أحدث الأخبار مع #«دونكيشوت»


الوسط
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- أعمال
- الوسط
«ملك التخفيضات» في اليابان يستقطب السكان والسياح
في الممرات الضيقة لأحد المتاجر الكبرى في طوكيو، يتزاحم مئات السائحين لملء سلالهم بالوجبات الخفيفة والأدوات الإلكترونية وغيرها من الهدايا التذكارية على أنواعها، قبل أن يصطفوا في طوابير أمام صناديق الدفع في «دون كيشوت»، «ملك التخفيضات» في اليابان. تغص رفوف متجر «دون كيشوت» المعروف أيضا بـ«دونكي» بمنتجات متنوعة وخارجة عن المألوف في آن، من رقائق بطاطا إلى مستحضرات تجميل وأزياء غريبة وأجهزة منزلية، وفق وكالة «فرانس برس». وقد حطمت سلسلة المتاجر ذات الأسعار المخفضة والتي أسسها تاكاو ياسودا في ثمانينيات القرن العشرين، قواعد تجارة التجزئة اليابانية مع ساعات عمل تستمر حتى وقت متأخر من الليل وأجواء فوضوية. في حديث عبر وكالة «فرانس برس»، قال موتوكي هارا، مدير خدمة الزبائن في «دون كيشوت» إن ياسودا الذي كان متأثرا بالشخصية المثالية لدون كيشوت في كتاب الروائي الإسباني سيرفانتس، حدد هدفا لنفسه بـ«التفوق على متاجر السوبرماركت الكبرى في تلك الحقبة من خلال أفكار جديدة وأساليب مبتكرة» وتابع وهو يقف أمام كومة من البسكويت بنكهة الشوكولا إن تجربة التسوق مصممة لتكون بمثابة «بحث حقيقي عن الكنز»، مضيفا «تنتهي عملية التسوق بشراء منتجات مختلفة عما كان الزبون يخطط لشرائه». «التسوق الممتع» تجذب تجربة «التسوق الممتع» هذه أعدادا كبيرة من الأجانب، الذين يستفيدون من تراجع الين والأسعار المنخفضة للماركات. وفي حديث إلى وكالة «فرانس برس»، قال الأميركي غاريت براين (27 سنة) وهو يحمل كيسا مليئا بالهدايا التذكارية «اشتريت سلعا كثيرة بسبعين دولارا فقط». وقال البرازيلي برونو بوسي «إنه نوع المتاجر التي يمكنك شراء أي شيء تريده منها. ولكن عليك أن تتساءل في الوقت نفسه ما إذا كنت بحاجة بالفعل إلى السلعة». في آخر طبقة من المتجر، يمتد طابور طويل أمام نقاط الدفع. وتعتزم سلسلة «دون كيشوت« افتتاح متجرين جديدين العام المقبل، مخصصين للأجانب، مع مجموعة من المنتجات المعفاة من الضرائب. وقال مؤسس شركة «جابان آي كيو» الاستشارية بول كرافت لوكالة فرانس برس إن «السائحين يحبون التسوق وشراء الهدايا التذكارية»، والأهم من ذلك «يحبون شراء كل شيء دفعة واحدة حتى يتمكنوا من الاستمتاع ببقية رحلتهم وبالهم مرتاح». وبالإضافة إلى الزبائن من شرق آسيا، «ارتفعت منذ جائحة «كوفيد»، أعداد العملاء من أوروبا والولايات المتحدة بشكل كبير أيضا»، بحسب هاتا. وهو أشار إلى أن هذا التدفق العالمي ساهم في زيادة إجمالي الإيرادات الذي أصبح حاليا «أعلى بنحو 1.7 مرة مما كان عليه قبل الجائحة». و«دون كيشوت» هي الماركة الرئيسية لمجموعة «بان باسيفيك إنترناشونال هولدينغز» (PPIH) اليابانية التي بلغ حجم مبيعات متاجر «الأسعار المخفضة» التابعة لها تسعة مليارات دولار (1318.6 مليار ين) للسنة المالية 2024، مما شكل زيادة بنحو 12% على أساس سنوي.