
نظرية الانعكاس الاجتماعي وتفكك العلاقات
أصبحت حرية التعبير في مجتمعاتنا الحديثة رهينة للقلق الاجتماعي والخوف من الأحكام المسبقة، وأصبح الحق في التعبير، الذي كان يُفترض أن يكون وسيلة لتبادل الأفكار والآراء، محاطًا بالعديد من التحديات. النقاشات التي كانت في السابق تعتبر فرصًا للتبادل الفكري أصبحت اليوم ساحات صراع اجتماعي، حيث تهيمن الاتهامات والتجريح والتنمر اللفظي والخطاب العنصري. وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت تهدف في البداية إلى تعزيز التواصل بين الأفراد، تحولت إلى منصات للخطاب السلبي والتحريض، ما يعمق من ثقافة الكراهية والانقسام الاجتماعي. في ظل غياب الأدوات الفعّالة للتعبير، نجد أن وسائل الإعلام أصبحت تساهم بشكل مباشر في تشكيل المجتمع بدلًا من أن تعكسه، مما يساهم في تعميق الانقسامات بين الأفراد. يعود ذلك إلى نظرية 'الانعكاس الاجتماعي' (Social Reflection Theory) في علم الاتصال الجماهيري، التي تؤكد على أن وسائل الإعلام ليست مجرد مرايا لواقع المجتمع، بل هي أدوات تُساهم في تشكيل هذا الواقع نفسه. يمكننا أن نلاحظ هذا بشكل جليّ في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مرتعًا لثقافة التفاعل السلبي، ما يؤدي إلى تعميق الفجوات المجتمعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار العنصرية والكراهية لم يعد مجرد وجهات نظر مغايرة، بل أصبح ظاهرة تؤثر بشكل مباشر في تماسك المجتمع وتفاعله. إن التحول من الحوار الفكري إلى خطاب محرض ضد الآخر يمثل تهديدًا حقيقيًا للحرية، حيث تصبح الكلمات أداة لتدمير القيم الإنسانية بدلًا من نشرها. كما أن غياب المراقبة الذاتية يعزز من انتشار هذه السلوكيات السلبية على الإنترنت، ما يجعل الإنترنت منصة لتعميق الانقسامات والتوترات بين الأفراد. ويظهر هنا تأثير نظرية 'ظاهرة الجماهير' (The Crowd Phenomenon) في علم النفس الاجتماعي، التي تفسر كيف أن الأفراد في المجموعة قد يفقدون حس المسؤولية الشخصية ويقعون تحت تأثير العواطف الجماعية، ما يؤدي إلى تصعيد النزاع الاجتماعي وتفشي خطاب الكراهية.
في مواجهة تحديات حرية التعبير والظواهر السلبية مثل العنصرية وخطاب الكراهية، يصبح من الضروري التفكير في حلول متكاملة تعزز من المسؤولية الاجتماعية وتعزز من ثقافة الحوار البناء. هنا نعرض مقترحين مع تعزيز مفهوم التربية الإعلامية ومحو الأمية الإعلامية وتعليم التفكير النقدي، التي تعد من الركائز الأساسية لتغيير الواقع الاجتماعي وتحقيق تأثير إيجابي ومستدام:
1.تعزيز التثقيف الإعلامي ومحو الأمية الإعلامية:
من أجل مواجهة تأثيرات وسائل الإعلام الحديثة، يجب أن تبدأ البرامج التعليمية في المدارس والجامعات بتدريس التربية الإعلامية بشكل منهجي، مما يعزز قدرة الأفراد على تحليل وفهم الرسائل الإعلامية بشكل نقدي. التربية الإعلامية تتضمن تعليم الأفراد كيفية تمييز المعلومات الحقيقية من الزائفة، وفهم كيفية تأثير وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام. بالإضافة إلى ذلك، يجب توسيع برامج محو الأمية الإعلامية، التي تهدف إلى تمكين الأفراد من فهم دور الإعلام في حياتهم اليومية وكيفية التعامل مع المحتوى الإعلامي بكفاءة ووعي، مما يساعد في مواجهة الأخبار المزيفة والتضليل الإعلامي.
أيضًا، يجب تشجيع الأفراد على فهم التأثيرات الاجتماعية والسياسية للمحتوى الذي يستهلكونه، سواء كان في شكل فيديوهات، منشورات، أو مقاطع صوتية. يساهم هذا الوعي في الحد من تأثيرات التحريض على العنف والكراهية، ويعمل على تعزيز ثقافة التفاهم والاحترام بين أفراد المجتمع.
