
تعاون أمريكي إماراتي في الذكاء الاصطناعي.. شراكة تقود مستقبل البشرية
تمثل الشراكة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية نموذجا متقدما للتعاون الدولي في مجالي الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
هذا التعاون يهدف إلى تسريع وتيرة الابتكار التكنولوجي وتعزيز حماية البنية التحتية الرقمية. ويعد الاتفاق بين شركتي "مايكروسوفت" و"G42" أحد أبرز الأمثلة على هذا التكامل التقني العالمي.
أكد الخبير السيبراني الأمريكي جيمس ماكويجان أن الشراكة الأمريكية-الإماراتية في مجال الذكاء الاصطناعي ستتيح إمكانيات ضخمة وهائلة.
وقال إن التعاون بين بلدين يمتلكان إمكانيات هائلة في الذكاء الاصطناعي مثل الإمارات والولايات المتحدة سيكون له أثر عظيم ليس في الدولتين فحسب، بل في مسيرة التقدم البشري في هذا المجال.
وأوضح ماكويجان، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الإمارات العربية المتحدة تحقق بالفعل تقدماً كبيراً في مجالي الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، وتبادل المعلومات والخبرات مع الولايات المتحدة، مؤكداً أنها قطعت شوطاً طويلاً بالفعل. كما أن هذه الشراكة التكنولوجية الناجحة بين البلدين ستؤثر إيجاباً على تطور قطاع الذكاء الاصطناعي العالمي.
شراكة بين G42 ومايكروسوفت
وأشار خبير الأمن السيبراني بشركة KnowBe4 بولاية فلوريدا الأمريكية، وعضو المجلس الاستشاري للسلامة والتعليم السيبراني لمنطقة أمريكا الشمالية، إلى أن التعاون الأخير الذي تم الإعلان عنه بين شركة مايكروسوفت الأمريكية وشركة G42 الإماراتية، والاتفاق التاريخي بينهما بقيمة 1.5 مليار دولار، يُعتبر نموذجاً فريداً في الشراكة الدولية في مجال الذكاء الاصطناعي.
وكانت حكومتا الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية قد اتفقتا خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإمارات على وضع خطة عمل حول "شراكة للتسريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي" بين البلدين، لتعزيز التعاون حول التكنولوجيا المتقدمة وضمان حمايتها استناداً إلى مجموعة من الالتزامات المشتركة بين الطرفين.
ومن المقرر أن تقوم الولايات المتحدة بتقديم تسهيلات لتحقيق تعاون أعمق مع دولة الإمارات، بما في ذلك إطلاق مركز بيانات للذكاء الاصطناعي بسعة 1 غيغاواط، ضمن مجمع إماراتي-أمريكي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بسعة 5 غيغاواط في أبوظبي، وذلك لدعم الطلب الإقليمي على الحوسبة، وبما يتوافق مع المعايير الأمنية الأمريكية الدقيقة والجهود الأخرى لنشر البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول في الإمارات وحول العالم.
وكجزء من برنامج الإمارات للاستثمار في البنية التحتية الرقمية في الولايات المتحدة، ستعمل حكومتا الإمارات والولايات المتحدة معاً لتسهيل عملية الاستثمار في الولايات المتحدة من قبل المؤسسات الاستثمارية الإماراتية.
شراكة واعدة
يوضح ماكويجان أن الولايات المتحدة والإمارات حققتا تعاوناً ناجحاً للغاية بين المؤسسات الأمريكية ونظيرتها في الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، لاسيما تلك التكنولوجيا التي تقوم أبوظبي بتطويرها في مجال الذكاء الاصطناعي، قائلاً: "تشكيل فريق دولي أمريكي-إماراتي في مجال الذكاء الاصطناعي وتطويره وإجراء تواصل مستمر وفعال سيحقق تقدماً كبيراً".
وتابع الخبير السيبراني الأمريكي: "التعاون في مجال الأمن السيبراني بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة يُعتبر نموذجاً فريداً للشراكة الدولية في الفترة الأخيرة، حيث إن الاتفاق التاريخي بقيمة 1.5 مليار دولار الذي تم توقيعه بين مايكروسوفت وشركة G42 الإماراتية يُعد نموذجاً يحتذى به، ويعد رسالة للعالم".
