للرحيل مواسمه التي لا تتأخر !!
عملنا سويةً محمد كعوش وأنا في صحيفة الأخبار اليومية من عام 1977 حتى عام 1980. ثم في صحيفة صوت الشعب منذ عام 1982.
ولما أصدر مجلة الحصاد السياسية الثقافية الاجتماعية، كتبت له فيها مقالة ثابتة، ومثلت الحصاد عضوًا في مجموعة الصحافيين البيئيين الدولية، المكونة من 13 صحافيًا من عدة دول، الذين أصدروا The Global Edition
التي حضرت ممثلًا لها «قمة ريو- قمة الأرض» في ريو دي جانيرو - حزيران 1992، وهناك التقيت وزير البلديات عبد الرزاق طبيشات، وسفيرنا في البرازيل نايف مولا.
عملنا معًا في صحيفة الأخبار التي أسسها الأستاذ فؤاد سعد النمري، مع نخبة من قروم الصحافة والثقافة: عبد الرحيم عمر، راكان المجالي، إبراهيم أبو ناب، عدنان الصباح، فخري النمري، محمود الحوساني، فواز كلالدة، سليمان خير الله، نقولا حنا، حافظ ملاك، عبد الحميد المجالي، جورج طريف، عزام بدر، يوسف حجازين، غازي شيحا ومفيد حسونة.
كان محمد كعوش مهنيًا معتدًا واثقًا، فهو القادم من الصحافة اللبنانية الحيوية، صحافة الوطن العربي الأبرز، التي كانت أسماء نجومها تسطع بلا منازع: غسان تويني، سعيد فريحة، رياض طه، سليم اللوزي، طلال سلمان، كامل مروة وسمير عطالله،
كان كعوش الصحافي يحتاج فقط إلى قلم ودواة، وإلى إطلاق يده ليعطي أرشق وأعمق عنوان صحفي «مانشيت» بسرعة وعفوية وتلقائية مذهلة.
لا أعتقد أنه بادر بالإساءة إلى مخلوق. ولا أعتقد أن قلبه عرف شيئًا اسمه الحقد أو الكراهية. كان قلبه أطهر من أن يجعله إقليميًا أو طائفيًا أو جهويًا.
وكان طبيعيًا أن يكون محمد كعوش اللاجئ من صفد إلى مخيمي عين الحلوة والمِية ومِية، وحدويًا قوميًا حالِمًا بعيدًا عن الأنظمة القومية الرسمية التي خلطت الوحدة بالقطرية، والحرية بالزنازين، والاشتراكية بالبراميل المتفجرة والمقابر الجماعية.
عملنا معا في صحيفة صوت الشعب برفقة نجوم الإعلام: إبراهيم سكجها ونصوح المجالي وطارق مصاروة.
كان ناجي العلي يرسم للقبس الكويتية عندما اتصل به صديقه من أيام بيروت والمِية ومِية وعين الحلوة والكويت، محمد كعوش مدير تحرير صوت الشعب، طالبًا منه أن يرسم لها.
استجاب ناجي العلي معلنًا أنه يحب الأردن وشعبها الحر المثقف. فرسَم بلا مقابل مئات الكاريكاتيرات التي كان يرسلها يوميًا من الكويت إلى عمان على الفاكس.
كتبتُ «عرض حال» في «صوت الشعب» بعنوان: «ناجي العلي مشروع شهيد» سنة 1985 توقعت فيها اغتياله !!
طلبني ناجي هاتفيا من الكويت، فلما لم يجدني، طلب من الأستاذ كعوش أن يشكرني نيابة عنه. وأكد على توقعاتي بأنه مشروع شهيد.
اغتِيل ناجي العلي بلندن في آب 1987 !!
تجاورنا في إسكان الصحافيين بطبربور في بنايتين متجاورتين منذ 1983 إلى 1989.
