أحدث الأخبار مع #«معهدرويترز


اليمن الآن
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- اليمن الآن
بأية حال عُدت يا يوم الصحافة؟
بأية حال عُدت يا يوم الصحافة؟ قبل 1 دقيقة قبل يومين، كان العالم يحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من مايو (أيار) من كل عام. ولكن هذا الاحتفال يأتي هذه المرة بينما تبلغ حرية الصحافة «أسوأ مستوياتها على الإطلاق»، وتواجه «تهديداً غير مسبوق»، في الوقت الذي يُهيمن فيه الغموض على مستقبلها. لذلك، لن يكون مُستغرباً إذا استدعى الصحافيون، والمؤمنون بحرية الصحافة عموماً، بيت المتنبي الشهير الذي قال فيه: عيد بأية حال عُدت يا عيد... بما مضى أم بأمر فيك تجديد. في هذا اليوم، يحتفي الصحافيون، والمؤمنون بالمعايير الإنسانية والمهنية والأخلاقية التي تحكم عمل الصحافة، بيومها العالمي، بينما تعاني من أوضاع كارثية؛ إذ يستمر قتل الصحافيين في غزة بلا هوادة، ليخرق الأسقف كلها، ويبلغ مستويات قياسية، وتنتقل الضغوط التي يواجهها الصحافيون ومؤسساتهم من العالم الثالث، لتظهر بوضوح في ديمقراطيات عريقة، بينما تستمر وسائل «التواصل الاجتماعي»، ومعها مُستحدثات الذكاء الاصطناعي، في تغيير عالم الإعلام، وإرباك مستقبله. يقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في الرسالة التي وجهها احتفاء بتلك المناسبة: «تواجه حرية الصحافة في الوقت الراهن تهديداً غير مسبوق، بينما يزداد عمل الصحافيين صعوبة وخطورة عاماً تلو الآخر؛ حيث يتعرضون للاعتداءات والاحتجاز والرقابة والترهيب والعنف والموت، لمجرد قيامهم بعملهم، ويزداد عدد القتلى في صفوفهم في مناطق النزاع، ولا سيما في غزة». تظل غزة أكبر بؤرة للعنف ضد الصحافيين، منذ اندلاع هجوم «طوفان الأقصى»، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ حيث تُقدِّر المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة عدد القتلى من الصحافيين في تلك المنطقة، بما يراوح بين 170 و220، وهو رقم ضخم وغير مسبوق، وستزيد تكلفته عندما نعرف أن بعض هؤلاء الصحافيين قُتلوا مع أفراد من عائلاتهم. وفضلاً عن عمليات القتل المنهجية ضد الصحافيين، عمدت السلطات الإسرائيلية إلى غل أيدي الصحافيين الدوليين عن تغطية تفاعلات الصراع على الأرض، بينما واصلت شن هجمات قضائية وبوليسية على الصحافيين المحليين، لتجعل من عملية التغطية المُستقلة والمُتوازنة مسألة مستحيلة. ليست تلك هي كل الأنباء السيئة؛ إذ واصلت الولايات المتحدة الأميركية تحولاتها الصادمة إزاء حرية الرأي والتعبير؛ ليس فقط من خلال الأوامر التنفيذية التي استهدفت مؤسسات الإعلام العمومية، بغرض تفكيكها وقطع التمويل الحكومي عنها، ولكن أيضاً عبر تقييد عمل بعض المؤسسات الكبرى، ومنعها من أداء مهامها، فضلاً عن ممارسة ضغوط اقتصادية عليها، لجعلها غير قادرة على الاستمرار في الوفاء بدورها. تأتي تلك الأنباء السيئة كلها، في وقت يبدو مستقبل الصحافة فيه غامضاً كما لم يكن من قبل، أو هذا -على الأقل- ما أظهرته نتائج استطلاع للرأي أجراه «معهد (رويترز) لدراسات الصحافة» في وقت سابق من العام الحالي؛ حيث تراجع معدل الثقة في مستقبل الصحافة ليبلغ 41 في المائة في 2025، مقابل 47 في المائة في 2024. كان من المفترض أن ترفد وسائل «التواصل الاجتماعي» العمل الإعلامي بزخم إيجابي متجدد؛ إذ صُممت تلك الوسائل لتعزز أدوار الانفتاح والتدفق المعلوماتي، ولتمنح صوتاً لمن لا صوت له، كما قيل لنا في بدايات ظهورها. ولكن التجربة العملية أفادت بأن تلك الوسائل خضعت لعملية تحكم مركزية، عبر شركات التكنولوجيا الكبرى المُشغِّلة لها، وأنها وظفت ديناميات التفاعل، والخوارزميات، ومعايير الاستخدام، لكي تُحد من حرية الكلام، أو تؤطره، في الوقت الذي لم تُحد فيه من السطو على الوظيفة الإخبارية لوسائل الإعلام المؤسساتية، ولم تحمها من الاعتداء على ملكيتها الفكرية، عبر استخدام منتجاتها من دون تعويض مالي مناسب. أما الذكاء الاصطناعي، فبدا كسَيفٍ ذي حدين في علاقته بالصحافة؛ أحدهما نعرف إيجابياته جيداً؛ ومنها تسريع انتقال الأخبار، وتقليص التكلفة المالية لإنتاجها، وتحسين المُنتج الإخباري، ولكن حده الآخر كان مؤلماً وضاراً؛ إذ عزز ممكنات التضليل ونشر الأكاذيب، وروَّج خطاب الكراهية على أوسع النطاقات، وعمَّق خطورة عمل الخوارزميات، وضاعف أضرارها. ولذلك، فقد أفاد تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» السنوي، في نسخته الأخيرة، بأن وضع حرية الصحافة «يبلغ أسوأ مستوياته على الإطلاق في 2025؛ حيث يعيش أكثر من نصف سكان العالم في دول يُصنَّف وضعها الصحافي بأنه خطير للغاية». لم يتوقع أكثر المتشائمين إزاء مستقبل حرية الصحافة هذا السيناريو الكارثي في أسواء الكوابيس وأكثرها سوداوية، ولكن هذا ما جرى، وهكذا أضحت حرية الصحافة في بداية الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهو أمر ستكون له عواقب خطيرة. نقلا عن الشرق الاوسط


الشرق الأوسط
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
بأية حال عُدت يا يوم الصحافة؟
قبل يومين، كان العالم يحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من مايو (أيار) من كل عام. ولكن هذا الاحتفال يأتي هذه المرة بينما تبلغ حرية الصحافة «أسوأ مستوياتها على الإطلاق»، وتواجه «تهديداً غير مسبوق»، في الوقت الذي يُهيمن فيه الغموض على مستقبلها. لذلك، لن يكون مُستغرباً إذا استدعى الصحافيون، والمؤمنون بحرية الصحافة عموماً، بيت المتنبي الشهير الذي قال فيه: عيد بأية حال عُدت يا عيد... بما مضى أم بأمر فيك تجديد. في هذا اليوم، يحتفي الصحافيون، والمؤمنون بالمعايير الإنسانية والمهنية والأخلاقية التي تحكم عمل الصحافة، بيومها العالمي، بينما تعاني من أوضاع كارثية؛ إذ يستمر قتل الصحافيين في غزة بلا هوادة، ليخرق الأسقف كلها، ويبلغ مستويات قياسية، وتنتقل الضغوط التي يواجهها الصحافيون ومؤسساتهم من العالم الثالث، لتظهر بوضوح في ديمقراطيات عريقة، بينما تستمر وسائل «التواصل الاجتماعي»، ومعها مُستحدثات الذكاء الاصطناعي، في تغيير عالم الإعلام، وإرباك مستقبله. يقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في الرسالة التي وجهها احتفاء بتلك المناسبة: «تواجه حرية الصحافة في الوقت الراهن تهديداً غير مسبوق، بينما يزداد عمل الصحافيين صعوبة وخطورة عاماً تلو الآخر؛ حيث يتعرضون للاعتداءات والاحتجاز والرقابة والترهيب والعنف والموت، لمجرد قيامهم بعملهم، ويزداد عدد القتلى في صفوفهم في مناطق