أحدث الأخبار مع #أحمدالعودة

المدن
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- المدن
التسويات السورية بعد الأسد.. بين استخفاف المجرمين والعدالة المنشودة
في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، وما نجم عنه من تفكك البنى الأمنية الرسمية والتقليدية التي تشمل أفرع مخابرات ونقاط تفتيش وحواجز أمنية، وهروب عناصر الأمن من نقاطهم و تبخرهم مع أسلحتهم الخفيفة وأوراقهم الثبوتية وسجلاتهم العسكرية؛ وانهيار المؤسسة العسكرية التي تشمل عناصر الجيش والفرق التابعة لوزارة الدفاع، وتوقف العمل في مؤسسات الدولة المركزية لعدة أيام، برزت مخاوف حقيقية من انزلاق البلاد إلى فوضى أمنية شاملة كان لزاماً على إدارة العمليات العسكرية حينها أن تتخذ إجراءات أمنية ضامنة وحقيقة لتجنيب البلاد الفوضى، والعمل على فرض الأمن بطريقة جديدة تتناسب مع تطلعات الشعب السوري. نتيجة لهذا، أطلقت الإدارة العسكرية برنامج تسوية شاملة هدفه الرئيسي احتواء بقايا النظام المنهار، من عناصر الجيش والأمن والميليشيات الموالية له ومنظومة الدفاع الوطني، ومنعهم من التحول إلى أدوات فوضى أو مقاومة مضادة أو خلايا نائمة. ركز برنامج المصالحة على عدة زوايا أهمها الأمنية التي تتعلق بقدرة جهاز الأمن العام على ضبط الساحة الداخلية ومنع تفكك الدولة، والسياسية المرتبطة بتأثيره على مستقبل العدالة الانتقالية وإعادة بناء الدولة السورية، والاقتصادية التي تتناول إعادة توزيع الثروات وإعادة رأس المال السوري الذي تحكم به مجموعة من "حيتان السوق" أيام نظام الأسد. برامج المصالحة الوطنية والعفو استخدم نظام الأسد المصالحات كأداة لاستعادة السيطرة على المناطق التي خرجت عن سيطرته خلال الحرب، بعد أن خسر حوالي 65 بالمئة من الأراضي السورية بين عامي 2014-2015. وبعد الدخول الروسي لمساندة جيش نظام الأسد ضد المعارضة السورية المسلحة؛ أطلق نظام الأسد برنامج المصالحة الوطنية على الرغم من أن هذه "المصالحات" تبدو في ظاهرها وكأنها حلول سلمية لإنهاء الصراع، إلا أنها في الحقيقة كانت شكلاً من أشكال الإكراه والخضوع، فرضها النظام من موقع القوة العسكرية، وليست نابعة من عملية عدالة انتقالية حقيقية أو رغبة صادقة في السلام. بدأت المصالحات في ريف دمشق الغربي والشرقي (داريا، المعضمية وبلدات الغوطة الشرقية) ثم توسعت لتشمل باقي المحافظات، ومع أن كل حالة من هذه الحالات تميزت بأساليب مختلفة، لكنها اشتركت في كونها جزءاً من استراتيجية أوسع هدفها إعادة فرض السلطة المركزية للنظام، وتفكيك المعارضة، وإعادة تشكيل النسيج الاجتماعي والديموغرافي في بعض الأحيان وفق مبدأ تصالحي أمني فقط. هذه المصالحات لم تُنهِ العنف بشكل كامل، ولم تُحقق العدالة أو تُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، بل على العكس، ساهمت في ترسيخ الانقسام، وأضعفت فرص تحقيق حل سياسي عادل وشامل، لا سيما بعد أن اندمج مقاتلو المعارضة الذين شملتهم المصالحة مع النظام وأبدوا استعداداً للقتال إلى جانبه، كما حالة اللواء الثامن بقيادة "أحمد العودة" الذي انضم إلى الفيلق الخامس المدعوم روسياً وقاتل الفصائل الإسلامية في درعا والبادية السورية؛ وبالتالي، فإن ما يسمى بـ"المصالحات" في حالة نظام الأسد ليست اتفاقات سلام بالمعنى الحقيقي، وإنما هي شكل من أشكال "سلام المنتصر"، حيث يُفرض الواقع الجديد بالقوة، دون معالجة جذور الصراع. تضمنت هذه الاتفاقات شروطاً قسرية، أبرزها تسليم العسكريين المنشقين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، وتوقيع المدنيين على وثائق "مصالحة" ومهلة تسوية 6 أشهر تُخوّل لهم العودة إلى منازلهم واستئناف حياتهم، وذلك إلى جانب إدخال بعض المساعدات الإنسانية. تدخلت روسيا بشكل مباشر في ملف المصالحات من خلال مركز "حميميم للمصالحة"، الذي شرع في عقد لقاءات متتالية مع ممثلين عن المناطق المعارضة، بحضور شخصيات مدنية وعسكرية. وقد اتسم هذا التدخل الروسي بطابع تفاوضي يحمل في طياته تهديداً مستمراً باستخدام القوة، وهو ما انعكس في فشل بعض الاجتماعات، نتيجة رفض الوفود المدنية الانصياع لهذا الأسلوب. وبعد عدة مفاوضات متفرقة، تم التوصل إلى اتفاق شامل رعته روسيا ووافقت عليه لجنة أُنشئت من فصائل المعارضة وبعض القوى المدنية. تضمن هذا الاتفاق وقفاً فورياً وشاملاً لإطلاق النار، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط، مع ضمانات روسية لعودة المدنيين إلى بلداتهم. نص الاتفاق أيضاً على دخول الشرطة العسكرية الروسية والهلال الأحمر إلى المناطق التي دخلتها قوات النظام، لضمان حماية السكان، إلى جانب تنظيم نقاط التسوية، ورفع العلم الرسمي (علم النظام القديم) بالتزامن مع عودة مؤسسات الدولة؛ بالإضافة إلى تسوية أوضاع المنشقين والمطلوبين للخدمة الإلزامية وتأجيلهم لفترة محددة، مع إتاحة الفرصة لمن يرغب بالمغادرة نحو الشمال السوري. كما تم الاتفاق على عودة الموظفين إلى وظائفهم، ومعالجة ملفات المعتقلين والمفقودين ضمن آليات تفاوضية، من بينها تلك المعتمدة في مسار أستانا. وقد تولى الجانب الروسي مهمة الضامن لتنفيذ هذا الاتفاق، الذي غطّى رقعة جغرافية واسعة امتدت من غرب درعا إلى حدود الأردن. بذلك، شكّلت اتفاقات المصالحة تحولاً مفصلياً في مسار الصراع، حيث استعاد نظام الأسد السيطرة على مناطق واسعة دون معارك مباشرة، مستخدمة أدوات التفاوض السياسية لتكريس واقع عسكري فرضته القوة. وعلى