وأشار ماكويجان إلى أن التعاون بين شركتي التكنولوجيا الرائدتين في العالم سوف يجلب شراكة قوية للغاية، موضحاً: "لدينا التكنولوجيا والخبرة من مايكروسوفت وسنوات عديدة من التقدم التكنولوجي الذي حققوه، مع G42 بما لديها من تكنولوجيا وخبرة في الذكاء الاصطناعي، سيعظم الاستفادة الدولية حيث إن هاتين الشركتين ستتعاونان عبر الحدود وتظهران تعاوناً أقوى".
ونبه ماكويجان إلى أن التعاون بين البلدين سوف يجلب طرقاً جديدة وتعاملات جديدة، حيث من المعروف أن للولايات المتحدة طريقتها في العمل التكنولوجي، بينما للإمارات العربية المتحدة طريقتها الخاصة في العمل هي الأخرى. بالإضافة إلى أن الشراكة الرقمية بين البلدين ستجعل شركتين عملاقتين مثل مايكروسوفت وG42 تعملان جنباً إلى جنب، وهذا بالتأكيد سيساهم في تسريع التقدم في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الأخرى، فضلاً عن أنه يرسل رسالة قوية إلى بقية العالم بإمكانية التعاون الدولي بين الشركات التكنولوجية المختلفة للمساعدة في التقدم الإنساني بشكل أكبر.
الأمن السيبراني
وحول التعاون السيبراني الأمريكي-الإماراتي، أوضح أن الولايات المتحدة والإمارات تحققان تقدماً كبيراً في هذا المجال، مشيراً إلى الشركات الجديدة التي يتم إنشاؤها كل يوم في مجال الذكاء الاصطناعي وفي مجال الأمن السيبراني سواء في الإمارات أو أمريكا.
وتابع: "نعلم أن العديد من الشركات التكنولوجية تنشأ في الإمارات لتطوير التكنولوجيا وتطوير الأمن السيبراني، ونحن نرى باستمرار تهديدات سيبرانية تواجهنا في البلدين، ولذلك نحن بحاجة للتعاون للدفاع عن دولنا وتقليل المخاطر السيبرانية". وقال: "إن التكنولوجيا مهمة للغاية ونحن بحاجة إليها".
وتوقع ماكويجان رؤية شركات إماراتية-أمريكية عملاقة في المستقبل القريب، قائلاً: "نرى بداية الشراكات خلال الوقت الراهن، وأتوقع بعد 5 سنوات أو ربما 10 سنوات رؤية عملاق أمريكي-إماراتي في التكنولوجيا".
وقال ماكويجان: "عندما ننظر إلى الأمن السيبراني، نحاول دائماً تقليل المخاطر والاعتماد على التكنولوجيا، وسواء أكنت مواطناً في الإمارات العربية المتحدة أو الولايات المتحدة الأمريكية، فنحن جميعاً الأشخاص الذين سنكون هدفاً دائماً ونريد أن تكون لدينا تكنولوجيا تساعدنا في جعل الأمور أكثر أماناً وأسهل، ونريد استخدام التكنولوجيا كأداة لتحسين حياتنا والمساعدة في تقليل المخاطر التي تتعرض لها مؤسساتنا من الوقوع ضحية للهجمات السيبرانية المختلفة التي تحدث".
وتابع: "نحتاج إلى التكنولوجيا لتساعدنا في التعرف على رسائل الاحتيال الإلكتروني بسهولة أو منعها من الوصول إلى صندوق البريد لدينا، أو الحصول على التكنولوجيا التي تسهل الأمور بحيث لا نضطر إلى تذكر الكثير من كلمات المرور لأننا نعلم أن هذه طريقة أخرى يستغلها مجرمو الإنترنت للوصول إلى بياناتنا الشخصية"، مشدداً على أنه "أمر جيد جداً عندما تعلم أن التعاون الأمريكي-الإماراتي سوف يقود العالم فيما يتعلق بالجوانب التكنولوجية المختلفة".
ضرورة التعاون
ولفت خبير الأمن السيبراني الأمريكي إلى أن الأمن السيبراني مثلاً في الولايات المتحدة يشكل تحدياً مستمراً للعديد من المؤسسات، حيث نرى كل يوم مؤسسة جديدة تتعرض لاختراق أو هجوم فدية، وفي كثير من الأحيان يكون ذلك بسبب الهندسة الاجتماعية، مشيراً إلى أن ما نسبته 70 إلى 90% من الهجمات التي تحدث تكون ناجحة، لأنها تستهدف الإنسان (العامل البشري)، حيث يتم استهدافه من خلال الهندسة الاجتماعية، التصيد الاحتيالي أو اختراق البريد الإلكتروني للأعمال، قائلاً: "نرى الكثير من هذه الأمور في مجال التعليم والقطاعات الحكومية، وكذلك الرعاية الصحية مع الأسف".