2.تعليم التفكير النقدي وتعزيز القدرة على الحوار البناء:
التعليم لا يجب أن يقتصر على نقل المعلومات فقط، بل يجب أن يركز على تعليم التفكير النقدي. من خلال تعليم الأفراد كيفية التفكير بشكل منطقي وتحليل الأفكار والآراء بموضوعية، نكون قد زودناهم بالأدوات اللازمة للتعامل مع الأفكار المتناقضة والآراء المخالفة لهم دون اللجوء إلى التنمر أو التصعيد الاجتماعي.
التفكير النقدي يتطلب من الفرد أن يكون قادرًا على فحص الأدلة، وتقييم الحجج، والتفكير في العواقب المحتملة للأفعال والأقوال. ومن خلال تعليم هذا النوع من التفكير، يمكن للطلاب والمواطنين بشكل عام أن يصبحوا أكثر وعيًا بنقاط القوة والضعف في الرأي العام، وبالتالي يمكنهم التفريق بين آراء مبنية على الحقائق وآراء مبنية على التحريض أو العاطفة.
في هذا السياق، يُعتبر تعليم الحوار البناء جزءًا من التفكير النقدي. يجب تعليم الأفراد كيفية مناقشة قضايا معقدة دون اللجوء إلى الهجوم الشخصي أو العنف اللفظي. من خلال هذه المهارات، يمكن تحويل النقاشات العميقة إلى فرص للتعلم والنمو الاجتماعي، بدلًا من أن تتحول إلى صراعات مدمرة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الدستور
"نافذةٌ واحدةٌ وأبوابٌ متعددةٌ".. دراساتٌ نقديّةٌ في الفنِّ التشكيليِّ العُماني
عمّان – الدستور – عمر أبو الهيجاء تجمع "مؤسسة بيت الزبير" مجموعة من البحوث العلميّة المحكّمة، المتخصصة في مجال الدراسات النقدية في الفن التشكيلي العُماني، في كتاب "نافذة واحدة وأبواب متعددة/ دراسات نقدية في الفن التشكيلي العُماني"، من أجل أن يحقّق للفن التشكيلي معانيه المتعددة التي يستحقّها بطبيعة الحال، ومن أجل سدّ ثغرة الشُّحّ في الكتابات النقدية المتخصصة في التجربة الفنية العُمانية التي قطعت أشواطًا كبيرة وأثّرت في المشهد الفني العربي عموماً. الكتاب نفسه، وقد صدر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون"، الأردن، تضمن مقدمة بقلم الأستاذة الدكتورة فخرية اليحيائية، لافتة النظر خلالها إلى أن الدراسات العلمية التي يتضمنها الكتاب تأتي "بصفتها أحد المشاريع الرائدة التي يقدمها مختبر الفنون في مؤسسة بيت الزبير للمتلقي العماني والعربي معالجا الشح في الكتابات النقدية المتخصصة عن الساحة التشكيلية التي قطعت أشواطًا كبيرة. وقد خضعت جميع البحوث المدرجة في هذا الكتاب للتحكيم العلمي من أكاديميين متخصصين في المجال". ويتضمن الكتاب ستة فصول، جاء الفصل الأول بعنوان «نحو توجه معاصر لبناء حركة نقدية في الفن التشكيلي العُماني» للأستاذة الدكتورة فخرية اليحيائية. تكمل الكاتبة مسيرتها في البحث في قضية شح الكتابات النقدية المتخصصة في الفن التشكيلي العماني؛ إذ تقدم الكاتبة في هذا الفصل قناعات حول أهمية النقد الفني وفي الوقت ذاته تبرر شُحه في سلطنة عُمان على وجه الخصوص بسبب صعوبته؛ إذ من السهولة ممارسة فعل الفن، ولكن من الصعوبة ممارسة النقد والتحليل إذ لا يمكن أن يمارسه أي شخص. من وجهة نظر الكاتبة أن العلم مطلوب والخبرة والممارسة مطلوبة أيضا. لكن ممارسة النقد بأشكاله كافة هي عملية خطيرة وشائكة إذا لم يتعاط معه الناقد بأسلوب علمي مبني على الأدلة والبراهين. أما الفصل الثاني فكان بعنوان «قراءة نقدية في تجارب النحاتين الشباب في سلطنة عُمان» للأستاذ الدكتور محمد العامري. استعرض فيه تجارب النحاتين الشباب المعاصرين الذين