logo
امـرأة خــارج الزمــن أحــلام كبيــرة أم كـــوابيس

امـرأة خــارج الزمــن أحــلام كبيــرة أم كـــوابيس

الدستور٠١-٠٥-٢٠٢٥

إبراهيم خليل
تواصل الأديبة الفلسطينية المقيمة ببيروت سلوى البنا عطاءها الروائي والقصصي. فتوالت أعمالها، ومنها عروس خلف النهر 1972 والوجه الآخر 1974، والآتي من وراء المسافات 1977 ومطرٌ في صباح دافئ 1979 والعامورة – عروس النيل 1986 وحذاء صاحب السعادة(قصص) 2010 وامرأة خارج الزمن (2011) وعشاق نجمة 2015 وست الحسن في ليلتها الأخيرة 2017 وأصل الهوى نَسْمة 2023 ومن هذا العطاء الموصول نتناول في مقالنا هذا روايتها امرأة خارج الزمن (الدار العربية للعلوم (ناشرون) بيروت.
أول الغيث:
تسلط البنّا في روايتها هذه الضوء على سلبيات المقاومة في بيروت. « بعد أن تحولت البندقية لوسيلة ارتزاق لدى كثيرين من خريجي السجون وذوي السوابق، وقبضايات الحواري والزعران. وحشاشي المصاطب في فلتان بشع ومخيف، خطف الحلم بعيدا. (ص52) ثم هي هي على سلبياتها وعيوبها في مناطق السلطة الفلسطينية بعيد أوسلو 1993. فنبيل - وهو أحد شخوص الرواية - ينخرط فيما يسمى أمن الثورة، أيْ في جهاز مخابراتي تابع للسلطة، وظيفة المجند فيه هي التجسُّس على أبناء الضفة وغزة. لذا تقول بهية لابنها نبيل» يعني راح تشتغل جاسوس ع اولاد بلدك؟ يا خسارة!! كنت شايفة فيك بطل مثل الشهيد توفيق، صحيح، مصارينا عَ قدْنا. بس قادرين نعَلْمَك.» (ص57)
وهذا الاتجاه الذي دُفع إليه بتشجيع من أحد أصدقائه آدم، الذي سبقه لهذه المهنة، بمنزلة الانقلاب التام على ما عرف عن الأسرة، وعن أبيه موسى، وأمه بهية، وإخوته، وأصدقائه الآخرين بمن فيهم(مها) التي شُغِف بها حبًا دون أن تكترث به، ودون أن ترنو إليه بنظرة تتجاوز نظرة الصديق للصديق، وابن الجيران لابن الجيران.
يقول له آدم « إنه المفتاح الذي يقودكَ لأعماق الآخرين. ويمكِّنُكَ من عصرهم حتى آخر قطرة رَفْض في عروقهم» (ص56) أما عن مها، فهي تسخَر من نبيل، وتصفه بما لا يحب، وبالغيرة، لأنها تميل ميلا شديدا للأستاذ توفيق، ذلك المعلم الذي عُرف في المخيم بماضيه الثوري، وبنقاء سريرته، وبكتاباته السياسيّة العميقة، سواءٌ ما ينشره منها في الصحف، والمجلات، أو ما ينشرهُ في الكتب. وفي ذروة هذا التعليق، وفي أثناء انتظار محاضرة الأستاذ توفيق عن الذكرى الأربعين لقرار تقسيم فلسطين، استقطب الداعون لها جمهورا غفيرًا، وحَشْدا كبيرًا، جرى اغتياله في تفجير مروع، فانطلقت إثر ذلك آمال نبيل في أن يكون، هو، فارسَ أحلامها، لا توفيق، بعد أن غدا هذا المركز شاغرًا باستشهاده.(ص40)
تحوُّلات
غير أن مها مع ذلك لا تعيره اهتمامًا، بل الكثير من التجاهل، إن لم نقل الاستخفاف، والازدراء. وتظهر في الأفق شخصية جديدة تعقبها تحولات، وهي شخصية رسام الكاريكاتير رامي. و كان سليم - والدها - معجبا به جدا، على الرغم من أن الرجلين مختلفان في موقفيهما من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. فسليم - والد مها - ناصريٌ قـُحّ، « بكى أبي مرات ثلاثا؛ الأولى عندما أعلن عبد الناصر تنحّيه عن الرئاسة، والثانية عندما عدل عن تنحّيه، والثالثة حين غُصَّ صوتُ المذيع بخبر رحيله المفاجئ، والموجع.. «(ص45) أما رامي فيستفزه حين يُذكــّره ببعض أوجه القصور التي عُرف بها عبد الناصر» على الرغم من أنه يحترم هذه الرمزية لعبد الناصر لدى أبي، ومكانته، إلا أن الأمر لم يكن يخلو من بعض المناكفة التي يفتعلها رامي فينجح في استفزاز أبي بمجرد إقحام اسم عبد الناصر في دائرة الخطأ، أو التقصير»(45). ووافق الأب سليم على خطبة رامي لها بعد أن تعذر قبول المخبر عماد(ص81) وتزوّجا، ثم سافرا إلى مكانٍ لم تذكره الساردة. (ص84)
العودة إلى فلسطين:
