logo
إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية في غزة وتتجنّد لمحاولة إنكارها

إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية في غزة وتتجنّد لمحاولة إنكارها

جريدة الايام٢٦-٠٧-٢٠٢٥
بقلم: دانييل بيلتمان
منذ 100 سنة تقريباً تتبع تركيا سياسة ثابتة لنفي الإبادة الجماعية ضد الأرمن، التي نفذتها الإمبراطورية العثمانية في الأعوام 1915 – 1918. تمتد منظومة نفيها الى مجالات كثيرة مثل الدبلوماسية، ومنشورات بحث، والتأثير على الرأي العام الدولي، وأكاديميا مجندة. هدف هذه المنظومة هو منع استخدام مفهوم "الإبادة الجماعية" من أجل الإشارة الى الأحداث، وطرح رواية بديلة تؤطر طرد وإبادة الأرمن كرد ضروري إزاء تهديد أمني داخلي، وليس نتيجة سياسة متعمدة للابادة الجماعية.
الإنكار جزء رئيسي في الهوية القومية لتركيا الحديثة. عرضت الحكومات في تركيا، على مر اجيالها، القتل الجماعي رداً مبرراً على تمرد الأرمن المسلح، وقالت إنه حدثت حرب أهلية قتل فيها أرمن وأتراك على حد سواء، وإنه لم يتم ارتكاب إبادة جماعية فيها.
نشر الضبابية والتشكيك بعدد الضحايا أسلوب بارز في سياسة الإنكار. في أوساط الباحثين يوجد إجماع على أن 1.2 مليون ارمني قتلوا أو ماتوا نتيجة الطرد. يقول الأتراك إن العدد اقل بكثير، 550 ألفاً تقريباً، وان كثيرين ماتوا بسبب المرض أو في المواجهات مع القبائل المحلية أو بسبب عقبات في الطريق، وليس في أعقاب تعليمات صريحة لإبادتهم. أيضاً في هذه الحالة فإن الاعتراض على مصداقية المصادر الأرمنية أو الغربية (تقارير القنصلية الأميركية وبعثات التبشير والقساوسة) يستخدم وسيلة لطمس المسؤولية السياسية للقيادة العثمانية التي عملت على إبادة مجموعة عرقية كاملة.
طوّر انكار الكارثة أيضاً نماذج خاصة به بعد الحرب العالمية الثانية، حتى لو كان الأمر يتعلق بظاهرة تختلف عن إنكار الإبادة الجماعية للأرمن. نشر روبر بورسن، البروفيسور في الادب في جامعة ليون، في 1980 كتاباً بعنوان "الدفاع عن نفسي: حقيقة غرف الغاز، والدفاع ضد تزوير التاريخ"، كتب فيه بأنه لم يكن بالامكان تنفيذ إبادة جماعية بوساطة الغاز في معسكر اوشفيتس – بركناو. بمساعدة حسابات علمية قرر بورسن بأن شهادات الناجين والتوثيق التاريخي مضللة. وحسب قوله فان حجم غرف الغاز لا يمكّن من قتل عدد كبير جداً من الضحايا مرة واحدة. وقال أيضاً إننا بحاجة الى وقت طويل نسبياً لاطلاق غاز الإبادة تسكلون ب، لذلك فانه لا يمكن ان يكون الضحايا ماتوا خلال بضع دقائق كما قال الشهود. وقال أيضاً انه لم يكن بالإمكان إخلاء وإحراق مئات الجثث في وقت قصير جداً، لأن الأمر يحتاج الى وسائل لم تكن موجودة في حينه.
ادعاءات بورسن تم دحضها من قبل مؤرخين، مهندسين، كيميائيين، وغيرهم. هو مثال واضح على اخراج الإبادة الجماعية عن سياقها التاريخي عن طريق استخدام التلاعب بالحسابات. كما هو معروف تم ادخال الضحايا الى غرف الغاز بشكل مكتظ. منظومات التهوية والحرق في غرف الغاز تمت ملاءمتها بشكل خاص مع الأهداف التي خصصت لهذه الغرف، ومكنت من استخدام متواتر لها واخلاء سريع للجثث.
تجاهل بورسن بشكل ثابت التوثيق الألماني والصور الجوية وخطط بناء المحارق، وتجاهل شهادات حراس المعسكرات، وشهادات كثيرة لناجين وتجاهل المكتشفات الاثرية. أصبحت حساباته شبه العلمية مثالاً على تقنية الانكار التي تطرح حقائق "علمية" بشكل غامض، وتطرح أسئلة تتجاهل السياق التاريخي للحدث.
