أحدث الأخبار مع #عدنانعويّد


ساحة التحرير
١٨-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
الوعي المطابق من الجمود إلى الحركة!عدنان عويّد
الوعي المطابق من الجمود إلى الحركة! د. عدنان عويّد* عندما قرأت كتاب المفكر الراحل ياسين الحافظ : (الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة) منذ عشرين عاماً ونيف, أدهشني عمقه الفكري, واستشرافه للمستقبل, وأسلوب طرحه ورقي مفردات الكتاب وتراكيبه التي تناولها, بيد أن ما لفت انتباهي في هذا الكتاب من الناحية الفكريّة, هو بحثة في ما سماه بـ (الوعي المطابق), وهو الوعي الذي يرفض الأيديولوجيا الجموديّة التي تعمل على ليّ عنق الواقع للتوافق معها حتى ولو استخدم حاملها الاجتماعي العنف من أجل ذلك. الأمر الذي حرضني حقيقة أن أشتغل على موضوع 'الوعي المطابق', ليصدر لي كتاب عام (2006), بعنوان' (الأيديولوجيا والوعي المطابق). (1). توسعت فيه كثيرا في هذا الاتجاه مبيناً معنى الأيديولوجيا وسياقها التاريخي وأهدافها وحواملها الاجتماعيين, والفرق ما بينها وبين الوعي المطابق. ونظراً لأهمية الوعي المطابق من الناحية المنهجيّة والفكريّة من جهة, على اعتباره وعيّاً جدليّاً يربط ما بين الواقع والفكر, هذا الرابط الذي يقر بأن هناك تأثيراً متبادلا بينهما, فكل منهما يؤثر بالآخر ويتأثر به ويغنيه, وبأن الواقع في كل مستوياته الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة هو من يحدّد بداية طبيعة الفكر وأنساقه, بيد أن هذا التحديد ليس ميكانيكيّاً, أي إن الواقع لا يعكس الفكر كما تعكس المرآة الأشياء, وإنما يقوم بتحديد ملامحه العامة ليترك الفكر عبر (حوامله الاجتماعيّة) التي أنتجته أن ينمو نمواً مستقلاً نسبياً, ليتشكل منه بعد وصوله إلى مرحلة النضج والتبلور أنساقاً معرفيّةً عديدة سياسيّة وفنيّة وأدبيّة وغير ذلك من أنساق تطغى عليها الصفة العلمية, يتعامل معها الإنسان ويوظفها أثناء إنتاجه لخيراته الماديّة والروحيّة. ومن جهة ثانية تأتي أهميّة الوعي المطابق وضرورة تمسكنا به اليوم لما يعانيه الواقع من تخلف في كل مستوياته الماديّة,حيث غلبت عليه صفة التشرذم والتخبط والتناقضات والصراع, حيث انعكس كل ذلك التخلف على المستوى الفكري أيضاً الذي لم يعد قادراً اليوم عبر حوامله الاجتماعيّة على تحليل الواقع المعيوش وكيفيّة التعامل معه والنهوض به. وبناءً على هذه المعطيات, سأعرض في هذه العجالة بعض سمات وخائص الوعي المطابق كما رأها 'ياسين الحافظ' وكما أراها أنا في كتابي (الأيديولوجيا والوعي المطابق) وهي: 1- التمسك بمنهج فكري واضح الأهداف أو مطابق للأهداف المراد تحقيقها في تنمية المجتمع وتقدمه. فاليوم نحن أمام مناهج فكريّة عديدة تنوس ما بين الماديّة والمثاليّة, بل رحنا نلمس أو نعيش في الحقيقة فكراً مثاليّاً مفارقاً للواقع, وإن حاولنا مقاربته فهو يتعامل كثيراً مع الشكل دون المضمون, الأمر الذي ترك المواطن يعيش حالة من الانفصام والغربة في الفكر والممارسة معاً, ففي الوقت الذي يطلب منه التمسك بالفضيلة في صيغتها المثاليّة على سبيل المثال, نجد أن دعاتها يغفلون في تفكيرهم التفكير والممارسة فضيلة ' القانون' الوضعي, ومتمسكين بفضيلة ماضويّة, خيم عليها الالتزام بممارسة طقوس شكليّة في اللباس والمظهر الشخصي على حساب الجوهر وخاصة عند أصحاب التيارات السلفيّة, في الوقت الذي نجد فيه قسوة تخلف الواقع على هذا الإنسان في لقمة عيشه وحرية تفكيره وشعوره بإنسانيته. 2- التمسك بمنهج فكري يتعارض مع النظرة الأيديولوجيّة الدوغمائيّة التي تنظر إلى الواقع على أنه من لونين أسود وأبيض. بينما الوعي المطابق يرى الواقع من الوان متعددة. فالحياة لا تسير على لون رمادي فحسب, فمن اللون الرمادي نستطيع أن نشتق ألوان كثيرة. 3- الوعي الأيديولوجي يرى الحقيقة (الأشياء) مطلقة وثابتة وعلى الواقع أن يرتقي إليها, أما الوعي المطابق فيراها نسبية ومتغيرة وهي في حالة حركة وتبدل وتطور مستمر. 4- الوعي الأيديولوجي يوجد حالة من الانفصال بين شكل الظواهر ومضمونها. أما الوعي المطابق فيرى هناك علاقة جدليّة تأثيريّة بينهما, فالشكل يدل على المضمون كما يقال في المثل الشعبي, ويحدد طبيعة هذا المضمون ومساراته. كما أن الأيديولوجيا تفصل الجزء عن الكل, والداخل عن الخارج, بينما الوعي المطابق يربط بين الأجزاء وبين الدخل والخارج ربطاً جدليا, فعلى مستوى ربط الجزء (فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص…). وعلى مستوى علاقة الداخل بالخراج, فالأفراد والمجتمعات لا تعيش وجوداً ' روبنسيا', بل هي تتفاعل مع بعضها سلباً او إيجاباً بالضرورة. 5- الوعي الأيديولوجي يعتمد على الحدْس والتقريب والعموميات والشعارات والأفكار المسبقة والذاتيّة والغيبيات. أما الوعي المطابق فيعتمد على الاستقراء والاستنتاج والتحليل والتركيب وعلى التفاعل, وبالتالي يقدم البرهان. 6- الوعي الأيديولوجي ينطلق من الرغبة والشعور المتعمد لدى حوامله الاجتماعيّة. أما الوعي المطابق فيعتمد على الواقع والمعطيات القائمة. 7- الوعي الأيديولوجي تقريري, والواقع عنده معطى مطلق نهائي ثابت. أما الوعي المطابق فالواقع عنده يقوم على منهج تحليلي, وهو نسبي في معطياته, والواقع يكتشف تدريجيّاً مع تقدم المعرفة البشرية والعلم. وأخيراً الوعي المطابق: هو سيرورة معقدة وشاقة وجهد مستمر ومتواصل من الاستقراء التحليل والتركيب والاستنتاج والنقد والشك وصولاً إلى المطابقة, مطابقة الوعي مع الواقع المتغير باستمرار. أي هو عملية اقتراب دائم من الواقع والتفاعل معه. ونفي أي صفة للقداسة عن الأشخاص والأفكار, وضرورة الارتباط بالقوى الاجتماعيّة الفعالة المؤمنة بقضية الوطن والمواطن, هذه القوى التي غيبت تاريخيّاً عن دورها الفاعل ومكانتها في هذه الحياة, على اعتبارها هي من يصنع التاريخ البشري, وبالتالي لن يتحقق تحريك هذه القوى وإعطائها دورها التاريخي إلا عن طريق تطبيق الديمقراطيّة والعلمانيّة ودولة القانون والمؤسسات والمواطنة والتشاركيّة, واحترام الرأي والرأي الآخر, والنهوض بالمرأة, وتعميق لدور الفكر المطابق للواقع الرافض لأي فكر جمودي متحجر لا يقر بدور الإنسان ومكانته في صنع تاريخه. كاتب وباحث من سورية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- الكتاب: الأيديولوجيا والوعي المطابق – إصدار دار التكوين دمسق. 2006- ط1. 2025-04-18


ساحة التحرير
١٠-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- ساحة التحرير
