
"تراجع التضخم" دعاية حكومية تخالف واقعا معيشيا تونسيا صعبا
"شتان بين ما يعلن عنه من تحكم في التضخم وتراجعه والواقع الملموس وحقيقة الأسعار المستعرة في تونس بتسجيل مستويات قياسية لحزمة كبيرة من أصناف الغلال والخضراوات والمواد الغذائية"، كلمات للمواطن الهادي المحواشي لدى تجواله بأحد محال بيع الخضراوات والغلال في تونس العاصمة.
ويعجز المتحدث لـ"اندبندنت عربية" عن ملء قُفَّته بأدنى المستلزمات مقتصراً على صنف أو صنفين من (الفراولة أو البرتقال) وبعض الخضراوات في مشهد ألفه التونسيون منذ بداية العام الحالي لما لاحظوه من الارتفاع غير المبرر لديهم بتسجيل أسعار لافتة.
وتشهد أثمان عديد المنتجات في تونس في الفترة الأخيرة زيادة مهمة جعلت عدداً كبيراً من التونسيين يتذمرون من الغلاء اللافت ويطلقون نداءات متكررة إلى أعلى سلطة في البلاد، رئيس الدولة، للتدخل مباشرة لوقف نزيف اهتراء القدرة الشرائية توفير منتجات بأسعار مقبولة تضاهي قدرتهم الاستهلاكية الآخذة في التدني من عام لآخر.
ويقر الهادي المحواشي، الستيني المتقاعد بعد عمل في قطاع التعليم في البلاد بأنه يلاحظ زيادة غير مبررة في أثمان المواد الغذائية، وبخاصة أسعار الخضراوات والغلال منتقداً أن طهي الطبق الشعبي في تونس ما يعرف "الشكشوكة" باللهجة التونسية (أكلة أساسها الفلفل والبطاطا والطماطم) بات مكلفاً وفي بعض الأحيان مستعصياً، وفق اعتقاده.
فارق شاسع
بين البيانات الرسمية الصادرة من المعهد الإحصاء الحكومي في تونس حول التحكم في نسب التضخم وواقع معيش للتونسيين، فارق شاسع وهوة كبيرة بين ما هو مجرد أرقام ومعطيات وحقيقة الأسعار المتداولة في غالب أسواق البلاد.
ولئن تؤكد بيانات معهد الإحصاء تراجع نسبة التضخم في تونس من 10.4 في المئة في فبراير (شباط) 2024 إلى 5.9 في المئة في مارس (آذار) الماضي، فإن واقع التونسي مغاير تماماً بتسجيله مستويات مرتفعة لأثمان جل المواد التي صعدت بصورة مهمة، وبخاصة في رمضان الماضي، وأن معاناتهم صارت مضاعفة بسبب غلاء الأسعار واختفاء المواد الأساسية من الأسواق.
ويعترف الهادي الذي يعيش رفقة زوجته بأنه بات يشتري الخضراوات والغلال بكميات محدودة للغاية، إلى درجة أنه يقتني الغلال بحسب عدد أفراد أسرته.
ويجزم بأن كلف المعيشة تعرف ارتفاعاً متواصلاً، وأنه لا صحة لما يجرى تداوله في شأن هبوط مستوى التضخم في تونس، ويرى أن الأسعار صارت مستعرة في البلاد مع بداية العام الحالي، وتعمقت أكثر في شهر رمضان مدهوشاً من بلوغ سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الضأن مستوى تاريخي بلغ 60 ديناراً (20 دولاراً) إذ لم يعد التونسي المتوسط مثل حاله أن "يتجرأ" أو أن يجازف باقتناء كيلو واحد فقط من لحم الضأن.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية
التناقض الصادم واللافت للانتباه أن معهد الإحصاء الحكومي يقول إن نسبة التضخم العامة بلغت 5.9 في المئة في الشهر الماضي، مما يعد في نظر المسؤولين أمراً محموداً، لكن مع مزيد التمعن والتعمق في الأرقام والمؤشرات تبرز مسألة غير طبيعية، إذ كيف يجرى تسجيل نسبة تضخم أقل من 6 في المئة بينما بقية مجموعات الاستهلاك والمنتجات تعرف ارتفاعاً لافتاً بلغ رقمين.
