
هل على إسرائيل القلق من النجاح الذي حققه ترمب في الشرق الأوسط؟
لم تكن زيارة دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط التي كانت في جوهرها جولة سريعة في دول الخليج - مخصصة لإسرائيل أبداً.
لكن بالنسبة إلى الإسرائيليين، يبدو أن الزيارة كانت بكل تفاصيلها على علاقة بإسرائيل، وليس فقط لأن الرئيس الأميركي تعمد بصورة لافتة استثناء القدس من جدول زيارته الرسمية الدولية الأولى مع بداية عهده الرئاسي الثاني.
فحتى قبل أن يصافح ترمب في السعودية أحمد الشرع، الجهادي السابق و"الشاب الجذاب" الذي بات اليوم زعيماً إسلامياً لسوريا، ويعلن عن رفع العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما، كانت جولته التي امتدت لأربعة أيام وشملت ثلاث دول قلبت موازين الشرق الأوسط وأعادت ترتيب الأولويات ودفعت بإسرائيل إلى موقع المتفرج الغاضب.
خلال أيام قليلة، لم يكتفِ ترمب بتكرار دعوته إلى إنهاء الحرب في غزة ثلاث مرات، بل مد غصن زيتون لعدو إسرائيل اللدود، إيران، مؤكداً اهتمامه بإحياء اتفاق نووي مع طهران، كما نجح في تأمين إطلاق سراح إيدان ألكسندر، الشاب الأميركي-الإسرائيلي البالغ من العمر 21 سنة الذي أخذ كرهينة في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 (ووُضع في سجن وتعرض للتعذيب على يد "حماس")، عبر مفاوضات مباشرة مع خاطفيه الإرهابيين.
ليس سيئاً بالنسبة إلى 48 ساعة من العمل. ولكن اللافت أيضاً أنه أجرى محادثات في الرياض مع رجب طيب أردوغان، الزعيم التركي والخصم العنيد لبنيامين نتنياهو.
وفيما يبدو ترمب منشغلاً بتفكيك النظام العالمي القائم على الهيمنة الأميركية - Pax Americana- نظام ما بعد 1945، فإنه يظهر في الوقت نفسه رغبة جامحة في التدخل، وعرض خدماته لحل أزمات العالم ونزاعاته: من أوكرانيا وروسيا، إلى الهند وباكستان، فحرب غزة، والآن إيران، بل حتى النزاع بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وخلافاً لنهج الولايات المتحدة خلال الـ80 عاماً الماضية حين كانت ترى نفسها صانعة السياسات ومحددة الأجندات العالمية، يعيد ترمب صياغة الدور الأميركي كمصلح، لا كقوة إمبريالية عسكرية ودبلوماسية تسعى إلى التدخلات وتُستنزف في حروب طويلة لا تجني منها واشنطن سوى قليل.
"أميركا لا تملك أعداء دائمين"، قالها ترمب في الرياض الثلاثاء الماضي، مقتبساً – ولو بصيغة أميركية – من اللورد بالمرستون، وزير الخارجية البريطاني الذي قال أمام مجلس العموم البريطاني عام 1848: "ليست لدى بريطانيا صداقات أبدية، ولا عداوات دائمة، مصالحنا هي الدائمة والأبدية".
فبعد أيام فقط من تراجعه المذل عن الرسوم الجمركية المفرطة التي فرضت على الصين، إذ خفضها من 145 في المئة إلى 30 في المئة ضمن "تجميد" لمدة 90 يوماً، جاء إعلان لا يقل إثارة وهو أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات المفروضة على سوريا.
وقادته مقاربته الأكثر تصالحية في الشرق الأوسط إلى إطلاق إشارات تصالحية نحو إيران أيضاً، إذ قال إن الولايات المتحدة تريد لها أن تكون "بلداً رائعاً وآمناً وعظيماً"، لو أن قادتها فقط تخلوا عن سعيهم المزمن إلى امتلاك السلاح النووي.
