أحدث الأخبار مع #الاتّحادالسوفيتي


وكالة نيوز
منذ 11 ساعات
- سياسة
- وكالة نيوز
لماذا يهددون بقصف غزة بالقنابل النووية!
'أنْ يدعو النائب الجُمهوري في الكونغرس الأمريكي راندي فاين إلى قصف قطاع غزة بقنابلٍ نوويّة، أُسوةً بما فعلته بلاده في هيروشيما وناغازاكي اليابانيّتين في نهاية الحرب العالميّة الثانية، ويجد مَن يُصفّق له في إدارة الرئيس دونالد ترامب، فهذا هو قمّة الإرهاب، واللّاإنسانيّة، والتعطّش لسفك الدّماء في دولةٍ تدّعي أنّها زعيمة العالم الحُر والأكثر حِرصًا على حُقوق الإنسان وقيم العدالة. اللّافت أنّ هذه الدّعوة صدرت عن نائبٍ جُمهوريّ دعم الرئيس ترامب حملته الانتخابيّة، وأيّده أيضًا بعض المُصوّتين العرب للأسف، وتزامنت هذه الدّعوة النوويّة مع عودة ترامب، من جولته في ثلاثِ دولٍ عربيّة، استطاع خلالها ابتزاز خمسة تريليونات دولار، وفوقها طائرة جامبو رئاسيّة كهديّة يصل ثمنها، وبعد تجهيزها، ما يقرب من نصف مِليار دولار. هذا النّائب العُنصري الدّموي الصّهيوني لا يعرف أنّ أعداد ضحايا حرب الإبادة الجماعيّة التي يُمارسها بنيامين نتنياهو، قُدوته في النازيّة الجديدة تبلغ أضعاف أعداد ضحايا القُنبلتين النّوويّتين اللّتين أُلقيتا على المدينتين اليابانيّتين، بالمُقارنة بين عدد سكّان قطاع غزة الذي لا يزيد عن المِليونين، وسكّان اليابان الذي يُقدّر بحواليّ 124 مِليون نسمة. هُناك فارقٌ آخَر يُؤكّد جهل وغباء هذا النّائب إلى جانب دمويّته، وهو أنّ اليابان كانت في حالة حرب مع الولايات المتحدة أثناء الحرب العالميّة الثّانية، وجاء قصفها النووي، وغير الإنساني، والإجرامي، كرَدٍّ على هُجوم الطيّارين اليابانيّين الانتحاريين على ميناء بيرل هاربور والقاعدة الجويّة البحريّة فيه، فهل شنّ قطاع غزة هُجومًا بالطّائرات الانتحاريّة على الولايات المتحدة، وهل أهل غزة العُزّل الأبرياء في حالةِ حربٍ مع الولايات المتحدة الأمريكيّة الدّولة العُظمى؟ فحتّى الأسير الأمريكي- الإسرائيلي ألكسندر عيدان جرى إطلاق سراحه مجّانًا إكرامًا لترامب. سقط حتّى الآن أكثر من 60 ألف شهيد فِلسطيني من أبناء القطاع 30 ألفًا منهم أطفال، وأُصيب أكثر من مئتيّ ألف، حسب إحصاءات مجلّة 'لانست' الطبيّة البريطانيّة التي تحظى بسُمعةٍ مُمتازة لموضوعيّة أبحاثها عالميًّا، سقطوا بالقنابل الأمريكيّة العملاقة التي يبلغ وزنها 2000 رطل ويستخدمها الجيش الإسرائيلي في حرب إبادته واغتيالاته، وبدعمٍ مُباشر من ترامب صديق العرب الحميم، فما الحاجة إلى القنابل النوويّة في قطاع غزة التي لا تزيد مِساحته عن 150 ميلًا مُربّعًا، غير الحقد العُنصري، ونزعات دمويّة، وتعطّشٍ للدّماء. والأخطر من ذلك أنّ عمليّات الإبادة الإسرائيليّة