logo
مقامة في الفروقات الصغيرة يكمن التميّز

مقامة في الفروقات الصغيرة يكمن التميّز

موقع كتاباتمنذ 20 ساعات
يُقال إن الشعر يكمن في التفاصيل , وكثيرًا ما كان الشعراء يصفون جمال محبوباتهم بتركيز على فروق دقيقة لا يراها إلا العاشق المتأمل , ولعل أبا فراس الحمداني كان يلمح إلى هذا المعنى حين قال : (( وَبِـعَضِّ النَّـوَى أَسِيـراً لِيَـرَى أَيُّها أَحْـلَى وَأَيُّها أَمَرُّ)) , هنا يصف كيف أن الفرق بين الشيء الحلو والشيء المر هو فارق دقيق يكاد لا يُرى , إلا أن تذوقه هو الذي يكشف الفارق الجوهري بينهما, كان بعض الشعراء يربطون بين التفاصيل الصغيرة والشخصية , فالفروق البسيطة في السلوك أو المظهر هي التي تكشف عن جوهر الإنسان , يقول الشاعر: (( وَيَخْتَـلِفُ النَّاسُ فـي خُلُقٍ وَشِيمَةٍ وَفِي بَعْضِ التَّشَابُهِ بَيْنَهُمْ فُرُقُ )) , يشير هذا البيت إلى أن الفروقات في الأخلاق والصفات , رغم التشابه الظاهري بين الناس, هي التي تحدد شخصياتهم.
لعل هذه المقدمة تنطبق بقوة على الفروقات البسيطة التي نميل غالبًا إلى إهمالها , تلك الفروقات , وإن بدت ضئيلة , هي التي تصنع الفارق الجوهري وتحدد الخصوصية والتميز, فكما يُظهر التشابه الجيني بين الكائنات , فإن القليل من الجينات المتباينة يمكن أن يخلق عالماً من الفروق , فالإنسان يتشارك مع ذبابة الفاكهة في 60% من جيناته , ومع الفئران في 85% , لكن الفارق الأكبر والأكثر إثارة للدهشة يأتي من الشمبانزي , حيث يتقاسم الإنسان معه ما يقارب 98.8% من الجينات, هذا الفارق الضئيل , وهو الـ 1.2% المتبقية , هو الذي يمنح الإنسان خصائصه الفريدة: قدرته على التفكير المجرد , وابتكار الأدوات المعقدة , وإنشاء الحضارات, هذا الفارق البسيط , على الرغم من ضآلته , هو جوهر ما يميزنا كبشر, وإهماله يعني إهمال ما يجعلنا (( نحن )) .
لا يقتصر هذا المنطق على الفروقات الجينية فحسب , بل يمتد ليشمل كل جوانب حياتنا , إن التميُّز الحقيقي لا يأتي من تغييرات جذرية وشاسعة , بل من تعديلات دقيقة قد تبدو تافهة للوهلة الأولى , خذ على سبيل المثال مقطوعة موسيقية لموزارت, عندما نقارنها بأخرى لموسيقار محترف لكنه غير مشهور, قد لا نجد فروقًا ضخمة في النوتات أو الإيقاع , الفارق قد يكون مجرد كسر من الثانية في حركة أو لمسة فنية دقيقة , لكن هذه التفاصيل الصغيرة هي التي جعلت موزارت خالدًا بينما ظل الآخر في دائرة (( الجيد )) , وفي الحياة الأكاديمية , يستطيع معظم الطلاب الحصول على الخمسين في المائة الأولى من الدرجات , لكن المهمة أصعب في الثلاثين التالية , ثم أصعب في الخمس عشرة التالية , ومع اقتراب القمة , تصير المنافسة ضارية على كسور الدرجات , وفي مضمار العدو الأولمبي , يفوز الأبطال بكسور من الثانية لا يدركها العقل البشري دون أداة رقمية .
