
العالم يكشف عن وجهه الحقيقي اليوم..
كان الوقوف إلى جانب الظالم يغلَّف بأغطية من حرير لا تكشف عن عنصريته وانحيازه اللاّأخلاقي، فإذا به يتحوّل اليوم إلى مواقف علنية يتباهى بها الظَّلمة فيما بينهم! كانت الحكومات تتعامل مع الأجانب بشيء من العنصرية الخفية واللاقانون غير المعلن، فإذا بها اليوم لا تتردّد في إعلان رفضها العلني للأجانب وطردها لمن تغرب من دون مراعاة لا للأعراف ولا القوانين ولا التقاليد ولا القيم التي تسمّيها هي إنسانية…
لم يوجد قبل اليوم رئيس دولة، مهما كانت قوة دولته، يعلن جهارا نهارا أنه يريد ضم إقليم دولة أخرى له وهي بعيدة بآلاف الكيلومترات عنه أو جارة تتقاسم معه الحدود، ولا وجد رئيس دولة قام بتأييد إبادة شعب بكامله إن هو لم يرض بالتهجير القسري من أرضه من دون الخوف من التعرض لأي حساب أو عقاب.. لم يوجد قبل اليوم من يشن عدوانا على دولة أخرى فقط لأنه يتوهم أنها ستشكّل خطرا عليه ذات يوم وعندما تدافع هذه الدولة على نفسها، تتّهم بدعم الإرهاب وتوصف بالمعتدية مقابل وصف المعتدي بالمدافع عن النفس! لم يوجد قبل اليوم من يمنع على دولة ذات سيادة امتلاك سلاح تدافع به عن نفسها، بل ويسبق إلى تحطيمه لكي تخضع وتذعن وتقبل بشروط الاعتراف به من دون أن يكون لها حتى حق الحياد أو الامتناع في الدخول في علاقة. لم يوجد قبل اليوم رئيس دولة يعلن صراحة أن باستطاعة قواته قتل زعيم لدولة أخرى لكنه لم يفعل، مستدركا أنه يستطيع فعل ذلك متى شاء…
لم يوجد قبل اليوم من لا يكتفي بالامتناع عن نصرة أخيه المظلوم ولو بالكلمة، وهو يراه يظلم ويقهر، بل يقف إلى جانب جلاّده يوفّر له المال والدعم اللاّزمين لكي يستمر في ظلمه وغيّه وطغيانه! وفوق ذلك هو سعيد بذلك! لم يوجد قبل اليوم مثل هذا العالم الفظيع الذي لا يكتفي بالعدوان على بعضه البعض – كما كان يحدث في العصور الغابرة – بل ويفتخر بذلك ويصوّره وينشره على أوسع نطاق…
لقد حدثت بشاعات فيما مضى من التاريخ وكان هناك ظلم واستعباد وقهر وتهجير واحتلال لأراضي الغير، وظنّ العالم أن تلك حقبة قد ولّت، فإذا بها لا تكتفي بالعودة، بل يتم كل يوم تصوير مشاهدها المرعبة وتوزيعها على أوسع نطاق، ليخاف من يخاف ويعتبر من يعتبر، وكأنها رسالة لمن بقي في مأمن – لحد الآن ـ من هذا العالم المخيف: إننا قادمون…
هكذا، يبدو الوجه الحقيقي لعالم اليوم، إخافة من لا يخاف، وظلم من لا يستطيع الدفاع عن نفسه، واحتقار من خانته إمكاناته وقوته، وتصوير ذلك وبثّه على نطاق واسع… لم يكن هذا يحدث قبل ربع قرن من الآن، كانت الجريمة تتم في الخفاء، وكان المجرم ينكر فعلته في الكثير من الأحيان، أو لا يطلع الناس عليها… أما اليوم، فإنك تظلم ويعتدى عليك وتحتقر وتهدّد ويتم التعامل معك بأبشع الوسائل، وفوق ذلك، يتم تصويرك ليجعلوا من هزيمتك موضوع تسلية أو تكون أنت بالذات عبرة للآخرين…
لذلك، لم يبق أمام من مازال يسعى للحفاظ على سلامته وكرامته وحريته وكبريائه سوى أن يستعد ويأخذ كافة احتياطاته قبل فوات الأوان، ومن استبق الخطر تجنّبه.. وتلك مساحة الأمل الباقية…
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ ساعة واحدة