وقبل أسبوعين، أعلن أيضاً تعليق العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، واصفاً إياهم بـ"الشجعان". فقط تخيلوا العاصفة العارمة من الغضب والصراخ الهستيري لو أن باراك أوباما أو جو بايدن استخدم هذا الوصف لجماعة تصنفها الإدارة الأميركية كمنظمة إرهابية أجنبية.
بات الآن من شبه المؤكد أن دونالد ترمب، في طبيعته وسلوكياته، شخص يُحركه منطق الصفقات وغير قابل للتوقع. في الواقع، كانت زيارته إلى السعودية والإمارات وقطر سُخّف شأنها على نطاق واسع وجرى النظر إليها كـ"زيارة عمل". لكنه بلا شك ضمن صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار – وهي في الحقيقة تنفيذ لتعهد قطعه السعوديون خلال زيارته السابقة عام 2017 – إلى جانب التزام باستثمار 450 مليار دولار أخرى، وربما أكثر، من الأموال السعودية في الولايات المتحدة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن هنا تكمن الحقيقة الجوهرية في دبلوماسية ترمب التجارية: إنه يذهب إلى حيث يمكنه أن يحصل على شيء. المعاملة بالمثل هي الأساس. ومنذ أن أفسد نتنياهو خطة ترمب في شأن غزة من خلال كسره لوقف إطلاق النار عبر شن ضربات جوية على أهداف تابعة لـ"حماس"، لم يعُد لدى الحكومة الإسرائيلية ما تقدمه فعلياً إلى البيت الأبيض.
وبالنسبة إلى ترمب، أصبح نتنياهو مصدر إزعاج. وأدت هذه الخيبة إلى تهميش موقع إسرائيل في سياسة الولايات المتحدة.
وكانت الحكمة التقليدية المنتشرة قبل ذلك تفيد بأنه على رغم كارثة السابع من أكتوبر، كان وضع إسرائيل الجيوسياسي يتحسن بصورة كبيرة: فحركة "حماس" تعرضت للإضعاف على نحو مميت، كما أُضعفت جماعة "حزب الله" بشكل أكبر من خلال سقوط الأسد في سوريا، وإيران كانت قد أصبحت مهددة بشكل أكبر بسبب الهجمات الإسرائيلية الدقيقة ضد مواقع أنظمة دفاعها الجوي. ومع قيام الولايات المتحدة بمهاجمة الحوثيين في اليمن، بدت إسرائيل بأفضل حال استراتيجياً.
وبعد مرور نحو أربعة أشهر على بدء عهد ترمب الرئاسي، يبدو أن واشنطن ضاقت ذرعاً بعدم الفائدة من حرب نتنياهو في غزة، وقامت بتعليق هجماتها على الحوثيين وفتحت قنوات دبلوماسية مع طهران وأصبحت ترى في تركيا والسعودية حليفين يمكن الاعتماد عليهما.
لم تكُن زيارة ترمب إلى الخليج تهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط، أو إلى التركيز على إسرائيل. لكنها تحولت بسرعة إلى ذلك تحديداً.
ومن الواضح أيضا أنه لم يعُد بوسع الإسرائيليين التطلع إلى الرئيس ترمب لإيجاد الحلول، بل أن ينظروا إلى رئيس وزرائهم وحده الذي دفع البلاد، وبكثير من الغرور والجبروت، إلى هذا المأزق الاستراتيجي.