مُستمرّة، واليوم بدأ الجيش استِعداداته لاقتحام القطاع، واحتلاله بالكامل، حاشِدًا أكثر من 200 ألف جُندي مدعومين بالدبّابات، وحاملات الجُنود والصّواريخ، والطّائرات الحربيّة والمُسيرّة، علاوةً على أكثر من 50 ألف جندي من الاحتياط، حتّى لكأنّ غزة هي الاتّحاد السوفيتي في أقوى حالاته، أو ألمانيا النازيّة في ذروةِ عُنفوانها، التي حرقت اليهود في أفرانها، ومِن المُؤكّد أنّ هذا الاجتياح سيُؤدّي إلى قتل عشرات الآلاف، إنْ لم يكن أكثر، من أبناء القطاع الذين ما زالوا على قيد الحياة، وتدمير ما تبقّى من منازلٍ ما زالت واقفة بكبرياء، ولم تُدَمّر وهي لا يزيد تِعدادها عن واحدٍ في المئة فقط، أمّا الرئيس ترامب رجل السّلام ما زال مشغولًا في عدّ تريليوناته العربيّة التي ابتزّها من أصدقائه العرب، ويُدير وجهه على النّاحية الأُخرى، ولا يُريد أنْ يعرف، فقنابله وطائراته الشّبح تقوم بالواجبِ وأكثر. اليوم فقد نقلت إلينا وكالات الأنباء خبرًا عن سرقة الجيش الإسرائيلي 23 شاحنة مُحمّلة بالمُساعدات الإنسانيّة، وبعض الطّعام، كانت في طريقها إلى الجَوعى في قطاع غزة، ومِنْ ومَنْ؟ دولة الإمارات العربيّة الدّولة الأكثر تطبيعًا في العالم العربيّ، وجاءت المُكافأة الإسرائيليّة على شكلِ سرقة هذه المُساعدات في وضحِ النّهار، ولمنع وصولها إلى الجوعى من الأطفال الذين استشهدوا جُوعًا من انعدام التّغذية وبلغ تعدادهم 242 طفلًا ومُسنًّا حتّى الآن والأرقام تتصاعد. نختم بقصّة الدكتورة آلاء النجار التي تعمل في مجمّع ناصر الطبّي في مدينة خان يونس، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من الجرحى والمُصابين، فالدكتورة آلاء، فُوجئت وهي تقوم بواجبها الإنساني أنّ من بين الشّهداء تسعة من أطفالها 'تفحّموا' من جرّاء قصفهم بصاروخٍ إسرائيليٍّ وبشَكلٍ مُتعمّد، وبعد التأكّد من وجودهم ووالدهم مع شقيقهم العاشر (في غُرفة الإنعاش) في البيت، وتتراوح أعمارهم بين ستّة اشهر و12 عامًا. لن نستنجد بالعرب، ولا بالمُسلمين، كَبُرَتٌْ جُيشوهم أو صَغُرَتْ، ولن نطلب أي مُقابل أخلاقي أو إنساني من ترامب للتّريليونات التي ابتزّها، ولن نُذكّر ما يُسمّى بالمُجتمع الدولي ومُنظّماته بهذه المجازر المأساويّة، مثلما فعلنا طِوال الـ19 شهرًا مُنذ بدء حرب الإبادة، فلا فائدة تُرجى، ولا حياة لِمَن تُنادي. وعزاؤنا الوحيد أن هُناك عربًا يملكون الكرامة وعزّة النّفس، والرّجولة والأخلاق ويقصفون مطار اللّد ومدينة يافا المُحتلّة، وموانئ حيفا وأسدود وأم الرشراش (إيلات) يوميًّا، ويُؤكّدون أنّهم لن يتخلّون عن قطاع غزة مهما تضاعفت أعداد شُهدائهم وجرحاهم الذين يسقطون يوميًّا بقصفِ الإسرائيليين وحُلفائهم.. عن أهلنا في اليمن نتحدّث'.


