logo
#

أحدث الأخبار مع #إدواردسعيد

بعد 8 سنوات، يعود بألبوم "بعد السّماء الأخيرة": أنور براهم... عازف العود المتمرد على الحدود !
بعد 8 سنوات، يعود بألبوم "بعد السّماء الأخيرة": أنور براهم... عازف العود المتمرد على الحدود !

time١٤-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه

بعد 8 سنوات، يعود بألبوم "بعد السّماء الأخيرة": أنور براهم... عازف العود المتمرد على الحدود !

بل هو تاريخ من العشق ومن الحكايا والجمال الذي لا يبوح بسره إلا لمن يتمكن من اقتياده وإجباره على البوح، لذلك يمضي العازف معه عمرا كاملا وقد يتحقق له هذا التميّز أو لا يتحقق". بهذه الكلمات اختصر عازف العود نصير شمّة المسافة الفاصلة بين أنامل الفنان وأوتار العود التي تبدو على قربها أبعد من بعيد، فللعود أسرار وأوكار لا تهب مفاتيحها إلا للمبدعين المختلفين، ومن بينهم التونسي أنور براهم. في حفل حصري واستثنائي على ركح مهرجان دقة في صائفة 2024، عزف أنور براهم أمام جمهور وشبابيك مغلقة لتسافر نغماته كالنوارس في سماء بعيدة من الأحلام. وإلى ما "بعد السّماء الأخيرة" تحلّق موسيقى أنور براهم في ألبومه حديث الصدور. أنور براهم ومحمود درويش وإدوارد سعيد يقول محمود دروريش: "إلَى أين نذهب بعد الحدود الأخِيرة ؟ أَين تطير العصافِير بعد السَماء الأخيرة؟ أَين تنام النَّباتات بعد الهَوَاء الأخير؟ وقد ألهمت هذه الشذرات الشعرية والمدارات الوجودية أنور براهم عنوان ألبومه الجديد : "بعد السّماء الأخيرة". وسبق إن استوحى انور براهم من قصيدة محمود درويش " ريتا والبندقية" عنوان ألبومه "عيون ريتا المذهلة" (2009). ويبدو أنّ لأنور براهم مع "الما بعد" حكاية متأصلة في فكره ومتجذرة في مشروعه الفني ؟ فكأننّا به يحفر عميقا في مفهوم "الميتا" أو "الما بعد" من منظور الفلسفة لينفذ إلى كنه الأشياء ولتتجاوز الظاهر إلى الما وراء ! ما قبل ألبومه الجديد "بعد السّماء الأخيرة"، كان أنور براهم وتحديدا في سنة 2006 قد أخرج الفيلم الوثائقي الأول في مسيرته بعنوان "كلمات ما بعد الحرب". وقد تم تصوير هذا الفيلم في لبنان غداة الحرب التي دارت بين إسرائيل وحزب الله. وقد تم اختيار هذا الشريط للمشاركة في مهرجان لوكارنو السينمائي. أكثر من 10 مقطوعات موسيقية تسافر بجمهور ألبوم "بعد السّماء الأخيرة" بعيدا بعيدا، وخاصة مع مقطوعة "تأملات إدوارد سعيد" التي تقاطعت فيها الأقدار والمواضيع في تأملات حول المنفى والوطن والاحتلال والثقافة والسياسة... "التشيللو" يرافق