وبعد عشرين سنة من الزواج، تكتشف مها أن رامي ليس أهلا للثقة، فقد تبينت أن علاقته بشادية تطورت كثيرا لدرجة تَصِمُه بالخيانة الزوجية.(ص111) فتعتزم الانفصال عنه، والعودة إلى الوطن: فلسطين. تاركة رامي وابنه الذي سمته توفيق باسم الشهيد، في إشارة تنم على تعلقها به، وحبها الذي تحتفظ به للراحل على الرغم من فارق السنّ بينهما، وعلى الرغم من أن الراحل لم يكن يُكِنُّ لها إلا الاحترام، والتقدير، بعيدا عن الحب بمعناه الأفلاطوني، أو الإيروتيكي. إذن، ها هي مها تعود إلى فلسطين، وعلى الجسر الذي يربط بين ضفتي نهر الأردن يسألها الشرطي التابع لسلطة أوسلو عن جواز سفرها. فتقدم له الوثائق لكي ينظر فيها على عجل، قائلا، والاستغراب لا يفارق لهجته: أين تقصدين؟ فتجيب: إلى يافا.
وها هنا يقهقه الشرطي قائلا باستهزاء خبيث: يافا؟ مرَّة وحدة؟ قولي أريحا. قولي رام الله. وهنا بدأت الشكوك تساور الشرطة؛ فبعضهم يظنها جاسوسة، وبعضهم يقول ربما كانت إرهابية. وأخيرا تجد نفسها رهينة زنزانة، وعماد، الذي أبت الزواج منه، هو المحقق لا غيره. ونبيل هو أحد المستخدمين في هذا القطاع الأمني. فيحاول التكفير عن ماضيه الذي يلخصه له أبوه بقوله « تعيش حياتك مرْتهَنًا وتموت ملعونا» (ص66) ويحاول العودة إلى الوضع الذي كان قبل أن ينتسب لهذا الجهاز الأمني. لكن الأمر ليس بهذه السهولة أو اليسر. فتتعثر محاولاته للعودة إلى ماض نظيف يعرفه به الجميع؛ عائلته، ومها التي تأبى بالطبع مثل هذه المقاربة بعد أن غدا نبيل أبا لطفلة سماها باسمها (مها) في إشارة لتعلقه بها تعلقا يشبه تعلقها هي بتوفيق. (ص145)
فالاثنان؛ مها، ونبيل، كلٌ منهما يؤكد للآخر أنه وفيٌّ، على الرغم من زواجه بآخر، أو بأخرى. فهو ما يزال على حبه لها وهي ما تزال وفية لتوفيق. حتى بعد نيف وعشرين عاما مرت على رحيله. وكأن الزمن الذي مضى لـمْ يمضِ. وكأن المرأة التي فُتن بها كثيرون عصِيَّة على الزمن، ولا تتأثر بمروره، من هنا جاء العنوان «امرأة خارج الزمن».
طي صفحة المكان:
على أنَّ من يُطِلْ النظر في الرواية، يلاحظ ما لاحظناه، وهو حرص الكاتبة سلوى البنا على طيّ صفحة المكان. فهي لا تذكر أسماء الأمكنة في الحكاية، ولولا إشارة غير مباشرة لساحل المدينة، والبحر، لما خمن القارئ أن هذه الوقائع تجري في أحد مخيمات بيروت. ولولا إشارة أخرى غير مباشرة أيضا لما استطاع القارئ أن يخمّن في أي مرحلة من مراحل قضية فلسطين تجري هاتيك الوقائع. فالحديثُ، بين سليم وموسى عن الذكرى الأربعين لقرار التقسيم، قرَّب لنا بعض التخمين عن أن الحكاية تبدأ نحو العام 1987. تضاف إلى هذا إشارة أخرى في الفصل الأخير، عندما سألها الشرطي أين تقصدين؟ قولي رام الله أو أريحا. فإن هذه الإشارة تقرّب لنا التقدير الآتي، وهو أن مرورها عن الجسر ربما كان في العام 1997 أي بعد 20 عاما من الاحتفال بالذكرى الأربعين لقرار التقسيم، وهي المدة التي مرت على زواجها من رسام الكاريكاتير رامي.
والحق أن القارئ لا يستطيع أن يفهم لأي سبب تحيط الكاتبة المكان بالغموض، وكذلك الزمن، مع أنها تذكر في غير موضع أن بعض شخوص الرواية من يافا. وأنهم يتذكرون الماضي مع بعض الأشخاص كالأرمني (غارو) الذي التقاه موسى مصادفة فاحتضنه قائلا:» أهلا بريحة الحبايب «(ص 59). وهذا الغموضُ يكاد يطغى على علاقة رامي بمها. فعندما سافرا لم تذكر لنا الكاتبة إلى أين. ولا أين أقاما هذه المدة، وهي ليست بالقليلة، عشرون عاما أو تزيد. وعندما أرادت العودة للوطن سألها رامي عن أي وطن تتحدثين؟ لم تجبْ مُفْصحة عن أنها تود الذهاب إلى الدولة الفلسطينية الوليدة لتجد بانتظارها(آدم) وعمادا، وأدوات التحقيق، والتعذيب.
غموض الشخوص:
ينسحبُ هذه الغموض على مستوى الشخوص، فالراوي، أو الراوية، يذكر (نيرفا) في غير مناسبة، كذلك يكتنف الغموض شخصية شادية، وعلاقتها برسام الكاريكاتير رامي. علاوة على أن رامي نفسه لا تخلو شخصيته من بعض الغموض، فقد استأثر بإعجاب سليم، واتضح أنه غير أهل لهذا الإعجاب، ولا لثقة مها به. فعلاقاته بالنساء متعدّدة، ولا يكاد يقيم علاقة بإحداهن حتى يعدل عنها لأخرى. والصحيح أن أكثر الشخصيات حضورا في الرواية هي مها؛ فمن البداية يتضح أنها مراهقة، تقرض الشعر، وتحب الأستاذ توفيق، على الرغم من أنه يكبرها بنحو 20 عاما، وهي في الخامسة عشرة. تحبّه لأسباب كثيرة في مقدمتها تشجيعه لها، وإعجابه بما تكتب، وإعجابها هي بدروسه، وبما يكتبه، وبمواقفه الثورية التي يعبر عنها بعفوية، وصدق، كبيرين. وتظل وفيه له بعد اغتياله، وبعد زواجها من رامي، وبعد انفصالها عنه، في الوقت الذي تناساه فيه كثيرون. ومن علامات هذا الوفاء تسمية ابنها البكر توفيق. وحين جاءَها رامي بكتاب من كتب توفيق عليه إهداءٌ بخط يده « صدمه ذلك البريق الأخاذ الذي بدأ يشع من عينيها فجأة عندما أهداها إياه. كان رامي قد عثر عليه صدفة على أحد رفوف المكتبة التي طالما غزاها باحثا عن الكنوز النادرة. فاستدرك ضاحكا:
- معاصر، لكنه كنز. أليس كذلك؟
تحسَّسَت الكتاب بلهفة، ومرَّرَتْ أصابعها على حروف الإهداء.» إلى ابنتي التي لم أنجب. خَفَقَ قلبُها بشدة» (ص110). لم تقل لنا الساردة من هي الابنة التي لم ينجبها توفيق، ولـمَ خفق قلبُ مها بشدة حين قرأت هذا الإهداء، أهو أهداهُ لها. ولِـمَ لم تُشِر المؤلفة لهذا؟ فإذا كان توفيق ومها يتبادلان الإهداءات، فذلك أمر في غاية الأهمية، وهي أهمية لم تُعْنَ بها الساردة.
دفنا الماضي:
وبالمقابل ثمة شخصياتٌ تتمتع بالنضج الفني اللافت للنظر، فنبيل، على سبيل المثال، يمثل النمط المهزوم، النذل، الجبان، من الشخوص، مع ذلك لا يريد قطعا الاعتراف بهزيمته. يحاول مرارا أن يثأر لنفسه، أن يغتال آدم، أو عمادا. إلا أنه يفشل في جل هاتيك المحاولات. وفي النهاية يحاول التحرُّر من الماضي مخاطبا مها في الزنزانة: ساعديني لأتمكن من إنقاذك (ص120). وعندما قدم لها ابنته (مها) في المشهد الختامي، قال، معتذرا عما سلف:» شوكة تخلف وردة. ربما هي إنجازي الوحيد، والحقيقي. هي المرة الوحيدة التي هزمْتُك فيها. حين منحتُ اسمك لطفلتي دون أن تتمكني من الرفض، أو الاعتراض». (ص125) عدا عن هذا ثمة نموذجان سليم والد مها، وأنيس بائع الكتب.
سرْدٌ متقطع:
ومما يجتذبُ انتباه القارئ عزوف المؤلفة عن الترتيب الزمني للحوادث المحكية ترتيبا يتناسب مع دورة عقارب الساعة. أو تتابع فصول السنة. وإنما قامتْ بدمج هذه الحوادث في متوالياتها السردية دمجا يسمح لها بتقديم ما وقع متأخرا على ما وقع متقدمًا. فالمشهد الذي أرادت فيه إعادة الكتاب للعم أنيس يفترض وقوعه في آخر الرواية، ولكنها تذكره في البداية. وثمة الكثير من المتواليات التي يقتحم بعضها اللحظة التي تجري فيها واقعة أخرى. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، يروي السارد ما يجري بين نبيل ولبيبة في أثناء انتظارهما لما سيسفر عنه استدعاء «المسلخ» لمها بهدف التحقيق من طرف عماد، وأكثر من هذا يذكر الراوي ما جرى بين نبيل ونيرفا في أثناء روايته لوقائع أخرى. ومثل هذا الأسلوب يؤدي لكثير من الفجوات التي يتخطاها السارد على نحو مفاجئ، مبقيا القارئ في حيرة من أمره، إلى أن ينجلي باستعادة بعض المرويات السابقة، أو بتوقع مرويات لاحقة، ثم يستأنف سيره الخطي في الاتجاه التسلْسُلي للوقائع. وهذا، وإن لم يخلُ من بعض الغموض، فإنّ فيه لذةً تملأ المتلقي بالفضول، وتنشئ لديه ترقُّبا، وتوْقا، لمعرفة ما تبقّى من الحوادث، والوقائع، وإلى أيِّ شيءٍ تؤول.
*فصل من كتاب يصدر قريبا بعنوان الرواية الفلسطينية إلى أين؟ ويذكر أن ثمة رواية أخرى بهذا العنوان لسوسن بسيسو وهي من إصدارات دار البستاني.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