الرغم من الطابع "التصالحي" الذي وُصف به هذا المسار، إلا أن التنفيذ الفعلي للاتفاقات شهد إخلالاً بالضمانات الممنوحة، ورافقته انتهاكات عديدة، ما أضعف الثقة بين السكان المحليين والجهات الراعية للمصالحة، وترك المنطقة في حالة من التوتر السياسي والأمني المستمر. ظلت البلاد في دوامة من الصراع السياسي والعسكري بين الفصائل التي قدمت تسوية (لا سيما في الجنوب السوري) في ظل تآكل مؤسسات الدولة عموماً وتراجع الاقتصاد لصالح سلطة أمنية مطلقة؛ حتى ديسمبر 2024، حين سقط نظام الأسد بعد انهيار متسارع في عموم البلاد، لتنتقل السلطة مؤقتاً إلى قيادة عسكرية انتقالية تشكلت من قوى المعارضة العسكرية والفصائل المحلية المستقلة. أمام هذا التحول المفاجئ، برز سؤال ملح: كيف يمكن تفادي مصير الدول التي دخلت في حروب أهلية بعد سقوط أنظمتها، مع السعي لاستدامة نسق الأمن الذي يحتاجه السوريون؟ كان الرد الأولي هو إطلاق ما عرف بـ"برنامج التسوية"، كإجراء أمني-سياسي يعالج واقع آلاف العناصر التابعة للنظام المخلوع، والتي لا يمكن تجاهل وجودها ولا السماح باستمرارها في حالتها السابقة. برنامج التسوية مع الإدارة الجديدة جاء البرنامج لملء الفراغ الأمني الهائل الذي خلفه انهيار أجهزة المخابرات والجيش والشرطة. إذ لم تكن التحديات آنذاك فقط ميدانية أو عسكرية، بل بنيوية تتعلق بمصير الدولة نفسها. وقد قامت إدارة العمليات العسكرية، وهي الجهة المركزية المؤقتة المسؤولة عن الأمن، بتأسيس مراكز تسوية في مختلف المدن السورية، خصوصاً تلك التي كانت تحت سيطرة النظام. هذه المراكز استُخدمت لاستقبال أفراد النظام السابق ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء المدنيين، أو لم يكن لهم دور مباشر في عمليات القمع؛ ليمنح البرنامج هؤلاء الأفراد وثائق أمان مؤقتة تسمح لهم بحرية التنقل وتمنع ملاحقتهم القانونية لمدة ثلاثة أشهر، ريثما يتم تقييم ملفاتهم الأمنية بشكل دقيق. كان الهدف هو تهدئة المشهد الداخلي، وكسر شعور الخوف والانفصال لدى آلاف الجنود ورجال الشرطة والمخبرين الأمنيين، مع إعطائهم فرصة للاندماج في الدولة الجديدة ضمن شروط أكثر انضباطاً. ورغم أن هذا البرنامج لم يُقدم كبديل لمسار العدالة الانتقالية، إلا أنه سُوّق على أنه "آلية احتواء فوري" لضمان عدم انزلاق البلاد إلى مزيد من الفوضى. لم يكن إطلاق البرنامج مجرد خيار سياسي، بل كان ضرورة أمنية محضة. فالتاريخ القريب في العراق بعد 2003، حين تم اجتثاث حزب البعث وتسريح الجيش، أظهر نتائج كارثية؛ إذ ولد هذا القرار مقاومة مسلحة عنيفة قادها ضباط سابقون، شكلت لاحقاً العمود الفقري لتنظيمات متطرفة. والحالة الليبية شبيهة أيضاً بعد تشكيل عدة فصائل قادت إلى تعمّق الانقسام في ليبيا مع تصاعد العنف واغتيالات بنغازي، مما غيّر نظرة القبائل إلى الثورة واعتبرتها انتقاماً من النخب الحضرية. بالمقابل، رأت القوى الثورية القبائل كعقبة للتغيير، ما دفع الأخيرة لحشد قوتها للدفاع عن مكانتها في النظام الجديد بالقوة إذا لزم الأمر. القيادة العسكرية السورية كانت تدرك تماماً أن تكرار هذا السيناريو سيحول البلاد إلى بؤرة جديدة من التمرد والفوضى. من هنا، فضّلت الإدارة الانتقالية سياسة "الاحتواء المنضبط" بدل الإقصاء الكلي. البرنامج مكّن من إفراغ الساحة من الآلاف من المسلحين الذين كانت لديهم القدرة على إعادة التموضع أو الانخراط في شبكات تمرد مدعومة من الخارج. كما ساعد على تخفيف التوتر بين المجتمعات المحلية والعناصر التي كانت جزءاً من النظام، إذ لم يعد هؤلاء يمثلون تهديداً مباشراً، بل أصبحوا خاضعين لإشراف أمني ومؤسساتي دقيق، ما سمح بتفكيك التوترات الأهلية الناشئة عن إرث القمع والدم. الأطراف المستفيدة من البرنامج تتعدد الأطراف التي استفادت من البرنامج بشكل مباشر أو غير مباشر. أولها الإدارة العسكرية الجديدة ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية، التي استطاعت من خلال هذا المسار فرض سيطرتها الأمنية دون اللجوء إلى مواجهات واسعة (باستثناء حالة الساحل )، كما أنه ساعدها على ترتيب المشهد المحلي من جديد، بما يخدم أهداف المرحلة الانتقالية. كذلك، استفاد عناصر النظام السابق الذين حصلوا على فرصة للعودة إلى الحياة الطبيعية أو المشاركة في بناء الجهاز الجديد، مع تقديم ضمانات و تطمينات من الإدارة الجديدة بالالتزام بمبادئ التسوية. أما إقليمياً، كان للدول الضامنة ( تركيا ودول الخليج) دور داعم في تمرير البرنامج، باعتباره جزءاً من رؤية أوسع لإعادة هيكلة الحكم المحلي في الشمال والوسط، دون العودة إلى المركزية الشديدة التي عرفتها دمشق أيام نظام الأسد. وبالنسبة للمجتمع الدولي، فقد قُدِّم البرنامج كنموذج للتعامل العقلاني مع الفوضى الأمنية، واعتُبر خطوة ضرورية لمنع انهيار الدولة بشكل كامل، خصوصًا في ظل غياب أي توافق سياسي شامل حتى الآن، رغم تشكيل الحكومة الجديدة في مساعٍ جادّة لإيجاد تفاهمات ضمنية جديدة وإعادة دمج للمقاتلين، وآليات لإعادة توزيع السلطة والثروة. المحاور الأساسية للتسويات يبدأ برنامج التسويات بالتسويات السياسية التي شملت حكومة نظام الأسد، ودعوتهم للتعاون مع الحكومة الانتقالية بدون توجيه أي تهم أو أحكام للوزراء السابقين ومدراء إداراتهم. كُلف محمد غازي الجلالي بتسيير أعمال الحكومة المؤقتة لنقل الملفات الحكومية إلى السلطة الجديدة وتعيين وزراء بصلاحيات كاملة. ليفتح هذا النمط الباب أمام إعادة توزيع