logo
فكر يصنع الحياة.. المنهج الشيرازي في التغيير والإصلاح

فكر يصنع الحياة.. المنهج الشيرازي في التغيير والإصلاح

شبكة النبأمنذ 5 ساعات

يبرز فكره كنبراس حيّ يشعُّ في دروب التغيير، ويعيد رسم ملامح النهضة برؤية إسلاميّة متجذّرة. لم يكن مشروعه الفكري مجرّد اجتهاد نخبوي؛ وإنَّما كان نداء وعيٍ عميق، ونفخة حياة في جسد أمة أنهكتها الأزمات. فكرٌ يبعث في الأمة روح الحياة؛ ويغرس في الناس الأمل، والعقل، والرسالة...
إذا تأمَّلنا بدقَّة في النتاج الفكري الغزير للمرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي (أعلى الله تعالى مقامه)؛ الذي تجاوز بأعداده الألف واربعمائة عنوان، فإننا نكتشف منظومة معرفيَّة متكاملة تسير على نهجٍ فكريٍ متينٍ ومتماسك، يتَّسم بالوضوح والثَّبات، ويخلو من التذبذب أو الارتهان للمتغيرات الفكريَّة العارضة. وهذا النهج ليس نتاج تقليدٍ أو مسايرةٍ للتيارات الفكريَّة العابرة؛ بل هو امتداد حيّ لروح الإسلام الأصيل، واستلهام عميق من ينابيع التراث المحمدي الأصيل، بما يختزنه من قيمٍ راسخة ومعانٍ متجددة.
فمنهج المجدد الشيرازي لا يتكئ على النقل السطحي، ولا ينزلق إلى الاستنساخ الفكري، وإنَّما ينهل من جوهر الأصالة، ويعيد قراءة التراث بعينٍ معاصرة، تستخرج منه الجواهر الفكريَّة والدرر العلميَّة التي تلبي حاجات العصر وتجيب عن تساؤلاته المتراكمة. إنَّه منهج يعيد بناء العلاقة بين الماضي والحاضر، من دون قطيعة أو تماهٍ من خلال حضور نقدي واعٍ، يُبقي على الجذور ويُنمِّي الفروع.
ومن أبرز ملامح هذه المنهجيَّة التجديديَّة التي انتهجها الإمام الشيرازي، والتي جعلت من مشروعه الفكري متميزًا ومؤثِّرًا في ساحات الفكر الإسلامي، هي:
1. التمسك بجذور الفكر الأصيل.
من أبرز السمات التي تشد الانتباه في الفكر الشيرازي هي ذلك التمسك العميق بالأصالة الفكريَّة، الذي يتغلغل في بنية كلِّ فكرة يطرحها، وفي مضمون كلِّ رأي يعرضه؛ فالإمام الشيرازي لا يطرح رأيًا ولا يبني تصورًا معرفيًا إلَّا وقد أسسه على دعائم ثابتة من القرآن الكريم، وأحاطه بسياج من السنَّة النبوية المطهرة المتمثلة بأحاديث الرسول الأعظم محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) وأهل بيته (صلوات الله عليهم)، مستندًا بذلك إلى أرفع منابع التَّشريع وأوثق مصادر المعرفة الإسلاميَّة.
غير أنَّ أصالته لا تقف عند حدود الاستشهاد النصِّي أو الإحالة الشكلية؛ وإنَّما تتجاوز ذلك إلى الغوص العميق في دلالات النصوص، واستنطاقها بمستوى يُخرج منها معاني متجددة، ويكشف عن آفاق معرفيَّة تلامس العقل والوجدان معًا؛ فالنصوص هي مفاتيح لفتح مغاليق الفكر، ومصابيح تضيء دروب الهداية، وتعيد تشكيل الوعي الإسلامي بروحٍ نابعة من عمق التراث ونبض الواقع.
إنَّ الأصالة في فكر السيِّد الشيرازي هي حركة حيويَّة متجددة، تنبض بالحياة، وتتجلَّى في كلِّ سطر من كتاباته، وكلِّ مشروع من مشاريعه العلميَّة والثَّقافية. إنَّها أصالة واعية، تتحوَّل إلى رؤية ومنهج، وتصوغ فكرًا إسلاميًا قادرًا على مواكبة العصر والحداثة، من دون أن يفقد جذوره أو يتنازل عن هويته.
ولو قدّر لك أن تتصفح أيّاً من مؤلفاته، سرعان ما ستلمس منهجًا علميًّا رصينًا لا يعرف التساهل في الطرح أو التسطيح في الفكرة؛ فليست هناك دعوى تُطلق دون دليل، ولا فكرة تُعرض بمعزل عن أصولها النصيَّة ثمَّ إنَّه لا يكتفي بذكر النصوص على سبيل التزيين أو التبرك؛ وإنَّما يجعلها المنطلق والمنتهى، فيبني فكرته من عمق النص، ويغذّيها بفهم عميق لمقاصده، ويعيد تأصيلها ضمن سياق علمي ومنهجي ينسج بين دلالات اللغة وأبعاد المعنى، ليخرج بفهم ناضج وقراءة متجددة تنبض بالحياة. فكأن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما الحقل الذي يزرع فيه أفكاره، والنبع الذي يروي منه مبادئه، فلا تنمو لديه فكرة إلَّا وقد تشبعت بروح الوحي، ولا تثمر رؤية إلَّا وكانت متصلة بجذور الشرع ومقاصده العليا.
وهكذا، يصبح النص المقدس في فكره هو الفضاء الذي تتشكل فيه الرؤية، والميزان الذي توزن به المواقف، والمعيار الذي تُقاس به صدق الأفكار، في منهج يزاوج بين الإيمان العميق والعقل المنفتح، وبين الانتماء للنص والانطلاق منه نحو آفاق التجديد والاجتهاد.
لا يرى الإمام الشيرازي في الحداثة خصمًا يجب اجتنابه؛ ولكن يتعامل معها من منطلق تقويمي واعٍ، إذ يفرّق بوضوح بين الحداثة التي تنبع من ضرورات واقعية وتُحقق مصلحة الأمة، وبين الحداثة المفرغة من القيم، أو التي تُفرض كنموذج استعلائي يهدد الهوية؛ فهو ينظر إلى الحداثة المنسجمة مع روح الشريعة ومقاصدها على أنها فرصة للتطوير والبناء، لا تهديدًا للأصالة. وقد عبر عن هذا التوازن الفكري بوضوح بقوله: "والتمسك بالأصالة لا يعني رفض الحداثة إذا كانت لها فوائد تستفيد منها الأمة"(الاجتماع: ص144).
بهذا الموقف المتزن، يرسّخ نهجًا معرفيًا يجمع بين الثقة بالتراث والانفتاح على المستقبل، ويؤسس لرؤية فكرية قادرة على استيعاب المتغيرات من دون أن تذوب فيها، وعلى الإفادة من مكتسبات العصر من دون أن تتخلَّى عن هويتها. إنَّه موقف الوسطيَّة الواعية، الذي يُبقي على جذور الأمة راسخة، في الوقت الذي يدفعها فيه إلى النهوض والتجدد والعطاء.
إنَّ الإمام الشيرازي، بهذا الجمع النادر بين الأصالة والتجديد، يرسم معالم فكرٍ إسلامي حي، يعيد الاعتبار لمكانة الشريعة في بناء المجتمع، من دون أن يتجاهل التحولات الاجتماعية والثقافية، ودون أن يغلق أبواب الاجتهاد أمام الأسئلة المستجدة. فمشروعه الفكري هو محاولة واعية لإحياء دور الإسلام في الحياة، بما يحفظ للإنسان كرامته، ويمنحه أدوات النهوض الفردي والجماعي، ضمن إطار متكامل تتجاور فيه ثوابت العقيدة مع مرونة الاجتهاد، وتتناغم فيه أصول الدِّين مع ضروراته المتجددة.
وهكذا، يتحوَّل فكر الإمام الشيرازي إلى جسر حيّ بين الماضي والمستقبل، وإلى خطاب قادر على ملامسة الحاضر من دون أن يفقد ضياء الوحي، وعلى تلبية الحاجات الإنسانية المتغيرة من خلال مرجعيَّة دينيَّة راسخة، ووعي اجتماعي متقد، ورؤية حضارية تنطلق من قلب الإسلام لتخاطب العالم بلغة العقل والرحمة والعدل.