كان يتصل مع أم عمر يسألها:
شو طابخة على الغدا اليوم ؟
تقول له: ملوخية.
يسألها: بماذا ؟
ترد: باللحمة راس عصفور.
يحتج قائلًا: ليش باللحمة، ما بتعرفي أنا بحبها بالجاج ؟!
كان هذا كعوش، يتصرف كشقيق له كل الحق أن يتطلب وأن يتدلل على شقيقه.
و لما قرر محمد الزواج، عرّفناه أنا وزوجتي في بيتنا، على السيدة هدا السرحان المثقفة والكاتبة، فوقع النصيب.
وقد كان خيارًا موفقًا صائبًا جداً. إذ رعت هدا شيخوخته وصانتها بكل بسالة وعزم وتضحية.
تميز أبو يوسف بسلامٍ داخلي وخارجي نادر. كما كان متصالحًا مع نفسه ومع محيطه إلى درجة بارزة ناطقة باهظة.
في نهاية السبعينات تعيّن صديقي المثقف الرائق زهير محمد علي العجلوني رئيساً لهيئة إدارة المرافق والاستراحات السياحية التي كانت منتشرة في كل المملكة (لاحقًا اصبح وزيراً للسياحة ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء). فاقترحت عليه أن ينظم برنامج زيارات أسبوعية للصحافيين والمصورين وعائلاتهم إلى المنشآت السياحية، يشمل صحف تلك الأيام، الرأي والدستور والأخبار، ولاحقًا صوت الشعب ووكالة الأنباء الأردنية.
كنا نذهب كل يوم جمعة تقريبا، محمد كعوش ونصر المجالي ومحمد موسى عوض ونبيل عمرو وأحمد ذيبان وأحمد الحسبان ويوسف العبسي وحافظ ملاك وعماد القسوس وغيرهم، إلى أحد المواقع السياحية في حافلة مجهزة يوفرها لنا ولعائلاتنا ونعود لنكتب مشاهداتنا في تقارير تعريفية مصورة جميلة مجانية.
أدمنت مع أبي يوسف الذهاب في الأيام المقمرة إلى البحر الميت بصحبة سمير حباشنة ومحمد الجالوس وسمارة الخطيب ومحمد قاسم وصدقي الفقهاء وعبد القادر الشواورة وخالد خميس ومنذر رشراش. كان يحب تلك الرحلة الليلية التي نفترش فيها الشاطئ المقابل لفلسطين، حيث يردد: ما أقربها وما أبعدها.
لقد حافظ هذا الرومانسي على براءته بلا عناء. وحين تقاعد من العمل الصحافي كتب «بيانا» إلى الأصدقاء اقتطِفُ منه:
(عندما غادرت مبنى الجريدة غمرني فرح طارئ وأيقنت أنني لست نادمًا على شيء، وتذكرت محمود درويش حين قال: «ما أشد سعادة المرء حين لا يودع أحداً، ولا ينتظر أحداً»..
لقد أتت اللحظة التي انتظرتها خمسين عامًا، لذلك شعرت بالسلام مع النفس، بعدما تعبت من توفير الكتابة واختزان الأفكار، كما تعبت من حصار الوقت ورغيف الخبز وخطر الجفاف. لا أحد يستطيع ردع القلب المتحفز للعطاء بمزيد من العشق والورد والكلمات).
وكتبت من جاكرتا عام 2011 عندما علمت انه أدخل المستشفى:
عندما استيقظت في الغبش كان قلبي يؤلمني، ولم أعرف السبب، إلى أن علمت ان صديق العمر محمد كعوش كان في المستشفى، ولم يزايلني ألم القلب إلا بعدما علمت أن أبا يوسف غادر المستشفى على قدميه. لا تفعلها مرة أخرى يا صديقي فقلبي لا يحتمل.