التحليل الأسلوبي للنص الأدبي!عدنان عويّد
التحليل الأسلوبي للنص الأدبي! د. عدنان عويّد* هناك فرق كبير برأيي بين الدراسات النقديّة للأدب من وجهة نظر الدراسات الأسلوبيّة, وبين الدراسات القائمة على مناهج النقد الأدبي السياقيّة منها أوالنسقيّة, كـ (البنيويّة, والتفكيكيّة, والشكلانيّة, والواقعيّة, والواقعيّة الاشتراكيّة ونظريّة الانعكاس..) وغير ذلك. هذا بالرغم من أن الدراسات الأسلوبيّة تتضمن بعض معطيات هذه المناهج بالضرورة, إلا أن الدراسات الأسلوبيّة أكثر علميّة من جهة, وأكثر شموليّة وتعقيداً من جهة أخرى. ونظراً لأهميّة اللغة كقاسم مشترك بين علم الأسلوبيّة والعلم المنهجي في النقد الأدبي, فثمة علاقة وطيدة تكامليّة بين علم الأسلوب وعلم اللغة أيضاً, فكل منهما يكمل الآخر, فَعَاِلمُ الأسلوب يحتاج في دراساته التحليليّة إلى قدر من علم اللغة يكفيه لفهمه اللغوي للنصوص، كما يحتاج عالِم اللغة إلى قدر من المقولات الأدبيّة تكفيه بالمقابل للإحاطة اللغويّة بالنصوص الأدبيّة. ونظراً لتعدد المستويات التي يشتغل عليها الأسلوب كما سيمر معنا لاحقاً لذلك يفضل في الدراسات الأسلوبيّة تناول مستوى واحداً من مستويات الأسلوبيّة عند دراسة أي نص أدبي, لتلافي الدخول في متاهات تلك المستويات إذا ما اجتمعت في دراسة واحدة كما سيتبين معنا لا حقاً, وعلى هذا يأتي اختيارنا لدراستنا هنا للمستوى البلاغي في التحليل الأسلوبي. دون إهمال لبقية المستويات ولو من باب التعريف بها. مستويات التحليل الأسلوبي للنص الأدبي: المستوى البلاغي في علم الأسلوب: يدين التحليل الأسلوبي في نشأته وتطوره إلى علم اللغة, وقد أستفاد منه النقد الأدبي واعتبره واحداً من مجالات نقد الأدب, باعتباره – أي التحليل الأسلوبي – يشتغل على بنية لغويّة ينتجها الأديب عن وعي وقصد تامين, إضافة إلى اعتناء التحليل الأسلوبي بدراسة (النص الأدبي) ووصف طريقة صياغته والتعبير عنه, وتزويد علم البلاغة بالنتائج التي يصل إليها من قراءة النصوص وتحليلها، وذلك بعد استخلاص التحليلات النصيّة وقراءة ما وراء السطور, كالمضمر والمسكوت عنه, وإبراز أشكال المجاز, وأنساق الصور الفنيّة, وطريقة تكوين البنية التخيليّة في النص بأكمله. وهذه المهمة للتحليل الأسلوبي الأدبي تعتبر من أهم وجوه الدراسة الأسلوبيّة، وذلك لما في هذه الدراسة من تخطٍ للخصائص الجزئيّة للعمل الأدبي، والنظر إليه بشموليته التي توضح خصائصه المميزة له عن غيره من الأعمال الأدبيّة. وليس هناك من مبالغة في القول بأن الأسلوبيّة أحيانًا تكون جزءاً من نموذج التواصل البلاغي، وتنفصل أحيانًا عن هذا النموذج أو تتسع حتى تكاد أن تمثل البلاغة كلها باعتبارها ـ الأسلوبيّة ـ بلاغة مختزلة أو مكثفة, على اعتبار المستوى البلاغي يدرس الصور الفنيّة والاستعارات والمجازات، واستخدام المحسنات البديعيّة، وأساليب الإنشاء الطلبي. كـ (اﻷﻣﺮ واﻟﻨﻬﻲ واﻻﺳﺘﻔﻬﺎم واﻟﺘﻤﻨﻲ واﻟﻨﺪاء. وغير الطلبي, كـ ( المدح، والذم، والقسم، والتعجب والرجاء, وفي المدح والذم (1). والاستفهام، والأمر، والنهي، والقسم، والتعجب، والنداء، والدعاء، وما تؤدّيه كل هذه الأساليب من معان. (2). على العموم إن دراسة التحليل الأسلوبي على المستوى البلاغي تُساعد في الوصول إلى استنتاجات كثيرة يتضمنها النص المسلط عليه ضوء هذا التحليل, كما تساعد على امتلاك القدرة في الربط بين مفردات النص بكل مكوناتها، وجعل القارئ يتعمق فيما وراء السطور ليكتشف ما يريده كاتب النص. إن عالم الأسلوب ينظر إلى النص الأدبي من زاوية بلاغيّة النص نظرة خاصة, تهدف إلى كشف جوانب جماليّة اللغة ودورها ومكانتها في جميع ظواهرها أو تجلياتها, بدءا بالأصوات, مروراً بحسن اللفظ وجودة المعنى, وصولاً إلى أبنيّة الجمل الأكثر تركيباً. وهو علم يحدد قدرة الأديب أو المبدع أيضاً على استعمال أصوات وتراكيب اللغة استعمالا فنيّا جماليّا من خلال تفاعل العناصر اللغويّة كلّها في ما بينها داخل النص، ثم مدى تأثير كلّ تلك العناصر اللغويّة على المتلقي وما تحدثه من أثر جميل فيه، وبناء على ذلك يتخذ علم الأسلوب ثلاثة مقوّمات أساسيّة لتحليل النص الأدبي لغوياً هي: أولها: يتعلق باختيارات الكاتب المتنوّعة من إمكانات اللغة الهائلة. وثانيها: استخدامه الانزياحات اللغويّة عن النمط المعهود للغة بما تحمله هذه الانزياحات من تشبيه واستعارة وكناية وتقديم وتأخير أو انزياحات نحوية وصرفية وغير ذلك من مفردات البلاغة. وثالثها: قوالبه التي يختارها للتعبير. حتى يمكن القول إنّ أسلوب الكاتب لمحة عن حياته أو هو الكاتب أو الأديب ذاته. أما أهم المفردات التي يشتغل عليه الأسلوب في علاقته مع البلاغة: أولا حسن اللفظ : إن اللفظ مثلاً يجب يكون سمحاً, سهل مخارج الحروف في مواضعها, عليه رونق الفصاحة, وأن لا تكون اللغة وحشية بحاجة للقواميس اللغوية, وأن لا تكون متنافرة الحروف. فالكلام الفصيح هو الظاهر البين الذي يستلذ له السمع ويميل إليه, ولحاسة السمع الدور كبير في استحسان اللفظ أو النفور منه. لذلك يجب أن تكون الألفاظ مسبوكة مع الخلو من البشاعة. فجزالة اللغة تستخدم عادة في مواقف القوة والفخر وما شابه. أما اللغة الرقيقة العذبة في الفم واللذيذة في السمع, والرقيقة الحاشية والناعمة الملمس, فنجدها في الغزل ووصف ما هو جميل وما جرى مجراهما. هذا ويجب أن تكون معاني الجزالة والرقة تنسجم مع ألفاظهما, وأن حسن اللفظ قائم على رنته الموسيقية اللذيذة في الأذن, وأن تكون اللفظة الواحدة منسجمة مع بقية أجزاء الكلام, ففي إتقان السبك أو براعة الصياغة يكمن سر فن التعبير. وعلى هذا يمتاز الكلام الجديد بسلاسته ونصوعه وسهولته وتخير لفظه وإصابة معناه, وجودة مطالعه ولين مقاطعه واستواء تقاسيمه وتعادل أطرافه. إن الأديب الشاعر أو القاص أو الروائي, عندما يقوم بوصف معاناة الإنسان في ظروف الفقر والمرض والجوع والحروب على سبيل المثال، نراه مبدياً مشاركته الوجدانيّة مع هذه الحالات, ومختاراً المفردات الصوتيّة الرئيسة المعبرة في مثل هذه الحالات الاجتماعيّة, كالإغراق في الحزن والشكوى لما تثيره من أسف وتحسر على المظاهر البادية له. لذلك نجد في متن النص الأدبي مفردات صوتيّة مثل: (عجفاء- مسلولة – هزال – ميتة – مخالب – عمياء – الجوع – يقتل – عواء – الجثة – الكفن.) وغير ذلك. وكذا الأمر حين ننظر إلى الصور التي يرسمها الشاعر أو القاص أو الروائي من خلال التراكيب نحو : (الخيمة العجفاء – مخالب الريح – أغرق في ذكرياتي – تعفن الجسد – مثخن بالجراح –عواء الريح.). فهذه الصور سوداويّة قاتمة يسكنها الحزن القوي المغموس بالألم. أما في حالات الفرح والانتصار والنجاح وغير ذلك, لا شك أن المفردات الصوتيّة والصور ستكون مشبعة بالفرح والمسرة والهناء والسعادة. ثانياً علاقة اللفظ والمعنى: لا يمكن أن تكون هناك جماليّة حقيقة للفظ إذا لم يرتبط اللفظ بالمعنى, فاللفظ جسم وروحه المعنى. وطرفي المعادة هذه تتطلب: 1- جودة المعنى: إن جودة المعنى تأتي من اتفاق المقال مع واقع الحال. فلكل مقام مقال. فهناك المديح والهجاء والرثاء والوصف والتشبيه, والمبالغة والاشارة والارداف. وهناك (النسيب وهو الشعر الذي يبين فيه التهالك في الصبابة, والإفراط في الوجد واللوعة, ونجد فيه من التصابي والرقة أكثر من الخشن والجلادة, و فيه من الخشوع والذلة أكثر من الإباء والأنفة والعز, وأن يكون جماع الأمر فيه, ما ضاد التحفظ والعزيمة, ووافق الانحلال والرخاوة.).