١٩-٠٧-٢٠٢٥
الذكاء الاصطناعي.. هل يُمثّل أزمة وجودية للإنترنت؟
تشهد شبكة الإنترنت اليوم واحدة من أكبر التحولات في تاريخها. ما بدأ كأداة لمشاركة المعرفة بحرية، يواجه الآن تهديدًا وجوديًا من قبل أدوات الذكاء الاصطناعي التي لا تكتفي باستخدام المحتوى، بل تحتكره.
وسط هذه العاصفة الرقمية، يجد الناشرون والمنتجون أنفسهم في صراع غير متكافئ مع روبوتات المعرفة، التي باتت تحجب الزوار، وتُضعف نماذج الدخل التقليدية، وتعيد صياغة قواعد التصفح والمعرفة والمنافسة.
التصفح بالذكاء الاصطناعي
ماتيو برينس، المدير التنفيذي لشركة Cloudflare، تلقى تحذيرات من كبار مسؤولي الإعلام تفيد بظهور تهديد رقمي جديد: الذكاء الاصطناعي.
مع انتشار أدوات مثل ChatGPT (الشات جي بي تي)، يتجه المستخدمون لطرح أسئلتهم على روبوتات الدردشة بدلًا من محركات البحث، ما يقلّل من زياراتهم للمواقع.
منذ إطلاق الشات جي بي تي أواخر عام 2022، شهد العالم تحوّلًا حادًا في طرق البحث. أصبحت الإجابات الفورية تحل محل الروابط. هذا التغيير يهدد النموذج الاقتصادي القائم على الإعلانات، حيث تتراجع حركة الزوار وتتآكل العائدات تدريجيًا من المواقع الناشرة.
الزيارات تتهاوى
جوجل، التي تسيطر على 90% من سوق البحث التقليدي في أمريكا، أدخلت ميزات ذكاء اصطناعي خاصة بها مثل 'AI Overviews' و'الوضع الذكي'.
والنتيجة؟ زيارات المستخدمين للمواقع المرجعية انخفضت بنسب تصل إلى 31% في مواقع الصحة، و15% للمواقع المرجعية، و10% للمواقع التعليمية.
سرقة المحتوى تحت غطاء الذكاء الاصطناعي
ناشرون كبار مثل Dotdash Meredith يتهمون جوجل بـ'سرقة المحتوى' لتغذية محركاتها الذكية. نسبة النقرات من البحث إلى مواقعهم انخفضت من 60% إلى 35%.
الأمر ذاته أكده كل من Stack Overflow وWikipedia، حيث تتراجع التفاعلات والزيارات بالتوازي مع نمو أدوات تلخيص الإجابات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
استراتيجية 'الإغراء والمقاضاة'
شركات إعلامية مثل News Corp وThe New York Times دخلت في صفقات مع OpenAI وأمازون، بينما رفعت دعاوى قضائية ضد أدوات مثل Perplexity.
هذا التوجه، الذي أُطلق عليه 'Wooing and Suing'، يهدف إلى إجبار شركات الذكاء الاصطناعي على الدفع مقابل استخدام المحتوى.
رغم تصاعد الدعاوى القضائية، إلا أن المحاكم الأمريكية مالت مؤخرًا لصالح شركات الذكاء الاصطناعي، واعتبرت أن استخدام المحتوى لتدريب النماذج يدخل ضمن 'الاستخدام العادل'.
هذا ما يدعمه أيضًا البيت الأبيض في عهد ترامب، الذي عيّن مؤيدين للتكنولوجيا كمستشارين، وأقال رئيسة مكتب حقوق النشر.
صفقات الترخيص
رغم أن منصة Reddit للمناقشات المفتوحة وقّعت اتفاقية مع جوجل لترخيص محتواها مقابل 60 مليون دولار سنويًا، إلا أن تراجع نمو عدد الزوار أدّى إلى انخفاض قيمتها السوقية بأكثر من 20 مليار دولار.
هذا الانخفاض يعكس ضعف نموذج 'الترخيص مقابل الوصول'، ويؤكد أنه غير كافٍ لتعويض الخسائر الناتجة عن تراجع حركة التصفح.
مئات الملايين من المواقع الصغيرة، رغم أهميتها التراكمية، لا تملك الأدوات القانونية أو المالية لمقاضاة أو التفاوض مع عمالقة الذكاء الاصطناعي.
حتى إن حاولت منع روبوتات الذكاء من الزحف إلى محتواها، فإنها تفقد ظهورها بالكامل في نتائج البحث.
تغيير النماذج الاقتصادية
بعض المواقع مثل Stack Overflow تحوّلت إلى نماذج اشتراكات مؤسسية، بينما بدأ الناشرون في اعتماد رسائل البريد الإلكتروني، والتطبيقات، والجدران المالية للنجاة من 'عصر جوجل صفر'.
كذلك، تتجه بعض الجهات إلى تعزيز الحضور الصوتي والمرئي، لأن تلخيصهما بالذكاء أصعب من النصوص.
في المقابل، تشير جوجل إلى توسّع الإنترنت بنسبة 45% خلال عامين. فمع تسهيل الذكاء الاصطناعي لإنشاء المحتوى، تظهر مواقع أكثر.
رغم ذلك، فإن هذه الزيارات باتت تتم عبر روبوتات لا تساهم في دخل المواقع، ما يُعيد طرح السؤال عن جدوى هذا النمو.
الويب في لحظة حاسمة
في مواجهة التوسع الصامت للذكاء الاصطناعي، بات على ناشري المحتوى أن يُعيدوا التفكير في علاقتهم مع شركات التقنية الكبرى.
يقول بيل غروس:'الناس يفضّلون بحث الذكاء الاصطناعي. لكن لجعل الإنترنت، والديمقراطية، وصناعة المحتوى تستمر، لا بد من تقاسم الإيرادات'.