
ما قل ودل: سرايا القدس والقسام وحماس وسرايا المهاجرين والرسول ويهود المدينة
خواطر الشهر الفضيل
بدأ نزول القرآن الكريم في اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك، لينشر دين الحق هدى للعالمين، وقد حمل الدعوة إلى دين الحق والتوحيد، وعبادة الله وحده، لا شريك له، الرسول صلى الله عليه وسلم، وقلة من المؤمنين في ثورة هي الأعظم بتاريخ الثورات، وقد نادت بالمساواة بين جميع البشر، أسيادا وعبيدا، بحقوق متساوية، بمفهومها الإلهي والأعظم شأنا والأعلى قدرا والأعز مكانا والأشرف ذكرا، في إخاء إنساني جامع ومانع وشامل، يتسع للبشرية كلها، بجميع طبقاتها وأطيافها وألوانها ومذاهبها ومعتقداتها، وليست المساواة الطبقية التي نادت بها الثورة الفرنسية (1789م) التي قامت لإلغاء امتيازات النبلاء، وغيرها من ثورات برجوازية أو بروليتارية، بل ثورة إنسانية إلهية، وقد نادت بالعدل والحرية للجميع، وقام بها الجميع منكرين ذواتهم وطبقاتهم، غير مبال البعض منهم بثرواتهم التي جيشوا بها الجيوش وحرروا بها العبيد في إيمان عميق بالعقيدة الإسلامية، لإلغاء الرق من داخل الإنسان، بهذه الحقوق المتساوية، للجميع التي حفل بها الإسلام، وقد نزل قوله سبحانه وتعالى: «الذي خلقكم من نفس واحدة» (النساء:1) وقوله عز وجل: «وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة»، وقوله العلي القدير: «وظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا» (النور:12)، وقد قامت الثورة الإسلامية قبل الثورة الفرنسية بأكثر من عشرة قرون، ومع ذلك نسبت إلى الأخيرة هذه المبادئ، ولم تنسب إلى الإسلام لأننا فرطنا في نشر جوهر الدين، وهو هذه المبادئ، في الملك العضوض الذي امتد قرونا ليحكم باسم الإسلام، إلى أن سقطت الإمبراطورية العثمانية مع غيرها من إمبراطوريات في الحرب العالمية الثانية، ذلك أن الحكم الإسلامي اكتفى خلال هذه القرون، بل وقبل قيام هذه الإمبراطورية في العصرين الأموي والعباسي، بشكل الدين ومظهره في الحكم باسم الإسلام، وقد امتلأت قصور الحكام بالجواري الحسان، وكان يفترض فيهم أن يكونوا القدوة في إلغاء الرق دون جوهر الدين، ولو عني هؤلاء الحكام بنشر جوهر الدين المتمثل في هذه المبادئ، تحميها الشورى، الملزمة والتي تتسع لكل الأنظمة الديموقراطية التي لم يعرفها العالم الحديث، إلا منذ «الماجنا كارتا» في عام 1688م، ولو فعل حكامنا ذلك لأسلم العالم أجمع.