في غضون ذلك يرى معهد الإحصاء أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية أسهم في عودة التضخم إلى مستويات أعلى من الأشهر الماضية ببلوغه 5.9 في المئة خلال مارس الماضي مقابل 5.7 في المئة في فبراير الماضي. وأكد أن تطور أسعار المواد الغذائية تزامن مع رمضان، شهر الاستهلاك بامتياز، إذ بلغت نسبة تضخم مجموعة المواد الغذائية في مارس نسبة 7.8 في المئة مقابل 7 في المئة خلال فبراير السابق عليه، ونسبة تضخم مجموعة الملابس والأحذية 11.7 في المئة مقابل 9.7 في المئة خلال فبراير الماضي.
ولئن ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 7.8 في المئة فإن أسعار لحم الضأن زادت بنسبة 21.9 في المئة وأسعار الخضراوات الطازجة بنسبة 20 في المئة، وأسعار الغلال الطازجة بـ15 في المئة والأسماك الطازجة بـ14.1 في المئة، وأسعار الدواجن 13.9 في المئة، مقابل تراجع أسعار الزيوت الغذائية 19.9 في المئة بسبب نقص توريد هذه المادة في الأشهر الأخيرة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتذمر عدد كبير من التونسيين في شهر رمضان من الارتفاع اللافت في عديد من المواد الغذائية، لا سيما الخضراوات والغلال وبخاصة اللحوم الحمراء المحلية التي بلغت مستويات قياسية ناهزت 60 ديناراً (20 دولاراً) للكيلوغرام الواحد من لحم الضأن على رغم مجهودات وزارة التجارة بتوفير لحوم مبردة موردة من إيطاليا بأسعار مناسبة لم تتجاوز 40 ديناراً (13 دولاراً)، لكن الكميات بقيت دون الطلب المتزايد.
التضخم الملموس
ويؤكد المتخصص في الشأن الاقتصادي بالجامعة التونسية رضا الشكندالي أن الارتفاع الفعلي للأسعار يقاس من خلال سلة المواد الأساسية التي تجاوزت نسب الزيادة فيها 20 في المئة، وهو ما يشكل وفق رأيه التضخم الحقيقي الملموس من قبل المواطنين.
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن ارتفاع نسبة التضخم خلال شهر رمضان ليس بالأمر الجديد في تونس إذا ما علمنا أن النسبة زادت أيضاً خلال مارس 2024، الذي وافق شهر رمضان في ثلثيه، وقدر التضخم حينها بـ7.5 في المئة، وكان ارتفاع هذه النسبة طفيفاً خلال مارس الماضي بعد تراجعها خلال فبراير والأشهر السابقة.
وأردف بالقول "هذا لا يعني أن المستوى العام للأسعار انخفض، بل العكس صحيح، بخاصة، إذا علمنا أن المقدرة الشرائية للمواطن تواصل انحدارها من رمضان إلى آخر".
ورأى في تحليله أن نسبة التضخم التي جرى تسجيلها خلال مارس الماضي والبالغة 5.9 في المئة، لا انعكاس لها على واقع المستهلكين في تونس، بل إنه لا يصلح إلا لرسم سياسات الاقتصاد الكلي في الوقت الذي يهتم المواطن كثيراً لما ينفقه يومياً نظير الحصول على المواد الأساسية على غرار المواد الغذائية والخدمات الضرورية مثل الخدمات الصحية والتعليم، وهي سلة خدمات استهلاكية أسعارها أعلى بكثير من المعدل العام للتضخم.
محرار حقيقي
ويتابع الشكندالي حديثه بتأكيد أن تضخم أسعار المواد الأساسية يعد المحرار الحقيقي الذي يقيس به المواطن التونسي الارتفاع الفعلي للأسعار، بالتالي تدهور مقدرته الشرائية.
ويتحسس المواطن هذا الارتفاع من خلال أسعار لحم الضأن، التي زادت بـ21.9 في المئة، والخضراوات الطازجة بـ20 في المئة والغلال الطازجة بـ15 في المئة والأسماك الطازجة بـ14 في المئة والدواجن بـ14 في المئة والملابس والأحذية بـ11.7 في المئة وخدمات المطاعم والمقاهي والنزل بـ11.3 في المئة.
