أحدث الأخبار مع #«اليونيسف»


الأسبوع
منذ 5 أيام
- صحة
- الأسبوع
وفاة «جنان» تكشف الكارثة.. وتحذير دولي: الوضع خطير
جنان بعد الوفاة آلاء حمزة - أهالي غزة يدخلون المرحلة الخامسة.. و«الأسبوع» توثق قتل البراءة في القطاع - جدّ «جنان»: «أسرتنا ليست الوحيدة.. وأطفالنا يدفعون ثمن الحصار» - مدير عام صحة غزة: «نعيش أخطر مراحل المجاعة وفق التصنيف الدولي» - مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: «الواقع الإنساني شديد الكارثية» - مسئولة برنامج الأغذية العالمي: «وزّعنا آخر ما تبقّى من مخزون المساعدات» - الحكومة الإسرائيلية تواصل التعنّت.. وبرنامج الأغذية العالمي يعلن نفاد مخزونه - إسرائيل تتعمّد استهداف 29 تكية طعام و37 مركزًا لتوزيع المساعدات الغذائية - «علبة لبن» تقتل طفلة عمرها4 شهور.. و«الحصار» يرفع معدلات الموت - الأطفال هم الضحية.. واليونيسف: وفاة أكثر من 15 ألف طفل بسبب العدوان وسط نومهم المتقطع نتيجة تجدُّد العدوان الإسرائيلي على القطاع، منذ الثامن عشر من مارس الماضي، استيقظ أهالي منطقة غرب مدينة غزة، قبل ساعات، على فاجعة إنسانية جديدة، توفيت الطفلة جنان صالح السكافي (4 أشهر) في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال، لأن المتبقين من أسرتها فشلوا في توفير «علبة لبن» لإنقاذها من سوء التغذية الذي أنهك جسدها الصغير. الدموع تكاد تقفز من عيون جدّها، خليل محمد السكافي، وهو يروي لـ«الأسبوع» تفاصيل المأساة. قال: «أسرتنا ليست الوحيدة، كثيرون أصبحوا عاجزين عن تأمين الأساسيات اللازمة للمعيشة، أطفالنا هم نقطة الضعف، والأكثر تأثرًا بسلاح التجويع الذي تستخدمه إسرائيل وقواتها المنتشرة في القطاع». بدت نبرات صوت «السكافي» تزداد تحشرجًا وهو يوضح أن «الطفلة الشهيدة جنان عنوان لأزمة معيشية حادة، مئات الأطفال في مثل عمرها بحاجة إلى علبة لبن وكوب ماء نظيف، الرضيع لا يستطيع العيش بدون غذائه الأساسي يوميًا، نفقد المزيد من أطفالنا نتيجة سوء التغذية وانهيار النظام الصحي في غزة». ضحية الحصار القاتل أكّد «السكافي» أن «جنان وُلدت بصحة جيدة، ووزنها كان طبيعيًا، حوالي ثلاثة كيلوجرامات بعد الولادة، كان وزنها يزداد بشكل طبيعي حتى بلغ أربعة كيلوجرامات في الشهر الأول، لكن خلال الشهر الثاني، ومع شدة الحصار الإسرائيلي وإغلاق جميع المعابر الحدودية، بدأت حالة الطفلة تتدهور بشكل سريع، أصيبت بإسهال مزمن، نُقلت على إثره إلى المستشفى، وظلّت هناك عشرة أيام». أضاف الجدّ (بحرقة): «الأطباء أرجعوا سبب تدهور حالتها إلى سوء التغذية، نوع الحليب لم يكن متوافقًا مع حالتها الصحية، ووزنها بدأ ينخفض تدريجيًا، فشلنا في توفير حليبٍ علاجي مناسب لإيقاف الإسهال وتحسين التغذية، لأن القطاع محاصر، طرقنا أبواب وزارة الصحة، لكن لم نجده، كانت حالتها تسوء أكثر، وبسبب نقص الأكسجين وانخفاض السكر، حدث هبوط حاد في الحرارة، ولم يتمكن الأطباء من فعل شيء، ثم فارقت الحياة». اعتراف بمأساة التجويع الطفلة «جنان» لن تكون الأخيرة، فمع تعمُّد إسرائيل مواصلة إغلاق المعابر الحدودية ومنع دخول المساعدات الغذائية والدوائية إلى القطاع طوال 65 يومًا، يعيش سكان غزة واحدةً من أسوأ الكوارث الإنسانية، إذ تنفد المواد الأساسية، وتغدو الأسواق شبه خالية، بينما يقرص الجوع بطون الأطفال، ويُنهك النساء، ويُذيب أجساد المرضى وكبار السن. تتعمّد إسرائيل «منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس الماضي، مع صعوبة الحصول على الغذاء والمياه الصالحة للشرب والمأوى والرعاية الطبية»، وتؤدي هذه الممارسات، التي تتعارض مع القانون الدولي الإنساني، إلى «ارتفاع معدّلات سوء التغذية والأمراض، وزيادة وفيات الأطفال في عموم مناطق القطاع»، وفق ما أفادت به وكالة «اليونيسف». تعترف وكالة الأمم المتحدة المعنية بالأطفال بأن «الحرب في قطاع غزة تسببت في خسائر هائلة للأطفال، إذ قُتل أكثر من 15 ألف طفل، وأصيب أكثر من 34 ألفًا آخرين منذ السابع من أكتوبر 2023، فيما تشتّتت أسر العديد منهم نتيجة النزوح وتدمير معظم المنازل»، حيث تشير المعلومات الرسمية للوكالة إلى أنه «منذ انهيار وقف إطلاق النار في 18 مارس، قُتل أكثر من 322 طفلًا وأصيب 609 آخرون». وتوضح الوكالة أنه بعد تجدُّد العدوان، يُقتل أو يُصاب يوميًّا نحو «100 طفل، معظمهم من النازحين الذين يعيشون في خيام مؤقتة أو بيوت مهدّمة»، مشيرة إلى أن «القصف الشرس والعشوائي، والحظر الكامل على دخول الإمدادات إلى القطاع، يضعان الاستجابة الإنسانية تحت ضغط شديد، ويعرّضان مدنيي غزة، خاصة الأطفال -ويُقدّر عددهم بنحو مليون تحت سن 18 عامًا- للخطر». أخطر مراحل المجاعة أكد مدير عام الصحة في غزة، الدكتور ماهر شامية، لـ«الأسبوع» أن «القطاع يعيش، اليوم، أخطر مراحل المجاعة، المرحلة الخامسة وفق التصنيف الدولي لمستويات انعدام الأمن الغذائي، والتي تشير إلى انتشار سوء التغذية الحاد، وحدوث وفيات يومية بسبب الجوع، وانهيار تام في النظم الغذائية». وأوضح «شامية» أن «شمال غزة يُعد الأكثر تضررًا، إذ يواجه السكان انهيارًا شبه كامل في النظامين الغذائي والصحي». ويُعدّ التصنيف الدولي للأمن الغذائي مكوَّنًا من خمس مراحل، تبدأ من مرحلة «الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي»، وتنتهي بمرحلة «المجاعة / الكارثة» التي يعيشها أهالي القطاع حاليًّا، وهي مرحلة بالغة الخطورة، تشير إلى وفاة أشخاص يوميًّا جراء الجوع وسوء التغذية، إلى جانب انهيار كامل في آليات الوصول إلى الغذاء أو تقديم الرعاية الصحية. وفيما شدد شامية على أهمية «التدخل الإنساني العاجل لإنقاذ أرواح الملايين، لاسيما مع انقطاع المساعدات وتوقف سبل الإمداد الغذائي»، أشار إلى أن «الأطفال في غزة هم الفئة الأكثر تضررًا من الجوع، إذ يعاني أكثر من 65 ألف طفل من سوء التغذية الحاد، إلى جانب تسجيل وفاة العشرات حتى الآن نتيجة ما يحدث، في مشاهد تختزل حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع». وأشار شامية إلى أن «التأثير لا يقتصر على الأطفال فحسب، بل يمتد إلى الفئات العمرية الأخرى من الأهالي، حيث يعاني نحو 220 ألف مريض مزمن من تداعيات الجوع، مما يفاقم حالتهم الصحية ويعرض حياتهم للخطر، كما سُجل ارتفاع لافت في نسب الإصابة بفقر الدم، ليس فقط بين المرضى، بل حتى بين المتبرعين بوحدات الدم». وبيّن أن «الفحوصات تُظهر أن معظم المتبرعين يعانون من ضعف دم شديد، ما يشير إلى تأثر عام في الصحة المجتمعية نتيجة تدهور الوضع الغذائي»، وسلّط شامية الضوء على أوضاع النساء، مؤكدًا أن «نحو 50 ألف أم مرضعة تعاني من هزال وسوء تغذية حاد، ما ينعكس سلبًا على صحتهن، وعلى صحة أطفالهن الرضّع الذين يعتمدون بشكل أساسي على تغذية الأمهات». المخزون الغذائي ينفد حاولت «الأسبوع» الوقوف على واقع المأساة التي يعانيها قاطنو قطاع غزة، وطرقت باب برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، أكبر منظمة إنسانية في العالم تُعنى بإنقاذ الأرواح في حالات الطوارئ. وقالت الناطقة باسم البرنامج، د.عبير عطيفة: «وزعنا، يوم الجمعة الماضي، آخر ما تبقى من المخزون الغذائي على مطابخ الوجبات السريعة والساخنة في قطاع غزة». وأضافت عطيفة: «يشكّل هذا المخزون المصدر المنتظم الوحيد لتوفير وجبات الطعام، وقد لبّى نحو 25% من الاحتياجات الغذائية اليومية للسكان»، لكنها حذّرت من أن «المواد الغذائية المتوفرة قد تنفد خلال يوم أو يومين على الأكثر، في ظل توقف البرنامج عن دعم المخابز». وأوضحت أن «25 مخبزًا مدعومًا من البرنامج أغلقت أبوابها في 31 مارس، بسبب نفاد الدقيق ووقود الطهي». ووفقًا لعطيفة، فإن الحصص الغذائية التي كان البرنامج يوزعها على الأسر كانت تكفي لمدة أسبوعين، وسط قلق بالغ من نقص حاد في مياه الشرب الآمنة ووقود الطهي، إلى جانب شح المواد الغذائية، وفي ما يخص أزمة إدخال المساعدات، أشارت إلى أن «المعابر الحدودية مغلقة منذ 2 مارس». وتُوزع المساعدات عبر شركاء البرنامج بالتعاون مع موظفيه المنتشرين في جميع المناطق التي ينشط فيها داخل القطاع. لكن المواد التي سُمح بإدخالها كانت تقتصر فقط على الأغذية. وأكدت عطيفة أن «معظم المخزون قد نفد بالفعل، بعدما جرى إدخاله خلال فترة التهدئة التي استمرت 42 يومًا، وانهارت في 18 مارس الماضي». وأشارت إلى أن البرنامج أطلق مناشدات متكررة، وتواصل مع جميع الجهات المعنية، خصوصًا إسرائيل، للضغط من أجل فتح المعابر والسماح بإدخال المساعدات، إلا أن البرنامج «لم يتلقَّ ردودًا مشجعة حتى الآن». وحول التحديات الميدانية، أوضحت عطيفة أن «الوضع الأمني في غزة يعيق العمل الإغاثي، في ظل استهداف العاملين في المجال الإنساني». ورغم أن فرق البرنامج مدرّبة على العمل في مناطق النزاع وتحت القصف، إلا أن الظروف الحالية ــ بحسب تعبيرها ــ «تتجاوز حدود القدرة على الاستمرار». وحذّرت من تفاقم أزمة الأمن الغذائي، خصوصًا أن الأسواق في القطاع تشهد تدهورًا حادًّا وارتفاعًا جنونيًّا في أسعار المواد الغذائية، بلغ نحو 1400% مقارنة بفترة وقف إطلاق النار، حتى في حال توفر هذه المواد. وأكدت عطيفة أن هذا الوضع «ينذر بخطر كبير على الفئات الأضعف، خاصة الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات، وكبار السن»، وكشفت عن أن البرنامج يحتفظ بأكثر من 116 ألف طن متري من المساعدات الغذائية الجاهزة للتوزيع، مخزنة على الممرات الإنسانية والمعابر الحدودية، وهي كافية لإطعام مليون شخص لمدة أربعة أشهر، لكنها لا تزال في انتظار «موافقة إسرائيل». حرمان وعنف مميت وعن أوضاع الأطفال في أعقاب استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة، حذّرت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، كاثرين راسل، من أن الأطفال «أصبحوا وسط دائرة الحرمان والعنف المميت»، مشيرة إلى أن «المساعدات الإنسانية، التي كانت شريان الحياة الوحيد لهم، توشك على النفاد»، وأكدت راسل أن «كل يوم يمرّ دون إدخال المساعدات، يزيد من خطر المجاعة والمرض والموت الذي يتهدد الأطفال». وأوضحت أن «مخزون اللقاحات شارف على النفاد، في وقت تتسارع فيه وتيرة تفشي الأمراض، خاصة الإسهال المائي الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة»، مضيفة أن «معدلات سوء التغذية تسجّل ارتفاعًا ملحوظًا، إذ بات مئات الأطفال ضحايا لسوء التغذية الحاد خلال الشهور الأخيرة من العام الجاري»، كما نبّهت إلى أن «انعدام الأمن وحالات النزوح تحول دون وصول المتضررين إلى مراكز العلاج». من جانبه، اتّهم مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الدكتور إسماعيل الثوابتة، الاحتلال الإسرائيلي بـ«استخدام الغذاء كسلاح حرب»، من خلال فرض حصار خانق وإغلاق شامل للمعابر، دخل يومه الخامس والستين على التوالي، ما أدى إلى وفيات في صفوف الأطفال وكبار السن، وسط تحذيرات من ارتفاع العدد خلال الأيام المقبلة. وبيّن الثوابتة لـ«الأسبوع» أن نحو 3500 طفل دون سن الخامسة يواجهون خطر الموت جوعًا، نتيجة الجوع الحاد وسوء التغذية، في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المنشآت الإنسانية التي تقدم الدعم الغذائي، وكشف أن قوات الاحتلال استهدفت 29 تكية طعام و37 مركزًا لتوزيع المساعدات، في سياسة وصفها بأنها تهدف إلى «تعميق معاناة السكان، وتشكل جريمة إنسانية ترتقي إلى مستوى العنف الممنهج ضد المدنيين». وأكد الثوابتة أن «هذا الواقع الإنساني الكارثي يجسد جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي على مرأى ومسمع العالم، وسط صمت دولي مخزٍ، ومشاركة ضمنية في معاناة شعب أعزل يُحرم من أبسط حقوقه الإنسانية في الغذاء والعلاج والبقاء»، ودعا في ختام تصريحه إلى ضرورة الضغط الدولي العاجل على الاحتلال من أجل فتح المعابر المغلقة. المساعدات تواجه صعوبات جدّد الدكتور إسماعيل الثوابتة دعوته إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية، لإدخال المساعدات الغذائية والدوائية العاجلة إلى قطاع غزة، محذرًا من أنّ «الوقت بدأ ينفد». وشدّد على ضرورة توفير حليب الأطفال، والمكملات الغذائية، وعشرات الأصناف من الأدوية الأساسية، مشيرًا إلى وجود جهات دولية وإقليمية ومحلية جاهزة لتقديم الدعم، لكنها تواجه صعوبات في الوصول. وتبرز في هذا السياق أدوار فاعلة لمؤسسات دولية تعمل رغم التحديات، يأتي في مقدمتها برنامج الأغذية العالمي (WFP)، الذي يقدّم مساعدات غذائية للأسر المتضررة، ويتولى تشغيل المخابز خلال فترات الطوارئ، كما تؤدي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) دورًا حيويًا في تقديم المساعدات الطبية والإنسانية، خاصة أثناء التصعيد العسكري. وفي مجال المياه وسبل العيش، تعمل منظمة أوكسفام (Oxfam) على توفير مياه نظيفة وتحسين الظروف المعيشية، بينما تسهم منظمة أنيرا (Anera) في دعم قطاعي الصحة والتعليم، إلى جانب تنفيذ استجابات طارئة للحدّ من تداعيات الكوارث المتواصلة، كذلك، تبرز منظمة «رحمة» (Mercy-USA) من بين الجهات التي تقدم مساعدات طبية وغذائية وتعليمية في القطاع المحاصر. وتُعد شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (PNGO) واحدة من أكبر مظلات العمل الأهلي، وتضم أكثر من 130 منظمة غير حكومية تنشط في مجالات متعددة داخل غزة. وفي موازاة ذلك، تواصل جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، إضافة إلى جمعيات الهلال الأحمر الإماراتي، والقطري، والمصري، والفلسطيني، تقديم خدمات إنسانية وطبية حيوية، رغم التعقيدات الميدانية الشديدة. وأوضح الثوابتة أن «جميع المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة تمر عبر المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، ويتم تنسيق إدخالها من خلال المؤسسات الإغاثية الدولية، دون أي تدخل من الجهات الحكومية المحلية». وأشار إلى أن «هذه المؤسسات، بالتعاون مع منظمات أهلية محلية، تشرف على توزيع أكثر من 85% من المساعدات». أما وزارة التنمية الاجتماعية، وهي جهة مهنية مستقلة لا تتبع أي فصيل سياسي، فتشرف على توزيع ما يزيد عن 15% من المساعدات، من خلال برنامج محوسب موحد، يغطي مختلف مناطق القطاع، ويُتاح الاطلاع عليه بشفافية تامة لكافة الجهات المعنية. وحذّر الثوابتة من أن استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات سيُفاقم الأزمة ويقود إلى انهيار إنساني شامل، وفي ختام تصريحه، دعا إلى توحيد الجهود المحلية والدولية لإنقاذ ما تبقى من مقومات الحياة، ومحاسبة الاحتلال على استخدام الغذاء والدواء كسلاح ممنهج ضد سكان غزة. لقد تجاوزت مأساة غزة حدود التقارير والأرقام، وتحولت إلى وجوه وقصص يومية لأناس يموتون بصمت، ففي الوقت الذي تُسلب فيه أرواح المدنيين بقذائف الاحتلال، يُصارع الباقون موتًا بطيئًا بفعل الجوع والعطش وانهيار الرعاية الصحية.


الأسبوع
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- صحة
- الأسبوع
«سلاح التجويع» أهالي غزة يدخلون المرحلة الخامسة.. و«الأسبوع» توثق قتل البراءة في القطاع
سلاح التجويع.. وقتل البراءة في القطاع آلاء حمزة وفاة «جنان» تكشف الكارثة.. وتحذير دولي: الوضع خطير - جدّ «جنان»: «أسرتنا ليست الوحيدة.. وأطفالنا يدفعون ثمن الحصار» - مدير عام صحة غزة: «نعيش أخطر مراحل المجاعة وفق التصنيف الدولي» - مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: «الواقع الإنساني شديد الكارثية» - مسئولة برنامج الأغذية العالمي: «وزّعنا آخر ما تبقّى من مخزون المساعدات» - الحكومة الإسرائيلية تواصل التعنّت.. وبرنامج الأغذية العالمي يعلن نفاد مخزونه - إسرائيل تتعمّد استهداف 29 تكية طعام و37 مركزًا لتوزيع المساعدات الغذائية - «علبة لبن» تقتل طفلة عمرها4 شهور.. و«الحصار» يرفع معدلات الموت - الأطفال هم الضحية.. واليونيسف: وفاة أكثر من 15 ألف طفل بسبب العدوان وسط نومهم المتقطع نتيجة تجدُّد العدوان الإسرائيلي على القطاع، منذ الثامن عشر من مارس الماضي، استيقظ أهالي منطقة غرب مدينة غزة، قبل ساعات، على فاجعة إنسانية جديدة. توفيت الطفلة جنان صالح السكافي (4 أشهر) في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال، لأن المتبقين من أسرتها فشلوا في توفير «علبة لبن» لإنقاذها من سوء التغذية الذي أنهك جسدها الصغير. الدموع تكاد تقفز من عيون جدّها، خليل محمد السكافي، وهو يروي لـ«الأسبوع» تفاصيل المأساة. قال: «أسرتنا ليست الوحيدة، كثيرون أصبحوا عاجزين عن تأمين الأساسيات اللازمة للمعيشة، أطفالنا هم نقطة الضعف، والأكثر تأثرًا بسلاح التجويع الذي تستخدمه إسرائيل وقواتها المنتشرة في القطاع». بدت نبرات صوت «السكافي» تزداد تحشرجًا وهو يوضح أن «الطفلة الشهيدة جنان عنوان لأزمة معيشية حادة. مئات الأطفال في مثل عمرها بحاجة إلى علبة لبن وكوب ماء نظيف. الرضيع لا يستطيع العيش بدون غذائه الأساسي. يوميًا، نفقد المزيد من أطفالنا نتيجة سوء التغذية وانهيار النظام الصحي في غزة». ضحية الحصار القاتل أكّد «السكافي» أن «جنان وُلدت بصحة جيدة، ووزنها كان طبيعيًا، حوالي ثلاثة كيلوجرامات. بعد الولادة، كان وزنها يزداد بشكل طبيعي حتى بلغ أربعة كيلوجرامات في الشهر الأول، لكن خلال الشهر الثاني، ومع شدة الحصار الإسرائيلي وإغلاق جميع المعابر الحدودية، بدأت حالة الطفلة تتدهور بشكل سريع. أصيبت بإسهال مزمن، نُقلت على إثره إلى المستشفى، وظلّت هناك عشرة أيام». أضاف الجدّ (بحرقة): «الأطباء أرجعوا سبب تدهور حالتها إلى سوء التغذية، نوع الحليب لم يكن متوافقًا مع حالتها الصحية، ووزنها بدأ ينخفض تدريجيًا. فشلنا في توفير حليبٍ علاجي مناسب لإيقاف الإسهال وتحسين التغذية، لأن القطاع محاصر. طرقنا أبواب وزارة الصحة، لكن لم نجده. كانت حالتها تسوء أكثر، وبسبب نقص الأكسجين وانخفاض السكر، حدث هبوط حاد في الحرارة، ولم يتمكن الأطباء