logo
#

أحدث الأخبار مع #البيتالنبوى

سيدات البيت النبوى فى مصر«5» السيدة عائشة النبويـة.. عروس آل بيت النبى
سيدات البيت النبوى فى مصر«5» السيدة عائشة النبويـة.. عروس آل بيت النبى

بوابة ماسبيرو

time٠٤-٠٤-٢٠٢٥

  • منوعات
  • بوابة ماسبيرو

سيدات البيت النبوى فى مصر«5» السيدة عائشة النبويـة.. عروس آل بيت النبى

دخلت مصر سنة 169هـ وفى صحبة إدريس بن عبد الله المحض وتوفيت 245هـ منذ أن دفن جثمانها فى هذا المشهد ظل على حالته البسيطة مكوناً من حجرة واحده تعلوها قبة لو أنك من سكان القاهرة، سوف تصل إليها من كل مكان، راكبا "أوتوبيس" هيئة النقل العام أو الميكروباص، ولو أنك من الصعيد أو الدلتا، فهى مقصد من مقاصدك الروحية، تزورها بعد زيارة السيدة زينب، وقبل أن تصل إلى السيدة نفيسة، وهى "عروس آل بيت النبى" التى اختلف المؤرخون حول تاريخ مولدها وتاريخ وفاتها، لكنهم أجمعوا على أنها ابنة الإمام جعفر الصادق، وأنها درة من آل بيت النبى الأعظم وأنها هربت من قسوة الحكم العباسى واحتمت بمصر، كما فعلت السيدة زينب، وجاءت "عائشة بنت جعفر الصادق" وعاشت فى القاهرة وفيها دفنت، وكانت مدة حياتها قصيرة، وعرف المصريون قدرها انتسابها إلى بيت النبى فأسموها "عائشة النبوية"، ولأنها ماتت شابة وبعض الروايات يؤكد أنها لم تتزوج، فأطلق عليها لقب "عروس آل البيت" وروايات أخرى تؤكد زواجها من عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب الذى كان واليا على المدينة المنورة فى العصر العباسى. السيدة عائشة النبوية هى وردة فى بستان بيت النبوة، لها نسب طاهر، فهى ابنة الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب، وُلِدت فى العام 122 الهجرى وتوفيت إلى رحمة الله فى العام 145 الهجرى، وأبوها الإمام جعفر الصادق أحد أئمة أهل البيت، وعلى يديه تتلمذ الإمام أبو حنيفة النعمان، ورفض ـ جعفر الصادق ـ الخلافة بعد سقوط دولة بنى أمية، وكانت رحمها الله شقيقة أميرـ وحسب روايات ترجح زواجها ـ وزوجة أمير، فأخوها "إسحق المؤتمن" كان والى المدينة المنورة وزوجها عمر بن عبد العزيز تولى إمارة المدينة المنورة أيضا، وعاشت فى ظل الصراع المستعر بين بنى العباس وبنى على بن أبى طالب، فالذى حدث فى سنوات الصراع بين "آل البيت" و"بنى أمية" كان "الهاشميون" يحاربون بنى أمية، ولكن جرى تحوّل خلق العداوة بين "بنى العباس بن عبد المطلب بن هاشم" و"بنى على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم" فى عهد أبى جعفر المنصور، الذى قتل أبا مسلم الخراسانى ـ أحد قادة الدعوة العباسية ـ وطارد "بنى على" وهذا ما جعل السيدة عائشة تهاجر إلى مصر، وجعل والدها الإمام جعفر الصادق يهجر العمل السياسى ويتفرغ للبحث فى الفقه والعقيدة وأسس مذهبه المعروف، وفى لقب "السيدة عائشة" وتاريخها مواطن خلاف كثيرة بين المؤرخين، فمنهم من يقول إن لقب "السيدة" لقب تعظيم لها لأنها منتسبة إلى الدوحة النبوية الشريفة، ومنهم من يقول إن لها اسما آخرهو "أم فروة" إنها سميت على اسم جدتها لأبيها "أم فروة" حفيدة أبى بكر الصديق، وكانت "عائشة بنت جعفر الصادق" تعيش فى "الكوفة" قبل انتقالها إلى مصر. ويقول كتاب "طبقات الشعرانى" إنها عاشت فى "المقطم" عشرة شهور، وتوفيت وهى فى العشرين من عمرها، ومرت السنوات، وجاء "صلاح الدين الأيوبى" إلى مصر وأنشأ مدرسة ومسجدا بجوار ضريحها، وأمر بأن يكون لها باب مفتوح فى سور القاهرة الذى أنشأه حفاظا على القاهرة من هجمات الصليبيين. جوهرة مكنونة ولأن المعلومات المتاحة عنها قليلة، لم يكن من كتاب نثق فيه سوى كتاب "آل البيت النبوى فى مصر" للكاتب ـ أحمد أبوكف ـ الذى خاض رحلة بحث طويلة فى المكتبات من أجل تقديم معلومات صحيحة عنها ويقول: ـ قرأت الشعرانى فى "طبقاته الكبرى" ـ الجزء الأول ـ وقرأت شمس الدين بن محمد الزيات فى كتابه "الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة فى القرافتين الكبرى والصغرى"، وقرأت كتاب الشيخ "الشبلنجى" المسمى "نور الأبصار فى تاريخ آل بيت النبى المختار" وكتاب "تحفة الأحباب وبغية الطلاب فى الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات" لابن محمود السخاوى الحنفى، وقرأت "ابن كثير" و"ابن خلكان" وقرأت فى الصحف المصرية القديمة فوجدت مقالين منشورين فى جريدة الأهرام فى "3و4 أغسطس 1931" كتبهما "أحمد زكى باشا"، شيخ العروبة بعنوان: ـ صحيح صحيح مسجد السيدة عائشة بالقاهرة.. وأعلن ـ أحمد زكى باشا أن جثمان السيدة عائشة بنت جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب، قد دفن فى مصر، بعدما حاول البعض أن يروج مقولة "مشاهد الرؤيا" وأضرحة الرؤيا. وكان السؤال الذى طرحته على نفسى بعد هذه القراءات واللقاءات هو: ـ لماذا نقص المعلومات عن السيدة عائشة بالذات، رغم التأكيد على وجود جثمانها الطاهر، وقال لى "الشيخ إبراهيم جلهوم ـ شيخ مسجدها بالقاهرة ـ إنه لايستطيع تقديم تفسير لندرة المعلومات عنها، ورجح موتها فى سن صغيرة حسب قول بعض المؤرخين. وفى كتاب "نور الأبصار فى مناقب آل بيت النبى المختار" محاولة للبحث عن سيرة "السيدة عائشة"؛ فالمؤلف ـ الشيخ الشبلنجى ـ يذكر أنه حاول البحث عن أم السيدة عائشة شقيقة الإمام موسى الكاظم ولم يوفق فى بحثه، وقال: ـ إذا كانت السيدة عائشة أخت موسى الكاظم فلابد أن تكون أمه "حُميدة البربرية" هى أمها زوجة الإمام جعفر الصادق. وإذا كان من الثابت أن جعفر الصادق لم ينجب سوى "أم فروة" فمن المحتمل أن يكون هذا هو لقب للسيدة عائشة أو كُنية لها، ونحن نعرف أن من عادات العرب تسمية الأحفاد بأسماء الجدود، والحفيدات بأسماء الجدات، واسم جدة السيدة عائشة هو "أم فروة" بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق الذى كان واليا على مصر، وله مقام فى مصر يقصده الزائرون. ومازلنا مع الكاتب أحمد أبوكف وهو يعرض قصة البحث عن نسب "السيدة عائشة" وما يتعلق بمدفنها ومقامها فى مصر فيقول: ـ خطوة أخرى خطوتها، وهى تخص الإمام جعفر الصادق ـ والدة السيدة عائشة ـ فلو أنه مات فى شوال من العام 148 الهجرى فى عهد الخليفة المنصور العباسى وله من العمر ثمانية وستون عاما، وكان أخوها "موسى الكاظم" قد وُلِد فى العام 128 الهجرى، فهذا يعنى أن السيدة عائشة ماتت فى العام 145 الهجرى فى سن صغيرة، ولقب "السيدة" الذى لُقبّت به هو لقب تعظيم يطلقه الناس على كل آل البيت، فالمرأة "سيدة" والرجل "سيد" ومازال "الأشراف" فى مصر والدول العربية يتبعون هذه العادة. ويضيف أبوكف قوله: ـ ويؤكد قولى، نص ورد فى كتاب "تحفة الأحباب وبُغية الطلاب فى الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات" لابن محمود السخاوى الجنفى يحاول به الرد على القائلين إن السيدة عائشة دخلت مصر فى العام 169 الهجرى وإنها توفيت إلى رحمة الله فى العام 245 الهجرى وهذا ما ذكره: ـ السيدة عائشة بنت الإمام جعفر الصادق، دخولها مصر ثابت ليس فيه ما يقال من أنها دخلت سنة 169 هجرية وفى صحبة إدريس بن عبدالله المحض، بعد موقعة ـ كربلاء ـ التى استشهد فيها الحسين وجماعة آل البيت، وكانت تحت عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب.. وهذا معناه أن التاريخ الذى يؤرخون به وفاتهاـ أعنى 245 هجرى ـ لا نقره بأى حال، لأننا فى حال إقرارنا تكون السيدة عائشة قد عاشت فى مصر حوالى قرن من الزمان إلا ربعا، وهذا أمر غير منطقى، وهذا يؤكد خطأ المؤرخين القائلين بوفاتها فى العام المذكور. ويقول ابن محمود السخاوى الحنفى: ـ إن ذلك خطأ لأنه لو كان طال مكثها بمصر ولو قليلا من الزمن، لحدث أهل مصر عنها، ونقلوا الكثير من أخبارها، كما حصل للسيدة نفيسة بنت الحسن الأنور، فإنها دخلت مصر سنة 194 هجرية وتوفيت سنة 204 هجرية، وفى مدة السنين العشر هذه، حدَّث المصريون عنها بأحاديث ملأت عدة أسفار. ونخرج من دائرة النقل عن ـ السخاوى ـ التى أدخلنا فيها "أحمد أبوكف" لنقرأ سؤاله الذى أثاره فيه قول "السخاوى".. "وكانت تحت عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب" وتساءل ـ أبو كف ـ عن معنى كلمة "تحت" والمقصود منها، هل المقصود منها أن السيدة عائشة كانت تحت عمر بن عبد العزيز، أم أن مصر التى كانت "تحت" ولايته وحكمه، والحقيقة أن الصياغة تعنى أن السيدة عائشة كانت ـ زوجة ـ عمر بن عبدالعزيز، وهو المقصود من قول العرب "فلانة تحت فلان"، لكن الكاتب ـ أبوكف ـ مقتنع برواية تقول إن السيدة عائشة ماتت قبل أن تتزوج. مشاهد الرؤيا ولم تتوقف سيرة السيدة عائشة عند هذا الحد، فالبعض الذى قال إنها لم تتزوج، يقابله بعض آخر يؤكد أنها لم تُدفن فى مصر، وبالتالى فإن مشهدها فى مصر، مشهد رؤيا، بمعنى أن أحد المسلمين الصالحين رآها فى منامه، فصحا فى اليوم التالى عازما على بناء مشهد يحمل اسمها، وظاهرة مشاهد الرؤيا، مسئولة عن وجود مئات المشاهد والقباب فى القرى، ويسمى المتصوفون هذا باسم "البيان"، والبيان عبارة عن رؤيا يراها صالح، يجرى فيها حديث بينه وبين الولى، ويطالبه فى نهايته أن يبنى له المشهد أو المقام، ويذهب الصالح إلى المكان الذى ذكره الولى فيجد جريدة نخل خضراء، وهذه هى العلامة أو البيان، لكن هناك بحوثا سياسية أكدت أن هذه الظاهرة تفشت فى العصر الفاطمى، لأن المقصود من هذه المشاهد فى ذلك العصر، هو حشد الناس للصلاة والدعاء على الأعداء، والحقيقة الثابتة أن السيدة عائشة النبوية مدفون جسدها الطاهر فى مصر، وهذا ما ذكره "شمس الدين الزيات" فى كتابه "الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة فى القرافتين الكبرى والصغرى": ـ وأصح ما بالحومة، مشهد السيدة عائشة، ولها نسب متصل بالإمام الحسين بن الإمام على بن أبى طالب. وذكر ـ الشعرانى ـ قوله الذى يؤكد وجود جسدها الطاهر فى