(3). ومن عيوب المعاني يأتي فساد المقابلات, وفساد التفسير, والاستحالة, والتناقض, ومخالفة العرف, وعدم إصابة الوصف والتشبيه. ويأتي أيضاً: ( الإخلال: 'وهو أن يترك من اللفظ ما يتم به المعنى . والحشو: 'وهو أن يحشى البيت بلفظ لا يحتاج إليه لإقامة الوزن' . والتثليم: 'وهو أن يأتي الشاعر بأسماء يقصر عنها العروض، فيضطر إلى ثلمها والنقص منها'. والتذنيب: 'وهو عكس التثليم، وذلك أن يأتي الشاعر بألفاظ تقصر عن العروض، فيضطر إلى الزيادة فيها'. والتغيير: وهو أن يحيل الشاعر الاسم عن حاله وصورته إلى صور أخرى، إذا اضطرته العروض إلى ذلك'. والتفصيل: وهو ألا ينتظم للشاعر نسق الكلام على ما ينبغي لمكان العروض، فيقدم ويؤخر). (4). ومن أهم أغراض الشعراء أيضا, تأتي: (المعاني الشعرية الخالصة: وخير المعاني هنا ما مال القلب إلى قبولها أسرع من اللسان إلى وصفها.(5). وهناك (اللحظة الشعريّة: وهي بالضرورة كتابة شاقة، ذلك لأنها من المفترض أن تستجلي كوامن الذات، وتكشف عن تلك الشحنة التي تتلبس الشاعر في لحظة، وهي بالضرورة لحظة زمنيّة، يسموا إليها الشاعر بوثبة من وثبات خياله, ويكفي فيها قول النقاد بأنها تهز النفوس وتخلب الألباب).(6). رابعاً هناك أيضاٍ التكرار في الشعر: يُعدّ التكرار ظاهرة فنيّة عرفها الشعر العربي منذ القديم، وأقبل علی توظيفها كبار الشعراء، للتعبير عن أفكارهم وتطلّعاتهم, فالتكرار يحمل في ثناياه دلالات نفسيّة وانفعاليّة مختلفة تفرضها طبيعة السياق، ويُعدّ وسیلة من وسائل تشكيل الموسيقي الداخليّة, ومحفزاً لإثراء دلالات النص، وإغناء الخطاب جمالاً وائتلافاً نسقيّاً. وللتكرار أيضاً أهمية خاصة إذ هو أسلوب تعبيري يصوّر انفعالات النفس وخلجاتها، واللفظ المكرَّر هو المفتاح الذي ينشر الضوء على الصورة، لاتّصاله الوثيق بالوجدان, فالمتكلّم إنّما يكرّر ما يثير اهتماماً عنده، وهو يحبّ في الوقت نفسه أن ينقله إلى نفوس مخاطبيه، أو مَن هم في حكم المخاطبين ممّن يصل القول إليهم على بُعد الزمان والمكان, ولذا اتُّخذ التكرار وسيلة لتحقيق الموسيقى كما بينا قبل قليل، التي هي بلا شك أقوى وسائل الإيحاء، وأقربُ إلى الدلالات اللغويّة النفسيّة في سيولة أنغامها. (7). كما يعد التكرار أحد العوامل التي ترتبط بالقدرة على الفهم, فالفهم يكون أسرع في حالة استخدام التكرار بالألفاظ نفسها داخل القصيدة الحديثة. و التكرار هو أساس الإيقاع بجميع صوره، فنجده في الموسيقى بطبيعة الحال، كما نجده أساسا لنظرية القافية في الشعر, وللتكرار مدلول نفسي (سيكولوجي) يساعد الناقد على تحليل نفسيّة الشاعر، والدوافع الحقيقية التي لا يخفيها عن الآخرين, أو التي لا يشاء أن يفصح عنها فيهدينا إليها التكرار، مما يجعلها على تماسك مباشر واندماج سريع من أحداث القصيدة, ثم إنّ تعبير الشاعر عن هذه الجوانب يعيد التوازن إلى حالته الطبيعيّة, فهو مضطر إلى أن يفرغ هذه المشاعر التي يكون التكرار وسيلة من وسائل الترفيه عن النفس. وللتكرار فوائد كثيرة في الحقيقة، فهو أداة أدبية لها دور جمالي في النص مثل كل الأساليب البلاغية الأخرى، بشرط أن يأتي التكرار في مكانه في النص، لكي يقوم بدوره الجمالي، وسيظل التكرار بشكل عام في معظم النصوص الأدبيّة وسيلة لتحرير أعمق الأسرار الأدبيّة. وسائل تحقّق التكرار في النصّ الأدبي: يتحقق التكرار في النص الأدبي عبر أشكال عدّة، منها: 1- تكرار الحرف: وهو يقتضي تكرار حروف بعينها في الكلام، ممّا يعطي الألفاظ التي ترد فيها تلك الحروف أبعاداً تكشف عن حالة الشاعر النفسيّة. فتكرار الحرف (من أبسط أنواع التكرار وأقلّها أهميّة في الدلالة، وقد يلجأ إليه الشاعر بدوافع شعورية، لتعزيز الإيقاع في محاولة منه لمحاكاة الحدث الذي يتناوله، وربما جاء للشاعر عفواً دون قصد.). (8). 2- تكرار اللفظة أو الكلمة: وهو تكرار الألفاظ الواردة في الكلام لإغناء دلالاتها وإكسابها قوةً تأثيريّة. فتكرار الكلمة يمتلك في النصّ أثراً عظيماً في موسَقَته, إذ تکون القيمة السمعيّة لهذا التكرار أكبر من قيمة تكرار الحرف الواحد في الكلمة. ويكون هذا التكرار ناتجاً عن أهمية هذه المفردة وأثرها في إيصال المعنى، حيث تأتي مرّة للتأكيد أو التحريض ولكشف اللبس، فضلاً عن ما تقوم به من إيقاع صوتي داخل النصّ الشعري.(9). 3- تكرار الترکيب: يعد تكرار الترکيب أو الجملة هو تكرار يعكس الأهميّة التي يوليها المتكلّم لمضمون تلك الجمل المكرّرة بوصفه مفتاحاً لفهم المضمون العام الذي يتوخّاه المتكلّم، فضلاً عمّا تحقّقه من توازن هندسي وعاطفي بين الكلام ومعناه, وربّما تكون هذه العبارة هي المرتكز الأساس الذي يقوم عليه البناء الدلالي للنصّ، فضلاً عن المهمّة النغميّة التي يؤدّيها التكرار. ويحتاج تكرار التراکيب إلى مهارة ودقّة, بحيث يعرف الشاعر أين يضعه، فيجيء في مكانه اللائق، وأن تلمسه يد الشاعر تلك اللمسة السحرية التي تبعث الحياة في الكلمات. ويعدّ تكرار الكلمة في النصّ، وتكرار الجملة في السياق ذا أثر عظيم في توافر الجانب الموسيقيّ، ولهذا التكرار من القيمة السمعيّة ما هو أكبر ممّا هو لتكرار الحرف الواحد في الكلمة أو في الكلام (10). والتكرار أخيراً يُظهر الأهميّة لقدرة الشاعر على تكوين سياقات شعريّة ذات دلالات فنيّة تخيليّة مثيرة للمتلقي، تعمل على جذب انتباهه, ليتمثل القارئ النصَّ الشعريَّ الذي يصوّره الشاعر.