
هل يجب أن يكون أمين عام جامعة الدول العربية مصرياً؟
Getty Images
أول أمين عام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام باشا خلف المايكروفون، وإلى يمينه ممثل شرق الأردن، وإلى يساره ممثل المملكة العربية السعودية
تناقلت وسائل إعلام مصرية وعربية أنباء عن نية القاهرة الدفع بمرشح لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، في الوقت الذي تجددت فيه دعوات بعض الكتاب الخليجيين إلى إنهاء "احتكار" مصر هذا المنصب.
وعلى الرغم من عدم خروج تصريح رسمي في هذا الشأن، إلا أن الصحف المصرية ذكرت ترشيح وزير الخارجية الحالي بدر عبد العاطي، ووزير الخارجية السابق سامح شكري.
أما الاسم المصري الأبرز، بحسب وسائل الإعلام، فهو رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي، رغم أنه ليس الأوفر حظاً بحسب حسين عبد الخالق حسونة، السفير المصري السابق والممثل السابق لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة.
وقال حسونة لبي بي سي إنه يستبعد أن يحظى مدبولي بالمنصب، على الرغم من كفاءته، "نظراً لاهتمامه بالمشكلات الداخلية في مصر"، ناهيك عن كون ذلك يخالف العرف الذي جرى على أن يكون الأمين العام ممن تقلد وزارة خارجية مصر، لا رئاسة وزرائها.
في الوقت نفسه، رشح بعض الكتاب السعوديين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ليكون الأمين العام الجديد للجامعة العربية، إلا أن الدكتور محمد صالح الحربي، الباحث السعودي في الدراسات الاستراتيجية والعلوم السياسية يقول إنه لا يوجد تصريح رسمي أو حكومي في هذا الشأن.
كما رشح بعض الإماراتيين اسم الدكتور أنور قرقاش، الذي شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، في حين أشار البعض إلى أن اختيار الأمين العام يستلزم موافقة ثلثي الأصوات وهو ما لا يضمن حصول توافق على اسم خليجي.
وأضاف الحربي لبي بي سي أنها مجرد أفكار على الفضاء الإلكتروني؛ "فكلٌّ يُدلي بدلوه فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر مقالات إعلامية خاصة"، لاسيما مع قرب انتهاء ولاية أحمد أبو الغيط في يونيو/حزيران 2026.
ومع ذلك، يؤكد المحلل السياسي السعودي على أنه "لا يوجد نص دستوري أو قانوني داخل الجامعة بوجوب تعيين الأمين العام من جنسية معينة"، لكن ما هو مطروح خلال أكثر من قمة هو "إعادة هيكلة جامعة الدول العربية".
وأشار الحربي إلى "دعوات متزايدة لإصلاح جامعة الدول العربية، خاصة فيما يتعلق بآلية اختيار الأمين العام ودور المنظمة في المشهد الإقليمي والدولي"، موضحاً أن تلك الدعوات تُرجِمت في قمة جدة 2023، مع تشكيل لجنة عربية برئاسة السعودية لمناقشة إصلاحات شاملة للجامعة.
وأضاف منتقداً دور التكتل العربي بأن الجامعة لا تتمتع بآلية أو مرونة لمواكبة المتغيرات، و"ليس لديها مشاريع خلاقة تؤثر أو تنعكس إيجاباً على الشعوب العربية"، مشيراً إلى عدم إمكان مقارنتها بالاتحاد الأوروبي أو بمجلس التعاون الخليجي في تحركهما ككتلة اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية.
الريادة المصرية
ويكيبيديا
الطابع التذكاري لإنشاء جامعة الدول العربية
في عام 1943، دعت الحكومة المصرية ست دول عربية وهي سوريا ولبنان والعراق واليمن وشرق الأردن (الأردن لاحقاً) والسعودية لتبادل الآراء في الوحدة العربية. وكان هذا بمثابة تمهيد لـ"لجنة تحضيرية لدعوة مصرية لمؤتمر عربي عام".