تباين في المؤشرات
ويقر المحلل المالي بسام النيفر بوجود تباين في مؤشرات التضخم المفصح عنها رسمياً والواقع المحسوس، مشيراً إلى أن كل المؤشرات تؤكد أن تونس دخلت في مرحلة ركود تضخمي.
ويقول إن غالب المتخصصين في الاقتصاد الكمي يؤكدون وجود خلل في منظومة حساب مؤشر التضخم، ذلك أن كل نزول في النسبة يفترض أن يقابله تراجع في مؤشر الأسعار وزيادة في نسب النمو، بينما يحصل العكس بالنسبة إلى تونس.
ويرى أن مؤشر التضخم في بلاده يحيط به لبس، وُيطرح حوله عديد من التساؤلات، مرجحاً أن تكون هناك نية رسمية نحو تأطيره بهدف حوكمة الزيادة في الأجور وخفض نسبة الفائدة.
وتشهد الأسعار في أسواق تونس زيادة متسارعة منذ عام 2022، إذ تأثرت بسنوات عدة من الجفاف أثرت في المحاصيل الزراعية بتبعات الحرب الروسية - الأوكرانية كما بقية اقتصادات العالم، فضلاً عن تداعيات الجفاف، مما تسبب في تضخم قياسي عالجه البنك المركزي التونسي بزيادة أسعار الفائدة في 5 مناسباًت قبل أن يجري مراجعتها أخيراً إلى 7.5 في المئة.
وتسبب التضخم والغلاء في إحباط كل محاولات تحسين موارد الأسر، لا سيما طبقة الموظفين الذين حصلوا على زيادات في الدخول لا تزيد على 471 ديناراً (150 دولاراً) خلال الفترة بين 2015 و2022، وفق بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي.
ويعتقد بسان النيفر أن تواصل ارتفاع أسعار الغذاء والخدمات من أبرز أسباب عدم شعور المواطنين بتأثير تراجع التضخم على حياتهم اليومية.
ويقول إن مجموعتي الغذاء والخدمات لم تسجلا تراجعاً على مستوى الأسعار على رغم أهميتهما في سلة الإنفاق، وهو ما يفسر تواصل الضغوط التضخمية على رغم تراجع النسب رسمياً. ويضيف بالقول "في ظل تواصل النسق التصاعدي لأسعار الغذاء، لا بد من تحسين القدرة الشرائية للأسر عبر مصادر مالية بديلة، من بينها خفض سعر الفائدة على القروض لإسعاف ثلثي الأسر المدينة للمصارف".
في الأثناء يكابد الهادي غلاء الأسعار المستشري عمقه الاحتكار والمضاربات المتواصلة في منتجات عدة أبرزها الخضراوات والغلال.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 7 ساعات
- Independent عربية
"أوبك+" يبقي على خطط حصص الإنتاج الحالية للعامين الحالي والمقبل
أقر اجتماع وزراء "أوبك+" اليوم الأربعاء الإبقاء على أهداف الإنتاج طويلة الأمد لعامي 2025 و2026 من دون تغيير، وهي الأهداف التي تشكل الأساس للقيود الحالية المفروضة على الإمدادات، وذلك بحسب بيان صادر عن التحالف. وقرر الوزراء في اجتماعهم عبر الإنترنت، تكليف أمانة منظمة "أوبك" بتطوير آلية لتقييم الطاقة الإنتاجية المستدامة القصوى (MSC) للدول المشاركة، لاستخدامها كمرجع لتحديد خطوط الأساس للإنتاج لعام 2027 لجميع دول التحالف النفطي. الاجتماع الوزاري الـ39 لدول "أوبك+" البالغ عددها 22 بلداً، صادق على حصص الإنتاج الحالية المعتمدة على مستوى التحالف، وذلك قبيل قرار مرتقب من قبل ثمانية أعضاء رئيسين يوم السبت المقبل، في شأن ما إذا كانوا سيستمرون بزيادة الإنتاج مرة أخرى خلال شهر يوليو (تموز) المقبل. وأوضحت المنظمة في بيان، أنها ستتابع من كثب بالتعاون مع الأمانة العامة تطورات سوق النفط العالمية ومستويات الإنتاج ومدى الالتزام بالاتفاق المعتمد. وأكدت "أوبك" مجدداً التزام الدول الأعضاء من داخل