2. العقلية الثائرة.
ليس من المستغرب أن يقع كثير من الكتَّاب والمفكرين في خطأ منهجي عند تناولهم لقضايا الأمة، حين تُثقل رؤاهم بروح انهزاميَّة، وتغلب على خطابهم نبرة يأس واستسلام. فتراهم ينقلون للقارئ مشهدًا قاتمًا، تغيب فيه ملامح الأمل وتُغيَّب فيه طاقة التغيير، فيكتفون بوصف الواقع بأبعاده السلبيَّة من دون أن يقدّموا بصيصًا من نور أو مشروعًا للخروج من النفق؛ إنَّهم يرسمون مشهدًا ساكنًا يعمِّق الإحباط، بدل أن يحرّك الوعي أو يشحذ العزائم.
أمَّا الإمام الشيرازي، فقد كان على الطرف النقيض من هذا النمط المتشائم؛ إذ كانت نظرته للواقع ممتلئة بالحيويَّة ومشحونة بالإرادة والإيمان بقدرة الأمَّة على النهوض. ولقد كان التفاؤل جزءاً أصيلًا من تكوينه الفكري والنَّفسي، وكان يرى في كلِّ أزمة فرصة، وفي كلِّ عثرة منطلقًا نحو تجاوز الواقع وصناعته من جديد.
فروحه كانت نابضة بالأمل كقناعة راسخة تولَّدت من إيمانه العميق بسنن التغيير القرآنيَّة، وبأنَّ النهوض ليس محالًا متى توفرت الإرادة والرؤية والعمل. وكان فكره يتدفق بحيويَّة ثوريَّة تستلهم روح الإسلام في بُعده الحضاري والتغييري، وتسعى إلى استعادة الدور الريادي للأمة في صناعة الحضارة وتوجيه المسار الإنساني.
إنَّ ما يميز الإمام الشيرازي في هذا السياق، هو أنه قدَّم مشاريع متكاملة للإصلاح، وأسّس خطابًا يحرّك الهمم ويبث روح النهوض، مستندًا إلى رؤية إسلامية متجذرة، ومتفائلة، وعملية، تُبقي أبواب الأمل مشرعة، وتعيد للأمة ثقتها بنفسها وبمقدراتها.
وكتاباته هي صوت يقظ وصيحات نهوض صريحة، تنبض بالإرادة، وتنبّه الضمير، وتفتح أفق التغيير الثوري والجذري. ولم يكن من أولئك الذين يرضون بالحلول الجزئيَّة أو يكتفون بترقيع الواقع المهترئ؛ بل كان يرفض المجاملات الفكريَّة والتسويات السطحيَّة، ويمضي بجرأة العالم وبصيرة المصلح إلى تشخيص العلل العميقة التي تعاني منها الأمة، ثمَّ يقدِّم المعالجات اللازمة بشفافية لا تعرف التردد، ووضوح لا يعرف المداراة.
روحه الثوريَّة تتغلغل في كلِّ سطر، كما يسري الدم في العروق، فتمنح القارئ شعورًا باليقظة وتُشعل فيه شرارة التغيير. ولا يكتفي الإمام بأن يحلل الواقع أو ينتقد السلبيات؛ بل يحمّل القارئ مسؤولية التغيير، ويخاطبه كطرف فاعل لا كمتلقٍ سلبي. ومن هذا المنطلق، تتحول كتبه إلى أدوات توقظ في النفوس معاني الكرامة والدور والرسالة، وتدفع الإنسان إلى الانتقال من موقع السخط الصامت إلى ميدان العمل الواعي والإصلاح البنَّاء.
وتتجلى هذه الروح الثوريَّة التي تميِّز فكره بأبهى صورها في مؤلفاته المحوريَّة، مثل الاجتماع، والسبيل إلى إنهاض المسلمين، والصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام، وممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين؛ فهذه الكتب تمثل مشاريع عملية متكاملة لإحداث نهضة شاملة، تبدأ من تجديد الفكر، وتمتد لتشمل مختلف مفاصل الحياة: السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والثقافيَّة.
إنَّ فكر التغيير عند الإمام الشيرازي هو ضرورة عاجلة، وواجب شرعي وإنساني، ورسالة ملحّة على كل من يحمل الإيمان بوعد الله (تعالى) للمستضعفين أن يتصدى لها؛ فالتغيير عنده فعل واعٍ ومخطط، ينبني على وعي بالسنن الإلهية، وفهم دقيق لطبيعة المجتمعات، وإرادة صلبة لا تنكسر أمام العقبات.
ولهذا، فإنَّ كتبه ترسم خارطة طريق نحو النهوض، تعتمد على إصلاح الفكر قبل الأنظمة، وبناء الإنسان قبل المؤسسات. إنَّها دعوة للانخراط العملي في مشروع التغيير، يوجهها إلى كلِّ فرد يشعر بمسؤوليته، ويؤمن بأنَّ المستقبل لا يُمنح للأمة إلَّا إذا نهضت لتحققه بوعيها وعملها وتضحياتها.
لقد آمن بأنَّ النهضة تبدأ من تحرير الفكر وتطهير الوعي من شوائب التقليد والهيمنة، وتنتهي ببناء مؤسسات عادلة، ومجتمعٍ حيّ، تتوازن فيه الحقوق والواجبات، وتترسخ فيه كرامة الإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض؛ ولذا، فإنَّ مشروعه النهضوي كان خارطة طريق لتحرير الأمة، وإطلاق طاقاتها الكامنة، واستعادة دورها في بناء حضارة تقوم على الإيمان والعقل والحريَّة والعدالة.
3. العمق الجماهيري.
حين تتأمَّل نصوص المجدد الشيرازي، سرعان ما يتضح لك حضور الجماهير فيها كشركاء فاعلين في صناعة التغيير وصُناع للمصير؛ ففكره كان مشروعًا فكريًا عمليًا نزل إلى صلب الواقع، وامتزج بنبض الشارع وهموم الناس اليوميَّة، وانطلق من إيمان راسخ بقدرة الجماهير على النهوض، وبناء مجتمعٍ يسوده الوعي والتفاعل.
لقد آمن بأنَّ الأمة لا تنهض إلَّا حين يتحوَّل أفرادها من متلقين سلبيين إلى قوى فاعلة، حين يُدرك كل فرد مسؤوليته في مسيرة التغيير، ويشعر بأنَّه شريك أصيل في صنع المستقبل؛ لذلك، فإنَّ كتاباته تعكس هذا التوجه، وتدعو إلى المشاركة والمبادرة، وتحث على الإيجابيَّة والفاعليَّة، وتُبرز دور الجماهير كعناصر حيويَّة لا غنى عنها في أي مشروع نهضوي.
بهذا المعنى، يصبح فكره جسرًا يربط بين النظريَّة والتطبيق، وبين الفكرة والواقع، وبين القائد والمجتمع، وبين الماضي والحاضر والمستقبل، ليشكّل بذلك نموذجًا ملهمًا للفكر الإسلامي المعاصر الذي يستمد من جذوره ليؤسس لمستقبل مشرق تشترك فيه الأمة جمعاء، بكلِّ فئاتها، في بناء حضارتها وإعادة مجدها.
إنَّ الجماهيريَّة في فكره هي قناعة عميقة راسخة بأنَّ الأمة بكامل مكوناتها – من طبقات وفئات متعددة – تمثل المفتاح الأساسي والحقيقي لأي نهوض ونهضة؛ لذلك، يرتكز مشروعه الفكري على الثقة الكاملة بقدرة الجماهير على التحول من حالة التلقي الساكن إلى حالة الفعل الواعي والالتزام المجتمعي، باعتبارها القوى الحقيقيَّة القادرة على صناعة التغيير وتمكين الأمة من استعادة دورها الحضاري والتاريخي.
