكان المدنيين أو تقييد عمل وكالات الإغاثة الدولية.
في ضوء هذه الوقائع، هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل المواجهة. الأول، وهو الأكثر ترجيحًا، هو استمرار الوضع الراهن، دون أي تغيير جوهري في ميزان القوى أو ديناميكيات الصراع. أما السيناريو الثاني، فهو تصعيد عسكري أمريكي شامل، قد يؤدي إلى عمليات برية؛ إلا أن هذا الاحتمال أقل ترجيحًا نظرًا للعقبات السياسية والاقتصادية والإنسانية الكبيرة التي تعترض مثل هذه الخطوة.
السيناريو الثالث ينطوي على حل دبلوماسي شامل للصراع اليمني، مرتبط بتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومع ذلك، ورغم أنه يُمثل النتيجة الأمثل نظريًا، إلا أنه يبقى مستبعدًا نظرًا للتعقيدات الجيوسياسية الراهنة والصراعات الجوهرية بين المصالح الإقليمية والدولية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ ساعة واحدة
- اليمن الآن
تقرير خاص لـ"الأمناء" .. تعز اليمنية تعود إلى مشهد الأحداث مجدداً .. اختطاف غامض في قلب المدينة وسط فوضى أمنية
مقتل طفل وجرائم دامية تهز تعز من جديد اتهامات بالجباية والابتزاز العسكري في جبل حبشي احتجاز تعسفي ونداءات استغاثة من أسر الضحايا مواطن يتهم قادة عسكريين بالبسط على أرضه وتحدي أحكام القضاء تلف أدوية "يونيسف" في نقطة جباية تابعة لصندوق النظافة تعز.. مدينة منكوبة تعود للواجهة منذ انقلاب جماعة الحوثي في 2015، تدهورت الأوضاع في مدينة تعز اليمنية، وأصبحت المدينة شبه خالية من الخدمات الأساسية، وسط تزايد في الفوضى الأمنية والانتهاكات التي تمس حياة المدنيين. اختطاف غامض وسط المدينة في حادثة خطف جديدة، أفاد ناجي الصالحي أن مجموعة مسلحة ملثمة تستقل طقماً عسكرياً قامت باختطاف الشاب أبو بَكْرَة هائل محمد ناجي السامعي من أحد المحال التجارية بمنطقة باب موسى، وسط تعز، صباح الخميس. المجموعة المسلحة لم تكشف عن هويتها أو توجّه أي تهم رسمية، ووقعت الحادثة دون أي مسوغ قانوني. أهالي المختطف وجهوا بلاغاً إلى محافظ تعز نبيل شمسان وقيادة المحور، مطالبين بالكشف عن مصيره وتحقيق عاجل في الحادثة، محمّلين الجهة المنفذة المسؤولية الكاملة عن سلامته. جريمة قتل في بير باشا وفي تطور خطير آخر، قتل الشاب بشار الحالة على يد صديقه في منطقة بير باشا غرب المدينة. وأفاد عبدالله الحكمي أن دوافع الجريمة لم تتضح بعد، بينما باشرت الأجهزة الأمنية التحقيق، وسط تساؤلات حول ضعف الردع القانوني. مقتل طفل بطريقة وحشية في التربة في جريمة مروعة، لقي الطفل محضار محمد حسن عبده العفيري حتفه بعد تعرضه لضرب مبرح من قبل مجهولين، ثم تم إلقاء جثته في بركة مياه قُرب منتزه السكون في مدينة التربة. الطفل ينتمي لأسرة نازحة، وذكرت مصادر أن الجناة عمدوا إلى إخفاء معالم الجريمة وسط تجاهل أمني كامل. خال الطفل، سلمان السروري، نشر مناشدة على فيسبوك، داعياً لكشف الجناة ومنع طمس الحقيقة. أسرة الضحية طالبت بإجراء تحقيق عاجل وإحالة المتورطين للعدالة، مستنكرة الصمت الرسمي المريب. احتجاز تعسفي لجندي ومناشدة أسرته تحدث سعيد عبادي عن واقعة احتجاز توفيق طه المشرقي، مرافق رئيس محكمة المواسط والمعافر، من قبل أمن مديرية الشمايتين منذ 24 يونيو الماضي دون مسوغ قانوني. الأسرة ناشدت السلطات القضائية بالتدخل الفوري للإفراج عنه ومحاسبة الجهة التي نفذت الاعتقال. ابتزاز ونهب في نقطة عسكرية بجبل حبشي اتهم مواطنون نقطة تفتيش تابعة للواء 17 مشاة في