logo
صحافة بلا صحافيين

صحافة بلا صحافيين

السوسنة٢٤-٠٣-٢٠٢٥

قبل أكثر من سنتين، طالعت في إحدى صفحات شبكة «الإنترنت»، التي تُسّوق أدوات «الذكاء الاصطناعي»، للمساعدة في كتابة المحتوى، هذه العبارة: «هل أنت كاتب تتطلع إلى توفير الوقت في البحث والصياغة؟ هل أنت محرّر تبحث عن طريقة لإنشاء محتوى مكتوب بسهولة؟ هل أنت ناشر ترغب في إضافة محتوى جديد إلى موقع (الويب) الخاص بك دون الحاجة إلى توظيف كُتّاب جدد؟ إذا كان أي من هؤلاء يصف حالتك، فإن هذا المنشور يناسبك. سنغطي أفضل مواقع الكتابة بـ(الذكاء الاصطناعي)، حتى تتمكن من البدء في إنشاء محتوى رائع اليوم».لم يكن مثل هذا الإعلان سوى ناقوس خطر يدق بقوة، ليُخبرنا أن صناعة الصحافة، بأنماطها المختلفة، وفنونها المتعددة، باتت هدفاً سهلاً لمفاعيل «الذكاء الاصطناعي»، بكل ما يعنيه ذلك من تغيير عالمها، وربما تقويض أركان إنتاجها، التي استقرت لعقود طويلة.ينطوي هذا الإعلان، كما يتضح من قراءة سطوره ذات اللغة المباشرة والسهلة، على وعد قاطع وكامل بإنشاء صحيفة متكاملة، من دون الحاجة إلى صحافيين من البشر؛ أي وعد بصحافة بلا صحافيين.لم يمر كثير من الوقت حتى قرأنا نتائج استطلاع رأي نظمه «معهد رويترز لدراسة الصحافة»، بالمشاركة مع جامعة أكسفورد، وهو الاستطلاع الذي أظهر توافقاً بين الخبراء المستطلعة آراؤهم على أن آليات «الذكاء الاصطناعي» الجديدة ستغيِّر طبيعة المحتوى المنشور تغييراً حاداً، بل إن قطاعاً منهم أفاد بأنه بحلول عام 2026 سيكون نحو 90 في المائة من المحتوى المنشور على شبكة «الإنترنت» مُنتجاً بطريقة آلية.لذلك، فلم يكن مستغرباً أن تعلن صحيفة «الـ فوجيو» الإيطالية عن مسابقة مثيرة للاهتمام بين قرائها، في شهر مارس (آذار) 2023، وفي تلك المسابقة قررت الصحيفة أن تضع بين القصص التي تنشرها بانتظام عدداً من الموضوعات التي حصلت عليها عبر توظيف تقنيات «الذكاء الاصطناعي»، بينما يكمن التحدي في قدرة القراء على تمييز تلك الموضوعات، وعند قيام أحدهم بتحديدها على نحو صحيح سيكون بإمكانه الفوز باشتراك مجاني في الصحيفة. ويبدو أن تلك المسابقة لم تُثمر عدداً كبيراً من الفائزين؛ إذ أخفق كثير من المتسابقين في تمييز المنتجات البشرية عن تلك الآلية.لقد أدى وجود مثل تلك الإعلانات بكثرة على صفحات «الإنترنت»، والتحسينات المتتالية التي تجري على أدوات «الذكاء الاصطناعي» المختلفة، وتنوعها وتعددها، إلى تحفيز بعض العاملين في قطاع الإعلام على اختبار قدرة هذا المُنتج الجديد على الوفاء بمتطلبات العمل الصحافي، وتجنيب الناشرين إنفاق الجهد والوقت والمال لتدبيج المحتوى الذي يُقدم للجمهور.ومن بين هؤلاء الذين تحمسوا لتجربة منتجات «الذكاء الاصطناعي» ليحل مكان الصحافي البشري، ستبرز صحيفة «إيل فوليو» Il Foglio الإيطالية، التي دشنت تجربة وُصفت بأنها «اختراق عالمي»، يوم الثلاثاء الماضي، حين قررت أن تصدر، على مدى شهر كامل، في أعداد مُعدة بالكامل بواسطة «الذكاء الاصطناعي».تطبع «إيل فوليو» يومياً نحو 29 ألف نسخة، وتُصنف نفسها على أنها «صحيفة جريئة»، تقدم المحتوى للجمهور بـ«طابعها الخاص»، ورغم ذلك؛ فإنها لم تجد في قيامها بهذه الخطوة مخاطرة من أي نوع، بل على العكس تماماً، فقد احتفلت بزيادة قرائها بنسبة 60 في المائة نتيجة لتجربتها تلك، وعندما سعت إلى استطلاع آراء القراء فيما أقدمت عليه، تبيَّن لها أن 90 في المائة منهم «استمتعوا بالتجربة»، وفق ما أكد مديرها كلاوديو تشيرازا.يشرح تشيرازا في مقابلة صحافية ما فعلته صحيفته لخوض تجربتها المثيرة؛ فيقول إن صحافيي الجريدة البشريين عقدوا اجتماع التحرير اليومي الاعتيادي، وبدلاً من الانطلاق لتنفيذ الأفكار التي توصلوا إليها، فإنهم كلَّفوا «تشات جي بي تي» بإنجازها، بعدما زوَّدوه بتعليمات تخص المواضيع المُختارة، ونبرة المعالجة المطلوبة؛ فنفَّذ المطلوب، وأنجز صحيفة في أربع صفحات، تتضمن 22 موضوعاً، في مجالات السياسة والأعمال والموضة، ومعها ثلاث مقالات رأي تتناول قضايا مختلفة.يؤكد تشيرازا أن تلك التجربة المثيرة عمل إيجابي يستهدف رفد الصحافة بقيمة جديدة تعتمد على الابتكار والمُستحدثات التكنولوجية، وأنها تهدف إلى «إنعاش الصحافة لا قتلها»، لكنه مع ذلك لم يخبرنا بما إذا كان سيستمر في الاعتماد على «الذكاء الاصطناعي» إذا نجحت تلك التجربة، كما لم يخبرنا عن مصير الصحافيين البشريين في هذه الحال.تلك مؤشرات واضحة وصادمة في آن. «الذكاء الاصطناعي» في طريقه ليحل محل البشر في صناعة الصحافة، وهو يفعل ذلك بشغف ونهم شديدين، ويتقدم باطراد. والأمل ألا يكون ذلك على حساب قيم والتزامات أساسية في صناعة الصحافة، التي يبدو أن البعض يراها مُمكنة من دون صحافيين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة
سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة

مصرس

timeمنذ 20 دقائق

  • مصرس

سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة

تمكنت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القليوبية تحت إشراف اللواء عبدالفتاح القصاص مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن القليوبية، من ضبط مروجى المواد المخدرة بدائرة مركز شرطة الخانكة، وتم تحرير محضر بالواقعة وتولت النيابة العامة التحقيق. وردت معلومات إلى اللواء محمد السيد مدير الإدارة العامة لمباحث القليوبية واللواء محمد فوزي رئيس مباحث القليوبية من المقدم دكتور أمير الكومى رئيس مباحث مركز شرطة الخانكة بقيام شخصان بالترويج للمواد المخدرة بنزلة الليثي بمنطقة ابوزعبل دائرة المركز.وعقب تقنين الإجراءات وإعداد الأكمنة اللازمة بقيادة النقيب محمد معتز والنقيب محمود الحديدي والنقيب محمد عطا معاوني رئيس المباحث، تم ضبط المتهمين، وبحوزتهما المواد المخدرة، وتم تحرير محضر بالواقعة وتولت النيابة العامة التحقيق وأمرت بحبس المتهمين 4 أيام علي ذمة التحقيقات.اقرأ أيضا | المشدد 6 سنوات لسائقين وغرامة 100 ألف جنيه بتهمة الاتجار في المخدرات بشبرا