المنظمة وخارجها، بمستويات الإنتاج المتفق عليها في الاجتماع الوزاري الـ38 حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2026، كما ورد في الوثيقة الرسمية الصادرة عن التحالف. ومن المنتظر عقد اجتماع تحالف "أوبك+" المقبل خلال الـ30 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. واتفقت "أوبك+" على ثلاث شرائح من خفوض الإنتاج منذ 2022، اثنتان منها سارية حتى نهاية 2026، ويجري حالياً تعديل الثالثة من قبل الأعضاء الثمانية. ويمكن من الناحية النظرية أن تدرج مستويات الأساس لعام 2027 في سياسة الإنتاج عند انتهاء جميع خفوض الإنتاج الحالية. وكانت منظمة "أوبك" خفضت منتصف الشهر الجاري توقعاتها لنمو إمدادات النفط من الولايات المتحدة ومنتجين آخرين من خارج "أوبك+" عام 2025، وقالت إنها تتوقع انخفاض الإنفاق الرأسمالي عقب هبوط أسعار النفط. وأفادت "أوبك" ضمن تقريرها الشهري، بأن إمدادات الدول غير الأعضاء في "أوبك+" سترتفع بنحو 800 ألف برميل يومياً عام 2025، بانخفاض عن توقعات الشهر الماضي البالغة 900 ألف برميل. ومن شأن انخفاض نمو العرض من خارج "أوبك+"، الذي تقوده السعودية وروسيا، أن يسهل على المجموعة تحقيق التوازن في السوق، وأثر النمو السريع للمعروض الناتج من زيادة إمدادات النفط الصخري الأميركي والإنتاج من دول أخرى على الأسعار خلال الأعوام القليلة الماضية. ومنذ أبريل (نيسان) الماضي دفع القرار بزيادة الإنتاج تدريجاً أسعار النفط العالمية إلى أقل من 60 دولاراً للبرميل وهو أدنى مستوى لها منذ نحو أربعة أعوام، قبل أن تتعافى نسبياً بعد ذلك لتقترب من 65 دولاراً للبرميل. حرب ترمب والزيادات بالإنتاج التي نفذتها دول "أوبك+" فاجأت معظم المتعاملين في السوق نظراً إلى أنها جاءت خلال وقت تراجع الطلب مع تزايد القلق في شأن الحروب التجارية التي يشنها ترمب، مما يمثل انقلاباً واضحاً على سياسات التجمع خلال الأعوام الماضية التي كانت تستهدف دعم أسعار النفط في السوق العالمية. وخفف قرار ترمب بتمديد المحادثات التجارية مع الاتحاد الأوروبي حتى التاسع من يوليو المقبل من المخاوف إزاء فرض رسوم جمركية تؤثر سلباً في الطلب على الوقود، مما حدّ من الخسائر في الأسواق. من جانبه، قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي خلال وقت سابق إن تحالف "أوبك+" يبذل قصارى جهده لتحقيق التوازن في سوق النفط، لكنه في حاجة للانتباه إلى زيادة الطلب. دعم السوق واتخذ "أوبك+" قرارات عدة منذ عام 2022 لخفض الإنتاج لدعم السوق، وكان من المقرر أن يرفع "أوبك+" إنتاجه خلال أبريل الماضي ومايو (أيار) الجاري ويونيو المقبل بأكثر مما كان محدداً في الأصل ضمن خطة للتراجع عن أحدث خفوض للإنتاج، كان هدفها دعم السوق. ويوضح تسلسل الاجتماعات داخل "أوبك+" تحولاً في هيكلية اتخاذ القرار داخل التحالف خلال العامين الماضيين، إذ تراجعت أهمية الحصص الإنتاجية المقررة لجميع الدول الأعضاء البالغ عددها 22 دولة، وباتت التعديلات الفعلية على المعروض تدار من قبل مجموعة مصغرة تضم ثماني دول تقودها كل من السعودية وروسيا، في إشارة إلى تنامي دور هذه المجموعة في رسم ملامح السياسة الإنتاجية للتحالف. فاجأت هذه الدول الأسواق خلال الثالث من أبريل الماضي، حين أعلنت زيادة فاقت توقعات السوق في إنتاج