
لا مركزية من دون اللامركزية
تعدّدت وجهات النظر وطرحت الأحاديث الإعلامية في الآونة الأخيرة حول طرح اللامركزية الإدارية واللامركزية الموسّعة واللامركزية المالية وغيرها من المفاهيم التي تدور حول عنوان واحد: مشروع اللامركزية.
ذلك في ظلّ دخول لبنان مرحلة الانتخابات البلدية والاختيارية بعد تأجيل لثلاث سنوات بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فقد شكّل انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة والتزامهما بتطبيق الدستور والقوانين الإصلاحية انطلاقة جديدة للبلاد، وجاءت الانتخابات البلدية عاملاً إضافياً للانطلاقة كضرورية لقوة وجدّية العهد الجديد، لذا حدّدت الحكومة استيفاء الاستحقاق الانتخابي البلدي والمختري في شهر أيار/مايو الحالي.
عاد النقاش حول مفهوم اللامركزية إلى الواجهة من جديد، مع العلم أنّ المجلس النيابي قد أعدّ في لجنة الإدارة والعدل، متمثّلة من المكوّنات السياسية كافة في البرلمان طيلة 16 عاماً، مشروع القانون من 76 بنداً وأصبح قيد الانتهاء لطرحه على الهيئة العامّة للمجلس النيابي، إلّا أنّ أغلب هذه المكوّنات لا تزال ترى في طرح الموضوع مصدراً للقلق السياسي والإداري في ظلّ ما تسمّيه هواجس طائفيّة ومناطقيّة غير واضحة.
في الوقت الذي يتحدّث فيه أغلب المكوّنات السياسية في لبنان عن الحصرية والمركزية في الإدارة العامّة بشكل إيجابي من باب أنّ الدولة هي المرجعية الوحيدة في الإدارة والسياسة، ويوجّهون الانتقادات على عبارة اللاحصرية واللامركزية، وكأنّ هناك فصلاً في المفهوم لجعلهما مفهومين مختلفين ومتناقضين في وقت أنّ العبارتين هما عبارتان لمفهوم واحد يمكن تسميته بإدارة الشأن العامّ بالتناسق مركزياً ولا مركزياً. 6 أيار 12:30
1 أيار 10:33
أي أنّ العبارتين هما لمفهوم واحد ولا وجود لإحداهما من دون الآخر، فالمركزية ليست لها مكانة عملية في حال عدم وجود لا مركزيات تنطوي في ظلّها، واللامركزية ليست لها حماية وضمانة ووجود من دون وجود سلطة مركزية تنتمي إليها، وذلك باعتبار منطقي أنّ الأجزاء تكون الكلّ فالجزء ليس موجوداً بعبارة جزء من دون أن يكون هناك كلّ ينتمي إليه، والأجزاء لا تكون اسمها أجزاء من دون أن يكون هناك كلّ تشكّله، فمن أين يأتي التفريق بين الجزء والكلّ، أي بين المركزية واللامركزية في لبنان، في وقت أنّ الأوّل أب للثاني والثاني مولود من الأول فلا يسمّى الأب أباً إن لم يلد أبناء، فالحقيقة لا وجود لمركزية من دون وجود للامركزية، هذا يعني أننا هنا أمام مفهوم واحد لعبارتين، ووجهين لعملة واحدة.
ولكن لماذا يطغى التفريق بين العبارتين وجعلهما مفهومين مختلفين ومتناقضين في الإدارة، الحقيقة أنّ أغلب اللبنانيين يطرحون هكذا اختلاف بسبب هواجس هم أنفسهم لا يعرفونها، ولكن إذا أردنا تصحيح الانتقاد لإحدى العبارتين في ظلّ اعتبارهما مفهوماً واحداً يمكننا القول إنّ الخلاف على توسيع الصلاحيات في الإدارات المحلية أي اللامركزيات الإدارية مقابل الصلاحيات المناطة بالإدارة العامّة المركزية.