لذلك، كان يضع تأكيدًا بالغًا على أهمية التنظيم الجماهيري كآلية أساسية وفاعلة في مسيرة الإصلاح والبناء؛ فهو يرى في التنظيم المنهجي والمنظم الخيار الأنجح والأكثر قدرة على مواجهة التحديات الحضارية التي تعصف بالأمة، والأداة الأهم لخوض المعركة الحضارية التي تستهدف استعادة مكانة المسلمين ودورهم الفاعل في العالم. وهذا الموقف يظهر بوضوح في كتابه (السبيل إلى إنهاض المسلمين)، وكذلك في العديد من مؤلفاته الأخرى التي تتناول موضوع العمل الإسلامي والمنهجية التنظيمية.
إنَّ الإمام الشيرازي لا يؤمن بالنخبوية المنغلقة التي تحصر العمل في دوائر ضيقة ومعزولة عن نبض الواقع وحياة الجماهير، ويعتبر هذه الاستراتيجية خاطئة وعقيمة بطبيعتها؛ لأنَّها لا تُنتج إلَّا الغربة الفكرية والانفصال عن جوهر المجتمع، ممَّا يقود حتمًا إلى الفشل في تحقيق أي نهضة أو تغيير حقيقي.
في تصوره، لا قيمة للتنظيم إذا لم يكن متجذرًا بعمق في حياة الجماهير، متفاعلًا مع حاجاتهم وآمالهم، ومتجاوبًا مع همومهم اليوميَّة. تمامًا كما أنَّ السمكة لا تستطيع العيش خارج الماء الذي هو بيئتها الطبيعية، فإن التنظيم الاجتماعي والسياسي إذا انفصل عن واقع الناس، أصبح كائنًا بلا روح، ومشروعًا بلا حياة، عاجزًا عن النهوض أو إحداث أثر ملموس.
إنَّ التنظيم في رؤيته لا يتحقق إسلاميته الحقيقية إلَّا عندما يكون متجذرًا في واقع الناس، قريبًا من الفقير، حاضرًا إلى جانب المظلوم، ومساندًا للمحتاج. هو تنظيم ينصهر في نسيج الأمة، يعمل لخدمتها لا ليصنع وصاية عليها، ويقودها في مسيرة التقدم دون أن يتعالى أو ينفصل عنها.
بهذه الروح الجماهيرية الأصيلة، كان الإمام الشيرازي يطمح إلى بناء نهضة حقيقية تمتد جذورها في عمق حياة الناس اليومية، وتستمد من تفاعلها الحيوي مع المجتمع قوةً وحيوية، لتثمر مستقبلًا يليق بعزة الأمة وكرامتها، ويعيد إليها مكانتها في مسار الحضارة والإنسانية.
لقد أراد أن يكون التنظيم الإسلامي نموذجًا حيًا للتكامل بين الفكر والعمل، بين القيادة والجماهير، بين الطموح والواقع، ليكون بذلك قاعدة صلبة ترتكز عليها حركة النهضة الشاملة التي تحرر الإنسان وتنهض بالمجتمع في آنٍ واحد.
4. بساطة التعبير وثراء المعنى.
من السمات المميزة في فكر الإمام الشيرازي، تكمن في تلك القدرة النادرة والفريدة على الجمع بين العمق العلمي والرصانة الفكرية من جهة، والبساطة في الطرح وسهولة الفهم من جهة أخرى، من دون أن ينزلق إلى السطحية المبتذلة أو التعقيد المفرط الذي يُبعد القارئ عن جوهر الفكرة؛ فكتاباته كانت أدوات تواصل حقيقية تهدف إلى أن تُفهم، وتصل إلى القلوب والعقول، وتترك أثرًا واضحًا في وعي المتلقي.
هذا الأسلوب الذي يتقنه يُعرف عند الأدباء بـ"السهل الممتنع"؛ وهو نمط من التعبير يبدو بسيطًا وسلسًا على الظاهر، لكنه في أعماقه يحمل حكمة راسخة، وعمقًا فكريًا راقيًا يتطلب من القارئ تدبره وتأمله. وهذا التوازن الدقيق بين السهولة والعمق هو ما جعل فكر الإمام قريبًا من جمهور واسع، سواء كانوا من العلماء أو العامة، وحافظ على استمراريته وقوته عبر الزمن؛ إذ يُسهم في بناء جسر تواصل بين المعرفة العالية والواقع الحياتي للأفراد والمجتمعات.
وقد تجلت هذه السمة المميزة في مختلف مؤلفات الإمام الشيرازي بشكل واضح، سواء في موسوعاته الفقهية الضخمة التي تناول فيها أبواب الفقه وأصوله، مثل الموسوعة الفقهية وأصولها، والتي وُجهت بشكل رئيسي إلى كبار العلماء وطلبة الاجتهاد في الحوزات العلمية والجامعات الدينية، أو في مؤلفاته الأكاديمية المتخصصة في مجالات متعددة كفقه الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، والإدارة، والحقوق، التي استهدف من خلالها النخبة الفكرية والمختصين.
إنَّ هذه التنوعات في مضامين مؤلفاته عززت من قدرته على مخاطبة شرائح مختلفة من القراء بأسلوب علمي رصين، يعكس تماسك الرؤية وثراء المعرفة، مع المحافظة على وضوح الرسالة وسهولة الوصول إليها. وهذا التوازن بين التخصصية والعمومية، وبين العمق والبساطة، جعل من فكر الإمام الشيرازي مرجعًا متكاملًا يخاطب أبعادًا متعددة من حياة الأمة، ويرسخ مكانته كأحد أبرز المفكرين المعاصرين في الحقل الإسلامي.
ومما يلفت الانتباه بوضوح أن هذا العمق العلمي والفكري لدى الإمام الشيرازي لم يشغله عن هموم عامة الناس، ولم يجعله يقتصر على مخاطبة النخبة وحدها؛ بل كان حريصًا على تأليف مؤلفات تناسب ثقافات واحتياجات مختلف شرائح المجتمع؛ فقد أولى عناية خاصة للأطفال، وقدم لهم كتبًا تربوية على شكل قصص مبسطة، تحمل في طياتها رسائل قيمة بأسلوب جذاب وسلس يسهل استيعابه ويصعب نسيانه، ما يعكس وعيه بأهمية بناء الوعي منذ الصغر.
إنَّه بحق كاتب الأمة بكلِّ فئاتها وأطيافها، يدرك أنَّ النهضة الحقيقية لا تقوم على طبقة واحدة أو فئة محددة، ولا تُبنى الحضارة من طرف منفرد، ولكن تتطلَّب تنوعًا فكريًا واسعًا يستوعب الجميع، ويخاطب كلَّ عقل بحسب مستواه وقدرته على الفهم؛ فمشروعه الفكري هو مشروع شامل يراعي الفروق ويحتفي بالتنوع، ليضمن بذلك شمولية التأثير وعمق الانتشار، مؤمنًا بأنَّ نهضة الأمة لا تتحقق إلَّا بتكاتف كل أبنائها ومشاركتهم الفاعلة في بناء المستقبل.
وبفضل هذا التوازن الدقيق، أصبح فكره ممتدًا وشاملاً، يتغلغل في أوساط القاعدة الشعبية كما يصل إلى قمم النخبة المثقفة، مؤثرًا في الإنسان العادي كما في العالم المتخصص؛ ذلك لأنَّه كان يؤمن إيمانًا راسخًا أن الحقيقة لا تكتمل ولا تتحقق فعاليتها إلَّا عندما تصبح مفهومة وراسخة في وجدان وعقل الجميع، من مختلف المستويات والطبقات، فتتحول إلى قوة دافعة حقيقية للنهوض والتغيير.
وهكذا يبرز فكره كنبراس حيّ يشعُّ في دروب التغيير، ويعيد رسم ملامح النهضة برؤية إسلاميّة متجذّرة. لم يكن مشروعه الفكري مجرّد اجتهاد نخبوي؛ وإنَّما كان نداء وعيٍ عميق، ونفخة حياة في جسد أمة أنهكتها الأزمات. فكرٌ يبعث في الأمة روح الحياة؛ لأنه يستمد نوره من القرآن الكريم ونص وسلوك المعصوم (عليه السلام)، ويغرس في الناس الأمل، والعقل، والرسالة. وبناءً على ما سبق، يبقى فكر الإمام الشيرازي (أعلى الله تعالى مقامه) مدرسة متدفّقة بالعطاء، ومشروعًا متجددًا لا يندثر.
* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2025