ألون بينكاس هو قنصل عام إسرائيلي سابق في الولايات المتحدة، وكان مستشاراً سياسياً لرئيسي وزراء سابقين هما شمعون بيريز وإيهود باراك.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 10 دقائق
- سعورس
المملكة تتصدر المشهد بمنجزات رائدة وابتكارات تحقق استدامة الأمن المائي إقليميًا وعالميًا
ويعكس إعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء– حفظه الله–، عن تأسيس المملكة للمنظمة العالمية للمياه في عام 2023م ومقرها الرياض؛ ريادتها في هذا المجال وجهودها المحلية المستندة على تجارب عالمية رائدة في التعامل مع تحديات المياه وتطوير سياسات وممارسات إدارة مواردها، والذي توج بتوقيع ميثاق المنظمة وسط مشاركة دولية واسعة، أكدت أهمية المنظمة في حشد العالم من أجل مستقبل مائي مستدام، حيث يُعد الانضمام إلى عضويتها استثمارًا إستراتيجيًا، وفرصة للتأثير على سياسات المياه العالمية، والاستفادة من تمويل مشاريع المياه، ومشاركة أفضل الممارسات والتجارب على مستوى العالم. ويأتي إطلاق المملكة للمنظمة العالمية للمياه، واستضافة حفل التوقيع على ميثاق المنظمة، انطلاقًا من دورها الرائد والمحوري في تبني المبادرات، واستضافة أبرز الفعاليات والمؤتمرات العالمية، استمرارًا لما نفذته المملكة خلال السنوات الماضية من مشروعات في كامل سلسة إمدادات المياه، وابتكار الحلول التقنية لتحدياتها، والاهتمام بقضايا الاستدامة البيئة عالميًا، إضافةً إلى إسهامها في وضع قضايا المياه على رأس الأجندة الدولية، ومن ذلك تقديم تمويلات تجاوزت 6 مليارات دولار لعدة دول في 4 قارات حول العالم لصالح مشاريع المياه والصرف الصحي. وامتدادًا لرؤيتها الطموحة في النهوض بقطاع المياه على مستوى العالم؛ فإنّ المملكة تُشارك رؤاها وخبراتها مع العالم، وتستفيد من مختلف التجارب العالمية، إذ تأتي استضافة السعودية لقمة المياه الواحدة التي انعقدت برئاسة مشتركة من: سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، ورئيس البنك الدولي؛ تأكيدًا على ذلك، إضافة إلى اختيار المملكة لاستضافة المؤتمر العالمي لتحلية المياه وإعادة استخدامها 2026م، نظرًا لكونها أكبر منتج للمياه المحلاة عالميًا، كما أنها ستستضيف المنتدى العالمي للمياه 2027م، الذي يُمثل أكبر حدث عالمي في مجال إدارة المياه، ومنصة عالمية لمناقشة قضايا المياه والتعاون الدولي في هذا المجال. وفي إطار رؤية السعودية 2030، تبنّت المملكة استراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى تحسين إدارة المياه ومواجهة التحديات؛ مثل محدودية المياه الجوفية غير المتجددة، والطلب المرتفع على المياه في القطاعات الحضرية والصناعية والزراعية، وندرة الموارد المتجددة، حيث تسعى من خلال الاستراتيجية إلى تنمية الموارد المائية باستخدام تقنيات متطورة، لتحقيق الأمن المائي، والحفاظ على المياه الجوفية للأجيال القادمة.