وقد تمخضت جلسات اللجنة عن التوقيع على "بروتوكول الإسكندرية" الذي كان بمثابة إعلان عن المبادئ العامة التي تقوم عليها جامعة الدول العربية، التي انضمت إليها الدول العربية تباعاً.
الموقع الرسمي لجامعة الدول العربية
نسخة تاريخية من ميثاق جامعة الدول العربية
وفي عام 1945، وقع الاختيار بالإجماع على وزير خارجية المملكة المصرية عبد الرحمن عزام، ليكون أول أمين عام لجامعة الدول العربية. وكان الوحيد في هذا المنصب الذي جاء قراره تعيينه في مُلحق خاص لميثاق الجامعة.
وبحسب الملحق، فإن تعيين الأمين الأول كان في أول الأمر لمدة سنتين، قبل أن تمتد المدة حالياً إلى خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
وتنص المادة 12 من ميثاق جامعة الدول العربية، على أن مجلس الجامعة يعين الأمين العام بأكثرية ثلثي دول الجامعة، ويكون في درجة سفير، في حين تنص المادة العاشرة على أن تكون القاهرة المقر الدائم لجامعة الدول العربية، مع إمكان أن يجتمع مجلس الجامعة في أي مكان آخر يحدده.
وعلى الرغم من أن ميثاق الجامعة العربية لا ينص على أن ترأسه دولة بعينها، إلا أن "العرف" جرى على أن يُختار الأمين العام من مصر، بحسب السفير السابق حسين عبد الخالق حسونة، نجل ثاني أمناء جامعة الدول العربية.
وقال حسونة لبي بي سي "إن مصر قامت بالدور الأساسي في المطالبة بإنشاء الجامعة العربية منذ أيام مصطفى النحاس الذي جمع العرب"، مضيفاً أن الجدل حول الأمين العام تدور مع كل تجديد للمنصب.
جدير بالذكر أنه حتى مع القطيعة الدبلوماسية العربية لمصر بعد اتفاق السلام مع إسرائيل، اختارت الجامعة العربية أميناً عاماً ينتمي إلى دولة المقر المؤقت، تونس، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها عربياً وتعود الأمانة إلى المقر الدائم في القاهرة.
"التنافس ليس من مصلحة أحد"
Getty Images
رؤساء وزراء عرب يحضرون اجتماعاً لجامعة الدول العربية في القاهرة في خمسينيات القرن الماضي
منذ تسعينيات القرن الماضي، دار الحديث عن تداول منصب الأمين العام، مع عودة المقر إلى القاهرة بعد تعليق عضويتها خلال السبعينيات.
ففي حديث لبي بي سي، قال مندوب مصر الدائم في الجامعة العربية سابقاً، الدكتور مصطفى الفقي، إن الجزائر طرحت آنذاك اسم الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، قبل أن تسارع مصر في طرح أحمد عصمت عبد المجيد الذي توافق عليه الأعضاء.
وجددت الجزائر مطالبتها بتدويل المنصب مع عام 2005 مع الولاية الثانية للأمين العام آنذاك عمرو موسى، وذلك خلال القمة العربية التي استضافتها الجزائر.
وفي عام 2011، وقعت أزمة حول الأمين العام، عندما اضطرت مصر إلى طرح اسم وزير خارجيتها في الحكومة المؤقتة بعد ثورة يناير، الدكتور نبيل العربي، لشغل المنصب، بعد اعتراضٍ على ترشيح الدكتور مصطفى الفقي، البرلماني السابق وأستاذ العلوم السياسية.
هذا الخلاف دفع قطر آنذاك إلى ترشيح عبد الرحمن العطية، الأمين العام الرابع لمجلس التعاون الخليجي، قبل سحبه بعد التوافق بين الدول الأعضاء على العربي.
