logo
تاريخ الضحك يخلو من النساء

تاريخ الضحك يخلو من النساء

صحيفة الخليج١٥-٠٧-٢٠٢٥
يرى هذا الكتاب وعنوانه «ضحك النساء.. قصة سلطة» للكاتبة سابين ملكيور بونيه، ترجمة جلال العاطي، أن الضحك يناقض صورة المرأة المحتشمة، فإذا كان ضحك الرجل قد نظر إليه على أنه لحظة من لحظات ترفيهه، فالمرأة التي تضحك تورد نفسها موارد الخطر، كأن ينعتها المجتمع بأنها لا مبالية أو حمقاء، أو بأن تنتزع منها هالة فتنتها وسحرها، فقد ظل ضحك النساء لقرون خلت، تحت عين المراقبة، وكان لا يتساهل معه إلا بشرط الاختباء وراء مروحة يدوية.
يوضح الكتاب أن اتخاذ ضحك النساء موضوعاً للدراسة التاريخية أمر ينطوي على مخاطر جمة، من بينها المفارقة التاريخية أن الضحك جزء لا يتجزأ من ثقافة اليوم، وأنه سريع الزوال وعابر، أشياء الأمس نفسها لا تثير فينا الضحك، إذا ما قيست بمقاييس أيامنا، ونحن لا نميز دائماً ما كان أو لم يكن في الماضي هزلياً.
إن نبرات صوت يدوي في الأرجاء وطبقة ضحكة ومدتها وترددها، أمور عصية على البحث، إلا إذا كان الراوي أو الراوية يتمتعان بالموهبة ليحطا اليد على دقيق الفوارق وأرفعها، ويميزا – على حد تعبير ناتالي ساروت - ضحكاً صادراً من الحنجرة، ثقيلاً مرتخياً، وضحكاً من طبقة أعلى لا يتوقف، من ارتجاف خفيض يكاد لا يسمع، تجلجل نغماته الحادة المتجمدة كحبات البرد، وهي تتهاوى على الأرض.
يشير الكتاب إلى أن ضحك النساء يندس خلسة في تجاويف النصوص الأكثر إمعاناً في الجدية، ضحكات من طرف خفي، ضحكات رقيقة فاترة تنشب أحياناً في غمرة الدموع: «إن الأمر المضحك وقوة الضحك يكمنان في الضاحك، وليس في موضوع الضحك» هكذا قال بودلير سنة 1857 في إحدى دراساته النقدية عن الفن، وعنوانها «جوهر الضحك» مؤكداً فيها أن الفرد هو ما يتعين البحث عنه خلف الضحك.
هناك من يعتبر أن الضحك ثأر للنساء، اللاتي غمط حقهن في التعليم والكلام والكتابة منذ أزمان بعيدة، يوفر اكتساح الضحك لهن هامشاً من الحرية يؤكدن فيه صحتهن وعافيتهن بإلقاء نظرة حادة على المجتمع، وعلى أنفسهن. ليس القصد ادعاء أن النساء كن لا يضحكن بالمرة، فيما مضى، بل القصد أن الخطاب الأخلاقي وآداب السلوك ارتأيا أن من شأن الضحك أن يفسد أنوثتهن «ليس ثمة ما هو أقل أنثوية من الملهاة الخفيفة، والمسرحية التي يطغى عليها الهزل» على ما سجلت أدريان مونيي الناشرة، التي اشتهرت بنظرتها النقدية، لقد ظل في طي الضحك قوة هدم وتدمير، والمجتمع لا يلبث أن يأخذ حذره من النساء الضاحكات.