وشدد الخبير الأمريكي على أنه مع تنامي مثل هذه الهجمات السيبرانية، فنحن في حاجة ماسة للتعاون الدولي، للمساعدة في الحماية وتقليل مخاطر الهجمات السيبرانية على المؤسسات والأفراد.
وأشار ماكويجان إلى أن الحرب المستقبلية سوف يكون لها أشكال سيبرانية كذلك، لذلك يجب على العالم الاستعداد لها من الآن، موضحاً: "نحن نرى بداية ظهور أشكال الحروب السيبرانية في الحرب الروسية-الأوكرانية، ولهذا السبب من المهم أن تكون هناك مرونة سيبرانية وبرامج قوية للأمن السيبراني لحماية البنية التحتية السيبرانية الحيوية للمؤسسات والدول، وتوسيع دور الذكاء الاصطناعي لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل المخاطر والقضاء على أي تهديد قد يكون داخل الشبكات المحلية والدولية".
aXA6IDY0LjEzNy42My4yNSA=
جزيرة ام اند امز
GB

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عرب هاردوير
منذ 9 ساعات
- عرب هاردوير
صفقة بين Telegram وxAI لجلب Grok للتطبيق: تعرّف إلى تفاصيل الصفقة!
أعلنت شركة Telegram عن شراكة جديدة مع xAI المملوكة لإيلون ماسك وذلك بهدف دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالأخيرة في تطبيق المراسلة الشهير وجلب مساعد الذكاء الاصطناعي Grok لأكثر من مليار مستخدم حول العالم ودمجه بشكل مباشر في التطبيق. عام واحد= 300 مليون دولار وأسهمًا في xAI ونصف عائدات الاشتراك بموجب الصفقة التي ستمتد لعام واحد، ستحصل Telegram على 300 مليون دولار نقدًا وأسهمًا من xAI، إضافة إلى نصف عائدات اشتراكات xAI التي يتم بيعها عبر منصة Telegram. المدير التنفيذي لـ Telegram، بافل دوروف، قال بخصوص هذه الصفقة: 'معًا، سنحقق الفوز'، في إشارة واضحة إلى رهانه على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوسيع مكانة تطبيق المراسلة، وذلك في وقت تتسابق فيه منصات التواصل الكبرى نحو دمج الذكاء الاصطناعي في خدماتها. على سبيل المثال، رأينا Meta تدمج الذكاء الاصطناعي الخاص بها "Meta AI" في تطبيقاتها المختلفة مثل Messenger، وWhatsApp، وInstagram، وغيرهم. ومع ذلك، لا يزال كثير من المحللين يرون أن دمج الذكاء الاصطناعي في تطبيقات الدردشة لا يتماشى دومًا مع ما يبحث عنه المستخدمون الذين يلجؤون لهذه المنصات في الأصل للتواصل، لا لمحادثة الذكاء الاصطناعي أو لأي شيء آخر. الجدير بالذكر أن Telegram ظلت تحت المجهر في السنوات الأخيرة بسبب الانتقادات التي تطال سياساتها في الإشراف على المحتوى، حيث تعرض دوروف نفسه للاعتقال في فرنسا العام الماضي بعد اتهامات بتقصير المنصة في مواجهة أنشطة غير قانونية، لكن Telegram رفضت هذه الاتهامات وأكدت أنها تتعاون مع السلطات في مكافحة الجرائم الرقمية. في روايةٍ أخرى، يحاول ماسك الآن أن يجعل شركته xAI منافسًا مباشرًا لعمالقة الذكاء الاصطناعي، في وقت تواجه فيه شركاته الأساسية، مثل Tesla، ضغوطًا بسبب انخراطه في السياسة بشكلٍ رئيسي.