لأول مرّة عود أنور براهم بعد ثمانية أعوام من صدور ألبومه "Blue Maqams" ، يعود أنور براهم بألبوم "بعد السّماء الأخيرة" في حوار من التناغم والانسجام ما بين آلات العود و"التشيلو" و"البيانو" و"الكونترباص" في محو لأي حدود بين الآلات أو الثقافات أو اللغات، فوحدها الموسيقى تتكلّم والشعوب تصغي ! ويشكل عازف القيتار "دايف هولاند" وعازف البيانو "جانغوبيتس" مرة أخرى جزءًا من الرباعي العالمي لأستاذ العود التونسي، لتنضم إليهما عازفة التشيلو "أنجا ليشنر". ويمثل ألبوم "بعد السّماء الأخيرة" أول إدراج لآلة "التشيلو" في المجموعة الموسيقية لأنور براهم. تم تسجيل ألبوم "بعد السماء الأخيرة" في مدينة "لوغانو" بسويسرا. ويعتبر "آدام شاتز" حسب ما دوّنه في في كتيّب الألبوم ، "أنّ موسيقى أنور براهم في هذا السياق الأدبي الجمالي، وكذلك في علاقة أيضا بالحرب الفلسطينية المستمرة من أجل حقوقهم، تعكس مدى انشغاله حد الهوس بهذا الموضوع المؤلم، أثناء إعداد "بعد السّماء الأخيرة". «من لم يحرّكه الربيعُ وأزهاره، والعودُ وأوتاره، فهو فاسدُ المزاج ليس له علاج»، هكذا قال الإمام حامد الغزالي. ومنذ العاشرة من عمره، صادق أنور براهم العود وأخلص له باعتباره المعلم "الساحر" الذي يحمل في جعبته كل التراث الموسيقي للعالم العربي والإسلامي، بل ويعزف برقة لا متناهية سحر الشرق وغموضه وحكاياته وأساطيره... منذ حوالي أربعين عاما وأنور براهم يبتكر موسيقى تهزأ من الحواجز وتتمرد على الحدود لتطرب الإنسان في كل زمان ومكان. أنور براهم في سطور عازف عود تونسي وموسيقي متخصص في موسيقى الجاز، ولد في 20 أكتوبر عام 1957 في حي الحلفاوين في تونس، وفي سن العاشرة التحق بمعهد الموسيقى حيث تعلم العود على يد علي السريتي، وبدأ يعزف في الفرق الموسيقية في سن الخامسة عشرة. في عام 1981،استقر بباريس لمدة أربع سنوات، وهي فترة تعامل خلالها مع "موريس بيجار" وألف العديد من الأعمال الجديدة، منها موسيقى أفلام ومسرحيات تونسية مثل (عصفور السطح، صمت القصور، موسم الرجال....). كما وضع الموسيقى التصويرية لعديد الأغاني التونسية وتعامل مع لطفي بوشناق ونبيهة كراولي ... حاز أنور براهم على امتداد مسيرته الفنية العديد من الجوائز على غرار: الجائزة الوطنية للموسيقى (تونس 1985 )، وجائزة أديسون عن ألبومه '"رحلة سحر" (هولندا1992)، جائزة صدى الجازالممنوحة لأفضل موسيقي دولي (ألمانيا2010 )عن ألبومه "عيون ريتا المذهلة". كما تحصل على رتبة فارس الفنون والآداب (فرنسا 2009).