- الشروق
زيارات ميدانية إلى الولايات الساحلية لمتابعة مدى احترام مجانية الشواطئ
انطلقت يوم السبت 12 جويلية، زيارات ميدانية تفقدية عبر الولايات الساحلية الـ14، لمتابعة مدى احترام مجانية الدخول إلى الشواطئ. ويشرف على هذه الزيارات، حسب ما ذكره بيان للوزارة يوم الأحد، إطارات من وزارة الداخلية وممثلون عن القطاعات والهيئات الأعضاء في اللجنة الوطنية لتحضير موسم الإصطياف ومتابعة سيره . وتأتي هذه الزيارات الميدانية، تنفيذا لتعليمات وزير القطاع، القاضية بـ'ضمان متابعة ميدانية متواصلة خلال موسم الاصطياف 2025، و الحرص على التكفل بانشغالات المواطنين'. حيث تهدف الزيارات إلى 'الوقوف على ظروف تسيير الشواطئ المسموحة للسباحة، ومتابعة مدى احترام مبدأ مجانية الدخول إلى الشواطئ'. كما يتضمن برنامج الزيارات 'مراقبة أنشطة الاستغلال السياحي وضمان مطابقتها للشروط التنظيمية، إلى جانب معاينة وضعية المرافق والخدمات الموجهة للمصطافين'. 'وقد تم إشراك أعضاء اللجان الولائية والمسؤولين المحليين في هذه الخرجات الميدانية، التي ستكلّل بإقرار تدابير استدراكية عاجلة في حالة تسجيل نقائص'، يضيف البيان.


الشروق
منذ 2 ساعات
- الشروق
الشيخ نحناح والأبعاد الإستراتيجية للقضية الفلسطينية
بمناسبة الذكرى الـ22 لوفاة الشيخ محفوظ نحناح، عليه رحمة الله، وأمام واجب الوقت في حتمية انخراط الجميع في معركة 'طوفان الأقصى'، وهي تصل إلى 21 شهرًا منذ 07 أكتوبر 2023م، ومن أجل تصحيح البوصلة في كيفيات التعاطي مع هذه المعركة الوجودية، كان لزامًا علينا أنْ نقف عند أحد أقطاب ورموز الجهاد الفلسطيني ولو من مواقع خلفية، وهو الشيخ محفوظ نحناح، ونظرته الإستراتيجية الكبيرة لهذا القضية المركزية في حياته النِّضالية. الشيخ نحناح يعتبر القضية الفلسطينية أهمَّ القضايا وأقدسها قديمًا وحديثًا، وهي محلَّ اهتمام العالم بها، حتى صنَّفها وأطلق عليها تسمية 'القضية المركزية'، والتي أصبحت -فعلاً- قضيةً مركزية لدى جميع مكوِّنات الحياة السِّياسية في الجزائر الرَّسمية والشَّعبية، يقول: 'إنَّ أهمَّ القضايا القديمة والحديثة، التي استأثرت باهتمام العاملين في الحقل الإسلامي، والملاحظين والمراقبين من كلِّ الأجناس، ومن مختلف المعسكرات المتصارعة، هي قضية فلسطين، التي يعتبرها بنو الإنسان الأحرار قضيةً مركزية… كما استأثرت في هذا العصر باهتمام المخلصين من العاملين في الحقل الإسلامي والقومي والعلماء والدعاة والقوميين، رمز وحدتهم وقوَّتهم مقدار الالتفاف حولها… لا لشيءٍ إلا أنهم يشعرون بأنَّ الرابطة التي تربطهم بفلسطين هي رابطة العقيدة'، وهو يعتقد أنها تعرَّضت إلى: 'الغُبن الذي سُلِّط عليها، وبسبب الخذلان الذي أحاط بها..'