النفط بلغت ثلاثة أضعاف الكمية المقررة سابقاً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أسهمت الزيادات الكبيرة في إمدادات النفط من قبل تحالف "أوبك+" في تراجع الأسعار، وهي خطوة فسرها بعض المندوبين بأنها تهدف إلى تلبية الطلب الموسمي على الوقود، وتعزيز الالتزام بحصص إنتاج النفط بين الدول الأعضاء، ومواكبة التحركات السياسية التي أعلنها الرئيس الأميركي إلى جانب السعي لاستعادة جزء من الحصة السوقية العالمية. وقد يتيح اجتماع اليوم فرصة للسعودية لتعزيز الهدفين الأخيرين. وبينما أنجزت الدول الثماني حتى الآن نحو نصف خطة إعادة 2.2 مليون برميل يومياً من الإنتاج الذي أوقف منذ عام 2023، فإنها إذا واصلت الوتيرة الحالية المتسارعة فقد تنتهي من هذه العملية بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وعلى رغم أن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، اشتهر بخطواته المفاجئة في بعض الاجتماعات السابقة، أفاد عدد من المندوبين بأنهم لم يرصدوا حتى الآن أية إشارات إلى وجود تعديلات من هذا النوع على جدول الأعمال الحالي. النفط يرتفع في غضون ذلك ارتفعت أسعار النفط اليوم وسط تزايد المخاوف حيال الإمدادات، بعدما منعت الإدارة الأميركية "شيفرون" من تصدير النفط الخام الفنزويلي. وزادت العقود الآجلة لخام "برنت" 1.26 سنت بما يعادل 1.95 في المئة إلى 65.52 دولار للبرميل الواحد، وتراجع خام "غرب تكساس" الوسيط الأميركي 1.05 سنت أيضاً أو 1.72 في المئة إلى 61.94 دولار.


Independent عربية
منذ 13 ساعات
- Independent عربية
الطاقة النظيفة قد تغطي نصف احتياج السعودية عام 2030
هل تستطيع السعودية أن تنتقل خلال بضعة أعوام من أنها أحد أكبر منتجي النفط في العالم إلى قوة ناشئة في مجال الطاقة النظيفة؟ سؤال بات يتردد في أروقة المؤتمرات المناخية ودوائر المراقبة الاقتصادية، مع مضي الرياض في سباق محموم لإنتاج نصف حاجاتها من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030.سقف الطموح المرتفع ليس حديث شعارات، بل هو أحد أبرز مستهدفات "رؤية 2030" التي تتقاطع فيه محاور الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإنتاج الهيدروجين الأخضر وحتى البرنامج النووي السلمي، وسط دعم سياسي وتنظيمي هو الأوضح في تاريخ البلاد بمجال الطاقة. سباق الطاقة المتجددة تعتمد السعودية في هذا التحول على حزمة من المشاريع الطموحة من بينها مشروع "نيوم للهيدروجين الأخضر" الذي من المتوقع أن يبدأ الإنتاج عام 2026 بطاقة يومية تبلغ 600 طن، مدعوماً بأربعة غيغاواطات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافة إلى تشغيل مشاريع بارزة مثل محطة "سكاكا" للطاقة الشمسية ومزرعة "دومة الجندل" لطاقة الرياح، إلى جانب طرح عطاءات تزيد طاقتها على 12 غيغاواط حتى عام 2025 ضمن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة. وتسعى البلاد من خلال "مبادرة السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" إلى قيادة جهود المنطقة في مواجهة التغير المناخي عبر خفض الانبعاثات وتعزيز الاستثمارات في بدائل الوقود الأحفوري.يرى المستشار الاقتصادي والمالي حسين العطاس أن تحقيق هدف إنتاج 50 في المئة من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول عام 2030 "ليس مثالياً ولا مستحيلاً، بل هو "واقعي إذا استمرت وتيرة التنفيذ الحالية وتذللت التحديات التنظيمية والتقنية".