وشدد حسونة، سفير مصر السابق على أن التنافس على منصب الأمين العام بين الدول العربية "ليس من مصلحة أحد".
وأضاف حسونة لبي بي سي أنه ينبغي على الدول العربية أن تحرص على "التعاون والتكامل في الأدوار" بدلاً من التنافس، لاسيما وأن التحديات التي تواجه المنطقة العربية "أكبر بكثير من الخلاف بشأن شخص الأمين العام".
ورغم استبعاده الخروج على العرف حالياً، إلا أنه يرى أن انتقال أمانة الجامعة العربية إلى دولة أخرى بخلاف مصر، سيعطي انطباعاً بأن مصر "ذات التاريخ العريق والدور المهم في المنطقة قد فقدت ريادتها".
وأكد السفير السابق على أهمية وريادة الدور المصري عربياً؛ حيث تلعب حالياً دور الوسيط فيما يتعلق بوقف "الإبادة الجماعية" في غزة، وفي الشأن السوداني والليبي، في الوقت الذي يتمحور فيه دور الخليج حول "الدور المالي الاقتصادي"، بحسبه.
ويرى السفير السابق أن الدور السياسي لدول الخليج لا يؤثر بشكل كبير، مستدلاً على ذلك بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تمخضت عن استثمارات ضخمة، دون أن تتمكن دول الخليج من إقناعه بإيقاف الحرب في غزة.
تاريخ أمناء الجامعة العربية
Getty Images
الملك عبد الله (يمين) ملك شرق الأردن (الأردن لاحقاً) يتحدث إلى عبد الرحمن عزام (يسار)، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعبد الإله بن علي، ولي عهد العراق (في المنتصف)
على مدى ثمانين عاماً هي عمر الجامعة العربية، والأمين العام لها كان مصري الجنسية، باستثناءِ الشاذلي القُليبي، الذي كان تونسياً، وذلك خلال فترة انتقال مقر الجامعة إلى تونس على أثر الخلاف مع مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد في أواخر السبعينيات.
فقد ترأس عبد الرحمن عزام جامعة الدول العربية لمدة سبع سنوات، إلى أن استقال عام 1952، وعُيّن محمد عبد الخالق حسونة، حفيد أحد شيوخ الأزهر، خلفاً له لنحو 20 عاماً حتى عام 1971، ليكون بذلك الأطول مدة في شغل هذا المنصب، في خطوة وصفها نجله السفير حسين بـ"الاستثنائية التوافقية".
Getty Images
عبد الخالق حسونة، أمين عام جامعة الدول العربية، يؤدي اليمين الدستورية في جلسة خاصة للجامعة بوزارة الخارجية بالقاهرة، مصر، في 26 سبتمبر/أيلول 1952.
أما ثالث أمناء جامعة الدول العربية، فهو محمود رياض، مدير المخابرات الحربية المصرية في غزة سابقاً، وشقيق رئيس أركان الجيش المصري الراحل الفريق أول عبد المنعم رياض. وقد تولى رياض منصبه في يونيو 1972وظل لنحو ثماني سنوات، خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
Getty Images
محمود رياض، أمين الجامعة العربية
وبعد خمسة أيام من التصديق على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، أصدر مجلس الجامعة قراراً بتعليق عضوية مصر في جامعة الدول ونقل المقر إلى تونس، ليصبح الشاذلي القليبي، وزير الثقافة التونسي، أول أمين عام غير مصري.
وقد انتهت المقاطعة الدبلوماسية لمصر في قمة عمّان عام 1987 في عهد الرئيس محمد حسني مبارك، لتستعيد مصر عضويتها في الجامعة، في حين استمرت الأمانة العامة في تونس لحين استقالة القُليبي عام 1990 اعتراضاً على الحرب في العراق أو ما عُرف بعملية درع الصحراء.