الشرق الجزائرية
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الجزائرية
الإستعداد للحرب… ينهيها
«أساس ميديا» عام 1960 كانت الولايات المتّحدة الأميركية تملك 18 ألف قنبلة نووية فقط. لو أنّها فجّرت هذه القنابل لأدّى ذلك إلى مقتل 275 مليون شخص في الاتّحاد السوفيتي خلال الساعات الأربع الأولى، ولأدّى أيضاً إلى مقتل 325 مليون صيني على الرغم من أنّ الصين لم تكن طرفاً في الصراع. حتّى لو بقيت الصين على الحياد ولم تشترك في القتال، كانت الإشعاعات النووية المترتّبة على الانفجارات ستؤدّي إلى مقتل ما لا يقلّ عن 300 مليون صيني. أصبحت هذه القوة النووية التدميرية الأميركية من الماضي. تملك الولايات المتحدة الآن قوّة نوويّة أشدّ فتكاً. إنّ نظام 'أوهايو' النووي الذي تعتمده الغوّاصات الأميركية الحديثة يتمتّع بقوّة تدميرية للقنبلة الواحدة تساوي 1,266 مرّة قنبلة من حجم القنبلة التي ألقتها الولايات المتّحدة على مدينة هيروشيما اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية. أنتجت الولايات المتّحدة حتّى الآن 14 غوّاصة من هذا النوع. وهذا يعني أنّها بموجب هذا النظام النوويّ وحده تملك 17,724 قنبلة نووية. مع ذلك، ولأنّ الولايات المتّحدة تعرف أنّ الاتّحاد الروسي والصين، وحتّى كوريا الشمالية، تطوّر قدراتها النووية أيضاً، قرّرت المضيّ قدماً في التطوير، فخصّصت في ميزانيّتها العامّة مبلغ ألفَي مليار (2 تريليون) دولار لتمويل مشاريع إنتاج قنابل نووية أشدّ فتكاً وأكثر عدداً. حقيبة نوويّة تُرافق الرئيس الأميركي دونالد ترامب أينما حلّ وارتحل حقيبة خاصّة تحمل مفاتيح الأمر بإطلاق القنابل النووية. ترافقه هذه الحقيبة إلى غرفة النوم. ويفترض أن تكون في متناول يده على مدى 24 ساعة حتّى لا يتأخّر عند الضرورة في إعطاء الأمر بإطلاق القنابل النووية. تعرف الولايات المتّحدة أنّ روسيا تملك أسطولاً من الغوّاصات المزوّدة بالقنابل النووية، وأنّ هذه الغوّاصات التي تتسلّل إلى الشاطئ الغربي الأميركي قادرة على إطلاق قنابلها نحو الولايات الأميركية الخمسين في عمليّة واحدة تستغرق 80 ثانية فقط. وحتّى إذا اكتشفت غوّاصة أميركية وجود هذا الأسطول الروسي، فإنّ ردّ الفعل لن يكون سريعاً بما فيه الكفاية لوقف الهجوم أو تعطيله. اكتُشف هذا الأمر عام 1981 ولا يزال يُقلق القوّات البحرية الأميركية حتّى اليوم. تعرف الولايات المتّحدة أنّ الهجوم النووي الروسيّ من الغوّاصات المتسلّلة إلى مناطق قريبة من الشاطئ الأميركي الغربي، لا يحتاج إلى أكثر من سبع دقائق فقط لتحقيق أهدافه. إنّ كلّ ثانية (بل إنّ كلّ جزء من الثانية) سواء في عمليّة الهجوم أو الدفاع يُحسب لها كلّ الحساب. ولذلك ترافق الرئيس الأميركي حقيبة شيفرة الأمر بإطلاق القنابل النووية حتّى إلى المرحاض! قوّة نوويّة تدمّر الأرض إذا جُمعت القوى التدميرية النووية الأميركية إلى القوى المماثلة للاتّحاد الروسي والصين وكوريا الشمالية (إضافة إلى فرنسا وبريطانيا والهند وباكستان وإسرائيل)، فإنّ هذه القوّة النووية قادرة على تدمير الحياة على الكرة الأرضية، بل وعلى تدمير الكرة الأرضيّة من أساسها. يصف الخبراء الأميركيون السلاح النوويّ بأنّه كان 'لعبة أولاد' حتّى التسعينيّات من القرن العشرين إذا ما قورن بما هو عليه الآن. فقد تجاوزت القدرة التدميرية لهذا السلاح كلّ الحسابات وأسوأ التوقّعات… وكلّ المخاوف. يقول علماء الذرّة إنّه إذا أُلقيت قنبلة نووية