٢٨-٠٧-٢٠٢٥
الساحل الأفريقي "الملتهب" هل كانت تنقصه المسيرات؟
في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي دول تقع في الساحل الأفريقي، يهز زئير الطائرات المسيرة أجواء المنطقة، حيث سقطت تلك الطائرات بيد الجماعات الإرهابية، مما ينذر بـ"حرب طويلة الأمد" وفق ما يقول باحثون عسكريون وسياسيون.
وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل الأفريقي اكتسب قدرة على التسلح بالطائرات المسيرة التي توفر ميزات مهمة على غرار كلفتها المنخفضة.
تعقيد مهمة الجيوش
أخيراً، سلط مركز سياسات الجنوب الجديد، وهو معهد أبحاث مغربي، الضوء على معضلة حصول الجماعات الإرهابية على الطائرات المسيرة في منطقة الساحل الأفريقي. وكشف عن أنه "منذ سبتمبر (أيلول) 2023 تم تسجيل 30 هجوماً بطائرة مسيرة نفذتها الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، و82 في المئة من تلك الهجمات نفذت بين مارس (آذار) ويونيو (حزيران) 2025".
وقال الباحث السياسي المالي أبو بكر الأنصاري "في اعتقادي الطائرات المسيرة أصبحت منتشرة على نطاق واسع، ولم تعد من الأسرار الخفية التي تحتاج إلى تعاون دولي أو غير ذلك، إذ بإمكان المتخصصين في مجال المعلوماتية والأمن السيبراني صناعة أجسام تطير محملة بكاميرات ومتفجرات واستخدامها من بعد".
وأوضح الأنصاري أن "من السهل على الجماعات المسلحة الحصول على ما تحصل عليه الجيوش، بالتالي تحتاج الدول إلى تطوير مفهوم الأمن القومي والجماعي لمجموعة منها، وعليها أن تدرك أن التقنيات الحديثة أصبحت متوافرة في السوق السوداء ويمكن للجماعات أن تحصل عليها بسهولة". وشدد على أن "امتلاك الجماعات المسلحة تقنيات متطورة يعقد مهمة الجيوش النظامية الوطنية، ولا بد من إيجاد حلول سلمية للأزمات القائمة لأن سباق التسلح قد لا يجري بما تشتهي الجيوش النظامية مما يطيل الأزمات".
السوق السوداء
يثير تعاظم دور الطائرات المسيرة في الساحل الأفريقي وسقوطها بيد الجماعات الإرهابية تساؤلات جدية حول مصادر تلك الجماعات في الحصول على المسيرات.
وعدَّ الباحث السياسي في الشؤون الدولية نزار مقني "امتلاك الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء للمسيرات يشكل تحولاً نوعياً في ميزان القوى غير المتكافئة في مربع من الأرض شديد الهشاشة مثل الساحل الأفريقي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفسر مقني في تصريح خاص بالقول إن "الطائرات المسيرة الصغيرة والمتوسطة تباع في السوق السوداء، ويعتقد أن بعضاً منها يهرب عبر شبكات غير رسمية تنشط في غرب أفريقيا وشمالها، وتحديداً من ليبيا في مرحلة ما بعد معمر القذافي، حيث انهارت ترسانة الدولة وتم تهريب معدات عسكرية منها، ومن نيجيريا عبر عصابات بوكو حرام والممرات إلى بحيرة تشاد، ومن السودان وتشاد عبر مسارات تهريب قديمة تستغل في تجارة السلاح والوقود والبشر". وشدد على أن "من بين المصادر الأخرى نجد التمويل عبر الفديات والأنشطة الإجرامية حيث تمول الجماعات الإرهابية مثل (نصرة الإسلام والمسلمين)، فرع (القاعدة) في الساحل، عملياتها من فديات ضخمة تدفع مقابل رهائن غربيين، والضرائب المفروضة على المجتمعات المحلية، والاتجار بالبشر والتهريب، وأحياناً تدفقات مالية سرية من شبكات خارجية تتعاطف مع الأجندة الإرهابية".