موقعه المعروف داخل المسجد الذى يحمل اسمها فى حى الخليفة بالقاهرة: ـ أخبرنى سيدى على الخواص ـ أستاذى ـ أن السيدة عائشة بنت جعفر الصادق رضى الله عنها، فى المنارة القصيرة على يسارك وأنت تريد الخروج من الرميلة ـ أى حى القلعة ـ إلى باب القرافة، وهى المدفونة بباب قرافة مصر رضى الله عنها. وقال ابن محمود السخاوى الحنفى إنه رأى بعينى رأسه قبر السيدة عائشة وقد ثُبّت عليه لوح رخامى مكتوب عليه: ـ هذا قبر السيدة الشريفة عائشة، توفيت سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة. وقال حسن عبد الوهاب فى كتابه "تاريخ المساجد الأثرية بعد أن ذكر السيدة عائشة: ـ هذه ترجمة موجزة لسيدة من آل البيت النبوى الكريم، مشرف جثمانها الطاهر أرض مصر، ووجدنا منذ ستمائة سنة شبه إجماع على أن جثمان السيدة عائشة موجود فى مشهدها القائم فى الرميلة، أى وجودها فى مصر. وقال أحمد زكى باشا: ـ إن المشهد القائم فى جنوب القاهرة باسم السيدة عائشة النبوية هو حقيقة متشرف بضم جثمانها الطاهر، وفيه مشرق أنوارها ومهبط البركات. سيرة طاهرة سيرة آل البيت طاهرة، وكل واحد من الدوحة النبوية طاهر، وكل واحدة طاهرة، وقال النبى الأعظم "إنى أوشك أن أدعى فأجيب وإنى تارك فيكم الثقلين، كتاب الله حبل ممدود من الأرض إلى السماء، وعترتى أهل بيتى، وإن الله اللطيف الخبير أخبرنى أنهما لن يفترقا، حتى يردا على الحوض يوم القيامة فانظروا بما تخلفونى فيهما" وآل البيت قيلت فيهم القصائد، حتى أن الشاعر "أبونواس" له قصيدة فى على الرضا بن موسى الكاظم أخى السيدة عائشة، مذكور منها أبيات فى كتاب "مواليد أهل البيت" لابن الخشاب: ـ مطهرون نقيّات ثيابهم تجرى الصلاة عليهم كلما ذُكروا من لم يكن علويا حين تنسبه فما له من قديم الدهر مُفتَخرُ أولئك القوم أهل البيت عندهم علم الكتاب وما جاءت به السُّوَرُ. والسيدة عائشة النبوية وُلِدت وعاشت الفترة الأولى من حياتها فى بيت أبيها فى المدينة المنورة، فى ظل قسوة من "بنى أمية" على "آل البيت" بلغت قمتها فى يوم "كربلاء" يوم استشهاد الحسين واثنين وسبعين من آل البيت الأطهار الأبرار، وكان أبوها "جعفر الصادق" من أعمدة آل البيت فى عصره، وقد عاشت السيدة عائشة فى رحابه تنهل من نبعه ـ نبع النبوة ـ الفيّاض، فى الدار التى كان يسكنها وهى الدار التى كان يسقى فيها الماء، ومن المعروف أن والدها تصدق بها على فقراء المسلمين، وكانت قبل أن يشتريها مملوكة لحارثة بن النعمان الأنصارى الخزرجى، ومن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال والدها رحمه الله: ـ أراد الله بنا وأراد منا، أراد بنا أقداره وقضاءه وأراد منا عبادته وتوحيده، فما بالنا شغلنا بما أراد بنا، عما أراد منا.. ومما يروى عن السيدة عائشة أنها نهلت من نبع أبيها الإيمانى كما نهل منه إخوتها، خاصة إسحق المؤتمن ـ زوج السيدة نفيسة ـ وهو المعروف عنه التقوى والورع، وقد صاغ الإمام محمد الباقر قولا فى فضل آل البيت وهو ابن على زين العابدين بن الإمام الحسين: ـ أيها الناس إن أهل بيت نبيكم شرفهم الله بكرامته واستحفظهم لسره، واستودعهم علمه، فهم عماد لأمته، شهداء علمه يراهم الله قبل خلقه، وأظلهم تحت عرشه، واصطفاهم فجعلهم علما على عباده، ودليلهم على صراطه، فهم الأئمة المهديون والقادة البررة، عصمة من لجأ إليهم، ونجاة لمن اعتمد عليهم، يغتبط من والاهم، ويهلك من عاداهم، ويفوز من تمسك بهم، فيهم نزلت الرسالة وعليهم هبطت الملائكة، وإليهم نفث الروح الأمين، وأتاهم ما لم يؤت أحد من العالمين، فهم الفروع الطيبة، والشجرة المباركة، ومعدن العلم، وموضوع الرسالة ومختلف الملائكة، وهم أهل بيت الرحمة والبركة، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. والثابت أيضا أن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ منذ أن دفن جثمانها فى هذا المشهد، ظل على حالته البسيطة مكونا من حجرة واحدة تعلوها قبة، وظل المشهد على حالته هذه حتى القرن السادس الهجرى، ورغم أن الفاطميين حكموا مصر مائتى عام وربما أكثر، لم يهتموا ببناء مسجد لها يليق بمكانتها الرفيعة، لكن "صلاح الدين الأيوبى" أنشأ مدرسة بجوار قبة السيدة عائشة، وفصل القبة عن باقى القرافة وفتح فى السور الذى أحاط به القاهرة بابا أطلق عليه اسم "باب عائشة"، ومضت سنوات كثيرة، وأعاد "عبدالرحمن كتخدا" بناء مسجد السيدة عائشة فى العام 1176 الهجرى ـ 1762 الميلادى، وفى العام 1973 قامت الحكومة المصرية بهدم المسجد القديم وبناء مسجد جديد. ومازال المصريون يأتون من القرى والعزب والنجوع لزيارة "السيدة عائشة" ويقرأون الفاتحة وما تيسر لهم من القرآن الكريم وهو سعداء، لأن آل البيت اختاروا مصر وأحبوها، وأهلها منذ ظهور الإسلام يحبون الرحمة والعدل والمساوة، وهذا ما جاء به الإسلام وما حارب من أجله الإمام على والإمام الحسين وذريتهما الطاهرة.