السلطة والاتفاق على نظام حكم جديد يتناسب مع تطلعات السوريين بعد ثورة 14 عام؛ بالإضافة إلى إتاحة المجال لتنظيم صفوف القوى المعارضة السورية ودمجها في الحكومة السورية الجديدة وفق الاختصاصات لا المحاصصات؛ مع فرصة لكتابة دستور جديد وصياغة عقد اجتماعي جامع يُعيد تعريف المواطنة والحقوق والواجبات. أما التسويات الأمنية فبدأت بتفكيك المليشيات مع عرض برامج لنزع السلاح أو دمج الفصائل المسلحة في قوات أمن وطنية موحدة، كما الحال في تسويات قوات سورية الديمقراطية وتسويات فصائل الجنوب، رغم رفض بعضها الانضمام إلى وزارة الدفاع السورية الجديدة. تتيح التسويات الأمنية ضبط الفوضى وإعادة إنتاج وتشكيل الأجهزة الأمنية تحت سلطة مدنية مع رقابة مؤسساتية عسكرية تكون خادمة لسوريا بصفة عليا، ولا تتبع في ولائها إلى جهة محلية أو خارجية؛ الأمر الذي يسهل تنفيذ العدالة الانتقالية عبر تشكيل لجان لكشف الانتهاكات والمساءلة دون السقوط في فخ الانتقام. عملت الإدارة الجديدة على التسويات المجتمعية من خلال تنفيذ مصالحات محلية عبر التوسط بين الجماعات المتنازعة عرقياً أو طائفياً بعد سنوات من الاقتتال، لا سيما في محافظة القنيطرة وريف دمشق، ولإيجاد آليات تعويض للمتضررين واستعادة ممتلكاتهم المنهوبة بعد 14 عام من بطش المليشيات المحلية؛ بالإضافة إلى جانب مهم وهو ضمان عودة النازحين الداخليين واللاجئين إلى بلداتهم وقراهم دون أي اعتقالات او تهم كيدية. الجانب المهم في التسويات هو التسويات الاقتصادية التي تركز على إعادة توزيع الثروات وإصلاح نظام اقتصادي يقوم على العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة؛ مع التأكيد على فتح السوق للاستثمار ودعوة رؤوس الأموال السوريين للعودة إلى بلدهم والاستثمار في مجالات الطاقة والخدمات والعقارات والصناعة والسياحة بحكم انفتاح سوريا على العالم من جديد، مع ضمان تسهيلات إدارية و لوجستية مناسبة تتلاءم مع المرحلة المقبلة بما يضمن إعمار الاقتصاد بالشراكة مع المجتمع الدولي، مع شفافية وابتعاد عن شبكات الفساد واستعادة مؤسسات الدولة عبر تطوير قطاع الخدمات العامة (الكهرباء، الصحة، التعليم) بشكل سريع لإعادة الثقة بين الحكومة والشارع. كان هناك اتفاق مع محمد حمشو أحد أبرز وجود اقتصاد نظام الأسد لكنه فشل، بالإضافة إلى فشله أيضاً مع سامر فوز رجل العمال السوري المرتبط بنظام الأسد بشبكة شركات تجارية تعمل في عدة مجالات أهمها التطوير العقاري والنقل والمواصلات وبالإضافة إلى كونه استولى على عدة شركات لرجال اعمال آخرين في المدة بين 2011 و2024 بالتنسيق مع ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. تحديات التسويات رغم تطوّره وسيره بسرعة، يمكن الحديث عن تحديات تطاول برنامج التسوية، ربما تعرقل مسار الانتقال نحو السلام والاستقرار، لا سيما وأن سنوات الصراع الطويلة خلفت انعداماً شبه كامل للثقة بين الفاعلين المحليين (حكومة وأفراداً)، نتيجة التراكم الهائل للانقسامات السياسية والطائفية والمجتمعية، ما يجعل من التوافق الوطني مهمة شاقة محفوفة بالريبة وسوء النوايا. هذا الانقسام لا يقتصر على القوى السياسية، بل يمتد إلى البنية الاجتماعية نفسها، حيث باتت المصالح المتضاربة والانتماءات الضيقة تعيق أي محاولة لبناء مشروع وطني جامع. في الوقت ذاته، يبرز الفراغ المؤسسي بوصفه أحد أبرز التحديات، إذ إن سقوط نظام الأسد لا يعني فقط غياب رأس السلطة، بل انهيار الدولة العميقة ومؤسساتها التي كانت، رغم طابعها القمعي، تمسك بمفاصل الإدارة والبيروقراطية وسلطة المكاتب. هذا الفراغ يفتح المجال أمام تعدد مراكز السلطة وعودة النزعات المناطقية والميليشياتية، مما يهدد وحدة الدولة ويجعل من بناء مؤسسات بديلة مهمة بالغة الصعوبة، كما في احداث الساحل السوري واشتباكات الجنوب التي امتدت خلال الأيام القليلة الماضية مع قوات "أحمد العودة" التي كانت رافضة الانضمام إلى وزارة الدفاع السورية، قبل أن تعدل موقفها بعد ضغط محلي وضغط عسكري وتجفيف منابع تمويل هذه الفصائل. لا تخلو التسويات من تحديات معقدة قد تهدد فعاليتها على المدى البعيد، لا سيما بعد أن لاحظ السوريون وجود شخصيات معروفة بثقلها الأمني والاقتصادي والعسكري لدى نظام الأسد؛ وقدت تسوية وعادت إلى حياتها الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، هناك إمكانية تسلل عناصر خطرة إلى الأجهزة الجديدة، خصوصاً ضباط المخابرات أو مقاتلي الميليشيات المرتبطة بإيران، الذين يتمتعون بخبرة واسعة في التخفي وإعادة التموضع. كما أن غياب قواعد بيانات دقيقة يعيق التحقق من خلفيات المتقدمين للتسوية، مما يسمح للبعض باستغلال البرنامج لتبييض سجلاتهم. أثار ظهور طلال مخلوف، أحد أبرز قيادات الحرس الجمهوري وقائد اللواء 105 في جيش نظام الأسد، الشكوك حول ماهية هذه التسويات ومدى صلاحيتها ومدى الرضى عنها من عامة الشعب لا سيما بعد 14 عاماً من القتل و التخويف؛ ليلحقه ظهور فادي صقر رئيس الدفاع الوطني في منطقة التضامن المحاذية للعاصمة دمشق و المسؤول عن اعتقال المئات من أبناء المنطقة والمناطق المسؤولة عنها قواته ؛ وإفلاته من المحاسبة عبر تقديمه تسوية غامضة المعالم (يعتقد أنه قدم تسوية مالية ضخمة مع محسوبيات على مستوى عالٍ) ما أثار السخط لدى السوريين. الملاحظ بعد حوالي 5 أشهر من سقوط نظام الأسد هو غياب شبه تام لأي مسار قانوني يرافق هذا البرنامج، إذ لم تُنشأ حتى اللحظة أطر واضحة لمحاسبة المتورطين