لو صممنا نظاماً يعامل من حصل على 98 في المائة كمن حصل على الدرجة الكاملة , ورأينا أن الفارق لا يستحق , فسنفقد العقول الأكاديمية الفذة , هذه التدخلات تشبه أن تنزع من غوريلا جيناتها التي تميزها عن الإنسان , ثم تتركها في قسوة الغابة , أو أن تنزع من الإنسان قدرته على الكلام وصناعة الأساطير, ثم تدعوه ليلقي كلمة في ((تيك توك )) , تلك هندسة جينية ضررها واضح للعين , والهندسة الاجتماعية التي تلغي الفروق بين الأفراد بعبارة (( لا فرق )) تشبهها في الضرر, لكنها متوارية. نحن لا نتحدث هنا عن الفروق الجينية , بل عن منطق التمايز , التميّز يعتمد غالباً على فروق ضئيلة إلى درجة تُغري بتجاهلها , رغم أنها الفارق الذي يُحدث الفارق فلا تستهينوا بجملة (( لا فرق )) , فهي أول فأس في هدم التميّز .
من ناحية اخرى لا تُلغى الفروق غالباً بقرار مباشر, بل بطريقة عكسية : تخفيف شروط المنافسة إلى حد يفقد معها التصنيف معناه , ما دمت تقرأ وتكتب بلغة منضبطة , فأنت صحافي , ما دمت قادراً على قيادة سيارة فلماذا لا تشارك في سباق محترفين؟ ما دمت مهندساً , فصمّم لنا دار الأوبرا , في الشركات الخاصة , لن تسمح لنفسك بهذا , لأنك ستدفع الثمن , لكي تربح , يجب أن تكون جواهرجياً : يقدّر الذهب , ويزن الفروق بالغرام والميليغرام , و في عالم كرة القدم , تتنافس الأندية على المواهب , وتقيّم بدقة الفروق بين ميسي , ورونالدو , وراشفورد , ونونيز , تُعيد الحسابات وتراجع نفسها , لأن الفروق الصغيرة ضخمة التباين في الربح أو الخسارة , بهذه العقلية يتلاقى الجميع في الممر نفسه: من المواهب , والمديرين , والمستثمرين , والنتائج , وكشوف الحسابات , والجماهيرية.
بالأضافة لذلك لا تظنوا أن التميز يدفن استهدافاً وعمداً , بل يكون جهلاً بطبيعته , أحياناً لأنه فوق مستوى الإدراك : فالعين لا ترى الحاجب , والخيال الضيق لا يستوعب الواسع , وأحياناً لأن البعض يعتقد أن السنتيمتر هو السنتيمتر, سواء كان أسفل الزانة أو أعلاها ,وستختل المعادلة بمجرد أن يختفي العقاب المالي على القرارات السيئة, حين تتحكم في ما لا تملكه , كما في القطاع العام , ما الذي يمنعك من تفضيل سعيد الجيد على أسعد المتفوّق؟ أو من مساواة الـ98 في المائة بالدرجة الكاملة؟ في الواقع ربما تكسب أكثر في رد الجميل , وليس صدفة أن مجتمعات التملّك الحر والاقتصاد الرأسمالي أكثر غزارة في المواهب من غيرها , وليس صدفة أنه حين يتحكم الموظف البيروقراطي في الفن , تندر المواهب.
(( لا فرق )) تكلف المجتمعات سنوات ضائعة , وتحرمها من أعزّ ما فيها : مواهبها , (( لا فرق )) آلة شفط المواهب من على المسرح وهرسها أو الإلقاء بها في مقاعد المتفرجين المتحسرين , (( لا فرق )) باب إلى خطوات قصيرة لخنق المستقبل , إن هذه الأمثلة تذكرنا بأن النجاح والتميز يكمنان غالبًا في الاهتمام بما هو ضئيل وليس فقط بما هو ضخم. سواء كان الأمر يتعلق بفارق جيني يحدد هوية كائن حي , أو بلمسة فنية تُخلد عملاً إبداعيًا , فإن هذه الفروقات الصغيرة هي التي تصنع الفارق الأكبر, إن تجاهلها هو تجاهل لجوهر التميز, فلنتعلم أن ننظر بعمق , وأن نقدر الفروقات مهما بدت قليلة , لأنها غالبًا ما تكون الأساس الذي يقوم عليه كل شيء عظيم.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مقامة في الفروقات الصغيرة يكمن التميّز
مقامة في الفروقات الصغيرة يكمن التميّز