Getty Images
الأمين العام للجامعة العربية الشاذلي القليبي أثناء انعقاد مجلس الوزراء العرب في 20 مايو/أيار 1984 في تونس
ومنذ ذلك الحين، عاد منصب الأمين العام من جديد إلى القاهرة، حيث تقلده أحمد عصمت عبد المجيد، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة من 1991 إلي 2001 ثم شغله عمرو موسى، لعشر سنوات من يونيو/حزيران 2001 حتى عام يوليو/تموز 2011.
Getty Images
الأمين العام لجامعة الدول العربية، عصمت عبد المجيد
Getty Images
أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى
وكان الدكتور نبيل العربي أقصر الأمناء بقاء في هذا المنصب لمدة خمس سنوات حتى 2016 مع عدم رغبته في التجديد، ليخلفه منذ ذلك الحين وحتى الآن أحمد أبو الغيط، الذي تنتهي ولايته في يونيو/حزيران 2026.
Getty Images
الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي
Getty Images
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ ساعة واحدة
- الوسط
الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة
Getty Images طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس بأغلبية ساحقة بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في الحرب الدائرة في قطاع غزة والسماح بوصول المساعدات، وذلك بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مسعى مماثل في مجلس الأمن الأسبوع الماضي. وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 عضواً مشروع القرار الإسباني الذي يطالب أيضاً بالإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس وإعادة الفلسطينيين المعتقلين لدى إسرائيل وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة بشكل كامل. وتمت الموافقة على القرار بأغلبية 149 صوتاً، فيما امتنعت 19 دولة عن التصويت على القرار وعارضته الولايات المتحدة وإسرائيل وعشر دول أخرى. ويندد القرار بشدة "باستخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب وبالمنع غير القانوني للمساعدات الإنسانية وبحرمان المدنيين… من أشياء لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة". ووصف مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون ما يحدث أمام الجمعية العامة بأنه "فرية دم". وحث الدول على عدم المشاركة فيما وصفها "بالمهزلة" التي تقوض مفاوضات الإفراج عن الرهائن ولا تندد بأفعال حماس. وأضاف "يجب أن تدركوا بأنه بعدم ربطكم إطلاق سراح الرهائن بوقف إطلاق النار، فإنكم تخبرون كل منظمة إرهابية بأن اختطاف مدنيين أمر له جدوى". وقال سفير ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني أمام الجمعية العامة قبل التصويت "أولئك الذين يضغطون على الزر الأحمراليوم للتصويت ضد هذا القرار سوف يصبح دما ووصمة عار على أصابعهم." وقرارات الجمعية العامة غير ملزمة، لكنها تحمل ثقلاً كونها تعكس الرؤية العالمية للحرب. وقوبلت دعوات سابقة من الجمعية بإنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس بالتجاهل. وعلى النقيض من مجلس الأمن، لا تملك أي دولة حق النقض في الجمعية العامة. مؤتمر حل الدولتين وجاء التصويت قبل مؤتمر للأمم المتحدة الأسبوع المقبل يهدف إلى تنشيط الجهود الدولية الرامية لبحث حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين. ووفق برقية دبلوماسية، أرسلت يوم الثلاثاء واطلعت عليها رويترز، فإن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حثت حكومات العالم على عدم حضور مؤتمر الأمم المتحدة المقرر عقده في نيويورك بشأن حل الدولتين. وتضمنت البرقية القول إن الدول التي تقدم على "إجراءات مناهضة لإسرائيل" عقب المؤتمر ستعتبر مخالفة لمصالح السياسة الخارجية الأمريكية، وقد تواجه عواقب دبلوماسية من الولايات المتحدة. وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت، الأسبوع الماضي، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طالب أيضاً بقرار "فوري وغير مشروط" لوقف دائم لإطلاق النار" ووصول المساعدات دون عوائق إلى غزة، وبررت واشنطن استخدامها الفيتو بالقول إن تمريره من شأنه أن يقوض الجهود التي تقودها الولايات المتحدة للتوسط في وقف إطلاق النار. وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس الأول من نوعه ففي أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، دعت الجمعية العامة إلى هدنة إنسانية فورية في غزة بأغلبية 120 صوتاً. وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، صوتت 153 دولة للمطالبة بقرار فوري لوقف إطلاق النار الإنساني. وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، طالبت الجمعية العامة بأغلبية 158 صوتاً مؤيداً – بقرار فوري وغير مشروط لوقف إطلاق النار الدائم. وبدأت الحرب في غزة بعد أن هاجمت حماس إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص وأخذ نحو 251 آخرين رهائن. ولا يزال هناك 53 رهينة في غزة، ويعتقد أن أقل من نصفهم على قيد الحياة. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل أكثر من 55 ألف فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع التي تديرها حماس. وتُقدر الأمم المتحدة أن أكثر من رُبعهم أطفال.