سرايا القدس وسرايا المهاجرين
وقد كان الربط في عنوان المقال بين سرايا القدس، والقسام وحماس، وبين سرايا المهاجرين، التي انطلقت من المدينة، وشارك فيها الرسول بنفسه، للتماثل بين هذه الأعداد القليلة للمهاجرين الذين قاموا بها، وشارك الرسول في بعضها، للإغارة على قوافل تجارة مكة، في مواجهة الأعداد الكبيرة للكفار المعهود لهم بحماية القوافل التي تزيد على عدد أفراد السرايا أعدادا مضاعفة، فضلا عن قوة وبطش قريش، واضطهادها واستبدادها بالمسلمين الذين تركوا ديارهم وأرضهم وأموالهم مهاجرين إلى المدينة مثلما الحال في بعض عشرات من أبطال طوفان الأقصى، الذين أغاروا على فرقة عسكرية إسرائيلية كاملة تحمي غلاف الحدود الإسرائيلية وغزة، وإسرائيل دولة لا تعترف بأي حدود، والسماء العربية كلها مفتوحة لعربدة الطيران الإسرائيلي، والتماثل أيضا في وحدة الهدف بين سرايا طوفان الأقصى وسرايا المهاجرين من المدينة في الإغارة على القوافل، فلم يكن هدف الطوفان القضاء على إسرائيل ورميهم في البحر من الأرض المغتصبة، كما لم يكن هدف سرايا المهاجرين قتال قريش وحربها، بل كان هدف الفريقين أن يقضوا مضاجع الصهيونية العالمية بقيادة أميركا، وقد أضاع طوفان الأقصى هيبة الاستعمار العالمي الإمبريالي الجديد، كما قضت سرايا المهاجرين مضاجع قريش الحريصة على تجارتها وأموالها في قوافلها إلى الشام، بعد أن سلبت هذه الأموال من المهاجرين، إنما كان الهدف هو الاعتراف بالحقوق المشروعة للمسلمين، في حياة كريمة على أرضهم وفي ديارهم وكفالة حق المهاجرين في نشر الدعوة الإسلامية، وإقامة شعائر الإسلام، وقد استبد حكام إسرائيل والآلة العسكرية الإسرائيلية البغيضة بالشعب الفلسطيني طوال سبعة عقود من الزمن، فسرايا القدس وحماس والقسام، وسرايا المهاجرين يجمعهم مسمى ووصف واحد في المصطلح السياسي المعاصر، وهو المقاومة الوطنية للاحتلال والاستبداد.
سرايا الفريقين واليهود
كما يجمع بين سرايا القدس والقسام وحماس وسرايا المهاجرين من ناحية واليهود من ناحية ثانية رابط واحد هو ما حدث في قتال، لم يأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم سرية عبدالله بن جحش، بل أمر من عقد له لواءها بأن ينزل نخله (بين مكة والطائف)، ليستطلع أخبار قريش من قوافلها، فتشاورت السرية فيما صنعت بهم قريش وجيشها بأموالهم، فأغاروا على قافلة عمرو بن الحضرمي، ورمى أحدهم بسهم عليه فقتله، وكان ذلك في آخر شهر رجب، واستغلت قريش الفرصة بادعاء سفك الدماء في الأشهر الحرام، وأراد يهود المدينة إشعال الفتنة ولم يكن شهر رجب من الأشهر الحرام، فنزل قوله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّه والفتنة أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (سورة البقرة: الاية 217).
وبعد نزول هذه الآية تبادل النبي صلى الله عليه وسلم وقريش الأسرى، ورفض طلب قريش افتداء الأسيرين من قريش في هذه القافلة، وطلب تبادلهما بأسيرين من المهاجرين هما سعد بن أبي وقاص الزهري وعتبة بن غذوان، اللذان كانا قد ذهبا يطلبان بعيراً لهما فأسرتهما قريش، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش إن تقتلوهما نقتل صاحبيكم وتم تسليم أحد الأسيرين من القافلة وأسلم الآخر وبقي في المدينة.