ويضيف في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" أن ثلاثة عوامل رئيسة تجعل الهدف قابلاً للتحقيق الإرادة السياسية والتقدم التقني والشراكات الاستثمارية والمشاريع الكبرى كمشروع "نيوم" ودخول شركات عالمية مثل "مصدر" الإماراتية و"EDF" الفرنسية تعكس جدية الدولة لكن ما زالت هناك تحديات في تكامل الشبكات وتوفير الكفاءات المتخصصة". دراسة رسمية وفي سياق تعزيـز المسار العلمي للتحول الطاقي، نشرت وزارة الطاقة السعودية في فبراير (شباط) عام 2024 دراسة بعنوان "مسح موارد الرياح البحرية في السعودية تقييم الجدوى وتحديد المواقع الاستراتيجية" خلصت فيها إلى أن سواحل المملكة قادرة على توليد أكثر من 200 غيغاواط من الكهرباء عبر طاقة الرياح البحرية، بمعدل تشغيل يناهز 35.2 في المئة، وهو من أعلى المعدلات عالمياً، وحددت الدراسة البحر الأحمر والخليج العربي كمناطق واعدة لتطوير مزارع رياح بحرية على نطاق تجاري واسع. الطاقة النووية تدخل المشهد في مسار موازٍ تمضي الرياض في تنفيذ برنامجها النووي السلمي، إذ أعلنت عن خطط لبناء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، مما أكده وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان خلال منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، مشدداً على أن المشروع يتم وفق معايير أمان دولية صارمة ليكون ركيزة إضافية في مزيج الطاقة المستقبلي. النفط والغاز لا يغيبان عن المعادلة لكن العطاس أشار إلى أنه "على رغم التوسع في الطاقات النظيفة، تواصل السعودية الحفاظ على موقعها الريادي في الطاقة التقليدية فهي تستثمر في رفع كفاءة إنتاج النفط مع تقليل الانبعاثات وتطوير حقل "الجافورة" العملاق للغاز الطبيعي الذي يعول عليه كوقود انتقالي لتقليص الانبعاثات ودعم قطاع الكهرباء".وأضاف أن "استراتيجية المملكة تؤكد أن هذا التوازن ليس تناقضاً بل عامل قوة، يمكنها من ضمان أمن الطاقة داخلياً وعالمياً مع فتح آفاق جديدة للتصدير، ولا سيما في الهيدروجين الأخضر". إحدى محطات توليد الطاقة الشمسية في السعودية (واس) مستقبل الطاقة منبع للفرص ونوه إلى أن "التحول الجاري لا يقتصر على البيئة والمناخ، بل يمتد إلى تنويع مصادر الدخل وخلق وظائف نوعية في مجالات التقنية والهندسة، وتعزيز موقع السعودية في مؤشرات الاستدامة العالمية، بما يجعلها أكثر جذباً للاستثمار الأجنبي وفق رؤية تستهدف جعل المملكة مركزاً إقليمياً للطاقة بكل أنواعها".ولفت العطاس إلى أن تحرك السعودية نحو توليد نصف كهربائها من مصادر نظيفة بحلول عام 2030 "ليس مجرد استجابة لضغوط مناخية، بل إنه مشروع وطني تتقاطع فيه الاستدامة مع السيادة الاقتصادية. وإن بدت الطريق محفوفة بالتحديات، فإن حجم الالتزام السياسي وتنوع الأدوات التمويلية والتقنية يشيران إلى أن المملكة تقف اليوم أمام فرصة استثنائية لإعادة تعريف دورها في مشهد الطاقة العالمي". التخلي عن النفط خيال وفي خضم الجدل الدولي حول تسريع وتيرة التحول الطاقي أدلى الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" أمين الناصر بتصريحات لافتة في حديثه خلال مؤتمر "سيرا ويك" في هيوستن العام الماضي ، فقال إن "التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة يفشل بوضوح"، مشيراً إلى أن "الاعتقاد بإمكان الاستغناء الكامل عن النفط والغاز مجرد وهم يجب التخلي عنه وسط الطلب الزائد".