الاتحاد
منذ 10 ساعات
- الاتحاد
«الإمارات لبحوث الاستمطار» يعتمد 16 مقترحاً بحثياً أولياً
أبوظبي (وام) أعلن برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، التابع للمركز الوطني للأرصاد، ترشح 16 مقترحاً بحثياً أولياً للمرحلة المقبلة ضمن دورته السادسة، وذلك من بين 140 مقترحاً تم تسلمها في المرحلة الأولية من عملية التقييم. جاء الإعلان بعد عملية تقييم دقيقة امتدت لمدة شهر، وانتهت باجتماع لجنة المراجعة الفنية الدولية التي تضم عدداً من الخبراء والمتخصصين من مختلف أنحاء العالم. وعقدت اللجنة اجتماعاً افتراضياً يومي 20 و21 مايو الجاري، لاختيار أفضل العروض البحثية، من حيث مدى مواءمتها مع مجالات البحث الرئيسة، وتميزها العلمي وتأثيرها المحتمل، وخبرة الباحث وإمكانية نجاح المشروع، وفرص التعاون، إضافة إلى فرص تطوير قطاع أبحاث الاستمطار. وتغطي المقترحات البحثية المقدمة المجالات البحثية الرئيسة ذات الأولوية بالنسبة للدورة السادسة، والتي تشمل تطوير مواد التلقيح المحسنة، أنظمة تكوين السحب وتعزيز الاستمطار، تطوير الأنظمة الجوية المستقلة، دراسة التدخل المناخي المحدود، وتطوير النماذج والبرمجيات والبيانات المتقدمة. ودعا البرنامج الباحثين المتأهلين للمرحلة المقبلة، إلى تقديم البحوث الكاملة في موعد أقصاه 28 أغسطس 2025، على أن يتم الإعلان عن فائزي المنح البحثية في يناير 2026. ويدعم البرنامج ضمن دورته السادسة لما يصل إلى ثلاثة مشاريع بحثية مبتكرة، من خلال تقديم منح مالية بقيمة 1.5 مليون دولار أميركي (5.511 مليون درهم) لكل مشروع فائز موزعة على ثلاث سنوات، بواقع 550 ألف دولار كحد أقصى سنوياً. وقال الدكتور عبدالله المندوس، مدير عام المركز الوطني للأرصاد رئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: إن دولة الإمارات تواصل من خلال المركز الوطني للأرصاد جهودها الريادية في دعم أبحاث الاستمطار، وذلك تماشياً مع رؤية القيادة الرشيدة في مواجهة تحديات ندرة المياه وتعزيز العمل المناخي، حيث تعكس المقترحات الأولية، التي تم اختيارها للمرحلة المقبلة مستوى التميز العلمي، الذي يسعى برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار إلى تحقيقه ضمن التزامه بدعم الأبحاث القادرة على إحداث أثر حقيقي في تعزيز موارد المياه، مشيراً إلى أن المركز يسهم من خلال دعم المشاريع الواعدة وتعزيز التعاون الدولي، في تطوير حلول مستدامة ترسّخ مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي في أبحاث علوم الاستمطار. وقالت علياء المزروعي، مديرة برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، إن المقترحات البحثية المرشحة للمرحلة المقبلة تميزت بجودتها العالية ومواءمتها مع الأولويات البحثية الإستراتيجية للبرنامج، مشيرة إلى أن مناقشات اللجنة التي امتدت على مدار شهر كامل، أبرزت أهمية أن تتسم الحلول البحثية المقدمة بقدر عالٍ من التميز العلمي. جودة عالية كان المركز الوطني للأرصاد قد استقبل 140 مقترحاً بحثياً مبتكراً، وبنسبة زيادة وصلت إلى 47 %، مقارنة بالدورة الخامسة ضمن مرحلة تقديم المقترحات الأولية للدورة السادسة، وشهدت هذه الدورة مشاركة 96 فريقاً بحثياً و44 باحثاً مستقلاً من 48 دولة عبر خمس قارات. واستقطبت الدورة السادسة من البرنامج مشاركة واسعة من العديد من الجامعات والمراكز البحثية الرائدة على مستوى دولة الإمارات والعالم، من بينها جامعة كاليفورنيا «إيرفين ولوس أنجلوس»، جامعة كولومبيا، جامعة برينستون، جامعة فيكتوريا، المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ، جامعة ستوكهولم، جامعة كيوتو، جامعة تسينغهوا، جامعة البوليتكنيك في ميلانو، جامعة خليفة، جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، الجامعة الأميركية في الشارقة، وشركة جلوبال إيروسبيس لوجيستكس.