أثبتوا تمكنهم في مجال النحت بعد تعثر هذا المجال لسنوات طويلة. إذ يشير الكاتب في دراسته إلى أن الفنانين العُمانيين الشباب في مجال النحت قد أثبتوا فعلا أنهم قادرون على ممارسة هذا الفن بمستوى عالٍ من الدقة والصفات الجمالية والفنية التي تضاهي أعمال أقرانهم في دول الخليج والدول العربية والأجنبية أيضا. الفصل الثالث جاء بعنوان "بين التعبيرية التلقائية والنفس الأمارة بالإبداع: التجربة الخزفية التشكيلية العمانية الحديثة" للدكتور بدر المعمري. تناقش الدراسة المفاهيم والنظريات التي تدخل في سياق التعبيرية والتلقائية في الفن التشكيلي لاسيما مجالات الفنون الجميلة كالرسم والتصوير والنحت. ومن هذه النظريات يشير الكاتب إلى التسامي الفرويدية وأسلوب التداعي الحر في استعادة الذكريات وغيرها من المفاهيم التي ارتبطت بشكل أصيل بالفنون الجميلة. ولكن الكاتب في دراسته يرى أن الفنون التطبيقية كالخزف لم تسلم من نظريات علم النفس. معتقدًا أن هناك حدودًا متقاربة ما بين التعبيرية التلقائية في الفنون الجميلة كالرسم والتصوير والنحت والتعبيرية التلقائية في الفنون التطبيقية كالخزف؛ هذا التقارب يظهر في الهيئة والشكل وفي الوقت نفسه متباعدة؛ والتباعد بلا شك يظهر في التقنية والأسلوب. الفصل الرابع جاء بعنوان "قراءة في التجارب الفنية البصرية العُمانية" لكل من د. أحمد محيي حمزة ود. جهاد محمد شريت. يدور البحث حول قراءة لبعض التجارب البصرية العُمانية. إذ بدأ الفصل بقراءة موجزة عن الفن التشكيلي في سلطنة عمان ليكون مدخلا لفهم الحركة الفنية التشكيلية العُمانية ومعرفة كيفية ظهور الفنان التشكيلي العُماني، وكيفية تلقيه وتعليمه الأكاديمي والوقوف على المناخ العام للتعليم والتأثر الثقافي. ثم اختار الكاتبان قراءة أعمال اثنين من الفنانين العمانيين؛ مبررين اختيارهما لهذين الفنانين لما لهما من إسهامات واضحة في الحركة التشكيلية العُمانية والعربية ومشاركتهم الدولية المتميزة؛ إذ اختارا الفنانين أنور سونيا وفخرية اليحيائية؛ رغم اختلاف الأجيال والأدوار والإسهامات والتوجهات، إلا أن الكاتبين وجدا أن لكلٍ منهما توجهه الفكري والفلسفي والتقني في المعالجة البصرية الإبداعية، إلا أنهما يلتقيان معًا في الارتباط الوثيق بثقافة مجتمعهما وتقاليده وانتمائهما إلى وطنهما «سلطنة عُمان». وجاء الفصل الخامس بعنوان "التجريد العُماني المُعاصر وأزمةُ النقد التحليلي" للدكتور مروان عمران. يناقش الكاتب أزمة النقد في الممارسات التجريدية في الفن التشكيلي العماني. فبدأ الكاتب دراسته بقراءة تأملية للفن التجريدي العماني؛ معدًّا إياه في بواكير انطلاقاتهِ الأولى والذي ظهر ضمن ممارسات واتجاهات مختلفة بين النزعات الفردية للفنان وبين الحقيقة الأكاديمية في الفن التجريدي والتيارات المُعاصرة. وهذا التوجه يظهر من وجهة نظر الكاتب أنه ناتج وفق رغبة الفنان العُماني واختياره مجال الفن التشكيلي الذي يناسبه سواء كان رسمًا أو نحتًا، هذا الأمر ترك مساحة تبدو مجهولة وغير مشخّصة كليا تقتصر على رغبة كثير من الفنانين العُمانيين ولاسيما الشباب على حبهم وتوجههم نحو الرسم أو النحت التجريدي برغبة معرفية فردية أكثر مما هو دافع أكاديمي. ويرى الكاتب أن لغة التجريد التي يمارسها الفنانون العمانيون أصبحتْ لغة لا يمكن قراءتها ولا يمكن تشخصيها أحيانًا. الأمر الذي صعب ممارسة النقد العلمي ذا النهج التحليلي