يتطور منحى خطير مشابه في الواقع الإسرائيلي بالنسبة للجرائم الفظيعة في غزة. في حزيران 2024 نشر المؤرخ الدكتور لي مردخاي تقريراً بعنوان "شهادة على حرب السيوف الحديدية"، ومنذ ذلك الحين تم تحديثه عدة مرات بحسب الأحداث. يوفر التقرير توثيقاً منهجياً وموسع لعمليات إسرائيل في غزة، التي يمكن اعتبارها جرائم حرب، وحتى إبادة جماعية. استند التقرير الى شهادات، صور أقمار صناعية، توثيق مصور، تقارير منظمات دولية، وشهادات كثيرة لجنود في الجيش الإسرائيلي وشهود على الأرض.
وهو يصف قتل المدنيين غير المسلحين، وهجمات متكررة على مخيمات اللاجئين، والمس بطالبي المساعدة الصحية، وتجويع السكان، وتدمير البنى التحتية مثل المستشفيات ومنشآت تحلية المياه ومحطات توليد الكهرباء والجامعات والمساجد، وعشرات آلاف القتلى الذين في معظمهم من الأطفال والنساء، والتجويع الجماعي. إضافة الى التوثيق فان التقرير يشمل تحليلا لعشرات التصريحات العلنية لسياسيين، حاخامات، موظفين عامين إسرائيليين، تدعو الى إبادة جماعية في غزة، وهو الدليل على نية تنفيذ الإبادة الجماعية.
قالت المقررة الخاصة لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في "المناطق" الفلسطينية المحتلة، فرنشيسكا البانزا، أثناء تطرقها للحرب بانه تُسمع في إسرائيل دعوات صريحة للإبادة واعتداءات بدون تمييز تخلق البيئة التي تؤدي الى الإبادة الجماعية. وتظهر صورة مشابهة أيضا في تقارير "امنستي" وممثل الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وولكر تورك، ومنظمات دولية أخرى. حذّر جميعهم من ان عدد القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ يدل على فشل بنيوي في الحفاظ على مبدأ التناسبية والتمييز، الذي هو أساسي في القانون الدولي الإنساني. أيضا قال البروفيسور مايكل سباغيت، الخبير المعروف عالميا في تقدير عدد الضحايا في مناطق القتال، مؤخراً، إن عدد القتلى في غزة تجاوز المئة ألف شخص ("هآرتس"، 17/7). حولت إسرائيل غزة الى انقاض ومكان غير قابل للعيش، وقتلت بدون تمييز نساء وأطفالا أبرياء، وقامت بتصفية الأطباء وعمال الإغاثة وخلقت ظروفا شديدة من الجوع والنقص. هذه إبادة جماعية.
الرد المضاد الأكثر بروزاً على هذه الاتهامات جاء في تموز 2025.نشرت مجموعة من الباحثين (البروفيسور دان اورباخ والدكتور يونتان بوكسمان والدكتور يغيل حنكين والمحامي يونتان بارفرمان) في مركز بيغن – السادات في جامعة بار ايلان، تقريراً يتكون من 250 صفحة بعنوان "فحص انتقادي لتهمة الإبادة الجماعية في حرب السيوف الحديدية". بوساطة طرق بحث كمية، مع الاعتماد على توثيق إسرائيلي ومقارنة مع صراعات عسكرية أخرى، بالأساس في الشرق الأوسط، اعترض الباحثون على البيانات الأساسية التي استندت اليها جهات دولية في بلورة تهمة ان إسرائيل ترتكب إبادة جماعية. حسب أقوالهم فان هذه الجهات ترتكز الى بيانات تم تشويهها من قبل "حماس"، والى تقارير غير مؤكدة أو مبالغ فيها.
أيضا الخبير في السكان، البروفيسور سيرجو ديلا فرغولا، مشارك في بنية الإنكار هذه التي توجد في أساسها الرغبة في انكار أنه يتم ارتكاب إبادة جماعية في غزة، مع استخدام التلاعب في الحسابات. في المقال الذي نشرته "هآرتس" في 3/7، ينتقد الخطاب الدولي حول غزة ويقول إن تقدير عدد الفلسطينيين الذين ماتوا في غزة بـ 100 ألف مبالغ فيه ومنحاز ويستند الى بيانات تم تحريفها من مصادر فلسطينية ودولية لا يمكن الاعتماد عليها. وقد لخص سباغيت حجة ديلا فرغولا بـ "هذه الحجة سائدة بين الذين يسعون الى تقليل أهمية معاناة سكان غزة".