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟
لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

العرب اليوم

time١٤-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • العرب اليوم

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

كان من الممكن أن يكون العنوان عن السذاجة والدبلوماسية، أو يخفَّف ليكون «في البراءة والدبلوماسية»، وهو أمر لا يتعلق بفشل اتفاق أوسلو (1993) وحده، أو بفشل وقف إطلاق النار الأخير في غزة، وإنما يمكن أن ينسحب على كل الاتفاقات الدبلوماسية بين العرب وإسرائيل، بما فيها كامب ديفيد، ووادي عربة، اللذان كان الفشل فيهما نسبياً وأقل ضرراً. رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، واضح للعيان إلا لبعض الفلسطينيين، فإن الاتفاق كان فشلاً ذريعاً، وقد انتقد إدوارد سعيد اتفاق أوسلو، في عام 2000، في كتاب كامل بعنوان «نهاية السلام: أوسلو وما بعدها»، وكأنه يتنبأ بحالنا الآن. ثلاثة عقود مرت منذ أوسلو، وحالُ الفلسطينيين من سيئ إلى أسوأ. والسبب الرئيسي في هذا هو أننا لا نُجيد عمليات التفاوض وحماية الاتفاقات التي نُوقّعها، وأحياناً نأخذ الأمور بسذاجة ندفع ثمنها فيما بعد. ومع ذلك، فمن غير الإنصاف أن نقول إننا نفشل في كل اتفاقاتنا، فقد نجح العرب في اتفاق الطائف في لبنان (1989)، مثلاً، والذي فتح مساراً دستورياً جديداً للبنان وأخرج البلد من مستنقع الحرب الأهلية. ولكنْ لكي نفهم ما يجري لنا وحولنا، لا بد من دراسات مقارنة تسأل الأسئلة الصعبة التي تكشف الأمور بشكل جلي وواضح. فمثلاً، لماذا نجح اتفاق الجمعة العظيمة في آيرلندا الشمالية (1998)، واتفاق أروشا في رواندا (1993)، بينما فشلت اتفاقية أوسلو، وفشل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟ أو ما الذي جعل أوسلو استثناءً فاشلاً في مشهد اتفاقيات السلام؟ ولماذا نجحت الاتفاقات الأخرى نسبياً في تحقيق الاستقرار في آيرلندا ورواندا؟ فهمُ السياق الذي تحدث فيه الاتفاقات أمر مهم، هذا إذا أقررنا أن كل الاتفاقات بشكل قانوني سواء، فبعضها تفاهمات وليست اتفاقات دولية بالمعنى القانوني للكلمة. سياق أوسلو كان محكوماً بغياب التوازن في القوى بين الطرفين. إسرائيل كانت دوماً الطرف الأقوى سياسياً وعسكرياً، في حين كانت منظمة التحرير ولتوِّها خارجة من عزلة إقليمية ودولية بسبب موقفها من غزو صدام حسين للكويت 1990. كانت إسرائيل، وما زالت، محزمة بحزام غربي وأميركي يجعلها فوق النقد، هذا الفارق أنتج اتفاقاً غير متكافئ صاغت إسرائيل شروطه بقلم أميركي، القلم ذاته خطَّ خطوطاً وهمية منحت الفلسطينيين وعوداً فضفاضة حول دولة مستقبلية دون ضمانات واضحة. وانتهى الأمر إلى ما نراه أمامنا في رام الله، اليوم. في المقابل، كانت اتفاقيات مثل الطائف وآيرلندا تعكس نوعاً من القبول المتبادل بضرورة التعايش وتوزيع السلطة. ففي لبنان، وافق أطراف الحرب الأهلية على تقاسم السلطة وفق صيغة طائفية جديدة، برعاية عربية وإقليمية. وفي آيرلندا، قَبِل الطرفان بتنازلات متبادلة تحت ضغط شعبي واسع ودعم دولي حقيقي، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إخفاقات أوسلو هي ذاتها إخفاقات وقف إطلاق النار الأخير، حيث كان اتفاقاً غامضاً في جوهره، يعتمد على حلول مرحلية غير محددة بتفاصيل واضحة أو آليات تنفيذ مُلزِمة. المراحل الأولى والثانية والثالثة في اتفاق وقف إطلاق النار هي ذاتها الاتفاقات التي أنشأت السلطة الفلسطينية ككيان إداري مؤقت، وحاصرتها بالمناطق ألف وباء وجيم. تركت القضايا الجوهرية مثل القدس، واللاجئين، والمستوطنات، للمستقبل في أوسلو، كما تركت جرائم الحرب والإبادة في اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة، الذي ما لبث أن انهار واستمرت الإبادة بالوتيرة ذاتها. النقطة المهمة هي أن اتفاقيات مثل أروشا في رواندا، والجمعة العظيمة في آيرلندا، اتخذت خطوات واضحة ومؤسسات تنفيذية محددة. فالأولى نصّت على تقاسم السلطة بين الحكومة والمعارضة، ودمج المتمردين في الجيش، وعودة اللاجئين. أما الثانية فقد أسست لحكم ذاتي، وآليات دستورية، وقانون انتخابي عادل، تحت إشراف دولي صارم. كل هذا كان نتيجة جدية التفاوض والفِرق القانونية المصاحبة والرعاية الدولية الجادة والمُحكمة للتعامل مع أوضاع هشة. وفي كل الأحوال كانت الإرادة السياسية المحلية على قدر المسؤولية، وفي هذا كتبتُ مقالاً هنا عن الجُزر الفلسطينية المبعثرة، طبعاً إضافة إلى أن إسرائيل ليست لديها نية في إنهاء الاحتلال، بل نيتها دوماً التوسع. ربما كان الفرق الأوضح بين أوسلو وباقي الاتفاقات هو طبيعة الدعم الدولي والإقليمي. اتفاق أوسلو وُلد برعاية نرويجية محدودة التأثير، واعتمد على وعود أميركية غير مُلزِمة. لم تكن هناك آلية تنفيذ دولية تُراقب التطبيق أو تفرض العقوبات عند الانتهاك. الشيء ذاته كان فيما يخص وقف إطلاق النار في غزة. اتفاق أوسلو لم يفشل لأنه طُبّق بشكل سيئ فحسب، بل لأنه كان اتفاقاً هشاً من حيث المضمون، غير متوازن سياسياً، وغامضاً في بنوده، ومن دون دعم دولي حقيقي أو نية صادقة من الأطراف الأساسية. في المقابل، مثلت اتفاقات الطائف، آيرلندا، وأروشا محاولات أكثر جدية لتأسيس بيئة سياسية مستقرة.