رئيس مجلس النواب يتباحث بالرباط مع وزيري الشؤون الخارجية والدفاع بجمهورية سلوفاكيا
رئيس مجلس النواب يتباحث بالرباط مع وزيري الشؤون الخارجية والدفاع بجمهورية سلوفاكيا

حدث كم

timeمنذ 20 دقائق

  • حدث كم

رئيس مجلس النواب يتباحث بالرباط مع وزيري الشؤون الخارجية والدفاع بجمهورية سلوفاكيا

أجرى رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، اليوم الخميس بالرباط، مباحثات مع وزير الشؤون الخارجية والأوروبيين، جوراج بلانار، ونائب الوزير الأول ووزير الدفاع بجمهورية سلوفاكيا، روبيرت كاليناك، وذلك في إطار زيارة رسمية يقومان بها للمملكة بمعية وفد هام. وذكر بلاغ لمجلس النواب أن هذا اللقاء شكل فرصة لإبراز الأوراش الكبرى التي انخرطت فيها المملكة المغربية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وكذا التأكيد على أهمية العلاقات بين البلدين وسبل تعزيزها. كما شكل اللقاء مناسبة للتذكير بأن المبدأ الأساسي في علاقات المغرب الخارجية هو احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذا عمله الدؤوب على حل النزاعات بالطرق السلمية ودعم كل المبادرات القارية والدولية الرامية لإحلال السلم والأمن. كما أكدت المباحثات على أهمية العلاقات البرلمانية الثنائية ومتعددة الأطراف في تعزيز التعاون بين البلدين عبر تقاسم الخبرات والتجارب البرلمانية والتواصل الدائم والفعال وتبادل الزيارات والتنسيق في مختلف المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية، وتوضيح وجهات النظر واستثمار كل الإمكانيات المتاحة لتعزيز العلاقات بين المؤسستين التشريعيتين. حضر هذه المباحثات سفير جمهورية سلوفاكيا بالرباط، جوراج توماغا، وعدد من المسؤولين والمستشارين والأطر بوزارتي الخارجية والأوروبيين والدفاع بجمهورية سلوفاكيا.

بريطانيا وفرنسا وكندا تهدد إسرائيل بسبب الحرب على غزة: سنتخذ إجراءات ضدكم
بريطانيا وفرنسا وكندا تهدد إسرائيل بسبب الحرب على غزة: سنتخذ إجراءات ضدكم

دوت مصر

timeمنذ 20 دقائق

  • دوت مصر

بريطانيا وفرنسا وكندا تهدد إسرائيل بسبب الحرب على غزة: سنتخذ إجراءات ضدكم

ماكرون ورئيس وزراء بريطانيا كتب عبد الوهاب الجندى الثلاثاء، 20 مايو 2025 01:30 ص حذر قادة بريطانيا وفرنسا وكندا في بيان مشترك، الاثنين، من أن دولهم ستتخذ إجراءات إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري الذي استأنفته على قطاع غزة، وترفع القيود المفروضة على المساعدات. وبحسب بيان مشترك للدول الثلاث نشرته الحكومة البريطانية"، إن "منع الحكومة الإسرائيلية إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى السكان المدنيين أمر غير مقبول، وينتهك القانون الإنساني الدولي". وأضاف: "نعارض أي محاولة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية... ولن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات، بما في ذلك فرض عقوبات محددة الهدف". وفي وقت سابق الإثنين، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل ستسيطر على قطاع غزة بالكامل رغم تزايد الضغوط الدولية التي أجبرتها على رفع الحصار المفروض على دخول المساعدات، والذي جعل القطاع على شفا المجاعة. وفي السياق ذاته نقلت صحيفة واشنطن بوست اليوم (الاثنين)، رسالة مسئولين في الإدارة الأمريكية إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلية بقيادة بنامين نتنياهو، مفادها: "سنتخلى عنكم إذا لم تنهوا الحرب في غزة". وقال مصدر مطلع للصحيفة إن الضغوط الأمريكية على إسرائيل تزايدت في الأيام الأخيرة، أيضا على خلفية القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، دون تصويت في الحكومة، بإعادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store