استعرض نير حسون المشكلات وأنصاف الحقائق في تقرير الباحثين من مركز بيغن – السادات ("هآرتس" 22/7)، وقال: التقرير وبحق ينتمي الى فئة "من يتاجرون بالشك" والذين يستخدمون تقنية الانكار المعروفة. بائعو الشك لا ينكرون الحدث، بل يشككون في البيانات ويخترعون بيانات جديدة. تتبع أوساط اقتصادية قوية أسلوب الإنكار هذا، على سبيل المثال شركات السجائر (بالنسبة للعلاقة بين التدخين ومرض السرطان)، وشركات النفط الكبيرة (فيما يتعلق بالاحتباس الحراري). هذه هي أيضا تقنية من ينكرون الإبادة الجماعية التركية ومن ينكرون الكارثة.
قاس بورسن حجم غرف الغاز وقال انه لا يمكن ماديا إدخال عدد الضحايا الذي تقرر استنادا الى الشهادات اليها. لذلك فانه لا يمكن إثبات حدوث الإبادة الجماعية. يحسب كُتاب التقرير الإسرائيليون عدد الذخيرة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي مقارنة بعدد المصابين الأبرياء ويستنتجون انه "لا يمكن تحديد تناسب الهجوم فقط حسب نتائجه مهما كانت مأساوية". أي انه حتى لو ان الجيش الإسرائيلي استخدم كمية ذخيرة غير معقولة ونتيجة لذلك قتلت عائلات كاملة مع الأولاد الصغار، فانه لا يمكن القول اذا كان استخدام القوة متناسبا أم لا. بكلمات أخرى، عدد الضحايا الكبير لا يثبت أنه تم ارتكاب جريمة، بل الهدف العسكري هو الذي يقرر.
هناك تقنية إنكار أخرى سائدة وهي نسبة عدد الضحايا. يقول كُتاب التقرير إنه يستحيل تحديد عدد دقيق للضحايا في غزة. أيضا بورسن قال ان من ماتوا بسبب المرض والأوبئة التي انتشرت في معسكرات الاعتقال لم يكونوا ملايين، بل آلاف على الأكثر. مع ذلك، حتى لو تم تقليص عدد الضحايا في غزة، مثلا القول ان 30 الف شخص بريء قتلوا، فهل القتل بهذا الحجم لا يحتاج الى محاسبة؟ مجرد التصميم على تقليص الجريمة لتصل الى عدد دقيق، وهو ضمن أمور أخرى الامر الذي يفعله من ينكرون الإبادة الجماعية، يطمس الجريمة من خلال الحساب.
لا يقترح تقرير اورباخ واصدقائه حول غزة، مثل اعمال انكار أخرى في الماضي، إجراء تحقيق جدي، بل هو مجرد ادعاءات انتقائية تهدف الى الاستبعاد مسبقا لأي إمكانية لتوجيه تهمة جنائية لإسرائيل بسبب تنفيذ إبادة جماعية. يصبح التغليف معقداً اكثر ولكن الهدف واضح وهو نزع المسؤولية وتشويش المفاهيم والتشكيك وتحويل النقاش العام الأخلاقي الى نقاش فني. بهذه الطريقة يتم بناء حاجز بين الفظائع ومعناها، بالضبط مثلما حذّر واضع ميثاق الأمم المتحدة للابادة الجماعية، رفائيل لمكين، من حدوثه عندما يتم بذل محاولات لطمس الهوية وظروف موت الضحايا، واستبدالها بالأرقام، وتعريفات ونماذج إحصاءات.
تعارض هذه المقاربة تعريف الإبادة الجماعية الذي طرحه لمكين والذي تحدث عن تدمير بالتدريج، مؤسسي وثقافي، لمجموعات عرقية، أو تفسيرات متأخرة لباحثين، اكدوا على مفهوم "النية المتراكمة". لا تحتاج الإبادة الجماعية الى وجود نية صريحة، بل هي نتيجة عملية فيها تصريحات وسياسة فعلية وخطاب سياسي ونزع جماعي للإنسانية ونماذج عمل متكررة تندمج لتصبح عملية إبادة. عندما يقول سياسيون بانه لا يوجد أبرياء في غزة، ويطلب عضو كنيست القاء قنبلة نووية على القطاع، ويتحدث آخرون عن الطرد الجماعي لمليون مدني، أو فصل الرجال عن النساء والأطفال وتصفيتهم، فان تراكم هذا الخطاب يكون جزءا من آلية تشرعن النشاطات على الأرض.
لكن الفصل البائس اكثر في توجه الانكار المتبلور في إسرائيل لانكار الإبادة الجماعية في غزة محفوظ لمؤسسة "يد واسم". المؤرخون، الذين يعملون فيها ويكرسون أياماً طويلة لفحص احداث الكارثة، اختاروا وضع حاجز أمام الفم والقلم إزاء الاعمال الفظيعة التي تحدث في غزة.