(11). فضلاً عمّا تحقّقه من توازن هندسي وعاطفي بين الكلام ومعناه كما بينا قبل قليل. ومن أهم المستويات التي يسلط عليها النقد الأسلوبي الأدبي مبضعه أيضاً يأتي: – المستوى الصوتي: إن النص الأدبي بنية لغويّة كما في أساسه كما بينا في موقع سابق, ومن هذا المنطلق تبدأ الأسلوبيّة بالإفادة من الإمكانات التعبيريّة الكامنة في المادة الصوتيّة التي هي كل ما يحدث إحساسات سمعيّة عند المتلقي. كالأصوات وما يتألف منها، وتعاقب الرنات المختلفة للحركات، والإيقاع والشدّة وطول الصوت والتكرار والتجانس، وغيرها من الإمكانات التعبيريّة الصوتيّة. كما ويُدرس فيه الوزن، والقافية، والتنغيم، والنبر، والقطع، وصفات الأصوات من همس وجهر وشدّة ورخاوة, وأثر كل ذلك في المعنى.(12). وهناك عناصر الإلقاء الصوتي كالنطق واللفظ وطبقة الصوت. (ويتضمن الإلقاء الفعّال ثلاثة عناصر رئيسيّة هي: الصوت، والجسد واللغة، ويتضمن الإلقاء الصوتي معدل السرعة والتوقفات، حجم الصوت، طبقة الصوت وتغيراتها، نوعية الصوت، النطق واللفظ. بينما تتضمن عناصر الإلقاء الجسدي المظهر، الوقوف، تعابير الوجه، الاتصال البصري، الحركة، الإيماءات..). (13). – المستوى الصرفي: ويُدرس فيه الصيغ الصرفية، والعناصر الصوتيّة وما ينتج عنها من معاني صرفيّة أو نحويّة، وتأثير الصرف على المعاني النحويّة. والانتباه للاشتقاقات، والعلاقات القائمة بينها، فإن القاعدة اللغوية التي تقول: (إن كل زيادة في المبنى تؤدي إلى زيادة في المعنى). صحيحة, إلا أنه لابد من الانتباه إلى أن هذه الزيادة في المعنى لا تؤدي إلى قطع الصلة بين الأصل والاشتقاق. – المستوى النحوي أو التركيبي: وتُدرس فيه الجملة من حيث طولها و قصرها، والفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، والتقديم والتأخير، والإضافة، والتعريف والتنكير، والصفة والموصوف، والعدد والمعدود، والصلة والموصول، والتذكير والتأنيث، والروابط وما تشمله من حروف وأفعال وتراكيب مكانيّة وزمانيّة، والبنية العميقة والبنية السطحيّة، والمبني للمعلوم والمبني للمجهول، والقرائن اللفظية أو المعنوية التي يستخدمها الكاتب، وطبيعة الضمائر، وغيره الكثير، مما له من دور في المعنى. وهنا ينتقل المحلل الأسلوبي من الأصوات المفردة إلى الكلمة التي تتكون من مجموعة متضامه من الأصوات اللغويّة منتجة دلالات خاصة أو متعددة يستدعيها السياق النصي الذي ينتجه المبدع عن وعي وقصد, ويتجسد في اختيار مجموعة معينة من المفردات اللغوية دون غيرها, فالمفردات اللغوية تشكل رصيدًا ضخمًا من الوسائل الأسلوبيّة التي يتم انتقاء الكلمة المناسبة منها، وما المترادفات والمشتركات وتنوع دلالات الألفاظ والتطور الدائم في ذخيرة المفردات والمرونة في اختيار الكلمة والعبارات الجاهزة والأقوال المأثورة سوى الأساس الذي يعتمد عليه التنويع في البناء الأسلوبي .(14). – المستوى الدلالي: ويُدرس فيه العتبات كـالعناوين، والكلمات المفاتيح، والسياق اللغوي، والصيغ اللغوية والاستفهاميّة، وطبيعة المعجم اللغوي المستخدم في النص، والرموز، وعلامات التأنيث والتذكير، والجمع والتعريف. – مستوى الصورة: وهنا يرصد المحلل الأسلوبي في هذا المستوى, المظاهر التعبيريّة التي يستخدمها المبدع في النص من خلال عمليّة التصوير الفني، فالصورة الفنيّة أو الأدبيّة إن هي إلا انحرافات دلاليّة لبعض المفردات اللغويّة، والانحراف أو الانزياح ـ في المصطلح الأسلوبي ـ ينتج عددًا من القيم الأسلوبيّة التي تُسهم في الثراء الدلالي للنص الأدبي، وهذا ما يبرز جليًّا في المستوى الحقيقي والمجازي، حيث الأول هو الأصل والثاني انحراف متعمد عنه, لأنه ينتج قيمًا فنيّة ودلاليّة لا ينتجها المستوى الحقيقي ،(15). على العموم : إن دراسة مستويات التحليل الأسلوبي، تستلزم محللًا أسلوبيًّا، بدلًا من الناقد الأدبي، وذلك لما بينهما من فرق وظيفيّ، فالمحلل الأسلوبي يُعنى بالبحث عن البنى الأسلوبيّة التي تُحدِث توترًا في النص، وتؤثّر على القارئ، وهو كثيرًا ما يستخدم حتى الإحصاء للبحث عما يعرف بالانزياحات الأسلوبيّة داخل النص, وعن قوانين الصوت وقواعد النحو والدلالة والبلاغة، ومدى تكرار هذه الانزياحات وتواترها. أما الناقد الأدبي، فلا يلتفت لتلك البنى الأسلوبيّة، إلا فيما تحدثه من أثر جمالي كبير في النص، ويقدّم للنص نقدًا انطباعيًّا ذاتيًّا، تكون تلك البنى الأسلوبيّة جزءًا من نقد النص, كما أن عمل الناقد الأدبيّ في النقد الأدبي يتعامل مع الظروف الذاتيّة والموضوعية التي تحيط بالأديب, ويكون أكثر حريّة. التحليل الأسلوبي من زاوية المتلقي : يظل للمتلقي دور هام في العمليّة الإبداعيّة, فهو الحكم على جودة النص، أو رداءته ومن ثم قبوله أو رفضه، وذلك يحتم على المبدع أن يطوع لغته حتى تخدم فكرته، بحيث تكون اللغة خاضعة لما هو سائد في عصره من طرائق تعبيريّة درج عليها مجتمعه، وهذه الحتميّة إنما تراعي دور المتلقي الذي سوف يصل إليه النص، فالنص الأدبي يكتب ليقرأ لا ليظل حبيس أدراج المكاتب. لذلك فلا يوجد إحساس بقيمة النص الأدبي إلا بمتلقيه، وتكمن قدرة صاحب النص في نجاحه وقدرته على إيقاظ ذهن القارئ، وذلك عن طريق المجيء بما لا ينتظره القارئ، أي اللجوء إلى غير المتوقع والتوجه إلى غير المألوف0 فالمبدع في نصه إنما عليه أيضاً مراعاة حالة المتلقي وثقافته، فلكل مقام مقال. وخطاب الإنسان لابد أن يكون ملائماً لدرجة فهمه, حتى لا ينصرف عن قراءة النص الذي يُعد وسيطاً لغويّاً يقوم بنقل فكر المؤلف إلى قارئه. ملاك القول: لاشك أنَّ النظريّةَ الأسلوبيّةَ هي لغويّةٌ أساسًا كما بينا في موقع سابق, وبالتالي فهي تتعرَّضُ بالدرس للنصوص الأدبيّة وغير الأدبية, إلا أنها تقوم بوصفُ النَّصِّ الأدبي بِنَاءً على مناهجَ مأخوذةٍ من علم اللغة كما يُعَرِّفُهَا الناقد الفرنسي ( مايكل ريفاتير) بأنها منهجٌ لغوي في الأساس, وذلك على أساسِ أنَّ النَّصَّ الأدبي نَصٌّ لغوي لا يمكن إدراكُ كُنْهِهِ أو سبرُ أغواره دونَ تحليلِ العلاقات اللغويّة التي ينطوي عليها . وقد تختلفُ الأسلوبيّةُ عن بعض نظريات النقد الأدبي من حيثُ اعتمادِهَا على منهجٍ موضوعيٍّ مأخوذٍ من مبادئِ علم اللغة, ولكنها فيما عدا ذلك تتفقُ مع غيرها من النظريات النقديّة المعاصرة من حيثُ التركيز على النَّصِّ الأدبي واعتباره نقطةَ البداية والنهاية في عمليات التحليل. لكنَّ العلاقةَ الوثيقةَ بينَ الأسلوبيّةِ وعلم اللغة جعلت للأسلوبيّة مكانًا في النقد الأدبي فأصبحت تحتلُّ المكانةَ التي كانت تحتلُّهَا الدراساتُ السيكولوجيّة والسوسيولوجيّة وغيرها من الدراسات التي قدَّمَتْ مناهجَ عديدةً للتفسير. وعلى هذا الأساس ساعدت الأسلوبية الناقد على التخلي عن هذه الدراسات التقليديّة التي يمكن أن تشتِّتَ الانتباهَ بعيدًا عن النص الأدبي, واقتربت بالناقد أكثر فأكثر من جوهر وظيفته التي تتمثل في تحليل العلاقات اللغويّة للنص الأدبي الذي ينهضُ عليها في أساسياته. وهذا برأي ما جعل الأسلوبيّة تقع في فخ الشكلانيّة, بل هي إذا ما أعطيناها صفة المنهج ليست إلا منهجاً شكلانيّاً في النقد الأدبي. كاتب وباحث من سوريا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش: 1– (في حقيقة الإنشاء وتقسيمه – موقع هنداوي -). 