اليوم من النوع الجديد على العاصمة الأميركية واشنطن مثلاً، فإنّ انفجارها سوف يؤدّي إلى إطلاق عاصفة ناريّة بحرارة تصل درجتها إلى 660 درجة مئوية، وإنّ الناس سوف تُشوى أجسادهم وهم أحياء. لأنّ كلّ القوّى التي تملك سلاحاً نوويّاً من هذا النوع تعرف هول الكارثة التي يسبّبها استخدامه، فقد تتجنّب حتّى التهديد باستخدامه (ما عدا كوريا الشمالية). وعندما هدّدت الولايات المتّحدة بقصف كوريا الشمالية، اضطرّت إلى التراجع عن تهديدها لأنّ الصواريخ التي قد تطلقها تمرّ حتماً في سماء الاتّحاد الروسي، وهو ما قد يفسّره الكرملين بأنّه استهداف مقصود له. الخطأ ممنوع ارتكبت الولايات المتّحدة في القرن الماضي أخطاء سياسية تفجرت حروباً في فيتنام وكمبوديا. وقبل ذلك في كوريا. هذه المرّة الخطأ ممنوع لأنّ النتيجة يمكن أن تكون وبالاً على الإنسانيّة كلّها. يؤكّد هذا الأمرَ الجديدَ في الصراعات الدولية ما لم يحدث في أوكرانيا. فقد اضطرّت روسيا إلى تحمّل أعباء الحرب طوال سنوات القتال من دون أن تلجأ إلى السلاح النووي لحسمها. ولكن ماذا إذا وقعت الواقعة على الرغم من كلّ هذه المخاوف والمحاذير؟ يجيب علماء الاجتماع على هذا السؤال بأنّ الإنسانية أو ما بقي منها سوف تعود عشرة آلاف سنة إلى الوراء، أي إلى عصر ما قبل الزراعة. تتحمّل مسؤوليّة الانتقال هذه التي تقرّر مصير سبعة مليارات من بني البشر، حفنة من الرجال يملكون سلطة الضغط على أزرار مشفّرة في حقيبة يد صغيرة تحمل الأوامر بإطلاق الصواريخ ذات الرؤوس النووية المدمّرة… مِن هؤلاء، بل وفي مقدَّمهم، الرئيس الأميركي دونالد ترامب… فهل يفعلها؟!


الشرق الجزائرية
٠٩-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- الشرق الجزائرية
'حرب' ترامب: أميركا قويّة ودولار ضعيف
«اساس ميديا» يكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بيده نهاية نظامَين هيمنت بهما الولايات المتّحدة على الاقتصاد العالمي على مدى ثمانين عاماً: نظام التجارة العالمي، الذي أخذ شكله المحدّث في التسعينيات من القرن الماضي إثر انهيار الاتّحاد السوفيتي وإعلان 'نهاية التاريخ'. ونظام هيمنة الدولار الذي أُنشئ انعكاساً لنتيجة الحرب العالمية الثانية عبر اتفاقية 'بريتون وودز'، وأُعيد تشكيله عام 1973 بإلغاء الاتفاقية وفكّ الارتباط بين الذهب والدولار. يحتار كبار الاقتصاديين في فهم استراتيجية ترامب وتكتيكاته: هل يضع التعريفات لتبقى أم يضرب بها ليفاوض ويجبر الآخرين على فتح أسواقهم أمام السلع الأميركية؟ لكنّهم لا يختلفون في أنّه يريد إعادة تشكيل نظام التجارة العالمي بما يضمن استمرار الهيمنة الأميركية على الاقتصاد والنظام المالي وتدفّق السلع والخدمات، إن لم يكن بالتفاوض فبالحرب التجارية، وربّما النقدية. غير أنّ المعضلة تكمن في الموازين التي تحكم إنشاء النظام الجديد. يردّد ترامب عنوانين رئيسيَّين لشرح ما يريده، والمشكلة فيهما أنّ من الصعب جمعهما في ورقة استراتيجيّة واحدة: يقول إنّ التعريفات الجمركية ستجعل أميركا غنيّة مجدّداً، وإنّه سيجمع مئات المليارات منها ليخفض عجز الميزانية، وليتمكّن من خفض الضرائب. لكنّه يؤكّد في المقابل استعداده للتراجع إذا حصل على الثمن الذي يريد، بما يضمن تعديل موازين التجارة وإعادة بناء قاعدة التصنيع الأميركية، وتوفير فرص العمل. التعارض بين الهدفين واضح. فالهدف الأوّل يعني أنّ التعريفات وُجدت لتبقى رافداً ماليّاً بديلاً للخزينة الفدرالية، بما