السيدة نفيسة.. عابدة زاهــدة عشقها المصريون
السيدة نفيسة.. عابدة زاهــدة عشقها المصريون

بوابة ماسبيرو

time٢١-٠٣-٢٠٢٥

  • منوعات
  • بوابة ماسبيرو

السيدة نفيسة.. عابدة زاهــدة عشقها المصريون

سيدات البيت النبوى فى مصر«3» هى واحدة من شموع آل البيت النبوى التى حمت المصريين وساعدتهم على إحتمال قهر الحكام الظلمة رغم أنها عاشت مع أبوها فى قصر فخيم حين ولايتة على المدينة المنورة إلا أنها لم تنسى العبادة والعلم رواة سيرتها قالوا: أن قبل وفاتها كانت تقرأ سورة الأنعام وعندما وصلت إلى قولة تعالى «لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم» فاضت روحها إلى بارئها فيها التقى النوران، نور الحسن ونور الحسين، وهى نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب، وأمها هى زينب بنت الحسن بن الحسين بن على بن أبى طالب، انتقل والدها "سيدى حسن الأنور" إلى المدينة المنورة، فكانت تذهب إلى المسجد النبوى وتسمع شيوخه وتتلقى علوم الفقه والحديث، حتى أصبح لقبها "نفيسة العلم" قبل أن تصل إلى سن الزواج، ورغب كثيرون من شباب "آل البيت" فى الزواج منها، لدينها وعبادتها وزهدها، وشاء المولى عز وجل أن يتزوجها "إسحق المؤتمن" بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، فى شهر رجب من العام 161 الهجرى وأنجبت له "القاسم" و"أم كلثوم"، وفى العام 193 جاءت إلى مصر، وخرج المصريون لاستقبالها فى "العريش" وأقبلوا عليها يلتمسون من علمها وعشقوها وعشقوا مقامها حتى يومنا هذا.. فى حى "الخليفة" القاهرى الشعبى الذى يسكنه الصنايعية وأصحاب الحرف، تلتقى روائح المقام الطاهر، بروائح الفلاحين والفلاحات القادمين من كل القرى فى الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وهذا المقام هو مقام "ستنا" السيدة نفيسة، نفيسة العلوم، وهى واحدة من شموع آل البيت النبوى التى حمت المصريين وساعدتهم على احتمال قهر الحكام الظلمة، يذهبون إليها ويدعون، ومقامها من المواضع التى يستجاب فيها الدعاء، حسب قول الصوفية، وكل من زار آل البيت رجع مجبور الخاطر، والسيدة نفيسة، بلغت مكانتها الروحية الرفيعة بالعبادة والتقوى، كانت صوّامة قوّامة رضى الله عنها، وهى تعيش فى قلوب المصريين، وتتواصل معهم ويتواصلون معها، يحبونها وتحبهم. يقول مؤرخو ـ آل البيت عنها ـ إنها وُلِدت فى "مكة" فى شهر ربيع الأول من العام 145 الهجرى، لكن طفولتها قضتها فى "المدينة المنورة" وحجت ثلاثين حجة، وكانت تتعلق بأستار الكعبة وتقول: ـ إلهى وسيدى ومولاى، متّعنى وفرّحنى برضاك عنى، فلا تسبب لى سببا يحجبك عنى. المقام الطاهر لى قصة مع السيدة نفيسة ـ رضى الله عنها ـ وقعت أحداثها فى العام 2008 وما بعده، عرفت طريق مسجدها ومقامها بالتدريج، كنت أصحو من نومى وأركب الأتوبيس إلى "رمسيس" ـ وسط القاهرة ـ وأمشى، حتى أصل إلى "حى الخليفة" وأجلس فى "قهوة" وأقضى ساعات مستمتعا بالمكان، الذى فيه روح التاريخ وروح الناس، رغم أنه محاط بشواهد القبور، وكانت جلستى فى قهوة تقع فى أول شارع الأشراف، وبعد هذه المرحلة، دخلت مرحلة الجلوس فى المقام، وهى مرحلة الراحة النفسية، التى لا أنساها، وقد حرمتنى تفاصيل الحياة من هذه الرحلة الروحية التى كنت أقوم بها، وأقضى ساعات فى صحبة السيدة نفيسة، وهذا الذى حكيته سوف ينكره المؤمنون بالعلم، ويعتبرونه دليل مرض نفسى، ومؤشرا على رغبتى فى الهروب من مواقف قاسية أو معارك معنوية، والحقيقة التى لا أنكرها هى "السعادة" التى كنت أحسها وأنا قريب من مقام السيدة العظيمة نفيسة العلم، أو نفيسة العلوم رضى الله عنها. والدليل على رفض كل ما هو غيبى، نجده فى قول "شمس الدين الذهبى" صاحب كتاب "سير أعلام النبلاء": ـ ولجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف، ولايجوز مما فيه من الشّرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة، وكان ذلك من دسائس العبيدية، ومن تلك المزاعم ـ من الكرامات ـ أن لها جارة يهودية تركت ابنتها المشلولة عندها، لما أرادت أن تذهب إلى "الحمَّام" لتستحم، ثم توضأت السيدة "نفيسة" فجرى ماء وضوئها إلى البنت اليهودية، فأخذت منه شيئا ومسحت به على رجليها فوقفت وشفيت من الشلل، فأسلمت الأم وزوجها وابنتها وجملة من اليهود، وأن النيل لم يفض فى أحد الأعوام فشكا لها الناس فأعطتهم قناعها وقالت لهم ألقوه فى النيل، ففاض، وأن امرأة ذميّة أُسِر ولدها، فلما كان الليل رجع ابنها فسألته عن خبره فقال: ـ يا أماه لم أشعر إلا ويد قد وقعت على القيد الذى كان فى رجلى وقائل يقول: ـ أطلقوه فقد شفعت فيه نفيسة بنت الحسن.. فوالذى يُحلَف به يا أماه لقد كُسِر قيدى وما شعرت بنفسى إلا وأنا واقف بباب هذه الدار.. وشمس الدين الذهبى، سلفى حنبلى نصوصى، بمعنى أنه يعادى فرق الشيعة، ويطعن فى "بنى عبيد" الفاطميين أو العبيدية كما أسماهم، ويرفض قبول "الكرامات" ولكنه يؤمن بوجود ملائكة وشياطين، ويؤمن بأن الله مجيب الدعاء، لكنه لا يؤمن بتفضيل آل البيت النبوى على بقية المسلمين، ولايؤمن بقوة العابدين والعابدات والزاهدين والزاهدات، وبالتالى هو لا يصدق أن ماء وضوء السيدة نفيسة شفى الطفلة اليهودية من المرض، ويسمى الإيمان بالكرامات شِركا بالله عز وجل، ولكن المصريين يحبون "السيدة