أفتقد أبا حلا بلا جهد. هو يحضر ويغيب كما كان يفعل دائمًا، بلا أعذار وبلا أسباب. أعتقد أنه يسترجع الآن، في غمار ذلك السديم العظيم، المِية ومِية وصفد وعمان وناجي العلي والرأي والأخبار وصوت الشعب وأحبابه وأصحابه، ولا شك أنه يصيخ السمع منذ 4 سنوات، لترحمنا عليه ودعائنا له بالقبول، وحفاوتنا بذكراه الطيبة الرائقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- أخبارنا
احمد ذيبان : «كوكتيل» محلي!
أخبارنا : منذ فنرة طويلة ربما تقارب ربع قرن، لم أكتب عن الشؤون المحلية باستثناءات قليلة، حيث أخذتنا السياسة بما تحمله من حروب وأزمات وصراعات سياسية واقتصادية وتجارية ومناكفات بين الدول، وآخر هذه العواصف قرارات الرئيس الاميركي ترامب، برفع نسب الرسوم الجمركية بنسب متفاوتة على الواردات القادمة من دول أجنبية، لم يميز فيها بين حلفائه وأصدقائه وخصومه! وفي بدايات عملي بالصحافة وحتى أواخر تسعينيات القرن الماضي، كانت اهتماماتي في العمل الصحفي تنصب على الشؤون المحلية، وخاصة مشكلات القطاع الزراعي بحكم أنني ابن بيئة زراعية هي منطقة الاغوار الوسطى، حيث كتبت عدداً يصعب حصره من التحقيقات والتقارير الصحفية والمقالات التي تناقش هذه المسألة، ولا يزال الصديق ابراهيم السطري يزودني عبر تطبيق الماسنجر، بين فترة وأخرى بصور مقالات في الشؤون المحلية كتبتها في صحف ومجلات محلية عديدة، في تلك الفترة التي كان للصحافة الورقية بريقها وكان عدد قرائها أكبر، قبل أن يتم انتاج منصات وسائل التواصل الاجتماعي! وبالمناسبة الزميل السطري يمتلك أرشيفا ورقيا نادرا وبجهد شخصي، ربما غير موجود في مؤسسات كبيرة، وعلى سبيل المثال عملت شخصيا في صحيفة «صوت الشعب» حوالي 12 عاما، وتم تصفية الشركة وبيع موجوداتها الى صحيفة «الأسواق»، التي كان يصدرها ويرأس تحريرها الزميل والصديق مصطفى ابو لبدة، وأعتقد ان أرشيف جريدة «صوت الشعب» ذهب مع الريح! ورغم زخم المواد الصحفية التي كتبتها في تلك الفترة، لا تزال غالبية المشاكل التي يعاني منها القطاع الزراعي تتصدر أجندة الجهات المعنية، حيث لم تجد حلولا جوهرية وأهمها ارتفاع كلف الانتاج والتسويق الزراعي، حيث تنخفض أسعار المحاصيل الزراعية الى مستويات يضطر بعض المزارعين أحيانا، الى تركها لرعي المواشي! وما زلت أذكر صديقي «مصلح حمدان» الذي كان يعتبر مزارعا كبيرا في حينه، ويعمل الآن في مهنة المحاماة، عندما نشر اعلانا مأجورا بجريدة صوت الشعب، في ثمانينيات القرن الماضي كلفه 80 دينارا بخصم حوالي 20 %، بوساطة مني باعتباري كنت أعمل في الصحيفة، يدعو فيه أصحاب الأغنام للزحف الى مزرعته لرعي مواشيهم ليكسب أجرا، بعد أن انخفضت أسعار