أحدث الأخبار مع #PaxAmericana


Independent عربية
١٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- Independent عربية
هل على إسرائيل القلق من النجاح الذي حققه ترمب في الشرق الأوسط؟
لم تكن زيارة دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط التي كانت في جوهرها جولة سريعة في دول الخليج - مخصصة لإسرائيل أبداً. لكن بالنسبة إلى الإسرائيليين، يبدو أن الزيارة كانت بكل تفاصيلها على علاقة بإسرائيل، وليس فقط لأن الرئيس الأميركي تعمد بصورة لافتة استثناء القدس من جدول زيارته الرسمية الدولية الأولى مع بداية عهده الرئاسي الثاني. فحتى قبل أن يصافح ترمب في السعودية أحمد الشرع، الجهادي السابق و"الشاب الجذاب" الذي بات اليوم زعيماً إسلامياً لسوريا، ويعلن عن رفع العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما، كانت جولته التي امتدت لأربعة أيام وشملت ثلاث دول قلبت موازين الشرق الأوسط وأعادت ترتيب الأولويات ودفعت بإسرائيل إلى موقع المتفرج الغاضب. خلال أيام قليلة، لم يكتفِ ترمب بتكرار دعوته إلى إنهاء الحرب في غزة ثلاث مرات، بل مد غصن زيتون لعدو إسرائيل اللدود، إيران، مؤكداً اهتمامه بإحياء اتفاق نووي مع طهران، كما نجح في تأمين إطلاق سراح إيدان ألكسندر، الشاب الأميركي-الإسرائيلي البالغ من العمر 21 سنة الذي أخذ كرهينة في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 (ووُضع في سجن وتعرض للتعذيب على يد "حماس")، عبر مفاوضات مباشرة مع خاطفيه الإرهابيين. ليس سيئاً بالنسبة إلى 48 ساعة من العمل. ولكن اللافت أيضاً أنه أجرى محادثات في الرياض مع رجب طيب أردوغان، الزعيم التركي والخصم العنيد لبنيامين نتنياهو. وفيما يبدو ترمب منشغلاً بتفكيك النظام العالمي القائم على الهيمنة الأميركية - Pax Americana- نظام ما بعد 1945، فإنه يظهر في الوقت نفسه رغبة جامحة في التدخل، وعرض خدماته لحل أزمات العالم ونزاعاته: من أوكرانيا وروسيا، إلى الهند وباكستان، فحرب غزة، والآن إيران، بل حتى النزاع بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وخلافاً لنهج الولايات المتحدة خلال الـ80 عاماً الماضية حين كانت ترى نفسها صانعة السياسات ومحددة الأجندات العالمية، يعيد ترمب صياغة الدور الأميركي كمصلح، لا كقوة إمبريالية عسكرية ودبلوماسية تسعى إلى التدخلات وتُستنزف في حروب طويلة لا تجني منها واشنطن سوى قليل. "أميركا لا تملك أعداء دائمين"، قالها ترمب في الرياض الثلاثاء الماضي، مقتبساً – ولو بصيغة أميركية – من اللورد بالمرستون، وزير الخارجية البريطاني الذي قال أمام مجلس العموم البريطاني عام 1848: "ليست لدى بريطانيا صداقات أبدية، ولا عداوات دائمة، مصالحنا هي الدائمة والأبدية". فبعد أيام فقط من تراجعه المذل عن الرسوم الجمركية المفرطة التي فرضت على الصين، إذ خفضها من 145 في المئة إلى 30 في المئة ضمن "تجميد" لمدة 90 يوماً، جاء إعلان لا يقل إثارة وهو أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات المفروضة على سوريا. وقادته مقاربته الأكثر تصالحية في الشرق الأوسط إلى إطلاق إشارات تصالحية نحو إيران أيضاً، إذ قال إن الولايات المتحدة تريد لها أن تكون "بلداً رائعاً وآمناً وعظيماً"، لو أن قادتها فقط تخلوا عن سعيهم المزمن إلى امتلاك السلاح النووي. وقبل أسبوعين، أعلن أيضاً تعليق العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، واصفاً إياهم بـ"الشجعان". فقط تخيلوا العاصفة العارمة من الغضب والصراخ الهستيري لو أن باراك أوباما أو جو بايدن استخدم هذا الوصف لجماعة تصنفها الإدارة الأميركية كمنظمة إرهابية أجنبية. بات الآن من