نفيسة" وحبهم لم يبلغ مرحلة السجود لها، هذه فِرية من ـ الذهبى ـ ولكن فى قصة "سيدى حسن الأنور" والد "السيدة نفيسة" عجيبة أخرى، لن يقبلها أهل العقل، ولكنى قرأتها فى كتاب "آل بيت النبى فى مصر" للكاتب "أحمد أبوكف" وهو كتاب عمدة فى توثيق قصص "آل البيت" الذين أقاموا فى مصر ودفنوا فى أرضها واتخذهم المصريون شفعاء يرجونهم الوساطة ويرجون منهم الراحة وهذه هى القصة: ـ هذا الذى حدث منذ سنوات، مازال فى ذاكرة الناس، وكأنه حدث بالأمس، فى منتصف إحدى الليالى، وكان بعض عمال المعمار يجددون القبلة، فتح ملاحظ المسجد باب الغرفة التى تضم ضريحى سيدى حسن الأنور وأبيه سيدى زيد الأبلج، وفاجأ الملاحظ ضوء باهر، كأنه نور الشمس، يتجمع ويسلط على العمامة فوق غطاء ضريح سيدى حسن الأنور، وأجفل الملاحظ "عبد الوهاب حسن" وأغمض عينيه ثم أغلق الباب ثانية، وتمتم بآيات الله البيّنات، ولاحظ العمال ما حدث فاعتقدوا أنه من الكهرباء، لكن أنوارالمسجد أُطفئت كلها، لتظل بقعة الضوء فى الضريح تخرج إشعاعاتها من تحت عقب الباب، وسط الظلام الشديد، ويتوقف العمال، بعد أن تأكدوا وشاهدوا بأنفسهم الأنوار الربانية ويذهبون إلى "المقاولين" وفجأة يأتى الصباح الجديد ويشترى المقاولون ـ على حسابهم ـ كميات من مواد البناء من أجل أن يتجدد المسجد كله وتتضاعف مساحته من أجل هذا القطب من آل بيت رسول الله. دُرّة آل البيت وياعزيزى القارئ المؤمن بالله، المحب لآل بيت النبى الأعظم، من المهم أن تعلم أن "الكرامات" هبات من الله لعباد، يختصهم بها، ولا نملك الإنكار ولا نملك التعقيب أو التشكيك، فكل هذه الكرامات والمعجزات تندرج تحت قوله تعالى "إن الله على كل شىء قدير" وهى الآية التى ترجمها الصوفيون بقولهم "ربنا كبير وعنده كتير" والعلاقة بين آل البيت والشعب المصرى قديمة، ترجع إلى النبى الأعظم صلى الله عليه وسلم، فهو الذى قال "استوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما"؛ فالذمة كانت فى زمن المسيحية التى كان يدين بها المصريون قبل الفتح الإسلامى، والرحم هى السيدة "هاجر" أم "سيدنا إسماعيل " جد العرب ونبى الله وابن إبـــراهيم عليهمــا وعلـــى نبينــا الصــلاة والسلام، وهذا ـ الحب المتبادل ـ هو الذى جعل المصريين يلجأون إلى "عمر بن الخطاب" شاكين من تعسّف "عمرو بن العاص" وقسوته عليهم، والحادثة الدالة على عدل عمر مشهورة فى التاريخ الإسلامى، فالذى حدث هو اعتداء من ولد عمرو "والى مصر" على واحد من أبناء الشعب، اعتداء لفظى وبدنى، وعقد ـ عمر بن الخطاب ـ محكمة وجعل المصرى يضرب ولد "عمرو" وهذا هو "العدل" الذى جاء به الإسلام وهو الذى جعل المصريين يفرحون بالدعوة الإسلامية ويطلبون من العرب المسلمين، إنقاذهم من بطش الرومان، ولما وقعت "الفتنة الكبرى" بين "الإمام على" كرم الله وجهه و"معاوية" انحاز المصريون إلى الإمام على، لأنهم وجدوا فيه روح الإسلام الذى تربى على مبادئه فى كنف النبى الأعظم، ولما وقعت مذبحة "كربلاء" جاءت السيدة زينب إلى مصر، ومعها رأس الحسين، وبنات الإمام الشهيد، وتعمق الحب بين المصريين وآل البيت، وكان "حسن الأنور" والد السيدة "نفيسة" من الذين عاشوا فى زمن الدولة "العباسية" وتولى إمارة "المدينة المنورة" وهو فى سن السابعة والستين ـ فى عهد الخليفة أبى جعفر المنصور ـ وبقى فى منصبه ست سنوات، ورغم هذا، لم ينجُ من اضطهاد العباسيين "أبناء العباس بن عبدالمطلب!" وهو الذى دعم الدولة العباسية، وقد عُزل "حسن الأنور" فجأة من ولاية المدينة المنورة وأُلقى فى السجن فى العام 156 الهجرى، إلى أن تولى "المهدى" العباسى فأخرجه من السجن، لأن المهدى كان مؤمنا يعرف أقدار آل البيت النبوى الأطهار، وقال عنه "ابن طباطبا" فى كتابه المسمى "الفخرى فى الآداب السلطانية": ـ كان شهما كريما، شديدا على أهل الإلحاد والزندقة ولا تأخذه فى إهلاكهم لومة لائم، وكان يجلس فى كل وقت للمظالم، وكان فصيحا بعيد الهمة، شديد الرأى، ثاقب الفكر قوى البيان، فصيح اللسان، عالما بضروب السياسة وفنونها مما أهّله لأن يلى الأمور.. والمهدى تولى الخلافة ابتداء من العام 158 الهجرى، وهذا يعنى أن "سيدى حسن الأنور" قضى فى سجن "المنصور" عامين على أقل تقدير، ويقول المؤرخون إن العلاقة بين بنى هاشم "آل البيت النبوى" و"آل العباس" كانت تقوم على الود والصفاء فى مرحلة الصراع ضد بنى أمية، ولما انتصر العباسيون وأصبحوا يملكون السلطة انقلبوا على "آل البيت" من أولاد وأحفاد "فاطمة الزهراء" و"على بن أبى طالب" ونكّلوا بهم أشد التنكيل وطاردوهم وسجنوهم وفعلوا بهم الأفاعيل، والعلويون "آل البيت" لم ينسوا حقهم فى الخلافة، بعد "كربلاء" وكانت لهم هبّات وثورات، ومثال ذلك ما جرى فى أواخر عهد الدولة الأموية، فقد قام الإمام "زيد بن على زين العابدين" ـ والد سيدى حسن الأنور وجد السيدة نفيسة ـ ومعه ولده "يحيى" بثورة فى عهد الخليفة الأموى "هشام بن عبد الملك" ومن بعدها جاء "العباسيون" وظفروا بالخلافة واضطهدوا أبناء عمومتهم "آل البيت" الأطهار. الأب التقىّ ونحن نتناول سيرة "السيدة نفيسة" ووالدها "سيدى حسن الأنور" من المهم أن نعرف أن "حسن الأنور" أبوه "زيد بن الحسن بن على" وكان يأخذ ابنته "نفيسة" ويدخل معها حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: ـ يا رسول الله أنا راض عن ابنتى نفيسة. وكان والده "الإمام زيد" يصحبه ويدخل به حجرة الرسول ويقول مثل قوله، وجاءه الرسول الكريم فى نومه وقال له: ـ يا زيد أنا راض عن ولدك حسن برضاك عنه والحق سبحانه وتعالى راض عنه برضاى عنه. وقد توفى "الإمام زيد" و"الحسن الأنور" ولده فى سن السابعة والثلاثين، وترك دينا عليه قدره أربعمائة دينار، فحلف "الحسن الأنور" ألا يظل رأسه سقف مسجد جده الرسول الكريم، حتى يقضى دين أبيه، و"سيدى حسن الأنور" كان كثير العبادة، كثير الصيام، وكان ورعا زاهدا، وفتح الله عليه بالعلوم والبيان والثروة، حتى صار إماما له مريدون وتلاميذ ومنحه عارفو فضله الألقاب الفخمة ومنها "شيخ الشيوخ، شيخ بنى هاشم، التابعى، الأنور"، وهو الذى ربى "السيدة نفيسة" ابنته العابدة الزاهدة وولده "إسماعيل" العابد الناسك، وكانت سنوات ولايته على المدينة المنورة شاهدة على براعته فى السياسة، وكان ابتلاؤه بالسجن فرصة سنحت له فقضاها فى العبادة حتى منّ الله عليه بالحرية. ورغم أن "السيدة نفيسة" شهدت الفترة التى تولى خلالها أبوها ولاية "المدينة المنورة" وعاشت معه فى قصر فخيم، لكنها لم تنس العبادة والعلم، بفضل تشجيعه لها، وكانت تقضى الوقت الطويل فى المسجد النبوى، ويقال إنها سمعت من الإمام مالك ـ صاحب المذهب المعروف ـ كتابه "الموطّأ" وكان والدها "سيدى حسن الأنور" مهتما بتعليمها ومنحها من علمه الغزير. نفيسة مصر كان زواج "السيدة نفيسة" من "إسحق المؤتمن" بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن زين العابدين فى شهر رجب من العام 161 الهجرى، وبعد زيارة قامت بها إلى قبر الخليل إبراهيم عليه السلام، عزمت على الرحيل إلى مصر، فجاءتها فى "25رمضان من العام 193 الهجرى" ـ الموافق للعام 809 الميلادى، ونزلت "مصر القديمة" فى ولاية "الحسن بن البحباح" والى مصر من قِبل "هارون الرشيد"، فلما بلغ المصريين خبر قدومها، خرجوا لاستقبالها عند "العريش" وكان وصولها مصدر فرح المصريين، وكانت مشهورة عندهم ومعروفة بالتقوى والصلاح، وحين وصلت أنزلها الوالى فى بيته، وكان من أهل التقوى ومن محبى آل البيت، ثم انتقلت إلى دار يملكها "جمال الدين الجصاص" ـ كبير التجارـ وقضت أسابيع، والناس يفدون إليها، يسألونها ويسعدون بحديثها، حتى ضاقت الدار ولم تعد مهيأة لاستيعاب الزائرين الكُثر، فانتقلت إلى دار تملكها سيدة تدعى "أم هانئ" وقضت فترة ثم انتقلت إلى دار أخرى فى "الحسينية" وقالت السيدة نفيسة للمحبين والمريدين: ـ إنى كنت قد اعتزمت البقاء عندكم، غير أنى امرأة ضعيفة، وقد تكاثر الناس حولى، فشغلونى عن أورادى وجمع زادى لمعادى والدار ضيقة.. وتجمهر المحبون والمريدون حول المنزل الذى تقيم فيه ـ نفيسة العلم ـ وحول بيت الوالى "السرىّ بن عبدالحكم" راجين منها البقاء فى مصر وعدم مغادرتها، وعرضوا عليها الانتقال إلى دار فسيحة هى دار"أبى جعفر بن هارون السلمى" وقبِلت، على أن يكون للمحبين يومان للزيارة، وبقية أيام الأسبوع تكون متفرغة للعبادة، وظلت على هذا الحال حتى لقيت ربها راضية مرضية، وقيل إنها حفرت قبرها بيدها ـ داخل الدارـ وختمت فيه القرآن عشرات المرات، وهناك أقوال لبعض المؤرخين تفسر عدم رحيل ـ السيدة نفيسة ـ عن مصر برؤية منامية، فقد رأت الرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول لها: ـ لاترحلى عن مصر فإن الله متوفيك فيها. وكان يوم وفاتها هو يوم "الجمعة" من شهر رمضان وهى صائمة، وكان المرض شديدا عليها فنصحها الأطباء بالإفطار فقالت: ـ واعجباه.. لى ثلاثون سنة أسأل الله أن يتوفانى وأنا صائمة.. وأفطرالآن؟.. معاذ الله.. ويخبرنا رواة سيرتها رضى الله عنها بأنها قبل موتها كانت تقرأ "سورة الأنعام" ولما بلغت قوله تعالى "لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم..." غشى عليها وشهدت شهادة الحق وفاضت روحها إلى بارئها. وسرى نبأ وفاة "السيدة نفيسة" فى القرى والنجوع والمدن والعزب والكفور، واجتمع الناس حول بيتها وأوقدت الشموع، وبكى المحبون وترحموا عليها، ولما عرفوا أن زوجها "إسحق المؤتمن" جاء من المدينة المنورة، ليحمل رفاتها حتى يدفنها فى المدينة، رفض المصريون المحبون للسيدة الزاهدة العابدة التى عشقوها بكل ما يملكون من قدرة على العشق، وكان "إسحق المؤتمن" مصرّا على حمل الرفات إلى المدينة، ولكنه نزل على رغبة المحبين، لأنه رأى النبى فى روية يقول له: ـ يا إسحق لا تعارض أهل مصر فى "نفيسة" فإن الرحمة تتنزل عليهم ببركاتها وأمر والى مصر "عبد الله بن السرى" ببناء مقام على قبرها، حتى يتمكن المحبون والمريدون من زيارة قبرها. وما يروى عنها ـ رضى الله عنها ـ أنها كانت تستقبل الإمام الشافعى وكان يتلقى منها العلم وفى إحدى المرات، مرض الشافعى، وأرسل لها من يرجوها أن تدعو له بالشفاء، فدعت له بدعوة: ـ متعه الله بالنظر إلى وجهه. فأدرك "الشافعى" أنه اقترب أجله، فأوصى أهله بأن تصلى عليه "السيدة نفيسة"، وبالفعل توفى الإمام رحمه الله قبل وفاة السيدة نفيسة بأربع سنوات وصلت عليه رضى الله عنها مأمومة بتلميذ الشافعى "أبو يعقوب البويطى" وقال الرواة والمؤرخون: ـ إن الله غفر لمن صلى على الشافعى بالشافعى، وغفر للشافعى بصلاة السيدة نفيسة عليه.