يسمح لترامب بتنفيذ وعده بخفض الضرائب على الشركات، على نهج رونالد ريغان في الثمانينيات. وبذلك تجني الخزينة رسوماً جمركية أكثر وضرائب أقلّ. فيما الهدف الثاني يعني أنّ الإيرادات ليست هدفاً بذاتها، بل إنّ التعريفات ستؤدّي إلى استيراد أقلّ. الرّكود التّضخّميّ فكرة ترامب المبسّطة أنّ لدى أميركا سلاحاً اقتصاديّاً لا يُضاهى، هو سوقها الاستهلاكي الهائل الذي يصل حجمه إلى 18 تريليون دولار سنويّاً، أي ما يقارب 70% من حجم الاقتصاد الأميركي، ونحو 28% من سوق الاستهلاك العالمي. ويقول بكلّ وضوح إنّ دخول هذه السوق لن يكون إلّا بشروط واشنطن. فمن يرِد الوصول إلى جيب المستهلك الأميركي فليصنّع منتجاته في أميركا. غير أنّ التعريفات لا يحبّها المستهلكون ولا تحبّها الأسواق، وقد كانت ردّة الفعل عليها عنيفة يومَي الخميس والجمعة الماضيَين مع تسجيل بورصة وول ستريت أسوأ هبوط في يومين متتاليَين في تاريخها. وثمّة خوفٌ جدّي من أن يتّجه الاقتصاد إلى الركود التضخّمي، أو أن يكون الركود قد بدأ بالفعل، كما يقول لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة 'بلاك روك'، أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم البالغة قيمتها تريليون دولار. وغنيٌّ عن التذكير أنّ ترامب خاض الانتخابات بشعار مكافحة التضخّم، ملقياً بالفشل في هذا الميدان على سلفه جو بايدن. أمام الهلع من هبوط الأسواق، يردّ وزير التجارة في إدارة ترامب هاوارد لوتنيك بالقول: 'دعوا صانع الصفقات يصنع صفقاته'، ويرسل ترامب نفسه تلميحات إلى أنّه يناور ليفاوض، وأنّ التعريفات 'دواء' (مؤقّت؟) لا بدّ من تناوله، ويشير إلى أنّ التعريفات جعلت خمسين دولة تتّصل به لطلب التفاوض، وأنّ بعضاً منها أبدت استعداداً لتصفير متبادل للقيود التجارية. وربّما كان يأمل أن تأتيه الدول الأخرى جاثية على ركبتيها طالبةً التفاوض، أو أن يتوصّل إلى اتّفاقات كبيرة قبل تطبيق التعريفات التي أعلنها في الثاني من نيسان، والتي عصفت بالبورصات الأميركية والعالمية. هل يتراجع ترامب أمام ضغط المليارديرات وانهيار الأسواق وارتفاع التضخّم؟ لم يعد الأمر بيده وحده. فالصين دخلت الحرب عمليّاً، وتريد أن تستعرض قوّتها قبل أن تجلس إلى طاولة التفاوض. والواقع أنّ ما لديها من أوراق يؤهّلها للتصرّف بطريقة مختلفة عن المكسيك وسواها من الدول التي يمكن أن ينهار اقتصادها إذا أُغلق السوق الأميركي في وجهها. حرب عملات على أيّ حالٍ، سقط النظام القديم، بشقّيه التجاري والنقديّ. سقط ولم يعد قابلاً للاستمرار، حتى لو انطلق التفاوض وأُعلنت بعض الاتّفاقات الآنيّة. في مجال التجارة، لن يعود نظام منظّمة التجارة العالمية إلى الحياة. فقد وُجد هذا النظام بموجب اتفاقية مراكش عام 1994، بعد عقود من جهود رفع القيود التجارية، وكانت الولايات المتّحدة حينها في حالة الأحاديّة القطبية المفرطة بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي. كان تفوّقها التكنولوجي بعيداً عن المنافسة، إذ كانت تحتكر صناعة الرقائق والبرمجيّات الأكثر تقدّماً، فيما كان اقتصاد الصين يقوم على الصناعات المقلّدة والمحدودة التقنيّة. ولذلك كانت وظيفة هذا النظام أن يفتح الأسواق أمام التفوّق الأميركي. وعندما بدأ الآخرون يستفيدون من رفع القيود لأخذ حصّتهم من التصنيع والتكنولوجيا، لم يعد للنظام القديم قوّة تحميه. ولذلك النظام الجديد سيقوم على الاتفاقيات الثنائية بدلاً من الاتفاقيات الدولية