إزاء سيل تصريحات الإبادة الجماعية لسياسيين إسرائيليين في بداية الحرب توجهت مجموعة الباحثين الإسرائيليين الى رئيس "يد واسم"، داني ديان، وطلبت ان تنشر المؤسسة إدانة علنية لهذه التصريحات التي طلبت بصورة صريحة تنفيذ إبادة جماعية. في كانون الثاني 2024 رد ديان على البروفيسور عاموس غولدبرغ، المبادر الى هذا الطلب: "الستة ملايين يهودي، الذين قتلوا في الكارثة، يستحقون مؤسسة تنشغل بهم وحدهم. لذلك، "يد واسم" لا تنشغل بهذه الإبادة الجماعية بحد ذاتها، بل هي تنشغل بتداعياتها على الكارثة. مجال نشاطنا هو الكارثة، فقط الكارثة".
الأمور التي كتبها رئيس "يد واسم" قاسية ليس فقط بسبب الصمت الذي يؤيده، بل أيضا لأنها مغلفة بغلاف الاستقامة المؤسسية، مع إدارة الظهر المتفاخرة للشعور التاريخي بالمسؤولية الذي يجب أن يكون في ذكرى الكارثة. "الستة ملايين يستحقون مؤسسة تنشغل فقط بهم"، كتب ديان، وكأن طهارة ذكر القتلى هي ذريعة لانغلاق القلب وغض النظر وتكميم الأفواه أمام جرائم الحرب المتواصلة، وعشرات الآلاف الذين يقتلون ويتم تجويعهم بجريمة فظيعة تحدث، ضمن أمور أخرى، على يد احفاد هؤلاء الضحايا انفسهم.
هل لم يقتل ملايين الستة أيضا بسبب أن كثيرين شرحوا لماذا هذا الامر ليس من اختصاصهم؟ التخندق الضيق في ادعاء ان مجال الانشغال هو فقط بـ "الكارثة"، هو أسلوب للانفصال الأخلاقي وعدم تحمل المسؤولية بسبب التوافق الأيديولوجي مع سياسة الحكومة التي ترتكب جرائم حرب فظيعة، وخيانة خطيرة لقيم الحرية والعدالة وحرمة حياة البشر، التي من المفروض ان تغرسها الكارثة.
عندما تختار مؤسسة تخليد مثل "يد واسم"، ليس فقط الصمت، بل الإعلان باطمئنان أنها تختار الصمت، فان هذه المؤسسة لا تعود مؤسسة للذكرى، بل أصبحت، سواء بارادتها أو لا، مؤسسة للانكار. وعندما ترتكب مثل هذه الجرائم على يد الشباب الذين زاروا المؤسسة قبل بضع سنوات من تجندهم في الجيش، على بعد بضعة كيلومترات فقط عن مكان المؤسسة، فان هذا الصمت غير محايد، بل هو شراكة.
في الكتاب المشهور لعالمة الاجتماع التركية – الأميركية فاطمة موغا تشافتشك، "انكار العنف – الماضي العثماني والحاضر التركي والذاكرة المشتركة" (2015)، تفحص الكاتبة جذور انكار الإبادة الجماعية للأرمن كعملية نفسية واجتماعية عميقة ومستمرة، تجري بين أربعة أجيال للاتراك. وتجادل بان الانكار هو استجابة نفسية وجماعية للتعامل مع جريمة غير محتملة.
يعاني المجتمع في تركيا من تناقض أخلاقي عميق. فهو يحتوي على عدد لا يحصى من الأدلة التي تدل على جريمة فظيعة، لكنه يخلق لنفسه رواية جماعية ترتكز الى كونه ضحية – ضحية الحروب والإمبريالية الغربية وانهيار الإمبراطورية العثمانية. في هذه الديناميكية يتم خلق هوية قومية، أصبح المكون الدفاعي فيها – إنكار التهمة – مؤسساً بدرجة لا تقل عن الذكرى نفسها.
أيضا تبني إسرائيل منذ ثلاثة أجيال هوية الضحية التي تنتقل من الكارثة وتصل الى جرائم "حماس" في 7 تشرين الأول. هي تنفي جرائمها وتعيش في وضع دائم من تشويه الواقع. تعتبر أي محاولة للتحدث عن جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين تهديداً ليس فقط لصورة الأمة، بل أيضا لمجرد وجودها. تحوّلت الرواية الدفاعية الى أساس الهوية القومية، وكل انتقاد لها يواجه بعنف مؤسسي وعام، كما نشاهد ذلك الآن.
عن "هآرتس"
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لماذا تحيي الصين الذكرى الـ80 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية؟ بقلم: ريماس الصينية
لماذا تحيي الصين الذكرى الـ80 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية؟ بقلم: ريماس الصينية