السيدة سكينة بنت الحسين.. شــاهدة على مذبحة آل البيت فى كربلاء
السيدة سكينة بنت الحسين.. شــاهدة على مذبحة آل البيت فى كربلاء

بوابة ماسبيرو

time١٧-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • بوابة ماسبيرو

السيدة سكينة بنت الحسين.. شــاهدة على مذبحة آل البيت فى كربلاء

سيدات البيت النبوى فى مصر«2» شهدت سكينة على مقتل والدها الحسين ومعه سبعون من آل البيت يقول المؤرخون أن السيدة سكينة سافرت مع السيدة زينب إلى مصر وعادت مرة أخرى للحجاز سكينة كانت سيدة مساء عصرها ملاحة وظرفاً وأناقة قلوب أهل التصوف تعرف أن سكينة مدفونة فى شارع الخليفة لم يكتف بنو أمية بقتل آل البيت فى مذبحة كربلاء التى راح ضحيتها الإمام الحسين بن على وسبعون من آل البيت الأطهار، بل قرروا إعلان الحرب المعنوية على "بنى هاشم" وتزوير التاريخ، وتصوير "الإمام الحسين" فى صورة المتمرد على الحاكم أو الخليفة، وكأن "يزيد بن معاوية" منحرف الأخلاق كان جديرا بالجلوس على كرسى الحاكم أو الخليفة، ومازال الصراع يدور بين الحق والباطل، حتى أظهر الله الحق، وظهرت كرامات آل البيت، فعاشوا فى قلوب المؤمنين، وبقيت ذكراهم حية، ومن هؤلاء السيدة سُكينة بنت الإمام الحسين التى شهدت مذبحة كربلاء وأصبحت شاهدة على ظلم بنى أمية لآل البيت النبوى، وفى مصر كان مستقرها مع عمتها "السيدة زينب" ومسجدها مازال قائما فى القاهرة، ومازال المصريون يزورون ضريحها ويقرؤون الفاتحة على روحها ويترحمون على أبيها سيد الشهداء .. يعرف الناس أن "سُكينة" هى ابنة "الإمام الحسين" ولكن هناك من لايعرف أن جدّها لأمها هو "امرؤ القيس بن عُدىّ بن أوس" وأن أمها هى "الرباب" ابنة "امرؤ القيس" الذى كان نصرانيا وأسلم بين يدى الخليفة "عمر بن الخطاب" وتصف لنا ـ دكتورة بنت الشاطئ ـ بقية المشهد فى كتابها الذى حمل عنوان "سكينة بنت الحسين" فتقول: ـ وحينذاك عرف القوم فيه سيد "بنى كلب" وكان لايزال على نصرانيته، فقال قائل منهم: ـ يا أمير المؤمنين: هذا صاحب "بكر بن وائل" الذى أغار عليهم فى الجاهلية "يوم فلج".. وتحدث "عمر" إلى ضيفه مليا وملأ خاطره سؤال واحد: أيكرمه الله بأن يدخل "امرؤ القيس بن عُدى" الإسلام على يديه؟.. وأسلم "امرؤ القيس" سيد "بنى كلب" وإذ ذاك لم يتردد أمير المؤمنين فى أن يعقد له اللواء على من أسلم من "قُضاعة" بالشام، ودعا "عمر" برُمح وقلَّده إياه، وقال "عوف بن خارجة المرى" وكان يومئذ بالمجلس: ـ والله مارأيت رجلاً لم يصلِّ ركعة لله قط، أُمِّر على جماعة من المسلمين قبل امرئ القيس.. وتنقل، بنت الشاطئ ـ قصة اللقاء بين "امرئ القيس" والإمام "على بن أبى طالب" كرم الله وجهه: ـ وحثّ على بن أبى طالب خطاه حتى أدرك امرأ القيس، فاستوقفه محييا، ثم تقدم إليه يقول: ـ أنا على بن أبى طالب، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وصهره، وهذان "الحسن والحسين" ابناى من بنته فاطمة الزهراء.. فأقبل امرؤ القيس عليهم بكل وجهه وراح يملأ عينيه من آل النبى الذى لم يُكتب له شرف صحبته ونعمة رؤيته، واستطرد "على" قائلا: ـ وقد رغبنا فى صهرك.. وتمت خطبة ثلاث من بنات امرئ القيس، ابنته "المحياة" خطبها الإمام على، وابنته "سلمى" خطبها "الحسن بن على" وابنته "الرباب" خطبها "الحسين بن على".. وتقول بنت الشاطئ عن هذا اللقاء: ـ كان "الحسين" يوم خُطِبت له "الرباب"، يستقبل ربيعه الثامن عشر، ملء العيون فتوة ومهابة وجلالا، يرى فيه المسلمون صورة نبيهم الكريم عليه الصلاة والسلام، ويجدون فيه نفحة عطرةً من أثره، وشعاعا بهيا من سناه، حتى لقد بلغ من إعجابهم به أن ذاعت فيهم ذائعة تقول إنه مُعوّذ بتعويذتين حشوهما زغب جناح جبريل، أما "الرباب" فكانت صبية غضّة الصبا طريّة العود، مليحةً وضيئة، ذكية الملامح، مرهفة الحس، بادية الاعتزاز بشخصيتها وأبيها، وقد أرضاها بلا ريب، أن يتصل نسبها بنبى العرب، وأن تدخل أشرف بيت فى قريش، زوجة للحسين، لكن صغر سنّها حال دون التعجيل بالزواج، فبقيت فى بيت أبيها تتهيأ لدخول دنياها الجديدة، وتستعد لتملأ ذلك المكان الرفيع الذى حباها به القدر.. مذبحة كربلاء كتب التاريخ أفاضت فى وصف ذلك المشهد الذى كان فيه "الحسين بن على" وأهل بيته يخرجون من مكة قاصدين "الكوفة" فى العراق، وكان "الإمام الحسين" رفض مبايعة "يزيد بن معاوية" وخرج من "المدينة" إلى "مكة"، وتلقى من أربعين ألف رجل من أهل الكوفة وما حولها من بلاد العراق بيعة ودعوة، ليأتى إليهم ويحررهم من قبضة رجال "يزيد بن معاوية"، وقال المؤرخون إن "الحسين" خرج من مكة فى ذى الحجة "سنة 60هجرية" يريد "الكوفة" وإن نفرا من خاصة قرابته أن يثنوه عن رحلته ومنهم أخوه محمد بن الحنفية، وابن عم أبيه عبدالله بن عباس، وغيرهما، وقالوا له إن أهل العراق هم الذين قتلوا أباه الإمام على كرم الله وجهه، وقال الإمام الحسين لمن حاولوا منعه من السفر إلى العراق: ـ إنى لم أخرج أشِرا ولا بطِرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح فى أمة جدّى، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلنى بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ علىَّ هذا، أصبر حتى يقضى