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل يجب تقديم النية في أعمال الخير حتى أحصل على الثواب؟.. الإفتاء تجيب
هل يجب تقديم النية في أعمال الخير حتى أحصل على الثواب؟.. الإفتاء تجيب

صدى البلد

timeمنذ ساعة واحدة

  • صدى البلد

هل يجب تقديم النية في أعمال الخير حتى أحصل على الثواب؟.. الإفتاء تجيب

هل يجب تقديم النية فى أعمال الخير حتى يتحصل الأجر؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية. وقال الدكتور محمد عبد السميع أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية ردا عن السؤال : إن النية من أهم الواجبات، ولا يحتسب لإنسان عمل صالح إلا باستحضار نية له،فقد ورد فى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "نية المؤمن خير من عمله. وتابع خلال بث مباشر سابق لدار الإفتاء: فربما أنوى عمل صالح فأعجز عنه لأنى انشغلت أو حال بينى وبينه الوقت أو المال أو نحو ذلك فاخذ ثواب النية، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول 'من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بها فعملها كتبت له عشرة'، إذا فالمهم هو النية ليثاب وبغير النية لا يثاب الإنسان. وأوضح أن الصحابة كانوا يستحضرون نياتهم فى الأعمال الصالحات، ولذلك سيدنا رسول الله يقول 'إنما الأعمال بالنيات وإنما لكا امرئ ما نوى'. وشدد على انه لابد من استحضار النية قبل الشروع فى العمل الصالح حتى ولو القلب وهو يكفى ولا يجب التصريح باللسان، ولكن يجب أن أنوى بقلبى أن أفعل هذا بنية كذا فيحصل لى الأجر والثواب عند الله تبارك وتعالى. هل يجوز التلفظ بالنية قبل العبادات جاب الدكتور هاني تمام، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، على سؤال حول هل يمكن التلفظ بالنية اثناء القيام بالعبادات؟. وقال أستاذ الفقه بجامعة الأزهر : "الاصل فى النية محله القلب، ويجوز التلفظ بها اقول نويت ارفع الجنابة، وبعض العلماء قالوا يستحب التلفظ بها تأكيدا على ما فى القلب". وأضاف: "بعض الناس عندهم وسوسة ويقول كيف اضبط نيتى، فهنا يجوز التلفظ بها ليقطع هذه الوسوسة التى فى عقله". الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن التلفظ بالنية في الصلاة جائز شرعًا. وأضاف "عبد السميع" في إجابته عن سؤال: " ما حكم التلفظ بالنية في الصلاة؟" أن التلفظ بالنية ليس شرطًا في صحة الصلاة إلا إذا لم يتمكن المكلف من استجماع النية إلا بالتلفظ بها؛ فتكون حينئذٍ واجبة. وتابع أمين الفتوى، عبر فيديو البث المباشر لدار الإفتاء على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي بموقع التواصل " فيسبوك " أنه يكفي للمصلى أن يستشعر النية بقلبه قبل الدخول في الصلاة.