(الشيخ محفوظ نحناح، معًا نحو الهدف، ص 176، 177). وهو يتناغم مع علمائنا المصلحين والمجدِّدين في الاهتمام بهذه القضية، وفي الدفاع المستميت عليها، لأنها قضيةُ عقيدةٍ ودين، وليست قضيةَ حدودٍ وطين، فينقل عن الشيخ 'عبد الحميد بن باديس' كلماتِه الخالدة اتجاه القضية سنة 1938م، قوله: 'كلُّ مسلمٍ مسؤولٌ أعظم المسؤولية عند الله تعالى على كلِّ ما يرى هناك من أرواحٍ تُزهق، وصِغارٍ تُيَتَّم، ونساءٍ تُرَمَّل، وأموالٍ تُهلَك، ودِيارٍ تُخرَّب، وحُرُماتٍ تُنتهَك، كما لو كان ذلك كلِّه واقعًا بمكة والمدينة'، ويا ليت شِعري ماذا لو انتقل 'ابن باديس' مما وقع قبل سنة 1938م إلى ما يقع الآن من هذه المجازر المروِّعة، وهذه الجرائم الفظيعة، وهذا الإمعان في ثقافة التوحُّش من هذا العالَم الغربي الذي بلغ ذروة الإجرام خلال هذه الحرب المجنونة طيلة ما يقارب العامين؟ ثم ينقل الشيخ نحناح كذلك عن الشيخ 'محمد البشير الإبراهيمي' قوله على نفس هذا النَّفَس الثوري، غيرةً على الأرض المقدَّسة التي بارك الله فيها للعالمين، وجعلها أمانة في يدِ خير الأنام أجمعين، فيقول: 'إنَّ فلسطين وديعةُ محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمَّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذَها اليهود منَّا ونحن عُصبة إنَّا إذن لخاسرون'. (المصدر ذاته، ص: 177). وهو يرى أنَّ هذه المواقف من علماء الأمة هي التي جعلت هذه القضية راسخةً في عقول أبنائها، ومتجذِّرة في ضمائرها، فيقول: 'بهذه المواقف وغيرها من مواقف رجال الدعوة في المشرق والمغرب بقيت فلسطين عالقة في عقول الأمة… وحُقَّ لهؤلاء العلماء والدعاة ورجال السِّياسة المخلصين أنْ تُكتب أسماؤهم في سِجِلِّ الخالدين الصَّامدين الشَّاهدين على الناس' (المصدر والصفحة ذاتهما). والشيخ نحناح، رحمه الله، بنظرته المقدَّسة اتجاه فلسطين، يعبِّر عن مركزيتها في نضاله وجهاده، فيقول: 'بما لأرضها من فضلٍ ومكانة أولاً، وتأكيدًا على الموقع المركزي الذي تحلُّه قضيتها في ماضي وحاضر ومستقبل العالم العربي والعالم بأسْرِه، وأهمية فلسطين بالنسبة لنا في الجزائر نابعة من أسبابٍ عامة، فباعتبارنا جزءا من المجال الجيوسياسي المعروف بالشرق الأوسط، وباعتبارنا جزءًا من العالم العربي والأمة الإسلامية بالمفهوم الديني والحضاري والثقافي… يمكننا أن نقول أننا إنْ لم نذهب إليها فستأتي هي حتمًا إلينا، وهناك صِلةٌ خاصةٌ بيننا وبين فلسطين، يصبغها الاشتراك في تجربةٍ ثوريةٍ فريدة في عالمنا العربي..' (الشيخ نحناح، الجزائر المنشودة، ص: 231). ثم تحدَّث عن الأبعاد المتعدِّدة للقضية، فقال عنها: 'فلسطين إستراتيجيًّا: باعتبارها الجسر الرَّابط بين آسيا وإفريقيا، وقاعدة انطلاقٍ نحو الخليج العربي..وفلسطين إنسانيًّا: مهبط الرِّسالات السَّماوية ومهد النبوَّات، وعلى أرضها مرَّ أعظم الأنبياء والمصلحين وأكبر القادة والفاتحين، وفوقها أو غير بعيد عنها قامت أعرق الحضارات الإنسانية، وتتميَّز أرض فلسطين بأنها نقطةُ صدامٍ مركزيةٍ بين القوى الدولية عبر العصور والأزمنة.. وفلسطين عربيًّا: همزة الوصل بين جناحي الوطن العربي في آسيا وإفريقيا.. وفلسطين إسلاميًّا: هي الأرض التي باركها الله، سبحانه وتعالى، وسمَّاها القرآن الكريم الأرض المباركة المقدَّسة..' (المصدر السابق، ص: 231 – 233). ثم تكلم عن الحقائق التاريخية والدينية، والثوابت الحضارية والسِّياسية، ومنها: الحقيقة الأولى: الوجود الإسرائيلي في فلسطين (قلب العالم العربي) وجودٌ استعماريٌّ استيطاني. الحقيقة الثانية: القدس أمانةٌ إسلامية، ولا يجوز التنازل عنها، لاعتباراتٍ عقائديةٍ ودينيةٍ وحضارية، ولاعتباراتٍ سياسيةٍ وإستراتيجية. الحقيقة الثالثة: ضرورة الرَّبط بين البُعد الإسلامي والبُعد القومي والبُعد الوطني، باعتبار فلسطين أرضًا مقدَّسة من الناحية الدينية، ذات بُعد استراتيجيٍّ خاص، ومكانةً سياسيةً وعسكريةً واقتصاديةً مميَّزة. الحقيقة الرابعة: حلُّ القضية عن طريق المفاوضات والتسويات لا يمكن أنْ يصل إلى تحقيق سلامٍ عادلٍ ودائم..' (المصدر السابق، ص 326، 237). وهو بذلك يرتقي بهذه القضية، وينزع عنها خطيئة الاحتكار الإيديولوجي أو الحزبي لها، ويدعو إلى ضرورة التحالف العضوي بين مختلف التيارات للاصطفاف خلفها، بعيدًا عن أيِّ مزايدةٍ أو مناكفةٍ أو احتكار. يرى الشيخ نحناح بأنَّ حلَّ القضية الفلسطينية، وخاصة القضايا الأساسية منها: القدس، اللاجئين، والدولة المستقلة، لن يتحقَّق عبر الحلول السِّلمية ومشاريع التسوية، وهي التي لم تُرَاعِ الحقائق التاريخية والثوابت الجغرافية والأبعاد الدينية والخصوصية الحضارية والحقوق القانونية، وأنَّ الذي سيحسم هذه الصِّراع هو الحقائق الميدانية على الأرض، عبر المقاومة العسكرية والسِّياسية. ويعتبر الكيان الصُّهيوني ما هو إلا مشروعٌ استعماريٌّ استيطانيٌّ غربي، كقاعدةٍ عسكريةٍ متقدِّمة لهذه الدول الغربية التي تقف خلفه منذ تأسيسه، منذ وعد 'بلفور' وزير الخارجية البريطاني سنة 1917م، فالشيخ نحناح يرى بأنَّ عمق هذه القضية مرتبطٌ بالأمة وبالصِّراع الحضاري، وبالتالي فهي قضية الجميع من دون استثناءٍ أو خِلاف، فيقول: 'وكان واضحًا منذ البداية أنَّ الاستعمار الغربي دعَّم الوجود الصُّهيوني في فلسطين كقاعدةٍ استعماريةٍ متقدِّمة، ورأسَ جسرٍ قائمٍ في قلب العالم العربي الإسلامي جغرافيًّا ودينيًّا… ليتمكَّن في النِّهاية من إعاقةِ حركية الوحدة العربية الإسلامية وشلّها' (المصدر السابق، ص 233). ولذلك يرى الشيخ نحناح أنَّ هذا الغرب قد تعهَّد بتنفيذ هذا المشروع الخبيث على دعامتين أساسيتين، هما: ضمان التفوُّق العسكري الصُّهيوني: ليضمن له الانتصار في أيِّ مواجهة، ويضعه في موضع القادر على التهديد والضَّرب في أي وقت وفي أيِّ مكان… هذا التفوُّق ضَمِنه الدور البريطاني منذ وعد بلفور سنة 1917م إلى غاية 1948م، ثم خلفه الدور الفرنسي منذ العدوان الثلاثي سنة 1956م إلى حرب 1967م عندما حظَر 'ديغول' تصدير الأسلحة إلى الكيان الصُّهيوني، ثم خلفتها أمريكا التي جعلت ضمان التفوُّق العسكري مبدأً ثابتًا والتزامًا استراتيجيًّا منذ حرب أكتوبر 1973م إلى الآن. التحالف مع القوى الدولية الكبرى: والذي يتجلَّى فيه هذا 'العلوّ الكبير'، عن طريق التحكُّم في المؤسَّسات الدولية، وعلى رأسها: مجلس الأمن الدولي عبر الفيتو الأمريكي، لإجهاض أيِّ قرارٍ أو توصيةٍ لا تكون في صالح إسرائيل. (المصدر نفسه، ص 233، 234). ويرى الشيخ نحناح بأنَّ حلَّ القضية الفلسطينية، وخاصة القضايا الأساسية منها: القدس، اللاجئين، والدولة المستقلة، لن يتحقَّق عبر الحلول السِّلمية ومشاريع التسوية، وهي التي لم تُرَاعِ الحقائق التاريخية والثوابت الجغرافية والأبعاد