أحدث الأخبار مع #أمثال


الشرق الأوسط
منذ 2 أيام
- منوعات
- الشرق الأوسط
مِنْ حِكَمِ المُتَنَبّي وَأَمْثَالِه
«مصائب قوم عند قوم فوائد» هذا عجز بيتٍ يردده المحدثون بكثرة وصدره: «بذا قضت الأيام ما بين أهلها» ولقد ذهب العجز حكمة بل قل مثلاً سائراً بين الناس. ويندر ألا تجد قصيدةً للمتنبي إلا وفيها حكمة ولا نبالغ إذا قلنا إن حكمة المتنبي تنقلب مثلاً ليس له مضرب. وعدَّد ابنُ الشجري في أماليه أمثالاً لأبي الطيب المتنبي، جاءت في أعجاز أبيات. فمنها: أنَا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ المصائب تُصَغِّر عظائمها سواها، ويخشى الناس البللَ في أحوالهم الطبيعية، لكنَّ الغريق لا يأبهُ بحالٍ للبللِ. في القاموس المحيط: البلل: ابتلال الرطب. قال ابن وكيع، في «المنصف للسارق من المسروق» عن بيت المتنبي: هو مأخوذ من قول عدي بن زيد: لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصّان بالماءِ اعتصاري قُلتُ: ما أبعدَ بيت المتنبي من بيت ابن عدي! لا لجهةِ جمال المعنى، ولا لجهة جمال المبنى! وقال الواحدي والعُكبري: وهذا من قول بشار: كمزيل رجليه عن بللِ القطر وما حولَه من الأرضِ بحرُ قُلتُ: هو أجملُ من قول بشار. ومنها: وكُلُّ اغْتِيَابٍ جَهْدُ مَنْ مَا لَهُ جُهْدُ ذكر المتنبي جهدَ في العجز مرتين، الأولى بالفَتح؛ جَهْدُ، وَهي كمَا قالَ الوَاحِدي: المشقَّةُ. والثَّانيةُ بالضم؛ جُهْدُ، وهي: الطَّاقة. فِي «الذخائر والعبقريات»: «قالوا: غضبُ الجاهلِ في قولِه، وغَضبُ العاقلِ في فِعْلِه». قالَ بعض بني أُمَيَّة: «الغيبةُ جهد العاجز»، كمَا عند ابن وكيع. أمَّا «النظام في شرح شعر المتنبي»، ففيه: «قال المبارك بن أحمد: إنَّما أخذه من قولِ الإمامِ علي عليه السلام: الغيبة جهد العاجز». قُلتُ: الغيبةُ سلوكُ الدَّنيء. فَالمُتنبّي يُنكِرُ على نفسِه مجازاةَ عدوّه باغتيابِه، فهذَا جهدُ مَنْ لَا جهد لهُ، وَهو مشقةٌ يبذلُها من ليست لديهِ طاقة. واستشهدَ الواحديُّ والبَرقوقيُّ بقولِ الشَّاعر: وتَجهَلُ أَيدِينا وَيَحْلُمُ رَأيُنا وَنَشتِمُ بالأَفعالِ لا بالتَّكَلُمِ ونسبهُ البرقوقي إلى إياس بن قتادة، ووجدت النهشلي القيرواني (ت 405 هـ) في «الممتع في صنعة الشعر» ينسبه إلى معيذ بن علقمة. والصَّحيح أنَّه: معبدُ بن علقمة المازني، شاعر مخضرم، صحابي، شهد فتح مكة، وفاته نحو عام 70 هـ. والبيت السابق، مذكور في شعرِ الحَماسةِ. والحِلمُ: هو «الأناةُ والسَّكون مَع القدرةِ والقوة»، كَمَا فِي «الكُليات»، وعرفه الجُرجانيُّ بأنَّه: «الطُّمأنينة عِند سَوْرَةِ الغَضَب». ومنهَا: ليسَ التَّكَحُّلُ في العَينَينِ كالكَحَلِ قالَ أبو العلاء المعري: الكَحَل: أن تكونَ أشفارُ العينِ سوداءَ خِلقةً. والتَّكَحُّل: استعمالُ الكُحل. وصدر البيت قوله: لأنَّ حِلْمَكَ حِلْمٌ لَا تَكَلَّفُهُ فما تمارسُه من حِلمٍ يأتي طبيعةً، بلا تكلُّفٍ، ولا تَصنُّعٍ. والفرقُ بينهما كالفرقِ بين من خُلقت أشفارُ عينيه سوداء، ومن وضعَ الكحل في عينيه. يُقال: لم تَكتحل عيناه بنومٍ؛ أي: لم يَنمْ. وفِي الأمثال: يسرقُ الكحلَ من العين. للماهر في الاختلاس. الكحلُ في العينِ الرمدة خسارة. أرادَ أن يكحلَها فأعمَاهَا.