حكم أداء الصلاة على الشواطئ والوضوء بماء البحر.. الأزهر للفتوى يجيب
حكم أداء الصلاة على الشواطئ والوضوء بماء البحر.. الأزهر للفتوى يجيب

صدى البلد

timeمنذ 3 ساعات

  • صدى البلد

حكم أداء الصلاة على الشواطئ والوضوء بماء البحر.. الأزهر للفتوى يجيب

حكم الصلاة على الشواطئ وأماكن التَّنزُّه؟ سؤال أجاب عنه مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية. وقال عبر موقعه الرسمى إن المحافظة على أداء الصلاة في وقتها قربةٌ عظيمة من أحب الأعمال إلى الله؛ قال سيدنا رسول الله ﷺ: «ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ، ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ». [أخرجه مسلم] . وبين أنه لا تعارض بين التمسّك بفرائض الإسلام وآدابه وبين الاستمتاع بالحياة والترويح المباح، فالمسلم يُراعِي حق ربه سبحانه في جميع أحواله. صلاة المسلم فى الشواطئ وأماكن التنزه وأوضح انه تجوز صلاة المسلم في أماكن التَّنزُّه العامة كالشواطئ والحدائق ونحوهما منفردًا أو في جماعة، مع مراعاة حقوق المارَّة والمتنزّهين، وأماكن جلوسهم، ومن الأفضل أن يتخيّر المصلي مكانًا بعيدًا عن الضوضاء والتجمعات؛ ليكون ذلك عونًا له على الخشوع في الصلاة. حكم الوضوء بماء البحر ولفت الى انه يجوز وضوء المسلم بماء البحر؛ فقد قال سيدنا رسول الله ﷺ عنه: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ». [أخرجه أبو داود] شروط صحة الصلاة ونوه أن طهارة ثوب المصلي وبدنه ومكانه، وستر عورته من شروط الصلاة التي لا تصح إلا بها، والصلاة على رمال الشواطئ أو حشائش الحدائق جائزة، طالما أن موطن الصلاة طاهر، وإن صلى المسلم على سجادة صلاة، فهو أمر حسن. وذكر انه على المسلم أن يرتدي من الثياب ما يليق بأداء فريضة الصلاة، وأن يراعي جلال ربه سبحانه، وأقل ما يجزئ في ستر عورة المسلم في الصلاة ستر ما بين سُرَّته ورُكبته، وزاد بعضُ الفقهاء أن يكون على كتفيه شيء من ثيابه. صلاة المرأة فى مكان عام قال ان صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها خارجه، ولكن إن خشيت فوات وقت صلاةٍ وهي في مكانٍ عامٍّ؛ بحثت عن مكان تستتر فيه، وأدَّت صلاتها، فإن لم تجد، واتخذت ساترًا كجدار أو شجرة، وصلَّت، مع التزامها بالحجاب والسِّتر الكامل؛ صحَّت صلاتُها، فإن لم تجد ساترًا من جدار ونحوه، وصلَّت دونه، مع التزامٍ تامٍّ بالحجاب والسِّتر؛ صحّت صلاتها، وإن كان يُستحبّ لها أن تضم بعضها إلى بعض حال الرُّكوع والسجود، وألَّا تُطيل فيهما. رؤية الرجال الأجانب للمرأة أثناء صلاتها وقال إن رؤية الرجال الأجانب للمرأة أثناء صلاتها لا يُبطلها، مع ضرورة التزامها بالحجاب والستر.

فكر يصنع الحياة.. المنهج الشيرازي في التغيير والإصلاح
فكر يصنع الحياة.. المنهج الشيرازي في التغيير والإصلاح