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟
لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

الشرق الأوسط

time١٣-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشرق الأوسط

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

كان من الممكن أن يكون العنوان عن السذاجة والدبلوماسية، أو يخفَّف ليكون «في البراءة والدبلوماسية»، وهو أمر لا يتعلق بفشل اتفاق أوسلو (1993) وحده، أو بفشل وقف إطلاق النار الأخير في غزة، وإنما يمكن أن ينسحب على كل الاتفاقات الدبلوماسية بين العرب وإسرائيل، بما فيها كامب ديفيد، ووادي عربة، اللذان كان الفشل فيهما نسبياً وأقل ضرراً. رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، واضح للعيان إلا لبعض الفلسطينيين، فإن الاتفاق كان فشلاً ذريعاً، وقد انتقد إدوارد سعيد اتفاق أوسلو، في عام 2000، في كتاب كامل بعنوان «نهاية السلام: أوسلو وما بعدها»، وكأنه يتنبأ بحالنا الآن. ثلاثة عقود مرت منذ أوسلو، وحالُ الفلسطينيين من سيئ إلى أسوأ. والسبب الرئيسي في هذا هو أننا لا نُجيد عمليات التفاوض وحماية الاتفاقات التي نُوقّعها، وأحياناً نأخذ الأمور بسذاجة ندفع ثمنها فيما بعد. ومع ذلك، فمن غير الإنصاف أن نقول إننا نفشل في كل اتفاقاتنا، فقد نجح العرب في اتفاق الطائف في لبنان (1989)، مثلاً، والذي فتح مساراً دستورياً جديداً للبنان وأخرج البلد من مستنقع الحرب الأهلية. ولكنْ لكي نفهم ما يجري لنا وحولنا، لا بد من دراسات مقارنة تسأل الأسئلة الصعبة التي تكشف الأمور بشكل جلي وواضح. فمثلاً، لماذا نجح اتفاق الجمعة العظيمة في آيرلندا الشمالية (1998)، واتفاق أروشا في رواندا (1993)، بينما فشلت اتفاقية أوسلو، وفشل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟ أو ما الذي جعل أوسلو استثناءً فاشلاً في مشهد اتفاقيات السلام؟ ولماذا نجحت الاتفاقات الأخرى نسبياً في تحقيق الاستقرار في آيرلندا ورواندا؟ فهمُ السياق الذي تحدث فيه الاتفاقات أمر مهم، هذا إذا أقررنا أن كل الاتفاقات بشكل قانوني سواء، فبعضها تفاهمات وليست اتفاقات دولية بالمعنى القانوني للكلمة. سياق أوسلو كان محكوماً بغياب التوازن في القوى بين الطرفين. إسرائيل كانت دوماً الطرف الأقوى سياسياً وعسكرياً، في حين كانت منظمة التحرير ولتوِّها خارجة من عزلة إقليمية ودولية بسبب موقفها من غزو صدام حسين للكويت 1990. كانت إسرائيل، وما زالت، محزمة بحزام غربي وأميركي يجعلها فوق النقد، هذا الفارق أنتج اتفاقاً غير متكافئ صاغت إسرائيل شروطه بقلم أميركي، القلم ذاته خطَّ خطوطاً وهمية منحت الفلسطينيين وعوداً فضفاضة حول دولة مستقبلية