امـرأة خــارج الزمــن أحــلام كبيــرة أم كـــوابيس
امـرأة خــارج الزمــن أحــلام كبيــرة أم كـــوابيس

الدستور

time٠١-٠٥-٢٠٢٥

  • الدستور

امـرأة خــارج الزمــن أحــلام كبيــرة أم كـــوابيس

إبراهيم خليل تواصل الأديبة الفلسطينية المقيمة ببيروت سلوى البنا عطاءها الروائي والقصصي. فتوالت أعمالها، ومنها عروس خلف النهر 1972 والوجه الآخر 1974، والآتي من وراء المسافات 1977 ومطرٌ في صباح دافئ 1979 والعامورة – عروس النيل 1986 وحذاء صاحب السعادة(قصص) 2010 وامرأة خارج الزمن (2011) وعشاق نجمة 2015 وست الحسن في ليلتها الأخيرة 2017 وأصل الهوى نَسْمة 2023 ومن هذا العطاء الموصول نتناول في مقالنا هذا روايتها امرأة خارج الزمن (الدار العربية للعلوم (ناشرون) بيروت. أول الغيث: تسلط البنّا في روايتها هذه الضوء على سلبيات المقاومة في بيروت. « بعد أن تحولت البندقية لوسيلة ارتزاق لدى كثيرين من خريجي السجون وذوي السوابق، وقبضايات الحواري والزعران. وحشاشي المصاطب في فلتان بشع ومخيف، خطف الحلم بعيدا. (ص52) ثم هي هي على سلبياتها وعيوبها في مناطق السلطة الفلسطينية بعيد أوسلو 1993. فنبيل - وهو أحد شخوص الرواية - ينخرط فيما يسمى أمن الثورة، أيْ في جهاز مخابراتي تابع للسلطة، وظيفة المجند فيه هي التجسُّس على أبناء الضفة وغزة. لذا تقول بهية لابنها نبيل» يعني راح تشتغل جاسوس ع اولاد بلدك؟ يا خسارة!! كنت شايفة فيك بطل مثل الشهيد توفيق، صحيح، مصارينا عَ قدْنا. بس قادرين نعَلْمَك.» (ص57) وهذا الاتجاه الذي دُفع إليه بتشجيع من أحد أصدقائه آدم، الذي سبقه لهذه المهنة، بمنزلة الانقلاب التام على ما عرف عن الأسرة، وعن أبيه موسى، وأمه بهية، وإخوته، وأصدقائه الآخرين بمن فيهم(مها) التي شُغِف بها حبًا دون أن تكترث به، ودون أن ترنو إليه بنظرة تتجاوز نظرة الصديق للصديق، وابن الجيران لابن الجيران. يقول له آدم « إنه المفتاح الذي يقودكَ لأعماق الآخرين. ويمكِّنُكَ من عصرهم حتى آخر قطرة رَفْض في عروقهم» (ص56) أما عن مها، فهي تسخَر من نبيل، وتصفه بما لا يحب، وبالغيرة، لأنها تميل ميلا شديدا للأستاذ توفيق، ذلك المعلم الذي عُرف في المخيم بماضيه الثوري، وبنقاء سريرته، وبكتاباته السياسيّة العميقة، سواءٌ ما ينشره منها في الصحف، والمجلات، أو ما ينشرهُ في الكتب. وفي ذروة هذا التعليق، وفي أثناء انتظار محاضرة الأستاذ توفيق عن الذكرى الأربعين لقرار تقسيم فلسطين، استقطب الداعون لها جمهورا غفيرًا، وحَشْدا كبيرًا، جرى اغتياله في تفجير مروع، فانطلقت إثر ذلك آمال نبيل في أن يكون، هو، فارسَ أحلامها، لا توفيق، بعد أن غدا هذا المركز شاغرًا باستشهاده.(ص40) تحوُّلات غير أن مها مع ذلك لا تعيره اهتمامًا، بل الكثير من التجاهل، إن لم نقل الاستخفاف، والازدراء. وتظهر في الأفق شخصية جديدة تعقبها تحولات، وهي شخصية رسام الكاريكاتير رامي. و كان سليم - والدها - معجبا به جدا، على الرغم من أن الرجلين مختلفان في موقفيهما من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. فسليم - والد مها - ناصريٌ قـُحّ، « بكى أبي مرات ثلاثا؛ الأولى عندما أعلن عبد الناصر تنحّيه عن الرئاسة، والثانية عندما عدل عن تنحّيه، والثالثة حين غُصَّ صوتُ المذيع بخبر رحيله المفاجئ، والموجع.. «(ص45) أما رامي فيستفزه حين يُذكــّره ببعض أوجه القصور التي عُرف بها عبد الناصر» على الرغم من أنه يحترم هذه الرمزية لعبد الناصر لدى أبي، ومكانته، إلا أن الأمر لم يكن يخلو من بعض المناكفة التي يفتعلها رامي فينجح في استفزاز أبي بمجرد إقحام اسم عبد الناصر في دائرة الخطأ، أو التقصير»(45). ووافق الأب سليم على خطبة رامي لها بعد أن تعذر قبول المخبر عماد(ص81) وتزوّجا، ثم سافرا إلى مكانٍ لم تذكره الساردة. (ص84) العودة إلى فلسطين: وبعد عشرين سنة من الزواج، تكتشف مها أن رامي ليس أهلا للثقة، فقد تبينت أن علاقته بشادية تطورت كثيرا لدرجة تَصِمُه بالخيانة الزوجية.