شبكة النبأ

timeمنذ 5 ساعات

  • شبكة النبأ

فكر يصنع الحياة.. المنهج الشيرازي في التغيير والإصلاح

يبرز فكره كنبراس حيّ يشعُّ في دروب التغيير، ويعيد رسم ملامح النهضة برؤية إسلاميّة متجذّرة. لم يكن مشروعه الفكري مجرّد اجتهاد نخبوي؛ وإنَّما كان نداء وعيٍ عميق، ونفخة حياة في جسد أمة أنهكتها الأزمات. فكرٌ يبعث في الأمة روح الحياة؛ ويغرس في الناس الأمل، والعقل، والرسالة... إذا تأمَّلنا بدقَّة في النتاج الفكري الغزير للمرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي (أعلى الله تعالى مقامه)؛ الذي تجاوز بأعداده الألف واربعمائة عنوان، فإننا نكتشف منظومة معرفيَّة متكاملة تسير على نهجٍ فكريٍ متينٍ ومتماسك، يتَّسم بالوضوح والثَّبات، ويخلو من التذبذب أو الارتهان للمتغيرات الفكريَّة العارضة. وهذا النهج ليس نتاج تقليدٍ أو مسايرةٍ للتيارات الفكريَّة العابرة؛ بل هو امتداد حيّ لروح الإسلام الأصيل، واستلهام عميق من ينابيع التراث المحمدي الأصيل، بما يختزنه من قيمٍ راسخة ومعانٍ متجددة. فمنهج المجدد الشيرازي لا يتكئ على النقل السطحي، ولا ينزلق إلى الاستنساخ الفكري، وإنَّما ينهل من جوهر الأصالة، ويعيد قراءة التراث بعينٍ معاصرة، تستخرج منه الجواهر الفكريَّة والدرر العلميَّة التي تلبي حاجات العصر وتجيب عن تساؤلاته المتراكمة. إنَّه منهج يعيد بناء العلاقة بين الماضي والحاضر، من دون قطيعة أو تماهٍ من خلال حضور نقدي واعٍ، يُبقي على الجذور ويُنمِّي الفروع. ومن أبرز ملامح هذه المنهجيَّة التجديديَّة التي انتهجها الإمام الشيرازي، والتي جعلت من مشروعه الفكري متميزًا ومؤثِّرًا في ساحات الفكر الإسلامي، هي: 1. التمسك بجذور الفكر الأصيل. من أبرز السمات التي تشد الانتباه في الفكر الشيرازي هي ذلك التمسك العميق بالأصالة الفكريَّة، الذي يتغلغل في بنية كلِّ فكرة يطرحها، وفي مضمون كلِّ رأي يعرضه؛ فالإمام الشيرازي لا يطرح رأيًا ولا يبني تصورًا معرفيًا إلَّا وقد أسسه على دعائم ثابتة من القرآن الكريم، وأحاطه بسياج من السنَّة النبوية المطهرة المتمثلة بأحاديث الرسول الأعظم محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) وأهل بيته (صلوات الله عليهم)، مستندًا بذلك إلى أرفع منابع التَّشريع وأوثق مصادر المعرفة الإسلاميَّة. غير أنَّ أصالته لا تقف عند حدود الاستشهاد النصِّي أو الإحالة الشكلية؛ وإنَّما تتجاوز ذلك إلى الغوص العميق في دلالات النصوص، واستنطاقها بمستوى يُخرج منها معاني متجددة، ويكشف عن آفاق معرفيَّة تلامس العقل والوجدان معًا؛ فالنصوص هي مفاتيح لفتح مغاليق الفكر، ومصابيح تضيء دروب الهداية، وتعيد تشكيل الوعي الإسلامي بروحٍ نابعة من عمق التراث ونبض الواقع. إنَّ الأصالة في فكر السيِّد الشيرازي هي حركة حيويَّة متجددة، تنبض بالحياة، وتتجلَّى في كلِّ سطر من كتاباته، وكلِّ مشروع من مشاريعه العلميَّة والثَّقافية. إنَّها أصالة واعية، تتحوَّل إلى رؤية ومنهج، وتصوغ فكرًا إسلاميًا قادرًا على مواكبة العصر والحداثة، من دون أن يفقد جذوره أو يتنازل عن هويته. ولو قدّر لك أن تتصفح أيّاً من مؤلفاته، سرعان ما ستلمس منهجًا علميًّا رصينًا لا يعرف التساهل في الطرح أو التسطيح في الفكرة؛ فليست هناك دعوى تُطلق دون دليل، ولا فكرة تُعرض بمعزل عن أصولها النصيَّة ثمَّ إنَّه لا يكتفي بذكر النصوص على سبيل التزيين أو التبرك؛ وإنَّما يجعلها المنطلق والمنتهى، فيبني فكرته من عمق النص، ويغذّيها بفهم عميق لمقاصده، ويعيد تأصيلها ضمن سياق علمي ومنهجي ينسج بين دلالات اللغة وأبعاد المعنى، ليخرج بفهم ناضج وقراءة متجددة تنبض بالحياة. فكأن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما الحقل الذي يزرع فيه أفكاره، والنبع الذي يروي منه مبادئه، فلا تنمو لديه فكرة إلَّا وقد تشبعت بروح الوحي، ولا تثمر رؤية إلَّا وكانت متصلة بجذور الشرع ومقاصده العليا. وهكذا، يصبح النص المقدس في فكره هو الفضاء الذي تتشكل فيه الرؤية، والميزان الذي توزن به المواقف، والمعيار الذي تُقاس به صدق الأفكار، في منهج يزاوج بين الإيمان العميق والعقل المنفتح، وبين الانتماء للنص والانطلاق منه نحو آفاق التجديد والاجتهاد. لا يرى الإمام الشيرازي في الحداثة خصمًا يجب اجتنابه؛ ولكن يتعامل معها من منطلق تقويمي واعٍ، إذ يفرّق بوضوح بين الحداثة التي تنبع من ضرورات واقعية وتُحقق مصلحة الأمة، وبين الحداثة المفرغة من القيم، أو التي تُفرض كنموذج استعلائي يهدد الهوية؛ فهو ينظر إلى الحداثة المنسجمة مع روح الشريعة ومقاصدها على أنها فرصة للتطوير والبناء، لا تهديدًا للأصالة. وقد عبر عن هذا التوازن الفكري بوضوح بقوله: "والتمسك بالأصالة لا يعني رفض الحداثة إذا كانت لها فوائد تستفيد منها الأمة"(الاجتماع: ص144). بهذا الموقف المتزن، يرسّخ نهجًا معرفيًا يجمع بين الثقة بالتراث والانفتاح على المستقبل، ويؤسس لرؤية فكرية قادرة على استيعاب المتغيرات من دون أن تذوب فيها، وعلى الإفادة من مكتسبات العصر من دون أن تتخلَّى عن هويتها. إنَّه موقف الوسطيَّة الواعية، الذي يُبقي على جذور الأمة راسخة، في الوقت الذي يدفعها فيه إلى النهوض والتجدد والعطاء. إنَّ الإمام الشيرازي، بهذا الجمع النادر بين الأصالة والتجديد، يرسم معالم فكرٍ إسلامي حي، يعيد الاعتبار لمكانة الشريعة في بناء المجتمع، من دون أن يتجاهل التحولات الاجتماعية والثقافية، ودون أن يغلق أبواب الاجتهاد أمام الأسئلة المستجدة. فمشروعه الفكري هو محاولة واعية لإحياء دور الإسلام في الحياة، بما يحفظ للإنسان كرامته، ويمنحه أدوات النهوض الفردي والجماعي، ضمن إطار متكامل تتجاور فيه ثوابت العقيدة مع مرونة الاجتهاد، وتتناغم فيه أصول الدِّين مع ضروراته المتجددة. وهكذا، يتحوَّل فكر الإمام الشيرازي إلى جسر حيّ بين الماضي والمستقبل، وإلى خطاب قادر على ملامسة الحاضر من دون أن يفقد ضياء الوحي، وعلى تلبية الحاجات الإنسانية المتغيرة من خلال مرجعيَّة دينيَّة راسخة، ووعي اجتماعي متقد، ورؤية حضارية تنطلق من قلب الإسلام لتخاطب العالم بلغة العقل والرحمة والعدل. 