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 18 ساعات

  • شبكة أنباء شفا

لماذا تحيي الصين الذكرى الـ80 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية؟ بقلم: ريماس الصينية

لماذا تحيي الصين الذكرى الـ80 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية؟ بقلم: ريماس الصينية في ليلة 18 سبتمبر 1931، قصفت القوات اليابانية الجيش الصيني في شمال شرقي الصين وهاجمت مدينة شنيانغ، مما أشعل فتيل 'حادثة 18 سبتمبر' التي هزت العالم. وهكذا بدأت اليابان حربها العدوانية التي استمرت 14 عامًا ضد الصين، والتي مثلت أيضًا بداية الحرب العالمية ضد الفاشية. في محاولة لتحويل الصين إلى مستعمرة، انتشرت نيران الحرب في جميع أنحاء البلاد، وعانى الشعب الصيني من ويلات لا توصف، وواجهت الأمة الصينية خطر الإبادة. من عام 1931 حتى استسلام اليابان في عام 1945، استمرت حرب المقاومة الصينية ضد الفاشية لمدة 14 عامًا. عندما بدأ الغزاة اليابانيون اعتداءاتهم في شمال شرقي الصين عام 1931، لم يكن هتلر والحزب النازي قد استولوا على السلطة في ألمانيا بعد، بينما كان موسوليني الإيطالي لا يزال يعمل على توطيد حكمه وتحضير قواه للتوسع الخارجي. وعندما بدأت ساحة المعركة الأوروبية في عام 1939، كان الجيش والشعب الصيني قد قاوموا بمفردهم الغزو الفاشي الياباني لمدة ثماني سنوات. يمكن القول إن الصين كانت أول من رفع راية المقاومة المسلحة ضد العدوان الفاشي العالمي، وأطلقت شرارة الحرب العالمية ضد الفاشية. منذ بداية غزو شمال شرقي الصين وحتى الحرب الشاملة ضد الصين، كان الاعتقاد السائد بين السياسيين والعسكريين اليابانيين أن الصين كانت دولة ممزقة وضعيفة. وبالفعل، باستثناء المساحة الشاسعة وعدد السكان الكبير والموارد الطبيعية، كانت الصين متخلفة بشكل لا يمكن إنكاره من حيث المؤشرات الرئيسية للقوة الوطنية والعسكرية في ذلك الوقت. بالإضافة إلى ذلك، كانت البلاد تعاني من انقسامات بين أمراء الحرب والصراعات الحزبية وعدم الاستقرار السياسي. وعلى الرغم من تعاطف المجتمع الدولي مع الصين، إلا أنه لم يكن هناك أحد يتوقع نجاحها في المقاومة لفترة طويلة. كانت حرب المقاومة الصينية قاسية وصعبة بشكل استثنائي. ومع ذلك، وفي ظل هذا الفرق الكبيرة في موازين القوى، قاوم 400 مليون صيني بمفردهم واستنزفوا موارد اليابان البشرية والمادية والمالية بكثافة، مما كسر غطرسة وروح القوات اليابانية العدوانية. وبحسب إحصاءات (( سلسلة تاريخ الحروب )) الذي أصدرتها وزارة الدفاع اليابانية، فقبل اندلاع حرب المحيط الهادئ، شغل القتال في الصين نحو 78 في المائة، أي أكثر من 850 ألف شخص من القوات الحية للجيش البري الياباني؛ كما أظهرت تقارير الاستطلاع الأمريكية أنّه خلال حرب المحيط الهادئ، كانت الصين لا تزال توقف 50 في المائة حتى 60 في المائة من القدرة العسكرية من الجيش البري الياباني، وهذا يقدر نحو 600 ألف حتى مليون شخص. رغم وجود اختلاف بين إحصاءات مختلف الأطراف حول عدد القتلى والجرحى اليابانيين في المعارك الصينية، إلا أنّ الإجماع الذي توصلت إليه الأوساط الأكاديمية على وجه عام، يشير إلى قضاء المعارك الصينية على نحو مليون حتى مليون وثلاثمائة ألف شخص من القوات الحية للجيش الياباني، بالإضافة إلى أنّ المعارك الصينية كلفت 70 في المائة من إجمالي النفقات العسكرية اليابانية، أي بمقدار أكثر من 400 مليار ين ياباني. وفقًا للإحصائيات، كانت الولايات المتحدة شاركت فعليًا في الحرب العالمية الثانية لمدة 3 سنوات و9 أشهر، والاتحاد السوفيتي لمدة 4 سنوات وشهرين، وبريطانيا لمدة 6 سنوات. أما الصين فقد خاضت أطول حرب ضد الفاشية، وقدمت أكبر تضحيات، وكانت أيضا الدولة التي قتلت أكبر عدد من الجنود اليابانيين. من عام 1931 إلى عام 1945، خاضت القوات الصينية والشعب نحو 200 ألف عملية كبيرة وصغيرة، إضافة إلى أكثر من 200 معركة مهمة، وأدّت الحرب في نهاية المطاف إلى سقوط أكثر من 35 مليون ضحية بين قتيل وجريح، وتم خلالها القضاء على أكثر من1.5 مليون جندي ياباني، وهو ما يمثل أكثر من نصف العدد الإجمالي لقتلى الجيش الياباني في الحرب العالمية الثانية. كما قُتل أكثر من 100 ضابط ياباني رفيع المستوى في ساحة المعركة الصينية. وبعد استسلام اليابان في أغسطس 1945، بلغ عدد الجنود اليابانيين الذين استسلموا في الصين أكثر من 2.3 مليون، وهو ما يمثل أكثر من ثلثي العدد الإجمالي للاستسلامات اليابانية في الخارج. تحملت القوات الصينية والشعب الصيني بمفردهم مهمة الصمود في 'ساحة المعركة الرئيسية في الشرق' في الحرب العالمية الثانية. كما أثبتت الصين من خلال مقاومتها الطويلة ضد اليابان ونجاحاتها العسكرية الكبيرة تأثيرها العميق على سير الحرب العالمية الثانية، وحققت مساهمة استراتيجية هائلة في دعم الحلفاء في الانتصار الكامل ضد الفاشية. سبق لجوزيف ستالين أن قال، ' لا يمكن للاتحاد السوفيتي نقل 54 فرقة من الشرق الأقصى لمساعدة معركة موسكو إلا بفضل جهود الصين في إيقاف القوات