موقع كتابات

timeمنذ 20 ساعات

  • موقع كتابات

مقامة في الفروقات الصغيرة يكمن التميّز

يُقال إن الشعر يكمن في التفاصيل , وكثيرًا ما كان الشعراء يصفون جمال محبوباتهم بتركيز على فروق دقيقة لا يراها إلا العاشق المتأمل , ولعل أبا فراس الحمداني كان يلمح إلى هذا المعنى حين قال : (( وَبِـعَضِّ النَّـوَى أَسِيـراً لِيَـرَى أَيُّها أَحْـلَى وَأَيُّها أَمَرُّ)) , هنا يصف كيف أن الفرق بين الشيء الحلو والشيء المر هو فارق دقيق يكاد لا يُرى , إلا أن تذوقه هو الذي يكشف الفارق الجوهري بينهما, كان بعض الشعراء يربطون بين التفاصيل الصغيرة والشخصية , فالفروق البسيطة في السلوك أو المظهر هي التي تكشف عن جوهر الإنسان , يقول الشاعر: (( وَيَخْتَـلِفُ النَّاسُ فـي خُلُقٍ وَشِيمَةٍ وَفِي بَعْضِ التَّشَابُهِ بَيْنَهُمْ فُرُقُ )) , يشير هذا البيت إلى أن الفروقات في الأخلاق والصفات , رغم التشابه الظاهري بين الناس, هي التي تحدد شخصياتهم. لعل هذه المقدمة تنطبق بقوة على الفروقات البسيطة التي نميل غالبًا إلى إهمالها , تلك الفروقات , وإن بدت ضئيلة , هي التي تصنع الفارق الجوهري وتحدد الخصوصية والتميز, فكما يُظهر التشابه الجيني بين الكائنات , فإن القليل من الجينات المتباينة يمكن أن يخلق عالماً من الفروق , فالإنسان يتشارك مع ذبابة الفاكهة في 60% من جيناته , ومع الفئران في 85% , لكن الفارق الأكبر والأكثر إثارة للدهشة يأتي من الشمبانزي , حيث يتقاسم الإنسان معه ما يقارب 98.8% من الجينات, هذا الفارق الضئيل , وهو الـ 1.2% المتبقية , هو الذي يمنح الإنسان خصائصه الفريدة: قدرته على التفكير المجرد , وابتكار الأدوات المعقدة , وإنشاء الحضارات, هذا الفارق البسيط , على الرغم من ضآلته , هو جوهر ما يميزنا كبشر, وإهماله يعني إهمال ما يجعلنا (( نحن )) . لا يقتصر هذا المنطق على الفروقات الجينية فحسب , بل يمتد ليشمل كل جوانب حياتنا , إن التميُّز الحقيقي لا يأتي من تغييرات جذرية وشاسعة , بل من تعديلات دقيقة قد تبدو تافهة للوهلة الأولى , خذ على سبيل المثال مقطوعة موسيقية لموزارت, عندما نقارنها بأخرى لموسيقار محترف لكنه غير مشهور, قد لا نجد فروقًا ضخمة في النوتات أو الإيقاع , الفارق قد يكون مجرد كسر من الثانية في حركة أو لمسة فنية دقيقة , لكن هذه التفاصيل الصغيرة هي التي جعلت موزارت خالدًا بينما ظل الآخر في دائرة (( الجيد )) , وفي الحياة الأكاديمية , يستطيع معظم الطلاب الحصول على الخمسين في المائة الأولى من الدرجات , لكن المهمة أصعب في الثلاثين التالية , ثم أصعب في الخمس عشرة التالية , ومع اقتراب القمة , تصير المنافسة ضارية على كسور الدرجات , وفي مضمار العدو الأولمبي , يفوز الأبطال بكسور من الثانية لا يدركها العقل البشري دون أداة رقمية . لو صممنا نظاماً يعامل من حصل على 98 في المائة كمن حصل على الدرجة الكاملة , ورأينا أن الفارق لا يستحق , فسنفقد العقول الأكاديمية الفذة , هذه التدخلات تشبه أن تنزع من غوريلا جيناتها