المنتجات الزراعية، الى ما دون الصفر وأصبحت تكاليف نقلها الى السوق يدفها المزارع من جيبه، وكتبت في حينه مقالا عن هذه المشكلة المزمنة! هذه مقدمة طويلة تبدو أنها أقرب الى «كوكتيل»، لكي أدخل في القضية الأساسية موضوع هذا المقال، وتتعلق بتباين أسعار المستشفيات الخاصة، بشكل يصل أحيانا الى الضعف بدون أي تفسير منطقي! أفهم أن أجور الأطباء مقررة من قبل نقابة الأطباء، وهناك نسبة خصم لشركات التأمين الصحي والنقابات المهنية، والشركات الكبرى مثل البنوك وغيرها. قبل بضعة أيام علمت بقصة تثير ألف علامة استفهام؟ تتعلق بأسعار صورة طبقية لشرايين الدماغ لأحد الأصدقاء، حيث ذهب الى أحد المستشفيات المعتمدة للتأمين الصحي للجهة التي يعمل فيها، فأبلغته الموظفة المعنية بقسم الأشعة، أن سعر الصورة يبلغ 450 دينارا وقيمة التحمل التي يدفعها 90 دينارا، وهي تعادل 20% من قيمة الصورة. لكن عقله الباطن استيقظ بعد عودته الى المنزل، وفي اليوم التالي اتصل مع أحد العاملين في نفس قسم الأشعة بالمستشفى، فأبلغه أن كلفة الصورة 300 دينار! وتواصل مع عدد آخر من المستشفيات لمعرفة كلفة الصورة، وبعث لهم على تطبيق الواتساب اسم الصورة التي طلبها الطبيب المعالج، فكانت المفاجأة المدوية أن الفرق كبير جدا في الأسعار، فأحد المستشفيات أبلغه أن كلفتها 240 دينارا، ومستشفى آخر قال إن كلفتها 220 دينارا، وثالث قال إن سعر الصورة 205 دنانير! وفي ظل هذه الفوضى السعرية، من هي الجهة التي تضبط هذا الفلتان؟ وأريد اضافة فقرة ليست مرتبطة بهذا الموضوع وتتعلق بالمنتوجات الطبية، التي يتم ترويجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي غالبيتها غش وتحايل وخداع للمستهلكين وربما عدد كبير يقع ضحيتها وأن أحدهم، خاصة هؤلاء الذين لا يمتلكون قدرة مالية للمعالجة لدى أطباء الاختصاص أو المستشفيات الخاصة، في الوقت الذي تزدحم فيه المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية بطوابير هائلة يحتاجون مواعيد طويلة تمتد لأشهر لأخذ موعد لاجراء صورة أو طبيب اختصاص!

الدستور
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- الدستور
للرحيل مواسمه التي لا تتأخر !!
عملنا سويةً محمد كعوش وأنا في صحيفة الأخبار اليومية من عام 1977 حتى عام 1980. ثم في صحيفة صوت الشعب منذ عام 1982. ولما أصدر مجلة الحصاد السياسية الثقافية الاجتماعية، كتبت له فيها مقالة ثابتة، ومثلت الحصاد عضوًا في مجموعة الصحافيين البيئيين الدولية، المكونة من 13 صحافيًا من عدة دول، الذين أصدروا The Global Edition التي حضرت ممثلًا لها «قمة ريو- قمة الأرض» في ريو دي جانيرو - حزيران 1992، وهناك التقيت وزير