الرئيسية للجيش البري الياباني.' وكانت اليابان ستنفذ خطتها لغزو سيبيريا في عام 1941 بدون المقاومة الصينية ضد العدوان الياباني. وفي عام 1944، بعث الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت ببرقية إلى الزعيم الصيني، قال فيها إنّ ' تضحية الشعب الصيني مكنت الولايات المتحدة من تجنب خوض المعارك في كلا المحيطين الهادئ والأطلسي، إن الصين هي حارس للحضارة العالمية. ' كما أشار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل إلى انّ ' انهيار الصين سيؤدي إلى تجمع الأساطيل اليابانية مع جيشها البري، لقطع خط الملاحة في المحيط الهندي، وبذلك سينهار خط الدفاع للمملكة المتحدة في آسيا،' لافتا إلى أنّه من الضروري الاعتراف بدور الصين الحاسم في صد وعرقلة القوات اليابانية الرئيسية'. بعد 14 عامًا من المقاومة، استسلمت اليابان أخيرًا في 2 سبتمبر 1945. وفي 3 سبتمبر، تم تحديد يوم ذكرى انتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد اليابان، وهو أيضًا يوم ذكرى انتصار الحرب العالمية ضد الفاشية. يصادف يوم 3 سبتمبر هذا العام الذكرى الـ80 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية، وكذلك الذكرى الـ80 لانتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد اليابان. في هذه اللحظة التاريخية الهامة، فإن إحياء الصين لهذه الذكرى ليس فقط لتكريم التاريخ، ولكن أيضًا لنقل رسالة ثابتة للسلام والتعاون إلى العالم. بعد مرور 80 عامًا، ونحن نقف على قمة التاريخ وننظر إلى الوراء إلى تلك السنوات العاصفة، فإن إحياء الذكرى يحمل معاني عميقة متعددة. في متحف ضحايا مذبحة نانجينغ، وفي مواقع المقاومة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، لا تزال الأدلة الصامتة تشهد على وحشية الفاشية. هذه الذكريات ليست لغرس الكراهية، ولكن لتذكير العالم بأن السلام مثل الهواء وأشعة الشمس، لا نشعر بقيمته إلا عندما نفقده. إن الصين قد أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم وذلك فقط بفضل بيئة السلام التي ضحى من أجلها أسلافنا بأرواحهم. في السياق الدولي الحالي، أصبح الحفاظ على الحقيقة التاريخية للحرب العالمية الثانية أكثر أهمية من أي وقت مضى. كعضو مؤسس للأمم المتحدة وعضو دائم في مجلس الأمن، التزمت الصين دائمًا بالحفاظ على النظام الدولي لما بعد الحرب. تظهر بيانات الأمم المتحدة أن الصين هي أكبر مساهم بقوات في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وثاني أكبر مساهم مالي. على مدى 35 عامًا من المشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أرسلت الصين أكثر من 50 ألف جندي لحفظ السلام إلى أكثر من 20 دولة ومنطقة بما في ذلك الكونغو الديمقراطية ولبنان وجنوب السودان، حيث نفذوا مهام مثل إزالة الألغام والرعاية الطبية والحماية. هذه الإجراءات الملموسة تظهر التزام الصين الراسخ بالسلام العالمي، وهي أفضل تراث لروح الحرب ضد الفاشية. مع رحيل الجيل الذي عاش الحرب، أصبح الحفاظ على هذه الذاكرة التاريخية تحديًا يواجهه العالم بأسره. قامت الصين بسلسلة من الابتكارات في مجال التعليم التاريخي: يستخدم متحف الحرب الصينية لمقاومة العدوان الياباني في بكين تقنية الواقع الافتراضي لإعادة إنشاء المشاهد التاريخية؛ ويتعاون متحف ضحايا مذبحة نانجينغ مع باحثين من دول مختلفة في أبحاث التاريخ الشفوي؛ وينظم متحف شانغهاي سونغهو للمقاومة أنشطة تعليمية منتظمة للسلام للشباب الدولي. هذه المبادرات ليست موجهة للجمهور الصيني فقط، ولكنها مفتوحة أيضًا للزوار الدوليين، بهدف تعزيز الحوار التاريخي عبر الحدود وتشجيع الناس من خلفيات ثقافية مختلفة على التفكير في دروس الحرب. مع بداية حقبه تاريخية جديدة، تطرح الصين رؤية لعلاقات دولية جديدة تؤكد على الاحترام المتبادل والإنصاف والتعاون المربح للجميع. تمثل مبادرات مثل 'الحزام والطريق' والمبادرة العالمية للتنمية والمبادرة العالمية للأمن تجسيدًا عمليًا لهذه الرؤية. بمناسبة الذكرى الـ80 لانتصار الحرب ضد الفاشية، ترغب الصين في العمل مع جميع الدول للحفاظ على مكاسب الحرب العالمية الثانية، وتعزيز ديمقراطية العلاقات الدولية، وبناء نظام دولي أكثر عدلاً ومساواة. ان التاريخ هو أفضل كتاب مدرسي، وأفضل منبه. قبل 80 عامًا، حقق الشعب الصيني والشعوب العالمية انتصارًا عظيمًا في الحرب ضد الفاشية بدمائهم وأرواحهم. اليوم، بإحياء هذه الذكرى التاريخية، فإننا لا نكرم أرواح الشهداء فحسب، بل نستلهم أيضًا الدروس للمستقبل. ستواصل الصين لعب دورها كباني للسلام العالمي، ومساهم في التنمية العالمية، وحارس للنظام الدولي. نحن على يقين من أنه من خلال الجهود المشتركة لجميع الشعوب، يمكننا معًا بناء مستقبل جميل من السلام والتنمية والتعاون والمنفعة المتبادلة. هذا هو المعنى الجوهري لإحياء الذكرى الـ80 لانتصار الحرب ضد الفاشية. – ريماس الصينية – صحفية في CGTN العربية – الصين إقرأ مزيداً من الأخبار حول الصين … إضغط هنا للمتابعة والقراءة