وبلغت مبيعات السلع المعفاة من الضرائب 812 مليون دولار (117.3 مليار ين)، بفضل السياح من كوريا الجنوبية (28.3%) والصين (18.5%) ودول جنوب شرق آسيا (18.3%). قدرة على التكيف تسعى «دون كيشوت» أيضا إلى زيادة معدل زبائنها المحليين والاحتفاظ بهم، في ظل تسارع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في اليابان (باستثناء المنتجات الطازجة) في مارس بنسبة 3.2% على أساس سنوي. وقال بول كرافت «إن ما يجذب (اليابانيين) هو توفر المنتجات والوعد بالحصول على صفقة جيدة، وهي مسألة مهمة جدا في المرحلة الراهنة». وقد دفع التضخم بعض المستهلكين إلى اختيار هذه السلسلة لمنتجات مثل مستحضرات التجميل والأجهزة المنزلية. وقالت كوروكي، وهي من سكان طوكيو وتتسوق من «دون كيشوت» مرة إلى مرتين في الأسبوع، لوكالة فرانس برس «إنه أرخص من أي متجر آخر، ويضم أيضا منتجات لماركات». يشتري شوجي راكو (20 عاما) من «دون كيشوت« «الشامبو، والإلكترونيات، وأي سلعة لا يمكن العثور عليها في أي متجر آخر». وفي السنة المالية 2024، افتتحت المجموعة 24 متجر «دون كيشوت» ومتاجر مماثلة ولديها 501 فرع في اليابان. لكن آثار الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تلقي بظلالها على استراتيجية التوسع التي تنتهجها الشركة والتي تعول على 110 متاجر على المستوى العالمي، تحت كيانات أخرى، بما في ذلك 64 متجرا في أميركا الشمالية. وقال كرافت «أعتقد أن (الرسوم الجمركية) قد تؤثر بالتأكيد على (الشركة) بسبب استيراد منتجات من اليابان». وأضاف «لكن هناك أمر واحد مؤكد: لن أراهن مطلقا ضد دون كيشوت. لا أحد في القطاع الياباني يتكيف بهذه السرعة مثلها لأنها تمنح متاجرها قدرا كبيرا من الاستقلالية». وفي ظل منافسة الشركات العمالقة في قطاع تجارة التجزئة مثل «إيون» في اليابان أو «أمازون« عبر الإنترنت، تتميز «دون كيشوت» بنموذج أعمالها الذي «لا يقلد» تقريبا، بحسب كرافت. وقال موتوكي هارا «من ناحية كمية المنتجات، لا يمكننا التنافس مع أمازون أو راكوتن، لكن مفهومنا يعتمد على القدرة على تقديم منتجات غير متوقعة يكتشفها الزبائن ويقدرونها»، مضيفا «هذه هي قوتنا».


نافذة على العالم
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- نافذة على العالم
ثقافة : كيف للفكاهة أن تجعل الحياة محتملة.. كتاب "رجال ونساء.. قصص وطرائف"