في جرائم ضد الإنسانية، ما يجعل بعض النشطاء يرون في التسوية وسيلة لإفلات الجناة من العقاب، وليس خطوة نحو المصالحة الحقيقية وفق نهج عدالة انتقالية. إلى جانب ذلك، هناك انقسامات مناطقية في استقبال البرنامج؛ ففي مناطق مثل درعا والسويداء، يُنظر إلى هذه المراكز بعين الريبة، بل وقوبلت ببعض حالات الرفض والاحتجاج (استعصاء أمني ومظاهرات منددة بالحكم الجديد في سوريا)، نتيجة لغياب الثقة التاريخي بين السكان المحليين والمؤسسات الأمنية؛ بينما في الساحل أدت التسويات إلى أزمة أمنية تبعها اشتباكات مع أفراد قدموا تسويات يمكن القول إنها وهمية ومع فلول نظام الأسد وراح ضحيتها ألاف المدنيين في عمليات غير واضحة المعالم. بالمحصلة، التسوية في سوريا لا تعني ببساطة توقيع اتفاق سياسي أو إنهاء العمليات القتالية، بل هي عملية طويلة ومعقدة، تتطلب إعادة بناء شاملة للعقد الاجتماعي والسياسي؛ وهي أقرب إلى انتقال البلاد من نظام مركزي قمعي إلى نظام سياسي أكثر توازناً بين الدولة والمجتمع، يقوم على الشراكة والمساءلة والتمثيل الحقيقي للمكونات كاملة. نجاح هذه العملية مرهون بوجود رؤية وطنية شاملة لا تنبثق من الخارج وارتهاناته، بل من إرادة السوريين أنفسهم، وبقيادة سياسية جامعة تمتلك القدرة على تجسير الهوة بين الأطراف، لضمان سلام مستدام.


الشرق الأوسط
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
وزارة الدفاع السورية تبدأ تنظيم الشؤون العسكرية في درعا
بدأت وزارة الدفاع السورية تنظيم الشؤون العسكرية في محافظة درعا جنوب سوريا، بعد نحو أسبوع من تسليم «اللواء الثامن» الذي كان يسيطر على مناطق واسعة من ريف درعا سلاحه إلى وزارة الدفاع السورية. كما أعلنت وزارة الداخلية ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر داخل سيارة، وألقت القبض على سائقها أثناء محاولته تهريبها إلى محافظة السويداء. وأعلنت مديرية أمن درعا، ليل الأحد، ضبط كمية كبيرة من الأسلحة كانت مخبّأة داخل سيارة شاحنة تحت أكوام من القش، وذلك في بلدة السهوة بريف درعا الشرقي. أسلحة ضبطتها إدارة الأمن العام في درعا قادمة من دمشق (سانا) وتضمّنت المضبوطات قذائف مدفعية من نوع كاتيوشا، وصواريخ مالوتكا المضادة للدروع، إضافة إلى رشاشات ثقيلة وكميات من الذخائر، وفق ما أظهرته الصور التي بثها الأمن العام، وأشار إلى أن «السيارة كانت قادمة من العاصمة دمشق ومتجهة نحو محافظة السويداء»، قبل أن يتم توقيفها ومصادرة الأسلحة من قِبل دوريات الأمن العام، حيث جرى نقلها إلى مركز الأمن في مدينة إزرع لاستكمال التحقيقات. وتضاربت الأنباء الواردة من درعا، فالبعض يتحدث عن أن الشحنة كانت لمجموعة أحمد العودة قائد فصيل «اللواء الثامن»، الذي كان يتخذ من بصرى الشام جنوب درعا، معقلاً له، أو أن الشحنة لبعض عناصره وكانت سترسل لاحقا إلى محافظة السويداء. علما أن هناك عناصر يتبعون «اللواء الثامن» احتفظوا بسلاحهم ولم يسلموه لقوى الأمن بعد أن أعلن «اللواء الثامن» حل نفسه مؤخرا، ويُخشى أن يستخدم السلاح في إثارة القلاقل. وأصدرت عشائر وعائلات في بصرى الشام ودرعا، بيانات منفصلة، الأحد، أعلنت فيها رفض كل «ما يمس بوحدة الصف في بصرى الشام بجميع مكوناتها وعوائلها»، داعية إلى تغليب المصلحة العامة والحفاظ على النسيج الاجتماعي «تحت سقف الدولة، كونها الضامن الوحيد للبلد ولحقوق الأفراد». انتشار قوات الأمن العام في مدينة بصرى الشام شرق درعا (تجمع أحرار حوران) في السياق، بدأت وزارة الدفاع السورية، الاثنين، قبول طلبات الراغبين بالانتساب إليها من أبناء الريف الشرقي لمحافظة درعا في جنوب سوريا، في أحد مقراتها غرب مدينة بصرى الشام. وأفادت مصادر محلية في درعا بأنه ستستكمل، في الأيام المقبلة، الجولة على بقية القرى والبلدات في ريفي درعا الأوسط والغربي. ومن المنتظر إطلاق دورة تدريبية خلال أسبوعين. وسبق فتح باب الانتساب إلى وزارة الدفاع في ريف درعا الشرقي، اجتماعا عُقد، يوم الأحد، في مدينة بصرى الشام. وأفاد موقع «درعا 24» المحلي بأن الاجتماع ضمّ قائد الفرقة 40 العقيد بنيان الحريري، إلى جانب قيادات من وزارة الدفاع وقيادات سابقة من المدينة ومحيطها، بهدف تنظيم الأمور العسكرية، وتسجيل عناصر جدد وسابقين في وزارة الدفاع. وبحسب الموقع من المقرر انطلاق دورة تدريبية خلال الأسبوعين القادمين، تشمل المنتسبين الجدد للفرقة 40 من مدينة بصرى الشام وخارجها. صور لأسلحة ضبطت في درعا داخل سيارة مخبأة تحت القش (سانا) ويأتي تنظيم الأمور العسكرية في بصرى الشام وريف درعا عموما، بعد أسبوع من توترات حصلت بين إدارة الأمن العام و«اللواء الثامن»، على خلفية اغتيال القيادي السابق في المعارضة بلال المقداد، الملقب «بلال الدروبي»، من قبل عناصر تابعة للواء، الأمر الذي أثار غضبا واسعاً في المحافظة، تم احتواؤه بسلسلة اجتماعات بين قياديين في الأمن العام ووزارة الدفاع ووجهاء في المنطقة، انتهت إلى قرار «اللواء الثامن» حلّ نفسه وتسليم سلاحه لوزارة الدفاع السورية، لتنتهي بذلك سيطرة «اللواء الثامن» على محافظة درعا. ومع أن «اللواء الثامن» شارك مع إدارة العمليات العسكرية في السيطرة على دمشق ليلة سقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، فإنه رفض لاحقاً الاندماج مع الفصائل تحت لواء وزارة الدفاع، بحسب تصريح وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، لصحيفة «واشنطن بوست» في 6 فبراير (شباط) الماضي.