النزاع، ولا سيما في غزة». تظل غزة أكبر بؤرة للعنف ضد الصحافيين، منذ اندلاع هجوم «طوفان الأقصى»، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ حيث تُقدِّر المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة عدد القتلى من الصحافيين في تلك المنطقة، بما يراوح بين 170 و220، وهو رقم ضخم وغير مسبوق، وستزيد تكلفته عندما نعرف أن بعض هؤلاء الصحافيين قُتلوا مع أفراد من عائلاتهم. وفضلاً عن عمليات القتل المنهجية ضد الصحافيين، عمدت السلطات الإسرائيلية إلى غل أيدي الصحافيين الدوليين عن تغطية تفاعلات الصراع على الأرض، بينما واصلت شن هجمات قضائية وبوليسية على الصحافيين المحليين، لتجعل من عملية التغطية المُستقلة والمُتوازنة مسألة مستحيلة. ليست تلك هي كل الأنباء السيئة؛ إذ واصلت الولايات المتحدة الأميركية تحولاتها الصادمة إزاء حرية الرأي والتعبير؛ ليس فقط من خلال الأوامر التنفيذية التي استهدفت مؤسسات الإعلام العمومية، بغرض تفكيكها وقطع التمويل الحكومي عنها، ولكن أيضاً عبر تقييد عمل بعض المؤسسات الكبرى، ومنعها من أداء مهامها، فضلاً عن ممارسة ضغوط اقتصادية عليها، لجعلها غير قادرة على الاستمرار في الوفاء بدورها. تأتي تلك الأنباء السيئة كلها، في وقت يبدو مستقبل الصحافة فيه غامضاً كما لم يكن من قبل، أو هذا -على الأقل- ما أظهرته نتائج استطلاع للرأي أجراه «معهد (رويترز) لدراسات الصحافة» في وقت سابق من العام الحالي؛ حيث تراجع معدل الثقة في مستقبل الصحافة ليبلغ 41 في المائة في 2025، مقابل 47 في المائة في 2024. كان من المفترض أن ترفد وسائل «التواصل الاجتماعي» العمل الإعلامي بزخم إيجابي متجدد؛ إذ صُممت تلك الوسائل لتعزز أدوار الانفتاح والتدفق المعلوماتي، ولتمنح صوتاً لمن لا صوت له، كما قيل لنا في بدايات ظهورها. ولكن التجربة العملية أفادت بأن تلك الوسائل خضعت لعملية تحكم مركزية، عبر شركات التكنولوجيا الكبرى المُشغِّلة لها، وأنها وظفت ديناميات التفاعل، والخوارزميات، ومعايير الاستخدام، لكي تُحد من حرية الكلام، أو تؤطره، في الوقت الذي لم تُحد فيه من السطو على الوظيفة الإخبارية لوسائل الإعلام المؤسساتية، ولم تحمها من الاعتداء على ملكيتها الفكرية، عبر استخدام منتجاتها من دون تعويض مالي مناسب. أما الذكاء الاصطناعي، فبدا كسَيفٍ ذي حدين في علاقته بالصحافة؛ أحدهما نعرف إيجابياته جيداً؛ ومنها تسريع انتقال الأخبار، وتقليص التكلفة المالية لإنتاجها، وتحسين المُنتج الإخباري، ولكن حده الآخر كان مؤلماً وضاراً؛ إذ عزز ممكنات التضليل ونشر الأكاذيب، وروَّج خطاب الكراهية على أوسع النطاقات، وعمَّق خطورة عمل الخوارزميات، وضاعف أضرارها. ولذلك، فقد أفاد تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» السنوي، في نسخته الأخيرة، بأن وضع حرية الصحافة «يبلغ أسوأ مستوياته على الإطلاق في 2025؛ حيث يعيش أكثر من نصف سكان العالم في دول يُصنَّف وضعها الصحافي بأنه خطير للغاية». لم يتوقع أكثر المتشائمين إزاء مستقبل حرية الصحافة هذا السيناريو الكارثي في أسواء الكوابيس وأكثرها سوداوية، ولكن هذا ما جرى، وهكذا أضحت حرية الصحافة في بداية الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهو أمر ستكون له عواقب خطيرة.

