
الاختلاف قد يكون مفيدا.. هل من الضروري أن يتفق الوالدان على أسلوب التربية؟
تخيل أن يجهش طفلك الصغير بالبكاء، فتسارعين لاحتضانه ومحاولة تهدئته، ليتدخل الأب بنبرة صارمة مطالبا الطفل بأن "يكف عن البكاء، لأنه رجل ولا ينبغي له أن يبكي". في لحظة واحدة، يجد الطفل نفسه في قلب صراع تربوي بين أسلوبين مختلفين، وتجدين نفسك ممزقة بين مشاعر الغضب والإحباط، وعاجزة عن التصرف، وقد يتسلل إليك الشعور بالذنب، لأن صغيرك يتلقى رسائل متضاربة حول ما هو مقبول وما هو مرفوض.
فما أسباب هذا الاختلاف بين الوالدين؟ وهل يؤثر سلبا على الطفل؟ أم أن في هذا التباين فرصا لصناعة بيئة تربوية متوازنة؟
لماذا نختلف؟
تنشأ غالبية الاختلافات التربوية من الجذور العائلية لكل من الأبوين، فما نعيشه في طفولتنا ينعكس في تصوراتنا عن التربية "الصحيحة"، لكن معظم الآباء يعيدون تقييم تلك التجارب لاحقا، فيأخذون منها ما يرونه ملائما لأطفالهم، ويتركون ما لم يجدِ نفعا معهم، حسب موقع "هابي فاميلي".
ورغم أن بعض الأزواج يخططون سلفا لكيفية تربية أطفالهم، فإنهم غالبا لا يدركون عمق الخلاف إلا عند قدوم الطفل الأول، حين تبدأ المواقف اليومية في كشف الفوارق. فبينما يتمسك أحد الطرفين بأساليب تقليدية ترسخت لديه، يسعى الآخر لتبني منهج معاصر يستجيب لحاجات الجيل الجديد، في محاولة لتجنب أخطاء سابقة.
وحسب موقع "كونشيس مامي"، فإن هذا الاختلاف في النهج قد يؤثر أحيانا على شعور الطفل بالأمان العاطفي وعلى صحته النفسية، وقد ينعكس في علاقاته المستقبلية. لكنه، في المقابل، قد يكون مصدر قوة إذا أدار الوالدان هذا التباين بحكمة واتفاق على الأساسيات.
مزايا الاختلاف
ليس كل اختلاف في الأسلوب التربوي ضارا، فوفق دراسة نُشرت في مجلة "فرونتيرز أوف سايكايتري" عام 2023، قد تنجم عن أسلوب "الحماية الزائدة" أو ما يُعرف بـ"الآباء الهليكوبتر" -الذين يراقبون أطفالهم باستمرار ويتدخلون عند كل عقبة- مشكلات نفسية مثل الاكتئاب لدى الشباب في سن الجامعة.
في المقابل، تشير دراسة أخرى نُشرت عام 2018 في مجلة "إنفيرومنتال ريسيرتش آند بابليك هيلث" إلى أن إتاحة حرية الحركة للأطفال -كما في تربية "الباندا" التي تمنحهم استقلالية أكبر- تزيد ثقتهم بأنفسهم وتحسِّن صحتهم النفسية والبدنية.
وحين يجمع الطفل بين أساليب تكمّل بعضها بعضا، كأن يوفّر أحد الوالدين بيئة داعمة عاطفيا، ويعلّمه الآخر مهارات التحدي والاستقلالية، فإن النتيجة غالبا ما تكون توازنا صحيا في الشخصية، وفق موقع "هابي فاميلي". فمثل هذا التوازن يعزز المرونة النفسية، ويؤهل الطفل لمواجهة التحديات المختلفة بثقة ووعي.
كيف نحقق التوازن؟
الثقة بالشراكة التربوية: التربية المشتركة الناجحة لا تعني تطابق الأساليب، بل تناغمها. فالثقة المتبادلة بأن كل طرف يسعى لمصلحة الطفل هي الركيزة الأساسية. من المهم الاتفاق على القيم الجوهرية التي نريد أن نبني عليها سلوك أطفالنا -مثل الصدق، والاحترام، والالتزام- ثم ترك مساحة من الحرية لكل طرف في التعبير عنها بطريقته.
النقاش المنتظم بعيدا عن الأطفال: يشدد موقع "بارنتس" على أهمية عدم إدارة النقاشات أو الاختلافات التربوية أمام الأطفال؛ الأفضل هو تخصيص وقت أسبوعي منتظم للحديث عن القضايا التربوية، بعد خلود الأطفال للنوم أو في لحظة هادئة. هذا النوع من التواصل العميق يساعد على تضييق فجوات الفهم وتقريب وجهات النظر.
الاتفاق على القيم قبل الأساليب: ابدآ بوضع قائمة فردية لكل منكما تتضمن القيم التي ترغبان في ترسيخها في أطفالكما، ثم قارنا بين القائمتين للبحث عن القواسم المشتركة. من هناك، يمكن بناء أساس تربوي متين، يضمن وحدة الرسائل الموجهة للطفل رغم تنوع الأساليب.