حسبما يشير الكتاب فإن أول دليل على ذلك هو أن فن الإضحاك، ظل حتى عهد قريب حقاً مقصوراً على الذكور، من الواجب أن تمتلك السلطة، أو أن تكون راجح العقل، بل حتى أن تكون مستبداً بعض الاستبداد، كما تنزع عن مخاطب أو جمهور من المستمعين سيماء الجد والعقل، وفي مقابل ذلك يعني الضحك إرخاء العنان للنفس وإسلام القياد لها، فإلى زمن ليس ببعيد، لم نكن نرى محترفات ضحك من النساء، ولا بهلوانات، ولا رسامات كاريكاتير، وفي المسرح «عدمنا كوميديانات» يهيجن الجمهور من الضحك، ويختلسن دموع الفرحة بتكشيرهن، فحتى أدوار العجائز الثرثارات السخيفات كان يؤديها الرجال.
أندية
تؤكد المؤلفة أن مجتمع الاستهلاك يتطلب ضحكات نموذجية تكشف عن أسنان ناصعة البياض، فهل أصبح الضحك أخلاقنا الطبيعية؟ يتساءل ميلان كونديرا في كتابه «فن الرواية» لقد أنشئت أندية للضحك، والضحك الصحي، نجحت في العلاج والشفاء، لقد تطور العلاج بالضحك منذ أربعين سنة، وهو يضاعف من تجاربه، حيث رأت طبيبة الأطفال كاثرين دولتو أن «الضحك يولد المتعة، والمتعة تولد الفرح، والفرح يولد الحب، والحب يولد الإنسان».
لكن كيف نضحك في عالم أفسدته الأزمات الاقتصادية أو الوبائية الأخلاقية أو السياسية؟ والضحك كي يكون علاجاً، يجب أن يظل لعبة غير متوقعة وبلا سبب، ترفيهاً، مفاجأة تحول الاضطراب والصخب إلى استبشار، كما يلاحظ ذلك كونديرا: «عباقرة الكوميديا الحقيقيون ليسوا أولئك الذين يضحكوننا أكثر، بل أولئك الذين يكشفون النقاب عن مناطق مجهولة للكوميديا».
تتساءل المؤلفة: هل الضحك في أزمة؟ وتقول: لا ينبغي أن نغفل أن الضاحكة تظل شخصية رمزية، يحتاج إليها المجتمع، ليعمل بشكل جيد، إن الأمر موكول إليها، هي التي عركتها الطبيعة أكثر مما هذبتها التربية والعقل، كي تكفل استدامة التقاليد، وتوقظ الأعين الضجرة، البهجة هي فضيلة اجتماعية وأخلاقية ضرورية لشد الوشائج بين بني الإنسان، لكن البهجة صنوف وألوان.
منذ أرسطو وأريستوفانس وكلاسيكيات الأدب والأسطورة، إلى فرجينيا وولف، ومارجريت دوراس، وناتالي ساروت، إلى عروض النساء الكوميدية اليوم، خاضت المرأة رحلة طويلة لاستعادة سلطتها على حريتها، وضحكها، لتكون امرأة ضاحكة ومضحكة، جميلة وربما شريرة، لا مبالية وربما سخيفة، لكنها ملكة منتقمة من كل ما حرمها حريتها باسم الاحترام الذي يسمح لها بأن تبتسم فحسب بدافع الرقة والتسلية.
عيوب
تكشف المؤلفة تورط روايات بلزاك وزولا في إقصاء النساء وتهميشهن، ولا سيما أولئك الجريئات اللواتي يرغبن في إظهار براعتهن، لكن النساء حتى لو أظهرن أنهن امتثلن لما هو متوقع منهن، كن دوماً نساء لا ينخدعن، إنهن يعرفن جيداً عيوب الرجال، كما يلمسن بحدسهن الأنثوي الادعاءات الكاذبة، والفجوة بين استيهام الخطاب وصدق الواقع.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«كنز الجيل» تكرس جماليات الشعر النبطي
«كنز الجيل» تكرس جماليات الشعر النبطي