السوسنة
٢٤-٠٣-٢٠٢٥
- السوسنة
صحافة بلا صحافيين
قبل أكثر من سنتين، طالعت في إحدى صفحات شبكة «الإنترنت»، التي تُسّوق أدوات «الذكاء الاصطناعي»، للمساعدة في كتابة المحتوى، هذه العبارة: «هل أنت كاتب تتطلع إلى توفير الوقت في البحث والصياغة؟ هل أنت محرّر تبحث عن طريقة لإنشاء محتوى مكتوب بسهولة؟ هل أنت ناشر ترغب في إضافة محتوى جديد إلى موقع (الويب) الخاص بك دون الحاجة إلى توظيف كُتّاب جدد؟ إذا كان أي من هؤلاء يصف حالتك، فإن هذا المنشور يناسبك. سنغطي أفضل مواقع الكتابة بـ(الذكاء الاصطناعي)، حتى تتمكن من البدء في إنشاء محتوى رائع اليوم».لم يكن مثل هذا الإعلان سوى ناقوس خطر يدق بقوة، ليُخبرنا أن صناعة الصحافة، بأنماطها المختلفة، وفنونها المتعددة، باتت هدفاً سهلاً لمفاعيل «الذكاء الاصطناعي»، بكل ما يعنيه ذلك من تغيير عالمها، وربما تقويض أركان إنتاجها، التي استقرت لعقود طويلة.ينطوي هذا الإعلان، كما يتضح من قراءة سطوره ذات اللغة المباشرة والسهلة، على وعد قاطع وكامل بإنشاء صحيفة متكاملة، من دون الحاجة إلى صحافيين من البشر؛ أي وعد بصحافة بلا صحافيين.لم يمر كثير من الوقت حتى قرأنا نتائج استطلاع رأي نظمه «معهد رويترز لدراسة الصحافة»، بالمشاركة مع جامعة أكسفورد، وهو الاستطلاع الذي أظهر توافقاً بين الخبراء المستطلعة آراؤهم على أن آليات «الذكاء الاصطناعي» الجديدة ستغيِّر طبيعة المحتوى المنشور تغييراً حاداً، بل إن قطاعاً منهم أفاد بأنه بحلول عام 2026 سيكون نحو 90 في المائة من المحتوى المنشور على شبكة «الإنترنت» مُنتجاً بطريقة آلية.لذلك، فلم يكن مستغرباً أن تعلن صحيفة «الـ فوجيو» الإيطالية عن مسابقة مثيرة للاهتمام بين قرائها، في شهر مارس (آذار) 2023، وفي تلك المسابقة قررت الصحيفة أن تضع بين القصص التي تنشرها بانتظام عدداً من الموضوعات التي حصلت عليها عبر توظيف تقنيات «الذكاء الاصطناعي»، بينما يكمن التحدي في قدرة القراء على تمييز تلك الموضوعات، وعند قيام أحدهم بتحديدها على نحو صحيح سيكون بإمكانه الفوز باشتراك مجاني في الصحيفة. ويبدو أن تلك المسابقة لم تُثمر عدداً كبيراً من الفائزين؛ إذ أخفق كثير من المتسابقين في تمييز المنتجات البشرية عن تلك الآلية.لقد أدى وجود مثل تلك الإعلانات بكثرة على صفحات «الإنترنت»، والتحسينات المتتالية التي تجري على أدوات «الذكاء الاصطناعي» المختلفة، وتنوعها وتعددها، إلى تحفيز بعض العاملين في قطاع الإعلام على اختبار قدرة هذا المُنتج الجديد على الوفاء بمتطلبات العمل الصحافي، وتجنيب الناشرين إنفاق الجهد والوقت والمال لتدبيج المحتوى الذي يُقدم للجمهور.ومن بين هؤلاء الذين تحمسوا لتجربة منتجات «الذكاء الاصطناعي» ليحل مكان الصحافي البشري، ستبرز صحيفة «إيل فوليو» Il Foglio الإيطالية، التي دشنت تجربة وُصفت بأنها «اختراق عالمي»، يوم الثلاثاء الماضي، حين قررت أن تصدر، على مدى شهر كامل، في أعداد مُعدة بالكامل بواسطة «الذكاء الاصطناعي».