
لم أبكِ الشيوعيّة إلاّ بعد رحيلك يا زياد
بعد رحيل زياد بكيت الشيوعيّة كفكرة مستوردة، راودت شابا لبنانياً آلمه الظلم والاستغلال في بلاده وفي العالم، فوجد في الشيوعيّة حلاًّ بسيطاً لهما ولما يترتب عليهما من فقر وتعاسة عند البشر.
بكيتها كفكرة غير قابلة للتطبيق في مجتمع المذاهب والطوائف وهشاشة الطبقات وتفككها، كما انها لم تعد تجد طريقها للتطبيق، في المجتمعات الما بعد - صناعيّة، حيث يتراجع تمثيل الأحزاب الشيوعيّة بشكل دراماتيكي.
بكيتها كفكرة حملها زياد ولم يعرف كيف يحميها من الستالينيّة ومن الأصوليّة الدينيّة: الستالينية استعان بها للبطش المعنوي "بالشعب العنيد" الذي يصرّ على الفساد وعلى مخالفة القانون وعلى الحروب الطائفيّة والمذهبيّة؛ والاصولية الدينية استعانت به، بعد أن بطشت جسدياً بالشيوعيين، هي التي تسخر من الطبقات ومن كل فكر نقدي، مادي أو مثالي. وقد استعانت به بعد ان غازلها وغنّى لها، ولو بشيء من السخرية، مع حلول الثورة الخمينيّة: "راجعا بإذن الله اذا ما اجا شي من الله ...جرّبنا نتكّل عليكم عدنا اتّكلنا على الله". وربما من وقتها راح زياد يتكّل على الله، هو والكثير من الشيوعيين.
حاول زياد أن يوفّق بين شيوعيّته وطائفية مواطنيه وأراد أن يتصالح معهم:
"انا مش كافر بس الجوع كافر
أنا مش كافر بس المرض كافر
أنا مش كافر بس الفقر كافر والذل كافر
أنا مش كافر لكن شو بعملّك إذا اجتمعوا فيّ
كل الاشيا الكافرين".
حاول، مع انه يعلّم أن لا الفقر ولا الجوع ولا المرض كافر، وإذا اجتمعت كلها في إنسان واحد، خرج منه إيمانٌ عظيم، وليس كفراً، وربما أصبح قديساً.
فهل كنت تريد يا زياد، أن يستغني الفقير أو الجائع أو المريض عن الدين الذي وصفه صديقك كارل ماركس بانه "أفيون الشعوب"؟ كيف تريدهم عندها ان يسكّنوا الألم بدون الافيون ويتحمّلوا الظلم في هذه الدنيا؟
بالطبع لن تجيبني أنك كنت تريدهم ان يعتمدوا على الحزب الشيوعي والنقابات ودولة الرعاية في لبنان. أو أنك كنت مقتنعًا بما قاله كارل ماركس ان العامل إذا قرّر ان يثور فلن يخسر إلاّ السلاسل التي يقيّدونه بها، اذ لا شيء آخر يملكه. على الأرجح ان ماركس نفسه كان ضائعًا بين فكرة "ان الدين أفيون الشعوب، وانه روح عالم بدون روح" من جهة، وفكرة "ان لا شيء عند العامل ليخسره إلاّ قيوده"، من جهة ثانية. فماذا عن قيود العامل النفسية يا زياد، التي تكلّم عنها صديقك الآخر ويلهم رايش، ولم يحسب لها حساب كارل ماركس، وهي ناتجة من التربية العائلية والدينية على الكبت الجنسي وعلى الخوف من الحب ومن الحياة؟
بكيت الشيوعيّة عند رحيلك يا زياد، وبكيت بشرًا كثيرين في بلادي، وخاصة الشباب منهم، الذين احتشدوا في وداعك في شارع الحمرا، قبل أن يتم نقل نعشك الى بكفيا. فهم لا يزالون يتعلّقون بالأفكار الإنسانيّة العظيمة، أكان اسمها شيوعيّة أو عدالة اجتماعيّة. أخاف عليهم منك، ومن الأفكار الستالينيّة أو الأصوليّة، التي هي وليدة القهر والعجز واللاجدوى، في مشرق عربي بات يتحكّم في مصيره بشكل مطلق، الدين والعنف والمال، من الخارج ومن الداخل.
لا أعرف كيف تمكنت هذه الافكار السامة ان تتسلل الى قلبك قبل عقلك، على ما أظن. هل هي الانكسارات العاطفية، في العائلة وفي العلاقات مع النساء ومع الأصدقاء؟ أم انها مقولة "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي" التي أعطت الاولوية لمقاومة إسرائيل وحتّمت التحالف مع كل من يقاومها حتى ولو كان الثمن شيطنة الفن والغناء ورذل كل اشكال الحرية، حتى السخرية التي برعت فيها؟
بكيت الشيوعيّة يا زياد، التي جسّدتُها في عيشك البسيط وازدرائك بالماديات وتواضعك وتضامنك الدائم مع الأضعف، أو مع من كنت تظنّ انه الأضعف، وهو لم يكن كذلك.