Independent عربية
منذ 18 دقائق
- Independent عربية
ترمب يقول إنه حذر نتنياهو من ضرب إيران
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم الأربعاء، أنه حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من ضرب ايران، معتبراً أن الأمر لن يكون "ملائماً" في غمرة المباحثات مع طهران حول برنامجها النووي. وقال ترمب للصحافيين "أودّ أن أكون صادقاً، نعم فعلت"، وذلك حين سئل عما إذا كان طلب من نتنياهو خلال مكالمة الأسبوع الفائت الإحجام عن القيام بعمل عسكري. وأضاف "قلت إنه لن يكون ملائماً في الوقت الراهن، نجري محادثات جيدة جداً معهم"، وتابع "أبلغته أن هذا لن يكون مناسبا الآن لأننا قريبون جدا من الحل. أعتقد أنهم يريدون إبرام صفقة، وإذا تمكنا من إبرام صفقة، فسننقذ أرواحاً كثيرة". إيران ربما توقف تخصيب اليورانيوم في هذا الوقت، قال مصدران رسميان إيرانيان إن طهران ربما تُوقف تخصيب اليورانيوم إذا أفرجت الولايات المتحدة عن أموال إيرانية مجمدة واعترفت بحق طهران في تخصيب اليورانيوم للاستخدام المدني بموجب "اتفاق سياسي" قد يُفضي إلى اتفاق نووي أوسع نطاقاً. وأضاف المصدران، المقربان من فريق التفاوض، "يمكن التوصل إلى تفاهم سياسي مع الولايات المتحدة قريباً" إذا قبلت واشنطن شروط طهران. وقال أحد المصدرين إن الأمر "لم يُناقش بعد" في المحادثات مع الولايات المتحدة. وتابع المصدران أنه بموجب هذا الاتفاق، ستُوقف طهران تخصيب اليورانيوم لمدة عام، وسترسل جزءاً من مخزونها عالي التخصيب إلى الخارج، أو تحوله إلى صفائح وقود نووي لأغراض نووية مدنية. المواقع النووية في الأثناء، قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي إن بلاده قد تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإرسال مفتشين أميركيين لزيارة المواقع النووية الإيرانية، إذا نجحت المحادثات النووية بين طهران وواشنطن. ومن المتوقع أن تعقد طهران وواشنطن جولة سادسة من المحادثات لحل الصراع المستمر منذ عقود حول البرنامج النووي الإيراني، مع توقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب "أخباراً سارة". وأضاف إسلامي في مؤتمر صحافي بطهران "من الطبيعي ألا يسمح لمفتشين من دول معادية بالدخول، ولكن في حال التوصل إلى اتفاق نووي، فقد نسمح لمفتشين أميركيين عاملين لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة مواقعنا النووية". مسألة تخصيب اليورانيوم واختلف البلدان حول مسألة تخصيب اليورانيوم في إيران، الذي تعتبره واشنطن طريقة محتملة لصنع أسلحة نووية وتطالب بوقفه تماماً، في حين تؤكد طهران أن برنامجها النووي مخصص لأغراض مدنية فقط، وترى أن مسألة وقف التخصيب بالنسبة إليها خط أحمر. وقال إسلامي "التخصيب هو أساس وركيزة الصناعة النووية في البلاد، لنفترض أنه يسمح لشخص ما بامتلاك محطة كهرباء فرعية وشبكة كهرباء، لكن لا يسمح له بإنشاء محطة طاقة". من جهة أخرى، نفت إسرائيل صحة تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، وأفاد بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يهدد بعرقلة المحادثات الرامية إلى إبرام اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران من خلال ضرب منشآت إيرانية رئيسة للتخصيب. وأصدر مكتب نتنياهو بياناً رداً على التقرير، ووصفه بأنه "أخبار كاذبة". ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر مطلعة القول إن المسؤولين الإسرائيليين يخشون من أن يكون الرئيس الأميركي دونالد ترمب حريصاً على التوصل إلى اتفاق مع إيران، لدرجة أنه سيسمح لطهران بالإبقاء على منشآتها النووية للتخصيب، وهو ما يمثل خطاً أحمر بالنسبة إلى إسرائيل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وذكر التقرير أن إسرائيل قلقة بشكل خاص من إمكانية إبرام اتفاق مؤقت يسمح لإيران بالاحتفاظ بمنشآتها النووية لأشهر أو حتى سنوات ريثما يتم التوصل إلى اتفاق نهائي. قلق وتابع التقرير أن المسؤولين الأميركيين يساورهم قلق من أن إسرائيل قد تقرر ضرب إيران دون سابق إنذار، وأشار إلى أن تقديرات الاستخبارات الأميركية هي أن إسرائيل يمكن أن تعد وتشرع في هجوم على إيران في أقل من سبع ساعات. وأضافت أن مسؤولين إسرائيليين حذروا نظراءهم الأميركيين من أن نتنياهو قد يصدر أوامر بضرب إيران حتى لو تم التوصل إلى اتفاق دبلوماسي ناجح. وقالت الصحيفة إن وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة نتنياهو، رون ديرمر، ورئيس جهاز الاستخبارات (الموساد) دافيد برنياع التقيا بمبعوث ترمب الخاص ستيف ويتكوف في روما الجمعة الماضي. وتوجه المسؤولان بعد ذلك إلى واشنطن لعقد اجتماع الإثنين الماضي مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون راتكليف قبل أن يلتقي ديرمر مع ويتكوف مرة أخرى أمس الثلاثاء. ولا يزال إصرار الولايات المتحدة على تخلي إيران عن منشآتها لتخصيب اليورانيوم من النقاط الشائكة الرئيسية في المحادثات بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين، وترفض طهران هذا المطلب. وقالت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم أول من أمس الإثنين إنها أجرت "محادثة صريحة للغاية" مع نتنياهو بشأن المفاوضات مع إيران، وذكرت أنها أبلغت رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن ترمب كلفها بأن تنقل له "مدى أهمية أن نبقى متحدين وأن ندع هذه العملية تمضي قدماً". ولم يتوقف ترمب في إسرائيل خلال جولته بالشرق الأوسط في وقت سابق من هذا الشهر، وأدلى بتصريحات سياسية زعزعت ثقة إسرائيل الراسخة بشأن علاقاتها مع الولايات المتحدة. ونفى نتنياهو التكهنات حول وجود خلاف مع الإدارة الأميركية، في حين قلل ترمب أيضاً من شأن أية إشارة إلى وجود قطيعة.


العربية
منذ 33 دقائق
- العربية
غترة وعقال
كانت بدايات ظهور النفط في الجزيرة العربية والخليج العربي. ومع النفط ظهرت ثرواته، تغيَّرت بالضرورة أشياء كثيرة: عمَّت الكهرباء، وحلّت الطرقات محل الكثبان، وامتلأت الدنيا سيارات فارهة بألوان برّاقة تلمع تحت شمس الصحراء. وظهر في أوروبا سياح من نوع جديد. يرتدون الثوب العربي، ويعتمرون الكوفية والعقال والشماغ. رفض الرجال أن تغير الثروة هويتهم، أو صورتهم التاريخية. ارتفعت الثروات، واتسعت المدن، وتقدمت الجامعات، وانتشرت المدارس، وظل الثوب الصحراوي البسيط علامة من علامات الهوية. نفرٌ قليل جداً، رأى أن الأفضل له ارتداء الثياب الإفرنجية. وكان بين هؤلاء مجموعة من السياسيين الكويتيين، وقلة أخرى في البحرين. لكن ظلت على حجمها في كل مكان. وعندما غاب أهلها، لم يوصوا بأن يُقلّدوا. جاء رئيس أميركا، كبرى الدول المتقدمة في العالم، إلى الخليج، ليجد أن شركاءه في حداثة العالم، والانفتاح على الحضارات، لا يزالون في الهوية نفسها. بورصاتهم تتداول كل يوم مليارات الدولارات، وجيوشهم تستخدم أكثر الآلات تقدماً، والجميع تحت «شماغ» واحد، يظهر عالياً في قمة العشرين، أو السبع، أو مهما كان عدد الحضور. لقد انتقلت مراكز القوة والاقتصاد في العالم في تطور طبيعي تلقائي. وأهم ملامح التطور كان، مستوى العلم، ونسبته في عموم الخليج. جزء كبير من الشراكة التي حققتها جولة ترمب، غير مسبوقة النتائج، كان في مستوى التبادل ونوعيته. وجزء آخر في الطرائق المستقبلية التي غيرت، وتغير، مصادر ومستويات المعيشة والتقدم. والتحدي الكبير في أصالة الحياة، كان المحافظة عليه، لا في البحث عن سواه. يقول شباب الجزيرة اليوم «حافظ أهلنا على تراثهم بكل إباء، وكبِروا به، ولم يَكبروا عليه».