2. العقلية الثائرة. ليس من المستغرب أن يقع كثير من الكتَّاب والمفكرين في خطأ منهجي عند تناولهم لقضايا الأمة، حين تُثقل رؤاهم بروح انهزاميَّة، وتغلب على خطابهم نبرة يأس واستسلام. فتراهم ينقلون للقارئ مشهدًا قاتمًا، تغيب فيه ملامح الأمل وتُغيَّب فيه طاقة التغيير، فيكتفون بوصف الواقع بأبعاده السلبيَّة من دون أن يقدّموا بصيصًا من نور أو مشروعًا للخروج من النفق؛ إنَّهم يرسمون مشهدًا ساكنًا يعمِّق الإحباط، بدل أن يحرّك الوعي أو يشحذ العزائم. أمَّا الإمام الشيرازي، فقد كان على الطرف النقيض من هذا النمط المتشائم؛ إذ كانت نظرته للواقع ممتلئة بالحيويَّة ومشحونة بالإرادة والإيمان بقدرة الأمَّة على النهوض. ولقد كان التفاؤل جزءاً أصيلًا من تكوينه الفكري والنَّفسي، وكان يرى في كلِّ أزمة فرصة، وفي كلِّ عثرة منطلقًا نحو تجاوز الواقع وصناعته من جديد. فروحه كانت نابضة بالأمل كقناعة راسخة تولَّدت من إيمانه العميق بسنن التغيير القرآنيَّة، وبأنَّ النهوض ليس محالًا متى توفرت الإرادة والرؤية والعمل. وكان فكره يتدفق بحيويَّة ثوريَّة تستلهم روح الإسلام في بُعده الحضاري والتغييري، وتسعى إلى استعادة الدور الريادي للأمة في صناعة الحضارة وتوجيه المسار الإنساني. إنَّ ما يميز الإمام الشيرازي في هذا السياق، هو أنه قدَّم مشاريع متكاملة للإصلاح، وأسّس خطابًا يحرّك الهمم ويبث روح النهوض، مستندًا إلى رؤية إسلامية متجذرة، ومتفائلة، وعملية، تُبقي أبواب الأمل مشرعة، وتعيد للأمة ثقتها بنفسها وبمقدراتها. وكتاباته هي صوت يقظ وصيحات نهوض صريحة، تنبض بالإرادة، وتنبّه الضمير، وتفتح أفق التغيير الثوري والجذري. ولم يكن من أولئك الذين يرضون بالحلول الجزئيَّة أو يكتفون بترقيع الواقع المهترئ؛ بل كان يرفض المجاملات الفكريَّة والتسويات السطحيَّة، ويمضي بجرأة العالم وبصيرة المصلح إلى تشخيص العلل العميقة التي تعاني منها الأمة، ثمَّ يقدِّم المعالجات اللازمة بشفافية لا تعرف التردد، ووضوح لا يعرف المداراة. روحه الثوريَّة تتغلغل في كلِّ سطر، كما يسري الدم في العروق، فتمنح القارئ شعورًا باليقظة وتُشعل فيه شرارة التغيير. ولا يكتفي الإمام بأن يحلل الواقع أو ينتقد السلبيات؛ بل يحمّل القارئ مسؤولية التغيير، ويخاطبه كطرف فاعل لا كمتلقٍ سلبي. ومن هذا المنطلق، تتحول كتبه إلى أدوات توقظ في النفوس معاني الكرامة والدور والرسالة، وتدفع الإنسان إلى الانتقال من موقع السخط الصامت إلى ميدان العمل الواعي والإصلاح البنَّاء. وتتجلى هذه الروح الثوريَّة التي تميِّز فكره بأبهى صورها في مؤلفاته المحوريَّة، مثل الاجتماع، والسبيل إلى إنهاض المسلمين، والصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام، وممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين؛ فهذه الكتب تمثل مشاريع عملية متكاملة لإحداث نهضة شاملة، تبدأ من تجديد الفكر، وتمتد لتشمل مختلف مفاصل الحياة: السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والثقافيَّة. إنَّ فكر التغيير عند الإمام الشيرازي هو ضرورة عاجلة، وواجب شرعي وإنساني، ورسالة ملحّة على كل من يحمل الإيمان بوعد الله (تعالى) للمستضعفين أن يتصدى لها؛ فالتغيير عنده فعل واعٍ ومخطط، ينبني على وعي بالسنن الإلهية، وفهم دقيق لطبيعة المجتمعات، وإرادة صلبة لا تنكسر أمام العقبات. ولهذا، فإنَّ كتبه ترسم خارطة طريق نحو النهوض، تعتمد على إصلاح الفكر قبل الأنظمة، وبناء الإنسان قبل المؤسسات. إنَّها دعوة للانخراط العملي في مشروع التغيير، يوجهها إلى كلِّ فرد يشعر بمسؤوليته، ويؤمن بأنَّ المستقبل لا يُمنح للأمة إلَّا إذا نهضت لتحققه بوعيها وعملها وتضحياتها. لقد آمن بأنَّ النهضة تبدأ من تحرير الفكر وتطهير الوعي من شوائب التقليد والهيمنة، وتنتهي ببناء مؤسسات عادلة، ومجتمعٍ حيّ، تتوازن فيه الحقوق والواجبات، وتترسخ فيه كرامة الإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض؛ ولذا، فإنَّ مشروعه النهضوي كان خارطة طريق لتحرير الأمة، وإطلاق طاقاتها الكامنة، واستعادة دورها في بناء حضارة تقوم على الإيمان والعقل والحريَّة والعدالة. 3. العمق الجماهيري. حين تتأمَّل نصوص المجدد الشيرازي، سرعان ما يتضح لك حضور الجماهير فيها كشركاء فاعلين في صناعة التغيير وصُناع للمصير؛ ففكره كان مشروعًا فكريًا عمليًا نزل إلى صلب الواقع، وامتزج بنبض الشارع وهموم الناس اليوميَّة، وانطلق من إيمان راسخ بقدرة الجماهير على النهوض، وبناء مجتمعٍ يسوده الوعي والتفاعل. لقد آمن بأنَّ الأمة لا تنهض إلَّا حين يتحوَّل أفرادها من متلقين سلبيين إلى قوى فاعلة، حين يُدرك كل فرد مسؤوليته في مسيرة التغيير، ويشعر بأنَّه شريك أصيل في صنع المستقبل؛ لذلك، فإنَّ كتاباته تعكس هذا التوجه، وتدعو إلى المشاركة والمبادرة، وتحث على الإيجابيَّة والفاعليَّة، وتُبرز دور الجماهير كعناصر حيويَّة لا غنى عنها في أي مشروع نهضوي. بهذا المعنى، يصبح فكره جسرًا يربط بين النظريَّة والتطبيق، وبين الفكرة والواقع، وبين القائد والمجتمع، وبين الماضي والحاضر والمستقبل، ليشكّل بذلك نموذجًا ملهمًا للفكر الإسلامي المعاصر الذي يستمد من جذوره ليؤسس لمستقبل مشرق تشترك فيه الأمة جمعاء، بكلِّ فئاتها، في بناء حضارتها وإعادة مجدها. إنَّ الجماهيريَّة في فكره هي قناعة عميقة راسخة بأنَّ الأمة بكامل مكوناتها – من طبقات وفئات متعددة – تمثل المفتاح الأساسي والحقيقي لأي نهوض ونهضة؛ لذلك، يرتكز مشروعه الفكري على الثقة الكاملة بقدرة الجماهير على التحول من حالة التلقي الساكن إلى حالة الفعل الواعي والالتزام المجتمعي، باعتبارها القوى الحقيقيَّة القادرة على صناعة التغيير وتمكين الأمة من استعادة دورها الحضاري والتاريخي. لذلك، كان يضع تأكيدًا بالغًا على أهمية التنظيم الجماهيري كآلية أساسية وفاعلة في مسيرة الإصلاح والبناء؛ فهو يرى في التنظيم المنهجي والمنظم الخيار الأنجح والأكثر قدرة على مواجهة التحديات الحضارية التي تعصف بالأمة، والأداة الأهم لخوض