2- لدراسة هذه المستويات بشكل موسع يراجع – الأسلوبيّة النصيّة، تنظير وتطبيق لتحليل النصوص الأدبية، النص الشعري نموذجًا – د. ياسر عبد الحسيب رضوان. ). 3- ( الغزل والنسيب – موقع هنداوي). 4- (- عيوب المعـــاني والأساليب في تراث العرب – أ.د. محمد رفعت زنجير. موقع اللغة العربيّة.). 5- (استجابات الجمهور لقصائد أبي العتاهية في كتاب الأغاني دراسة ضمن مشروع بلاغة الجمهور – رحمة القرشي – وزارة الثقافة السعوديّة – 6- (اللحظة الشعرية تنثر القلق في جنبات القصيدة –عثمان حسن – موقع الخليج -). 7- (قراءات نقدية ظاهرة التكرار ودلالاتها الفنيّة في شعر الدكتور علي مجيد البديري- د. رسول بلاوي – موقع – صحيفة المثقف – بتصرف). 8- (لغة الشعر العراقي المعاصر، عمران خضير، ط1، الكويت، وكالة المطبوعات، 1982: 144.). بتصرف. 9- (قراءات نقدية ظاهرة التكرار ودلالاتها الفنيّة في شعر الدكتور علي مجيد البديري- د. رسول بلاوي – موقع – صحيفة المثقف – بتصرف). 10- ( التكرار بين المثير والتأثير، عزّ الدين علي السيّد، ط2، بيروت، عالم الكتب، 1978: ص80). بتصرف. 11- (التكرار وعلاقته بالنص الشعري: شعر لسان الدين بن الخطيب أنموذجًا -عبد الفتاح محمد سالم صالح السيد- موقع جامعة قطر.). بتصرف. 12- (النظرية الأدبية الحديثة – تقديم مقارن – ترجمة سمير مسعود – وزارة الثقافة – دمشق 1992م). بتصرف. 13- (عناصر الإلقاء الصوتي النطق واللفظ وطبقة الصوت – د. محمد ابراهيم بدره – موقع – ttps:// ). 14- (الشعر والتجربة – ترجمة سلمى الخضراء – مراجعة توفيق صايغ – دار اليقظة العربية ومؤسسة فرانكلين 1963 0). بتصرف. 15- (الشعر والتجربة – ترجمة سلمى الخضراء – مراجعة توفيق صايغ – دار اليقظة العربية ومؤسسة فرانكلين 1963 0). بتصرف. 2025-04-10


ساحة التحرير
٠٤-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
السلطات المستبدة في الدولة الشموليّة وتغييب دور الانتلجنيسيا!عدنان عويّد
السلطات المستبدة في الدولة الشموليّة وتغييب دور الانتلجنيسيا! (علاقة النخب الثقافية مع السلطات الحاكمة المستبدة.) د. عدنان عويّد أقصد بمفهوم ( النخبة) هنا, ليس مثقفي السلطة, وتجار الكلمة, ومهاتري وأدعياء الثقافة. وإنما المقصود بها هنا هي كل تلك القوى الاجتماعية الممثلة للثقافة العالمة ممثلة بالانتلجنيسيا المختصة بأنساق واسعة من المعرفة الايجابيّة. أي المهتمون بشؤون المعرفة العلميّة من أطباء ومحامين ورجال قانون ومهندسين وإداريون وكل من يقع نشاطه المعرفي في مضمار البحث المتخصص والمتعلق في تنمية الدولة والمجتمع. ويأتي في مقدمة هذه النخب الإيجابيّة أيضاً, من يشتغل على قضايا الأدب والفن والفكر بأنساقها السياسيّة والسيسيولوجية, (الاجتماعية) والابستمولوجيّة, (المعرفيّة) والفلسفيّة, وغير ذلك من قضايا الثقافة الإبداعيّة التي تختص في تنمية الوعي الفردي والمجتمعي والارتقاء بهذا الوعي بما يخدم الفرد والمجتمع, ومحاربة الظلم والاستبداد والتخلف والفساد بكل أشكاله, وعلى رأس كل هؤلاء يأتي المثقف (الطليعي) أو ما يسمى بالمثقف (العضوي) على حد تعبير 'غرامشي' علاقة النخب الثقافية الشموليّة, أو السلطات الحاكمة المستبدة: لقد ظل تعاضد السيف والسلطة في عالمنا العربي, قائماً في الدولة العربيّة منذ بداية الخلافة الإسلاميّة حتى اليوم. هذا التعاضد الذي عبر عنه الخليفة عبد الملك بن مروان بعد توليه الخلافة خير تعبير, عندما مسك القرآن بيده وراح يخاطبه بعد أن قبله قائلاً: ( هذا فراق بيني وبينك), ثم ذهب ليخطب بالناس في الكعبة بعد استيلاء عامله الحجاج على مكة ومقتل عبد الله بن الزبير قائلاً عبارته المشهورة: (إنكم تكلفونا أعمال الأوائل ولا تسيرون سيرتهم, والله لا أسمع رجلاً يقول لي بعد اليوم 'اتقي الله' لقطعت رأسه بحد السيف). (1). أما الحجاج فيقول عن المعارضة ومنها حتماً أصحاب الرأي, أي المثقفين السياسيين ممن عارض السلطة أو الخلافة الأمويّة في سياستها آنذاك قائلاً: ( من تكلم قتلناه, ومن سكت مات بدائه غماً.). هذه المقولة التاريخيّة المعبرة عن استبداد السلطات الحاكمة الشموليّة وقهرها لمعارضيها أو منتقديها بشكل عام وللمثقفين العقلانيين التنويريين بشكل خاص, لم تزل سارية المفعول حتى تاريخه في عالمنا العربي. وفي تاريخنا الحديث : يقول الكاتب السوري النهضوي شبلي شميل: (ومن الأسباب القاضية على نبوغ الكتاب في المشرق هو وقوف حكوماتهم ضدهم, فقد تعودت الحكومة أن تنظر إلى هذه الطائفة كأنها من الآفات التي ينبغي مقاومتها أكثر من تنشيطها, وذلك لعدم معرفة الكثير من الحكام مالها من الأهميّة وما لكبارها من النفع في رفع شأن هذه الأمّة, إذ لا يعرف قدر الشيء إلا أهله, فمهما أجاد الكتاب في حكومة هذا شأنها, ومهما أظهروا الاستعداد لأن يكونوا من النوابغ فلا يصادفون إلا إعراضاً منها يحملهم على أحد أمور ثلاث هي: إما كسر القلم, وإما تحييدها وعدم الوقوف ضدها, وإما إذلاله لها. وأبلغ من ذلك هو الإساءة إلى تخريب ذمم الكتاب وشرائهم بالمال ليكتبوا غير ما يفكروا به, أو يصمتوا عما يعتقدون, حتى ينحط مقام الكتابة بهم والنتيجة من ذلك في كلا الأمرين قتل الأفكار, وإفساد الأخلاق, وموت الْكُتَابِ الذين يُفتخر بهم, وما وجِدَتْ الحكومات لمثل هذا.). من طرائف السلطات المستبدة في وطننا العربي في بداية القرن التاسع عشر, أن 'محمد علي باشا' والي مصر أرسل الطهطاوي والعديد من النخب المصريّة إلى فرنسا للتخصص بالعلوم الحديثة أو ما سمي بـ (العلوم البرانية) كعلوم السباكة والحدادة والعسكريّة والأيلجة – أي الدبلومسية – وكانت يومها خمسة عشر علماً على حد تعبير ذلك الزمان, وعند عودتهم سأل الباشا كلاً منهم عن تخصصه العلمي الذي درسه في فرنسا, ووضع كلاً منهم في مجال تخصصه, إلا رجلاً واحداً عندما سأله عن اختصاصه قال له (علوم إداريّة). فاستفسر منه الباشا عن طبيعة هذا الاختصاص, فقال له: هو علم إدارة البلاد ومؤسساتها. فنظر إليه الباشا بشذر وقال له: أما أنت فاذهب إلى الاسكندريّة وترجم الكتب العسكريّة للجنود هنا. فأنا الحاكم هنا.(2). هكذا يفكر الحاكم المستبد في الدولة الشموليّة, فهو يتوجس شراً من كل مثقف أو متعلم يمكن أن ينافسه في الحكم أو يساهم في كشف المستبد وسياساته أما الشعب. كاتب وباحث من سوريّة ــــــــــــــــــ الهوامش: 1- (الدكتور عبد الوهاب أحمد أفندي – الإسلام والدولة الحديثة – دار الحكمة لندن – ص 70. ). 2- (د. عدنان عويّد – بحث 'النهضة وأزمة الطبقة' – من كتابنا: اشكالية النهضة في الوطن العربي من التوابل إلى النفط – إصدار دار المدى – دمشق – 1997- ص202). 2025-04-04