(ص111) فتعتزم الانفصال عنه، والعودة إلى الوطن: فلسطين. تاركة رامي وابنه الذي سمته توفيق باسم الشهيد، في إشارة تنم على تعلقها به، وحبها الذي تحتفظ به للراحل على الرغم من فارق السنّ بينهما، وعلى الرغم من أن الراحل لم يكن يُكِنُّ لها إلا الاحترام، والتقدير، بعيدا عن الحب بمعناه الأفلاطوني، أو الإيروتيكي. إذن، ها هي مها تعود إلى فلسطين، وعلى الجسر الذي يربط بين ضفتي نهر الأردن يسألها الشرطي التابع لسلطة أوسلو عن جواز سفرها. فتقدم له الوثائق لكي ينظر فيها على عجل، قائلا، والاستغراب لا يفارق لهجته: أين تقصدين؟ فتجيب: إلى يافا. وها هنا يقهقه الشرطي قائلا باستهزاء خبيث: يافا؟ مرَّة وحدة؟ قولي أريحا. قولي رام الله. وهنا بدأت الشكوك تساور الشرطة؛ فبعضهم يظنها جاسوسة، وبعضهم يقول ربما كانت إرهابية. وأخيرا تجد نفسها رهينة زنزانة، وعماد، الذي أبت الزواج منه، هو المحقق لا غيره. ونبيل هو أحد المستخدمين في هذا القطاع الأمني. فيحاول التكفير عن ماضيه الذي يلخصه له أبوه بقوله « تعيش حياتك مرْتهَنًا وتموت ملعونا» (ص66) ويحاول العودة إلى الوضع الذي كان قبل أن ينتسب لهذا الجهاز الأمني. لكن الأمر ليس بهذه السهولة أو اليسر. فتتعثر محاولاته للعودة إلى ماض نظيف يعرفه به الجميع؛ عائلته، ومها التي تأبى بالطبع مثل هذه المقاربة بعد أن غدا نبيل أبا لطفلة سماها باسمها (مها) في إشارة لتعلقه بها تعلقا يشبه تعلقها هي بتوفيق. (ص145) فالاثنان؛ مها، ونبيل، كلٌ منهما يؤكد للآخر أنه وفيٌّ، على الرغم من زواجه بآخر، أو بأخرى. فهو ما يزال على حبه لها وهي ما تزال وفية لتوفيق. حتى بعد نيف وعشرين عاما مرت على رحيله. وكأن الزمن الذي مضى لـمْ يمضِ. وكأن المرأة التي فُتن بها كثيرون عصِيَّة على الزمن، ولا تتأثر بمروره، من هنا جاء العنوان «امرأة خارج الزمن». طي صفحة المكان: على أنَّ من يُطِلْ النظر في الرواية، يلاحظ ما لاحظناه، وهو حرص الكاتبة سلوى البنا على طيّ صفحة المكان. فهي لا تذكر أسماء الأمكنة في الحكاية، ولولا إشارة غير مباشرة لساحل المدينة، والبحر، لما خمن القارئ أن هذه الوقائع تجري في أحد مخيمات بيروت. ولولا إشارة أخرى غير مباشرة أيضا لما استطاع القارئ أن يخمّن في أي مرحلة من مراحل قضية فلسطين تجري هاتيك الوقائع. فالحديثُ، بين سليم وموسى عن الذكرى الأربعين لقرار التقسيم، قرَّب لنا بعض التخمين عن أن الحكاية تبدأ نحو العام 1987. تضاف إلى هذا إشارة أخرى في الفصل الأخير، عندما سألها الشرطي أين تقصدين؟ قولي رام الله أو أريحا. فإن هذه الإشارة تقرّب لنا التقدير الآتي، وهو أن مرورها عن الجسر ربما كان في العام 1997 أي بعد 20 عاما من الاحتفال بالذكرى الأربعين لقرار التقسيم، وهي المدة التي مرت على زواجها من رسام الكاريكاتير رامي. والحق أن القارئ لا يستطيع أن يفهم لأي سبب تحيط الكاتبة المكان بالغموض، وكذلك الزمن، مع أنها تذكر في غير موضع أن بعض شخوص الرواية من يافا. وأنهم يتذكرون الماضي مع بعض الأشخاص كالأرمني (غارو) الذي التقاه موسى مصادفة فاحتضنه قائلا:» أهلا بريحة الحبايب «(ص 59). وهذا الغموضُ يكاد يطغى على علاقة رامي بمها. فعندما سافرا لم تذكر لنا الكاتبة إلى أين. ولا أين أقاما هذه المدة، وهي ليست بالقليلة، عشرون عاما أو تزيد. وعندما أرادت العودة للوطن سألها رامي عن أي وطن تتحدثين؟ لم تجبْ مُفْصحة عن أنها تود الذهاب إلى الدولة الفلسطينية الوليدة لتجد بانتظارها(آدم) وعمادا، وأدوات التحقيق، والتعذيب. غموض الشخوص: ينسحبُ هذه الغموض على مستوى الشخوص، فالراوي، أو الراوية، يذكر (نيرفا) في غير مناسبة، كذلك يكتنف الغموض شخصية شادية، وعلاقتها برسام الكاريكاتير رامي. علاوة على أن رامي نفسه لا تخلو شخصيته من بعض الغموض، فقد استأثر بإعجاب سليم، واتضح أنه غير أهل لهذا الإعجاب، ولا لثقة مها به. فعلاقاته بالنساء متعدّدة، ولا يكاد يقيم علاقة بإحداهن حتى يعدل عنها لأخرى. والصحيح أن أكثر الشخصيات حضورا في الرواية هي مها؛ فمن البداية يتضح أنها مراهقة، تقرض الشعر، وتحب الأستاذ توفيق، على الرغم من أنه يكبرها بنحو 20 عاما، وهي في الخامسة عشرة. تحبّه لأسباب كثيرة في مقدمتها تشجيعه لها، وإعجابه بما تكتب، وإعجابها هي بدروسه، وبما يكتبه، وبمواقفه الثورية التي يعبر عنها بعفوية، وصدق، كبيرين. وتظل وفيه له بعد اغتياله، وبعد زواجها من رامي، وبعد انفصالها عنه، في الوقت الذي تناساه فيه كثيرون. ومن علامات هذا الوفاء تسمية ابنها البكر توفيق. وحين جاءَها رامي بكتاب من كتب توفيق عليه إهداءٌ بخط يده « صدمه ذلك البريق الأخاذ الذي بدأ يشع من عينيها فجأة عندما أهداها إياه. كان رامي قد عثر عليه صدفة على أحد رفوف المكتبة التي طالما غزاها باحثا عن الكنوز النادرة. فاستدرك ضاحكا: - معاصر، لكنه كنز. أليس كذلك؟ تحسَّسَت الكتاب بلهفة، ومرَّرَتْ أصابعها على حروف الإهداء.» إلى ابنتي التي لم أنجب. خَفَقَ قلبُها بشدة» (ص110). لم تقل لنا الساردة من هي الابنة التي لم ينجبها توفيق، ولـمَ خفق قلبُ مها بشدة حين قرأت هذا الإهداء، أهو أهداهُ لها. ولِـمَ لم تُشِر المؤلفة لهذا؟ فإذا كان توفيق ومها يتبادلان الإهداءات، فذلك أمر في غاية الأهمية، وهي أهمية لم تُعْنَ بها الساردة. دفنا الماضي: وبالمقابل ثمة شخصياتٌ تتمتع بالنضج الفني اللافت للنظر، فنبيل، على سبيل المثال، يمثل النمط المهزوم، النذل، الجبان، من الشخوص، مع ذلك لا يريد قطعا الاعتراف بهزيمته. يحاول مرارا أن يثأر لنفسه، أن يغتال آدم، أو عمادا. إلا أنه يفشل في جل هاتيك المحاولات. وفي النهاية يحاول التحرُّر من الماضي مخاطبا مها في الزنزانة: ساعديني لأتمكن من إنقاذك (ص120). وعندما قدم لها ابنته (مها) في المشهد الختامي، قال، معتذرا عما سلف:» شوكة تخلف وردة. ربما هي إنجازي الوحيد، والحقيقي. هي المرة الوحيدة التي هزمْتُك فيها. حين منحتُ اسمك لطفلتي دون أن تتمكني من الرفض، أو الاعتراض». (ص125) عدا عن هذا ثمة نموذجان سليم والد مها، وأنيس بائع الكتب. سرْدٌ متقطع: ومما يجتذبُ انتباه القارئ عزوف المؤلفة عن الترتيب الزمني للحوادث المحكية ترتيبا يتناسب مع دورة عقارب الساعة. أو تتابع فصول السنة. وإنما قامتْ بدمج هذه الحوادث في متوالياتها السردية دمجا يسمح لها بتقديم ما وقع متأخرا على ما وقع متقدمًا. فالمشهد الذي أرادت فيه إعادة الكتاب للعم أنيس يفترض وقوعه في آخر الرواية، ولكنها تذكره في البداية. وثمة الكثير من المتواليات التي يقتحم بعضها اللحظة التي تجري فيها واقعة أخرى. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، يروي السارد ما يجري بين نبيل ولبيبة في أثناء انتظارهما لما سيسفر عنه استدعاء «المسلخ» لمها بهدف التحقيق من طرف عماد، وأكثر من هذا يذكر الراوي ما جرى بين نبيل ونيرفا في أثناء روايته لوقائع أخرى. ومثل هذا الأسلوب يؤدي لكثير من الفجوات التي يتخطاها السارد على نحو مفاجئ، مبقيا القارئ في حيرة من أمره، إلى أن ينجلي باستعادة بعض المرويات السابقة، أو بتوقع مرويات لاحقة، ثم يستأنف سيره الخطي في الاتجاه التسلْسُلي للوقائع. وهذا، وإن لم يخلُ من بعض الغموض، فإنّ فيه لذةً تملأ المتلقي بالفضول، وتنشئ لديه ترقُّبا، وتوْقا، لمعرفة ما تبقّى من الحوادث، والوقائع، وإلى أيِّ شيءٍ تؤول. *فصل من كتاب يصدر قريبا بعنوان الرواية الفلسطينية إلى أين؟ ويذكر أن ثمة رواية أخرى بهذا العنوان لسوسن بسيسو وهي من إصدارات دار البستاني.