الثلاثاء 22 أبريل 2025 06:00 صباحاً نافذة على العالم - صدر حديثًا عن دار الآن ناشرون وموزعون، كتاب بعنوان "رجال ونساء.. قصص وطرائف"، للكاتب والباحث المغربي محمد محمد الخطابي. والكاتب جمع بين دفتيه عشرات الحكايات والقصص، والنوادر والطرائف، والمستملحات من الشرق والغرب، تعكس مدى قدرة الإنسان على إيجاد وسائل للتسلية والتسري، وخلق فرص للضحك والفكاهة، وتوفير أسباب السعادة والانشراح من كل نوع. غلاف رجال ونساء وفي أجواء الكتاب: الطرفة وعالمها؛ تشكل الطرفة أو المستملحة، من دون شك موهبةً وانشراحاً ومرَحاً لدى الإنسان، إلا أن ذلك غير كاف لوحده لخلق الفن الجيد، بل ينبغي لهذه الطرائف والمستملحات أن تكون مليئة بالمحتوى الثري، والرموز الدالة العميقة، فالطرفة الحلوة تنير الأفكار، وتصقل العقول، وتضفي على سامعيها بريقاً مشعاً، وسحراً آسراً، وتجعل هذه الأفكار مقبولة ومحبوبة، تستكين في الذاكرة، وتقبع في الوجدان، مستساغة، طيعة مطواعة، وعليه فلا السباب ولا الإهانة لديها مثل هذه القوة، التي تتوفر عليها الفكاهة المرحة، والتسلية العميقة. السخرية فن قديم، يحفل الأدب القديم منذ الإغريق والرومان والفرس والهنود، والأدب العربي والعالمي قديمه وحديثه بكتابات ضافية متنوعة، وبقصص وحكايات، وأساطير ونصوص غابرة في القدم، مُترعة بأساليب السخرية والتهكم، ومُفعمة بالطرائف والنوادر، رواها العديد من المؤلفين والكتاب في إبداعاتهم على اختلاف أشكالها، وتباين ألوانها، في قوالب قصصية وشعرية ومسرحية، وفي سواها من الأغراض الإبداعية الأخرى، والواقع أن الأدب الفكاهي لم يخلُ منه عصر من العصور. الفكاهة على مرّ العصُور؛ ونجد في العصر الحديث في مختلف البلدان العربية غير قليل من الكتاب ممن اشتهروا بهذا الأسلوب الفكاهي المرح، نذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر في مصر، إبراهيم عبد القادر المازني، وعبد العزيز البِشري، كما اشتهر كتاب عرب آخرون في مختلف البلدان العربية من المحيط إلى الخليج بهذا النوع من الأدب، وهناك جمهرة من الكتاب العالميين الذين اشتهروا بهذا الصنف من الأدب الساخر، نذكر منهم على سبيل المثال كذلك من البريطانيين جوناثان سويفت، تشارلز ديكنز، جورج أورويل، والكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو، والقاص الغواتيمالي أوجوستو مونتيروسُو، والشاعر التشيلي نيكانور بارا، والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، كما اشتهر في فرنسا بهذه الخاصية كتاب من قبيل فرانسوا رابولي، ونيكولا بوالو، وبلزاك، وفيكتور هوغو، وإميل زولا، وفولتير، وموليير، وفي إيطاليا نجد جيوفاني بوكاتشيو، وتيوفيلو فولينغو، وسواهم، وفي إسبانيا نجد ميغيل دي سيرفانتيس صاحب رواية «دونكيشوت» التي تزخر بشتى أنواع السخرية والمرح والخيال، وشيخ المسرحيين الإسبان لوبي دي فيغا، ورامون ماريا دي فاييي إنكلان، وخوان رويث أرثيبيتسي دي إيتا، وخوسيه كادالسُو، وتراشقات الشاعريْن الإسبانيين كيفيدو، وغونغورا، وغيرهم.