البلديات عبد الرزاق طبيشات، وسفيرنا في البرازيل نايف مولا. عملنا معًا في صحيفة الأخبار التي أسسها الأستاذ فؤاد سعد النمري، مع نخبة من قروم الصحافة والثقافة: عبد الرحيم عمر، راكان المجالي، إبراهيم أبو ناب، عدنان الصباح، فخري النمري، محمود الحوساني، فواز كلالدة، سليمان خير الله، نقولا حنا، حافظ ملاك، عبد الحميد المجالي، جورج طريف، عزام بدر، يوسف حجازين، غازي شيحا ومفيد حسونة. كان محمد كعوش مهنيًا معتدًا واثقًا، فهو القادم من الصحافة اللبنانية الحيوية، صحافة الوطن العربي الأبرز، التي كانت أسماء نجومها تسطع بلا منازع: غسان تويني، سعيد فريحة، رياض طه، سليم اللوزي، طلال سلمان، كامل مروة وسمير عطالله، كان كعوش الصحافي يحتاج فقط إلى قلم ودواة، وإلى إطلاق يده ليعطي أرشق وأعمق عنوان صحفي «مانشيت» بسرعة وعفوية وتلقائية مذهلة. لا أعتقد أنه بادر بالإساءة إلى مخلوق. ولا أعتقد أن قلبه عرف شيئًا اسمه الحقد أو الكراهية. كان قلبه أطهر من أن يجعله إقليميًا أو طائفيًا أو جهويًا. وكان طبيعيًا أن يكون محمد كعوش اللاجئ من صفد إلى مخيمي عين الحلوة والمِية ومِية، وحدويًا قوميًا حالِمًا بعيدًا عن الأنظمة القومية الرسمية التي خلطت الوحدة بالقطرية، والحرية بالزنازين، والاشتراكية بالبراميل المتفجرة والمقابر الجماعية. عملنا معا في صحيفة صوت الشعب برفقة نجوم الإعلام: إبراهيم سكجها ونصوح المجالي وطارق مصاروة. كان ناجي العلي يرسم للقبس الكويتية عندما اتصل به صديقه من أيام بيروت والمِية ومِية وعين الحلوة والكويت، محمد كعوش مدير تحرير صوت الشعب، طالبًا منه أن يرسم لها. استجاب ناجي العلي معلنًا أنه يحب الأردن وشعبها الحر المثقف. فرسَم بلا مقابل مئات الكاريكاتيرات التي كان يرسلها يوميًا من الكويت إلى عمان على الفاكس. كتبتُ «عرض حال» في «صوت الشعب» بعنوان: «ناجي العلي مشروع شهيد» سنة 1985 توقعت فيها اغتياله !! طلبني ناجي هاتفيا من الكويت، فلما لم يجدني، طلب من الأستاذ كعوش أن يشكرني نيابة عنه. وأكد على توقعاتي بأنه مشروع شهيد. اغتِيل ناجي العلي بلندن في آب 1987 !! تجاورنا في إسكان الصحافيين بطبربور في بنايتين متجاورتين منذ 1983 إلى 1989. كان يتصل مع أم عمر يسألها: شو طابخة على الغدا اليوم ؟ تقول له: ملوخية. يسألها: بماذا ؟ ترد: باللحمة راس عصفور. يحتج قائلًا: ليش باللحمة، ما بتعرفي أنا بحبها بالجاج ؟! كان هذا كعوش، يتصرف كشقيق له كل الحق أن يتطلب وأن يتدلل على شقيقه. و لما قرر محمد الزواج، عرّفناه أنا وزوجتي في بيتنا، على السيدة هدا السرحان المثقفة والكاتبة، فوقع النصيب. وقد كان خيارًا موفقًا صائبًا جداً. إذ رعت هدا شيخوخته وصانتها بكل بسالة وعزم وتضحية. تميز أبو يوسف بسلامٍ داخلي وخارجي نادر. كما كان متصالحًا مع نفسه ومع محيطه إلى درجة بارزة ناطقة باهظة. في نهاية السبعينات تعيّن صديقي المثقف الرائق زهير محمد علي العجلوني رئيساً لهيئة إدارة المرافق والاستراحات السياحية التي كانت منتشرة في كل المملكة (لاحقًا اصبح وزيراً للسياحة ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء). فاقترحت عليه أن ينظم برنامج زيارات أسبوعية للصحافيين والمصورين وعائلاتهم إلى المنشآت السياحية، يشمل صحف تلك الأيام، الرأي والدستور والأخبار، ولاحقًا صوت الشعب ووكالة الأنباء الأردنية. كنا نذهب كل يوم جمعة تقريبا، محمد كعوش ونصر المجالي ومحمد موسى عوض ونبيل عمرو وأحمد ذيبان وأحمد الحسبان ويوسف العبسي وحافظ ملاك وعماد القسوس وغيرهم، إلى أحد المواقع السياحية في حافلة مجهزة يوفرها لنا ولعائلاتنا ونعود لنكتب مشاهداتنا في تقارير تعريفية مصورة جميلة مجانية. أدمنت مع أبي يوسف الذهاب في الأيام المقمرة إلى البحر الميت بصحبة سمير حباشنة ومحمد الجالوس وسمارة الخطيب ومحمد قاسم وصدقي الفقهاء وعبد القادر الشواورة وخالد خميس ومنذر رشراش. كان يحب تلك الرحلة الليلية التي نفترش فيها الشاطئ المقابل لفلسطين، حيث يردد: ما أقربها وما أبعدها. لقد حافظ هذا الرومانسي على براءته بلا عناء. وحين تقاعد من العمل الصحافي كتب «بيانا» إلى الأصدقاء اقتطِفُ منه: (عندما غادرت مبنى الجريدة غمرني فرح طارئ وأيقنت أنني لست نادمًا على شيء، وتذكرت محمود درويش حين قال: «ما أشد سعادة المرء حين لا يودع أحداً، ولا ينتظر أحداً».. لقد أتت اللحظة التي انتظرتها خمسين عامًا، لذلك شعرت بالسلام مع النفس، بعدما تعبت من توفير الكتابة واختزان الأفكار، كما تعبت من حصار الوقت ورغيف الخبز وخطر الجفاف. لا أحد يستطيع ردع القلب المتحفز للعطاء بمزيد من العشق والورد والكلمات). وكتبت من جاكرتا عام 2011 عندما علمت انه أدخل المستشفى: عندما استيقظت في الغبش كان قلبي يؤلمني، ولم أعرف السبب، إلى أن علمت ان صديق العمر محمد كعوش كان في المستشفى، ولم يزايلني ألم القلب إلا بعدما علمت أن أبا يوسف غادر المستشفى على قدميه. لا تفعلها مرة أخرى يا صديقي فقلبي لا يحتمل. أفتقد أبا حلا بلا جهد. هو يحضر ويغيب كما كان يفعل دائمًا، بلا أعذار وبلا أسباب. أعتقد أنه يسترجع الآن، في غمار ذلك السديم العظيم، المِية ومِية وصفد وعمان وناجي العلي والرأي والأخبار وصوت الشعب وأحبابه وأصحابه، ولا شك أنه يصيخ السمع منذ 4 سنوات، لترحمنا عليه ودعائنا له بالقبول، وحفاوتنا بذكراه الطيبة الرائقة.

عمون
٠٧-٠١-٢٠٢٥
- عمون
من خان فلسطين ؟! ..