عكاظ
منذ 3 أيام
- ترفيه
- عكاظ
أمثال منتهية الصلاحية (يوم الحكومة بسنة)
قلّ ما يمر على إنسان، يوم، أو حدث، أو موقف، إلا ويحضر المثل، للاستشهاد به، أو ليسلّي المُبتلى نفسه، وفي ذلك تأصيل للموروث الحِكَمِي، النابع من عمق الوجدان البشري، الممهور بختوم الشقاء والمعاناة، والنابت من رحم الألم، ومحطات طول الانتظار، وسرادق الفرح والترح، فلكل مشكلة، أو منظر، أو وجع ما يناسبه من حصيلة تجارب الشعوب، والأمم. ويمكننا تقييم ثقافة وسلوكيات مجتمع ما، من أمثاله، فالمجتمع المسالم على سبيل المثال، يتبنى المثل (اللي ما يبلع الريق ما له رفيق)، والعدواني يأخذ بمثل (أصغر منك كُلْهُ)، واللصوصي (إذا عشقت اعشق قمر وإذا سرقت اسرق جمل)، والبراغماتي (لأجل عين تكرم مدينة)، والاستهلاكي (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، والمَتملّق (إذا لك عند الكلب حاجة قُل له يا سيدي)، والمماطل (اعطني اليوم الصوف وبكرة خذ مني خروف). وربما ترسّخ بعض الأمثال الشعبية قناعات مؤذية لأصحابها، بحكم ما يمنحه البعض للمثل المنقول، والحكمة المتوارثة من قداسة، ويراها وصايا تحرم مخالفتها، دون وعي بأنها مورّطة في اعتداء، وزور وتجاوز وفجور، وانتهاك لحق الغير، وأحياناً، موجبة للقصاص والعقاب، منها المثل (ابعد حدّك يقربوه الرجال)، و(اللي يحطّ اصبعه على خشمك، حط اصبعك في عينه)، و(اللي تعرف ديته اقتله). ومن أعمق الأمثال تلك التي تعتمد الرمزية والتوريّة، ومنها (حثل ما يحفظ العذوق مخروق)، و(الما ما يروب والقحمة ما تتوب)، و(في السوق الله الله، وفي البيت يعلم الله)، و(ما شمّها إلا عمّها)، و(سيل وادي قوب ليته يسدّ اخبايره)، و(خلّ بعض الخلايق دمعة ما تبلّ حفافها)، و(ثوب العاريّه ما يدفّي)، و(من تزيّا بزِيّ ما هو لجده وأبيه، أتى عليه زمان يتمنى الموت فيه). وما يلفت الانتباه، أن بعض الأمثال تنتهي صلاحيتها، بحكم تغيّر الحال، ومن خلال التطوّر المبهج في بلادنا، خصوصاً اعتماد الرقميّة، وتسهيل المراجعات ومتابعة المعاملات، انتهى أثر ووقع المثل (يوم الحكومة بسنة)، فالذي سكّ أو صاغ المثل، لو كان بيننا اليوم، سيشعر بالحرج، فالزمن الذي قال فيه مَثَلُهُ، كان ينشف فيه ريق المواطنين، حين مراجعتهم للأجهزة البيروقراطية (أسيرة الروتين) والتي كان من شعاراتها (راجعنا بكرة)، و(معاملتك ما لقيناها)، و(رح وانحن بنتصل عليك) قبل إنشاء هيئة مكافحة الفساد، واليوم ربما ينجز معاملته حفيده طالب الابتدائي بالدخول على تطبيق (أبشر) أو (توكلنا) أو غيرها؛ ويُنهيها في دقائق معدودة، طبعاً ليست كل المعاملات، لكن على الأقل الخدميّة. ومن الأمثال الاجتماعية (ضيف العِشا ما له عَشا) بحكم أن مجتمعات الإنتاج، قبل نصف قرن، تأكل الميسور بعد المغرب، وتنام بعد صلاة العِشاء، وهي مجتمعات (قوت لا يموت)، فالضيف في الليل مكروه، قبل عصر المطاعم (التيك أوي) ومحانذ ومنديات الخراف والتيوس، ومولات الكل شيء، ولذا لم يعد الضيف مكروهاً، وعشاه والم ولو بعد منتصف الليل. وهناك أمثال تنتهك حقوق شرائح مجتمعيّة، منها شريحة النساء؛ فالمثل الذي يقول (شاور المرأة وخالفها)، بل وينسبه البعض للمصطفى عليه الصلاة والسلام (شاوروهن وخالفوهن)، لكي يمارس الشوفينية