دون ضمانات واضحة. وانتهى الأمر إلى ما نراه أمامنا في رام الله، اليوم. في المقابل، كانت اتفاقيات مثل الطائف وآيرلندا تعكس نوعاً من القبول المتبادل بضرورة التعايش وتوزيع السلطة. ففي لبنان، وافق أطراف الحرب الأهلية على تقاسم السلطة وفق صيغة طائفية جديدة، برعاية عربية وإقليمية. وفي آيرلندا، قَبِل الطرفان بتنازلات متبادلة تحت ضغط شعبي واسع ودعم دولي حقيقي، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إخفاقات أوسلو هي ذاتها إخفاقات وقف إطلاق النار الأخير، حيث كان اتفاقاً غامضاً في جوهره، يعتمد على حلول مرحلية غير محددة بتفاصيل واضحة أو آليات تنفيذ مُلزِمة. المراحل الأولى والثانية والثالثة في اتفاق وقف إطلاق النار هي ذاتها الاتفاقات التي أنشأت السلطة الفلسطينية ككيان إداري مؤقت، وحاصرتها بالمناطق ألف وباء وجيم. تركت القضايا الجوهرية مثل القدس، واللاجئين، والمستوطنات، للمستقبل في أوسلو، كما تركت جرائم الحرب والإبادة في اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة، الذي ما لبث أن انهار واستمرت الإبادة بالوتيرة ذاتها. النقطة المهمة هي أن اتفاقيات مثل أروشا في رواندا، والجمعة العظيمة في آيرلندا، اتخذت خطوات واضحة ومؤسسات تنفيذية محددة. فالأولى نصّت على تقاسم السلطة بين الحكومة والمعارضة، ودمج المتمردين في الجيش، وعودة اللاجئين. أما الثانية فقد أسست لحكم ذاتي، وآليات دستورية، وقانون انتخابي عادل، تحت إشراف دولي صارم. كل هذا كان نتيجة جدية التفاوض والفِرق القانونية المصاحبة والرعاية الدولية الجادة والمُحكمة للتعامل مع أوضاع هشة. وفي كل الأحوال كانت الإرادة السياسية المحلية على قدر المسؤولية، وفي هذا كتبتُ مقالاً هنا عن الجُزر الفلسطينية المبعثرة، طبعاً إضافة إلى أن إسرائيل ليست لديها نية في إنهاء الاحتلال، بل نيتها دوماً التوسع. ربما كان الفرق الأوضح بين أوسلو وباقي الاتفاقات هو طبيعة الدعم الدولي والإقليمي. اتفاق أوسلو وُلد برعاية نرويجية محدودة التأثير، واعتمد على وعود أميركية غير مُلزِمة. لم تكن هناك آلية تنفيذ دولية تُراقب التطبيق أو تفرض العقوبات عند الانتهاك. الشيء ذاته كان فيما يخص وقف إطلاق النار في غزة. اتفاق أوسلو لم يفشل لأنه طُبّق بشكل سيئ فحسب، بل لأنه كان اتفاقاً هشاً من حيث المضمون، غير متوازن سياسياً، وغامضاً في بنوده، ومن دون دعم دولي حقيقي أو نية صادقة من الأطراف الأساسية. في المقابل، مثلت اتفاقات الطائف، آيرلندا، وأروشا محاولات أكثر جدية لتأسيس بيئة سياسية مستقرة. نحن ضحية الاستعجال والسذاجة الدبلوماسية وعدم تجميع القوى لخلق توازن مع احتلال لا يفهم إلا لغة القوة.