الاتحاد
منذ 11 ساعات
- الاتحاد
«النفوذ التكنولوجي»..كيف أفل أميركياً؟
«النفوذ التكنولوجي»..كيف أفل أميركياً؟ بالنسبة للمثقفين من نمط فكري معين، لا يوجد ما هو أكثر إثارة من لعبة اكتشاف القوة «الحقيقية» وراء السلطة. من يُحرّك الخيوط؟ أي مصالح طبقية يخدمها النظام؟ من هو «المتحكم الفعلي»؟ مثل هذه الأسئلة تُلهم نقاشات متعمقة، ونظريات مؤامرة. حتى الآن، كان الهدف المفضل في إدارة ترامب هو صناعة التكنولوجيا. يتحدث «إيان بريمر»، رئيس مجموعة أوراسيا للاستشارات السياسية، عن «اللحظة التكنولوجية أحادية القطب» و«الاندماج المخيف بين قوة التكنولوجيا وقوة الدولة». ويأسف «ستيف بانون»، المستشار السابق لترامب، لتأثير «التكنولوجيين الإقطاعيين العالميين المصممين على تحويل الأميركيين إلى أقنان رقميين». أما الجلسة الافتتاحية لمؤتمر معهد أسبن إيطاليا حول مستقبل الرأسمالية، الذي عُقد في ميلانو في 16 مايو، فقد تناولت موضوع «رأسمالية التكنولوجيا: العصر الذهبي الجديد لأميركا». (التكنولوجيا الإقطاعية هو مصطلح يصف نظاماً اقتصادياً وسياسياً جديداً، حيث تتصرف شركات التكنولوجيا القوية، مثل جوجل وأمازون، مثل اللوردات الإقطاعيين، وتتحكم في الوصول إلى «الأرض الرقمية» (الحوسبة، والبيانات الضخمة، والمنصات) وتستخرج القيمة من المستخدمين، على غرار الطريقة التي استخرج بها اللوردات الإقطاعيون القيمة من الأقنان في العصور الوسطى. من السهل إدراك جاذبية هذه الحجة. تمارس صناعة التكنولوجيا الأميركية نفوذاً استثنائياً على الاقتصاد الأميركي: تُمثل الشركات السبعة الكبرى ما يقارب ثلث قيمة مؤشر ستاندرد آند بورز 500. وقد ساهم رواد التكنولوجيا بسخاء في حملة إعادة انتخاب ترامب وحفل تنصيبه. حتى أن إيلون ماسك اكتسب لقب «الرئيس المشارك»، وهو يجول في المكتب البيضاوي. لكن كلما تعمقنا أكثر في تحليل «اللحظة التكنولوجية أحادية القطب»، كلما بدت أقرب إلى السراب. وربما أكثر ما يثير الدهشة في الصناعة التكنولوجية الأميركية، رغم هيمنتها الاقتصادية، هو افتقارها النسبي إلى النفوذ السياسي. يبدو أن ماسك لم يعد ضمن الدائرة المقربة لترامب رغم إنفاقه ما يقارب 300 مليون دولار لدعم إعادة انتخابه. كان بريقه السياسي قصيراً وغير مثمر. ولم تكن وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE) سوى ضجيج بلا نتائج. أما وعده بخفض 2 تريليون دولار من الإنفاق الحكومي فقد تقلص إلى 150 مليار دولار، وربما يتقلص أكثر. وليس السبب في ذلك فقط أن المحاكم أبطلت حملة الإقالات التي شنّها ماسك، بل أيضاً لأن المشروع برمته كان سيء التخطيط: وكما اعترف «ماسك» نفسه، فإن الطريقة الوحيدة لتوفير مبالغ كبيرة هي عبر إصلاح نظام الاستحقاقات الاجتماعية – وهو أمر يتطلب سنوات من بناء التحالفات. وفشل «ماسك» أيضاً في إقناع ترامب بإلغاء التعريفات الجمركية. وحتى الآن، مغامرة «ماسك» السياسية الديمقراطية كلفته نحو ربع ثروته، بعد انهيار أسهم تسلا وتخلي جمهورها عنه. فلا عجب أن ماسك أعلن مؤخراً رغبته في التراجع والانسحاب، ما يعكس فشل قطاع التكنولوجيا بشكل أوسع في تحديد الأجندة الاقتصادية. إن اهتمام ترامب بالتعريفات يضر بطبيعة الحال بصناعة تعتمد على الإمداد العالمي. فكرت أمازون لفترة وجيزة في إدراج تكلفة الرسوم