وأضاف الناصر أن العالم بحاجة إلى "نهج أكثر واقعية وتوازناً في التعامل مع مستقبل الطاقة، محذراً من 'عواقب التسرع غير المدروس في التخلي عن المصادر التقليدية" ومؤكداً في المقابل دعم "أرامكو" للاستثمارات في الطاقة منخفضة الانبعاثات شرط أن تكون مدعومة بخطط تنفيذية حقيقية وأسواق قادرة على استيعابها. وتعكس تصريحات الناصر تبنّي السعودية لاستراتيجية مزدوجة، تمزج بين الحفاظ على مكانتها كأكبر منتج للنفط وبين الاستثمار التدريجي في مشاريع الطاقة النظيفة ضمن نهج بات يعرف إقليمياً بـ"الاستدامة عبر التوازن".في الوقت ذاته، تواصل السعودية تنفيذ مشاريع نوعية في مجال الطاقة المتجددة أبرزها "سدير للطاقة الشمسية" الذي سلطت عليه صحيفة "جابان تايمز" الضوء ضمن تقرير نشرته في مايو (أيار) عام 2024، واصفة إياه بأنه "واحد من أضخم المشاريع في العالم"، إذ يمتد المشروع على مساحة تعادل 14 ميلاً مربعاً ويضم أكثر من 3.3 مليون لوح شمسي، مما يتيح له توليد طاقة تكفي لنحو 185 ألف منزل سعودي، ويعكس جدية المملكة في المزج بين إرثها النفطي ورهاناتها الخضراء. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) النفط لا يزال ضرورياً ووسط النقاشات المتصاعدة حول مستقبل الطاقة في السعودية تبرز مقاربة "التوازن الذكي" كخيار استراتيجي يحظى بقبول واسع في الأوساط الاقتصادية.عضو لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى السعودي سابقاً فهد بن جمعة كان من بين من عبّروا عن هذا النهج حين أكد خلال مقابلة مع "قناة الشرق" أن "موازنة المملكة بين التوسع في مشاريع النفط والغاز، وبين إطلاق مشاريع الطاقة المتجددة، هو السبيل الأمثل لتحقيق المستهدفات الوطنية الطاقية"، مشيراً إلى أن استمرار الاعتماد على إيرادات النفط "التي لا تزال تمثل قرابة 70 في المئة من صادرات المملكة يعد دعامة مالية رئيسة لتمويل مشاريع التحول الأخضر، لا تعارضاً لها". ويرى بن جمعة أن "الطلب العالمي على الطاقة التقليدية لم ينحسر بعد، بل يتوقع أن يستمر خلال العقد المقبل، مما يبرر استمرار الاستثمار السعودي في هذه المنظومة، ولا سيما مع التحديات التقنية والتمويلية التي تواجه مصادر الطاقة المتجددة."وفي ما يتعلق بالملف النووي شدد على أن السعودية تتبنى نهج "التوطين المرحلي" لتقنيات المفاعلات النووية عبر شراكات استراتيجية مع دول كالصين والولايات المتحدة ودول أوروبية، مشيراً إلى أن مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة تشكل إحدى أبرز أذرع هذا المشروع. لكنه في الوقت نفسه نبّه إلى أن "إنشاء المفاعلات لا يتم بين عشية وضحاها"، مؤكداً أن بناء مفاعل تجاري يتطلب ما لا يقل عن سبعة أعوام، مما يجعل الطاقة النووية خياراً طويل الأمد ضمن سلة التحول.وعن الجاهزية البشرية أوضح بن جمعة أن "المملكة تعكف على تأهيل كوادرها الوطنية لتشغيل هذه المنشآت المستقبلية، سواء عبر التخصصات الجامعية المحلية أو عبر برامج الابتعاث إلى مؤسسات دولية رائدة في هذا المجال، لضمان تشغيل احترافي ومستدام لأية بنية نووية مستقبلية".