السوسنة
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- السوسنة
الاردنيون يحتفلون بيوم العلم
مخالفة بــ ٥٠ دينارا في هذا المكان الأردن .. رفع العلم بشكل موحَّد في جميع محافظات المملكة رسوم دخول البتراء تثير الجدل استدعاء طالبة جامعية شتمت الأجهزة الأمنية .. تفاصيل الكترونيا فقط .. الأحوال المدنية تُلغي الحضور الشخصي تنويه هام من الإفتاء للأردنيين .. قانون الأبنية والأراضي .. تعرّف على نسب الضريبة .. وأبو حسان:لن يثقل كاهل المواطن الحكومة تحسم الجدل حول قانون ضريبة الأبنية والأراضي إيران تلوح بطرد مفتشي الوكالة النووية ونقل اليورانيوم المخصب الأردن .. شقة بمليون ونصف المليون في عمّان رفع العلم الأردني في جميع المحافظات الأربعاء سوريا .. قوات أحمد العودة تهاجم عناصر من الدفاع السورية .. فيديو إعفاء موظفين بالأردن من مستحقات الجمع بين راتبين .. وثيقة مهم بشأن ارتفاع أسعار القهوة في بعض المتاجر تحذير من السفارة الأمريكية في عمان Page 2 Page 3 Page 4


نافذة على العالم
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : من هو أحمد العودة: صانع التسويات وقائد اللواء الثامن؟
الاثنين 14 أبريل 2025 09:30 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أحمد العودة، قائد القوات الموالية للحكومة السورية الجديدة، يلوح بيده في بلدة بصرى في محافظة درعا جنوب سوريا، بعد أيام من سقوط النظام. Article information Author, داليا حيدر Role, بي بي سي نيوز 11 يناير/ كانون الثاني 2025 آخر تحديث قبل 4 ساعة أعلن اللواء الثامن أبرز الفصائل المسلحة في جنوب سوريا بقيادة أحمد العودة، حل نفسه ووضع أسلحته وعناصره تحت تصرف وزارة الدفاع السورية. وقال الناطق باسم الفصيل، العقيد محمّد الحوراني في تسجيل مصور يوم الأحد "نحن أفراد وعناصر وضباط ما يعرف سابقاً باللواء الثامن، نعلن رسمياً حل هذا التشكيل، وتسليم جميع مقدراته العسكرية والبشرية إلى وزارة الدفاع السورية،" متابعاً أن هذه الخطوة "بداية جديدة لتعزيز مسيرة الوطن تحت مظلة الدولة السورية". الإعلان أتى بعد يومين من التوترات والاضطرابات التي شهدتها مدينة بصرى الشام في درعا، جنوبي سوريا، عقب مقتل القيادي بلال الدروبي التابع لوزارة الدفاع برصاص عناصر من اللواء، تبعه نشر تعزيزات عسكرية كبيرة في ريف درعا الشرقي، قبل أن تفرض قوى الأمن العام سيطرتها على كامل المدينة. وبهذا تكون القيادة العسكرية في دمشق قد طوت أحد الملفات الحساسة والمعقدة مع اللواء الثامن، من دون أن يعرف مصير قائده أحمد العودة: الشخصية الجدلية التي جذبت الانتباه، منذ اللحظات الأولى لسقوط حكم الأسد. من هو أحمد العودة؟ يلقب أحمد العودة برجل "روسيا في الجنوب" ومهندس التسويات مع النظام السوري السابق. قاتل تنظيم ما يعرف بـ"الدولة الإسلامية" وقوات النظام على حد سواء، لكنه عمل أيضاً لصالح الجيش السوري، وإن نأى بنفسه بوضوح عن محور حزب الله وإيران. تقلبات كثيرة وارتباطات متشابكة ومعقدة رسمت سيرة أحمد العودة على طول أكثر من عقد. فمن هو؟ ولماذا يدور الحديث عنه في الآونة الأخيرة. في الساعات الأولى من صباح الثامن من كانون الأول/ديسمبر، وبينما كانت تستفيق دمشق على خبر إبلاغ الجيش السوري ضباطه بسقوط النظام - كان المقاتل الأربعيني، أحمد العودة، محاطاً بعناصر فصيله يجوبون شوارع العاصمة الفارغة. لم تكن وصلت بعدُ عناصر غرفة العمليات العسكرية، في ما بدا للبعض أنه محاولة لخطف الأنظار عن أحمد الشرع، القائد القادم من الشمال. هذه اللحظة التاريخية لما وصفته جبهة الجنوب بـ"كسر القيود" عن العاصمة - جاءت كانقلاب على الاتفاقات التي عقدها العودة مع النظام السوري السابق المدعوم من روسيا على مدى سنوات. تقلبات مفاجئة وتحالفات متذبذبة ينحدر أحمد العودة من مدينة بصرى الشام في محافظة درعا، ودرس الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق، وأنهى خدمته الإلزامية في الجيش السوري قبل أن يسافر إلى الإمارات مع عائلته، بحسب ما ذكر مصدر مقرب منه لبي بي سي، فضّل عدم ذكر اسمه. لكنه لم يطل الغياب، فبعد عام على انطلاقة الثورة السورية من درعا، عاد ليشارك في العمل المسلح ضد النظام، وانضم إلى صفوف الجيش السوري الحر، وأصبح قائد "كتيبة شباب السنة" التي توسعت وغيرت تسميتها أكثر من مرة إلى أن تم التوصل لتسوية بشأنها مع النظام السوري، في تموز/يوليو 2018. فقد ثلاثة من أشقائه أثناء قتالهم مع الجيش السوري الحر، بينما كان يخوض معارك مع فصيله في درعا قبل أن يصبح جزءاً من الجبهة الجنوبية للجيش ذاته في 2014، ويبسط سيطرته لاحقاً على بُصرى الشام، بحسب ما ذكر موقع "الذاكرة السورية". يعرف عن العودة أنه لم يكن على وفاق مع جبهة النصرة أو فصائل أخرى إسلامية متشددة في المدينة، بالرغم من أنه قاتل إلى جانبهم لتحقيق الهدف الأكبر: إسقاط النظام. من دعم "الموك" لتمويل روسي "خجول" مع الوقت، أصبح فصيل العودة من الفصائل الرئيسة والأكثر تمويلاً في محافظة درعا، إذ حظي بدعم من غرفة "الموك" العسكرية الخارجية التي كانت تأخذ من الأردن مقراً لها. كذلك حصل على دعم وتمويل من دولة الإمارات بحكم صلة القرابة التي تربطه برجل الأعمال السوري المقيم هناك خالد المحاميد، بحسب تقارير إعلامية. توقف الدعم مع نهاية 2017، بحسب المصدر المقرب من العودة، ليصبح التمويل "خجولاً يغطي بشكل أساسي رواتب العناصر". هذه المرة كان التمويل روسياً. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، المتمردون السوريون وأقاربهم يغادرون مدينة درعا الجنوبية بموجب اتفاق لإعادة "مهد" الانتفاضة في البلاد إلى قبضة الحكومة، 15 تموز/يوليو، 2018. ففي 2018 بدأت القوات الحكومية السورية حملة عسكرية لاستعادة السيطرة على الجنوب تزامنت مع اتفاق تسوية مع روسيا، التي تدعم النظام السوري، لتسليم السلاح الثقيل وتسوية أوضاع المعتقلين، بحسب المصدر ذاته. وبات حينها العودة قائد ما يعرف بـ"اللواء الثامن" الذي يتبع تنظيمياً الجيش النظامي السوري، كما انضم لتشكيل "الفيلق الخامس" الذي يتبع شعبة الأمن العسكري في نهاية عام 2020. لكنه رغم ذلك بقي مستقلاً عن قوات النظام، ومتفرداً بقيادة عناصره البالغ عددهم عدة آلاف. الفترة التي تلت لم تكن هادئة تماماً، إذ شهدت البلدات الجنوبية اشتباكات متفرقة ومتقطعة في ريف درعا سواء بين عناصر الجيش النظامي والأمن العسكري، أو بين بعض المجموعات المتمردة المحلية وقوات النظام. وكان العودة في تلك الفترة يتنقل بين درعا والأردن، حيث تقيم عائلته، فهو متزوج من اثنتين وأب لستة أبناء وابنتين. لكن اسمه برز مجدداً في تشرين الأول/أكتوبر 2022، حيث شارك فصيله في حملات ضد خلايا تنظيم داعش أسفرت إحداها عن مقتل قائد التنظيم المدعو أبو الحسن الهاشمي القرشي في مدينة جاسم. دمشق، لساعات فقط صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، رجال مسلحون يقفون في الساحة خارج البنك المركزي السوري في اليوم التالي لسقوط النظام مع بداية عملية "ردع العدوان" التي قادتها هيئة تحرير الشام، المدعومة تركياً، ضد النظام السوري في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بدأت الفصائل في الجنوب تتحرك واستولت على مواقع حكومية ومقار أمنية وعسكرية. وفي السادس من كانون الأول/ديسمبر تشكلت "غرفة عمليات الجنوب" التي ضمت فصائل مسلحة من درعا والسويداء والقنيطرة. وبدأت القوى الموحدة زحفها باتجاه العاصمة. قبل السادسة صباحاً يوم الثامن من كانون الأول/ديسمبر كان العودة ورفاقه أول قوى المعارضة التي تطأ أقدامها ساحة الأمويين، ليسمع السوريون نبأ سقوط نظام الأسد بعد أقل من نصف ساعة. بدأ عناصر الفصيل بالتمركز حول بعض المرافق الحيوية الرئيسية للعاصمة، لكن لم تمضِ ساعات حتى بدؤوا يعودون أدراجهم جنوباً بتوجيهات من قائدهم. يعلق المصدر المقرب من العودة بأن ذلك كان "تجنباً لمشاكل أو اصطدامات في الساعات الأولى للانتصار"، مضيفاً أنه "لم يكن لدينا جيش يمكن أن يحمي عاصمة" - في إشارة إلى ضعف الإمدادات مقارنة بهيئة تحرير الشام. بعد خروجه من دمشق، قرر ائتلاف "غرفة عمليات الجنوب" التمسك بسلاحه بالرغم من دعوة السلطات الجديدة لحل التشكيلات المسلحة كافة، لكنه لم يستبعد في الوقت ذاته استعداده للانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع. دور قيادي أكبر مستقبلاً؟ يصف المصدر المقرب من العودة رفيقه بأنه "صاحب فكر وقوي الشخصية، ولديه القدرة على التأثير بمن حوله"، متمنياً أن يكون له دور قيادي أكبر في المستقبل. الأمنيات التي قد لا ترتاح لها أوساط القيادة الحالية خاصة مع تداول تكهنات حول طموحات العودة في دولة ما بعد سقوط النظام، متحصناً بتحالفاته الإقليمية. وبحسب عبد الله علي، الصحفي في جريدة النهار اللبنانية والمتابع لشؤون التنظيمات الإسلامية، فقد كان من اللافت للنظر تلك "السلاسة" التي انسحبت بها الفصائل من دمشق إلى الجنوب، إذ كانوا "على مستوى السيطرة على معبر يتقاتلون لأشهر والدم يصبح نهراً. أما الآن، وعلى مستوى حكم البلد، الفصائل انسحبت بسلاسة، ما قد يدل على وجود ترتيبات دولية أقوى منهم". كذلك فإن أي تجاذبات مع الفصيل قد تزيد من الملفات العالقة التي يجد الشرع نفسه في مواجهتها على أكثر من صعيد، دون تجاهل حساسية الجبهة الجنوبية المحاذية لإسرائيل. فالقائد الجنوبي يحظى بدعم عربي وإقليمي، وبالتالي فإن مصيره اليوم قد يعكس إلى حد ما توجهات الدول المحيطة. وقد تزامنت التطورات الأخيرة مع زيارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى دولة الامارات. والتقى الشرع رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأحد ووصف اللقاء "بالناجح بكل المقاييس"، وفق ما نشر المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش عبر حسابه على منصة "إكس". وبدا ذلك وكأنه بوادر لانفراج على العلاقات السورية الإماراتية، التي سادها الفتور بعد تسلم القيادة الحالية للحكم في سوريا، وهو ما عزاه مراقبون للشأن السوري لـ"عدم ارتياح" الإمارات، على غرار السعودية، لنهج القيادة الجديدة. الأمر الذي اختلف بعد نشاط دبلوماسي وتصريحات إيجابية من كل الأطراف.