التي تميزها عن الإنسان , ثم تتركها في قسوة الغابة , أو أن تنزع من الإنسان قدرته على الكلام وصناعة الأساطير, ثم تدعوه ليلقي كلمة في ((تيك توك )) , تلك هندسة جينية ضررها واضح للعين , والهندسة الاجتماعية التي تلغي الفروق بين الأفراد بعبارة (( لا فرق )) تشبهها في الضرر, لكنها متوارية. نحن لا نتحدث هنا عن الفروق الجينية , بل عن منطق التمايز , التميّز يعتمد غالباً على فروق ضئيلة إلى درجة تُغري بتجاهلها , رغم أنها الفارق الذي يُحدث الفارق فلا تستهينوا بجملة (( لا فرق )) , فهي أول فأس في هدم التميّز . من ناحية اخرى لا تُلغى الفروق غالباً بقرار مباشر, بل بطريقة عكسية : تخفيف شروط المنافسة إلى حد يفقد معها التصنيف معناه , ما دمت تقرأ وتكتب بلغة منضبطة , فأنت صحافي , ما دمت قادراً على قيادة سيارة فلماذا لا تشارك في سباق محترفين؟ ما دمت مهندساً , فصمّم لنا دار الأوبرا , في الشركات الخاصة , لن تسمح لنفسك بهذا , لأنك ستدفع الثمن , لكي تربح , يجب أن تكون جواهرجياً : يقدّر الذهب , ويزن الفروق بالغرام والميليغرام , و في عالم كرة القدم , تتنافس الأندية على المواهب , وتقيّم بدقة الفروق بين ميسي , ورونالدو , وراشفورد , ونونيز , تُعيد الحسابات وتراجع نفسها , لأن الفروق الصغيرة ضخمة التباين في الربح أو الخسارة , بهذه العقلية يتلاقى الجميع في الممر نفسه: من المواهب , والمديرين , والمستثمرين , والنتائج , وكشوف الحسابات , والجماهيرية. بالأضافة لذلك لا تظنوا أن التميز يدفن استهدافاً وعمداً , بل يكون جهلاً بطبيعته , أحياناً لأنه فوق مستوى الإدراك : فالعين لا ترى الحاجب , والخيال الضيق لا يستوعب الواسع , وأحياناً لأن البعض يعتقد أن السنتيمتر هو السنتيمتر, سواء كان أسفل الزانة أو أعلاها ,وستختل المعادلة بمجرد أن يختفي العقاب المالي على القرارات السيئة, حين تتحكم في ما لا تملكه , كما في القطاع العام , ما الذي يمنعك من تفضيل سعيد الجيد على أسعد المتفوّق؟ أو من مساواة الـ98 في المائة بالدرجة الكاملة؟ في الواقع ربما تكسب أكثر في رد الجميل , وليس صدفة أن مجتمعات التملّك الحر والاقتصاد الرأسمالي أكثر غزارة في المواهب من غيرها , وليس صدفة أنه حين يتحكم الموظف البيروقراطي في الفن , تندر المواهب. (( لا فرق )) تكلف المجتمعات سنوات ضائعة , وتحرمها من أعزّ ما فيها : مواهبها , (( لا فرق )) آلة شفط المواهب من على المسرح وهرسها أو الإلقاء بها في مقاعد المتفرجين المتحسرين , (( لا فرق )) باب إلى خطوات قصيرة لخنق المستقبل , إن هذه الأمثلة تذكرنا بأن النجاح والتميز يكمنان غالبًا في الاهتمام بما هو ضئيل وليس فقط بما هو ضخم. سواء كان الأمر يتعلق بفارق جيني يحدد هوية كائن حي , أو بلمسة فنية تُخلد عملاً إبداعيًا , فإن هذه الفروقات الصغيرة هي التي تصنع الفارق الأكبر, إن تجاهلها هو تجاهل لجوهر التميز, فلنتعلم أن ننظر بعمق , وأن نقدر الفروقات مهما بدت قليلة , لأنها غالبًا ما تكون الأساس الذي يقوم عليه كل شيء عظيم.