الخاص بالفن التجريدي، بل يعتقد بأنه لا وجود لنقد تحليلي تقويمي للفن التجريدي في عُمان على وجه الخصوص؛ الأمر الذي يدعو للتساؤل ويدعو للبحث أيضًا، وهو ما دعا الكاتب لأن يكتب عن الأسباب وراء غياب النقد التحليلي؛ مبررًا هذا الغياب من وجهة نظره من أجل إخفاء الفجوة الغامضة في الوسط التشكيلي العماني المُعاصر. ويأتي الفصل السادس بعنوان "دراسة تتبعية للكتابات النقدية في الفن التشكيلي العُماني: صحيفة «الوطن» أنموذجاَ في المدة 2003-2008" لنائلة المعمرية ليجيب عن قضية شح الكتابات النقدية العلمية التي تطرق إليها الدكتور مروان عمران في الفصل الخامس. طرحت الكاتبة في دراستها تتبعا زمنيا للكتابات في مجال الفن التشكيلي العماني في المدة الزمنية من (2003- 2008) أيا كان نوع تلك الكتابات. جاء تتبعها لهذه الدراسات مبنيا على قضية نقص الكتابات النقدية المتخصصة في الإعلام العُماني المقروء؛ من خلال تتبع إصدارات صحيفة «الوطن» العُمانية اليومية وملاحقها الفنية والتي خصصت عمودًا للفن التشكيلي العماني وغير العماني. إذ أخذت الكاتبة عينات من إصدارات صحيفة «الوطن» للأعوام المذكورة، وقد وجدت بأن المقالات قد تخصصت في الأسلوب الخبري وفي إجراء حوارات مع الفنانين أو بالحديث عن فنان وتجربته التشكيلية أو بذكر سيرة ذاتية لأحد الفنانين وعدد بسيط جدا يعد بأصابع اليد يتطرق لاجتهادات تحليلية بسيطة للأعمال الفنية، وعليه حللت الباحثة عددًا من المقالات التي نشرت خلال تلك المدة المذكورة أعلاه بشكل عام، والتركيز على المقالات النقدية بشكل خاص. تجدر الإشارة إلى أن "مؤسسة بيت الزبير" هي مؤسسة ثقافية، في العاصمة العُمانيّة مسقط، بدأت بمتحفٍ خاصٍ، فُتحت بوابته الخشبية المزخرفة لترحب بزواره في عام 1998م. وهو ممولٌ من قبل مؤسسيه (عائلة الزبير). وفي عام 2005م أنشأت العائلة هذه المؤسسة لتكون الذراع الثقافي والاجتماعي للمؤسسة التجارية التي تملكها الأسرة.


خبرني
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- خبرني
نظرية الانعكاس الاجتماعي وتفكك العلاقات
أصبحت حرية التعبير في مجتمعاتنا الحديثة رهينة للقلق الاجتماعي والخوف من الأحكام المسبقة، وأصبح الحق في التعبير، الذي كان يُفترض أن يكون وسيلة لتبادل الأفكار والآراء، محاطًا بالعديد من التحديات. النقاشات التي كانت في السابق تعتبر فرصًا للتبادل الفكري أصبحت اليوم ساحات صراع اجتماعي، حيث تهيمن الاتهامات والتجريح والتنمر اللفظي والخطاب العنصري. وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت تهدف في البداية إلى تعزيز التواصل بين الأفراد، تحولت إلى منصات للخطاب السلبي والتحريض، ما يعمق من ثقافة الكراهية والانقسام الاجتماعي. في ظل غياب الأدوات الفعّالة للتعبير، نجد أن وسائل الإعلام أصبحت تساهم بشكل مباشر في تشكيل المجتمع بدلًا من أن تعكسه، مما يساهم في تعميق الانقسامات بين الأفراد. يعود ذلك إلى نظرية 'الانعكاس الاجتماعي' (Social Reflection Theory) في علم الاتصال الجماهيري، التي تؤكد على أن وسائل الإعلام ليست مجرد مرايا لواقع المجتمع، بل هي أدوات تُساهم في تشكيل هذا الواقع نفسه. يمكننا أن نلاحظ هذا بشكل جليّ في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مرتعًا لثقافة التفاعل السلبي، ما يؤدي إلى تعميق الفجوات المجتمعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار العنصرية والكراهية لم يعد مجرد وجهات نظر مغايرة، بل أصبح ظاهرة تؤثر بشكل مباشر في تماسك المجتمع وتفاعله. إن التحول من الحوار الفكري إلى خطاب محرض ضد الآخر يمثل تهديدًا حقيقيًا للحرية، حيث تصبح الكلمات أداة لتدمير القيم الإنسانية بدلًا من نشرها. كما أن غياب المراقبة الذاتية يعزز من انتشار هذه السلوكيات السلبية على الإنترنت، ما يجعل الإنترنت منصة لتعميق الانقسامات والتوترات بين الأفراد. ويظهر هنا تأثير نظرية 'ظاهرة الجماهير' (The Crowd Phenomenon) في علم النفس الاجتماعي، التي تفسر كيف أن الأفراد في المجموعة قد يفقدون حس المسؤولية الشخصية ويقعون تحت تأثير العواطف الجماعية، ما يؤدي إلى تصعيد النزاع الاجتماعي وتفشي خطاب الكراهية. في مواجهة تحديات حرية التعبير والظواهر السلبية مثل العنصرية وخطاب الكراهية، يصبح من الضروري التفكير في حلول متكاملة تعزز من المسؤولية الاجتماعية وتعزز من ثقافة الحوار البناء. هنا نعرض مقترحين مع تعزيز مفهوم التربية الإعلامية ومحو الأمية الإعلامية وتعليم التفكير النقدي، التي تعد من الركائز الأساسية لتغيير الواقع الاجتماعي وتحقيق تأثير إيجابي ومستدام: 1.تعزيز التثقيف الإعلامي ومحو الأمية الإعلامية: من أجل مواجهة تأثيرات وسائل الإعلام الحديثة، يجب أن تبدأ البرامج التعليمية في المدارس والجامعات بتدريس التربية الإعلامية بشكل منهجي، مما يعزز قدرة الأفراد على تحليل وفهم الرسائل الإعلامية بشكل نقدي. التربية الإعلامية تتضمن تعليم الأفراد كيفية تمييز المعلومات الحقيقية من الزائفة، وفهم كيفية تأثير وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام. بالإضافة إلى ذلك، يجب توسيع برامج محو الأمية الإعلامية، التي تهدف إلى تمكين الأفراد من فهم دور الإعلام في حياتهم اليومية وكيفية التعامل مع المحتوى الإعلامي بكفاءة ووعي، مما يساعد في مواجهة الأخبار المزيفة والتضليل الإعلامي. أيضًا، يجب تشجيع الأفراد على فهم التأثيرات الاجتماعية والسياسية للمحتوى الذي يستهلكونه، سواء كان في شكل فيديوهات، منشورات، أو مقاطع صوتية. يساهم هذا الوعي في الحد من تأثيرات التحريض على العنف والكراهية، ويعمل على تعزيز ثقافة التفاهم والاحترام بين أفراد المجتمع. 2.تعليم التفكير النقدي وتعزيز القدرة على الحوار البناء: التعليم لا يجب أن يقتصر على نقل المعلومات فقط، بل يجب أن يركز على تعليم التفكير النقدي. من خلال تعليم الأفراد كيفية التفكير بشكل منطقي وتحليل الأفكار والآراء بموضوعية، نكون قد زودناهم بالأدوات اللازمة للتعامل مع الأفكار المتناقضة والآراء المخالفة لهم دون اللجوء إلى التنمر أو التصعيد الاجتماعي. التفكير النقدي يتطلب من الفرد أن يكون قادرًا على فحص الأدلة، وتقييم الحجج، والتفكير في العواقب المحتملة للأفعال والأقوال. ومن خلال تعليم هذا النوع من التفكير، يمكن للطلاب والمواطنين بشكل عام أن يصبحوا أكثر وعيًا بنقاط القوة والضعف في الرأي العام، وبالتالي يمكنهم التفريق بين آراء مبنية على الحقائق وآراء مبنية على التحريض أو العاطفة. في هذا السياق، يُعتبر تعليم الحوار البناء جزءًا من التفكير النقدي. يجب تعليم الأفراد كيفية مناقشة قضايا معقدة دون اللجوء إلى الهجوم الشخصي أو العنف اللفظي. من خلال هذه المهارات، يمكن تحويل النقاشات العميقة إلى فرص للتعلم والنمو الاجتماعي، بدلًا من أن تتحول إلى صراعات مدمرة.