واستطرد المتحدث أن "بعض الطائرات المسيرة التي تستخدم في الزراعة أو التصوير يمكن تحويلها بسهولة لأغراض هجومية عبر تعديل بسيط وإضافة عبوة ناسفة صغيرة، ويمكن طلبها عبر الإنترنت، وقد تصل إلى دول مجاورة في غرب أفريقيا ثم تنقل إلى المناطق الصحراوية".
أوكرانيا على الخط
تأتي هذه التطورات في خضم تحولات سياسية تعرفها منطقة الساحل الأفريقي بعد انقلابات أطاحت حلفاء للغرب على غرار الرئيس النيجري محمد بازوم مقابل صعود قادة جدد مقربين من روسيا.
إثر هذه التحولات باتت المنطقة في قلب تنافس دولي على النفوذ غير مسبوق، حيث غادرت القوات الغربية دولاً مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو وحلت محلها قوات روسية. واتهم الباحث السياسي في القضايا الأفريقية والأوروبية حمدي جوارا، دولاً مثل أوكرانيا بتزويد الجماعات المتمردة بالطائرات المسيرة.
وقال جوارا إن "هذه الجماعات تستخدم طائرات مسيرة بالفعل، لكن ليس بالأحجام الكبيرة التي نراها عند الدول كطائرات (بيراقدار) أو (أكنجي)، وإنما هي طائرات تحلق لكي تصيب هدفاً واحداً وتنتهي مهمتها". ولفت إلى أن "هذه الطائرات مصنوعة ومقدمة من الجيش الأوكراني كما أعلن ذلك سفير أوكرانيا لدى السنغال، وأحد قادة الأركان في أوكرانيا، وسبق أن لوحظ نشاط مدربين أوكرانيين ونشر صور لهم وهم يقدمون تدريبات لجبهة تحرير أزواد المالية".
وكان المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية في أوكرانيا أندريه يوسوف أقر في وقت سابق بتزويد بلاده للمتمردين في مالي بمعلومات حول القوات الروسية في خطوة قادت إلى هجوم كبد فيه هؤلاء المتمردون عناصر "فاغنر" والجيش المالي خسائر فادحة، مما تسبب في أزمة دبلوماسية بين باماكو وكييف.
إضعاف خط الدفاع الأول
يعد الهجوم على القاعدة العسكرية للجيش المالي في بوليكيسي أحدث هجوم تستخدم فيه جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بـ"القاعدة" مسيرات، حيث ألقت من خلالها متفجرات ما أدى إلى خسائر بشرية.
وادعت الجماعة قتلها 100 من الجيش المالي وعناصر من الفيلق الأفريقي – الروسي، ولم تكشف الحكومة في باماكو عن حصيلة هذا الهجوم بعد.
وقال مقني إن "المسيرات تتيح للجماعات مراقبة تحركات جيوش مالي والنيجر وبوركينا فاسو والقوات الروسية غير النظامية مثل الفيلق الأفريقي - الروسي ("فاغنر" سابقاً)، وحتى القوات الفرنسية والأوروبية سابقاً، ولم تعد الجماعات تعتمد فقط على المخبرين أو السكان المحليين، بل أصبح لها أعين في السماء، مما يقلص فاعلية العمليات الأمنية المباغتة". وأردف "يمكن للمسيرات أن تستخدم لإلقاء عبوات ناسفة على القواعد العسكرية أو الدوريات بأسلوب يشبه ما فعلته بعض الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط".
وأكد أن من أهم نتائج استخدام المسيرات من قبل الإرهابيين أنها "تضعف خط الدفاع الأول للقواعد النائية، وقد تحدث اختراقاً صاعقاً في ساحة المعركة قبل الهجوم البري، لذلك فإن استخدام الطائرات المسيرة من قبل الإرهابيين في الساحل يمثل قفزة نوعية في أدواتها الحربية، ويعيد رسم خرائط الخطر، فلم يعد الصراع تقليدياً، بل بات يجمع بين التكنولوجيا المنخفضة الكلفة والبيئة الهشة والدول الضعيفة، مما ينذر بتحول الساحل إلى ساحة اختبار دائمة لحروب غير متكافئة تستنسخ تجارب الشرق الأوسط، ولكن بأدوات محلية".