مصرس
١٦-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- مصرس
لكي لا نزرع في الماء ونُحارب طواحين الهواء
التمييز بين ما هو كائن (الواقع) وما ينبغي أن يكون (المثال) وبين ما يُمكن أن يتحقق مما ينبغي أن يكون (الممكن) في ضوء الإمكانات والمرحلة التاريخية وفقه الواقع والأولويات وفهم الواجب فيهما، تمييز ضروري لكل مثقف أو سياسي يتصدى للعمل العام، ويسعى لأن يكون فاعلًا ومؤثرًا وفارقًا في سياق عمله ومجتمعه وعصره. وبغياب هذا التمييز يُصبح المثقف أو السياسي- رغم عدالة قضيته ونبل دوافعه وغاياته- مثل مَن يحرث في الماء لتنتهي جهوده بالفشل وحياته بخيبة الأمل وسخرية أو شفقة المحيطين به. أكبر دليل على ذلك هو «النبيل دون كيشوت» بطل الرواية الإسبانية الشهيرة التي حملت اسم «النبيل البارع دون كيشوت دالامنتشا»، التي تُعد إحدى أهم كلاسيكيات الأدب العالمي، وقد كتبها الأديب الإسباني «ميغيل دي ثيربانتس» في الربع الأول من القرن السابع عشر الميلادي ليحكي بشكل خفي وساخر بعضًا من سيرته الذاتية، وجوانب من مظاهر خيبة أمله وفشل في عيش وتحقيق أحلامه ومثله العليا في الحياة.تتناول الرواية علاقة الإنسان المسكون بالمثل العليا وقيم الفروسية وفكرة البطولة والواجب مع عالمه ومتغيرات الواقع الذي يعيش فيه؛ فالبطل دون كيشوت رجل تشبع بالمثل العليا والقيم النبيلة نتيجة إدمانه منذ صباه وشبابه قراءة كتب البطولة والفروسية، ولهذا خرج ممتطيًا صهوة جواده ومعه سيفه، برفقة مساعده وحامل رمحه الفلاح البسيط «سانشو بانثا» ليدافع عن المظلومين، ويواجه العمالقة وقوى الشر والقبح حوله، وليصنع بطولاته وأساطيره الشخصية ومجده الذي سوف يُخلد اسمه.ورغم أنه عاش في عصر فرغ من العمالقة المتجبرين الذين تحدثت عنهم كتب وحكايات القدماء، ولم يعد في بيئته كائنات ضخمة سوى طواحين الهواء؛ فقد أصر دون كيشوت على ممارسة دور الفارس النبيل المدافع عن حياة وحقوق الجماهير، وقام بمصارعة طواحين الهواء متصورًا أنهم عمالقة؛ فخاض بذلك معارك صفرية لم تؤدِ إلى شيء سوى إثارة سخرية وشفقة المحيطين به.وفي حقيقة الأمر، إن صديقنا دون كيشوت- رغم سمو دوافعه وغايته، ورغم أنه يمثل كل ما هو رقيق ونقي وغير أناني وشهم- هو إنسان غافل عن عصره وواقعه ومتغيرات عالمه، وقد ضللته قراءة الكتب، ولهذا خاض المعركة الخطأ مع العدو الخطأ في الزمان الخطأ، فأضاع عمره فيما لا منفعة منه، وجعل سيرته وحكايته دراما إنسانية مثيرة للضحك والشفقة والتأمل والتعلم.والمفارقة العجيبة أن رواية «دون كيشوت» التي كتبها «ميغيل دي ثيربانتس» ليسخر من ذاته وخياراته ومثله العليا، قد صنعت نجومية وشهرة البطل والمؤلف، وخلدت اسمهما في تاريخ الآداب العالمية بعد أن أصبحت من أهم الأعمال الأدبية على مر العصور وميراثًا أدبيًا وإنسانيًا.وأظن اليوم أن قراءة الرواية والتأمل في حياة بطلها ومصيره، واستخلاص الدروس الإنسانية والفكرية منها أمر لا غنى عنه لكل مفكر ومثقف وسياسي يطمح إلى التأثير والتغير في مجتمعه وعصره، وجعل ما ينبغي أن يكون هو الكائن بالفعل.