التي تحتاج إلى ناظمٍ كبيرٍ يستطيع فرض إيقاعه على الآخرين، كما كانت الولايات المتّحدة في التسعينيّات. ستكون تداعيات سقوط نظام التسعينيّات كبيرة. إذ سلاسل التوريد إلى الانعزال داخل الدول (onshoring) بعد عقود من التوريد المتشابك والمتباعد (offshoring)، خصوصاً في الولايات المتحدة، وربّما تلجأ القوى الأخرى إلى تجميع قواها والانتظام في اتفاقيّات موازية. الأخطر من ذلك أنّ سقوط النظام التجاري القديم قد يستتبع تغيّراً تدريجياً في النظام الماليّ العالمي، وقد يبدأ على شكل حرب عملات، ويتدرّج إلى تقليص القوى الاقتصادية الكبرى لاعتمادها على الدولار الأميركي، وعلى منظومات الدفع وتحويل الأموال المرتبطة به. يمثّل الدولار تعهّداً أميركيّاً للعالم بأن تبقيه ذا قيمة محترمة مقابل أن تهيمن به على النظام الماليّ العالمي. ويمكن القول إنّ أميركا خانت العهد مرّتين على الأقلّ في التاريخ: الأولى عام 1971، حين أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون تعليق تحويل الدولار إلى الذهب، وبعد عامين انتهى الربط رسمياً بين الدولار والذهب، فانتهى فعليّاً نظام 'بريتون وودز'. والثانية عام 1985، عبر 'اتفاقية بلازا' الشهيرة، حين ضغطت الولايات المتحدة على القوى الاقتصادية العظمى في ذلك الزمان، ألمانيا الغربية واليابان وكندا وبريطانيا، للقيام بجهد منسّق لرفع قيم عملاتها مقابل الدولار، لا سيما المارك الألماني والين الياباني، وأدّى ذلك عمليّاً إلى كبح صعود اليابان في العقود التالية، بعدما كان لديها ثاني أكبر اقتصاد في العالم. في المحطّتين أُثيرت تكهّنات كثيرة بأنّ هيمنة الدولار ستسقط عاجلاً أم آجلاً، وهو ما لم يتحقّق حتّى اليوم. إلّا أنّ من المهمّ ملاحظة أنّ حصّة الدولار من احتياطات البنوك المركزية انخفضت بشكل ملموس في العقدين الماضيين، وأصبحت نحو 58% فقط، فيما يُلاحظ أنّ الصين خفضت محفظتها من سندات الخزينة الأميركية، أي من الدولار، بأكثر من 300 مليار دولار في السنوات الأربع الأخيرة، ويتوقّف حجمها حاليّاً عند 760 مليار دولار تقريباً، فيما عزّز البنك المركزي الصيني محفظته من الذهب بأكثر من عشرة ملايين أونصة في العامين الماضيين. ترامب يطلب المستحيل يسود الحديث في الإعلام الأميركي هذه الأيّام عن احتمال سعي ترامب إلى خفض قيمة الدولار بشكل كبير لتعزيز تنافسيّة الصادرات الأميركية، وهو الذي لا يكفّ عن اتّهام الصين بخفض عملتها بشكل مصطنع. لكنّ الأمر ليس بهذه السهولة، بل يتطلّب تعاوناً من البنوك المركزية الكبرى كما حدث في الثمانينيات، وهذا غير متاح إلّا باتّفاق كبير لا يبدو في الأفق. الصين في 2025 مختلفة تماماً عن اليابان في 1985، وهي ترى بأمّ العين عواقب رضوخ جارتها لضغوط واشنطن. ولا شكّ أنّ لدى بكين أوراقاً متعدّدة لتلعبها اليوم، لكن بكثير من العناية. فعندما ترفع الولايات المتّحدة الرسوم على عشرات الدول ستخفّف تلك الدول تجارتها مع الولايات المتحدة، وربّما يزداد الترابط التجاري بين الصين وأوروبا وبريطانيا ودول شرق آسيا والشرق الأوسط، وسيشكّل ذلك فرصة لتعزيز منصّات التسويات البديلة. وهذا ما يفسّر التهديد الأميركي المباشر لأيّة محاولة من قبل 'بريكس' لتطوير منصّة التسويات البديلة عن الدولار. الأكيد أنّ النظام القديم انتهى، وسيستغرق إرساء النظام الجديد سنوات من الرسوم والاتّفاقات والتحالفات فوق الطاولة وتحتها، ولن يكون من السهل إيجاد ملاذٍ آمنٍ وسط هذه الفوضى.


