
السلطات المستبدة في الدولة الشموليّة وتغييب دور الانتلجنيسيا!عدنان عويّد
السلطات المستبدة في الدولة الشموليّة وتغييب دور الانتلجنيسيا!
(علاقة النخب الثقافية مع السلطات الحاكمة المستبدة.)
د. عدنان عويّد
أقصد بمفهوم ( النخبة) هنا, ليس مثقفي السلطة, وتجار الكلمة, ومهاتري وأدعياء الثقافة. وإنما المقصود بها هنا هي كل تلك القوى الاجتماعية الممثلة للثقافة العالمة ممثلة بالانتلجنيسيا المختصة بأنساق واسعة من المعرفة الايجابيّة. أي المهتمون بشؤون المعرفة العلميّة من أطباء ومحامين ورجال قانون ومهندسين وإداريون وكل من يقع نشاطه المعرفي في مضمار البحث المتخصص والمتعلق في تنمية الدولة والمجتمع. ويأتي في مقدمة هذه النخب الإيجابيّة أيضاً, من يشتغل على قضايا الأدب والفن والفكر بأنساقها السياسيّة والسيسيولوجية, (الاجتماعية) والابستمولوجيّة, (المعرفيّة) والفلسفيّة, وغير ذلك من قضايا الثقافة الإبداعيّة التي تختص في تنمية الوعي الفردي والمجتمعي والارتقاء بهذا الوعي بما يخدم الفرد والمجتمع, ومحاربة الظلم والاستبداد والتخلف والفساد بكل أشكاله, وعلى رأس كل هؤلاء يأتي المثقف (الطليعي) أو ما يسمى بالمثقف (العضوي) على حد تعبير 'غرامشي'
علاقة النخب الثقافية الشموليّة, أو السلطات الحاكمة المستبدة:
لقد ظل تعاضد السيف والسلطة في عالمنا العربي, قائماً في الدولة العربيّة منذ بداية الخلافة الإسلاميّة حتى اليوم. هذا التعاضد الذي عبر عنه الخليفة عبد الملك بن مروان بعد توليه الخلافة خير تعبير, عندما مسك القرآن بيده وراح يخاطبه بعد أن قبله قائلاً: ( هذا فراق بيني وبينك), ثم ذهب ليخطب بالناس في الكعبة بعد استيلاء عامله الحجاج على مكة ومقتل عبد الله بن الزبير قائلاً عبارته المشهورة: (إنكم تكلفونا أعمال الأوائل ولا تسيرون سيرتهم, والله لا أسمع رجلاً يقول لي بعد اليوم 'اتقي الله' لقطعت رأسه بحد السيف). (1).
أما الحجاج فيقول عن المعارضة ومنها حتماً أصحاب الرأي, أي المثقفين السياسيين ممن عارض السلطة أو الخلافة الأمويّة في سياستها آنذاك قائلاً: ( من تكلم قتلناه, ومن سكت مات بدائه غماً.). هذه المقولة التاريخيّة المعبرة عن استبداد السلطات الحاكمة الشموليّة وقهرها لمعارضيها أو منتقديها بشكل عام وللمثقفين العقلانيين التنويريين بشكل خاص, لم تزل سارية المفعول حتى تاريخه في عالمنا العربي.
وفي تاريخنا الحديث : يقول الكاتب السوري النهضوي شبلي شميل:
(ومن الأسباب القاضية على نبوغ الكتاب في المشرق هو وقوف حكوماتهم ضدهم, فقد تعودت الحكومة أن تنظر إلى هذه الطائفة كأنها من الآفات التي ينبغي مقاومتها أكثر من تنشيطها, وذلك لعدم معرفة الكثير من الحكام مالها من الأهميّة وما لكبارها من النفع في رفع شأن هذه الأمّة, إذ لا يعرف قدر الشيء إلا أهله, فمهما أجاد الكتاب في حكومة هذا شأنها, ومهما أظهروا الاستعداد لأن يكونوا من النوابغ فلا يصادفون إلا إعراضاً منها يحملهم على أحد أمور ثلاث هي: إما كسر القلم, وإما تحييدها وعدم الوقوف ضدها, وإما إذلاله لها. وأبلغ من ذلك هو الإساءة إلى تخريب ذمم الكتاب وشرائهم بالمال ليكتبوا غير ما يفكروا به, أو يصمتوا عما يعتقدون, حتى ينحط مقام الكتابة بهم والنتيجة من ذلك في كلا الأمرين قتل الأفكار, وإفساد الأخلاق, وموت الْكُتَابِ الذين يُفتخر بهم, وما وجِدَتْ الحكومات لمثل هذا.).
