
العدل في ميزان رمضان.. بين التكافل والإحسان
في إحدى ليالي مكة الحالكة، جلس عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، على الأرض، بعيدًا عن ضوء القناديل، يراقب مشهدًا لم يكن يدري أنه سيترك أثرًا خالدًا في ذاكرته. امرأةٌ فقيرة، في طرف المدينة، توقد نارًا تحت قدرٍ يغلي، وأطفالها يتضوّرون جوعًا. جلس يرقبها طويلًا قبل أن يقترب ويسألها عمّا تطهو.. رفعت رأسها، وقد حفرت الأيام على ملامحها قسوة الفقر، وقالت:
"لا شيء، إنما هو ماء وحصى، أعلل به صغاري حتى يناموا، فلا يبيتوا على بكاء الجوع!".
ارتعش قلب عمر، وكأن الأرض قد زُلزلت تحت قدميه. دون أن ينطق بكلمة، نهض مسرعًا إلى بيت مال المسلمين، وحمل على ظهره كيسًا من الدقيق، وأقسم ألا يدعه لأحدٍ يحمله عنه. وحين سأله رفيقه: "يا أمير المؤمنين، احمل عنك، فقد أرهقت نفسك!" قال كلمته التي خلدها التاريخ: "وهل يحمل عني ذنوبي يوم القيامة؟!.
وصل إلى المرأة، وأخذ يعجن الطحين بيديه، ثم أشعل النار تحته، وأخذ يطهو بنفسه، حتى بدأ الأطفال يأكلون ويضحكون. وقف يراقبهم بصمت، ثم تنهد بعمق وقال: "الحمد لله الذي جعلني أشعر اليوم بمعنى العدل".
ليست هذه مجرد قصة، بل هي انعكاسٌ لجوهر العدل كما ينبغي أن يكون. العدل ليس مجرد ميزانٍ يقيس الحقوق والواجبات، وليس قوانين تُسنّ، أو أحكامًا تُفرض، بل هو شعورٌ إنسانيٌّ يتغلغل في القلب قبل أن يُترجم إلى أفعال. في رمضان، تتجلى هذه الروح أكثر من أي وقتٍ آخر، حيث يعيد الصيام تعريف العلاقات بين البشر، ليس فقط بين العبد وربه، ولكن بين الإنسان وأخيه الإنسان. ففي الجوع، يدرك الغني معنى الحرمان، ويشعر القوي بضعف الجائع، ويتساوى الجميع تحت شمس الامتحان، ليعرف كل واحد منهم أن العدل ليس ترفًا، بل ضرورةٌ لا تكتمل إنسانيتنا بدونها.
أسعار جاك J7 في مصر بعد تخفيضات شهر رمضان بقيمة 100 ألف جنيه
ما حكم التسامح بالتنازل عن قضية منظورة أمام القضاء مراعاة لحرمة شهر رمضان؟
رمضان ليس شهر الجوع، بل شهر العطاء. ليس شهر الامتناع، بل شهر الامتلاء بالمحبة والمسؤولية. حين فرض الله الصيام، لم يكن الهدف تعذيب الجسد، بل إيقاظ الضمير، ليشعر الصائم بحاجة من لا يجد، لا ليشفق عليه فحسب، بل ليعتبر ذلك دينًا في عنقه، واجبًا لا مجرد إحسان. ولهذا لم يكن من قبيل المصادفة أن تُفرض الزكاة في رمضان، وأن يُشجع الإنفاق فيه أكثر من أي وقت آخر. ففيه، يتحول التكافل إلى فعلٍ تلقائيّ، وكأن الإنسان حين يجوع، يصبح قلبه أكثر رحمة، وضميره أكثر يقظة، ويده أكثر سخاءً.
وكما قال النبي ﷺ: "أيما أهل عَرْصَةٍ بات فيهم امرؤٌ جائعٌ فقد برئت منهم ذمةُ الله ورسوله"، فالعدل هنا ليس فقط أن تأكل، بل أن تضمن أن يأكل غيرك أيضًا.
لكن العدل وحده لا يكفي ليجعل العالم أكثر إنسانية. لو كان العدل هو الغاية القصوى، لكان بإمكاننا أن نعيش في عالمٍ باردٍ، حيث يأخذ كل إنسانٍ حقه فقط، دون زيادة، دون لمسة حنان، دون إحساسٍ يتجاوز الحسابات الدقيقة. لكن رمضان يعلمنا أن العدل حين يختلط بالرحمة، فإنه يصبح إحسانًا، وحين يقترن بالعطاء، يتحول إلى حبّ.