الأيام
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الأيام
من هو أحمد العودة: صانع التسويات وقائد اللواء الثامن؟
Getty Images أحمد العودة، قائد القوات الموالية للحكومة السورية الجديدة، يلوح بيده في بلدة بصرى في محافظة درعا جنوب سوريا، بعد أيام من سقوط النظام. أعلن اللواء الثامن أبرز الفصائل المسلحة في جنوب سوريا بقيادة أحمد العودة، حل نفسه ووضع أسلحته وعناصره تحت تصرف وزارة الدفاع السورية. وقال الناطق باسم الفصيل، العقيد محمّد الحوراني في تسجيل مصور يوم الأحد 'نحن أفراد وعناصر وضباط ما يعرف سابقاً باللواء الثامن، نعلن رسمياً حل هذا التشكيل، وتسليم جميع مقدراته العسكرية والبشرية إلى وزارة الدفاع السورية،' متابعاً أن هذه الخطوة 'بداية جديدة لتعزيز مسيرة الوطن تحت مظلة الدولة السورية'. الإعلان أتى بعد يومين من التوترات والاضطرابات التي شهدتها مدينة بصرى الشام في درعا، جنوبي سوريا، عقب مقتل القيادي بلال الدروبي التابع لوزارة الدفاع برصاص عناصر من اللواء، تبعه نشر تعزيزات عسكرية كبيرة في ريف درعا الشرقي، قبل أن تفرض قوى الأمن العام سيطرتها على كامل المدينة. وبهذا تكون القيادة العسكرية في دمشق قد طوت أحد الملفات الحساسة والمعقدة مع اللواء الثامن، من دون أن يعرف مصير قائده أحمد العودة: الشخصية الجدلية التي جذبت الانتباه، منذ اللحظات الأولى لسقوط حكم الأسد. من هو أحمد العودة؟ يلقب أحمد العودة برجل 'روسيا في الجنوب' ومهندس التسويات مع النظام السوري السابق. قاتل تنظيم ما يعرف بـ'الدولة الإسلامية' وقوات النظام على حد سواء، لكنه عمل أيضاً لصالح الجيش السوري، وإن نأى بنفسه بوضوح عن محور حزب الله وإيران. تقلبات كثيرة وارتباطات متشابكة ومعقدة رسمت سيرة أحمد العودة على طول أكثر من عقد. فمن هو؟ ولماذا يدور الحديث عنه في الآونة الأخيرة. في الساعات الأولى من صباح الثامن من كانون الأول/ديسمبر، وبينما كانت تستفيق دمشق على خبر إبلاغ الجيش السوري ضباطه بسقوط النظام – كان المقاتل الأربعيني، أحمد العودة، محاطاً بعناصر فصيله يجوبون شوارع العاصمة الفارغة. لم تكن وصلت بعدُ عناصر غرفة العمليات العسكرية، في ما بدا للبعض أنه محاولة لخطف الأنظار عن أحمد الشرع، القائد القادم من الشمال. هذه اللحظة التاريخية لما وصفته جبهة الجنوب بـ'كسر القيود' عن العاصمة – جاءت كانقلاب على الاتفاقات التي عقدها العودة مع النظام السوري السابق المدعوم من روسيا على مدى سنوات. تقلبات مفاجئة وتحالفات متذبذبة ينحدر أحمد العودة من مدينة بصرى الشام في محافظة درعا، ودرس الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق، وأنهى خدمته الإلزامية في الجيش السوري قبل أن يسافر إلى الإمارات مع عائلته، بحسب ما ذكر مصدر مقرب منه لبي بي سي، فضّل عدم ذكر اسمه. لكنه لم يطل الغياب، فبعد عام على انطلاقة الثورة السورية من درعا، عاد ليشارك في العمل المسلح ضد النظام، وانضم إلى صفوف الجيش السوري الحر، وأصبح قائد 'كتيبة شباب السنة' التي توسعت وغيرت تسميتها أكثر من مرة إلى أن تم التوصل لتسوية بشأنها مع النظام السوري، في تموز/يوليو 2018. فقد ثلاثة من أشقائه أثناء قتالهم مع الجيش السوري الحر، بينما كان يخوض معارك مع فصيله في درعا قبل أن يصبح جزءاً من الجبهة الجنوبية للجيش ذاته في 2014، ويبسط سيطرته لاحقاً على بُصرى الشام، بحسب ما ذكر موقع 'الذاكرة السورية'. يعرف عن العودة أنه لم يكن على وفاق مع جبهة النصرة أو فصائل أخرى إسلامية متشددة في المدينة، بالرغم من أنه قاتل إلى جانبهم لتحقيق الهدف الأكبر: إسقاط النظام. من دعم 'الموك' لتمويل روسي 'خجول' مع الوقت، أصبح فصيل العودة من الفصائل الرئيسة والأكثر تمويلاً في محافظة درعا، إذ حظي بدعم من غرفة 'الموك' العسكرية الخارجية التي كانت تأخذ من الأردن مقراً لها. كذلك حصل على دعم وتمويل من دولة الإمارات بحكم صلة القرابة التي تربطه برجل الأعمال السوري المقيم هناك خالد المحاميد، بحسب تقارير إعلامية. توقف الدعم مع نهاية 2017، بحسب المصدر المقرب من العودة، ليصبح التمويل 'خجولاً يغطي بشكل أساسي رواتب العناصر'. هذه المرة كان التمويل روسياً. Getty Images المتمردون السوريون وأقاربهم يغادرون مدينة درعا الجنوبية بموجب اتفاق لإعادة 'مهد' الانتفاضة في البلاد إلى قبضة الحكومة، 15 تموز/يوليو، 2018. ففي 2018 بدأت القوات الحكومية السورية حملة عسكرية لاستعادة السيطرة على الجنوب تزامنت مع اتفاق تسوية مع روسيا، التي تدعم النظام السوري، لتسليم السلاح الثقيل وتسوية أوضاع المعتقلين، بحسب