البيان

timeمنذ 3 ساعات

  • البيان

«كنز الجيل» تكرس جماليات الشعر النبطي

حققت جائزة «كنز الجيل» التي أطلقها مركز أبوظبي للغة العربية عام 2021 نجاحات كبيرة جعلت منها واحدة من أهم الجوائز الأدبية التي تسهم في الحفاظ على الموروث الثقافي لدولة الإمارات، والاحتفاء بتنوعه الثري، ودعم المبدعين في مجالاته، وتكريم جهودهم، وتحفيزهم على مواصلة العطاء، وتقديم المزيد من المشاريع النوعية. وعلى امتداد سنواتها الأربع استطاعت الجائزة التي تهدف إلى تكريم الأعمال الشعرية النبطية والدراسات الفلكلورية، والبحوث التي تتناول الموروث المتصل بالشعر النبطي وقيمه الأصيلة، أن تستقطب أعداداً لافتة من المشاركين الذين وجدوا فيها سبيلاً لتحقيق تطلعاتهم، وترجمة إبداعاتهم، خاصة ضمن فئة «المجاراة الشعرية» التي تعد مساحة فخر للشعراء ليجاروا إحدى قصائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وقال الكاتب والإعلامي علي عبيد الهاملي، رئيس اللجنة العليا لـ«كنز الجيل»: إن الجائزة تؤدي دوراً كبيراً في نشر ثقافة الاهتمام بالشعر النبطي، إذ تعمقت في تعريف الجمهور المعاني السامية، والمضامين النبيلة التي تميز بها شعر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، خاصة أن الجيل الجديد بحاجة أكثر للاطلاع على هذه الكنوز التي احتواها شعره. وقال الشاعر عبيد بن قذلان المزروعي، الفائز بالدورة الأولى من الجائزة، عن فئة المجاراة - الشعر: «إن الجائزة سعت لإحياء أحد أهم الفنون الشعرية وهي «المجاراة» وأسهمت بنشر قصائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعرّفت بإبداعاته الشعرية، ما يجعلها واحدة من أبرز الجوائز الأدبية على الصعيدين المحلي والعربي في هذا المجال». من جانبه، أكد الشاعر علي السبعان، الفائز بالدورة الثانية من الجائزة عن الفئة نفسها، أن الجائزة تحمل فكرة مبهرة في مضمونها، وتوقيتها، ومقاصدها، فهي تحتفي بروح الشعر الشعبي، وتكرّم هويتنا الثقافية. وقال الشاعر فيصل العتيبي، الفائز بالدورة الثالثة من الجائزة عن الفئة ذاتها: «إن الجائزة شكلت فرصة كبيرة، ونافذة جميلة تطل على الإبداع والتميز، والاطلاع على التجربة الشعرية العملاقة والثرية». نجاح كان مركز أبوظبي للغة العربية قد أغلق أخيراً، باب الترشح للجائزة في دورتها الرابعة لعام 2025، ما يعكس النجاح اللافت لجهود المركز في الكشف عن إبداعات جديدة تنتمي إلى تراثها الشعبي، وتتمسك بالمحافظ عليه، لتعزيز هوية الأجيال.

الإمارات تستعرض إدماج المعرفة والتراث الثقافي في الاستراتيجيات المناخية الوطنية
الإمارات تستعرض إدماج المعرفة والتراث الثقافي في الاستراتيجيات المناخية الوطنية

البيان

timeمنذ 21 ساعات

  • البيان

الإمارات تستعرض إدماج المعرفة والتراث الثقافي في الاستراتيجيات المناخية الوطنية

وخلال الجلسة الثالثة التي جاءت بعنوان «دمج الثقافة في السياسات الوطنية للمناخ»، استعرض الوفد تجارب الدولة وأفضل الممارسات في إدماج المعرفة والتراث الثقافي في الاستراتيجيات المناخية الوطنية، وذلك امتداداً لدور الإمارات القيادي في التنمية المستدامة والابتكار المناخي بعد استضافتها لمؤتمر الأطراف (COP28).

يحمل اسمه وعلم مصر.. محمد صلاح يستعرض حذاءه الجديد
يحمل اسمه وعلم مصر.. محمد صلاح يستعرض حذاءه الجديد

سكاي نيوز عربية

timeمنذ يوم واحد

  • سكاي نيوز عربية

يحمل اسمه وعلم مصر.. محمد صلاح يستعرض حذاءه الجديد

الحذاء، الذي تميّز بألوان جريئة وتفاصيل دقيقة، لاقى تفاعلًا واسعًا من جماهير " الريدز" ومحبي صلاح حول العالم، حيث أثنوا على التصميم واعتبروه رسالة فخر بهوية النجم المصري وارتباطه الدائم بجذوره الوطنية، حتى في تفاصيله الرياضية الدقيقة. ولم يكن اللافت في الحذاء لونه أو شكله فحسب، بل الرسالة التي حملها، إذ طبع صلاح اسمه باللغة اللاتينية، إلى جانب علم مصر على جانبه الخارجي، ما أضفى عليه بعدًا رمزيًا يعكس اعتزازه بوطنه رغم النجومية العالمية. هذه اللفتة لاقت صدى خاصًا في الأوساط المصرية، واعتبرها كثيرون تأكيدًا على تواضع صلاح وتمسّكه بهويته الثقافية، خاصة مع انطلاق موسم جديد يأمل فيه عشاقه أن يواصل تألقه المعتاد. يأتي استعراض الحذاء في وقت يستعد فيه صلاح لقيادة ليفربول في انطلاقة الموسم الكروي، بدءًا من مواجهة كريستال بالاس الأحد المقبل في كأس الدرع الخيرية، ثم افتتاح مشوار "البريميرليغ" بمواجهة بورنموث في 15 أغسطس. ويعوّل جمهور ليفربول كثيرًا على محمد صلاح، ليس فقط بأهدافه وتمريراته الحاسمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store