من فعل شيء، ثم فارقت الحياة». اعتراف بمأساة التجويع الطفلة «جنان» لن تكون الأخيرة، فمع تعمُّد إسرائيل مواصلة إغلاق المعابر الحدودية ومنع دخول المساعدات الغذائية والدوائية إلى القطاع طوال 65 يومًا، يعيش سكان غزة واحدةً من أسوأ الكوارث الإنسانية، إذ تنفد المواد الأساسية، وتغدو الأسواق شبه خالية، بينما يقرص الجوع بطون الأطفال، ويُنهك النساء، ويُذيب أجساد المرضى وكبار السن. تتعمّد إسرائيل «منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس الماضي، مع صعوبة الحصول على الغذاء والمياه الصالحة للشرب والمأوى والرعاية الطبية»، وتؤدي هذه الممارسات، التي تتعارض مع القانون الدولي الإنساني، إلى «ارتفاع معدّلات سوء التغذية والأمراض، وزيادة وفيات الأطفال في عموم مناطق القطاع»، وفق ما أفادت به وكالة «اليونيسف». تعترف وكالة الأمم المتحدة المعنية بالأطفال بأن «الحرب في قطاع غزة تسببت في خسائر هائلة للأطفال، إذ قُتل أكثر من 15 ألف طفل، وأصيب أكثر من 34 ألفًا آخرين منذ السابع من أكتوبر 2023، فيما تشتّتت أسر العديد منهم نتيجة النزوح وتدمير معظم المنازل». وتشير المعلومات الرسمية للوكالة إلى أنه «منذ انهيار وقف إطلاق النار في 18 مارس، قُتل أكثر من 322 طفلًا وأصيب 609 آخرون». وتوضح الوكالة أنه بعد تجدُّد العدوان، يُقتل أو يُصاب يوميًّا نحو «100 طفل، معظمهم من النازحين الذين يعيشون في خيام مؤقتة أو بيوت مهدّمة»، مشيرة إلى أن «القصف الشرس والعشوائي، والحظر الكامل على دخول الإمدادات إلى القطاع، يضعان الاستجابة الإنسانية تحت ضغط شديد، ويعرّضان مدنيي غزة، خاصة الأطفال -ويُقدّر عددهم بنحو مليون تحت سن 18 عامًا- للخطر». أخطر مراحل المجاعة أكد مدير عام الصحة في غزة، الدكتور ماهر شامية، لـ«الأسبوع» أن «القطاع يعيش، اليوم، أخطر مراحل المجاعة، المرحلة الخامسة وفق التصنيف الدولي لمستويات انعدام الأمن الغذائي، والتي تشير إلى انتشار سوء التغذية الحاد، وحدوث وفيات يومية بسبب الجوع، وانهيار تام في النظم الغذائية». وأوضح شامية أن «شمال غزة يُعد الأكثر تضررًا، إذ يواجه السكان انهيارًا شبه كامل في النظامين الغذائي والصحي». ويُعدّ التصنيف الدولي للأمن الغذائي مكوَّنًا من خمس مراحل، تبدأ من مرحلة «الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي»، وتنتهي بمرحلة «المجاعة / الكارثة» التي يعيشها أهالي القطاع حاليًّا، وهي مرحلة بالغة الخطورة، تشير إلى وفاة أشخاص يوميًّا جراء الجوع وسوء التغذية، إلى جانب انهيار كامل في آليات الوصول إلى الغذاء أو تقديم الرعاية الصحية. وفيما شدد شامية على أهمية «التدخل الإنساني العاجل لإنقاذ أرواح الملايين، لاسيما مع انقطاع المساعدات وتوقف سبل الإمداد الغذائي»، أشار إلى أن «الأطفال في غزة هم الفئة الأكثر تضررًا من الجوع، إذ يعاني أكثر من 65 ألف طفل من سوء التغذية الحاد، إلى جانب تسجيل وفاة العشرات حتى الآن نتيجة ما يحدث، في مشاهد تختزل حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع». وأشار شامية إلى أن «التأثير لا يقتصر على الأطفال فحسب، بل يمتد إلى الفئات العمرية الأخرى من الأهالي، حيث يعاني نحو 220 ألف مريض مزمن من تداعيات الجوع، مما يفاقم حالتهم الصحية ويعرض حياتهم للخطر. كما سُجل ارتفاع لافت في نسب الإصابة بفقر الدم، ليس فقط بين المرضى، بل حتى بين المتبرعين بوحدات الدم». وبيّن أن «الفحوصات تُظهر أن معظم المتبرعين يعانون من ضعف دم شديد، ما يشير إلى تأثر عام في الصحة المجتمعية نتيجة تدهور الوضع الغذائي». وسلّط شامية الضوء على أوضاع النساء، مؤكدًا أن «نحو 50 ألف أم مرضعة تعاني من هزال وسوء تغذية حاد، ما ينعكس سلبًا على صحتهن، وعلى صحة أطفالهن الرضّع الذين يعتمدون بشكل أساسي على تغذية الأمهات». المخزون الغذائي ينفد حاولت «الأسبوع» الوقوف على واقع المأساة التي يعانيها قاطنو قطاع غزة، وطرقت باب برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، أكبر منظمة إنسانية في العالم تُعنى بإنقاذ الأرواح في حالات الطوارئ. وقالت الناطقة باسم البرنامج، الدكتورة عبير عطيفة: «وزعنا، يوم الجمعة الماضي، آخر ما تبقى من المخزون الغذائي على مطابخ الوجبات السريعة والساخنة في قطاع غزة». وأضافت عطيفة: «يشكّل هذا المخزون المصدر المنتظم الوحيد لتوفير وجبات الطعام. وقد لبّى نحو 25% من الاحتياجات الغذائية اليومية للسكان»، لكنها حذّرت من أن «المواد الغذائية المتوفرة قد تنفد خلال يوم أو يومين على الأكثر، في ظل توقف البرنامج عن دعم المخابز». وأوضحت أن «25 مخبزًا مدعومًا من البرنامج أغلقت أبوابها في 31 مارس، بسبب نفاد الدقيق ووقود الطهي». ووفقًا لعطيفة، فإن الحصص الغذائية التي كان البرنامج يوزعها على الأسر كانت تكفي لمدة أسبوعين، وسط قلق بالغ من نقص حاد في مياه الشرب الآمنة ووقود الطهي، إلى جانب شح المواد الغذائية. وفي ما يخص أزمة إدخال المساعدات، أشارت إلى أن «المعابر الحدودية مغلقة منذ 2 مارس». وتُوزع المساعدات عبر شركاء البرنامج بالتعاون مع موظفيه المنتشرين في جميع المناطق التي ينشط فيها داخل القطاع. لكن المواد التي سُمح بإدخالها كانت تقتصر فقط على الأغذية. وأكدت عطيفة أن «معظم المخزون قد نفد بالفعل، بعدما جرى إدخاله خلال فترة التهدئة التي استمرت 42 يومًا، وانهارت في 18 مارس الماضي». وأشارت إلى أن البرنامج أطلق مناشدات متكررة، وتواصل مع جميع الجهات المعنية، خصوصًا إسرائيل، للضغط من أجل فتح المعابر والسماح بإدخال المساعدات، إلا أن البرنامج «لم يتلقَّ ردودًا مشجعة حتى الآن». وحول التحديات الميدانية، أوضحت عطيفة أن «الوضع الأمني في غزة يعيق العمل الإغاثي، في ظل استهداف العاملين في المجال الإنساني». ورغم أن فرق البرنامج مدرّبة على العمل في مناطق النزاع وتحت القصف، إلا أن الظروف الحالية ــ بحسب تعبيرها ــ «تتجاوز حدود القدرة على الاستمرار». وحذّرت من