وكانت السرايا تخرج من المدينة لإشعار اليهود بأن للمسلمين من القوة ما يمكنهم من إخماد أي فتنة يسعون إليها ومن القضاء على أسبابها وجذورها، وقد اعتبرهم النبي صلى الله عليه وسلم شرا وفي زمرة المنافقين، وذلك حتى لا يستفحل أمرهم في المدينة، وهي ملاذ المسلمين وملجأهم، وليس هناك ثمة خلاف بين يهود المدينة ويهود الصهيونية العالمية سوى أن هؤلاء قد استفحل أمرهم ففعلوا ما فعلوه على أرض فلسطين التي اغتصبوها، وعلى شعبها الذي هجروه في نكبة 48، والذين مازالوا على دربهم في تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية في ظل الاغتراب العربي الذي تعيشه الأمة العربية، والذي تناولناه في مقال لنا نشر على هذه الصفحة في عدد الجريدة الصادر في 16/2/2025.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ يوم واحد
- الرأي
تعلم خارج الأسوار
سمعت حكاية سيدة سعودية، تقول مدرسة ابنتها الصغيرة، أُرسِلت لها شكوى ضد ابنتها، بأن البنت تحتاج أن يجلس معها أحد ويتحدث؛ لأن البنت في المدرسة تجلس بمفردها، وتتحدث بلغة غريبة لا أحد يعرفها. الأم استغربت الأمر، وراحت تبحث في الموضوع، وهي تعرف أن بنتها ذكية و«شاطرة»، لكن بعد البحث عرفت أن اللغة الذي تتحدث بها هي اللغة الروسية، وأن البنت تكاد تجيد اللغة؛ لأنها تدرسها بنفسها عبر اليوتيوب يومياً. وأذكر أباً وجد أن ابنه لا يرغب أن يدرس في الخارج، إنما يفضل أن يدرس الطيران؛ لهذا أخذه لشركة طيران، والذي اختبر الابن قال لوالده إن ابنك هذا طيار، يعرف كل شيء، وعند سؤال الابن هل تدربت من قبل كطيار؟ فعرف أنه من طفولته وهو يلعب الألعاب الإلكترونية الخاصة بالطيران؛ لهذا ألمَّ بكل شيء، والآن يحتل منصب طيار بأعلى رتبة. إخواني المواطنين لديهم اعتقاد أن المدارس تعلم الطفل كل شيء، وهذا غير صحيح؛ لأنه يجب أن يكتسب مهارات خارج أسوار المدرسة، هذه المهارات تؤهله لوظيفة ما. عموماً... كم من الفراغ عندنا في حياتنا للتعلم، والبعض يعتقد أنك فقط تتعلم لغة لتحتاجها في السفر وهذا خطأ؛ لأنك بإجادتك لغة ما يمكنك معرفة ثقافة بلد عبر الاستماع لما تقدمة القنوات الأجنبية من حوارات وبدون ترجمة. أستاذنا فيصل الغيص، السفير السابق حفظه الله، كما علمت يجيد تسع لغات، ويجيد ستاً منها إجادة تامة قراءة وكتابة، وكان كلما عيّن في بلد كسفير راح يلتحق بمدرسة لتعلم اللغة. فعلاً... نحتاج عزيمة فقط للتعلم، ونبحث عن مهارات خارج أسوار مدارسنا؛ لنجد لأبنائنا مكاناً في المستقبل. لأن المستقبل مع الذكاء الاصطناعي مرعب... مرعب جداً!


المدى
منذ 2 أيام
- المدى
قداس الشكر السنوي لرابطة كاريتاس
ترأس رئيس أساقفة أبرشية صور للموارنة المطران شربل عبد الله، بدعوة من رابطة كاريتاس لبنان – إقليم صور، قداس الشكر السنوي في كنيسة سيدة البحار في صور، عاونه فيه رئيس رابطة كاريتاس الأب شربل عبود، ورئيس كاريتاس صور المونسنيور مارون غفري، والأبوان يعقوب صعب وريشار فرعون ممثلا راعي ابرشية صور للروم الملكيين المتروبوليت جورج اسكندر، وكاهن رعية الكتيبة الإيطالية في 'اليونيفل'، بحضور قائد القطاع الغربي الجنرال الإيطالي نيكولا مندوليسي وضباط من 'اليونيفيل' وشبيبة كاريتاس صور وحشد من ابناء