يقول الله في الحديث القدسي: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا". لكنه لم يقل فقط "لا تظلموا"، بل قال: "وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين"، فالعدل يحقق التوازن، لكن الإحسان يحقق السعادة، والرحمة هي ما تجعل العدل جميلًا، كما يجعل السكر القهوة أقل مرارة.
في هذا الشهر، يتعلم الإنسان أن العدل ليس قانونًا، بل حياة. ليس مجرد موازنة بين الحقوق، بل هو إدراكٌ بأن الحقوق ليست أوراقًا قانونية، بل حاجاتٌ إنسانية. ليس أن يأخذ كل ذي حق حقه، بل أن يملك الإنسان الوعي لأن يعطي أكثر مما يأخذ، وأن يرى الآخر ليس كخصمٍ في معركة، بل كأخٍ في رحلة الحياة.
في رمضان، يدرك الغني أنه ليس غنيًا إلا بقدر ما يساعد الفقير، ويدرك القوي أن قوته ليست في ما يملك، بل في كيف يستخدمها لخدمة غيره، ويدرك الإنسان أن أعظم العدل هو أن تعطي، حتى حين يكون بإمكانك ألا تفعل.
وفي النهاية، كما قال عمر بن الخطاب ذات مرة: "لو كان الفقر رجلًا لقتلته"
لكننا نعلم جميعًا أن الفقر لا يموت بالدم، بل بالمحبة، ولا يزول بالقوة، بل بالإحسان، ولا ينتهي بالعدالة وحدها، بل حين يصبح العدل عادةً يومية، لا استثناءً مؤقتًا.
لأن العدل في رمضان ليس شعارًا، بل حياة نعيشها.. وإيمانٌ نطبقه، لا مجرد كلماتٍ نرددها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
المستشار محمود فوزى: نتفق على تدعيم مادة السكن البديل بقانون الإيجار القديم
حضر المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، اجتماع اللجنة المشتركة من لجنة الإسكان ومكتبي لجنتي الإدارة المحلية والشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، لمناقشة مشروعي قانونين مُقدمين من الحكومة، الأول بشأن الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن، والثاني بتعديل بعض أحكام القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي انتهت أو تنتهي عقود إيجارها والمخصصة للاستماع والمناقشة من حيث المبدأ. جاء ذلك بحضور الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، وأحمد خالد، محافظ الإسكندرية، والمهندس عادل النجار، محافظ الجيزة، والمهندس أيمن عطية، محافظ القليوبية. أوضح المستشار محمود فوزي، إن المادة (7) من مشروع القانون التي تنص في مشروع الحكومة على منح أولوية للمستأجرين في الحصول على وحدات ببرامج الإسكان التي تنظمها الدولة، تحتاج لتدعيم بحيث تصبح صياغتها أوضح مع أهمية أن يضع ضوابط وشروط وقواعد مجلس الوزراء، وليس بالضرورة أن تتفق مع القواعد والشروط التي يحصل بموجبها المواطنين على الإسكان الاجتماعي، مؤكدًا اهتمام الحكومة بما يجري في جلسات الاستماع وبحث ودراسة المقترحات. وجدد الوزير محمود فوزي، ثناء الحكومة على المقترح الخاص بشأن التدرج في الأجرة لأن هناك أماكن بالمدن لكنها شديدة الفقر، مشيرًا إلى دراسة المقترح الذي يتضمن ثلاث مستويات الحد الأدنى ١٠٠٠ جنيه في المناطق الراقية و٧٥٠ جنيهًا في المناطق المتوسطة و٥٠٠ جنيه في المناطق الأقل من متوسطة. وفي الوقت ذاته، شدد وزير الشئون النيابية، على أن سلطة التشريع في يد المجلس، بينما تجري الآن دراسة تدرج الحد الأدنى بحسب القيمة والمساحة والمكان، موضحًا أن الضوابط والقواعد والشروط يضعها مجلس الوزراء ومهما تم الاجتهاد بها يصعب النص عليها وحصرها في القانون.