قرية "وهر" بـالتقطع والابتزاز المالي. أفاد ناصر علي أن أفراد النقطة أوقفوا مركبة بيعت مؤخراً، وابتزوا المشتري بمبلغ 1200 ريال سعودي، وأخذوا 500 ريال من البائع تحت التهديد. الواقعة أثارت استنكاراً واسعاً، ووصفها نشطاء بأنها مثال على "البلطجة الممنهجة"، داعين إلى محاسبة المتورطين واسترداد الأموال المنهوبة. مواطن يتهم قادة عسكريين بالبسط على أرضه في قضية إنسانية وقانونية شائكة، وجّه المواطن محمد أحمد طاهر الحميدي من مديرية العدين بمحافظة إب، مناشدة لوقف ما وصفه بـ"الانتهاك السافر" الذي تعرض له على يد عبدالملك القيسي وعبدالله القيسي، قادة في المقاومة والجيش بمحور تعز. الحميدي أوضح أنه استأجر أرضاً من مكتب الزراعة ومن ثم من مكتب الأوقاف بعد نزاع قضائي، وجعل بئرها وقفاً خيرياً. ورغم أحكام قضائية لصالحه، تم الاستيلاء على الأرض والبئر بالقوة، وتحويلها لمشروع خاص لبيع المياه. كما أُبلغ عن اعتداء جسدي على النساء والعمال في الأرض، في ظل صمت أمني وتجاهل من قبل مدير الشرطة في المنطقة. جباية غير قانونية تسببت في تلف أدوية "يونيسف" أثارت حادثة أخرى غضباً واسعاً بعد قيام محصّلي صندوق النظافة بمدينة التربة بإنزال كراتين أدوية تابعة لمنظمة اليونيسف من شاحنة مبردة بطريقة غير آمنة في نقطة جباية الأصابح. أُجبرت الشاحنة على تفريغ الحمولة بسبب خلاف على جباية غير قانونية، ما عرض الأدوية للتلف نتيجة لأشعة الشمس والحرارة العالية. الواقعة وُثقت بمقطع فيديو، وطالب نشطاء بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين، مؤكدين أن ما حدث يهدد حياة آلاف المستفيدين من هذه الأدوية الإنسانية. خاتمة تشير الوقائع المتلاحقة في محافظة تعز إلى تدهور خطير في منظومة الأمن والعدالة والخدمات، مع تفشي الفساد، الابتزاز، والجريمة، وغياب شبه كامل للسلطات الرسمية. الأحداث الأخيرة ليست سوى تجليات لحالة الانفلات، وتستدعي وقفة جادة من القيادة السياسية والقضائية، وضغطاً مجتمعياً لاستعادة هيبة الدولة وحماية حياة وممتلكات المدنيين.


المشهد اليمني الأول
منذ ساعة واحدة
- المشهد اليمني الأول
ديمقراطيون أمريكيون يدفعون ترامب نحو الاعتراف بدولة فلسطينية
في خطوة غير معتادة تعكس تصاعد الضغوط داخل الحزب الديمقراطي، كشف موقع 'أكسيوس' الأمريكي، الإثنين، عن توقيع أكثر من عشرة أعضاء ديمقراطيين في مجلس النواب على رسالة موجهة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحثها على 'الاعتراف بدولة فلسطينية'، في وقت يتزايد فيه الحديث عن جرائم الحرب والمجاعة التي يفرضها الاحتلال في غزة. وبحسب الموقع، فإن الرسالة تقودها شخصية بارزة في الجناح التقدمي للحزب، النائب رو خانا (ديمقراطي عن كاليفورنيا)، بمشاركة نواب مؤثرين آخرين، أبرزهم شيلي بينغري (مين)، ونييديا فيلاسكيز (نيويورك)، وجيم ماكغفرن (ماساتشوستس). وقد سبقهم تسعة نواب آخرين إلى التوقيع، من ولايات تكساس وفلوريدا وكاليفورنيا وويسكونسن ونيوجيرسي، ما يعكس تكتلاً ديمقراطياً متزايداً يتحدى الانحياز التقليدي لواشنطن تجاه الاحتلال الإسرائيلي. التحرك البرلماني تزامن مع معلومات مؤكدة حول عزم أحد النواب الديمقراطيين طرح مشروع قرار يعترف رسمياً بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وهو موقف يعارض التوجه الرسمي السابق للبيت الأبيض، ويمثل أول تحرك جدي داخل الكونغرس بهذا الاتجاه منذ سنوات. وأشار المشرعون إلى تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، حين تعهد بالاعتراف بدولة فلسطين، وهو الموقف الذي انتقده وزير الخارجية الأميركي أنذاك مارك روبيو بشدة، في مؤشر على الانقسام المتصاعد بين الحلفاء الغربيين بشأن ملف فلسطين. اللافت أن التحرك الديمقراطي يأتي في ظل تزايد الأدلة على استخدام التجويع كسلاح إبادة في قطاع غزة، حيث سجلت منظمات دولية ومنصات أميركية تقدمية تصاعد الغضب تجاه سياسات الاحتلال ووحشية الحصار المفروض على المدنيين، وهو ما دفع حتى بعض الجمهوريين والديمقراطيين الموالين لإسرائيل إلى الانتقاد العلني لقيادة تل أبيب، وفق الموقع. ويعكس هذا التغير لهجة سياسية جديدة داخل الكونغرس الأمريكي، ما قد يمهّد لتغير أوسع في السياسة الخارجية الأميركية، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وتصاعد الأصوات المطالبة بوقف الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني، وربطه بمدى التزامه بحقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية.


وكالة الصحافة اليمنية
منذ 2 ساعات
- وكالة الصحافة اليمنية
الحكومة الهندية تتحدى واشنطن وتتمسك بالنفط الروسي وحماية مصالحها الاقتصادية
نيودلهي / وكالة الصحافة اليمنية // دعا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، المواطنين إلى دعم المنتجات المحلية، في موقف تحدي للحكومة الهندية تجاه تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافة. وأكد مودي، بحسب وكالة 'بلومبرغ' عن مصادر مطلعة، أن بلاده ستواصل حماية مصالحها الاقتصادية في ظل الاضطرابات العالمية. وقال خلال عطلة نهاية الأسبوع: ' أن الاقتصاد العالمي يمر بحالة من عدم اليقين، داعيًا المواطنين إلى شراء السلع المصنعة محليًا فقط، فيما بدت تصريحاته ردًا ضمنيًا على الضغوط المتزايدة لتخفيف الإجراءات الجمركية على السلع الأمريكية'. وذكت المصادر أن هذه الدعوة تأتي في وقت لم تصدر فيه حكومته أي تعليمات لمصافي النفط الهندية بوقف شراء النفط الروسي ولم يُتخذ أي قرار بشأن تعليق المشتريات حتى الآن. وبحسب المصادر، لا تزال مصافي التكرير في الهند -سواء الحكومية أو الخاصة- تستفيد من خصومات كبيرة على الخام الروسي، حيث باتت الهند أكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحرًا. وتأتي هذه التصريحات عقب فرض الرئيس 'دونالد ترامب' تعريفة جمركية بنسبة 25% على الهند، وهدد بعقوبة إضافية بسبب علاقاتها الوثيقة مع موسكو. يشار إلى أن الهند أصبحت أحد أبرز أهداف ترامب في إطار مساعيه للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وهاجم ترامب الهند الأسبوع الماضي بسبب انضمامها إلى مجموعة 'بريكس'، واستمرار علاقاتها الوثيقة مع موسكو، قائلا إنهم 'يمكنهم أن يسقطوا باقتصاداتهم الميتة معًا'. واتهم ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، الهند بفرض 'رسوم جمركية هائلة' على المنتجات الأمريكية، و'التحايل' على نظام الهجرة الأمريكي، بالإضافة إلى استيراد كميات من النفط الروسي تعادل ما تشتريه الصين تقريبا. كما ذكرت صحيفة 'نيويورك تايمز' السبت أن الهند ستواصل شراء الخام الروسي رغم تهديدات ترمب بفرض عقوبات، مستندة إلى تصريحات مسؤولين هنود رفيعي المستوى لم تُسمِّهم. ولم يجب متحدث باسم وزارة النفط الهندية على استفسارات 'بلومبرغ'. وقد أثارت عمليات شراء الهند للنفط الروسي انتقادات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، باعتبارها دعما لموسكو.