الرعية . بعد القداس، ألقى عبد الله عظة قال فيها: 'القيامة تحمل أولًا رسالة السلام. قال يسوع لتلاميذه: السلام لكم. هذا السلام هو ثمرة الانتصار على الموت، حيث غلب المسيح الموت والشيطان، ومنحنا الحياة الأبدية. سلام المسيح يفتح قلوبنا على السماء، لأن المؤمن لا يعيش فقط لزمن هذا العالم، بل يتوق إلى موطنه الأبدي. وبالتالي هذا السلام هو أيضًا سلام المصالحة، فقد صالحنا يسوع مع الآب ومع ذواتنا. من يمتلك سلام المسيح، يعيش بالنعمة ويطلب القداسة، إذ لا حياة مقدّسة خارج يسوع'. أضاف: 'المسيح دعانا للتوبة ومغفرة الخطايا. من تحرر من الخطيئة لا يعيش في خوف، بل في نور القيامة، أما من استعبدته الخطيئة، فهو في ظلمة وقلق.واشار البرّ ليس من الإنسان، بل من الله. لا نتبرر بأفكارنا، بل بأفكار المسيح وسلوكه، لأنه وحده يحررنا من الموت الثاني. وغاية الإيمان هي خلاص النفوس وهذا ما نبلغه بالإيمان بقيامة المسيح'. وختم: 'يسوع القائم من بين الأموات حاضر معنا، لا كذكرى، بل كشخص حيّ يحمل جراحه، ويهبنا سلامه الحقيقي'. بعد انتهاء القداس القى الاب الروحي للكنيسة يعقوب صعب كلمة قال فيها: 'نلتقي اليوم في هذا القداس لنتوجّه بشكرنا إلى الله، الذي يقودنا دومًا بمحبّته ورحمته، ويبارك مساعينا الإنسانية والروحية. نجتمع تحت جناح كاريتاس – هذه اليد الممدودة من الكنيسة إلى الإنسان المتألّم – لنرفع صلاتنا في ختام سنة من العطاء والتفاني، وفي انطلاقة حملة كاريتاس السنوية تحت شعار 'إيمان إنسان لبنان'، هذا الشعار الذي يعكس التزامنا الثابت بخدمة الإنسان، أيقونة الله، في وطن يتوق إلى الرجاء والكرامة. بفرح كبير، نرحّب بيننا اليوم ، كما نوجّه تحيّة محبّة لكل من شارك من متبرّعين في حملة كاريتاس وشركاء، وأصدقاء، وإخوة في الرسالة.، فلنقدّم هذا القداس بنية الشكر والتضرّع، سائلين الرب أن يبارك هذه الحملة ويغدق علينا نعم الإيمان والثبات في خدمة الإنسان.معاً، نصلّي، نحبّ، ونعمل. ومعاً، على متابعة المسيرة' . بدوره ألقى الأب عبود كلمة باسم كاريتاس لبنان عبر فيها عن شكره وامتنانه. مستهلا كلمته بتوجيه الشكر إلى المطران شربل عبدالله 'على حضوره الدائم ودعمه المستمر لكاريتاس'، مشيرًا إلى 'دوره الريادي حين كان رئيسًا للإقليم'، ومؤكدًا أن 'شهادته تعني الكثير ولا سيّما في ظل متابعته الحثيثة لقضايا الأبرشية خلال فترة الحرب'. وحيا إقليم صيدا برئاسة المونسنيور مارون غفري وجميع أعضاء الإقليم، مثنيًا على 'جهودهم المتواصلة ومتابعتهم الدقيقة لكل أعمال الإقليم، ولا سيّما خلال الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد'. وأكد أن 'كاريتاس بذلت كل ما بوسعها، بكل ما أوتيت من قوة، للوقوف إلى جانب أهل الجنوب بمختلف الطرق الممكنة'. وفي ختام كلمته، شكر 'اليونيفيل' الإيطالية على مشاركتهم في القداس، معتبرًا أن 'دعمهم يشكل رسالة تضامن مهمة للبنان في كل لحظة. ومن خلالكم، أوجّه الشكر إلى الشعب الإيطالي وكل الجهات الراعية التي تقدم لنا المساعدة، ولا سيّما عبر كاريتاس إيطاليانا، في تأكيد دائم أن الشعب اللبناني ليس وحده، بل تحيط به أيادٍ ممدودة بالخير والمحبة'. بعدها انتقل الحضور إلى صالون الكنيسة فأقيم حفل ضيافة.