جرائم تتوالى في غزة والضفة وامتدت لجنوب لبنان وسوريا واليمن ولم نسمع صوت حقيقي يواجه العنت الاسرائيلي، ليتحدثوا بصوت خافت بهمسات ترتعب من علو الصوت خوفاً من سيف الجزار، فكان القرار بتقديم قربان على طريقة الفراعنة حتى لا يفيض نهار النيل، وفي حالتنا حتى لا يتمدد الاحتلال ويجتاح الجميع، وحتى تختفي صور الرعب من مخيلة رجال ليس لهم من هذه الكلمة إلا حروفها، فيما الفعل الحق يحتاج لرجال اختفوا ولم نعد نشاهد "زريف الطول" إلا في غزة وجنين، فتعشق الصبايا رسمه ويُخلد الأطفال ذكره، فالبنسبة لهؤلاء الأطفال صُناع الغد كان الأمس عبرة واليوم خبرة وغداً تصحيح مسيرة واستقلال وطن. ويتردد في أذهان أطفال العالم على وجه العموم وأطفال غزة على وجه الخصوص سؤال يراودهم ليل نهار، وهو هل خان العالم أجمع وبالذات العربي فلسطين بغزتها وجنينها وعزتها؟، هل باعوها في المزاد بأطفالها ورجالها ونسائها وأرضها؟، ولم يجد الأطفال إجابة تشفي صدورهم وتُعيد إليهم حياتهم المسلوبة وطفولتهم الضائعة في ظل الضياع العربي العالمي، بفعل البحث عن المصالح والأنا الضيقة التي تخنق أتباعها في نهاية الطريق، وعمل الإعلام الموجه على قتل الأمل بتحديد زوايا كاميرات التصوير حتى تتناسب مع أهدافهم في محاولة إخفاء الحقيقة المُرة التي يخجل منها الجميع، وهي أن فلسطين بغزتها تعرضت لخيانة كونية لم يسلم منها إلا القليل القليل، فيما الغالبية انغمسوا في الخيانة بمسافات مختلفة ما بين الأقدام والرأس. فالخيانة أنواع متعددة لكن جميعها تصب في مصلحة المحتل بالتغاضي عن شلال الدماء في غزة، ويقبع في هرم الخيانة "قادر لم يفعل"، وهنا تبدأ الخيانة والجريمة من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والقوى العظمى والقوى الإقليمية، لعدم تطبيقهم القوانين الدولية والتغاضي عن جرائم الإبادة التي لا زالت مستمرة، والنوع الثاني من الخيانة يتمثل "بغني لم يُنفق" وهؤلاء ما أكثرهم في عالم الثراء الفاحش والغباء المستوحش، لنجد أن الأموال العربية تُنفق في جميع الاتجاهات من رياضة بلا معني وفنون بلا قيمة وعمران ليس لبانيه، ويتم منعها عن غزة وفلسطين بذرائع معيبة بحق قائلها قبل مستحقيها. أما الخائن الثالث فهو " قاعد لم يُبادر" وهذه تشمل جميع رجال الأمتين العربية والإسلامية الذين يتسابقون للذهاب صوب شتى القضايا حتى وصلوا لحرب أوكرانيا وروسيا، لكنهم لا يتحركون خطوة صوب فلسطين سواءً بالانخراط في مواجهة الاحتلال أو التوجه صوب العالم للدفاع عن قضيته، ليكونوا هم وأعداء الأمة في خندق واحد لمحاولة فرض الواقع بشرق أوسط جديد يخلوا من أصحاب القيم المطالبين بالحرية والاستقلال، والخائن الرابع "صاحب لسان لم يتكلم"، وهذه ملحمة كُبرى لخروج الكثيرين عن نصها وإصابتهم بالخرس وقت الحاجة، وبالذات في الإعلام حيث أصبحت بعض القنوات تُشكل منبراً للعدو، ويتم منع المدافعين عن فلسطين من الظهور على شاشتها، بغية حجب الحق الفلسطيني عن الشعوب العربية والإسلامية لتحقيق الحُلم الاسرائيلي بدولة من الفرات إلى النيل، ويعمل الإعلام الخائن على طريقة "عيوب أحبابي لا أراها وعيوب غيرهم أجري ورائها" ولا حبيب لهم إلا الدولار ، ولم يُدرك هؤلاء جميعاً ان الصبر الفلسطيني علاج لكل شيء وسيؤدي إلى زول السلطتين. آخر الكلام: قال الشهيد الفلسطيني ناجي العلي: "أخشى ما أخشاه أن تُصبح الخيانة وجهة نظر"، لنجد أن الأجيال أصبحت تتربى على اللاموقف ليكون فكرهم وقدراتهم محدودين ليتوارثوا اللامبالاة ، لينتشر الخنوع كمقدمة للخيانة بالصمت عن نُصرة المقهور ليكون الصمت بوابة الخيانة.