تحديد العوائق الحقيقية: ليس كل اختلاف في الممارسة ناتجا عن تباين في الرؤية، فقد يكون سببه التوتر أو الإرهاق أو ضعف التواصل. لذا، لا بد من البحث عن الأسباب الحقيقية خلف سوء الفهم أو السلوك التربوي الخطأ، فربما كان بالإمكان تجاوزه ببساطة عند إدراك مصدره.
ابدآ بخطوات صغيرة: تغيير الأساليب التربوية لا يحدث بين ليلة وضحاها. ابدآ بالاتفاق على تحسين جانب واحد فقط في كل مرة، مثل تنظيم روتين النوم أو أسلوب التعامل مع نوبات الغضب. كل نجاح صغير في هذا الإطار يُبنى على ما قبله، ويجعل التغيير أكثر رسوخا.
استشارة متخصص عند الحاجة: إذا بلغ الخلاف بين الوالدين حدّ الصدامات المستمرة أو النقاشات المؤذية، فمن المفيد الاستعانة بمعالج أسري مختص. ففي بعض الحالات، يكون التوتر التربوي علامة على مشكلات أعمق تحتاج إلى معالجة نفسية أو تدريب على مهارات التواصل بين الزوجين.
ختاما، لا بد من إدراك أن الاختلاف بين الوالدين في أساليب التربية ليس أمرا غريبا، بل هو في كثير من الأحيان انعكاس طبيعي لتنوع التجارب والمرجعيات. المهم أن يكون هذا الاختلاف واعيا ومدارا بحكمة، حتى لا يتحوّل إلى صراع على حساب الطفل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
غوتيريش: البلاستيك يخنق كوكبنا ولا بد من حل عاجل
حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المفاوضين على العودة إلى المحادثات في أغسطس/آب المقبل بعزم أكبر لتجاوز الخلافات وبناء مسار مشترك للتوصل إلى المعاهدة التي يحتاجها العالم للتغلب على خطر البلاستيك. وقال غوتيريش في رسالة بمناسبة اليوم العالمي للبيئة 2025 إن إحياء هذه المناسبة في هذا العام تركز على الحلول الضرورية للتغلب على التلوث البلاستيكي. وأكد أن التلوث البلاستيكي يخنق كوكبنا ويضر بالنظم البيئية والرفاهية والمناخ إذ تتسبب النفايات البلاستيكية في انسداد الأنهار وتلويث المحيطات وتعرض الحياة البرية للخطر. وأشار إلى أنه مع تفكك البلاستيك إلى أجزاء أصغر فأصغر، يتسلل إلى كل ركن من أركان الأرض، من قمة جبل إيفرست، إلى أعماق المحيط، ومن أدمغة البشر، إلى حليب الأم. وشدد الأمين العالم على أن هناك "حركة من أجل التغيير العاجل"، تتميز بمشاركة عامة متزايدة، وخطوات نحو إعادة الاستخدام والمساءلة الأكبر والسياسات الرامية إلى الحد من استخدام البلاستيك مرة واحدة وتحسين إدارة النفايات. وشدد غوتيريش في رسالته على ضرورة "الذهاب أبعد من ذلك وأسرع"، حيث ستجتمع في غضون شهرين، البلدان لصياغة معاهدة عالمية جديدة لإنهاء التلوث البلاستيكي، قائلا "نحن بحاجة إلى اتفاق طموح وموثوق وعادل هذا العام". وأشار إلى أن هذا الاتفاق يجب أن يشمل دورة حياة البلاستيك، من منظور الاقتصادات الدائرية ويستجيب لاحتياجات المجتمعات، وهو ما يتماشى مع الأهداف البيئية الأوسع، وأهداف التنمية المستدامة، وما هو أبعد من ذلك، ويتم تنفيذه بسرعة وبشكل كامل. وقال غوتيريش في نهاية رسالته "دعونا نضع حدا لآفة التلوث البلاستيكي ونبني مستقبلًا أفضل لنا جميعًا". التزام أكبر من جهتها، قالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن إن التلوث البلاستيكي يؤثر على كل نظام بيئي وكل شخص على هذا الكوكب. وأشارت إلى أنه من المتوقع أن ينمو تسرب البلاستيك إلى البيئة بنسبة 50% بحلول عام 2040، ويتسلل هذا التلوث إلى أجسامنا من خلال الطعام الذي نتناوله، والمياه التي نشربها، وحتى الهواء الذي نتنفسه. وأكدت أندرسن ضرورة إطلاق حلول مبتكرة، تعالج دورة حياة البلاستيك، وتمكن من نشر البدائل وفي نهاية المطاف تعمل على الحد من التلوث البلاستيكي المتسرب إلى بيئتنا. وشددت على أهمية إيجاد حلول تعيد التفكير في كيفية تصميم المنتجات وكيفية تصنيع البلاستيك واستخدامه وإعادة استخدامه والتي تساعد في حماية صحتنا وبيئتنا ومجتمعاتنا. كما أكدت أن العالم يقترب من التوصل إلى معاهدة عالمية لإنهاء التلوث البلاستيكي، وجددت الدعوة للجميع في يوم البيئة العالمي، لتأكيد الالتزام بالقضاء على التلوث البلاستيكي مرة واحدة وإلى الأبد.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