من أهم تلك الدروس أن نبل الشخصية ونبل الدوافع والغايات غير كافيان لنصرة القضايا العادلة ونصرة الحق وأهله، وأن الذكاء والدهاء وشمول الرؤية ودقة فهم الواقع وتفاصيله، والعالم ومتغيراته، وحساب موازين القوى فيهما، والتمييز بين الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية، واختيار لغة وآليات التعبير والنضال المناسبة للعصر، ضرورة لا غنى عنها لكل صاحب قضية وطنية وإنسانية، حتى لا يُبدد حياته وأحلامه بلا طائل في معارك طواحين الهواء.وأظن أن الخطأ التراجيدي الذي ارتكبه دون كيشوت، ويجب التوقف عنده والاستفادة منه، أنه رغم سمو دوافعه وغاياته كان غافلًا عن واقعه، ولم يستوعب متغيرات عصره، ولم يفهم أن زمن الفروسية القديم قد أصبح من الماضي، وأن شكل العدو وآليات الصراع وآليات نصرة الحق ونشر الحقيقة قد تغيروا بالكامل عن العصور الماضية التي أدمن قراءة قصص وحكايات أبطالها.ولهذا فقد عاش دون كيشوت وخاض معارك عصره بتصورات وأفكار ولغة وآليات عصر سابق؛ فاخترع أعداءً متوهمين، ودخل في معارك مع طواحين الهواء، فابتذل قضيته العادلة وهزمها بيده، ولم يجن سوى ضياع العمر وخيبة الأمل، وسخرية الأعداء وشفقة المحبين له.وفصل المقال؛ إن دون كيشوت في حقيقة الأمر ليس شخصية أدبية أو تاريخية من الماضي، بل هو شخصية مفهومية ونموذجًا إنسانيًا موجود بيننا ويعيش في كل العصور والمجتمعات؛ ويجب على «دون كيشوت الجديد» أن يتعلم من حياة ومصير «دون كيشوت القديم»، بأن يتخلص من الأوهام، وأن يُعيد فهم ذاته وإمكاناته وحقيقة دوره، وفهم متغيرات العصر والواقع والعالم من حوله، وأن يتحرر من سجن الكتب واعتبارها المصدر الوحيد للمعرفة، وأن يفهم ويتعلم من التجربة والممارسة العملية والانغماس في تيار الحياة ذاتها، ليميز بدقة بين الواقع والمثال والممكن وهو يسعى للتأثير والإصلاح.


مصراوي
١٦-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- مصراوي
لكي لا نزرع في الماء ونُحارب طواحين الهواء
التمييز بين ما هو كائن (الواقع) وما ينبغي أن يكون (المثال) وبين ما يُمكن أن يتحقق مما ينبغي أن يكون (الممكن) في ضوء الإمكانات والمرحلة التاريخية وفقه الواقع والأولويات وفهم الواجب فيهما، تمييز ضروري لكل مثقف أو سياسي يتصدى للعمل العام، ويسعى لأن يكون فاعلًا ومؤثرًا وفارقًا في سياق عمله ومجتمعه وعصره. وبغياب هذا التمييز يُصبح المثقف أو السياسي- رغم عدالة قضيته ونبل دوافعه وغاياته- مثل مَن يحرث في الماء لتنتهي جهوده بالفشل وحياته بخيبة الأمل وسخرية أو شفقة المحيطين به. أكبر دليل على ذلك هو «النبيل دون كيشوت» بطل الرواية الإسبانية الشهيرة التي حملت اسم «النبيل البارع دون كيشوت دالامنتشا»، التي تُعد إحدى أهم كلاسيكيات الأدب العالمي، وقد كتبها الأديب الإسباني «ميغيل دي ثيربانتس» في الربع الأول من القرن السابع عشر الميلادي ليحكي بشكل خفي وساخر بعضًا من سيرته الذاتية، وجوانب من مظاهر خيبة أمله وفشل في عيش وتحقيق أحلامه ومثله العليا في الحياة. تتناول الرواية علاقة الإنسان المسكون بالمثل العليا وقيم الفروسية وفكرة البطولة والواجب مع عالمه ومتغيرات الواقع الذي يعيش فيه؛ فالبطل دون كيشوت رجل تشبع بالمثل العليا والقيم النبيلة نتيجة إدمانه منذ صباه وشبابه قراءة كتب البطولة والفروسية، ولهذا خرج ممتطيًا صهوة جواده ومعه سيفه، برفقة مساعده وحامل رمحه الفلاح البسيط «سانشو بانثا» ليدافع عن المظلومين، ويواجه العمالقة وقوى الشر والقبح حوله، وليصنع بطولاته