الجريدة
منذ 3 أيام
- الجريدة
شامبو القات في اليمن... هل يُصلح العطَّار ما أفسده السُّم؟!
لوحظ في الفترة الأخيرة انتشار مغاسل القات في اليمن بأشكالٍ ومسمياتٍ وعناوين براقة ولامعة، كيف لا؟! فلعلها آخر تقليعات القات وموضة العصـر الحالي، فعند مرورك بجانب أي سوق قاتٍ على امتداد خريطته، تجد بجانبه أو ضمن ملحقاته مغسلة خاصة بغسيل القات، وكانت وما زالت مُلحقات الأسواق تضم البقالة والمطعم والبوفيه ومحل بيع المشـروبات المصاحبة للقات كالشعير والزبيب... إلخ، وبانضمام المغسلة إلى قوام تلك الملحقات، يبدو أن اليمنيين لم يعد يخافون من القات لكونه مُخدّراً نباتياً في المقام الأول، ولا عن كمية السُّموم والمبيدات الكيميائية المحظورة عالمياً – وفق تقارير منظمة الصحة العالمية ومنظمة الفاو – والتي تُضاف إلى تُربته وأشجاره من أجل سرعة نموها وزيادة وتكثير إنتاجها، والأفظع من كل ذلك أنه لا مُبيد ممنوع في اليمن، فالكل شبه مسموح ومُرخَّص والباقي مُهرَّب ومنتهي الصلاحية، سواء أكانت صناعته شـرقيةً أم غربية، وما تتوارده ألسنة الناس بأن هناك سموماً إسرائيلية الصنع يتم استخدامها أيضاً في زراعة القات. ومن كل هذا الكوكتيل المُرعب تجد اليمنيون يُسارعون إلى غسل قاتهم في تلك المغاسل الجديدة، ذات الوظيفة الجديدة أيضاً، وبشامبو صنع خصوصاً من أجل هذه المهمة، وبالماء المفلتر، ولعل الأخيرة تعد آفة الأثافي، فاليمن يُعاني من استنزافٍ كبيرٍ لموارده المائية بصورةٍ كبيرة، حيث تشير التقارير الدولية إلى معدل الاستنزاف يُقدَّر بنحو (3 – 5%) سنوياً، بحسب تقرير البنك الدولي لعام 2022م، وأن هذا الاستنزاف سيؤدي إلى انهيارٍ كاملٍ للمخزون الجوفي في بعض المناطق اليمنية بحلول 2030م وفقاً لتقرير منظمة الفاو في عام 2023م، وبالطبع فهذا الاستنزاف معظمه أو جُلَّه من أجل زراعة القات والذي يستهلك أكثر من (70%) من المخزون المائي في اليمن، مما جعله إحدى الدول الفقيرة والشحيحة مائياً. ولم يقف الأمر على زراعة القات ومخاطره على المجتمع إلا أنه في الوقت الحالي ظهرت كوارث كبيرة أخرى تتمثل في انتشار مادة الشَّبو والحشيش والمخدرات وغيرها، والتي عادةً ما تكون نتاج تضعضعٍ للقيم والأخلاق في المجتمع، وعدم قيام الدولة بواجباتها نحو حماية شعبها من تلك السموم التي تُهلك شبابنا، وتُهدر أموالنا، وتُضيِّع مستقبلنا، لنضحك على أنفسنا بأن شامبو وماء مُفلتر يُمكنهما أن يعملا حلاً لكل تلك الباقة من السموم والمبيدات التي ترافق القات زراعةً وتداولاً ومضغاً، ولكل تلك الجوقة من الهموم والأمراض التي تأتي كنتاج لكل تلك الآفات... لينطبق القول على هذا الواقع: هل يُصلح العطَّار ما أفسده السُّم؟! الله غالبٌ على أمره * صـحـافـــــي مـــن الـيـمـن E-mail: [email protected]