الوسط
منذ 8 ساعات
- الوسط
هل باتت الضربة الإسرائيلية لمواقع نووية إيرانية مسألة وقت فقط؟
Getty Images تتوالى حرب التصريحات الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية بشأن الخلاف حول برنامج طهران النووي، وكلها تبعث على الاعتقاد، حسب مراقبين، بأن عملا عسكريا إسرائيليا بالأساس ضد المواقع النووية الإيرانية بات جاهزا للتنفيذ إذا لم يتم تحقيق اختراق سريع في المفاوضات الأميركية الإيرانية التي ستجري الجولة السادسة منها الأحد في مسقط. ففي يوم الأربعاء 11 يونيو أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية أوامر بإجلاء موظفي السفارات الأمريكية غير الأساسيين وعائلاتهم، من البحرين والكويت والعراق، تحسبًا لتهديدات أمنية متزايدة، وسط تصريحات أميركية تفيد بوجود أخطار وشيكة بشن هجوم إسرائيلي محتمل على إيران. في اليوم نفسه أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن ثقته في التوصل إلى اتفاق مع طهران وموافقتها على وقف تخصيب اليورانيوم تراجعت وأن بلاده لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. وفي يوم الخميس اتهم مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا إيران بانتهاك التزاماتها في مجال منع انتشار الأسلحة النووية. ووصفت الخارجية وهيئة الطاقة الذرية الإيرانيتان اتهام الوكالة بأنه "سياسي وأن سياسة التعاون مع الوكالة أدت إلى نتائج عكسية". وفيما تتشبث طهران بحقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها لأغراض مدنية، وضرورة رفع العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عنها، مقابل إخضاع برنامجها النووي للمراقبة الدولية ترى الولايات المتحدة أن لا مجال للثقة بنوايا إيران وأن أمنها وأمن إسرائيل وحلفائهما يقتضي تجريد طهران من كل إمكانيات الحصول على اليورانيوم أو تخصيبه وتصنيع أسلحة نووية مستقبلا. هذه التصريحات والتطورات المتلاحقة تزيد - حسب مراقبين - من ترجيح كفة المتشائمين بأن ضرب إيران مسألة وقت. فقد جرت خمس جولات من المفاوضات النووية، بوساطة عمانية، بين واشنطن وطهران منذ أبريل الماضي أعرب الجانبان، في نهاية معظمها، عن تحقيق تقدم ملحوظ. لكن تبين مع توالي الجولات أن ملف تخصيب اليورانيوم يشكل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق. فطهران تقول إنها لن تفرط في حقها في التخصيب باعتباره حقا سياديا، ضمن حدود اتفاق الضمانات، وتضيف أنها مستعدة للرد على أي هجوم عسكري قد تتعرض له منشآتها النووية وتهدد بأن القواعد الأمريكية في المنطقة مدرجة ضمن أهدافها الأولى. أما واشنطن فترى أن امتلاك طهران قدرة تخصيب اليورانيوم شرط غير مقبول لأنه ينطوي على تهديد لأمنها وأمن إسرائيل. وتطالب واشنطن طهران بتقديم تنازلات، وتحذرها في الوقت نفسه من أن عدم تجاوبها سيؤدي إلى المواجهة. إسرائيل من جهتها تنظر بقلق بالغ إلى أي اتفاق جديد بين الولايات المتحدة وإيران وتعتبره تهديدا وجوديا لأمنها. وتحاول إسرائيل