السؤال اليوم ليس من مع المركزية ومن مع اللامركزية، فمن مع المركزية هو مع اللامركزية حكماً، ومن مع اللامركزية هو اعترف حكماً بوجود المركزية، ولكنّ السؤال من مع إعطاء الصلاحيات المحقّة للإدارات المحليّة في البلدات والأقضية وما حدود هذه الصلاحيات، ومن مع حصر صلاحيات معيّنة بيد الدولة المركزية أيّ الحكومة.
لا شكّ أنّ المشرِّع السياسي الإداري لنظام اللامركزية الإدارية قد أخذ بعين الاعتبار أنّ هناك صلاحيات يجب أن تبقى محصورة بالإدارة اللامركزية، فوزارة المالية مثلاً لديها مهمة شهرية وهي دفع رواتب القطاع العامّ، لذا يجب على الإدارة المركزية أن تحصر بعض الضرائب على القطاع الخاصّ مثل ضريبة الرواتب والأجور (R10) بيدها لضمان تأمين رواتب الموظفين العموميّين الذين يديرون الشؤون العامّة للمواطنين، أما الضرائب والرسوم الأخرى مثل رسوم الأبنية والحراسة والكناسة والمحلات التجارية فتعطى للبلديات كي تتمكّن من إدارة ذاتها وإنماء مناطقها المحلية.
رغم أنّ لبنان يعمل بهذا النظام إلا أنه غير موسّع وغير مكتمل، فعلى سبيل المثال لا توجد حتى الآن هيئة قضاء محلية مع العلم بوجود قائم مقام للقضاء ومحافظ للمحافظة، ولكنْ كلاهما لا يأتيان من الانتخابات اللامركزية بل يعيّنان من الحكومة المركزية، لذلك تمّ إنشاء شيء رديف لذلك اسمه اتحاد البلديات، ومع ذلك ليس لهذا الاتحاد صلاحيات اللامركزية الحقيقية في القضاء أو المحافظة بل يكتفي بالتنسيق بين البلديات على المشاريع الإنمائية والتخطيط لما هو يعني مجموع البلديات التي تشكّله ليس أكثر، والقائم مقام والمحافظ يشكّلان رقابة مركزية على الهيئات المركزية مع بعض الصلاحيات في إعطاء تراخيص أكبر من صلاحيات البلدية.
فالرقابة المركزية مطلوبة كمندوب حكومي يراقب التزام البلديات بحدود صلاحياتها، ولكنّ الرقابة الحقيقية والفعّالة هي للمواطنين المتلاصقين إلى جوار بلديتهم والذين يحاسبون ويطالبون يومياً بحقوقهم ويستطيعون تغيير الهيئة المحلية برمّتها في أيّ استحقاق انتخابي مقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 44 دقائق
- الميادين
"نيويورك تايمز": خطة مساعدات غزة الغذائية صُممت بإشراف إسرائيلي
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن خطة المساعدات الغذائية الجديدة المقررة لقطاع غزة، والتي تتجاوز وكالات الأمم المتحدة وتُقدَّم بوصفها بديلاً "مستقلاً ومحايداً"، هي من إعداد مسؤولين إسرائيليين، وصُمّمت خصيصاً لتقويض حركة حماس والحدّ من نفوذها في القطاع. وبحسب الصحيفة، فإنّ الخطة الجديدة التي أُعدّت في "إسرائيل"، ستُنفَّذ عبر متعاقدين أجانب وكيانات خاصة حديثة النشأة، لتحلّ محل وكالات إغاثة دولية ذات خبرة طويلة، وعلى رأسها الأمم المتحدة. وبيّنت أن المبادرة تُدار بشكلٍ أساسي من قبل متعاقدين أميركيين، على رأسهم فيليب إف. رايلي، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية (CIA)، إضافةً إلى الجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية جيك وود، الذي يتولى قيادة المجموعة المكلفة بجمع التبرعات. وتعود جذور المشروع، وفق الصحيفة، إلى