على النساء، وهذا لم يعد صالحاً، ولا ينطبق على عصرنا، الذي تفوّقت فيه كثير من النساء على بعض الرجال؛ أو (الإناث على الذكور)؛ ولا أقصد التمييز، بل لأن الرجولة أسمى وأعلى من الذكورة، و(اللي ما تتأدب بالمَعْرَق تتأدب بالمَطْرَق)، أي اللي ما هي مؤدبة بالنسب، تتأدب بالضرب، والمطرق عصاة من أغصان اللوز والرمان، ومثلهما (الحرمة اشبعها واقبعها واصفعها وعلى الهول ادفعها) كلها غدت بالية، ومحتها منجزات أخواتنا وزوجاتنا وبناتنا التي ترفع الرأس، وتستحق الحُبّ لا الضرب، ناهيك عن أن تشريعات الدولة السعودية، قوّمت المعوّج، وعدّلت المائل، وحفظت لكل مواطن ومواطنة ما له من حقوق، وحالت بالمؤسسات المعنيّة دون أي اعتداء أو تطاول. ولعلّ الأمثال التي تضم مكونات إنسانية مختلفة ومتعددة، تخلّد؛ فالمثل الذي نحفظه جميعاً (يا غريب خلّك أديب) صالح لكل زمان ومكان، والأدب ليس محموداً من الغريب فقط، بل حتى من القريب، فهو من حُسن الأخلاق، ومن الحياء الذي لا يأتي إلا بخير، ومَثَل (من له سوق وعقبة رجله على كل رقبة) وإن انتهى منطوقه، إلا أن مفهومه واقعي، فالدول التي تملك طرق تجارة آمنة، ولديها أسواق، تتحكم في سياسات دول واقتصادياتها، وتخفض وترفع أسعار السلع؛ ولا أحد يجرؤ يفتح فمه، إلا للتثاؤب. ولا ريب أن لاختلاط أفراد المجتمعات وتواصلهم مع غيرهم له (دور) في نقل الأمثال من بيئة إلى أخرى، فالذين انتقلوا لبيئة مكة من الأجداد والآباء نقلوا أمثالاً تنسجم مع معطيات بيئتهم الأولى منها (مين شايفك يا اللي في الظلام تغمز)، و(يدّ ما تقدر تدوسها بُوسها)، و(لا تقرصيني يا نحلة وما ابغي لك عسل)، و(شعرة من إنس وشعرة من جِنّ وطلع له دِقن)، و(دقّه بدقّه ولو زدنا زاد السقا). يروي أحد معارفي؛ أن أباه كان يعتمد سياسة الإنفاق بلا حدود، ودائماً يردد المثل (انفق ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب) قال؛ ومات أبي واعتمدتُ ذات السياسة، وفي أحد الأيام، ما وعيت إلا وجيب الشرطة في حوشي؛ وسلمني طلب مراجعة للحقوق، بسب شكوى من غرماء يطالبوني بسداد ديون، فقلت في نفسي؛ رحمك الله يا أبي، جاني ما في الغيب. بالطبع لم تأتِ الأمثال والحِكم من فراغ، ويختلف الناس في وصف المثل، بالشعبي، والعامي، نسبة للعامة؛ ولا يمكن إلغاء مثل أو حكمة، ولو انتهت صلاحيتهما، فالأمثال تفرض نفسها، دون مراعاة للحلال والحرام والعيب، فبعض الأمثال توظّف فيها (العورة) أكرمكم الله، وكان كبار السن عندما يوردونها يقولون قبلها (حاشى السامعين وملائكة ربّ العالمين)، وتظل الأمثال مرآة شعوب، فيها ملخّص عن عقليات ووعي حكماء، ونتاج مختبرات تجارب نابضة بكل ما هو أصيل. أخبار ذات صلة


الجزيرة
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
نكات وثورات