تفاقم أزمة الأمن الغذائي، خصوصًا أن الأسواق في القطاع تشهد تدهورًا حادًّا وارتفاعًا جنونيًّا في أسعار المواد الغذائية، بلغ نحو 1400% مقارنة بفترة وقف إطلاق النار، حتى في حال توفر هذه المواد. وأكدت عطيفة أن هذا الوضع «ينذر بخطر كبير على الفئات الأضعف، خاصة الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات، وكبار السن». وكشفت عن أن البرنامج يحتفظ بأكثر من 116 ألف طن متري من المساعدات الغذائية الجاهزة للتوزيع، مخزنة على الممرات الإنسانية والمعابر الحدودية، وهي كافية لإطعام مليون شخص لمدة أربعة أشهر، لكنها لا تزال في انتظار «موافقة إسرائيل». حرمان وعنف مميت وعن أوضاع الأطفال في أعقاب استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة، حذّرت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، كاثرين راسل، من أن الأطفال «أصبحوا وسط دائرة الحرمان والعنف المميت»، مشيرة إلى أن «المساعدات الإنسانية، التي كانت شريان الحياة الوحيد لهم، توشك على النفاد». وأكدت راسل أن «كل يوم يمرّ دون إدخال المساعدات، يزيد من خطر المجاعة والمرض والموت الذي يتهدد الأطفال». وأوضحت أن «مخزون اللقاحات شارف على النفاد، في وقت تتسارع فيه وتيرة تفشي الأمراض، خاصة الإسهال المائي الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة»، مضيفة أن «معدلات سوء التغذية تسجّل ارتفاعًا ملحوظًا، إذ بات مئات الأطفال ضحايا لسوء التغذية الحاد خلال الشهور الأخيرة من العام الجاري». كما نبّهت إلى أن «انعدام الأمن وحالات النزوح تحول دون وصول المتضررين إلى مراكز العلاج». من جانبه، اتّهم مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الدكتور إسماعيل الثوابتة، الاحتلال الإسرائيلي بـ«استخدام الغذاء كسلاح حرب»، من خلال فرض حصار خانق وإغلاق شامل للمعابر، دخل يومه الخامس والستين على التوالي، ما أدى إلى وفيات في صفوف الأطفال وكبار السن، وسط تحذيرات من ارتفاع العدد خلال الأيام المقبلة. وبيّن الثوابتة لـ«الأسبوع» أن نحو 3500 طفل دون سن الخامسة يواجهون خطر الموت جوعًا، نتيجة الجوع الحاد وسوء التغذية، في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المنشآت الإنسانية التي تقدم الدعم الغذائي. وكشف أن قوات الاحتلال استهدفت 29 تكية طعام و37 مركزًا لتوزيع المساعدات، في سياسة وصفها بأنها تهدف إلى «تعميق معاناة السكان، وتشكل جريمة إنسانية ترتقي إلى مستوى العنف الممنهج ضد المدنيين». وأكد الثوابتة أن «هذا الواقع الإنساني الكارثي يجسد جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي على مرأى ومسمع العالم، وسط صمت دولي مخزٍ، ومشاركة ضمنية في معاناة شعب أعزل يُحرم من أبسط حقوقه الإنسانية في الغذاء والعلاج والبقاء». ودعا في ختام تصريحه إلى ضرورة الضغط الدولي العاجل على الاحتلال من أجل فتح المعابر المغلقة. المساعدات تواجه صعوبات جدّد الدكتور إسماعيل الثوابتة دعوته إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية، لإدخال المساعدات الغذائية والدوائية العاجلة إلى قطاع غزة، محذرًا من أنّ «الوقت بدأ ينفد». وشدّد على ضرورة توفير حليب الأطفال، والمكملات الغذائية، وعشرات الأصناف من الأدوية الأساسية، مشيرًا إلى وجود جهات دولية وإقليمية ومحلية جاهزة لتقديم الدعم، لكنها تواجه صعوبات في الوصول. وتبرز في هذا السياق أدوار فاعلة لمؤسسات دولية تعمل رغم التحديات. يأتي في مقدمتها برنامج الأغذية العالمي (WFP)، الذي يقدّم مساعدات غذائية للأسر المتضررة، ويتولى تشغيل المخابز خلال فترات الطوارئ. كما تؤدي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) دورًا حيويًا في تقديم المساعدات الطبية والإنسانية، خاصة أثناء التصعيد العسكري. وفي مجال المياه وسبل العيش، تعمل منظمة أوكسفام (Oxfam) على توفير مياه نظيفة وتحسين الظروف المعيشية. بينما تسهم منظمة أنيرا (Anera) في دعم قطاعي الصحة والتعليم، إلى جانب تنفيذ استجابات طارئة للحدّ من تداعيات الكوارث المتواصلة. كذلك، تبرز منظمة «رحمة» (Mercy-USA) من بين الجهات التي تقدم مساعدات طبية وغذائية وتعليمية في القطاع المحاصر. وتُعد شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (PNGO) واحدة من أكبر مظلات العمل الأهلي، وتضم أكثر من 130 منظمة غير حكومية تنشط في مجالات متعددة داخل غزة. وفي موازاة ذلك، تواصل جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، إضافة إلى جمعيات الهلال الأحمر الإماراتي، والقطري، والمصري، والفلسطيني، تقديم خدمات إنسانية وطبية حيوية، رغم التعقيدات الميدانية الشديدة. وأوضح الثوابتة أن «جميع المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة تمر عبر المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، ويتم تنسيق إدخالها من خلال المؤسسات الإغاثية الدولية، دون أي تدخل من الجهات الحكومية المحلية». وأشار إلى أن «هذه المؤسسات، بالتعاون مع منظمات أهلية محلية، تشرف على توزيع أكثر من 85% من المساعدات». أما وزارة التنمية الاجتماعية، وهي جهة مهنية مستقلة لا تتبع أي فصيل سياسي، فتشرف على توزيع ما يزيد عن 15% من المساعدات، من خلال برنامج محوسب موحد، يغطي مختلف مناطق القطاع، ويُتاح الاطلاع عليه بشفافية تامة لكافة الجهات المعنية. وحذّر الثوابتة من أن استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات سيُفاقم الأزمة ويقود إلى انهيار إنساني شامل. وفي ختام تصريحه، دعا إلى توحيد الجهود المحلية والدولية لإنقاذ ما تبقى من مقومات الحياة، ومحاسبة الاحتلال على استخدام الغذاء والدواء كسلاح ممنهج ضد سكان غزة. لقد تجاوزت مأساة غزة حدود التقارير والأرقام، وتحولت إلى وجوه وقصص يومية لأناس يموتون بصمت. ففي الوقت الذي تُسلب فيه أرواح المدنيين بقذائف الاحتلال، يُصارع الباقون موتًا بطيئًا بفعل الجوع والعطش وانهيار الرعاية الصحية.


الاتحاد
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- صحة
- الاتحاد
«اليونيسف» لـ «الاتحاد»: الإمارات في مقدمة الداعمين لتوفير التطعيمات عالمياً
سامي عبد الرؤوف (أبوظبي) أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، أن الإمارات تقوم بجهود كبيرة ودور استثنائي في جهود التحصين العالمية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرة إلى أن دور الإمارات، خلال حملة تزويد اللقاحات ضد مرض شلل الأطفال في قطاع غزة، كان أساسياً من خلال الدعم المادي واللوجستي من قبل «مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني». وقالت لينا الكرد، المتحدثة الإعلامية لـ«اليونيسف» بمكتب منطقة الخليج العربي، في تصريحات خاصة لـ «الاتحاد» بمناسبة الأسبوع العالمي للقاحات: «إن من أبرز الجهود المشتركة والمدعومة من الإمارات، حملة التطعيم الجماعية ضد شلل الأطفال في 26 فبراير الماضي، التي استمرت خمسة أيام في قطاع غزة، ووصلت إلى ما يقرب من 603.000 طفل دون سن العاشرة». وأضافت: «لقد تم منح هؤلاء الأطفال، لقاح شلل الأطفال الفموي الجديد، وذلك بعد وصول شامل ومتزامن إلى جميع المحافظات الخمس خلال وقف إطلاق النار». وأوضحت أن هذه الجولة كانت الثالثة ضمن ثلاث جولات سبقتها، جولة في شهر سبتمبر، وأخرى في نوفمبر 2024، لافتة إلى أن هذه النتائج تحققت على الرغم من التحديات التي واجهتها الجولة الثالثة من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة. وذكرت أن هذا الدعم ساعد في تحقيق أهداف الحملة، ويعكس أهمية الشراكات الدولية والتزاماً مشتركاً بمكافحة الأمراض الوبائية، لافتة إلى أن الحملة التي دعمتها الإمارات جاءت في وقت حرج، خاصة بعد العودة المفاجئة لشلل الأطفال بعد نحو 25 عاماً من القضاء عليه. تحدٍّ كبير حول احتفاء العالم بالأسبوع العالمي للقاحات في الفترة من 24 إلى 30 أبريل الجاري، أكدت أن هذا أسبوع لتسليط الضوء على واحد من أهم الإنجازات المنقذة للحياة وهو اللقاحات، والدعوة إلى تجديد الالتزام بتوفير اللقاحات للجميع، وأولهم الأطفال، للوقاية من الأمراض التي تهدد صحة الجميع. وقالت: «على رغم الإنجازات التي تم تحقيقها في مجال تزويد اللقاحات وتحصين الأطفال، فإن جهود التحصين العالمية معرضة لخطر متزايد، بسبب نقص كبير في التمويل، وبسبب الأزمات الإنسانية، مثل الحروب والكوارث وأيضاً المعلومات المضللة». وأضافت: «ملايين الأطفال والمراهقين والبالغين معرضون لخطر الإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها، وخاصة في الشرائح السكانية الأكثر حاجة، والذين يعيشون في مناطق نزاعات أو في الأماكن الأشد فقراً في العالم، أو ممن يضطرون للجوء والنزوح». وشددت المتحدثة الإعلامية لـ«اليونيسف» بمكتب منطقة الخليج العربي، على أن اللقاحات أنقذت حياة أكثر من 150 مليون شخص على مدى العقود الخمسة الماضية، أي من عام 1974، إلا أن العديد من دول العالم تعيش حالياً في ظروف مضطربة بشدة، حيث يتوفى ملايين الأطفال سنوياً من جراء أمراض يمكن منعها ومعالجتها. وأكدت الكرد أن بمقدورنا تحقيق مستقبل يكون جميع الأطفال فيه محميين باللقاحات المنقذة للحياة؛ لأنَّ من حق جميع الأطفال التمتع بالصحة أينما كانوا. وحول أسباب توقف حملات التحصين أحياناً في بعض البلدان أو خطر انتشار هذه الأمراض مجدداً، أرجعت ذلك إلى وجود أزمة تمويل عالمية تحدّ بشدة من قدرتنا على تطعيم أكثر من 15 مليون طفل مُعرّض للخطر في البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات. واعتبرت أن ذلك يقلل من خدمات التحصين، وحملات تزويد اللقاحات والاستجابة لتفشي الأمراض في عشرات الدول حول العالم مُعطّلة بالفعل، مع انتكاسات تُشابه ما شهدناه خلال جائحة «كوفيد-19». وأكدت أن تفشي أمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل الحصبة والتهاب السحايا والحمى الصفراء، يتزايد عالمياً، كما أن أمراضاً مثل الدفتيريا، التي ظلت تحت السيطرة لفترة طويلة أو اختفت تقريباً في العديد من البلدان، قد تعود هي أيضاً للظهور مرة أخرى. ودعت إلى أن يصبح بمقدور المزيد من الأطفال أكثر من أي وقت مضى الاحتفال بعيد ميلادهم الأول من خلال تزويدهم باللقاحات الروتينية، مشددة على أن أهمية اللقاحات لا تقتصر على حماية الأطفال فحسب، بل تحمي كذلك الناس من جميع الأعمار، من النساء الحوامل إلى كبار السن، داعية الحكومات والقطاع الخاص للاستثمار المالي في اللقاحات، عبر دعم برامج «اليونيسف»، ودعم التحالف العالمي للقاحات والتحصين. عام الحسم وصفت لينا الكرد عام 2025، بأنه «عام حاسم الأهمية للتمويل» إذا أردنا المحافظة على التقدم الذي تحقق وحماية جميع الأطفال أينما كانوا باللقاحات. وقالت: «يجب ضمان إمكانية حصول جميع الأطفال على اللقاحات للمساعدة في تحسين تغطية التحصين، ويجب تعزيز أنظمة الصحية لضمان حصولهم على اللقاحات الأساسية المنقذة للحياة. وهذا يعني تدريب العاملين في القطاع الصحي ودعمهم، وبناء الثقة في المؤسسات الصحية ونشر الوعي بأهمية حصول الأطفال على اللقاحات». جهود عالمية عن جهود «اليونيسف» في دعم البلدان في تحصين الأطفال، قالت: «(اليونيسف) أكبر مشترٍ للقاحات في العالم، حيث تُسلّم سنوياً حوالي 250 مليون جرعة من لقاحات الحصبة، وتقوم بتحصين أكثر من 400 مليون طفل سنوياً في العالم ضد فيروس شلل الأطفال». وأضافت: «(اليونيسيف) تدير عملية شراء وتوزيع أكثر من مليار جرعة سنوياً، أي أكثر من 50 في المئة من الإمدادات العالمية من اللقاح الفموي لشلل الأطفال، وتستثمر في البنية الأساسية لسلسلة إمداد اللقاحات، من قبيل غرف التجميد، والثلاجات، والصناديق الباردة، وحقائب نقل اللقاحات، وأجهزة رصد الحرارة». وتطرقت إلى تدريب «اليونيسف» الاختصاصيين الصحيين على كيفية إدارة «السلسلة الباردة» للمحافظة على سلامة اللقاحات أثناء النقل والتخزين، واستخدام استراتيجيات التغيير الاجتماعي والسلوكي في نشر الوعي بأهمية اللقاحات وحملات التحصين لزيادة قبول لقاحات شلل الأطفال، وغيرها والطلب عليها من الوالدين ومقدمي الرعاية، مؤكدة أن هذا يمثل الخطوة الأولى الحاسمة نحو الوصول إلى تغطية عالية في التحصين ضد شلل الأطفال والمحافظة عليها.