الضغط على الإدارة الأمريكية لوقف المفاوضات مع طهران أو تقديم أي تنازلات لها، مؤكدة جاهزيتها للجوء إلى الخيار العسكري وإن بمفردها لضرب المنشآت النووية الإيرانية. يرى المتشائمون أن جلسة المفاوضات ليوم الأحد قد تكون الأخيرة، ذلك أن مواقف الطرفين باتت واضحة ويصرون على تكرارها، ما يعني أن هامش المناورة لديهما بدأ يضيق. كما أن اتهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران بعدم الامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاق الضمانات النووية رفع من حدة الأزمة. وقد وظفت إسرائيل تصريحات للمدير العام للوكالة رافائيل غروسي، قال فيها إنه عاجز عن التأكد مما إذا كان البرنامج النووي الإيراني ذو طبيعة مدنية مئة بالمئة. وحدد غروسي ثلاثة مواقع قال إنها سجلت أنشطة تخصيب مشبوهة. وعلى الفور اتهمت وزارة الخارجية الإسرائيلية إيران بأنها تعمل على برنامج سري لإنتاج أسلحة نووية وأنها تسارع الزمن لمراكمة كميات من اليورانيوم المخصب بدرجات عالية. واعتبر البعض هذه التصريحات والحملة الإعلامية الإسرائيلية لإلصاق تهمة توظيف التخصيب لإنتاج أسلحة نووية بإيران تبريرا مسبقا لإقناع الرأي العام بضرورة التصدي عسكريا للبرنامج النووي الإيراني. أما إيران، ورغم التزامها بالحوار، فإنها تظل تلوح بالتصعيد وتقول إنها مستعدة لمواجهة جميع السيناريوهات. برأيكم: هل تجد الولايات المتحدة وطهران مجالا للتوافق في لقائهما السادس المرتقب؟ هل تتراجع واشنطن عن المطالبة بوقف إيران الكامل لبرنامج تخصيب اليورانيوم؟ هل تتخلى ايران عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها؟ هل تتمكن اسرائيل من عرقلة التوصل إلى اتفاق بين ايران والولايات المتحدة؟ هل بات توجيه ضربة إسرائيلية لمواقع نووية إيرانية مسألة وقت فقط؟ نناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الجمعة 13 يونيو/حزيران. خطوط الاتصال تُفتح قبل نصف ساعة من موعد البرنامج على الرقم 00442038752989. إن كنتم تريدون المشاركة بالصوت والصورة عبر تقنية زووم، أو برسالة نصية، يرجى التواصل عبر رقم البرنامج على وتساب: 00447590001533 يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message كما يمكنكم المشاركة بالرأي في الحوارات المنشورة على نفس الصفحة، وعنوانها: أو عبر منصة إكس على الوسم @Nuqtat_Hewar يمكنكم مشاهدة حلقات البرنامج من خلال هذا الرابط على موقع يوتيوب هنا


الوسط
منذ 8 ساعات
- الوسط
ما الذي تعنيه سيطرة قوات الدعم السريع على مثلث العوينات الحدودي؟