بدرية طلبة تخرج عن صمتها: لم أقتل زوجي.. وهذه الشائعات حملة لتدمير سمعتي
بدرية طلبة تخرج عن صمتها: لم أقتل زوجي.. وهذه الشائعات حملة لتدمير سمعتي

وكالة الصحافة المستقلة

timeمنذ 5 أيام

  • وكالة الصحافة المستقلة

بدرية طلبة تخرج عن صمتها: لم أقتل زوجي.. وهذه الشائعات حملة لتدمير سمعتي

المستقلة/- ردّت الفنانة المصرية بدرية طلبة، اليوم، على موجة شائعات اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، اتهمتها بقتل زوجها المخرج المسرحي الراحل مصطفى سالم وبيع أعضائه، ووصفت هذه الاتهامات بأنها 'كاذبة ومغرضة' وتهدف إلى تشويه صورتها أمام جمهورها. وقالت بدرية، في بث مباشر عبر صفحتها الرسمية على 'فيسبوك'، إنها لم تُحتجز كما زعمت بعض الصفحات، مؤكدة أنها موجودة في منزلها، وأنها ستتخذ إجراءات قانونية حازمة ضد مروجي هذه المزاعم. وأضافت: 'شعب مصر كيف يمكنني أن أسيء إليكم وأنتم من صنع اسمي؟ قالوا إنني قتلت زوجي وسرقت أعضاءه! ماذا تريدون مني؟' وكانت الشائعات قد انتشرت بشكل واسع منذ وفاة مصطفى سالم في ديسمبر 2024 بعد صراع طويل مع المرض، حيث تضمنت ادعاءات بتورط بدرية في تجارة الأعضاء البشرية، إلى جانب اتهامات أخرى مثل التحقير من الشعب المصري أو العمل في خدمة الفنان الراحل حسين الإمام، وهي مزاعم نفتها تماماً. وأكدت الفنانة الكوميدية أنها تقدمت ببلاغات رسمية إلى النائب العام ضد من وصفتهم بـ'مروجي الأكاذيب والابتزاز الإعلامي'، مشيرة إلى أن بلاغها أُحيل إلى نيابة قصر النيل التي بدأت التحقيق مع يوتيوبر شهير متهم بنشر هذه الاتهامات. وأعربت بدرية عن امتنانها للدعم الكبير الذي تلقته من جمهورها، مشددة على أنها لن تتهاون في الدفاع عن كرامتها وتاريخها الفني الذي بدأ في التسعينيات بدعم من زوجها الراحل، الذي اكتشف موهبتها وقدمها في عدد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية. يذكر أن بدرية طلبة شاركت في العديد من الأعمال البارزة، منها مسلسل 'رمضان كريم 2' (2023) وفيلم 'بلوموندو' (2023)، بالإضافة إلى مسرحيات ناجحة مثل 'عيال تجنن' و*'أنا ومراتي ومونيكا'*، وتعرف بنشاطها الكبير على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة 'تيك توك' و'إنستغرام'.