ساحة التحرير
٢٨-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- ساحة التحرير
البعد الاجتماعي في النقد الأدبي!عدنان عويّد
البعد الاجتماعي في النقد الأدبي! د. عدنان عويّد: إنّ الأديب الحقيقي الملتزم الواقعي, شاعراً كان أو قاصاً أو روائيّاً, لا يفصل الحالة الأدبيّة التي يشتغل عليها عن الحالة الاجتماعيّة التي تحيط به أو ينشط داخلها, لما بينهما من ترابط عضوي، وتشابك يصل إلى حدّ التماهي، إنّ الأديب يظل جزءاً لا يتجزّأ عن محيطه ممثلاً في أسرته ومجتمعه وأمته ووطنه, فهو ظاهرة اجتماعيّة بامتياز, تنطلق من المجتمع لتصبّ فيه، وهو جزء من تراثها في مرحلة اجتماعيّة معيّنة عبر التاريخ, في الوقت الآخر هو جزء أيضاً من ماضيها ومؤسس بالضرورة لمستقبلها أيضاً، وهو طاقة تعكس حال المجتمع في تحوّلاته المستمرّة، في حياته وحركيّته… والأديب إضافة لكونه هكذا, أي هو صورة المجتمع, فدوره لن يقتصر على تصوير الواقع وقضايا فحسب, بل عليه أيضاً أن يعمل على تنميته وتطويره من خلال إظهار عوامل تخلفه ورسم الحلول لتجاوز معوقات تخلفه. وما التنوّع الإبداعي في القضايا التي يتناولها الأديب بشكل عام, إلّا دلالة على عمق التجربة التي مر بها هذا الأديب، ورمزيتها الرؤيويّة. من هنا تأتي واقعيّة الأدب وتأثيره وذاتيّته وثوريته والتزامه بقضايا الفرد والمجتمع والإنسان عموماً. إن الأديب الواقعي لملتزم هو ليس المنغرسّ في تربة وطنه فحسب, بل وفي تراث أمته، ولكنّه في الوقت ذاته، هو منفصل عن تراث أمته نسبيّاً, وما انفصاله هنا إلا من أجل إعادة تأويل واستلهام هذا التراث بما يتفق وروح العصر. من خلال تعرفنا على مناهج النقد الأدبي الحداثيّة وبخاصة (السياقيّة) منها, وهي المناهج التي تدرس العوامل الخارجي المحيطة بالكاتب التي تؤثر فيه عند كتابته لنصه الأدبي, مثل المنهج التاريخي الذي يهتم بالأحداث والوقائع التاريخيّة. والمنهج النفسي الذي يعتمد على آليات علم النفس في دراسة النص, ويهتم بنفسيّة المبدع وعقده النفسيّة إن توفرت, والمنهج الوصفي والمنهج النسوي ومنهج النقد الثقافي وغيرها, أو المناهج ما بعد الحداثيّة (النسقيّة) منها وهي المناهج التي اهتمت بالبنية الداخليّة للنص فقط, وأهملت العوامل الخارجيّة المحيطة بالنص, كالبنيويّة التي قالت بموت المؤلف, وعدم الاهتمام بمولده أو تاريخ حياته أو بنيته النفسيّة, ويقوم الناقد أو المتلقي بدراسة النص من خلال لغته فقط وليس كوسيلة تواصل, وهذا ما يدفع الناقد في هذا المنهج للبحث عن جماليّة النص. فالتركيز على اللغة نجده أيضاً في المنهج التفكيكي, ومنهج التلقي, وعند المنهج الشكلاني الروسي .. الخ, فكل هذا المناهج (النسقيّة) عملت على دراسة العمل الأدبي لذاته, والاشتغال على نظريّة الأدب للأدب, أو الفن للفن. فمن خلال اطلاعنا كما ذكرت على جوهر هذا المناهج تبين لي أن أفضل المناهج التي يجب علينا دراسة النصوص الأدبيّة بكل تجلياتها وخاصة في مجال النثر والشعر, هو المنهج الواقعي الذي بينا في دراسة سابقة لنا طبيعة هذا المنهج وسماته وخصائصه وأهدافه, وخاصة في تياره الاجتماعي الذي جاءت نظريّة أو منهج الانعكاس لـ'جورج لوكاش' لتضفي عليه حيويته عندما ربط ما بين البناء التحتي والفوقي وطبيعة العلاقة الجدليّة بينهما. هذا مع تأكيدنا على ضرورة الاتكاء على المناهج النقديّة الأخرى, فهي ليست عديمة الفائدة في آليّة عملها وسماتها وخصائصها وأهدافها, ففيها جوانب جيدة قادرة على إغناء المنهج الواقعي الاجتماعي, وليست مسألة اللغة كعلامات وإشارات ورموز سواء أكانت طبيعيّة لا يتصرف الانسان فيها, كصوت الحيوانات أو عناصر الطبيعة، أو الاصوات الدالة علي التوجع والألم وغير ذلك. أم كانت هذه العلامات اصطناعيّة أوجدها الإنسان نفسه للتعبير عن حاجاته وتداولها في اللغة اليوميّة المباشرة, أي في اللغة التقريريّة, أو اللغة الأدبيّة وما تحمله هذه اللغة الأدبيّة من جماليات البلاغة كالانزياح والتشبيه والاستعارة والصورة والرمز .. وغير ذلك. وبالتالي أستطيع القول إن اللغة بكليتها هي علامات أو أصوات راحت تدل على كل مفردات الحياة. فللفن لغته وما تحمل من دلالات, وكذلك الفلسفة والطب والعلوم الطبيعيّة والاجتماعي وغير ذلك. إن المناهج التي فيها ما يعانق الواقعيّة الاجتماعيّة برأيي هي أداة لإثراء القراءات النقديّة, وهي أنموذج أنسب لتصور قراءة الداخل والخارج (المضمون والشكل) قراءة دقيقة لبنية النص الشعري والنثري ونسيجهما… قراءة تتطلب بالضرورة تفكيك أو تشريح بنية النص, لا لهدم بنيته العامة وإقصاء العوامل الخارجيّة التي أنتجته من أجل خلق قراءات لا حدود لها عند المتلقي الذي ارتبط بالنص بعيدا عن المؤلف وظروف حياته التي ساهمت في إنتاج هذا النص, بل هي عملية تفكيك لبنية النص للبحث عن المستوي الاجتماعي والدلالي والنحوي والرمزي والأسطوري، والتركيبي، والصوتي والايقاعي والجمالي في هذا النص. إذاً إنّ العلاقة بين الأدب والمجتمع علاقة قويّة متماسكة كما بينا أعلاه، لا يمكن فصلها؛ إذ إن أيّ أديب مهما بلغ من الشهرة لا يمكن أن ينتج أدباً إلاّ في إطار الجماعة التي يعيش معها. وهو يستمدّ تجربته الذاتيّة من هذا المجتمع، وتتولد انفعالاته من خلال شبكة العلاقات الاجتماعيّة في مواقفها المتعددة، تلك التي تمدّه بدفق المشاعر والانسياب الشعري بشكل خاص. وبناءً على ذلك تعد دراسة الجانب الاجتماعي عند أديب ما، هي في غاية الأهميّة؛ لأنها تكشف عن علاقة الأديب بالواقع الاجتماعي الذي عايشه، من خلال النظر إلى النصّ الأدبي الذي أنتجه، وهذا النوع يعتمد على المنهج الاجتماعي في كشف تلك العلاقات بين الأديب وبيئته الخاصة المتصلة بأسرته ومكان سكنه، ومكونات المجتمع الذي يعيش فيه. وقد