الجمركية ضمن تفاصيل الأسعار، قبل أن يتصل ترامب بالرئيس التنفيذي جيف بيزوس غاضباً. والأسوأ من الرسوم ذاتها هو تقلب ترامب المستمر في تعديلها، مما جعل من الصعب على الشركات التخطيط للمستقبل. كما أن سياساته المعادية للهجرة تعرقل قدرة الشركات على توظيف العمال المهرة الأجانب الذين تعتمد عليهم. وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن الولايات المتحدة لم تعد مستورداً صافياً للمواهب المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.أما حرب ترامب على الجامعات – والتي تشمل تجميد أو إلغاء المنح، وتغيير صيغ التمويل – فإنها تهدد النظام الابتكاري الأميركي المزدهر. وقد تتصاعد هذه الحرب. فميزانية ترامب المقترحة لعام 2026 تتضمن خفض تمويل المعاهد الوطنية للصحة بنسبة تقارب 40%، ومؤسسة العلوم الوطنية بنسبة 57%. كما أن مقترحاته لفرض ضرائب على عائدات الوقف الجامعي بنسبة 14% أو 21%، أو إلغاء الإعفاء الضريبي لها، من شأنها أن تعيق محاولات الجامعات سد فجوة التمويل. تدين رئاسة ترامب أكثر للشعبوية منها لقوة التكنولوجيا. صحيح أن الشعبويين من أنصار ترامب يصفقون لماسك عندما يتحدث عن إدخال أجزاء من الحكومة في «ماكينة الفرم»، لكنهم لم ينسوا أنه حتى وقت قريب، كان العديد من رموز التكنولوجيا ليبراليين اجتماعياً وتبرعوا بسخاء للديمقراطيين، كما أنهم نقلوا الوظائف الأميركية إلى الخارج. كانت صناعة التكنولوجيا تتوقع أن يؤدي انتخاب ترامب إلى تفكيك منظومة مكافحة الاحتكار التي أطلقها جو بايدن. لكن العكس هو ما حدث: لجنة التجارة الفيدرالية لا تزال تتابع قضيتها ضد ميتا بسبب شرائها إنستجرام وواتساب لقمع المنافسة الناشئة، ووزارة العدل مصممة على إجبار جوجل على بيع متصفح كروم. وقد تم رفع هاتين القضيتين خلال ولاية ترامب الأولى، واستمرت في عهد بايدن، مما يشير إلى توافق متزايد ضد هيمنة شركات التكنولوجيا. بقدر ما يمتلك ترامب سياسة اقتصادية، فإنه يركز على إعادة التصنيع إلى الداخل أكثر من دعم التكنولوجيا. يريد ترامب إعادة التصنيع لأنه يخدم العمال ذوي الياقات الزرقاء الذين يعتقد أنهم جعلوا أميركا عظيمة، وأيضاً لأن أميركا تحتاج إلى تصنيع المزيد لمواجهة منافستها الصينية. عموماً، لم يفتح كبار التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا جيوبهم لترامب لأنهم يشاركونه رؤيته، بل لأنهم أدركوا أن «الديمقراطيين» يسيرون نحو الهزيمة بقيادة بايدن، وكانوا يخشون من أن ينقلب ترامب ضدهم. إذا كان لترامب قاعدة طبقية، وفقاً للمصطلحات الماركسية القديمة، فهي في الشركات العائلية أكثر من عمالقة التكنولوجيا في الساحل الغربي. بيئته الطبيعية هي بين رجال الأعمال الذين ورثوا شركاتهم، والذين يعملون في العقارات والصناعات الاستخراجية. لكن حتى ارتباط ترامب برجال الأعمال التقليديين محدود. فالأمر الأهم لفهم رئاسة ترامب هو أنه لا يمثل مصالح أي قوة اقتصادية، بل يمثل مصالحه الشخصية. والمثير للقلق بشأن رئاسته ليس أن هناك قوى اقتصادية مظلمة تسحب الخيوط من وراء الكواليس، بل إن رجل الأعمال الذي يسحب الخيوط (ويحصد الغنائم) هو ترامب نفسه. *كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية العالمية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»