حروب العشرية الثالثة (39)
حروب العشرية الثالثة (39)

جريدة الايام

timeمنذ 2 أيام

  • جريدة الايام

حروب العشرية الثالثة (39)

تصدّر اسم العشائر الأخبار مرتين في الآونة الأخيرة: عندما لعبت دور مخلب القط في هجوم ميليشيات النظام الجديد في سورية على السويداء، وعندما أعلنت النفير العام في سورية وخارجها، دفاعاً عن النظام المذكور. ولعل في أمر كهذا ما ينفتح على أسئلة كثيرة منها: هل توجد معطيات كافية عن البنى القبلية والعشائرية في المشرق العربي على نحو خاص؟ وهل يمثل صعودها في الحالة السورية تجسيداً طبيعياً لصراعات اجتماعية، أم هي مجرد أدوات يجري تفعيلها من جهات محلية وإقليمية ودولية تقاطعت مصالحها؟ وما العلاقة بين البنية العشائرية ومكوّنات السلطة في تجربة الدولة الحديثة في الحواضر الشامية، والمصرية والعراقية والمغاربية واليمانية؟ هذه أسئلة متعددة الطبقات، لا تقبل التعميم، أو تُختزل في إجابة واحدة. ولن يكون التفكير فيها مجدياً ما لم نضع في الاعتبار أن التفكير في أمر ما يصدر عادة عن مسلّمات، أو معطيات مُسبقة، تمثل الإطار العام، بقدر ما تزوّدنا بالأدوات والمفاهيم. والواقع أن جانباً كبيراً من المفاهيم المتداولة بشأن بنية المجتمعات العربية يعود إلى نشأة العلوم الغربية ذات الصلة بمجتمعات المشارقة والعثمانيين في زمن الفتوحات الاستعمارية، وفي السياق العام لمعادلة العلاقة بين المعرفة والسلطة، حسب الصياغة البديعة لطيّب الذكر إدوارد سعيد. لا أزعم اطلاعاً كافياً على النسيج الاجتماعي للحواضر العربية، ولكنني أزعم معرفة كافية بالمفاهيم التي أسهمت في فهم المستوطنين اليهود الأوائل، وحتى الآن، للمجتمع الفلسطيني، والتي نشأت كتتويج لها علوم الاجتماع والتاريخ والسياسة المعنية بدراسة مجتمع وتاريخ وسياسة الفلسطينيين، في الأكاديميا ودوائر الأمن الإسرائيلية. كانت الفرضية الرئيسة في هذا الشأن هي تراتبية مركزيات تبدأ من القرية، وتمر بمركزية العشيرة، وصولاً إلى مركزية العائلة. وقد ساد الاحتكام إلى هذه الفرضيات على الرغم من وجود شواهد تدل على خلل الخلط بين المجتمعات الريفية والمدينية، والفشل في، أو التعامي عن، رصد عمليات التحديث، والتحوّلات الاجتماعية منذ حملة إبراهيم باشا، وفتح بلاد الشام في وجه القنصليات والإرساليات الأجنبية. وما يعنينا، في هذا الشأن، أن مركزيات القرية، والعشيرة، والعائلة، تحوّلت إلى مدخل لبلورة آليات اختراق المجتمع الفلسطيني، والسيطرة عليه. وبهذا المعنى يبدو كتاب عالم الاجتماع الإسرائيلي أوري رام «جدول الأعمال المتغيّر لعلم الاجتماع الإسرائيلي» مرجعاً فائق الأهمية، رغم صدوره قبل ثلاثة عقود. على أي حال، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي سياق التعقيب على إعلان النفير العشائري، ملاحظات بشأن نجاح محمد علي في هندسة المجتمع المصري بطريقة أخرجت مركزية القبيلة من النسيج الاجتماعي المصري. وعلى الرغم من صعوبة التحقق من فرضية كهذه بالنفي أو الإثبات، إلا أنها تفتح الباب على أمرين هما البنية الاجتماعية كهندسة لا كمعطى سابق، والثاني الصلة الوثيقة بين البنية الاجتماعية، وبنية النظام السياسي. ومع هذا كله في البال، يمكن تحليل العلاقة بين البنية الاجتماعية والنظام السياسي في الحواضر العربية بالتخصيص لا بالتعميم. فكل حالة منها فريدة على الأرجح. ويمكن، بالقدر نفسه، تحليل البنية الاجتماعية كهندسة على خلفية الصراعات المحلية والإقليمية والدولية في هذا البلد أو ذاك. والواقع أن العراق وسورية يقدمان نموذجين على قدر كبير من الأهمية. فقد نجمت الميول الجمهورية في البلدين نتيجة التحوّلات الاجتماعية والسياسية المتسارعة بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، كما أُخضع المجتمعان السوري والعراقي لعمليات هندسة استمرت حتى سبعينيات القرن الماضي، التي استقر فيها الحكم لحاكمين تملكتهما أوهام إنشاء سلالات حاكمة، وتسبب كلاهما في خراب بلاده. المهم، أُعيد الاعتبار للبنية القبلية، في سبعينيات القرن الماضي، بدرجات ووتائر متفاوتة، وبلغت كلتاهما ذروة غير مسبوقة بعد الغزو العراقي للكويت، وبعد اندلاع الثورة على نظام آل الأسد في الموجة الأولى للربيع العربي. وطالما أن انهيار الحواضر العربية يبدو تعبيراً متداولاً ومألوفاً هذه الأيام، فإن المضامين المحتملة لهذا التعبير تنطوي على دلالة صعود مراكز كانت دائماً على هامش العالم العربي. ولا يعنينا من شأنها في الوقت الحاضر سوى أنها ذات بنية قبلية بامتياز، وأن العلاقة بين البنية الاجتماعية ونظامها السياسي عضوية، وإذا كان ثمة من هندسة اجتماعية فهي مقلوبة في كل الأحوال، أي تستهدف تكريس المركزية القبلية لا التحرر منها، ومن تأثيراتها السلبية على عمليات بناء الدولة الحديثة. وبقدر ما أرى، لن تكون «فزعة العشائر» مفهومة، إلا في السياق التاريخي لتطوّر العالم العربي، وما أطلق عليه مالكولم كير الحرب الباردة العربية – العربية، التي اجتاحت العالم العربي في الستينيات، وكانت موازية للحرب الباردة بين المعسكرين الكبيرين على صعيد العالم. نشأت رابطة العالم الإسلامي، وفكرة تحويل الإسلام نفسه إلى أيديولوجيا في الحرب ضد الناصرية، والقومية العربية الصاعدة، في ذلك الزمن. من سوء الحظ بطبيعة الحال، أن الماضي لا يمضي، بل يتشكّل كميراث ثقيل. وبهذا المعنى، وفي ظل صعود المراكز الطرفية، ينبغي التذكير بفرضية العلاقة بين البنية الاجتماعية وبنية النظام السياسي، والتذكير، أيضاً، بحقيقة أن الأسئلة التي افتتحنا بها هذه المعالجة، وما تنطوي عليه من دلالات وتداعيات، تعود إلى الواجهة، وتحتل مركز الاهتمام لدى لاعبين محليين وإقليميين ودوليين. يبدو أن العشائر (سواء بوصفها كتلة اجتماعية عضوية أو مصطنعة) صارت مرشحة لتكون حزب الإبراهيميات الجديد، وميليشياتها العابرة للحدود. فاصل ونواصل.

