
النازحون السوريون الجدد أمام خياريْن: القتل أو الموت جوعاً
الأخبار: في بلدة المسعودية (شمال لبنان) التي تبعد أقل من كيلومتر واحد من الحدود السورية، يقيم 303 نازحين سوريين في مبنى البلدية وفي مدرسة البلدة ومسجدها وفي عدد من المنازل الخاصة، بعدما قطعوا سيراً على الأقدام معابر غير رسمية هرباً من المجازر التي وقعت في حمص وحماة واللاذقية. معاناة هؤلاء مزدوجة: أولاً، استهداف وحشي على أساس طائفي من قبل مجموعات مسلحة متطرفة منسوبة إلى وزارة الدفاع السورية الجديدة، وثانياً، صمت مطبق من المنظمات الدولية وبعض وسائل الإعلام.
وقد اندلعت موجة العنف الطائفي في مناطق الساحل وأرياف حمص وحماة بعد كمائن نُسب إلى مسلحين موالين للنظام السابق تنفيذها، في 6 آذار الجاري، ضد عناصر الأمن العام التابع للحكومة الانتقالية.
إثر ذلك، أُعلنت حالة الطوارئ وبدأت عملية عسكرية لـ«تطهير» المنطقة، سرعان ما تحوّلت إلى تطهير طائفي بلغ ذروته في مجزرة جماعية نفّذتها فصائل متطرفة انتقاماً من أبناء الطائفة العلوية الذين وُضعوا جماعياً في خانة التواطؤ مع النظام السابق.
«المنظمات تأتي وتسأل بعض الأسئلة وتغادر ولا نراها مجدداً (…) نفتقر للطعام والماء، وحتى المراحيض وكل الأساسيات.
أهل البلدة يساعدوننا قدر الإمكان، ولكن ماذا يمكنهم أن يفعلوا أكثر؟ ما نحتاج إليه هو الحماية لنتمكّن من العودة إلى بيوتنا وأراضينا وأعمالنا»، يقول وائل، أحد النازحين من إحدى قرى الساحل السوري.
ناجون تُركوا في الظل
بينما تسود الفوضى أماكنَ النزوح، يحاول «أبو حسين»، الذي نزح قبل تفاقم مجازر الساحل السوري من قرية عرزة في حماة، توثيق أعداد النازحين، وهي المهمة التي لم تقم بها أي جهة رسمية أو منظمة إنسانية بعد، موضحاً أن العنف الطائفي بدأ قبل 6 آذار.
تجاهل أممي للمعاناة ولم تتجاوز استجابة معظم المنظمات الدولية حدود التوثيق
«لم تبدأ المنظمات بالقدوم إلينا إلا قبل 15 يوماً فقط»، يقول أبو حسين لـ«الأخبار». ويضيف: «جاء الصليب الأحمر ، وأطباء بلا حدود، وكاريتاس التي تقدّم وجبة واحدة فقط في اليوم بدلاً من ثلاث والمجلس الدنماركي، والمنظمات النرويجية. هذا كل شيء. أقوم بتسجيل العائلات هنا وأتابع الوافدين الجدد (…) للتوّ وصلت ثلاث عائلات، وبذلك يصبح العدد الإجمالي في هذه المدرسة والمنازل الثلاثة المجاورة 68 عائلة، لكن هناك المزيد في قرى أخرى. العدد الإجمالي للأشخاص هنا هو 303».
ورغم معاناتهم، لم تتجاوز استجابة معظم المنظمات الدولية حدود التوثيق. عندما تزور تلك المنظمات المكان، تقضي بضع دقائق في طرح الأسئلة ثم تختفي. خلال إحدى الزيارات، بقي فريق من «اليونيسف» خمس دقائق فقط داخل المسجد قبل المغادرة.
كما شوهد شخص يرتدي سترة تحمل علم الاتحاد الأوروبي يجري مسحاً للأوضاع مع «أبو حسين»، لكن مصير هذه البيانات يبقى مجهولاً.
ورداً على سؤال لـ«الأخبار» حول طبيعة تدخّلها، أجاب المكتب الإقليمي لـ«اليونيسف» في لبنان أنه «في إطار الاستجابة الطارئة من اليونيسف للأطفال النازحين حديثاً من سوريا إلى شمال لبنان، تقوم المنظمة وشركاؤها بتوفير مستلزمات النظافة الأساسية للعائلات والأطفال، وتوفير مياه شرب آمنة، وخدمات الصحة والتغذية، وملابس للأطفال، وأنشطة الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال».