من طرائف السلطات المستبدة في وطننا العربي في بداية القرن التاسع عشر, أن 'محمد علي باشا' والي مصر أرسل الطهطاوي والعديد من النخب المصريّة إلى فرنسا للتخصص بالعلوم الحديثة أو ما سمي بـ (العلوم البرانية) كعلوم السباكة والحدادة والعسكريّة والأيلجة – أي الدبلومسية – وكانت يومها خمسة عشر علماً على حد تعبير ذلك الزمان, وعند عودتهم سأل الباشا كلاً منهم عن تخصصه العلمي الذي درسه في فرنسا, ووضع كلاً منهم في مجال تخصصه, إلا رجلاً واحداً عندما سأله عن اختصاصه قال له (علوم إداريّة). فاستفسر منه الباشا عن طبيعة هذا الاختصاص, فقال له: هو علم إدارة البلاد ومؤسساتها. فنظر إليه الباشا بشذر وقال له: أما أنت فاذهب إلى الاسكندريّة وترجم الكتب العسكريّة للجنود هنا. فأنا الحاكم هنا.(2).
هكذا يفكر الحاكم المستبد في الدولة الشموليّة, فهو يتوجس شراً من كل مثقف أو متعلم يمكن أن ينافسه في الحكم أو يساهم في كشف المستبد وسياساته أما الشعب.
كاتب وباحث من سوريّة
d.owaid333@gmail.com
ــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- (الدكتور عبد الوهاب أحمد أفندي – الإسلام والدولة الحديثة – دار الحكمة لندن – ص 70. ).
2- (د. عدنان عويّد – بحث 'النهضة وأزمة الطبقة' – من كتابنا: اشكالية النهضة في الوطن العربي من التوابل إلى النفط – إصدار دار المدى – دمشق – 1997- ص202).
2025-04-04
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأنباء العراقية
منذ 5 ساعات
- الأنباء العراقية
هجوم صاروخي جديد من اليمن يستهدف وسط الكيان الصهيوني
متابعة - واع دوت صافرات الإنذار فجر اليوم الجمعة في تل أبيب ومناطق واسعة من الكيان الصهيوني نتيجة هجوم صاروخي من اليمن هو الثالث خلال 24 ساعة. وقال المتحدث باسم الجيش الصهيوني: " أنه عقب الإنذارات التي تم تفعيلها قبل قليل في عدة مناطق، تم اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن". وأضاف أنه "تم رصد صاروخ أطلق من اليمن باتجاه الأراضي الصهيونية، وأن أنظمة الدفاع تعمل على اعتراض التهديد". وأعلن أنصار الله (الحوثيون) في وقت سابق من الخميس استهداف مطار بن غوريون بصاروخ بالستي بعد ساعات من صاروخ آخر تم إطلاقه على الكيان الصهيوني.

وكالة أنباء براثا
منذ 13 ساعات
- وكالة أنباء براثا
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث حول الانتخابات.. بين تنافس النخب وتفتيت المجتمع
التعليقات علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ... الموضوع : وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي ----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ... الموضوع : تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41) منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ... الموضوع : النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ... الموضوع : الحسين في قلب المسيح ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ... الموضوع : محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ... الموضوع : مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !! ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ... الموضوع : المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!! م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!

وكالة أنباء براثا
منذ 13 ساعات
- وكالة أنباء براثا
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن مستقبل الأعراب في ظل استحقاقات الذل والخنوع.. الواقع والمآلات
التعليقات علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ... الموضوع : وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي ----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ... الموضوع : تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41) منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ... الموضوع : النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ... الموضوع : الحسين في قلب المسيح ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ... الموضوع : محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ... الموضوع : مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !! ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ... الموضوع : المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!! م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!