logo
#

أحدث الأخبار مع #الإتّحادالسوفياتي،

لم أبكِ الشيوعيّة إلاّ بعد رحيلك يا زياد
لم أبكِ الشيوعيّة إلاّ بعد رحيلك يا زياد

النهار

time٢٩-٠٧-٢٠٢٥

  • سياسة
  • النهار

لم أبكِ الشيوعيّة إلاّ بعد رحيلك يا زياد

لم أبكِ الشيوعيّة كفكرة إنسانيّة عظيمة، عندما سقط الإتّحاد السوفياتي، ذلك ان الذي سقط كان نظامًا دكتاتوريًّا طبّق فيه الحزبُ الواحد رأسماليّةَ الدولة، مع أنه وفّر لشعبه مستوىً مقبولاً من العدالة الاجتماعيّة. فالشيوعية كفكرة مثالية لا تتحقق إلا عندما يحكم العمال أنفسهم في الاقتصاد وفي السياسة على حد سواء، في مسار ديمقراطي- اشتراكي، يتطور مع الزمن، باتجاه التسيير الذاتي للمؤسسات من قبل العمال. هكذا حلم الحالمون، وبعضهم لا يزال يحلم، بوجه الفقر والبؤس المتفاقم في العالم، نتيجة الرأسمالية المعولمة. بعد رحيل زياد بكيت الشيوعيّة كفكرة مستوردة، راودت شابا لبنانياً آلمه الظلم والاستغلال في بلاده وفي العالم، فوجد في الشيوعيّة حلاًّ بسيطاً لهما ولما يترتب عليهما من فقر وتعاسة عند البشر. بكيتها كفكرة غير قابلة للتطبيق في مجتمع المذاهب والطوائف وهشاشة الطبقات وتفككها، كما انها لم تعد تجد طريقها للتطبيق، في المجتمعات الما بعد - صناعيّة، حيث يتراجع تمثيل الأحزاب الشيوعيّة بشكل دراماتيكي. بكيتها كفكرة حملها زياد ولم يعرف كيف يحميها من الستالينيّة ومن الأصوليّة الدينيّة: الستالينية استعان بها للبطش المعنوي "بالشعب العنيد" الذي يصرّ على الفساد وعلى مخالفة القانون وعلى الحروب الطائفيّة والمذهبيّة؛ والاصولية الدينية استعانت به، بعد أن بطشت جسدياً بالشيوعيين، هي التي تسخر من الطبقات ومن كل فكر نقدي، مادي أو مثالي. وقد استعانت به بعد ان غازلها وغنّى لها، ولو بشيء من السخرية، مع حلول الثورة الخمينيّة: "راجعا بإذن الله اذا ما اجا شي من الله ...جرّبنا نتكّل عليكم عدنا اتّكلنا على الله". وربما من وقتها راح زياد يتكّل على الله، هو والكثير من الشيوعيين. حاول زياد أن يوفّق بين شيوعيّته وطائفية مواطنيه وأراد أن يتصالح معهم: "انا مش كافر بس الجوع كافر أنا مش كافر بس المرض كافر أنا مش كافر بس الفقر كافر والذل كافر أنا مش كافر لكن شو بعملّك إذا اجتمعوا فيّ كل الاشيا الكافرين". حاول، مع انه يعلّم أن لا الفقر ولا الجوع ولا المرض كافر، وإذا اجتمعت كلها في إنسان واحد، خرج منه إيمانٌ عظيم، وليس كفراً، وربما أصبح قديساً. فهل كنت تريد يا زياد، أن يستغني الفقير أو الجائع أو المريض عن الدين الذي وصفه صديقك كارل ماركس بانه "أفيون الشعوب"؟ كيف تريدهم عندها ان يسكّنوا الألم بدون الافيون ويتحمّلوا الظلم في هذه الدنيا؟ بالطبع لن تجيبني أنك كنت تريدهم ان يعتمدوا على الحزب الشيوعي والنقابات ودولة الرعاية في لبنان. أو أنك كنت مقتنعًا بما قاله كارل ماركس ان العامل إذا قرّر ان يثور فلن يخسر إلاّ السلاسل التي يقيّدونه بها، اذ لا شيء آخر يملكه. على الأرجح ان ماركس نفسه كان ضائعًا بين فكرة "ان الدين أفيون الشعوب، وانه روح عالم بدون روح" من جهة، وفكرة "ان لا شيء عند العامل ليخسره إلاّ قيوده"، من جهة ثانية. فماذا عن قيود العامل النفسية يا زياد، التي تكلّم عنها صديقك الآخر ويلهم رايش، ولم يحسب لها حساب كارل ماركس، وهي ناتجة من التربية العائلية والدينية على الكبت الجنسي وعلى الخوف من الحب ومن الحياة؟ بكيت الشيوعيّة عند رحيلك يا زياد، وبكيت بشرًا كثيرين في بلادي، وخاصة الشباب منهم، الذين احتشدوا في وداعك في شارع الحمرا، قبل أن يتم نقل نعشك الى بكفيا. فهم لا يزالون يتعلّقون بالأفكار الإنسانيّة العظيمة، أكان اسمها شيوعيّة أو عدالة اجتماعيّة. أخاف عليهم منك، ومن الأفكار الستالينيّة أو الأصوليّة، التي هي وليدة القهر والعجز واللاجدوى، في مشرق عربي بات يتحكّم في مصيره بشكل مطلق، الدين والعنف والمال، من الخارج ومن الداخل. لا أعرف كيف تمكنت هذه الافكار السامة ان تتسلل الى قلبك قبل عقلك، على ما أظن. هل هي الانكسارات العاطفية، في العائلة وفي العلاقات مع النساء ومع الأصدقاء؟ أم انها مقولة "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي" التي أعطت الاولوية لمقاومة إسرائيل وحتّمت التحالف مع كل من يقاومها حتى ولو كان الثمن شيطنة الفن والغناء ورذل كل اشكال الحرية، حتى السخرية التي برعت فيها؟ بكيت الشيوعيّة يا زياد، التي جسّدتُها في عيشك البسيط وازدرائك بالماديات وتواضعك وتضامنك الدائم مع الأضعف، أو مع من كنت تظنّ انه الأضعف، وهو لم يكن كذلك. سنحتاج دائمًا الى الأفكار العظيمة يا زياد، لنواجه بها الأنظمة التي تدوس كرامتنا الانسانية، باسم المال أو الوطن أو الله، أكانت رأسماليّة أو عسكريّة أو دينيّة، او الثلاثة معاً. وسنضيف الى هذه الأفكار العظيمة، أمها وأبوها وابنتها البكر، اي الحرية والديمقراطية والعلمانية، التي لولاها لما استطاعت الافكار الشيوعية ان تتبلور تاريخياً، وهي لن تستطيع بدونها ان تعيش، اذا قُدّر لها يوماً ان تعيش. لا شيء سيبقي هذه الأفكار العظيمة حيّة فينا أكثر من الإدمان على الاستماع الى أغانيك. ليس بالضرورة لأنها تروّج لهذه الافكار، بل لأنها تحاكي مشاعر الحب والحنين والتحسس العميق من كل ما هو مؤذٍ لسعادة الانسان، مهما كان مصدره السياسي. انها أعجوبة الفن، انه سحر الموسيقى، انها مسرحة الحياة واختراعها من جديد. أهديك في قبرك أغنية نزل السرور، بعد أن جمعتنا من كل لبنان بمناسبة موتك، وقد أصبحت اليوم انت "المرحوم": زياد، آه يا جامعنا يا ملجأ المظلوم الفضل ليللي جامعنا الفضل للمرحوم المرحوم كان مهضوم وكان يحن على المحروم جابنا وجامعنا.. ريت ما جامعنا جابنا وجامعنا.. ريت ما جامعنا زاد لنا فوق الهم هموم زاد لنا فوق الهم هموم زاد لنا فوق الهم هموم أخشى الا تستطيع ان ترقد بسلام حيث انت يا زياد، في هذا "الفَيّ يللي مش لحدا". فكيف ترقد "بلا ولا شي"، بلا البيانو وبلا الحبيبة؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store