هكذا تُعيد إسرائيل زمن المستعمرات
هكذا تُعيد إسرائيل زمن المستعمرات

الأيام

time١٧-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الأيام

هكذا تُعيد إسرائيل زمن المستعمرات

في مقال نشرته صحيفة 'لوموند ديبلوماتيك' في نونبر 2000، لخص المفكر الأمريكي الفلسطيني إدوارد سعيد جوهر السياسة الفرنسية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، كما طورها المارشال بوجو وضباطه: 'الرزايا' أو الغارة العقابية على قرى الجزائريين وبيوتهم ومحاصيلهم ونسائهم وأطفالهم. 'علينا أن نمنع العرب من البذر والحصاد والرعي… علينا أن نشن حربا بلا حدود، حربا لا أخلاق فيها'. يصف الجنرال شانغارنييه تسلية جنوده بلجوئهم إلى مداهمة القرى المسالمة، مشيرا إلى أن هذا النوع من الأفعال مذكور في الكتاب المقدس، حيث قاد يشوع وغيره من القادة 'غارات شديدة الفظاعة' باركها الله. هكذا كان الخراب والدمار الشامل. وقد أُضفيت الشرعية على هذه الوحشية القاسية، لا لأنها فقط 'مشروعة' بمرجعية دينية، بل أيضا لأن العبارة المتكررة دوما من بوجو إلى سالان كانت: 'العرب لا يفهمون إلا القوة الغاشمة'. ولعلنا نكاد نسمع صدى هذا لدى بنيامين نتنياهو اليوم. في غزة أيضا، هناك عودة لفكرة الغارات، فقد كشفت صحيفة '+972' الإسرائيلية، في تحقيق صحافي، أن الجنود الإسرائيليين ينهبون المنازل بكثافة في غزة، مستهدفين كل شيء من السجاد وحتى مستحضرات التجميل والدراجات النارية، بل إن بعضهم وثّق عمليات النهب بمقاطع فيديو جريئة. يتجلى هنا ما كتبه أشيل مبيمبي: 'الحق السيادي في القتل لا يخضع لأي قاعدة في المستعمرات؛ فالرئيس يستطيع القتل في أي وقت وبأي وسيلة. ولا تخضع الحرب الاستعمارية لقواعد قانونية أو مؤسسية، إذ لا ينظر إليها على أنها نشاط مقنن. هي تعبير عن العداء المطلق، الذي يضع المنتصر في مواجهة عدو مطلق'. تطبّق إسرائيل هذه المقولة بما يتوافق مع أطروحة طرحها عام 1898 عالم السياسة الألماني هاينريش فون تريشكي، الذي رأى أن القانون الدولي 'لا يعدو كونه أحكاما' إذا حاولنا تطبيقه على الشعوب 'البربرية'، 'لمعاقبة قبيلة زنجية ينبغي حرق قراها، ولن يتحقق أي شيء من دون تقديم مثل هذا النموذج'. ليس من قبيل المصادفة، كما أشار الصحفي في صحيفة 'هآرتس' جدعون ليفي، أن محكمة العدل الدولية ركزت، في تعليلها، على ثلاث حالات دعوات للإبادة الجماعية، لم تصدر عن قلة متطرفة، بل صدرت عن شخصيات رفيعة تستقبلها الوفود الدبلوماسية والسياسيون الأوروبيون والأمريكيون يوميا بكل ترحاب، نذكر منهم يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، الذي أعلن في 9 أكتوبر 2023 فرض حصار تام على غزة، متوعدا بقطع الكهرباء والماء والطعام والوقود. وفي اليوم التالي، ذهب أبعد من ذلك مخاطبا الجنود على حدود القطاع قائلا: 'رفعت كل القيود. إننا نقاتل حيوانات بشرية. هذا هو داعش في غزة. سنقضي على كل شيء'. المثال الثاني هو إسحاق هرتزوغ، رئيس دولة إسرائيل وزعيم حزب العمل سابقا، الذي شوهد وهو يُوقع بنفسه على القذائف الموجهة نحو غزة. قال في 12 أكتوبر 2023: 'الأمة بأكملها مسؤولة'، مؤكدا أن حجة عدم معرفة المدنيين (في غزة) أو عدم مشاركتهم فيما يجري 'باطلة تماما'، إذ كان بمقدورهم، من وجهة نظره، 'مواجهة هذا النظام الشرير الذي سيطر على غزة بانقلاب'. أما المثال الثالث فيتعلق بإسرائيل كاتس، وزير الطاقة والبنية التحتية آنذاك، والذي أصبح لاحقا وزيرا للخارجية، ثم بعدها وزيرا للدفاع. ففي 13 أكتوبر، كتب على منصة 'إكس' (تويتر سابقا): 'سنقاتل منظمة حماس الإرهابية وندمرها. صدرت أوامر لجميع السكان المدنيين في غزة بالمغادرة فورا. سننتصر. لن تصلهم قطرة ماء أو بطارية واحدة إلى أن يرحلوا عن الدنيا'. ومع خشيتها من تبعات قرار محكمة العدل الدولية، أرسلت إسرائيل في نهاية فبراير 2024 رسالة غير معلنة تُفصل فيها الإجراءات التي اعتمدتها 'لمنع الإبادة الجماعية' التي تؤكد أنها لم ترتكبها. إنها محاولة لتكييف الحكاية المعروفة بـ'مرجل فرويد' في ثلاث مراحل: 'لم أرتكب إبادة جماعية، لقد اتخذت التدابير لمنعها، الآخرون هم من ارتكبوها'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store