وأساطيره الشخصية ومجده الذي سوف يُخلد اسمه. ورغم أنه عاش في عصر فرغ من العمالقة المتجبرين الذين تحدثت عنهم كتب وحكايات القدماء، ولم يعد في بيئته كائنات ضخمة سوى طواحين الهواء؛ فقد أصر دون كيشوت على ممارسة دور الفارس النبيل المدافع عن حياة وحقوق الجماهير، وقام بمصارعة طواحين الهواء متصورًا أنهم عمالقة؛ فخاض بذلك معارك صفرية لم تؤدِ إلى شيء سوى إثارة سخرية وشفقة المحيطين به. وفي حقيقة الأمر، إن صديقنا دون كيشوت- رغم سمو دوافعه وغايته، ورغم أنه يمثل كل ما هو رقيق ونقي وغير أناني وشهم- هو إنسان غافل عن عصره وواقعه ومتغيرات عالمه، وقد ضللته قراءة الكتب، ولهذا خاض المعركة الخطأ مع العدو الخطأ في الزمان الخطأ، فأضاع عمره فيما لا منفعة منه، وجعل سيرته وحكايته دراما إنسانية مثيرة للضحك والشفقة والتأمل والتعلم. والمفارقة العجيبة أن رواية «دون كيشوت» التي كتبها «ميغيل دي ثيربانتس» ليسخر من ذاته وخياراته ومثله العليا، قد صنعت نجومية وشهرة البطل والمؤلف، وخلدت اسمهما في تاريخ الآداب العالمية بعد أن أصبحت من أهم الأعمال الأدبية على مر العصور وميراثًا أدبيًا وإنسانيًا. وأظن اليوم أن قراءة الرواية والتأمل في حياة بطلها ومصيره، واستخلاص الدروس الإنسانية والفكرية منها أمر لا غنى عنه لكل مفكر ومثقف وسياسي يطمح إلى التأثير والتغير في مجتمعه وعصره، وجعل ما ينبغي أن يكون هو الكائن بالفعل. من أهم تلك الدروس أن نبل الشخصية ونبل الدوافع والغايات غير كافيان لنصرة القضايا العادلة ونصرة الحق وأهله، وأن الذكاء والدهاء وشمول الرؤية ودقة فهم الواقع وتفاصيله، والعالم ومتغيراته، وحساب موازين القوى فيهما، والتمييز بين الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية، واختيار لغة وآليات التعبير والنضال المناسبة للعصر، ضرورة لا غنى عنها لكل صاحب قضية وطنية وإنسانية، حتى لا يُبدد حياته وأحلامه بلا طائل في معارك طواحين الهواء. وأظن أن الخطأ التراجيدي الذي ارتكبه دون كيشوت، ويجب التوقف عنده والاستفادة منه، أنه رغم سمو دوافعه وغاياته كان غافلًا عن واقعه، ولم يستوعب متغيرات عصره، ولم يفهم أن زمن الفروسية القديم قد أصبح من الماضي، وأن شكل العدو وآليات الصراع وآليات نصرة الحق ونشر الحقيقة قد تغيروا بالكامل عن العصور الماضية التي أدمن قراءة قصص وحكايات أبطالها. ولهذا فقد عاش دون كيشوت وخاض معارك عصره بتصورات وأفكار ولغة وآليات عصر سابق؛ فاخترع أعداءً متوهمين، ودخل في معارك مع طواحين الهواء، فابتذل قضيته العادلة وهزمها بيده، ولم يجن سوى ضياع العمر وخيبة الأمل، وسخرية الأعداء وشفقة المحبين له. وفصل المقال؛ إن دون كيشوت في حقيقة الأمر ليس شخصية أدبية أو تاريخية من الماضي، بل هو شخصية مفهومية ونموذجًا إنسانيًا موجود بيننا ويعيش في كل العصور والمجتمعات؛ ويجب على «دون كيشوت الجديد» أن يتعلم من حياة ومصير «دون كيشوت القديم»، بأن يتخلص من الأوهام، وأن يُعيد فهم ذاته وإمكاناته وحقيقة دوره، وفهم متغيرات العصر والواقع والعالم من حوله، وأن يتحرر من سجن الكتب واعتبارها المصدر الوحيد للمعرفة، وأن يفهم ويتعلم من التجربة والممارسة العملية والانغماس في تيار الحياة ذاتها، ليميز بدقة بين الواقع والمثال والممكن وهو يسعى للتأثير والإصلاح.