الدينية والخصوصية الحضارية والحقوق القانونية، وأنَّ الذي سيحسم هذه الصِّراع هو الحقائق الميدانية على الأرض، عبر المقاومة العسكرية والسِّياسية. ويصرُّ الشيخ على ترسيخ بعض الحقائق، حتى لا تضيع البوصلة في التعاطي الدائم مع هذه القضية، وهي: 1/ الحقيقة الأولى: الوجود الإسرائيلي في فلسطين (قلب العالم العربي) وجودٌ استعماريٌّ استيطاني، قام على اغتصاب الأرض بالقوة، ومن الأهداف الثابتة للصُّهيونية، هي: جمعُ كلِّ يهود العالم تحت مظلة 'دولة إسرائيل'، ولو تطلَّب ذلك التوسُّع على حساب الأراضي العربية. 2/ الحقيقة الثانية: القدس أمانةٌ إسلامية، لا يجوز التنازل عنها، لاعتباراتٍ عقائدية ودينية وحضارية، ولاعتباراتٍ سياسيةٍ وإستراتيجية. 3/ الحقيقة الثالثة: ضرورة الرَّبط بين البُعد الإسلامي والبُعد القومي والبُعد الوطني… لأنَّ الذي احتلَّ فلسطين انطلق من النبوءات التوراتية والحُجَج الدِّينية المحرَّفة، فلماذا يُطلب من العرب إغفالُ البُعد العقائدي والعامل الدِّيني في الصِّراع؟ 4/ الحقيقة الرَّابعة: حلُّ القضية عن طريق المفاوضات والتسويات لا يمكن أنْ يصل إلى تحقيق سلامٍ عادلٍ ودائم.. وأنَّ أيَّ تفاوض لا يكون إلا انعكاسًا لميزان القوة، وتعبيرًا عن الحقائق السِّياسية والعسكرية في الميدان..'(المصدر السَّابق، ص 236، 237). ثم يتحدَّث الشيخ نحناح عن 'الهرولة نحو التطبيع' مع الكيان الصُّهيوني، وهو الذي صَكَّ هذا المصطلح منذ سنة 1999م، فيُنَبِّه منذ ذلك الوقت إلى خطر التطبيع الزَّاحف على الأمة، فيقول: 'إنَّ الهرولة السِّياسية العربية نحو إسرائيل، لإقامة اتصالاتٍ دبلوماسية، وتطبيع العلاقات السِّياسية والاقتصادية معها في ظلِّ الأوضاع الحالية، لا يخدم في الحقيقة سوى المصالح والسِّياسة الإسرائيلية..' (المصدر والصفحة ذاتهما). ثم يتساءل عن ميزان القوة واختلال الإيديولوجيا التي لا تسمح بأيِّ تعايش، وأنه لا يمكن التقارب مع هذا العدوِّ تحت أيِّ مسمَّى، للطبيعة العنصرية والاستعلائية له، ومن ثم لا يمكن الانخداع بشعارات التسوية والتطبيع والاعتراف، يقول: 'من حقِّنا أنْ نتساءل بصدقٍ عن إمكانية التعامل والتعايش، بين دولةٍ قامت على إيديولوجيةٍ استيطانيةٍ توسُّعية، تملك ترسانةً من الأسلحة النووية، وبين عالمٍ عربيٍّ، تُدَمُّر فيه كلُّ نواةٍ لتطوُّرٍ علميٍّ أو تكنولوجي..' (المصدر السابق، ص 238). ويتحدث الشيخ نحناح عن الاستراتيجيات الغربية في استهداف الأمة، والتي من أخطرها هذا المشروع الصُّهيوني الذي زُرِع في خاصرتها، والذي لا يتوقَّف عند الحدود الجغرافية لفلسطين، بل وُضِع ابتداءً لإقامة إسرائيل الكبرى، من نهر الفرات بالعراق إلى نهر النيل بمصر، فيقول عن المشروعات الأكبر من أيِّ تفكيرٍ عربيٍّ أو إقليمي: 'وعلى رأسها مشروع إسرائيل الكبرى، الذي بدأ الإعداد له منذ اللحظات الأولى من إنشائها، إذ بدأت المساعي لإقامة علاقاتٍ يهودية عربية، وترويض العقل العربي الإسلامي على القبول بالأمر الواقع..' (الشيخ محفوظ نحناح، معًا نحو الهدف، ص 74). وينبِّه الشيخ نحناح في الأخير إلى خطورة الوقوع في مخططات تمزيق الأمة في صراعاتٍ قومية أو