الاتحاد
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الاتحاد
التعليم في السودان.. تداعيات كارثية للنزاع ودعم إماراتي متواصل
أحمد مراد، أحمد عاطف (أبوظبي) يُلقي النزاع الدائر في السودان منذ أبريل 2023 بظلاله الثقيلة على قطاع التعليم، وسط تحذيرات دولية وأممية من مخاطر انهيار المنظومة التعليمية بشكل كامل، بسبب تضرر مئات المدارس والجامعات من العمليات العسكرية التي تشهدها غالبية الولايات السودانية. وأوضح خبراء ومحللون، تحدثوا لـ«الاتحاد»، أنه وسط الانهيار الهائل للقطاع التعليمي في السودان، تحركت دولة الإمارات بفاعلية كبيرة، وأنشأت فصولاً دراسية مؤقتة في مناطق اللجوء، وقدمت منحاً للطلاب السودانيين، ووفرت دعماً تعليمياً في أكثر من دولة مجاورة. وأشار الخبراء والمحللون إلى أن المبادرات التعليمية التي تقدمها الإمارات لملايين السودانيين، سواء النازحين داخلياً أو اللاجئين في دول الجوار، تمثل جزءاً من التوجه الإنساني العميق للدولة، حيث لا تكتفي بتقديم المساعدات الإغاثية العاجلة، بل تستثمر في مستقبل الأفراد والمجتمعات. تداعيات كارثية بحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، فإن نحو 17 مليون طفل سوداني حُرموا من الالتحاق بالمدارس، بعدما أجبرتهم الحرب على النزوح مع أسرهم 3 مرات، في ظل توسع رقعة القتال، وإغلاق المدارس في أكثر من ثلثي مناطق السودان، ما جعل البلاد تُعاني «أسوأ أزمات التعليم في العالم». مبادرات إماراتية مع تفاقم أزمات القطاع التعليمي في السودان، وقعت الإمارات في أغسطس 2024، اتفاقية مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» لتقديم 7 ملايين دولار لدعم الجهود الإنسانية في السودان وجنوب السودان، منها 6 ملايين دولار مخصصة لعمليات المنظمة الأممية في السودان، بما يشمل ترميم المدارس، وتوفير خيم مدرسية مؤقتة في مناطق النزوح. وقالت المحللة السياسية، نورهان شرارة، إن دولة الإمارات تحرص منذ سنوات على ترسيخ دورها الإنساني على المستويين الإقليمي والدولي، ولم تكتفِ فقط بدورها السياسي الفاعل، بل سعت لأن تكون نموذجاً في العمل الإنساني المستدام، من خلال مبادرات مؤثرة امتدت إلى مناطق عديدة حول العالم. وأضافت شرارة، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الإمارات نجحت في ترسيخ مكانتها كواحدة من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية عالمياً، ليس فقط عبر الاستجابة السريعة للأزمات، بل من خلال مشاريع تنموية مستدامة ساهمت في إعادة بناء المجتمعات، مثل إنشاء المدارس والمستشفيات، وتطوير البنية التحتية، ما منحها طابعاً إنسانياً قوياً، وعزز من مكانتها كقوة ناعمة مؤثرة في المشهدين الإقليمي والدولي. ولفتت إلى أن المبادرات التعليمية التي تقدمها الإمارات لملايين السودانيين، سواء داخل السودان أو في دول الجوار التي تستضيف اللاجئين السودانيين، تمثل جزءاً من التوجه الإنساني العميق للدولة، وتُظهر كيف أنها لا تكتفي بتقديم المساعدات الإغاثية العاجلة، بل تستثمر في مستقبل الأفراد والمجتمعات. وأشادت شرارة بالدور الحيوي الذي تلعبه الإمارات للحفاظ على استقرار منظومة المساعدات الدولية، بعدما تمكنت، خلال السنوات الماضية، من ترسيخ دورها كفاعل إنساني لا غنى عنه، وتحصد اليوم ثمار هذا النهج من خلال سمعة دولية مرموقة، ومكانة متقدمة في مؤشرات القوة الناعمة. دعم تعليم اللاجئين في إطار المبادرات الإماراتية الداعمة للقطاع التعليمي في السودان، خصصت الدولة تمويلاً بقيمة 4 ملايين دولار لدعم تعليم اللاجئين السودانيين في جمهورية تشاد بالتعاون مع «اليونيسف». كما أطلقت «الهلال الأحمر الإماراتي» برامج إغاثية للطلبة السودانيين وأسرهم، تضمنت توزيع حقائب مدرسية وقرطاسية، ودعماً نفسياً واجتماعياً للأطفال المتضررين من الحرب، ومساعدات غذائية لعائلات الطلاب لتخفيف العبء عليهم. بدورها، أوضحت الباحثة والمحللة الإماراتية، ميرة زايد، أن ما يحدث في السودان ليس مجرد حرب، بل كارثة إنسانية شاملة طالت كل تفاصيل الحياة، وفي مقدمتها التعليم، حيث أُغلقت المدارس، وتدمرت الجامعات، وتُرك الملايين من الأطفال بلا مستقبل. وذكرت زايد لـ«الاتحاد» أنه وسط هذا الانهيار للقطاع التعليمي في السودان، لم تقف الإمارات مكتوفة الأيدي، بل تحركت بفاعلية، وأنشأت فصولاً دراسية مؤقتة في مناطق اللجوء، وقدّمت منحاً للطلاب السودانيين، ووفّرت دعماً تعليمياً في أكثر من دولة مجاورة، من خلال الهلال الأحمر الإماراتي ومبادرة «التعليم لا ينتظر»، وهذا ليس ترفاً، بل استثمار حقيقي في مستقبل السودان. وأشارت إلى أن الإمارات لا تسعى لتحقيق مكاسب سياسية، بل تؤمن بأن التعليم هو طوق النجاة الوحيد لشعب أنهكته الحرب، وليس من قبيل المصادفة أن تكون في طليعة الدول الداعمة للسودان، إذ إنها ترى أن إنقاذ الإنسان يبدأ من الكتاب، لا من البندقية، ومن الفعل الصادق لا من الخطاب الزائف.