الوفد
منذ ساعة واحدة
- الوفد
أوقاف الفيوم تنظم ندوة علمية كبرى بالمسجد الكبير بفيديمين
عقدت مديرية أوقاف بالفيوم برئاسة الشيخ سلامة عبد الرازق وكيل الوزارة، ندوة علمية كبرى بالمسجد الكبير التابع لإدارة أوقاف فيديمين. يأتي هذا في إطار دور وزارة الأوقاف المصرية ومديرية أوقاف الفيوم العلمي والدعوي، وضمن جهودهما لتحقيق مقاصد الشريعة وتقديم خطاب ديني وسطي رشيد. جاء ذلك تنفيذا لتوجيهات الدكتور أسامه السيد الأزهري وزير الأوقاف، وتحت إشراف فضيلة الشيخ سلامة عبد الرازق وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم، وبحضور فضيلة الشيخ يحيى محمد، مدير إدارة الدعوة بالمديرية، وفضيلة الشيخ طه علي، مسؤول المساجد بالمديرية، وفضيلة الشيخ محمد حسن، مدير إدارة أوقاف فيديمين، وفضيلة الشيخ أحمد رجب السيد، إمام المسجد، وجمع غفير من رواد المسجد، حيث تم تقديم ندوة بعنوان: ' فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ '. العلماء: من نوى الحج وأحرم به فعليه أن يجتنب كل قول أو فعل خارجا عن آداب الإسلام وخلال الندوة أكد العلماء أن مَن نوى وأوجب على نفسه الحج وأحرم به فعليه أن يجتنب كلّ قول أو فعل يكون خارجًا عن آداب الإسلام ومؤديًا إلى التنازع بين الرفقاء؛فإنَّ الجميع قد اجتمعوا على مائدة الرحمن، وهذا يقتضي منهم أن يتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، أخرج الشيخان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حَجَّ للهِ فلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». أشار العلماء إلى أن الله عبَّر عن أشهر الحج بأنها معلومات؛ لأنَّ العرب في الجاهلية كانوا يعرفونها، وهي: شهر شوال وذو القعدة والأيام العشرة الأُوَل من شهر ذي الحجة، وقد جاءت شريعة الإسلام مقررة لما عرفوه،ثم حضهم سبحانه على فعل الخير بعد نهيهم عن اجتراح الشر فقال:﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 197]، أي: اتركوا أيها المسلمون كل قول أو فعل لا يرضي الله تعالى، وسارعوا إلى الأعمال الصالحة خصوصًا في تلك الأزمنة والأمكنة المفضلة، واعلموا أنه سبحانه لا يخفى عليه شيء من تصرفاتكم، وتزودوا بالزاد المعنوي المتمثل في تقوى الله وخشيته، وبالزاد المادي الذي يغنيكم عن سؤال الناس، وأخلصوا لي قلوبكم ونواياكم يا أصحاب العقول السليمة والمدارك الواعية.


نافذة على العالم
منذ ساعة واحدة
- نافذة على العالم
أخبار مصر : اتقوا الله في مصر.. نشأت الديهي يوجه رسالة للأحزاب قبل الانتخابات
الاثنين 26 مايو 2025 02:00 صباحاً نافذة على العالم - وجه الإعلامي نشأت الديهي، نداءه لرؤساء الأحزاب وأصحاب القرار في الترشح لإنتخابات مجلس النواب، قائلاً: "اتقوا الله في مصر، وأسوأ ذنب هو اختيار غير الأكفأ، فلا تخونوا الوطن ولا الله ورسوله". وقال نشأت الديهي، خلال تقديمه برنامج 'بالورقة والقلم'، عبر فضائية 'تن'، أنه لا بد من المرشحين للانتخابات بضرورة النزول إلى الشارع والتواصل المباشر مع المواطنين، مؤكدًا أن الانتخابات لا تُدار من العاصمة فقط، بل تبدأ من الريف والمناطق المختلفة في بحري والصعيد. وتابع مقدم برنامج 'بالورقة والقلم'، أن الوعي الشعبي تطور"، محذرًا من محاولات خداع الناخبين أو استغلال مشاعرهم، مطالبًا المرشحين بطرح أفكار واضحة وخطط مدروسة بدلاً من الشعارات الجوفاء. كما دعا الأحزاب إلى تحمل مسؤوليتها السياسية، قائلاً: "اشتغلوا ومتقعدوش وتقولوا فيه تضييق، انزلوا ورونا نفسكم".