الأسابيع الأولى من الحرب الإسرائيلية على غزة، حين اقترحه مسؤولون إسرائيليون خلال اجتماعات خاصة عقدت أواخر عام 2023، وضمّت ضباطاً عسكريين ورجال أعمال مقربين من الحكومة الإسرائيلية، فيما عُرف لاحقاً بـ "منتدى ميكفيه إسرائيل"، نسبةً إلى الكلية التي اجتمع فيها المشاركون في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه. اليوم 12:19 اليوم 09:47 وأشارت الصحيفة إلى أنّ أعضاء المنتدى، استقروا تدريجياً على فكرة الاستعانة بمقاولين من القطاع الخاص لتوزيع الغذاء في غزة، متجاوزين بذلك النظام الأممي المعتمد. وعلى مدار عام 2024، حظيت المبادرة بدعم سياسي وعسكري من داخل "إسرائيل"، وبدأ تطويرها فعلياً بالتعاون مع شركات ومقاولين أجانب، تحت إشراف مباشر من رايلي وفريقه. وعلى الرغم من تأكيد السفير الأميركي لدى "إسرائيل"، مايك هاكابي، في مطلع أيار/مايو الحالي، أن الحديث عن "خطة إسرائيلية" هو "غير دقيق إطلاقاً"، إلا أن الصحيفة نقلت عن مصادر إسرائيلية ومشاركين في المشروع، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، تأكيدهم أن الفكرة والمبادرة تعود بالأساس إلى مسؤولين إسرائيليين. وبينما تصرّ "تل أبيب" على أن المشروع "مبادرة محايدة"، وتعدّه بديلاً أكثر فاعلية من نظام الأمم المتحدة، حذّرت الأخيرة من عواقبه الإنسانية، مشيرةً إلى أنه سيقيّد وصول المساعدات إلى مناطق محدودة داخل القطاع، وسيجبر المدنيين على عبور مسافات طويلة داخل مناطق عسكرية أحدثها "الجيش" الإسرائيلي للوصول إلى الغذاء، ما يعرّض حياتهم للخطر. وذهبت التحذيرات الأممية إلى أبعد من ذلك، إذ أبدت خشيتها من أن يشكّل هذا النظام غطاءً لخطة تهدف إلى تهجير سكان شمال غزة قسراً، خصوصاً أنه من المتوقع أن تتركز نقاط التوزيع في المناطق الجنوبية فقط، ما يُفاقم أزمة النزوح القائمة منذ بدء العدوان. ويرى مراقبون أن الخطة، وإن غُلّفت بعبارات الحياد والاستقلالية، تشكّل جزءاً من إعادة تشكيل المشهد الإنساني في غزة بما يتلاءم مع الأجندة الإسرائيلية، وهو ما يثير مخاوف من تسخير العمل الإغاثي لأهداف سياسية وعسكرية.


LBCI
منذ ساعة واحدة
- LBCI
وزير الداخلية شاكرًا الإعلاميين والصحافيين: كنتم على قدر المسؤولية وواكبتم الاستحقاق وساهمتم في إنجاحه
شكر وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، الإعلاميات والإعلاميين والمصورين الصحافيين والتقنيين على الجهود الكبيرة التي بذلوها في متابعة الانتخابات البلدية والاختيارية. وقال: 'لقد كنتم على قدر المسؤولية، وواكبتم هذا الاستحقاق الوطنيّ بكل مهنية وشفافية وساهمتم في إنجاحه'.


LBCI
منذ ساعة واحدة
- LBCI
جنبلاط في عيد التحرير: تحية للجنوب الصامد الجريح ولجبل عامل الصابر الأبيّ
وجّه الرئيس السابق للحزب التّقدمي الاشتراكيّ وليد جنبلاط في عيد التحرير، 'تحية للجنوب الصامد الجريح ولجبلعامل الصابر الأبيّ عبر التاريخ لبنان'. في عيد التحرير التحية للجنوب الصامد الجريح ،في عيد التحرير التحية إلى جبل عامل الصابر الأبيّ عبر التاريخ #لبنان — Walid Joumblatt (@walidjoumblatt) May 25, 2025