مذهبية أو طائفية أو حزبية أو دولاتية، لا تخدم في النِّهاية إلا المشروع الصُّهيوني، والتمكين له على حساب الجميع، فيتحدَّث عن: 'مناورات التطويق الاستراتيجي، من خلال فتح جبهةِ مواجهةٍ عربية– إفريقية (إثيوبيا/ السُّودان/ إريتريا)، ومن خلال دعم التمرُّد في جنوب السُّودان (والذي وصل الآن إلى تقسيمه فعلاً، ولا يزال المشروع قائمًا على تقسيمٍ آخر، لإخراجه من معادلة الصِّراع مع هذا العدو الصُّهيوني)، وجبهة مواجهة عربية– إيرانية (عن طريق تسعير الصِّراع السُّنِّي الشِّيعي)، وجبهةٍ عربيةٍ– تركية (عن طريق استدعاء الخِلاف التاريخي بين القومية العربية والقومية التركية)، وتشجيع الصِّراعات والصِّدامات بين الحركات الإسلامية والأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي. (الشيخ محفوظ نحناح، الجزائر المنشودة، ص 238، 239). بهذه الرؤية الإستراتيجية يرى الشيخ نحناح هذه القضية، والتي تستدعي من الجميع التسامي عن الاشتباك بين مكوِّنات الأمة، وألا يتورَّط العاملون المخلصون لها في المناكفات والمزايدات والخصومات، والتي لا تصبُّ في النِّهاية إلا في صالح هذا المشروع السَّرطاني.


خبر للأنباء
منذ 3 ساعات
- خبر للأنباء
تعز.. مدينة بلا ماء وسلطة بلا حلول
في ظلّ ظروف معيشية قاسية وفشل مزمن من السلطة المحلية، تتصاعد معاناة سكان مدينة تعز بسبب أزمة مياه الشرب المتفاقمة، حيث اضطر المواطنون بمن فيهم النساء والأطفال للوقوف في طوابير طويلة أمام خزانات السبيل ومحطات مياه، في محاولة يائسة للحصول على كميات ضئيلة من المياه لا تلبّي الحد الأدنى من الاحتياج اليومي. وتزامناً مع اتساع رقعة الأزمة، شهدت المدينة خلال الأيام الماضية خروج عدد من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات الشعبية، رفع فيها المحتجون لافتات تطالب بتوفير المياه ونددوا بعجز السلطات عن إيجاد حلول جذرية. ورُصدت مشاهد لمتظاهرين في أحياء الجحملية والمظفر ووادي القاضي وهم يهتفون ضد ما وصفوه بـ"التقصير الفادح للسلطات المحلية". وقال المواطن أمين عبدالحكيم، من سكان حي الروضة، في تصريح لوكالة "خبر": لم نعد نحتمل هذا الإهمال، الماء حق أساسي، ومع ذلك نقف في طوابير ليلية ننتظر بعض الجالونات التي لا تكفي، بينما المسؤولون صامتون تمامًا". الاحتجاجات تزامنت مع حملة إلكترونية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي أطلقها ناشطون تحت وسمي (#تعز_تشتي_ماء) و(#تعز_بدون_ماء)، عبّروا خلالها عن غضبهم من استمرار الأزمة، ونشروا مقاطع مرئية توثق طوابير المواطنين، ومعاناة النساء والأطفال في مشاهد وصفها البعض بـ"المهينة للكرامة الإنسانية". من جهتها، أشارت أم محمد، وهي أم لخمسة أطفال: انها "لم أعد قادرة على تأمين ماء للشرب أو النظافة، مؤكدة أن أطفالها ينامون عطاشى، وأنها تشعر بالعجز والقهر إذا استمرت هذه الكارثة، فالكارثة الأكبر قادمة". وبينما ترتفع أسعار صهاريج المياه بشكل جنوني بلغ الصهريج الواحد الى 80 الف ريال، لا تزال السلطة المحلية في تعز تلتزم الصمت وتقديم وعود واهية، دون اتخاذ أي خطوات عملية لإنقاذ المدينة من شبح العطش المتفاقم.