نارين بيوتي تخطف الأنظار بحفل زفاف اسطوري
نارين بيوتي تخطف الأنظار بحفل زفاف اسطوري

صراحة نيوز

time١٦-٠٤-٢٠٢٥

  • صراحة نيوز

نارين بيوتي تخطف الأنظار بحفل زفاف اسطوري

صراحة نيوز ـ انطلقت مساء أمس السبت استعدادات اليوتيوبر الشهيرة نارين بيوتي لحفل زفافها المنتظر، والذي تحوّل منذ اللحظات الأولى لإعلان التحضيرات إلى حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب فخامته وتفاصيله اللافتة. وتداول المستخدمون عبر مختلف المنصات صوراً ومقاطع فيديو أظهرت الأجواء الأخيرة قبل انطلاق الحفل، بما في ذلك الترتيبات النهائية التي وُصفت بـ'الخيالية'. كما أحيى الفنان اللبناني عاصي الحلاني حفل الزفاف حيث أدّى العديد من أغانيه المميزة وسط أجواء فرح عمّت المكان. وخلال الحفل، فاجأ رامي عروسه بهدية فخمة، حيث قدم لها خاتم زواج جديد مرصعاً بحجر كبير من الألماس الأزرق الفخم، والذي يعتبر من أغلى الأحجار الكريمة. وجهّز رامي المفاجأة لعروسته بشكل رومنسي، وخبأ علبة الخاتم بباقة من الورود الحمراء، قبل ان يقدمه لها، قائلاً: 'كان بدك ألماس أزرق وانا جبتلك هدية ليكون خاتم زواج جديد لك'، وسط صدمة وانبهار الشابة السورية. وعبّرت نارين بيوتي عن سعادتها وانبهارها بالخاتم الماسي الضخم، وحرصت على ارتدائه مباشرة وعلى إظهاره للجميع لرؤيته، وبدت كالطفلة في غاية السعادة والحماسة. يذكر أن سعر القيراط الواحد من الألماس الأزرق يتخطى المليون ونصف المليون دولار، وهو حكر على العائلات الملكية والأغنياء والسياسيين والارستقراطيين حول العالم. وشهد الحفل حضور العديد من مشاهير السوشيال ميديا، فظهرت الطفلة ميرا إبنة اليوتيوبرز شهد وسيامند، وتواجدت أيضا شقيقتها شيرين بيوتي وخطيبها صانع المحتوى أسامة مروة، نور ستارز، ميليسا، بيسان اسماعيل، عائلة رحال، رغدة، وغيرهم من المؤثرين الذين تواجدوا بإطلالات مميزة ومبهرة.

"وصية مريم" اختصار الوجع السوري عبر الخشبة.. تراجيديا السوريين العالقين على الحدود في مهرجان الفجيرة
"وصية مريم" اختصار الوجع السوري عبر الخشبة.. تراجيديا السوريين العالقين على الحدود في مهرجان الفجيرة

جو 24

time١٣-٠٤-٢٠٢٥

  • جو 24

"وصية مريم" اختصار الوجع السوري عبر الخشبة.. تراجيديا السوريين العالقين على الحدود في مهرجان الفجيرة