تيار اورغ
٢٧-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- تيار اورغ
النازحون السوريون الجدد أمام خياريْن: القتل أو الموت جوعاً
الأخبار: في بلدة المسعودية (شمال لبنان) التي تبعد أقل من كيلومتر واحد من الحدود السورية، يقيم 303 نازحين سوريين في مبنى البلدية وفي مدرسة البلدة ومسجدها وفي عدد من المنازل الخاصة، بعدما قطعوا سيراً على الأقدام معابر غير رسمية هرباً من المجازر التي وقعت في حمص وحماة واللاذقية. معاناة هؤلاء مزدوجة: أولاً، استهداف وحشي على أساس طائفي من قبل مجموعات مسلحة متطرفة منسوبة إلى وزارة الدفاع السورية الجديدة، وثانياً، صمت مطبق من المنظمات الدولية وبعض وسائل الإعلام. وقد اندلعت موجة العنف الطائفي في مناطق الساحل وأرياف حمص وحماة بعد كمائن نُسب إلى مسلحين موالين للنظام السابق تنفيذها، في 6 آذار الجاري، ضد عناصر الأمن العام التابع للحكومة الانتقالية. إثر ذلك، أُعلنت حالة الطوارئ وبدأت عملية عسكرية لـ«تطهير» المنطقة، سرعان ما تحوّلت إلى تطهير طائفي بلغ ذروته في مجزرة جماعية نفّذتها فصائل متطرفة انتقاماً من أبناء الطائفة العلوية الذين وُضعوا جماعياً في خانة التواطؤ مع النظام السابق. «المنظمات تأتي وتسأل بعض الأسئلة وتغادر ولا نراها مجدداً (…) نفتقر للطعام والماء، وحتى المراحيض وكل الأساسيات. أهل البلدة يساعدوننا قدر الإمكان، ولكن ماذا يمكنهم أن يفعلوا أكثر؟ ما نحتاج إليه هو الحماية لنتمكّن من العودة إلى بيوتنا وأراضينا وأعمالنا»، يقول وائل، أحد النازحين من إحدى قرى الساحل السوري. ناجون تُركوا في الظل بينما تسود الفوضى أماكنَ النزوح، يحاول «أبو حسين»، الذي نزح قبل تفاقم مجازر الساحل السوري من قرية عرزة في حماة، توثيق أعداد النازحين، وهي المهمة التي لم تقم بها أي جهة رسمية أو منظمة إنسانية بعد، موضحاً أن العنف الطائفي بدأ قبل 6 آذار. تجاهل أممي للمعاناة ولم تتجاوز استجابة معظم المنظمات الدولية حدود التوثيق «لم تبدأ المنظمات بالقدوم إلينا إلا قبل 15 يوماً فقط»، يقول أبو حسين لـ«الأخبار». ويضيف: «جاء الصليب الأحمر ، وأطباء بلا حدود، وكاريتاس التي تقدّم وجبة واحدة فقط في اليوم بدلاً من ثلاث والمجلس الدنماركي، والمنظمات النرويجية. هذا كل شيء. أقوم بتسجيل العائلات هنا وأتابع الوافدين الجدد (…) للتوّ وصلت ثلاث عائلات، وبذلك يصبح العدد الإجمالي في هذه المدرسة والمنازل الثلاثة المجاورة 68 عائلة، لكن هناك المزيد في قرى أخرى. العدد الإجمالي للأشخاص هنا هو 303». ورغم معاناتهم، لم تتجاوز استجابة معظم المنظمات الدولية حدود التوثيق. عندما تزور تلك المنظمات المكان، تقضي بضع دقائق في طرح الأسئلة ثم تختفي. خلال إحدى الزيارات، بقي فريق من «اليونيسف» خمس دقائق فقط داخل المسجد قبل المغادرة. كما شوهد شخص يرتدي سترة تحمل علم الاتحاد الأوروبي يجري مسحاً للأوضاع مع «أبو حسين»، لكن مصير هذه البيانات يبقى مجهولاً. ورداً على سؤال لـ«الأخبار» حول طبيعة تدخّلها، أجاب المكتب الإقليمي لـ«اليونيسف» في لبنان أنه «في إطار الاستجابة الطارئة من اليونيسف للأطفال النازحين حديثاً من سوريا إلى شمال لبنان، تقوم المنظمة وشركاؤها بتوفير مستلزمات النظافة الأساسية للعائلات والأطفال، وتوفير مياه شرب آمنة، وخدمات الصحة والتغذية، وملابس للأطفال، وأنشطة الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال». «ماذا تقدّمون لي كبديل؟» المدنيون النازحون يواجهون تناقضاً قاسياً، إذ يتم وصفهم بأنهم «فلول نظام» رغم أن معظمهم لم يكن لهم أي دور في نظام الأسد من الأساس. فالعلويون، كغيرهم من السوريين، كانوا أيضاً ضحايا للقمع، وتعرّض كثر منهم للاعتقال القسري والاضطهاد. «كيف يمكن أن يكون طفل أو مزارع يبلغ من العمر 70 عاماً من فلول النظام؟ هؤلاء المجرمون ليسوا بشراً. وحتى لو قبضوا على فلول نظام، هل يتم التعامل معهم هكذا؟» يسأل عامر، المحامي السوري الذي اضطر إلى ترك مهنته. ويضيف: «أنا محامٍ، لكن لا يمكنني العمل في مجالي لأنني خدمت في الجيش السوري منذ زمن بعيد… وكأننا كنا نملك خياراً بعدم الخدمة». أما «أبو حسين»، فيطرح سؤالاً آخر: «سيقولون لك إن الأسد كان جزاراً. أفهم ذلك. لكن ماذا تقدّمون لي كبديل أفضل مما كان يفعله الأسد؟». بالنسبة إلى من نجوا من المجازر، لا تزال الحياة معركة يومية ليس فقط داخل سوريا، بل حتى بعد النزوح. يتحدث «أبو حسين» عن حرب مزدوجة تُشنّ على أبناء الساحل، الأولى بالقتل المباشر من قبل فصائل مسلحة متشددة، والثانية بالحصار الاقتصادي والتجويع من قبل إدارة الدولة الانتقالية الحالية. هذه الحرب تضعنا أمام خيارين: القتل أو التجويع حتى الموت». ورغم قلة المساعدات، يحاول سكان البلدات اللبنانية الشمالية تقديم يد العون من خلال توفير الطعام والملابس والفرش. و«ما رأيناه من أهل هذه القرى لم نرَه من أبناء شعبنا أنفسهم»، يقول «أبو حسين» بحرقة، و«ما نأكله هنا في المدرسة لم نكن نأكله في منازلنا. ليس لأننا لم نكن نريد، بل بسبب الجوع والفقر». بالنسبة إلى النازحين في المسعودية، فالعودة إلى الديار ليست خياراً على الأقل، ليس من دون تدخل دولي كما يوضح «أبو حسين»، إذ «لا يمكننا العودة طالما أن الجولاني في السلطة، إلا إذا حصلنا على حماية دولية. إذا قامت الأمم المتحدة بحمايتنا، فسنعود». لكن أي حماية لم تأت بعد. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تسببت المجازر بالفعل باستشهاد 4711 مدنياً، بينهم 1805 أشخاص تمّ إعدامهم علناً. في غضون ذلك، لا يزال التهجير القسري لأبناء الساحل مدفوناً تحت روايات سياسية تحوّل طائفة بأكملها إلى مجرد تصنيف سياسي، إذ يُتهم الفارّون من الإعدام بأنهم «فلول نظام»، ما يؤدي إلى محو معاناتهم بالكامل. كما أن عدّة وسائل إعلام ساهمت في هذا التعتيم، بعدما أحجمت عن نقل حجم المجازر. في المسعودية، ينتظر الناجون مصيرهم في بلد ليس موطنهم، في ظروف قاسية، ووسط تجاهل دولي مريع.