"جنت على أهلها براقش"؛ مثل قديم يعبر عن قصة براقش، تلك الكلبة التي كانت تعيش مع قوم من العرب. ذات يوم، أغار الأعداء على قومها، فهربوا إلى مغارة، لكن براقش نبحت فكشفت مخبأهم، فجاء الأعداء وقتلوهم جميعًا. ومن هنا جاء المثل، فهو "قصة تعليمية وجيزة، قد تكون شعرًا أو نثرًا، توضح درسًا أو مبدأً تثقيفيًّا". ومع مرور الزمن، واتساع العالم، وتزاحم الأحداث، قلت الأمثال الجديدة، وصارت الأمثال المتداولة قديمة العهد. لكننا وجدنا بديلًا عنها، تمثل في النكتة (الطرفة). فالنكتة هي "النقطة من بياض في سواد، أو من سواد في بياض، ونقول: هو كالنكتة البيضاء في الثوب الأسود. ثم استعملت الكلمة للدلالة على عبارة منقحة، أو جملة طريفة صدرت عن دقة نظر وإمعان فكر، أو مسألة لطيفة تؤثر في النفس انبساطًا. واستعملت لاحقًا في النوادر التي تضحك وتبعث على السرور". وقد قسمت النكتة (الطرفة) إلى موضوعات عديدة: سياسية، ورياضية، واقتصادية، وغيرها… فالنكتة تمثل أحوال الشعوب، تجدها حاضرة في الفرح والحزن، في الغضب والسكينة، على ألسنة الناس دائمًا. ومن أشهر النكات التي خلدت في التاريخ، تلك التي تسببت في مقتل صاحبها، وكأنه يقول: "حياة بلا نكتة كالموت بلا جنازة، لا فرق"؛ فالنكتة قد تودي بصاحبها. فهل نجح مطلقو النكات فعلًا في تغيير أنظمتهم؟ إعلان يشرح الأستاذ الجامعي المتخصص في علوم الإنسان، إليوت أورينغ، أن "التهكم ليس مجرد وسيلة للترفيه، وإلا لما فرضت عليه الرقابة. فالمجتمعات المحافظة تحظر النكات الجنسية، وبعضها تحظر النكات العرقية"، مضيفًا: "النكتة قد تكون مكلفة". وذكر مثالًا: حين أعدم ثيوكريتوس دوشيوس بعدما قيل له إن الملك أنتيغونوس (301–82 ق.م) سيعفو عنه إن "وقف أمام ناظريه"، وكان الملك نصف أعمى، فرد: "إذًا، العفو مستحيل". وتقسم النكتة (الطرفة) حسب المضمون أيضًا؛ فمنها "حلوة" و"بايخة". ولنا في النكتة التي قالها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد مثال على الثانية، حين قال: "هل ألتقي أردوغان لكي نشرب المرطبات مثلًا؟". روى الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي وأنس بن مالك -رضي الله عنهما- مرفوعًا إلى النبي ﷺ أنه قال: "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، سلب ذوي العقول عقولهم، حتى إذا نفذ قضاؤه وقدره، ومضى أمره، أعاد إلى ذوي العقول عقولهم، فندموا". وقد لاقت هذه النكتة انتشارًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من حيث توقيتها أو تبعاتها. فمن حيث التوقيت، كانت البلاد في حالة حرب ودمار بينما الرئيس يجلس في قصره محصنًا، لا يلقي بالًا لما يحدث، ليس عن ثقة، بل عن جهل. أما تبعاتها، فقد أسهمت -كغيرها من الأحداث- في سقوطه وفراره مذمومًا بعد معارك استمرت 265 ساعة (أحد عشر يومًا). ففي تعريف النكتة (الطرفة) أنها "جملة طريفة صادرة عن دقة نظر وإمعان فكر". ووضعه وقتها يغني عن الشرح؛ فلو كان يمتلك دقة النظر وإمعان الفكر، لما أصبحت تلك الجملة من أكثر نكات القرن الحادي والعشرين "بياخةً"، لكن حدث ما كان يجب أن يحدث، ولولا ذلك لما كنت أكتب هذا المقال الآن. فكما قيل: "مصائب قوم عند قوم فوائد". وفي هذا السياق، ربما كانت هذه الجملة نكتة أكثر منها مثلًا.. فهل يحق لنا أن نقول إن نكتة "هل ألتقي أردوغان لكي نشرب المرطبات مثلًا؟" قد جنت على صاحبها؟ روى الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي وأنس بن مالك -رضي الله عنهما- مرفوعًا إلى النبي ﷺ أنه قال: "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، سلب ذوي العقول عقولهم، حتى إذا نفذ قضاؤه وقدره، ومضى أمره، أعاد إلى ذوي العقول عقولهم، فندموا".