سنحتاج دائمًا الى الأفكار العظيمة يا زياد، لنواجه بها الأنظمة التي تدوس كرامتنا الانسانية، باسم المال أو الوطن أو الله، أكانت رأسماليّة أو عسكريّة أو دينيّة، او الثلاثة معاً. وسنضيف الى هذه الأفكار العظيمة، أمها وأبوها وابنتها البكر، اي الحرية والديمقراطية والعلمانية، التي لولاها لما استطاعت الافكار الشيوعية ان تتبلور تاريخياً، وهي لن تستطيع بدونها ان تعيش، اذا قُدّر لها يوماً ان تعيش.
لا شيء سيبقي هذه الأفكار العظيمة حيّة فينا أكثر من الإدمان على الاستماع الى أغانيك. ليس بالضرورة لأنها تروّج لهذه الافكار، بل لأنها تحاكي مشاعر الحب والحنين والتحسس العميق من كل ما هو مؤذٍ لسعادة الانسان، مهما كان مصدره السياسي. انها أعجوبة الفن، انه سحر الموسيقى، انها مسرحة الحياة واختراعها من جديد.
أهديك في قبرك أغنية نزل السرور، بعد أن جمعتنا من كل لبنان بمناسبة موتك، وقد أصبحت اليوم انت "المرحوم":
زياد، آه يا جامعنا
يا ملجأ المظلوم
الفضل ليللي جامعنا
الفضل للمرحوم
المرحوم كان مهضوم
وكان يحن على المحروم
جابنا وجامعنا.. ريت ما جامعنا
جابنا وجامعنا.. ريت ما جامعنا
زاد لنا فوق الهم هموم
زاد لنا فوق الهم هموم
زاد لنا فوق الهم هموم
أخشى الا تستطيع ان ترقد بسلام حيث انت يا زياد، في هذا "الفَيّ يللي مش لحدا". فكيف ترقد "بلا ولا شي"، بلا البيانو وبلا الحبيبة؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المنار
منذ 7 دقائق
- المنار
الرئيس عون في ذكرى تفجير مرفأ بيروت: الدولة اللبنانية ملتزمة بكشف الحقيقة
أكد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون الإثنين في الذكرى الخامسة لجريمة تفجير مرفأ بيروت أن 'الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها ملتزمة بكشف الحقيقة كاملة، مهما كانت المعوقات ومهما علت المناصب'، وشدد على أن 'العدالة لا تعرف الاستثناءات، والقانون يطال الجميع من دون تمييز'. وقال الرئيس عون 'في هذا اليوم الأليم، الرابع من آب، نستذكر معًا الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، تلك الجريمة الكبرى التي هزّت ضمير الأمة والعالم، وأودت بحياة أكثر من مئتي شهيد، وجرحت آلاف الأبرياء، ودمّرت أحياءً كاملة من عاصمتنا الحبيبة'، وتابع 'إننا اليوم، وبعد مرور خمس سنوات على هذه الفاجعة، نقف أمام أرواح الشهداء، وأمام الجرحى وعائلاتهم، وأمام كل اللبنانيين، لنؤكد أن العدالة لن تموت، وأن الحساب آتٍ لا محالة'. وأضاف الرئيس عون 'لقد عاهدتُ الشعب اللبناني، منذ توليتُ مسؤولياتي الدستورية، على أن تكون محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الكبرى أولوية قصوى، وأن لا يفلت من العقاب كل من تسبب بإهماله أو تقصيره أو فساده في هذه الكارثة الإنسانية'، وتابع 'إننا نعمل بكل الوسائل المتاحة لضمان استكمال التحقيقات بشفافية ونزاهة، وسنواصل الضغط على كل الجهات المختصة لتقديم كل المسؤولين إلى العدالة، أياً كانت مراكزهم أو انتماءاتهم'. وقال الرئيس عون لعائلات الشهداء والجرحى إن 'دماء أحبائكم لن تذهب سدى، وآلامكم لن تبقى بلا جواب'، وأكد أن 'العدالة قادمة، والحساب آتٍ، وهذا وعد قطعته على نفسي أمام الله والوطن'، وتابع: 'في هذا اليوم الحزين، نتذكر أيضًا التضامن الرائع الذي أظهره شعبنا العظيم، والروح الوطنية التي تجلّت في أحلك الساعات، حين هبّ الكثيرون يدًا بيد لإسعاف المصابين، ورفع الأنقاض، والعناية بالذين صارت بيوتهم ركامًا، ومن ثمّ رفع آثار هذه الكارثة الكبرى'، ورأى أن 'هذه الروح التضامنية نفسها ستقودنا إلى تحقيق العدالة، وإعادة بناء وطننا على أسس العدل والشفافية والمساءلة'. المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام


المنار
منذ 7 دقائق
- المنار
الرئيس عون في ذكرى تفجير مرفأ بيروت: الدولة اللبنانية ملتزمة بكشف الحقيقة