«ماذا تقدّمون لي كبديل؟»
المدنيون النازحون يواجهون تناقضاً قاسياً، إذ يتم وصفهم بأنهم «فلول نظام» رغم أن معظمهم لم يكن لهم أي دور في نظام الأسد من الأساس. فالعلويون، كغيرهم من السوريين، كانوا أيضاً ضحايا للقمع، وتعرّض كثر منهم للاعتقال القسري والاضطهاد.
«كيف يمكن أن يكون طفل أو مزارع يبلغ من العمر 70 عاماً من فلول النظام؟ هؤلاء المجرمون ليسوا بشراً. وحتى لو قبضوا على فلول نظام، هل يتم التعامل معهم هكذا؟» يسأل عامر، المحامي السوري الذي اضطر إلى ترك مهنته. ويضيف: «أنا محامٍ، لكن لا يمكنني العمل في مجالي لأنني خدمت في الجيش السوري منذ زمن بعيد… وكأننا كنا نملك خياراً بعدم الخدمة».
أما «أبو حسين»، فيطرح سؤالاً آخر: «سيقولون لك إن الأسد كان جزاراً. أفهم ذلك. لكن ماذا تقدّمون لي كبديل أفضل مما كان يفعله الأسد؟».
بالنسبة إلى من نجوا من المجازر، لا تزال الحياة معركة يومية ليس فقط داخل سوريا، بل حتى بعد النزوح.
يتحدث «أبو حسين» عن حرب مزدوجة تُشنّ على أبناء الساحل، الأولى بالقتل المباشر من قبل فصائل مسلحة متشددة، والثانية بالحصار الاقتصادي والتجويع من قبل إدارة الدولة الانتقالية الحالية. هذه الحرب تضعنا أمام خيارين: القتل أو التجويع حتى الموت».
ورغم قلة المساعدات، يحاول سكان البلدات اللبنانية الشمالية تقديم يد العون من خلال توفير الطعام والملابس والفرش. و«ما رأيناه من أهل هذه القرى لم نرَه من أبناء شعبنا أنفسهم»، يقول «أبو حسين» بحرقة، و«ما نأكله هنا في المدرسة لم نكن نأكله في منازلنا. ليس لأننا لم نكن نريد، بل بسبب الجوع والفقر».
بالنسبة إلى النازحين في المسعودية، فالعودة إلى الديار ليست خياراً على الأقل، ليس من دون تدخل دولي كما يوضح «أبو حسين»، إذ «لا يمكننا العودة طالما أن الجولاني في السلطة، إلا إذا حصلنا على حماية دولية. إذا قامت الأمم المتحدة بحمايتنا، فسنعود».
لكن أي حماية لم تأت بعد. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تسببت المجازر بالفعل باستشهاد 4711 مدنياً، بينهم 1805 أشخاص تمّ إعدامهم علناً. في غضون ذلك، لا يزال التهجير القسري لأبناء الساحل مدفوناً تحت روايات سياسية تحوّل طائفة بأكملها إلى مجرد تصنيف سياسي، إذ يُتهم الفارّون من الإعدام بأنهم «فلول نظام»، ما يؤدي إلى محو معاناتهم بالكامل.