جو 24 : أتعرفين ما هو الوطن يا مريم؟.. الوطن هو ألا يحدث ذلك كله.. وحيداً مع أحذية الأطفال الذين كان يدفنهم ويحتفظ بأحذيتهم، وهو المدرس السابق يقضي أيامه لا جليس معه إلا الأحذية أو صوت إطلاق النار أو مرور المهربين بين البلدين، وهم مصدر طعامه بإحسانهم إذا شاؤوا أن يحسنوا إليه.. الفنان محمد حداقي في شخصية جليدان بمسرحية "وصية مريم" بهذه الكلمات اختصر صنّاع العرض المسرحي مضمون مسرحية "وصية مريم "، من تأليف جمال آدم وتمثيل محمد حداقي وإخراج وسينوغرافيا عجاج سليم، وإنتاج خاص بدعم من دائرة الثقافة في إمارة الفجيرة الإماراتية. المخرج عجاج سليم مأساة جليدان ويؤكد عجاج سليم لـRT أن نص "وصية مريم" له خصوصية مونودرامية كونه يغوص في أعماق بطل العرض "جليدان" واسمه دلالة قوة الجلد والتحمل التي يتمتع بها بطل العرض من خلال أحداث عاشها، ويقدم فيه النموذج الواضح للمواطن السوري الذي حمل ومازال يحمل هموم العالم في بلد يتمتع بوافر الخيرات ولكن نظام الاستعباد الذي امتد ظلامه وظلمه لأكثر من 60 عاما، ضاعت فيها حقوق الشعب وزادت معاناته ثم جاءت سنوات الحرب الـ14 لتعمق الألم وتشتت الأسر ويعم الفقر والذل الممنهج، ويتشرذم الشعب السوري في أرجاء العالم، وتعلق صور الشهداء في كل بيت.. وفي كل قرية ومدينة.. وكل ذلك من أجل أن يستمر حكم الطغيان. المؤلف جمال آدم كاتب مسرحية "وصية مريم" تراجيديا السوريين ويضيف سليم أن العرض يقدم بطله في ساعاته الأخيرة على كوكب الأرض، وهو الذي يصرخ بالموت أن يحضر وينتشله من آلامه.. هي تراجيديا السوري الذي هرب من الموت وحاول الدخول إلى إحدى الدول الشقيقة، "في العرض جليدان البكل حاول دخول لبنان". ولكن بسبب الشروط التعجيزية للسماح بدخول البلد الشقيق يحاول العودة إلى بلده ولايستطيع وهو السجين السابق الهارب من جحيم الحرب. فيعلق على الحدود بين البلدين بانتظار نهاية سعيدة كانت أم حزينة. وعن اختيار الفنان محمد حداقي لبطولة العرض أكد المخرج سليم أن الاختيار ناجم من الأداء الحساس والمرهف والراقي الذي يتمتع به محمد حداقي، فهو يلتقط أدق الإشارات الصادرة من أعماق الشخصية ويعبر بها من اللاوعي الخاص بها من خلال روحه. ليبدو وكان محمد يجسد معاناته الشخصية، وأنا مؤمن أن كل من سيرى العرض سيكون راضياً رغم ما سيشعر به من تعاطف أو حزن أو حب للشخصية عن الأداء المتميز لحداقي، الذي يعود للمسرح متألقاً ناشراً عطر موهبته وعبير روحه الشفافة. وعن تجربة العمل الإخراجي للنص المونودرامي أشار سليم إلى أنها تجربة صعبة وامتحان لقدرات أي مخرج لأن عليه أن يتغلغل في روح الممثل وأن تتجسد حلوله الإخراجية من خلال رسم أدق التفاصيل في الحركة أو الفعل التمثيلي أو الحس والشعور الدقيق دون أي فذلكة أو استعراض للعضلات الإخراجية، لأن وقوف ممثل لوحده على الخشبة لا يضمن نجاحه إلا طاقة وجهد وموهبة المخرج التي تظهر من خلال أداء الممثل المتميز. دراما الجنون ونوّه الكاتب المسرحي جمال أدم بأن فكرة العرض المسرحي ولدت قبل حوالي سنة تقريباً والتقط مفرداتها بعد أن تابع مشهداً لأحذية أطفال في إحدى المناطق السورية. وقام بتسجيلها كي يعيد كتابتها وتقديمها بطريقة درامية جديدة وقال أدم لـRT بأنه دخل في متاهات كثيرة في هذا العرض متاهات الغربة والفقر والظلم والقهر وكل ماله علاقة بمفردات الحياة السلبية التي يعيشها المواطن السوري. وأضاف: كنت أود أن تكون المعالجة الدرامية أقل قسوة وأقل قهراً من الحياة التي يعيشها المواطن السوري، ولكن للأسف شعرت أنني دخلت متاهات كثيرة لدرجة انني توقفت عن كتابة النص عدة مرات هذا النص قبل أن أنهيه منذ 3 أشهر. وأكد أدم أن خياره للعرض المونودرامي كونه يعبّر عن فكرة العرض، فالعرض المونودرامي نبيل جداً ومكثف ومن أصعب أنواع الفنون المسرحية كون الممثل يكون في مواجهة مباشرة مع الجمهور ومع نفسه وبكل المشاكل التي يجب أن يعبر عنها، وهي فن مختلف ومغاير للسائد وصعب للغاية فلا أحد يجلس يتحدث عن نفسه إلا من كان قد عاش الخيبات بعد أمل وهزائم فردية وحزن وقهر وخيبة. لذلك يوصف ممثل المونودراما بأنه مجنون وأنا أصف هذا الفن بدراما الجنون بكل معنى الكلمة فلا أحد يستطيع أن يلامس هذا الجنون الا من خلال ممثل عبقري ولايقدمه أي كان، وهو يحتاج إلى نص متقن ومخرج يكسر أدوات الملل طول الوقت وشخصيات كثيرة يتم تقديمها عبر شخص واحد وبإحساس مرهف للارتجال. محمد حداقي ومفاتيح الإرتجال! ولفت أدم إلى أن حداقي ممثل خاص وهو من الممثلين الذين لا يهتمون بـ"الشو SHOW " ولاتعنيه البهرجة أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أن يكون نجماً بالمعنى السلبي للكلمة هو حريص أن يترك أثرا درامياً في أي عمل يقدمه. وهذه حقيقة حداقي من الممثلين الذين يتركون بصمة في أي عمل يقدمه، وميزته أنه قادر على توثيق اللحظة الدرامية والتاريخية والإنسانية لأنه في كل مرة يخترع مفتاحاً جديداً ويقدمه وسأكون سعيداً للنتيجة والصدى والأثر الانساني والفني وأتحدث بالصفة الإيجابية وعلى ثقة أن حداقي سينهض بهذا العرض بمعرفة وهمّة سليم. الجدير بالذكر أن العرض سيُقدم في 16 من الشهر الحالي ضمن المهرجان الدولي للمونودراما الذي تقوم بتنظيمه "هيئة الثقافة والإعلام" في إمارة الفجيرة كل سنتين، ويُعتبر نقطة التقاء لأهم فناني وخبراء المسرح، عبر أنشطته المتنوّعة وفعالياته الثّرية. المصدر: RT تابعو الأردن 24 على

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store