عمون
١٩-٠٣-٢٠٢٥
- عمون
الخذلان .. وأي ألمٍ أقسى منه؟!
يقول انطون تشيخوف 'لم أعلم يوماََ.. أن الخُذلان قاسي جداََ.. لدرجة أن تشعر بالشفقة على نفسك'.. فما أقساه من شعور.. أن تنظر في أعماقك.. فلا تجد سوى بقايا روح منهكة.. لا تملك حتى أن تغضب.. أو تحزن.. فقط صمتٌ لا روح فيه.. يحيط بك.. تتأمل ذاتك.. وكأنك تعتذر لها على الأوهام التي خدعتك.. على الأحلام التي شيدتها بيديك.. ثم تهاوت أمامك.. دون أن تملك القدرة على إنقاذها.. فالخذلان ليس مجرد خيبة عابرة.. بل انكسار داخلي.. يسلبك الشعور ذاته.. فلا تلوم أحداً.. ولا تنتظر حتى كلمة مواساة.. فقط تواجه الحقيقة.. عارياً من كل يقين.. الخذلان ليس حكراً على صديقٍ خان العهد.. أو حبيبٍ لم يصن الوعد.. أو شخصٍ منحته ثقتك.. فانقلب عليك.. بل يمتد ليشمل كل ما ظننته ثابتاً.. ثم اكتشفت أنه مجرد سراب.. خذلان الحكومات.. حين تتنكر لحقوق مواطنيها.. خذلان النواب.. حين يبيعون وعودهم بثمن بخس.. خذلان المسؤولين.. حين يقدمون المصالح على المبادئ.. بل هو خذلان الدول.. حين تتاجر بآلام الضعفاء.. فالشعوب المقهورة أيضاً.. تصاب بالخذلان.. حين تكتشف أن أصواتها.. ليست إلا صدى يتلاشى في الفراغ.. وأن جراحها وآلامها.. ما هي إلا مشاهد على الشاشات.. وأن أحلامها بالحرية والعدالة.. ما هي إلا سراب.. يتلاعب به الأقوياء كيفما شاؤوا.. وميدان للمزايدات.. ولكن.. هل هناك شعور أقسى من الخذلان؟!.. أن تفقد الثقة.. ليس فقط بالآخرين.. بل بنفسك أيضاً.. أن تجد نفسك غريباً في داخلك.. تسير بلا يقين.. تعيش دون توقعات.. تخشى الأمل.. لأنه قد يتحول إلى خيبة جديدة.. علم النفس والاجتماع.. يتحدثان عن هذا الألم العميق.. بمفاهيم متعددة.. في نظرية التعلق لـ"جون بولبي".. نجد أن الإنسان.. يبني روابط عاطفية أساسية.. وحين تنهار هذه الروابط بالخذلان.. يُوَلِد ذلك شعوراً بالهشاشة الداخلية.. وفقدان الأمان.. أما في نظرية الصدمة النفسية.. فيتحدث الخبراء عمّا يسمى بـ"العجز المكتسب".. حيث يفقد الإنسان الرغبة في المحاولة مجدداً.. ويصبح أسيراً لفكرة.. أن كل شيء سيتكرر بنفس الألم.. والسؤال المطروح هنا.. هل هناك مخرج لمن شعر بالخذلان؟!.. المخرج والترميم لا يكون بالنسيان.. فهذا وهم.. بل بفهم التجربة.. واستيعاب الدرس.. أن تدرك أن الخذلان ليس عيباً فيك.. بل في مَن خذلك.. أن تعي.. أن الحياة ليست مدينة لك بالعدل المطلق.. لكنها تمنحك القوة.. لتنهض كلما سقطت.. أن تعود إلى ذاتك.. إلى حقيقتك.. دون أن تصبح نسخة أخرى من قساوة العالم.. أن تتعلم كيف تميز بين من يستحق قلبك.. ومن لا يستحق حتى وقتك.. أن تجعل من كل خذلانٍ.. نقطة تحولٍ.. لا نقطة انكسار.. لعلنا نعود إلى إنسانيتنا.. لعلنا نتذكر أن أقبح ما قد نفعله.. هو أن نجعل أحداً يشعر بهذا الألم.. الألم الذي عرفناه.. فبعض الجراح تلتئم.. لكن خذلان الروح.. قد يظل ندبة لا تُمحى.. لكن.. حتى الندوب.. قد تصبح يوماً ما دليلاً على قوة مَن مرّ بها.. لا على ضعفه..