تأثر النقاد العرب المحدثون بهذا المنهج الاجتماعي، ونظروا إلى النص الأدبي بوصفه وثيقة اجتماعيّة مهمة، وأن المجتمع هو المنتج الفعلي للأعمال الإبداعيّة، فالقارئ حاضر في ذهن الأديب وهو وسيلته وغايته في آن واحد؛ لأن الأدب في أي بلد هو انعكاس للصورة الاجتماعية التي يمارسها المجتمع بكل فئاته. (1)، تنوع الخصائص الاجتماعيّة في البعد الأدبي: نظراً لارتباط الأدب بالوجود الاجتماعي, فإن هناك تعدداً في خصائص أو مفردات البعد الاجتماعي في مضمون الأعمال الأدبيّة, حيث تشمل نـساءً ورجالاً، وأطفالاً وشيوخاً ينتمون إلى مهن متنوعة ومكانات اجتماعيّة وعلميّة مختلفـة, مثلما نجد فيها أحداثاً وتناقضات وصراعات سياسيّة وثقافيّة واجتماعيّة طبقيّة, وهناك حرب وسلم.. الخ. وكل هذه المفردات تشكل المنطلقات الموضوعيّة والذاتيّة للأديب, وغالباً ما يتشابك العديد من هذه المفردات مع بعضها في نطاق عمل إبداعي اجتماعي ضيق, يرصده لنا الأديب من خلال نافذته الخاصـة التي يطل من خلالها على واقعه, وهي تختلف من أديب لآخر. وبالرغم من أن هذه الخصوصيّة لهذا العمل أو ذاك, إلا أن هذه الخصوصيّة التي يقدمها الأديب عن أي ظاهرة اجتماعيّة لا تـتم بمعزل عن بقيّة عناصر المجتمع أو خصائصه، وإنما تظل مرتبطة بالضرورة مع غيرها من الخصائص بشكل مباشر أو غير مباشر، وهنا يأتي التأكيد على التزام الأديب مـن خلال تفاعله مع وسطه الاجتماعي الذي يتحرك فيه. وبهذا يتم التعرف علـى موقـف الأديب عن طريق ربطه بالنسيج العام الذي يتداخل معه والحكم عليه مـن خـلال هـذا التداخل. (2). البعد التاريخي والوطني والقومي في الأدب: – البعد التاريخي: إن الأديب بشكل عام لا يكتب التاريخ أو يدون الأحداث والوقائع الماضية ليكون أدبه سجلا لأحداث التاريخ كي لا تنساه الذاكرة, وإنما يأتي التاريخ هنا حصيلة وعي إبداعي تتداخل فيه خبرات متعددة للكاتب، ومن ثمة لا يكون التاريخ هو المحور والغاية، ولكنه إطار لأحداث كثيرة تكشف عن الهموم والقضايا التي تشغل ذهنية الأديب . لذلك فإن القضايا التاريخيّة التي يشتغل عليها الأديب في نصه شعراً كان أو قصة أو رواية, هي تحيل إلى الماضي بصفته مرجعيّة للذات المبدعة, تستمد منه انشغالات متعددة الأبعاد يحتاج إليها المبدع، وتعمل على إثراء وإغناء النص الإبداعي من جهة, والمتلقي وهو يتأمل تلك اللمسات يجد فيها علاقات معبرة عن صور شتى ترسم ملامح الحاضر في اندماجه مع الماضي في أشكال فنيّة رائعة, تختلف عن السياق التاريخي الجاف الذي يسرد الأحداث بطريقة تخلو من ملامح انعكاس الذات على الماضي في تلونها وتشكلها عبر مسارات تعلو وتنخفض تنكسر وتنحني تستقيم وتتعرج من جهة ثانيّة. وعلى هذا الأساس يأتي التاريخ في النص الأدبي لحظة تأمل في زمن سادته انكسارات وأوهام وضعف وقوة ورقي وحضارة، إن النص الأدبي يستمد القوة والجماليّة من الأبعاد التاريخيّة التي يتجاوز بها الأديب عند تناولها النمطيّة، فالشعر الحداثي مثلاً حين يوظف ملامح التاريخ المتجلية في الخرافة والأسطورة والشخصيات والأحداث الدينية والسياسية والاجتماعية, فإنه يهدف إلى بناء نص شعري جديد يتصف بالحداثة والجماليّة، ويستطيع المتلقي أن يدرك الأهداف التاريخيّة أو العودة إلى الماضي في تشكيلة من الإبداع تنأى عن الأسلوب التاريخي النمطي الذي يتناوله المؤرخ. إن ينطبق على البعد التاريخي من قضايا اشتغل عليها النص الأدبي كما بينا أعلاه, ينطبق أيضاً على البعد الوطني والقومي والإنساني عموماً. إن ' الشخصيّة الإنسانيّة التي يشتغل عليها الأديب لا تقتصر حدودها على التجربة الفرديـّة أو الاجتماعيّة أو الوطنية والقومية, وإنمـا تمتـد أيضاً لتستوعب التجربة الإنسانيّة عموماً. كاتب وباحث من سوريا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش: 1- العقاد، عباس محمود، دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012م. ص15. 2- نقد الرواية في الأدب العربي : أحمد إبراهيم الهواري، القاهرة ، دار المعـارف ، د/ط ، ٩٩٣م. صـ.٢٦٧. بتصرف 2025-03-28 The post البعد الاجتماعي في النقد الأدبي!عدنان عويّد first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
٠٧-٠٣-٢٠٢٥
- منوعات
- ساحة التحرير
دراسات في الخطاب الديني!عدنان عويّد
دراسات في الخطاب الديني! الجبرية: أو الجبر: د. عدنان عويّد* الجبر لغة: جاء في معجم المعاني الجامع – معجم في اللغة العربية : جبَرَ يَجبُر ، جَبْرًا وجُبُورًا وجِبارةً ، فهو جابِر ، والمفعول مجبور – للمتعدِّي. والجبر اصطلاحاً: هو إجبار وإكراه لإنسان على فعل أمر ما دون إرادته ورغبته. وفي المصطلح الديني: هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الله. و كما يقول الشهرستاني في الملل والنحل: (سُمِّي الجَبريَّة بذلك لأنهم يقولون: إن العبد مُجبَر على أفعاله، ولا اختيار له، وأن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى، وأن الله سبحانه أجبر العباد على الإيمان أو الكفر.). (1). وهذا ما قال به 'أبو حسن الأشعري' في كتابه (مقالات الإسلاميين): (هو إجبار الناس وإرغامهم على فعل شيءٍ من غير إرادةٍ أو مشيئة لهم، ويرى الجَبريَّة أن الناس لا اختيار لهم في أفعالهم، ولا قدرة لهم على أن يغيِّروا مما هم فيه شيئًا، وإنما الأفعال لله سبحانه؛ فهو الذي يفعل بهم ما يفعلونه، وجعلوا هذا مطلقًا في جميع أفعالهم، فإذا آمن العبد أو كفر فإن الإيمان أو الكفر الذي وقع منه، والطاعة أو المعصية، ليست فِعلَه إلا على سبيل المجاز، وإنما الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه؛ لأن العبد لا يستطيع أن يغير شيئًا من ذلك.). (2) و(الجبريّة أصناف, هناك الجبرية الخالصة لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل بالأصل. وهناك الجبريّة المتوسطة, وهي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة, وهذا ما قال به الأشاعرة في 'نظريّة الكسب.'