كما أن عدّة وسائل إعلام ساهمت في هذا التعتيم، بعدما أحجمت عن نقل حجم المجازر. في المسعودية، ينتظر الناجون مصيرهم في بلد ليس موطنهم، في ظروف قاسية، ووسط تجاهل دولي مريع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 39 دقائق
- النهار
نتنياهو يشتري الوقت بحفنة مساعدات لغزة... والضغط الدولي لن يثمر بلا تدخّل ترامب
بسماحه إدخال حفنة من الشاحنات المحملة بحليب الأطفال والقمح والدواء إلى قطاع غزة بعد نحو ثلاثة أشهر من الحصار المطبّق، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى شراء الوقت، وإسكات الدول التي ترفض إعادة احتلال القطاع. ويفصّل نتانياهو بين العمليات العسكرية الجارية بضراوة وقراره إدخال كمية محدودة من المساعدات الإنسانية، التي قال إن الهدف منها حماية إسرائيل ديبلوماسياً في العالم. وأسهب في شرح حيثيات قراره، عازياً إياه إلى ضغوط من "الأصدقاء المقربين من إسرائيل في العالم"، فضلاً عن أن داعمي الدولة العبرية في مجلس الشيوخ الأميركي أبلغوه، أنه لا يمكنهم أن يتحملوا خروج صور عن المجاعة الحادة في غزة. أما في شأن البيان الذي صدر عن 22 دولة في العالم، بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا وأوستراليا واليابان، ويهدد بـ"إجراءات ملموسة" ضد إسرائيل في حال عدم مسارعتها إلى إدخال مساعدات إنسانية ووقف هجومها، فقد عدّه نتنياهو بمثابة "جائزة ضخمة" للهجوم الذي شنته "حماس" على غلاف غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. ومع أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدفع نحو إعادة النظر في اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، فإن نتنياهو مطمئن إلى أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان سيستخدم الفيتو ضد أي محاولة لاستخدام العقوبات للضغط على تل أبيب للقبول بوقف النار وتبادل الأسرى ووقف العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية أيضاً. على الأرجح أن أكثر ما استفز الدول الموقّعة على البيان، هو أن نتنياهو جاهر الإثنين بأن هدف الحرب يتمثل في إعادة احتلال غزة بالكامل وتحقيق "النصر المطلق". وعودة الاحتلال تعني عودة الاستيطان، بما ينسجم مع ما يطالب به الوزيران المتشددان في حكومته بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير منذ بداية الحرب قبل نحو 20 شهراً. ومع أهمية تصاعد الضغط الديبلوماسي الدولي، فإن هذا الضغط لن يؤتى ثماره من دون انضمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب إليه. ولا توجد مؤشرات في الوقت الحاضر على مثل هذا الاحتمال، والحكومة الإسرائيلية تسترضي البيت الأبيض، بإبقاء الوفد الإسرائيلي المفاوض في الدوحة. والمفاوضات التي تراوح مكانها، لم تعد تدور عمّا إذا كان يتعين الإفراج عن كامل الأسرى أو عن نصفهم أو عن مدة الهدنة المفترضة. صار النقاش أصعب لأنه يبحث عن صياغة توفق بين ما يطرحه نتنياهو من إمكانية لوقف القتال من دون الذهاب إلى حد وقف الحرب. الاكتفاء بصيغة "وقف القتال" تتيح للائتلاف الحكومي الإسرائيلي البقاء على قيد الحياة، في حين أن "وقف الحرب" تعني سقوطه. في المقابل، صارت "حماس" أكثر تقبّلاً لإطلاق كامل الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات، شرط الحصول على ضمانة أميركية بأن إسرائيل ستوقف الحرب وليس وقف القتال لفترة محددة، سواء طالت أو قصرت. مهمة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، باتت أكثر تعقيداً، لأنها تقتضي التوفيق بين هذين الحدين الأقصيين لإسرائيل و"حماس". ترامب وحده القادر على إقناع نتنياهو بوقف الحرب. وحتى اللحظة لم يقرر الرئيس الأميركي التدخل في غزة، على غرار ما يفعل بين روسيا وأوكرانيا، أو كما فعل مع الهند وباكستان. تردد ترامب لا يغرق غزة بمزيد من الدماء ويجعل الجوع واقعاً يومياً معاشاً، بل يهدد بنسف ما يعتبره الرئيس الأميركي نجاحات حققها في جولته الخليجية الأسبوع الماضي، على طريق صوغ شرق أوسط "حديث". الضغط الأوروبي والدولي لا يكفي وحده، لحمل نتنياهو على التراجع عن التصعيد، طالما تؤمن له الديبلوماسية الأميركية الحماية من مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية. وهو يشعر بأن البيت الأبيض يمنحه فرصة لإثبات أن الآلة العسكرية الإسرائيلية هي التي "تغيّر" الشرق الأوسط، وليس العودة إلى الديبلوماسية.