شبه المؤكد أن دونالد ترمب، في طبيعته وسلوكياته، شخص يُحركه منطق الصفقات وغير قابل للتوقع. في الواقع، كانت زيارته إلى السعودية والإمارات وقطر سُخّف شأنها على نطاق واسع وجرى النظر إليها كـ"زيارة عمل". لكنه بلا شك ضمن صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار – وهي في الحقيقة تنفيذ لتعهد قطعه السعوديون خلال زيارته السابقة عام 2017 – إلى جانب التزام باستثمار 450 مليار دولار أخرى، وربما أكثر، من الأموال السعودية في الولايات المتحدة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لكن هنا تكمن الحقيقة الجوهرية في دبلوماسية ترمب التجارية: إنه يذهب إلى حيث يمكنه أن يحصل على شيء. المعاملة بالمثل هي الأساس. ومنذ أن أفسد نتنياهو خطة ترمب في شأن غزة من خلال كسره لوقف إطلاق النار عبر شن ضربات جوية على أهداف تابعة لـ"حماس"، لم يعُد لدى الحكومة الإسرائيلية ما تقدمه فعلياً إلى البيت الأبيض. وبالنسبة إلى ترمب، أصبح نتنياهو مصدر إزعاج. وأدت هذه الخيبة إلى تهميش موقع إسرائيل في سياسة الولايات المتحدة. وكانت الحكمة التقليدية المنتشرة قبل ذلك تفيد بأنه على رغم كارثة السابع من أكتوبر، كان وضع إسرائيل الجيوسياسي يتحسن بصورة كبيرة: فحركة "حماس" تعرضت للإضعاف على نحو مميت، كما أُضعفت جماعة "حزب الله" بشكل أكبر من خلال سقوط الأسد في سوريا، وإيران كانت قد أصبحت مهددة بشكل أكبر بسبب الهجمات الإسرائيلية الدقيقة ضد مواقع أنظمة دفاعها الجوي. ومع قيام الولايات المتحدة بمهاجمة الحوثيين في اليمن، بدت إسرائيل بأفضل حال استراتيجياً. وبعد مرور نحو أربعة أشهر على بدء عهد ترمب الرئاسي، يبدو أن واشنطن ضاقت ذرعاً بعدم الفائدة من حرب نتنياهو في غزة، وقامت بتعليق هجماتها على الحوثيين وفتحت قنوات دبلوماسية مع طهران وأصبحت ترى في تركيا والسعودية حليفين يمكن الاعتماد عليهما. لم تكُن زيارة ترمب إلى الخليج تهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط، أو إلى التركيز على إسرائيل. لكنها تحولت بسرعة إلى ذلك تحديداً. ومن الواضح أيضا أنه لم يعُد بوسع الإسرائيليين التطلع إلى الرئيس ترمب لإيجاد الحلول، بل أن ينظروا إلى رئيس وزرائهم وحده الذي دفع البلاد، وبكثير من الغرور والجبروت، إلى هذا المأزق الاستراتيجي. ألون بينكاس هو قنصل عام إسرائيلي سابق في الولايات المتحدة، وكان مستشاراً سياسياً لرئيسي وزراء سابقين هما شمعون بيريز وإيهود باراك.


النهار
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- النهار
من Pax Americana إلى Pontifex Americanus
خلاصة مبكرة بعض الشيء. 2025 هي بداية الـ Pontifex Americanus وربما بداية نهاية الـ Pax Americana. أميركي يجلس على عرش القديس بطرس، بينما يتخلى أميركي تدريجياً عن عرش قيادة السلام العالمي. فرح الرئيس دونالد ترامب بانتخاب مواطنه الكاردينال روبرت بريفوست بابا للكنيسة الكاثوليكية. لكن أميركية ترامب مختلفة عن أميركية بريفوست الذي أصبح اسمه الآن لاوون الرابع عشر. أميركية ترامب انطوائية، أميركية لاوون عالمية. أميركية ترامب متقلّبة، أميركيّة لاوون هادئة ومتسقة؛ تقريباً كما كانت الحال مع الولايات المتحدة في عصرها الذهبي. بالحديث عن الولايات المتحدة، ونادراً ما لا تكون في قلب الحديث والحدث، خسرت البلاد إحدى شخصياتها الريادية الأسبوع الماضي: البروفسور جوزف ناي. بطلُ عالم لم يعد موجوداً شغل ناي عمادة كلية جون كينيدي للحوكمة في جامعة هارفارد، وعمل أستاذاً فخرياً متميزاً فيها. يُعد ناي من أبرز المفكرين في العلاقات الخارجية خلال العقود الماضية. صاغ فكرة "القوة الناعمة" التي تقوم على جذب أميركا لمختلف حكومات ومواطني العالم عبر ثقافتها وقيمها. ثم صاغ فكرة "القوة الذكية" التي تدمج بين القوتين الصلبة والناعمة. رحل ناي عن عالم تتآكل فيه القوة الناعمة للولايات المتحدة باطراد. ترامب محوريّ في هذا التآكل، وإن لم يكن سببه الوحيد. كتبت سوزان نوسل في مجلة "فورين بوليسي" أن ناي كان "بطلاً لعالم لم يعد موجوداً". لكن ماذا لو كان لاوون "بطلاً" جديداً لعالم تكمن قوته الناعمة في روما بدلاً من واشنطن؟ يعتمد الأمر كثيراً على أجندة البابا، وأكثر على أفعاله. تبدأ التحديات في حل المشاكل الداخلية قبل، أو على الأقل بالتوازي، مع حل القضايا الخارجية. لكن نظرياً، ثمة ما هو "جذاب" لدى البابوات حتى قبل البدء بتنفيذ رؤاهم: سمة إتقانهم للغات أجنبية عدة. بريفوست الأميركي خاطب المؤمنين باللغة الإيطالية – وهو أمر ضروري بما أنه بات أسقفاً على روما. هذا إلى جانب إدارته بيروقراطية غالبيتها إيطالية. لكن بريفوست يتقن 4 لغات أخرى وهي الفرنسية والبرتغالية والإسبانية (الأخيرة كانت حاضرة في كلمته أيضاً)، بالإضافة إلى لغته الأميركية. البابا فرنسيس أتقن أيضاً ثماني لغات، متساوياً تقريباً مع البابا يوحنا بولس الثاني. هذا التشرب المباشر وغير المباشر لثقافات العالم المتنوعة يضع البابوات في موقع متقدم لممارسة القوة الناعمة. بشكل مفارق أيضاً، يقلل هذا التشرب من انتماء البابوات الضيق لأوطانهم الأم. قيل عن بريفوست إنه كان واحداً من أقل الكرادلة "أمْركةً" بين الكرادلة الأميركيين في المجمع المغلق، وعددهم عشرة. أحد أسباب ذلك أنه قضى الكثير من فترة خدمته الكهنوتية خارج الولايات المتحدة. أين "المدينة المشعة"؟ يمكن ملاحظة الجدل في مصطلح "أميركا أولاً". حاول مقربون من ترامب التشديد على أن المصطلح "أولاً" لا يعني "فقط". في السياسة الخارجية الأميركية بقيادة ترامب، ثمة علامة استفهام حول هذا التمييز. بالمقابل، لا يجادل كثر في معنى Urbi et Orbi "إلى المدينة (روما) وإلى العالم". لا انعزالَ للمدينة عن العالم. خلال قداس اليوم الذي تلا انتخابه، صلى البابا لاوون الرابع عشر كي تبقى الكنيسة "مدينة مؤسسة على تلة... منارة تضيء الليالي المظلمة للعالم". هي فكرة تتلاقى كثيراً (لكن ليس بشكل متطابق) مع فكرة ريغان عن أميركا، "المدينة المشعّة على تلة". في كلمته الرئاسية الوداعية للشعب الأميركي، طرح ريغان في 11 كانون الثاني/يناير 1989 السؤال التالي: "وكيف تقف هذه المدينة، في ليلة الشتاء هذه؟" أجاب الرئيس: "أكثر ازدهاراً، أكثر أمناً، أكثر فرحاً مما كانت قبل ثمانية أعوام. لكن أهم من ذلك، بعد 200 عام، قرنين، لا تزال تقف قوية ونزيهة على جسر الغرانيت وإشعاعها ثابت مهما كانت العاصفة. وهي لا تزال منارة، لا تزال مغناطيساً لجميع الذين ينبغي أن يحصلوا على الحرية، لجميع الحجاج من جميع الأماكن الضائعة والذين يتسابقون عبر الظلمة نحو الوطن". يتغير التاريخ سريعاً. حينها، كانت الولايات المتحدة في ذروة "قوتها الناعمة". الجواب على ما إذا كان رئيس أميركي سيتمكن من استعادة تلك اللحظات، وحتى جزء من ذلك الخطاب المتفائل، معلّقٌ بطبيعة الحال. رحل ناي قبل رؤية انتخاب لاوون الرابع عشر. لكن ليس قبل رؤية سلفه فرنسيس في الإمارات العربية المتحدة. هناك، كان يبني مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب جسور "الأخوة الإنسانية". مجدداً، معنى الجذر اللاتيني لـ Pontiff (الحَبر) Pontifex هو "باني الجسور". في بعض النواحي، تكسب البابوية ما تخسره أميركا. قد يصحّ ذلك أكثر مع بابا أميركيّ. ربما يكون الـ Pontifex Americanus تعويضاً جزئيّاً عن نهاية أو بداية نهاية الـ Pax Americana.