logo
الإرادة العامة خلفيةً للقانون

الإرادة العامة خلفيةً للقانون

الشرق الأوسط٢٧-٠٢-٢٠٢٥

ذكرت في المقال السابق أن «الدين المدني» يستهدف وفقاً لشروحات جان جاك روسو، توفير مبرر أخلاقي يسند القانون العام. وقد جادل بعض الزملاء قائلين: إذا كان هذا هو المقصود حقاً، فإنه متوفر في كل الأديان. فلماذا نبتدع ديناً آخر؟
هذا النوع من النقاشات ينتهي عادة إلى حالة فوضوية. ففيها يختلط التدليل العلمي بالدفاع العاطفي، وتختلط المخاوف بالتوقعات والرغبات. ولهذا السبب؛ على الأرجح، لا يشهد المجتمع العربي مناقشات معمقة ومستمرة، حول العلاقة المناسبة بين الدين والسياسة، مع أنه أكثر مجتمعات العالم ابتلاءً بالنتائج المريرة لذلك الخلط. إن الجدل في المسألة متواصل بشكل يومي. لكنه ليس نقاشاً من أجل العلم ولا يلتزم بمعايير العلم؛ ولذا لا يعين على تفكيك العقد التي تملأ هذا الموضوع. بل لا أغامر لو قلت إن ما يحدث هو العكس تماماً. فالجدالات الكثيرة بين الداعين إلى انخراط الدين في الحياة السياسية، وبين معارضي هذا الاتجاه، تحولت نزاعاً سياسياً - اجتماعياً فيه القليل جداً من العلم، والكثير جداً من العداوة والانفعال.
كان روسو يطالع مشهداً شبيهاً بهذا في أوروبا الغربية، منتصف القرن الثامن عشر. ولهذا اقترح فكرة «الدين المدني» الذي يمكنه أن يلعب دوراً مماثلاً لأي دين آخر في إطار الممارسة السياسية، من دون أن ينخرط في جدل العلاقة بين الدين والسياسة، على نحو ما شهدت أوروبا يومذاك، وما نراه في العالم العربي اليوم.
- ما الذي أثار القلق عند روسو؟
كان روسو مقتنعاً بأن القانون بطبعه، قيد على الحريات الفردية. مجرد إلزام الناس بفعل أشياء والامتناع عن أشياء أخرى، هو – في الجوهر – تقييد لحرياتهم. وهذا يثير أسئلة متضاربة، مثل: هل يمكن أن نعيش حياة اجتماعية طيبة، من دون قانون ينظم العلاقة بيننا؟ لكن – من ناحية أخرى – هل يصح أن نضحي بحريتنا الخاصة، في سبيل العيش الجمعي؟ وإذا فرضنا أن القانون ضروري للحياة الطيبة، فما هو الأساس الذي يستند إليه القانون كي يلتزم الناس به، هل هو مجرد التهديد بالعقاب من جانب الدولة. وإذا كان التزام الناس بالقانون نوعاً من القسر، فما هو المبرر الذي يسمح لرجال الدولة بوضع تلك الإلزامات، وتهديد المواطنين بالعقاب إن لم يطيعوا.
هذه الأسئلة كانت تدور بقوة، في المحيط الاجتماعي الذي شهد كتابات روسو الأولى. وبعضها ما زال محوراً لنقاشات الفلسفة السياسية حتى اليوم.
قرر روسو أن القانون ملزم؛ لأنه مستند إلى الإرادة العامة، أي إرادة مجموع المواطنين في العيش المشترك وتنظيم علاقتهم الداخلية في قانون مكتوب. القانون أشبه بخطاب من كل فرد لكل فرد آخر، يؤكد التزامه باحترام حقوقه، باعتبارهما عضوين في مجتمع واحد. وبالتالي، فالقانون إعلان التزام من جانب مجموع المواطنين، لكل واحد منهم، بأن حقوقه مصونة ومضمونة، وأن من يخرقها فهو مذنب أمامهم جميعاً. إذن فالإرادة العامة، وما يقوم عليها او يتفرع منها، أشبه بالجدار الذي يستند إليه القانون.
هذا التوضيح الذكي، لم يمنع أحدهم من التساؤل: لكن ما الذي يضمن أن تبقى الإرادة العامة موحدة، كي تواصل إسنادها للقانون، أي كي يبقى المجتمع موحداً في التزاماته؟
وفقاً لروسو، فإن إرادة كل فرد للعيش المشترك الآمن، ومن ثم، قبولهم بالقانون الذي ينظم علاقتهم ببعضهم بعضاً، يمثل بذاته تمظهراً لجوهر الإنسان، بصفته كائناً خيَّراً وعقلانياً، إنها تعبير عن طبيعته التي أفاضها الله عليه حين خلقه. ومن هنا، فهي تعبير عن روح الله وإرادته التي نفخها في هذا المخلوق. ولهذا؛ عدّها متعالية، فلا تحتاج إلى تدليل أو إسناد.
هل هذا يكفي للقبول بفكرة «الدين المدني»؟ أظن تحليله صحيحاً، لكن لا أرى استنتاجه ضرورياً. ولعل في وسعنا التدليل عليه بطريقة أيسر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قائد ألوية الحماية الرئاسية: الجنوب ماضٍ بقوة نحو استعادة دولته ولن يعود لعصر الاحتلال
قائد ألوية الحماية الرئاسية: الجنوب ماضٍ بقوة نحو استعادة دولته ولن يعود لعصر الاحتلال

حضرموت نت

timeمنذ 20 دقائق

  • حضرموت نت

قائد ألوية الحماية الرئاسية: الجنوب ماضٍ بقوة نحو استعادة دولته ولن يعود لعصر الاحتلال