الديار
منذ 6 ساعات
- الديار
لافروف: منظومة الأمن الأوروبي أثبتت عدم فعاليتها
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب قال وزير الخارجية سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي عقب المباحثات مع وزير خارجية أرمينيا أرارات ميرزويان، إن منظومة الأمن الأوروبي أثبتت عدم فعاليتها. وأضاف لافروف: "الأمن الأوروبي أمر يهم ويمس الجميع، ونحن نتفق في التقييم الأساسي بأن نظام الأمن الأوروبي الذي كان قائما حتى الآن أثبت عدم فعاليته، وقد ثبت ذلك منذ زمن طويل وخلال مرات كثيرة". وذكر لافروف بأن العمود الفقري للهياكل القائمة في المجال الأمني هي الهياكل الأوروبية الأطلسية. ومن بينها في المقام الأول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي كان من المفترض أن تصبح بنية شاملة للأمن، ولكن في الواقع هناك هيكل واحد يفعل كل شيء للحفاظ على موقعه المهيمن في القارة، وهو طبعا حلف الناتو، الذي يعتبر منظمة أمن وتعاون في أوروبا مجرد ستار لإخفاء نيات الحلف الحقيقية. ووفقا له، في الآونة الأخيرة، بات من الممكن كذلك النظر إلى الاتحاد الأوروبي كجزء من الهيكل الأوروبي الأطلسي، لأن هذا الاتحاد وقع اتفاقية مع الناتو وقام بتخويله بجزء كبير من صلاحياته في المجال الأمني. وأشار الوزير إلى أنه تجري في الوقت الراهن عملية نشطة لعسكرة الاتحاد الأوروبي نفسه. ونوه لافروف بأن الناتو رفض إضافة الطابع القانوني والتشريعي، على الالتزامات السياسية بشأن عدم قابلية الأمن للتجزئة، والتي صيغت في قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في اسطنبول عام 1999. وطبعا لم تتمكن "آليات الأمن الفاشلة" من العمل بشكل ناجع خلال الاشتباكات الدموية التي رافقت تفكك يوغوسلافيا أو خلال الأزمة الأوكرانية التي أثارها صعود نظام نازي جديد إلى السلطة بشكل غير دستوري في كييف. وشدد لافروف على أن "الهياكل الأوروبية الأطلسية فقدت مصداقيتها". وبحسب الوزير الروسي، يبدو الآن أن الولايات المتحدة تشعر بخيبة أمل تجاه هذه الهياكل أيضا، وتدل على ذلك تصريحات إدارة دونالد ترامب التي تؤكد ضرورة أن تكون أوروبا أكثر مسؤولية عن شؤونها الخاصة، بينما للولايات المتحدة أولويات في مناطق أخرى من العالم.


الديار
منذ 6 ساعات
- الديار
رومانيا: طعن في نتائج انتخابات الرئاسة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أعلن المرشح اليميني، جورج سيميون، الذي خسر إعادة الانتخابات الرئاسية في رومانيا، أنّه طلب من المحكمة العليا إلغاء نتائج الانتخابات، زاعماً أنّ التدخل الأجنبي والتلاعب المنسق أثّرا في التصويت الذي جرى يوم الأحد. واعترف سيميون (38 عاماً)، زعيم حزب تحالف وحدة الرومانيين، بالهزيمة، بعد خسارته في جولة الإعادة، أمام نيكوسور دان، عمدة بوخارست، الذي حصل على 53.6% من الأصوات، بهامش يزيد على 829 ألف صوت. وصرح سيميون، في بيان، أنّه قدّم طلبًا إلى المحكمة الدستورية الرومانية لإلغاء التصويت، مدّعياً أنّ لديه "أدلة دامغة" على تدخل فرنسا ومولدوفا و "جهات فاعلة أخرى" في الاقتراع. كما ادّعى أنّ "أشخاصاً متوفين" شاركوا في التصويت. وقال إنّ هناك "جهدًا منظمًا للتلاعب بالمؤسسات وتوجيه روايات وسائل الإعلام، وفرض نتيجة في نهاية المطاف لا تعكس الإرادة السيادية للشعب الروماني". وأُجريت انتخابات رئاسية، يوم الأحد، بعد أشهر من إلغاء المحكمة العليا الانتخابات السابقة، التي قاد فيها المرشح اليميني المتطرف، كالين جورجيسكو، الجولة الأولى، في أعقاب مزاعم بانتهاكات انتخابية وتدخل روسي، وهو ما نفته موسكو. وحقق نيكوسور دان، رئيس بلدية بوخارست الوسطي، فوزًا في انتخابات الرئاسة الرومانية بحسب نتائج شبه نهائية. ولجأ العديد من الرومانيين إلى تكثيف المشاركة في اقتراع اعتبر محوريًا لمستقبل البلاد، خاصةً بعد الإلغاء غير المعتاد للانتخابات السابقة. وارتفعت نسب التصويت لتبلغ 65%، بالمقارنة مع 53% فقط في الجولة الأولى. وتعدّ رومانيا، التي يبلغ سكانها 19 مليون نسمة، عضوًا في الاتحاد الأوروبي وجارة مباشرة لأوكرانيا، ما أكسبها أهمية إضافية ضمن حلف الأطلسي منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022.