Independent عربية
منذ 15 ساعات
- Independent عربية
أسواق سوريا تضج بـ "فاكهة الأسد المحرمة"
فوق رفوف خشبية صغيرة في سوق الشعلان بوسط دمشق، تصطف حبات المانغا والكيوي والأناناس بألوانها الزاهية، في مشهد لم يعتده السوريون إبان الحكم السابق، الذي صنفها من السلع الكمالية وعرقل عملية استيرادها وعاقب بائعيها. أمام واجهة محله حيث يعرض مختلف أنواع الفاكهة والخضر، يقول مروان أبوهايلة (46 سنة) لوكالة "الصحافة الفرنسية" "لم نعد نخبئ الأناناس، نضعه اليوم على الواجهة بصورة علنية. زمن الخوف من الأناناس انتهى". ويوضح بينما زينت ابتسامة عريضة وجهه "الأناناس والكيوي والمانغا، كانت كلها فاكهة مفقودة وسعرها مرتفع للغاية"، مضيفاً "كنا نحضرها من طريق التهريب". فاكهة الأغنياء والمهربين طيلة عقود، عدت الفاكهة الاستوائية رمزاً للرفاهية في سوريا، حيث صنفتها السلطات، وفق تجار، من الكماليات. وعرقلت استيرادها من الخارج، في إطار سياسة تخفيض فاتورة الاستيراد والحفاظ على العملة الصعبة، عدا عن دعم الإنتاج المحلي. وعاقبت بالغرامة المالية وحتى السجن كل من يعرضها للبيع، مما جعل وجودها يقتصر على موائد الأغنياء. واعتاد التجار إيجاد طرق بديلة لإحضار تلك الفاكهة التي كانت أشبه بعملة نادرة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويروي أبو هايلة "كنا نحضرها عبر طرق التهريب من خلال السائقين، على غرار البنزين والمازوت"، الذي اعتاد السوريون تهريبه من لبنان المجاور على وقع أزمة اقتصادية خانقة وعقوبات حالت دون الاستيراد". ويضيف، "كانوا أحياناً يخبئونها داخل محرك السيارة، وبكميات قليلة". وبعدما كان سعر كيلوغرام الأناناس يلامس عتبة 300 ألف ليرة (نحو 23 دولاراً) العام الماضي، انخفض حالياً إلى نحو 40 ألفاً (أربعة دولارات تقريباً). ويقول البائع بينما يعاين زبائنه حبات الفاكهة الناضجة تحت أشعة شمس حارقة "البضاعة نفسها والجودة نفسها، لكن السعر اختلف كثيراً". مضيفاً "بات الأناناس مثل البطاطا والبصل"، وهما نوعا الخضراوات الشعبيين في سوريا. الحق في الأناناس ويربط الباعة وحتى الزبائن بين توافر الفاكهة والتغيرات السياسية التي طرأت على البلد، منذ وصول السلطة الجديدة إثر إطاحة الحكم السابق في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، مع تدفق سلع ومنتجات طالما كانت محظورة أو نادرة. فالدولار الذي كان التداول به أو حتى الإتيان على لفظه ممنوعاً مثلاً ويعاقب عليه القانون، بات موجوداً في كل مكان. وتجوب سيارات من طراز حديث الشوارع، بينما بات الوقود الذي عانى السكان لأعوام من شحه، متوافراً. ويقول البائع أحمد الحارث (45 سنة) للصحافة الفرنسية، إن الفاكهة التي كانت "أصنافاً نادرة وسعرها مرتفع للغاية، انهارت أسعارها بعد سقوط النظام". وباتت حبات الأفوكادو والأناناس والكيوي والموز الصومالي اليوم في متناول السوريين إلى حد كبير، بحسب قوله، بعدما كان سعر الحبة الواحدة يعادل راتب موظف. وكانت دوريات الجمارك والأجهزة الأمنية تداهم المحال، مما دفع الباعة إلى التعامل معها كسلع تباع في الخفاء وعلى نطاق محدود، خوفاً من الملاحقة. وتقول طالبة الطب نور عبدالجبار (24 سنة) "كنت أرى الفاكهة الاستوائية على شاشة التلفزيون أكثر مما أراها في السوق". وتضيف ساخرة، "الأناناس من حق الجميع، حتى لو أن بعضهم لا يعرف كيفية تقشيره". الرفاهية لا تزال بعيدة ولكن في بلد أنهكته أعوام الحرب منذ عام 2011 واستنزفت اقتصاده وجعلت 90 في المئة من سكانه تحت خط الفقر، لا تزال أصناف الفاكهة تلك كماليات بالنسبة إلى سوريين يكافحون من أجل تأمين قوتهم اليومي مع تراجع قدرتهم الشرائية، وعدم تمكن السلطات من دفع عجلة التعافي الاقتصادي بعد. تقر ربة المنزل إلهام أمين (50 سنة) بينما كانت تشتري الخضراوات لإعداد وجبة الغداء، أن "واجهات المحال باتت ملونة أكثر وتغري الزبائن بالشراء". لكنها على رغم ذلك، لا تزال غير قادرة على شراء الفاكهة عامة، وتجنب أطفالها المرور أمام تلك الواجهات لئلا "تثير شهيتهم". وتقول "الأوضاع المعيشية صعبة، ويعد الأناناس من الكماليات ورفاهية لعائلة مثل عائلتنا".