وثيقة بريطانية: ما تفعله اسرائيل في غزة اشد قسوة مما فعلته النازية في الحرب العالمية الثانية
وثيقة بريطانية: ما تفعله اسرائيل في غزة اشد قسوة مما فعلته النازية في الحرب العالمية الثانية

معا الاخبارية

timeمنذ 2 أيام

  • معا الاخبارية

وثيقة بريطانية: ما تفعله اسرائيل في غزة اشد قسوة مما فعلته النازية في الحرب العالمية الثانية

بيت لحم- معا- كشفت وثيقة عسكرية بريطانية داخلية عن ان إسرائيل تقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف في غزة، منتهكة بذلك اتفاقية جنيف بشكل أشد قسوة من ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وفقًا لما ذكره موقع "ديكلاسيفايد" الإخباري. وجاءت هذه التصريحات في مقابلة بين طبيب عسكري رفيع المستوى ومذيع اتصالات عسكرية بريطاني، قارنا فيها الإجراءات الإسرائيلية في غزة بالفظائع الروسية في أوكرانيا. رغم الانتقادات اللاذعة، استمر التعاون العسكري بين إسرائيل وبريطانيا كالمعتاد. ففي الشهر الماضي، تخرج ضابط إسرائيلي رفيع المستوى من أكاديمية عسكرية بريطانية مرموقة. واستُضيف قائد سلاح الجو الاسرائيلي في قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في أوكسفوردشاير. وتواصل بريطانيا الموافقة على شحنات قطع غيار طائرات إف-35 الإسرائيلية عبر دول أخرى، وقد حلقت مئات من طائرات التجسس البريطانية فوق قطاع غزة منذ عام 2023. افتتح المقدّم بمقارنة صادمة: "الروس والإسرائيليون متهمون بمهاجمة المستشفيات وسيارات الإسعاف والمراكز الطبية. في غزة، يزعمون أن إسرائيل تقتل الناس الذين ينتظرون في طوابير لتلقي المساعدات الإنسانية. في الحرب العالمية الثانية، حتى الألمان احترموا هذا الجزء من اتفاقية جنيف. ماذا سيحدث للجنود البريطانيين الجرحى إذا اضطررنا لخوض حرب مماثلة؟" كان التعليق المرفق بالفيديو أكثر صراحةً: "دولٌ مثل روسيا وإسرائيل تقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف". لم يُناقض العقيدُ الكبيرُ الذي أُجريت معه المقابلة، وهو قائدُ الوحدةِ الطبيةِ العسكرية، كلامَ المُقدِّم. بل أكَّدَ قائلاً: "في الحربِ العالميةِ الثانية، احترمت جميعُ الأطرافِ اتفاقيةَ جنيف. لكن هذا ليس الحالَ في الصراعِ الحاليِّ في أوكرانيا". وعندما سألَ المُقدِّم: "وفي الشرقِ الأوسطِ أيضًا؟"، أجابَ العقيدُ: "بالتأكيد. لقد شهدنا مئاتِ المرافقِ الطبيةِ وسياراتِ الإسعافِ تُهاجَمُ عمدًا". أوضح جندي بريطاني آخر خطورة الوضع قائلاً: "يخضع كل جندي بريطاني لتدريب سنوي على قوانين الحرب الدولية. جميعنا نعرف ما هي جريمة الحرب، ونشهدها جميعًا تحدث في غزة يوميًا منذ عامين. إنها خطيرة بشكل خاص على الفرق الطبية - فقد أصبح الاعتداء على العاملين في المجال الصحي أمرًا طبيعيًا. تتحمل روسيا جزءًا من المسؤولية عن هذا، ولكن إسرائيل تتحمل أيضًا المسؤولية عن جرائمها المميتة، التي تدعمها باستمرار بريطانيا ودول غربية أخرى". في الوثائق نفسها، اعترفت بريطانيا بانهيار النظام الصحي في غزة تمامًا. توقفت معظم المستشفيات عن علاج النساء الحوامل، رغم أن 180 امرأة تلد يوميًا. في يونيو/حزيران 2024، لم يكن أي مستشفى يعمل في رفح.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store