المصدر ذاته. وبات حينها العودة قائد ما يعرف بـ'اللواء الثامن' الذي يتبع تنظيمياً الجيش النظامي السوري، كما انضم لتشكيل 'الفيلق الخامس' الذي يتبع شعبة الأمن العسكري في نهاية عام 2020. لكنه رغم ذلك بقي مستقلاً عن قوات النظام، ومتفرداً بقيادة عناصره البالغ عددهم عدة آلاف. الفترة التي تلت لم تكن هادئة تماماً، إذ شهدت البلدات الجنوبية اشتباكات متفرقة ومتقطعة في ريف درعا سواء بين عناصر الجيش النظامي والأمن العسكري، أو بين بعض المجموعات المتمردة المحلية وقوات النظام. وكان العودة في تلك الفترة يتنقل بين درعا والأردن، حيث تقيم عائلته، فهو متزوج من اثنتين وأب لستة أبناء وابنتين. لكن اسمه برز مجدداً في تشرين الأول/أكتوبر 2022، حيث شارك فصيله في حملات ضد خلايا تنظيم داعش أسفرت إحداها عن مقتل قائد التنظيم المدعو أبو الحسن الهاشمي القرشي في مدينة جاسم. دمشق، لساعات فقط Getty Images رجال مسلحون يقفون في الساحة خارج البنك المركزي السوري في اليوم التالي لسقوط النظام مع بداية عملية 'ردع العدوان' التي قادتها هيئة تحرير الشام، المدعومة تركياً، ضد النظام السوري في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بدأت الفصائل في الجنوب تتحرك واستولت على مواقع حكومية ومقار أمنية وعسكرية. وفي السادس من كانون الأول/ديسمبر تشكلت 'غرفة عمليات الجنوب' التي ضمت فصائل مسلحة من درعا والسويداء والقنيطرة. وبدأت القوى الموحدة زحفها باتجاه العاصمة. قبل السادسة صباحاً يوم الثامن من كانون الأول/ديسمبر كان العودة ورفاقه أول قوى المعارضة التي تطأ أقدامها ساحة الأمويين، ليسمع السوريون نبأ سقوط نظام الأسد بعد أقل من نصف ساعة. بدأ عناصر الفصيل بالتمركز حول بعض المرافق الحيوية الرئيسية للعاصمة، لكن لم تمضِ ساعات حتى بدؤوا يعودون أدراجهم جنوباً بتوجيهات من قائدهم. يعلق المصدر المقرب من العودة بأن ذلك كان 'تجنباً لمشاكل أو اصطدامات في الساعات الأولى للانتصار'، مضيفاً أنه 'لم يكن لدينا جيش يمكن أن يحمي عاصمة' – في إشارة إلى ضعف الإمدادات مقارنة بهيئة تحرير الشام. بعد خروجه من دمشق، قرر ائتلاف 'غرفة عمليات الجنوب' التمسك بسلاحه بالرغم من دعوة السلطات الجديدة لحل التشكيلات المسلحة كافة، لكنه لم يستبعد في الوقت ذاته استعداده للانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع. دور قيادي أكبر مستقبلاً؟ يصف المصدر المقرب من العودة رفيقه بأنه 'صاحب فكر وقوي الشخصية، ولديه القدرة على التأثير بمن حوله'، متمنياً أن يكون له دور قيادي أكبر في المستقبل. الأمنيات التي قد لا ترتاح لها أوساط القيادة الحالية خاصة مع تداول تكهنات حول طموحات العودة في دولة ما بعد سقوط النظام، متحصناً بتحالفاته الإقليمية. وبحسب عبد الله علي، الصحفي في جريدة النهار اللبنانية والمتابع لشؤون التنظيمات الإسلامية، فقد كان من اللافت للنظر تلك 'السلاسة' التي انسحبت بها الفصائل من دمشق إلى الجنوب، إذ كانوا 'على مستوى السيطرة على معبر يتقاتلون لأشهر والدم يصبح نهراً. أما الآن، وعلى مستوى حكم البلد، الفصائل انسحبت بسلاسة، ما قد يدل على وجود ترتيبات دولية أقوى منهم'. كذلك فإن أي تجاذبات مع الفصيل قد تزيد من الملفات العالقة التي يجد الشرع نفسه في مواجهتها على أكثر من صعيد، دون تجاهل حساسية الجبهة الجنوبية المحاذية لإسرائيل. فالقائد الجنوبي يحظى بدعم عربي وإقليمي، وبالتالي فإن مصيره اليوم قد يعكس إلى حد ما توجهات الدول المحيطة. وقد تزامنت التطورات الأخيرة مع زيارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى دولة الامارات. والتقى الشرع رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأحد ووصف اللقاء 'بالناجح بكل المقاييس'، وفق ما نشر المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش عبر حسابه على منصة 'إكس'. وبدا ذلك وكأنه بوادر لانفراج على العلاقات السورية الإماراتية، التي سادها الفتور بعد تسلم القيادة الحالية للحكم في سوريا، وهو ما عزاه مراقبون للشأن السوري لـ'عدم ارتياح' الإمارات، على غرار السعودية، لنهج القيادة الجديدة. الأمر الذي اختلف بعد نشاط دبلوماسي وتصريحات إيجابية من كل الأطراف. وليس من الواضح اليوم إن كانت هذه التطورات الأخيرة في الجنوب ستعني إقصاء العودة تماماً، أم أنها قد تكون بداية لتسوية جديدة يبرز بها اسمه مجدداً من خلال مناصب قيادية في الجيش السوري الجديد، على غرار قادة الفصائل الأخرى التي قاتلت إلى جانب هيئة تحرير الشام بهدف إسقاط النظام السابق. هذا ما ستوضحه الأيام القليلة القادمة.