تطبع «إيل فوليو» يومياً نحو 29 ألف نسخة، وتُصنف نفسها على أنها «صحيفة جريئة»، تقدم المحتوى للجمهور بـ«طابعها الخاص»، ورغم ذلك؛ فإنها لم تجد في قيامها بهذه الخطوة مخاطرة من أي نوع، بل على العكس تماماً، فقد احتفلت بزيادة قرائها بنسبة 60 في المائة نتيجة لتجربتها تلك، وعندما سعت إلى استطلاع آراء القراء فيما أقدمت عليه، تبيَّن لها أن 90 في المائة منهم «استمتعوا بالتجربة»، وفق ما أكد مديرها كلاوديو تشيرازا.يشرح تشيرازا في مقابلة صحافية ما فعلته صحيفته لخوض تجربتها المثيرة؛ فيقول إن صحافيي الجريدة البشريين عقدوا اجتماع التحرير اليومي الاعتيادي، وبدلاً من الانطلاق لتنفيذ الأفكار التي توصلوا إليها، فإنهم كلَّفوا «تشات جي بي تي» بإنجازها، بعدما زوَّدوه بتعليمات تخص المواضيع المُختارة، ونبرة المعالجة المطلوبة؛ فنفَّذ المطلوب، وأنجز صحيفة في أربع صفحات، تتضمن 22 موضوعاً، في مجالات السياسة والأعمال والموضة، ومعها ثلاث مقالات رأي تتناول قضايا مختلفة.يؤكد تشيرازا أن تلك التجربة المثيرة عمل إيجابي يستهدف رفد الصحافة بقيمة جديدة تعتمد على الابتكار والمُستحدثات التكنولوجية، وأنها تهدف إلى «إنعاش الصحافة لا قتلها»، لكنه مع ذلك لم يخبرنا بما إذا كان سيستمر في الاعتماد على «الذكاء الاصطناعي» إذا نجحت تلك التجربة، كما لم يخبرنا عن مصير الصحافيين البشريين في هذه الحال.تلك مؤشرات واضحة وصادمة في آن. «الذكاء الاصطناعي» في طريقه ليحل محل البشر في صناعة الصحافة، وهو يفعل ذلك بشغف ونهم شديدين، ويتقدم باطراد. والأمل ألا يكون ذلك على حساب قيم والتزامات أساسية في صناعة الصحافة، التي يبدو أن البعض يراها مُمكنة من دون صحافيين.


الشرق الأوسط
٢٤-٠٣-٢٠٢٥
- الشرق الأوسط
صحافة بلا صحافيين!
قبل أكثر من سنتين، طالعت في إحدى صفحات شبكة «الإنترنت»، التي تُسّوق أدوات «الذكاء الاصطناعي»، للمساعدة في كتابة المحتوى، هذه العبارة: «هل أنت كاتب تتطلع إلى توفير الوقت في البحث والصياغة؟ هل أنت محرّر تبحث عن طريقة لإنشاء محتوى مكتوب بسهولة؟ هل أنت ناشر ترغب في إضافة محتوى جديد إلى موقع (الويب) الخاص بك دون الحاجة إلى توظيف كُتّاب جدد؟ إذا كان أي من هؤلاء يصف حالتك، فإن هذا المنشور يناسبك. سنغطي أفضل مواقع الكتابة بـ(الذكاء الاصطناعي)، حتى تتمكن من البدء في إنشاء محتوى رائع اليوم». لم يكن مثل هذا الإعلان سوى ناقوس خطر يدق بقوة، ليُخبرنا أن صناعة الصحافة، بأنماطها المختلفة، وفنونها المتعددة، باتت هدفاً سهلاً لمفاعيل «الذكاء الاصطناعي»، بكل ما يعنيه ذلك من تغيير عالمها، وربما تقويض أركان إنتاجها، التي استقرت لعقود طويلة. ينطوي هذا الإعلان، كما يتضح من قراءة سطوره ذات اللغة المباشرة والسهلة، على وعد قاطع وكامل بإنشاء صحيفة متكاملة، من دون الحاجة إلى صحافيين من البشر؛ أي وعد بصحافة بلا صحافيين. لم يمر كثير من الوقت حتى قرأنا نتائج استطلاع رأي نظمه «معهد رويترز لدراسة الصحافة»، بالمشاركة مع جامعة أكسفورد، وهو الاستطلاع الذي أظهر توافقاً بين الخبراء المستطلعة آراؤهم على أن آليات «الذكاء الاصطناعي» الجديدة ستغيِّر طبيعة المحتوى المنشور تغييراً حاداً، بل إن قطاعاً منهم أفاد بأنه بحلول عام 2026 سيكون نحو 90 في المائة من المحتوى المنشور على