Reuters في قلب صحراء السودان الشمالية الغربية، حيث تلتقي حدود السودان مع مصر وليبيا، يشتعل صراع جديد على ما يُعرف بـ"مثلث جبل العوينات" وهي منطقة صحراوية قاحلة ونائية، لكنها شديدة الأهمية. هذا المثلث الجغرافي تحول في الأسابيع الأخيرة إلى ساحة مواجهة مباشرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ضمن الحرب المستمرة التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023. ويبدو أن هذه الحرب لم تعد شأناً داخلياً بحتاً، إذ إنها تتسع يوماً بعد يوم، لتأخذ أبعاداً إقليمية ودولية مقلقة. سيطرة أعقبها انسحاب Getty Images أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على "المثلث الاستراتيجي" عند التقاء حدود الدول الثلاث. ونشرت عناصر تابعة للقوات مقاطع مصورة تبين انتشارهم في المنطقة. وفي بيانها، وصفت قوات الدعم السريع هذه الخطوة بأنها "نصر نوعي" من شأنه فتح جبهات جديدة في الحرب، خاصة في المناطق الصحراوية التي كانت حتى وقت قريب خارج نطاق المعركة المباشرة. من جهته، لم يتأخر الجيش السوداني في الرد، مؤكداً أنه أخلى الموقع ضمن "الترتيبات الدفاعية التي تهدف إلى صد العدوان"، بحسب وصفه، في إشارة واضحة إلى أن هذا التراجع قد لا يكون دائماً. وفي الوقت ذاته، اتهم الجيش السوداني قائد "الجيش الوطني الليبي"، خليفة حفتر، بمساندة قوات الدعم السريع في هجومها الأخير، ما أضاف بُعداً جديداً من التعقيد إلى المشهد. وهي المرة الأولى التي يشار فيها إلى دخول قوات برية غير سودانية في الحرب بين الطرفين. صحراء قاحلة لكن غنية Getty Images يقع مثلث جبل العوينات عند تقاطع حدود السودان مع مصر وليبيا. ويُعد من أكثر المناطق عزلة في الصحراء الكبرى. وقد اكتسب أهميته في أوائل القرن العشرين، بعد أن زاره الرحالة المصري أحمد حسنين باشا، موثّقاً نقوشاً صخرية تعود لعصور ما قبل التاريخ. وبالاستناد إلى المرجعيات التاريخية، فإن المنطقة ظلت مهملة لعقود بسبب تضاريسها الوعرة وغياب السكان، ولم تُحسم تبعيتها بشكل دقيق بين الدول الثلاث، خاصة بعد اتفاقية الحدود بين مصر والسودان عام 1925. لكن مع مرور الوقت، بدأ يُعاد النظر في موقعها الاستراتيجي، بعد اكتشاف مؤشرات لوجود الذهب والمعادن، وتحولها إلى معبر رئيسي لتهريب البشر والوقود والسلاح. يقول الخبير بشؤون دارفور، عبدالله آدم خاطر لبي بي سي، إن أهمية هذه المنطقة تتمثل في تاريخها العميق؛ إذ كانت تحتوي على مياه وتنبض بالحياة، وتجمع عدداً من القبائل؛ جزء منها من جذور ليبية، وأخرى قبائل مشتركة. ويُضيف خاطر في حديثه أن اللافت للنظر هو أن هذه المنطقة أضحت جزءاً من الصراع الإقليمي، ولا يُستبعد ذلك لأنها ثرية بالمعادن، وما يحدث الآن هو مؤشر لواقع جديد. وكانت هذه المنطقة قبل دخول قوات الدعم السريع إليها تقع تحت سيطرة الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، الذي كان يحتفظ بوجود محدود فيها. وقد عُرفت العوينات بأنها منطقة تعدين أهلي تضم عشرات الآلاف من المعدنين. أزمة متجاوزة الحدود Getty Images الصراع في المثلث الحدودي لم يعد مجرد معركة بين فصيلين داخل السودان، بل بات معتركاً جيوسياسياً، تتعدد فيه احتمالات التدخل الإقليمي. ففي بيان شديد اللهجة، أدانت وزارة الخارجية السودانية الهجوم الذي وقع في المثلث، واتهمت "كتيبة سلفية" قالت إنها تابعة لقوات خليفة حفتر بالمشاركة في العمليات العسكرية. كما اتهمت دولة الإمارات