المعركة الحضارية التي تستهدف استعادة مكانة المسلمين ودورهم الفاعل في العالم. وهذا الموقف يظهر بوضوح في كتابه (السبيل إلى إنهاض المسلمين)، وكذلك في العديد من مؤلفاته الأخرى التي تتناول موضوع العمل الإسلامي والمنهجية التنظيمية. إنَّ الإمام الشيرازي لا يؤمن بالنخبوية المنغلقة التي تحصر العمل في دوائر ضيقة ومعزولة عن نبض الواقع وحياة الجماهير، ويعتبر هذه الاستراتيجية خاطئة وعقيمة بطبيعتها؛ لأنَّها لا تُنتج إلَّا الغربة الفكرية والانفصال عن جوهر المجتمع، ممَّا يقود حتمًا إلى الفشل في تحقيق أي نهضة أو تغيير حقيقي. في تصوره، لا قيمة للتنظيم إذا لم يكن متجذرًا بعمق في حياة الجماهير، متفاعلًا مع حاجاتهم وآمالهم، ومتجاوبًا مع همومهم اليوميَّة. تمامًا كما أنَّ السمكة لا تستطيع العيش خارج الماء الذي هو بيئتها الطبيعية، فإن التنظيم الاجتماعي والسياسي إذا انفصل عن واقع الناس، أصبح كائنًا بلا روح، ومشروعًا بلا حياة، عاجزًا عن النهوض أو إحداث أثر ملموس. إنَّ التنظيم في رؤيته لا يتحقق إسلاميته الحقيقية إلَّا عندما يكون متجذرًا في واقع الناس، قريبًا من الفقير، حاضرًا إلى جانب المظلوم، ومساندًا للمحتاج. هو تنظيم ينصهر في نسيج الأمة، يعمل لخدمتها لا ليصنع وصاية عليها، ويقودها في مسيرة التقدم دون أن يتعالى أو ينفصل عنها. بهذه الروح الجماهيرية الأصيلة، كان الإمام الشيرازي يطمح إلى بناء نهضة حقيقية تمتد جذورها في عمق حياة الناس اليومية، وتستمد من تفاعلها الحيوي مع المجتمع قوةً وحيوية، لتثمر مستقبلًا يليق بعزة الأمة وكرامتها، ويعيد إليها مكانتها في مسار الحضارة والإنسانية. لقد أراد أن يكون التنظيم الإسلامي نموذجًا حيًا للتكامل بين الفكر والعمل، بين القيادة والجماهير، بين الطموح والواقع، ليكون بذلك قاعدة صلبة ترتكز عليها حركة النهضة الشاملة التي تحرر الإنسان وتنهض بالمجتمع في آنٍ واحد. 4. بساطة التعبير وثراء المعنى. من السمات المميزة في فكر الإمام الشيرازي، تكمن في تلك القدرة النادرة والفريدة على الجمع بين العمق العلمي والرصانة الفكرية من جهة، والبساطة في الطرح وسهولة الفهم من جهة أخرى، من دون أن ينزلق إلى السطحية المبتذلة أو التعقيد المفرط الذي يُبعد القارئ عن جوهر الفكرة؛ فكتاباته كانت أدوات تواصل حقيقية تهدف إلى أن تُفهم، وتصل إلى القلوب والعقول، وتترك أثرًا واضحًا في وعي المتلقي. هذا الأسلوب الذي يتقنه يُعرف عند الأدباء بـ"السهل الممتنع"؛ وهو نمط من التعبير يبدو بسيطًا وسلسًا على الظاهر، لكنه في أعماقه يحمل حكمة راسخة، وعمقًا فكريًا راقيًا يتطلب من القارئ تدبره وتأمله. وهذا التوازن الدقيق بين السهولة والعمق هو ما جعل فكر الإمام قريبًا من جمهور واسع، سواء كانوا من العلماء أو العامة، وحافظ على استمراريته وقوته عبر الزمن؛ إذ يُسهم في بناء جسر تواصل بين المعرفة العالية والواقع الحياتي للأفراد والمجتمعات. وقد تجلت هذه السمة المميزة في مختلف مؤلفات الإمام الشيرازي بشكل واضح، سواء في موسوعاته الفقهية الضخمة التي تناول فيها أبواب الفقه وأصوله، مثل الموسوعة الفقهية وأصولها، والتي وُجهت بشكل رئيسي إلى كبار العلماء وطلبة الاجتهاد في الحوزات العلمية والجامعات الدينية، أو في مؤلفاته الأكاديمية المتخصصة في مجالات متعددة كفقه الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، والإدارة، والحقوق، التي استهدف من خلالها النخبة الفكرية والمختصين. إنَّ هذه التنوعات في مضامين مؤلفاته عززت من قدرته على مخاطبة شرائح مختلفة من القراء بأسلوب علمي رصين، يعكس تماسك الرؤية وثراء المعرفة، مع المحافظة على وضوح الرسالة وسهولة الوصول إليها. وهذا التوازن بين التخصصية والعمومية، وبين العمق والبساطة، جعل من فكر الإمام الشيرازي مرجعًا متكاملًا يخاطب أبعادًا متعددة من حياة الأمة، ويرسخ مكانته كأحد أبرز المفكرين المعاصرين في الحقل الإسلامي. ومما يلفت الانتباه بوضوح أن هذا العمق العلمي والفكري لدى الإمام الشيرازي لم يشغله عن هموم عامة الناس، ولم يجعله يقتصر على مخاطبة النخبة وحدها؛ بل كان حريصًا على تأليف مؤلفات تناسب ثقافات واحتياجات مختلف شرائح المجتمع؛ فقد أولى عناية خاصة للأطفال، وقدم لهم كتبًا تربوية على شكل قصص مبسطة، تحمل في طياتها رسائل قيمة بأسلوب جذاب وسلس يسهل استيعابه ويصعب نسيانه، ما يعكس وعيه بأهمية بناء الوعي منذ الصغر. إنَّه بحق كاتب الأمة بكلِّ فئاتها وأطيافها، يدرك أنَّ النهضة الحقيقية لا تقوم على طبقة واحدة أو فئة محددة، ولا تُبنى الحضارة من طرف منفرد، ولكن تتطلَّب تنوعًا فكريًا واسعًا يستوعب الجميع، ويخاطب كلَّ عقل بحسب مستواه وقدرته على الفهم؛ فمشروعه الفكري هو مشروع شامل يراعي الفروق ويحتفي بالتنوع، ليضمن بذلك شمولية التأثير وعمق الانتشار، مؤمنًا بأنَّ نهضة الأمة لا تتحقق إلَّا بتكاتف كل أبنائها ومشاركتهم الفاعلة في بناء المستقبل. وبفضل هذا التوازن الدقيق، أصبح فكره ممتدًا وشاملاً، يتغلغل في أوساط القاعدة الشعبية كما يصل إلى قمم النخبة المثقفة، مؤثرًا في الإنسان العادي كما في العالم المتخصص؛ ذلك لأنَّه كان يؤمن إيمانًا راسخًا أن الحقيقة لا تكتمل ولا تتحقق فعاليتها إلَّا عندما تصبح مفهومة وراسخة في وجدان وعقل الجميع، من مختلف المستويات والطبقات، فتتحول إلى قوة دافعة حقيقية للنهوض والتغيير. وهكذا يبرز فكره كنبراس حيّ يشعُّ في دروب التغيير، ويعيد رسم ملامح النهضة برؤية إسلاميّة متجذّرة. لم يكن مشروعه الفكري مجرّد اجتهاد نخبوي؛ وإنَّما كان نداء وعيٍ عميق، ونفخة حياة في جسد أمة أنهكتها الأزمات. فكرٌ يبعث في الأمة روح الحياة؛ لأنه يستمد نوره من القرآن الكريم ونص وسلوك المعصوم (عليه السلام)، ويغرس في الناس الأمل، والعقل، والرسالة. وبناءً على ما سبق، يبقى فكر الإمام الشيرازي (أعلى الله تعالى مقامه) مدرسة متدفّقة بالعطاء، ومشروعًا متجددًا لا يندثر. * مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2025

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store