شبكة «الإنترنت» مُنتجاً بطريقة آلية. لذلك، فلم يكن مستغرباً أن تعلن صحيفة «الـ فوجيو» الإيطالية عن مسابقة مثيرة للاهتمام بين قرائها، في شهر مارس (آذار) 2023، وفي تلك المسابقة قررت الصحيفة أن تضع بين القصص التي تنشرها بانتظام عدداً من الموضوعات التي حصلت عليها عبر توظيف تقنيات «الذكاء الاصطناعي»، بينما يكمن التحدي في قدرة القراء على تمييز تلك الموضوعات، وعند قيام أحدهم بتحديدها على نحو صحيح سيكون بإمكانه الفوز باشتراك مجاني في الصحيفة. ويبدو أن تلك المسابقة لم تُثمر عدداً كبيراً من الفائزين؛ إذ أخفق كثير من المتسابقين في تمييز المنتجات البشرية عن تلك الآلية. لقد أدى وجود مثل تلك الإعلانات بكثرة على صفحات «الإنترنت»، والتحسينات المتتالية التي تجري على أدوات «الذكاء الاصطناعي» المختلفة، وتنوعها وتعددها، إلى تحفيز بعض العاملين في قطاع الإعلام على اختبار قدرة هذا المُنتج الجديد على الوفاء بمتطلبات العمل الصحافي، وتجنيب الناشرين إنفاق الجهد والوقت والمال لتدبيج المحتوى الذي يُقدم للجمهور. ومن بين هؤلاء الذين تحمسوا لتجربة منتجات «الذكاء الاصطناعي» ليحل مكان الصحافي البشري، ستبرز صحيفة «إيل فوليو» Il Foglio الإيطالية، التي دشنت تجربة وُصفت بأنها «اختراق عالمي»، يوم الثلاثاء الماضي، حين قررت أن تصدر، على مدى شهر كامل، في أعداد مُعدة بالكامل بواسطة «الذكاء الاصطناعي». تطبع «إيل فوليو» يومياً نحو 29 ألف نسخة، وتُصنف نفسها على أنها «صحيفة جريئة»، تقدم المحتوى للجمهور بـ«طابعها الخاص»، ورغم ذلك؛ فإنها لم تجد في قيامها بهذه الخطوة مخاطرة من أي نوع، بل على العكس تماماً، فقد احتفلت بزيادة قرائها بنسبة 60 في المائة نتيجة لتجربتها تلك، وعندما سعت إلى استطلاع آراء القراء فيما أقدمت عليه، تبيَّن لها أن 90 في المائة منهم «استمتعوا بالتجربة»، وفق ما أكد مديرها كلاوديو تشيرازا. يشرح تشيرازا في مقابلة صحافية ما فعلته صحيفته لخوض تجربتها المثيرة؛ فيقول إن صحافيي الجريدة البشريين عقدوا اجتماع التحرير اليومي الاعتيادي، وبدلاً من الانطلاق لتنفيذ الأفكار التي توصلوا إليها، فإنهم كلَّفوا «تشات جي بي تي» بإنجازها، بعدما زوَّدوه بتعليمات تخص المواضيع المُختارة، ونبرة المعالجة المطلوبة؛ فنفَّذ المطلوب، وأنجز صحيفة في أربع صفحات، تتضمن 22 موضوعاً، في مجالات السياسة والأعمال والموضة، ومعها ثلاث مقالات رأي تتناول قضايا مختلفة. يؤكد تشيرازا أن تلك التجربة المثيرة عمل إيجابي يستهدف رفد الصحافة بقيمة جديدة تعتمد على الابتكار والمُستحدثات التكنولوجية، وأنها تهدف إلى «إنعاش الصحافة لا قتلها»، لكنه مع ذلك لم يخبرنا بما إذا كان سيستمر في الاعتماد على «الذكاء الاصطناعي» إذا نجحت تلك التجربة، كما لم يخبرنا عن مصير الصحافيين البشريين في هذه الحال. تلك مؤشرات واضحة وصادمة في آن. «الذكاء الاصطناعي» في طريقه ليحل محل البشر في صناعة الصحافة، وهو يفعل ذلك بشغف ونهم شديدين، ويتقدم باطراد. والأمل ألا يكون ذلك على حساب قيم والتزامات أساسية في صناعة الصحافة، التي يبدو أن البعض يراها مُمكنة من دون صحافيين.