تسطيح المأساة: حين يصبح الحزن طربًا
تسطيح المأساة: حين يصبح الحزن طربًا

موقع كتابات

timeمنذ 6 أيام

  • موقع كتابات

تسطيح المأساة: حين يصبح الحزن طربًا

منذ أن سُطّرت فاجعة كربلاء في ذاكرة الأمة، شكّلت قصائد النعي والرثاء الحسيني بُعدًا روحيًا وثقافيًا عميقًا، عبّرت عن 'الوجدان الشيعي' وأحزانه المتوارثة على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام. كانت هذه القصائد، بطابعها الحزين وكلماتها المتفجعة، تمثل صوت البكاء الجمعي، ووسيلة لاستذكار المظلومية، وتأكيد القيم التي استُشهد من أجلها الحسين عليه السلام. – بين النعي والطرب: تحوّل في هوية القصيدة. رغم أن بعض الرواديد ما زالوا يحافظون على الأصالة والرسالية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحوّلاً ملحوظًا في مضامين وأداء القصائد الحسينية، بإنزياح القصيدة ونغمتها تدريجيًا عن النمط الرثائي الباكي إلى نمط طربي غنائي، بل وغزلي أحيانًا، يُطغى عليه الإيقاع والإثارة. هذا التحول.. لم يعد مجرد تجديد فني، بل أصبح تغيّرًا في البنية الرمزية والثقافية للقصيدة. فالكثير من القصائد تُبنى اليوم على كلمات ابتعدت عن روح المأساة المميزة للإمام الحسين بألحان مصاحبة تنحو بالواقعة والمأساة الى قصة حب دنيوي تتخللها كلمات الغزل والوله والعشق، بعضها مستعار من أغان شعبية. اضافة الى اخرى صحوبة بإيقاعات غريبة كـ'البندرية' ما يضفي طابعًا احتفاليًا غير منسجم مع طبيعة الذكرى. – من البكاء إلى الأهزوجة. هذا التوجه نحو تحويل القصيدة الحسينية إلى 'أهزوجة' يُجردها من بعدها الرسالي والعاطفي، ويحوّلها إلى عرض فني ترفيهي. فبينما كان الرادود الحسيني يُبكي القلوب ويُثير الشجن، صار بعضهم يُطرب الآذان ويُحرك الأجساد. وتتجلى هذه الظاهرة بشكل واضح في بعض منصات التواصل ' على تيك توك خاصة' حيث تُنشر مقاطع لفتيات أو شبّان يردّدون القصائد وكأنها اغاني للحب والعشق الدنيوي بلغة جسد وأداء لا تنسجم مع جوّ العزاء، ما يُضعف قدسية المناسبة ويحولها إلى مشهد استعراضي. – المأساة بين التقديس والتسطيح القضية الحسينية ليست قضية انسانية تتمحور حول مناسبة وجدانية فقط، بل هي محطة وعي أخلاقي وروحي وثوري، تحرك الوجدان نحو التغيير، ومقارعة الظلم والجهر ب'لا' عظيمة مزازلة للباطل منتصرة للحق،.. القضية ليست طقس جمالي مؤقت يُفرغها من مضمونها الإصلاحي، ليجعل من 'عاشوراء' أيقونة عاطفية، تبعد الشعائر عن دورها الثوري وتتحول إلى وسيلة ترفيه ناعمة، تخدر الشعور وتُميت الحزن بدلًا من بعثه. – نحو أصالة الوعي الشعائري ' عاشوراء' ليست كرنفالا فنيًا، او ملتقى جماهيري ترفيهي يحتمل ألحانًا راقصة وأهازيج غزلية، بل فكرة وموقف ثوري متجدد يتطلب أدبًا يلامس عمق الحزن وصدق الرسالة، كما في قول دعبل الخزاعي: 'أفاطم لو خلتِ الحسين مجددًا… لأجريتِ دمع العين في الوجناتِ' ورثاء عقبة بن عمرو السهمي: 'مررت على قبر الحسين بكربلا… وما زلت أبكيه وأرثي لشجوه' وكما صوّر الشريف الرضي صدق الولاء واللوعة: 'صبغ القلب حبكم صبغة الشيب… وصبغي لولا الردى لا يحول' ـ خطوات عملية للإصلاح: لضبط مسار القصيدة الحسينية والحفاظ على روحها، لابد من عملية إصلاح تواكب التجديد الذي من المفترض أن يكون في المعنى والوعي، لا في الشكل والمظهر، من خلال: 1. تشكيل لجان متخصصة لفحص النصوص والألحان قبل تداولها، لضمان انسجامها مع روحية عاشوراء. 2. تشجيع الشعراء والرواديد على العودة إلى الأساليب الأصيلة في الأداء والمضمون. 3. إنتاج قصائد واعية ومعاصرة، تعالج القضايا الاجتماعية والإنسانية من خلال روح القضية الحسينية (كالعدالة، ومواجهة الظلم، وحقوق الإنسان). – في المنتهى لابد من الإشارة الى ان الحفاظ على قدسية المأساة الحسينية مسؤولية جماعية. مايعني ايقاف حالة التداعي بتحويل العزاء إلى طرب، وتسطيح الحزن إلى عرض، يُفرغ هذه المناسبة العظيمة من جوهرها. لا بد من وعيٍ جماعي يحفظ لعاشوراء معناها، وللرثاء دوره في بناء الوعي والروح. ومع كل اصيل …. يتماهى ويذوب وينتهي كل دخيل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store