الشرق الجزائرية
٢٣-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الجزائرية
صفقة أوكرانيا: روليت ترامب الرّوسيّة
«أساس ميديا» ستتدافع النظريّات الجيوستراتيجيّة في محاولة، قد تكون عسيرة، لاستشراف الوجهات التي يلوّح بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقاربة المشهد الدولي، وخصوصاً موقع الولايات المتحدة داخله. ولئن لا يزال غير ممكن تخيّل 'تنحّي' أميركا عن زعامة العالم، لا سيما ما يطلق عليه اسم 'العالم الحرّ'، فإنّ ما تشي به خياراته بشأن أوكرانيا وأوروبا يطرح أسئلة، حتى داخل الولايات المتحدة، بشأن الانقلاب الجاري على نسخة ما بعد الحرب العالمية الثانية للنظام الدولي وتلك المحدّثة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. ربّما من الحكمة عدم الاندفاع سريعاً باتّجاه استنتاجات بشأن تحوّلات جذرية تجريها الولايات المتحدة في خططها الاستراتيجية الكبرى. فلا يعقل أن تنقلب واشنطن على نفسها بهذه الخفّة بعد بضعة أسابيع على بدء رئيس جديد ولاية رئاسية تنتهي بعد 4 سنوات وتصبح مشلولة بعد 3 سنوات. وربّما للأمانة العلميّة علينا أن نتحدّث فقط عن 'ترامبيّة'، كما نعرفها، بما هي أفكار عبثية تسعى لأن تجد لها منطقاً داخل مؤسّسات 'الدولة العميقة' التي عادة ما تتجاهل الغثّ وتتبنّى السمين. مع ذلك تأخذ أوروبا أمر ذلك 'الصلح' المقبل بين واشنطن وموسكو على محمل الجدّ. تذهب بعض الآراء إلى النصح بالاعتماد على النفس وإنهاء ذلك الارتهان للحماية الأميركية الذي بات عقيدة لبعض دول القارّة. تبدي العواصم غضباً من ذلك التجاهل الذي يعبّر عنه ترامب. وتبدي لندن المحسوبة تاريخياً على الولايات المتحدة، على لسان رئيس الحكومة كير ستارمر، موقفاً معانداً لواشنطن، تارة بالدفاع عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي يتعرّض لحفلة 'تنمّر' ترامبيّة، وتارة بالإعلان عن الاستعداد لإرسال قوات بريطانية إلى أوكرانيا لرفد أيّ اتّفاق سلام. 'خيانة' أميركيّة لأوكرانيا تتحدّث بعض الأصوات في أوروبا عن 'خيانة' أميركية لأوكرانيا. تلاحظ تقديم ترامب سرديّةً لحكاية الحرب في أوكرانيا تجافي الحقيقة وتتبنّى الرواية الروسيّة بحذافيرها. فالحرب شنّتها روسيا في 24 شباط 2022، على الهواء مباشرة، عن سابق إصرار وتصميم، وسط تحذيرات مكثّفة مسبقة من قبل أجهزة المخابرات الأميركية بقرب حدوثها، فيما كان زيلنسكي يطالب واشنطن بوقف حملات التهويل وعدم المبالغة في توقّع الحرب، حنى وقعت. تقول هذه الأصوات إنّ حلف الناتو لم يتلقَّ يوماً طلب عضوية رسمي لانضمام أوكرانيا، وأن ليس من حالة 'دراسة' لهذا الطلب. ليس صحيحاً أنّ مشكلة بوتين هي مع رغبة أوكرانيا بالانضمام إلى الناتو. صحيح أنّ هناك رغبة تنمّ عن خوف من روسيا، لكن ليس من طلب. ولنفترض جدلاً أنّه توفّر هذا الطلب، فإنّه مرفوض لأنّ قبول العضوية يخضع لإجماع مفقود داخل الدول الأعضاء. ثمّ إنّ بوتين لم يعبّر عن أيّ غضب وامتعاض من فنلندا، وهي على حدود روسيا وحافظت على حالة الحياد في عهد الاتّحاد السوفيتي بكلّ زعمائه، لكنّها لم تبدِ رغبة بالانضمام إلى الناتو بسبب حرب روسيا ضدّ أوكرانيا فقط، بل أصبحت (إلى جانب السويد) عضواً كامل العضوية داخل الحلف. لماذا التخلّي فجأة عن أوكرانيا؟ حين شنّت روسيا حربها ضدّ أوكرانيا لم يكن يجمع الأخيرة مع المنظومة الغربية أيّ التزامات قانونية تفرض القيام بتقديم الدعم. غير أنّ تقدّم أرتال الدبّابات الروسية صوب كييف أرعب دول القارّة برمّتها، لا سيما تلك التي تقع مباشرة على الحدود مثل بولندا وأوكرانيا وطبعاً دول البلطيق وغيرها. لا شيء تغيّر في مخاطر الأمن الاستراتيجي يبرّر فجأة التخلّي عن أوكرانيا والاستسلام لـ'الحلّ الروسيّ'، وهو حلّ بالمناسبة مرحليّ تقبله روسيا مضطرّة بسبب تمكّن القوات الأوكرانية بدعم غربي من ردّ الهجوم الروسي وحصره شرق البلاد. وعلى الرغم من أن لا خطّة حقيقية قدّمها ترامب لإنهاء الحرب، غير أنّ وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أبلغ جمهور مؤتمر ميونخ للأمن قبل أيّام بأنّ عضويّة أوكرانيا في الناتو 'غير واقعية'، وأنّه لا يمكن العودة إلى حدود عام 2014، أي عام الاستيلاء على شبه جزيرة القرم. يسأل الأوكرانيون هنا: وماذا عن حدود عام 2022، أي عام بدء الحرب الحالية؟ يَعِد ترامب بخجل بأنّ أوكرانيا ستكون على طاولة هزيمة أوكرانيا… هزيمة أميركيّة بغضّ النظر عن هذا النكد الشخصي بين الرئيسين، الذي يعود بالمناسبة إلى عام 2019 حين رفض زيلينسكي طلب ترامب التحقيق في مزاعم فساد في أوكرانيا تتعلّق بنجل منافسه جو بايدن من أجل التأثير على حظوظ والده في الانتخابات، فإنّ في أوروبا من يعتبر أنّ هزيمة أوكرانيا هي هزيمة لأوروبا وتهديد وجوديّ لها، لكنّها أيضاً هزيمة للولايات المتحدة أمام معسكر جمع روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية خلال سنوات الحرب الثلاث. من الأسئلة أيضاً ما يتعلّق بإيحاءات تلك الهزيمة التي تسرّع همّة الصين بشأن تايوان، وتضعضع تحالف المنظومة الغربية، لا سيما بين ضفّتي الأطلسي، وهو ما من شأنه إضعاف واشنطن نفسها في مواجهتها الاستراتيجية الكبرى ضدّ بكين. وإذا ما ظهر في أوروبا من يقترب من إدراج الولايات المتحدة في ظلّ الترامبيّة داخل معسكر الخصوم، فإنّ ذلك يشير إلى انقلاب كبير داخل صفوف الحلف الغربي. حين استمتع نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بشنّ هجوم على أوروبا أمام مؤتمر ميونخ، صعد رئيس المؤتمر كريستوف هيوسغن على المنبر وقال إنّ 'المبادئ المشتركة لم تعد مشتركة'، وبكى. من التسرّع أن نتحدّث عن يالطا جديدة. عام 1945 جرى الأمر بين 3 زعماء منتصرين. لا تشبه إمبراطوريّة ستالين دولة بوتين. كان روزفلت يبدو صاعداً يملي على العالم قواعد هيمنة أميركا. كانت أوروبا في شخص تشرشل حاضرة. في تحوّلات ترامب ارتباك وارتجال واستغياب لصينٍ لا يمكن من دونها ولادة 'يالطات' جديدة. الأرجح أنّ حفلة التصريحات العابثة ستتوقّف. سيصغي ترامب إلى 'المؤسّسة'، بعد أن يستمع إلى زوّاره الأوروبيين، وقد ينسى المراقبون مواقف أوّلية لمصلحة أخرى تضع نقاطاً جادّة على الحروف. روسيا وبوتين يعرفان ذلك أيضاً. وحده الزعيم الصيني يراقب بهدوء من بعيد.