أكد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون الإثنين في الذكرى الخامسة لجريمة تفجير مرفأ بيروت أن 'الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها ملتزمة بكشف الحقيقة كاملة، مهما كانت المعوقات ومهما علت المناصب'، وشدد على أن 'العدالة لا تعرف الاستثناءات، والقانون يطال الجميع من دون تمييز'. وقال الرئيس عون 'في هذا اليوم الأليم، الرابع من آب، نستذكر معًا الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، تلك الجريمة الكبرى التي هزّت ضمير الأمة والعالم، وأودت بحياة أكثر من مئتي شهيد، وجرحت آلاف الأبرياء، ودمّرت أحياءً كاملة من عاصمتنا الحبيبة'، وتابع 'إننا اليوم، وبعد مرور خمس سنوات على هذه الفاجعة، نقف أمام أرواح الشهداء، وأمام الجرحى وعائلاتهم، وأمام كل اللبنانيين، لنؤكد أن العدالة لن تموت، وأن الحساب آتٍ لا محالة'. وأضاف الرئيس عون 'لقد عاهدتُ الشعب اللبناني، منذ توليتُ مسؤولياتي الدستورية، على أن تكون محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الكبرى أولوية قصوى، وأن لا يفلت من العقاب كل من تسبب بإهماله أو تقصيره أو فساده في هذه الكارثة الإنسانية'، وتابع 'إننا نعمل بكل الوسائل المتاحة لضمان استكمال التحقيقات بشفافية ونزاهة، وسنواصل الضغط على كل الجهات المختصة لتقديم كل المسؤولين إلى العدالة، أياً كانت مراكزهم أو انتماءاتهم'. وقال الرئيس عون لعائلات الشهداء والجرحى إن 'دماء أحبائكم لن تذهب سدى، وآلامكم لن تبقى بلا جواب'، وأكد أن 'العدالة قادمة، والحساب آتٍ، وهذا وعد قطعته على نفسي أمام الله والوطن'، وتابع: 'في هذا اليوم الحزين، نتذكر أيضًا التضامن الرائع الذي أظهره شعبنا العظيم، والروح الوطنية التي تجلّت في أحلك الساعات، حين هبّ الكثيرون يدًا بيد لإسعاف المصابين، ورفع الأنقاض، والعناية بالذين صارت بيوتهم ركامًا، ومن ثمّ رفع آثار هذه الكارثة الكبرى'، ورأى أن 'هذه الروح التضامنية نفسها ستقودنا إلى تحقيق العدالة، وإعادة بناء وطننا على أسس العدل والشفافية والمساءلة'. المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام


OTV
منذ 7 دقائق
- OTV
عون في ذكرى 4 آب: العدالة لا تعرف الاستثناءات والقانون يطال الجميع من دون تمييز
أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في الذكرى الخامسة لجريمة تفجير مرفأ بيروت، 'أن الدولة اللبنانية، بكل مؤسساتها، ملتزمة بكشف الحقيقة كاملة، مهما كانت المعوقات ومهما علت المناصب'، مشددا على أن العدالة لا تعرف الاستثناءات، والقانون يطال الجميع من دون تمييز. وقال الرئيس عون: 'في هذا اليوم الأليم، الرابع من آب، نستذكر معاً الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، تلك الجريمة الكبرى التي هزت ضمير الأمة والعالم وأودت بحياة أكثر من مئتي شهيد، وجرحت آلاف الأبرياء، ودمرت أحياءً كاملة من عاصمتنا الحبيبة. إننا اليوم، وبعد مرور خمس سنوات على هذه الفاجعة، نقف أمام أرواح الشهداء وأمام الجرحى وعائلاتهم، وأمام جميع اللبنانيين، لنؤكد أن العدالة لن تموت، وأن الحساب آت لا محالة'. وأضاف: 'لقد عاهدت الشعب اللبناني منذ توليت مسؤولياتي الدستورية على أن تكون محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الكبرى أولوية قصوى، وأن لا يفلت من العقاب كل من تسبب بإهماله أو تقصيره أو فساده في هذه الكارثة الإنسانية'. وتابع: 'إننا نعمل بكل الوسائل المتاحة لضمان استكمال التحقيقات بشفافية ونزاهة، وسنواصل الضغط على كل الجهات المختصة لتقديم كل المسؤولين إلى العدالة، أياً كانت مراكزهم أو انتماءاتهم'. وقال الرئيس عون لعائلات الشهداء والجرحى: 'إن دماء أحبائكم لن تذهب سدى، وآلامكم لن تبقى بلا جواب. العدالة آتية، والحساب آت، وهذا وعد قطعته على نفسي أمام الله والوطن'. وأضاف: 'في هذا اليوم الحزين، نتذكر أيضاً التضامن الرائع الذي أظهره شعبنا العظيم، والروح الوطنية التي تجلت في أحلك الساعات حين هبّ الكثيرون يداً بيد لإسعاف المصابين ورفع الانقاض والعناية بالذين صارت بيوتهم ركاماً ومن ثمّ رفع آثار هذه الكارثة الكبرى. ان هذه الروح التضامنية نفسها ستقودنا إلى تحقيق العدالة وإعادة بناء وطننا على أسس العدل والشفافية والمساءلة'.