تمائم المعرفة الزائفة
ليس أشدّ إيغالًا في الغموض من فكرة حسبناها مفهومة؛ فالذهن لا يتعثر عند العويص من المسائل بقدر ما يخدع نفسه حين يظن أنه قد استوفى الفهم. والوضوح الذي نطمئن إليه، كثيرًا ما يكون حيلة عقلية، تسرق من الفكر قلقه، وتُلبِسه لباس الرضا، وهو لا يدري أنه رَكَن إلى سطح من المعنى، لا إلى جذر من الحقيقة. فما الفهم يا تُرى؟ أهو أن يستحيل المعنى أمام الفكر كما تستحيل المرآة أمام الناظر، فتُظهر ما وراءها بلا زيادة ولا نقصان؟ أم إنه تلك المصالحة الماكرة التي نعقدها مع الغامض، فنُسكّن بها قلق السؤال، ونُسكت بها ضجيج الحيرة؟ إننا -في الغالب- لا نطلب الحقيقة لذاتها، بل نلتمس منها صورة تُرضينا، ولو كانت صورة مُلفَّقة، أو قناعًا تجيد اللغة صناعته. الطفل حين يسأل: "ما الزمن؟"، فيقال له: "هو الساعة التي تدق"، لا يطمئن لأنه أدرك جوهر الزمن، بل لأنه ظفر بلفظة يُسكت بها فضوله. ونحن، وإن شاب الشعر فينا، لا نحسن غير ما يحسنه الطفل: نربط الجهل باللفظة، ونحسب أنَّا عرفناه؛ وما أكثر ما تكون التسمية حجابًا لا كشفًا، وستارًا لا بيانًا. وليس يَخفى على ذي رويَّة أن اللغة -على ما فيها من سحر البيان- ذات طبع ماكر؛ فهي تزيّن المعاني، وتُغوي بالعناوين، وتُلبس المعقّد لبوس المألوف. إعلان كلمة "العدالة"، مثلًا، لا يندُر أن تُنطق وكأن معناها في متناول الجميع؛ ولكن سل القلوب عنها، وسل العقول، وسل التجارب، تجد ألف تعريف يتنازعها: أهي المساواة التامة، أم مراعاة الفروق؟ أهي عدالة القانون، أم عدالة الضمير؟ وهل العدل الذي يُرضي فئة يُرضي فئة أخرى؟ أم إنه وهمٌ تُسوّيه الألسنة، ويُكذّبه الواقع؟ مِن أشد ما تُضَلّ به العقول: ما بدا لها باديَ الرأي واضحًا، فركنت إليه، وأغلقت دونه أبواب السؤال؛ وما أكثر ما كان الوضوح مقبرةً للتساؤل. والتساؤل روح الفكر، فإذا غاب، ذَوَت المعرفة، وسكنت.. وكل جواب لا يُولّد سؤالًا جديدًا، فهو جواب مبتور، أو معرفة توقفت عن التنفس. وهل خرجت الفلسفة إلا من رحم الشك؟ وهل نبت العقل إلا في تربة التردد والبحث؟ إن المسلَّمات التي لم يُعَد النظر فيها، قد تكون كالسفن الراسية: جميلة في مظهرها، عاجزة في جوهرها. وقد يُقال: إن الجهل مكروه، ولكنه أصدق من وهْم الفهم؛ فالجهل يبوح بعجزه، ويُهيئ النفس للتعلّم، أما الفهم الكاذب فغالبًا ما يلبس ثوب اليقين، ويُحاجّ بمنطق أجوف، ويستقوي بالتكرار حتى يغدو وهمًا جماعيًّا. ولسنا ندري كم من الأقوال التي نتداولها ليست سوى صدى لما قاله غيرنا، دون أن نجرب صدقه، أو نتبين معناه. فهل نملك -بعد هذا- الجرأة أن نرتاب فيما اعتدناه؟ هل فينا الشجاعة أن نُخضع البديهي للفحص، وأن ننظر إلى اللغة بريبة المحقق، لا بتسليم المستمع؟ فإن كل فكرة مستنيرة، كانت ذات يوم سؤالًا معادًا، وظن الناس أنه قد أُجيب، فجاء من يُعيد فتحه، فإذا بالحقيقة تُطلّ من جديد، في وجه لم نألفه من قبل. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


العرب القطرية
منذ 3 أيام
- العرب القطرية
موراتا مرشح للانضمام للعربي
الدوحة - العرب ذكرت تقارير عالمية أن موراتا مهاجم المنتخب الإسباني مرشح للانضمام لفريق العربي بداية من الموسم القادم، ضمن خطط الفريق للعودة للطريق الصحيح لتعويض نتائج الموسم الماضي، على المستوى المحلي والخليجي، ولو انضم اللاعب للعربي سوف يتواجد مع المدرب الحالي للفريق الذي سبق وان تواجد مع اللاعب في المنتخب الإسباني كمساعد المدرب في بطولة كأس الأمم الأوروبية الاخيرة.