بتوفير دعم لقوات الدعم السريع، واعتبرت ذلك اعتداءً مباشراً على سيادة السودان. الحكومة السودانية لطالما اتهمت الإمارات بالضلوع في الصراع السوداني عبر تقديم دعم لوجستي وعسكري متواصل لقوات الدعم السريع. وظلت الإمارات تنفي تدخلها في الصراع. وهناك من يرى أن هذا التصاعد المستمر للأحداث يزيد من مخاوف دول الجوار. فإلى الشمال، تُراقب مصر ما يجري على مقربة من حدودها الجنوبية وتخشى من تحوّل المنطقة إلى نقطة انطلاق لتهريب البشر والأسلحة نحو أراضيها، أو نحو أوروبا عبر ليبيا. أهمية اقتصادية وأمنية وللمنطقة أهمية اقتصادية وأمنية لا يستهان بها، كما يقول المختص في الشأن الإفريقي عبد المنعم أبو إدريس لبي بي سي، مضيفاً أن المثلث الحدودي يحتضن مناجم ذهب نشطة وأخرى محتملة، كما يشكل معبراً رئيسياً في التجارة غير الرسمية للذهب والوقود. وقال إن هذه التجارة تؤمن شريان حياة لولايات مثل كردفان ودارفور، التي تعتمد بشكل كبير على الإمدادات القادمة من هذا الاتجاه. ويضيف أبو إدريس أن الأهمية الأمنية لا تقل عن الاقتصادية؛ فمثلث العوينات يُعتبر أكبر ممرات تهريب البشر من القرن الإفريقي نحو ليبيا، ومن هنالك إلى أوروبا. كما أن تهريب الأسلحة إلى الجماعات المسلحة في الصحراء الكبرى يحدث جزئياً عبر هذه المنطقة، وذلك عبر الاستفادة من تضاريسها الوعرة وصعوبة المراقبة الحدودية. السعي لقلب الموازين في الصحراء Reuters يقول المختص في الشأن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس إن قوات الدعم السريع تسعى في الوقت الراهن إلى تعزيز وجودها في المثلث؛ بهدف تأمين طرق الإمداد، خاصة الوقود والمواد الغذائية. أما الجيش السوداني، الموجود على بُعد أكثر من 400 كيلومتر من الموقع، فيعتمد بشكل أساسي على الطيران المُسيَّر، في محاولة لتقويض وجود الدعم السريع دون المخاطرة بقوات برية في بيئة قاسية وبعيدة عن قواعد الإمداد. ويستبعد أبو إدريس أن يكون استخدام المُسيَّرات بالضرورة يعني الحسم، مبرراً ذلك بأن المواجهة في منطقة واسعة ومفتوحة قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب، لا سيما إن طال القصف مناطق حدودية قريبة من دول الجوار. وأضاف أن استمرار المواجهات قد يؤثر على قدرة الجيش السوداني في الحفاظ على تماسكه في جبهات أخرى داخل البلاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في مواقعه. صراع متعدد الأوجه ما بدأ كنزاع على السلطة داخل السودان، تحوّل اليوم إلى حرب تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية. والدعم الخارجي لقوات الدعم السريع من ليبيا والإمارات، بحسب اتهامات رسمية، ينذر بتوسّع رقعة الحرب، وتحولها إلى صراع متعدد الأطراف يصعب احتواؤه. وبالارتكاز على التحذيرات التي أطلقها مراقبون، فإن الوضع في المثلث الحدودي قد يشكّل نقطة تحول خطيرة، ليس فقط بالنسبة لموازين القوى داخل السودان، بل لطبيعة العلاقات بينه وبين جيرانه، وربما حتى لأمن شمالي إفريقيا بالكامل، بحسب متابعين.