قال اللواء الركن /محمد قاسم الزبيدي قائد الوية الحماية الرئاسية بأن ذكرى فك الارتباط الـ31 ، تُجسّد إرادة شعبنا الجنوبي العظيم في تقرير مصيره والدفاع عن هويته وحقوقه المشروعة. وإن هذه الذكرى ليست مجرد حدث عابر في سجل التاريخ، بل هي محطةٌ فارقة أعادت لشعب الجنوب كرامته، وأكدت تمسكه بحقه وبأراضه ورفضه للاحتلال والتعسف والاستغلال . وأضاف بأن ذكرى فك الارتباط كانت ردّاً طبيعياً على سنوات من الظلم والاستبعاد، وإعلاناً صريحاً بأن شعب الجنوب لن يقبل بأن يُمسخ تاريخه أو يُهدر دم أبنائه. لقد أثبتت هذه الذكرى أن الجنوبيين قادرون على صنع قرارهم الوطني بكل عزة، وأنهم ماضون نحو بناء مستقبلٍ يليق بتضحيات شهدائنا الأبرار، الذين رووا بدمائهم الزكية تراب هذا الوطن. وأردف قائد الوية الحماية الرئاسية : إننا ونحن نستذكر هذه المناسبة العظيمة، نرى بوضوحٍ كيف أصبح واقع الجنوب مختلفاً عما كان عليه بالأمس. لقد تحوّل الجنوب من واقع التهميش والصراعات المُفتعلة إلى ساحةٍ للعمل الوطني الجاد ، حيث تُبنى قواته المسلحة الباسلة ، وتُعاد هيبة الدولة، ويُصارع أبناؤه من أجل استقرارٍ دائم وعدالةٍ تنصف كل مواطن. موكدا بأن ألوية الحماية الرئاسية جنباً إلى جنب مع كل أبناء الوطن الجنوب ، تواصل ترسيخ الأمن وحماية مكتسبات شعبنا، مؤمنين بأن السلام الحقيقي يبدأ باحترام إرادة شعب الجنوب وحقه في استعادة دولته كاملة السيادة بحدودها المتعارف عليها قبل 1990م . مختتما تصريحة :' ندرك أن الطريق ما زال طويلاً، لكننا نؤكد أن إنجازات اليوم تُثبت أن الجنوب قادرٌ على تجاوز التحديات. لقد أصبحت العاصمة عدن، وعموم المحافظات الجنوب ، رمزاً للصمود والتضحية، وشاهداً على إصرار شعبنا على ألا يعود إلى زمن الاستبداد والاحتلال. إن ذكرى فك الارتباط تذكيرٌ لنا بأننا أمةٌ لا تُهزم، وأن مستقبل الجنوب سيكون بإذن الله أفضل مما مضى، طالما ظلّت إرادتنا موحدةً وصوتنا عالياً بالحق.' تحيةً لشهدائنا الأبطال، وتحيةً لكل من يقف على ثغور هذا الوطن مدافعاً عن أرضه وكرامته. المجد والخلود لشهداء الجنوب الابرار ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

خادم الحرمين الشريفين يُعزي سُلطان عُمان في وفاة السيدة خالصه بنت نصر البوسعيدي
خادم الحرمين الشريفين يُعزي سُلطان عُمان في وفاة السيدة خالصه بنت نصر البوسعيدي

سويفت نيوز

timeمنذ 21 دقائق

  • سويفت نيوز

خادم الحرمين الشريفين يُعزي سُلطان عُمان في وفاة السيدة خالصه بنت نصر البوسعيدي

جدة – واس : بعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، برقية عزاء ومواساة، لصاحب الجلالة السُلطان هيثم بن طارق، سُلطان عُمان في وفاة السيدة خالصه بنت نصر البوسعيدي -رحمها الله- والدة السيدة الجليلة حرم جلالته. وقال الملك المفدى:' تلقينا نبأ وفاة السيدة خالصه بنت نصر البوسعيدي -رحمها الله- والدة السيدة الجليلة حرم جلالتكم، وإننا إذ نبعث لكم ولأسرة الفقيدة بالغ التعازي، وصادق المواساة، لنسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمدها بواسع رحمته ومغفرته، ويسكنها فسيح جناته، وأن يحفظكم من كل سوء، إنا لله وإنا إليه راجعون'. مقالات ذات صلة

سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية كوت ديفوار يستقبل فريق مبادرة 'طريق مكة' في أبيدجان
سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية كوت ديفوار يستقبل فريق مبادرة 'طريق مكة' في أبيدجان

سويفت نيوز

timeمنذ 21 دقائق

  • سويفت نيوز

سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية كوت ديفوار يستقبل فريق مبادرة 'طريق مكة' في أبيدجان

أبيدجان – واس : استقبل سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية كوت ديفوار سعد بن بخيت القثامي، اليوم، فريق مبادرة 'طريق مكة' بمقر السفارة في مدينة أبيدجان.وقدم القثامي شكره لفريق مبادرة طريق مكة في جمهورية كوت ديفوار، مشيدًا بالجهود المبذولة لخدمة حجاج بيت الله والتيسير عليهم وإنهاء إجراءاتهم بيسر وسهولة. ‎يُذكر أن وزارة الداخلية تنفذ المبادرة في عامها السابع بالتعاون مع وزارات (الخارجية، والصحة، والحج والعمرة، والإعلام)، والهيئة العامة للطيران المدني وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، والهيئة العامة للأوقاف، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، والمديرية العامة للجوازات. مقالات ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store