. وهذا ما جعل المعتزلة يعدون الأشعريّة جبريّة.). (3). إن'الجَبْريّة أو المجبرة', هي فرقة كلاميّة تنتسب إلى الإسلام، وجوهر عقيدتها هو أنها تؤمن بأن الإنسان مسيّر وليس مخيراً لأنه لا قدرة له على اختيار أعماله، ولذلك فقد اعتبرها علماء أهل السنة والجماعة. من الفرق الضالة المخالفة لمنهج وعقيدة الإسلام الحق. أي مخالفة لأهل السنة والجماعة. ويقال إن أول من قال بهذا المذهب الباطل هو 'الجعد بن درهم' مؤدب 'مروان بن محمد' آخر خلفاء بني أميّة، ولذا كان يلقب بـ'مروان الجعدى'، لأنه تعلم من الجعد مذهبه في القول بخلق القرآن والقدر وغير ذلك. (4). هذا وقد اعتبر الأشاعرة وأهل السنة عموماً الجبرية في المقام الأول لوصف أتباع جهم بن صفوان (ت 746) وذلك لأن الأشاعرة يعتبرون عقيدتهم بموقف وسط بين القدريّة والجبريّة، ومن ناحية أخرى اعتبر المعتزلة والماتريدية أن الأشعريّة بمثابة جبريّة لأنهم حسب رأيهم رفضوا العقيدة الصحيحة المتمثلة في الإرادة الحرّة. وكذلك استخدم الشيعة (الزيديّة والاسماعيليّة والإماميّة الاثني عشرية) مصطلح الجبرية أو المجبرة متهمين به الأشعريين والحنابلة. مع أن الحنابلة والسلفيين عموما ينتقدون جميع الفرق الكلامية مثل القدرية والجبرية والمرجئة والجهمية المعتزلة. (5). المرجعيّة المقدسة للجبريّة: لقد اعتمد الجبريّة على نصوص مقدسة من القرآن والحديث لتأكيد موقفهم هذا, كقوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ).{التغابن: 11}. وقوله تعالى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾. [الأنفال: 17]. وقوله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ). {التكوير: 28}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي. (6). مبادئ الفرقة الجبرية الجبر في الأفعال والأقوال: الجبر أهم هذه المبادئ وأشهرها عند الجبريّة، بل هو مبدؤهم الخاص بأفعال العباد، وأن العباد في أفعالهم مجبرون، وكل ما يصدر عنهم إنما يصدر اضطرارًا, فليس لهم إرادة أو قدرة أو اختيار، فالعبد – كما يقولون – كالريشة المعلقة في الهواء، يُسيِّرها الهواء حيث يشاء؛ فكذلك العبد، هو في يد القدر يُسَيِّره حيث يشاء؛ فجميع أفعال العباد اضطراريّة، والله تعالى أوجد الفعل في العباد، كما أوجده في الجمادات والنباتات، وإذا نُسبت الأفعال إلى العباد، فإنما تنسب مجازًا، ولا تنسب إليه حقيقة.(7) نفي الصفات عن الله: القول بأن القرآن حادث مخلوق، كما زعمته المعتزلة، حيث نفت الجبريّة قدم صفات الله، والكلام صفة من صفات الله؛ فإذا كان الكلام، صفة قديمة لله كان القرآن باعتباره كلامًا إلهيًّا قديمًا، وهم ينكرون القدم، إلا على الذات الإلهيّة وحدها، ومن ثم فلا يكون الكلام قديمًاّ، ولا تكون صفات الله قديمة، وينبني عليه القول بخلق القرآن. لقد اعتقدوا أن الله واحد في ذاته، بمعنى: أنه غير مركب من أجزاء، وأنه لا شريك له في ذاته، بمعنى: أنه غير متعدد، وهو واحد في أفعاله، فلا شريك له، ومن هنا، ذهبوا: إلى أن الله تعالى، لا يتصف بصفات زائدة عليه من العلم والقدرة، والإرادة وغيرها. وهم لا يصفون الباري تعالى، بصفة يوصف بها الخلق؛ لأن ذلك يقتضي تشبيه الله تعالى بالمخلوقين، ولذلك نفوا وصف الله تعالى، بأنه حيٌّ، عالٍ، سميع، بصير، غني، حكيم، رحيم، ونفوا هذه الصفات عن الله تعالى، وما يماثلها مما يوصف به الخلق.(8). موقفهم من الجنة والنار: يؤمنون بأن حركات أهل الخلدين -الجنة والنار- تنقطع، وأن الجنة والنار، تفنيان بعد أن يتنعم أهل الجنة، ويتعذب أهل النار المدة التي قدرها الله تعالى.(9). الإيمان عند الجبرية: إن الإيمان عند الجبريّة، يتحقق بمجرد المعرفة، حتى ولو لم يقر باللسان أو جحد اللسان؛ فمن عرف بقلبه، فهو مؤمن، حتى لو أنكر وكفر بلسانه. والمعرفة عندهم تجب بالعقل قبل ورود السمع؛ إذ أن العقل يمكنه معرفة الخير والشر، ويمكن أن يصل إلى معرفة ما وراء الطبيعة والبعث.(10). انكار تجسيد الخالق: ينكر الجبريون أن يكون الله تعالى على العرش، أو أن له كرسيًّا، أو أن يكون في السماء دون الأرض؛ بل الله في نظرهم في كل مكان. وهم ينفون رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة. والله يقول عن نفسه: ليس كمله شيء (11). الرد على الجَبريَّة: في التحليل السوسيولوجي والأنثربويولوجي (الأناسي) تعتبر الجبريّة في سياقها العام موقفاً سلبيّاً من الحياة بالنسبة للإنسان ودوره ومكانته في هذه الحياة, فتاريخ المجتمعات البشرية من خلال دراسات العصور التاريخيّة للبشريّة, بين لنا بأن بناء هذه الحياة في كل مفرداتها قام بها الإنسان منذ أن صنع وسائل إنتاجه الأوليّة بيده وصولا إلى كل حالات تطور هذه الوسائل, وما تركته هذه الوسائل ذاتها من تغيير في حياة الإنسان وإعادة تشكيل هذه الحياة بشكل مستمر ماديّاً وفكريّا. إن النص المقدس (القرآن والحديث) كثيراً ما أشار إلى حريّة الإرادة الإنسانيّة في اختيارات وممارسة نشاط هذا الإنسان في بيئته الطبيعيّة والاجتماعيّة معاً. فالآيات في ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [آل عمران: 152]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 272]. وقوله تعالى ({ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف: 29 ], وقوله تعالى: ({ إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلي رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الإنسان: 29 ], وقوله : ({ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ فصّلت: 40 ]. وفي الحديث روى الشيخانِ عن الخليفة 'عمر بن الخطاب' قوله: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى). (رواه البخاري ومسلم.). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري. كاتب وباحث من سوريّة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش: 1- (الملل والنحل للشهرستاني جـ 1 ص ـ 87). الناشر مؤسسة الحلبي. دون تاريخ النشر. بتصرف. 2- (مقالات الإسلاميين – أبو الحسن الأشعري – جـ 1 صـ 338). الناشر مطبعة الدولة – استانبول 3- (موقع اليوم السابع: من هم 'الجبرية'.. ولماذا رآهم أهل السنة والجماعة 'فرقة ضالة'؟ محمد عبد الرحمن. ). كذلك يراجع : (شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي جـ 2 صـ: 349). 4- المرجع ذاته. موقع اليوم السابع. بتصرف. 5- الويكيبيديا. بتصرف. 6- (موقع اسلام ويب.عقيدة القدرية والجبرية .(ولمعرفة عقيدة الجبرية والقدرية راجع كتب العقيدة، وراجع الفتاوى التالية مع إحالاتها: 9192 ، 36591، 35375.) كما وردة في مقال الموقع ذاته. بتصرف. 7- للاستزادة في معرفة مبدئ الجبرية راجع: موقع المعلومات: ما هي الفرقة الجبرية. محمود عاطف. بتصرف. 8- موقع معلومات – ما هي الفرقة الناجية – المرجع نفسه – بتصرف. 9- موقع معلومات – ما هي الفرقة الناجية – المرجع نفسه – بتصرف. 10 – موقع معلومات – ما هي الفرقة الناجية – المرجع نفسه – بتصرف. 11- موقع معلومات – ما هي الفرقة الناجية – المرجع نفسه – بتصرف. 2025-03-07