الله بينى وبين القوم وهو خير الحاكمين . وكانت رحلة الموت فى سبيل الله قد بدأها "الحسين" فى المدينة المنورة، عندما خاطبه "الوليد بن عتبة" طالبا من مبايعة "يزيد بن معاوية" وكان جواب الحسين: ـ يا أمير.. نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، بنا فتح الله وبنا ختم، و"يزيد" فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، مُعلن بالفسق، مجاهر بالفجور، ومثلى لايبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أيّنا أحق بالبيعة والخلافة.. وفى أرض المعركة كان "الحسين" شجاعا، وقال له "الحر بن يزيد" قائد جيش بنى أمية: ـ إنى لأشهد لئن قاتلت لتُقتلن، ولئن قوتلت لتهلكنّ. وأجابه الإمام الحسين: ـ أفبالموت تخوّفنى؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلونى؟ ما أدرى ما أقول لك، لكن أقول كما قال أخو "الأوس" لابن عمه وقد لقيه وهو يريد نُصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله: أين تذهب فإنك مقتول.. ـ سأمضى وما بالموت عار على الفتى.. إذا ما نوىَ حقا وجاهد مسلما. وقُتِل الحسين ومعه سبعون من آل البيت الأطهار، وكانت "سُكينة" ابنته شاهدة على المذبحة هى وعمَّتها "السيدة زينب" وأختها "فاطمة" وعانت مذلّة الأسر، وتمزق قلبها برؤية جثث أهلها مقطّعة، ولكنها عاشت حتى بلغت سن السبعين. سُكينة الجميلة يروى المؤرخون عن "آمنة بنت الحسين" التى هى نفسها "سُكينة" أنها نالت اسم "سُكينة" من أمها "الرباب ابنة امرؤ القيس"، وهذا الاسم كان ترجمة لجمال "آمنة"، وكان جمالها من النوع الذى تزينه الملاحة، ويزيد من توهجه الذكاء الفطرى والفصاحة التى هى سمة من سمات جدها "الإمام على" كرّم الله وجهه، وعلى قدر جمالها وروعة حضورها كانت الشائعات والأخبار التى أطلقها ضدها بنو أمية وأتباعهم المأجورين من الرواة على حد قول الكاتب ـ أحمد أبوكف ـ فى كتابه " آل بيت النبى فى مصر": ـ فى ظروف الفتنة الكبرى، التى اشتد لهيبها منذ استشهاد "عثمان بن عفان" نشأت "سكينة بنت الحسين" وكانت تمتلك حساسية مفرطة، وأدركت منذ سنواتها الأولى ذلك الحقد المدفون فى قلب بنى أمية، وذلك الثأر الذى يتوارثونه أبا عن جد، من أن انقادت زعامة قريش فى الجاهلية إلى "بنى هاشم" دون "بنى عبد شمس"، وتأيدت بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا عاش أبوسفيان حربا على النبى الهاشمى، فهو لم يدخل الإسلام إلا مُكرها يوم فتح مكة، بعد معارك طاحنة امتدت ثمانى سنوات، وحتى بعد دخوله الإسلام، بقى أبوسفيان يرنو إلى الأمر من بعيد، بعد أن رأى انصراف الخلافة عن بيت النبى إلى أبى بكر، ثم عمر بن الخطاب، حتى أنه وقف يوما على قبر "حمزة بن عبد المطلب" عم النبى وشهيد أُحُد وقال : ـ رحمك الله يا أبا عمارة، لقد قاتلتنا على أمر صار إلينا .. ومات أبوسفيان وترك لولده معاوية الثأر الدفين، وكان لمعاوية مع الإمام على وولده الحسين ما كان.. وما روى عن ـ سُكينة بنت الحسين ـ إن والدها الإمام الحسين أسرف فى الاهتمام بها وأمها "الرّباب" إلى حد جعل "الحسن بن على" يعاتب أخاه، الأمر الذى جعل "الإمام الحسين" يرتجل شعرا مجيبا به على لوم شقيقه: ـ لعمرى إننى لأحب دارا أحبهما وأبذل بعد مالى وليس للائمى فيها عتاب وورد ذكر هذين البيتين فى مصادر كثيرة منها: كتاب "مقاتل الطالبيين" وكتاب "الأغانى" لأبى الفرج الأصفهانى، ومن المؤرخين من يعتبر هذه الواقعة مختلقة ومدسوسة، فالحسن لم يعاتب الحسين، والحسين لم يقل شعرا فى سُكينة والرباب . وحدث أن تفتح جمال "سُكينة بنت الحسين" ورآها الناس، وأعجبوا بها وهى فى سن الشباب، وفى أحد مواسم الحج ـ وكان أبوها الإمام حياً يُرزق ـ أقبلت فتيات "مكة" عليها معجبات، بالنمط المبتكر الذى نسقت به شعرها، وحاولن فيما بعد تقليدها، ورآها ابن عمها "الحسن المُثنى" ـ ولد الحسن بن على ـ وخطبها من عمه الحسين فأجابه: ـ اخترت لك ابنتى فاطمة، فهى أكثر بناتى شبها بأمى فاطمة الزهراء بنت رسول الله، وإنها لذات دين وجمال، تقوم الليل وتصوم النهار، أما "سُكينة" فغالب عليها الاستغراق مع الله فلاتصلح لرجل. ويعلق ـ أحمد أبوكف ـ الذى أورد هذه القصة فى كتابه "آل بيت النبى فى مصر" مستندا إلى ما روته "بنت الشاطئ" فى كتابها "سُكينة بنت الحسين" بقوله إن وصف ـ الإمام الحسين ـ لابنته "سُكينة" يوكد أن مرحها وأناقتها وميلها للشعر والنقد، لم يكن سُبّة فى "آل البيت" كما يروج المغرضون، وإنما كان من أجل تبديد بعض الغيوم التى كانت تخيم على البيت العلوى، بمعنى أنها كان تصطنع المرح لترفّه عن أبيها، ومع ذلك فقد كانت تقيّة، متعبّدةً زاهدة، ولم تكن غافلة عن هموم أبيها. اليوم الأسود كان "الإمام الحسين" رافضا بيعة "يزيد بن معاوية" ورفض أن يمنح هذا "الخليفة الفاسق" الشرعية التى نصح بها كبار بنى أمية، فهم نصحوا بأن يبايع ـ الحسين ـ راضيا أو مرغما، وفى اليوم الأسود، يوم قُتل الحسين، كانت "سُكينة" حاضرة وعاشت المأساة بكافة تفاصيلها، فهى كانت فى مخيم النساء ـ من آل البيت ـ ومعها والدتها "الرباب" وأختها "فاطمة بنت الحسين" وعمتها "السيدة زينب"، وحدث أن ذهبت السيدة زينب لتطمئن على الإمام الحسين، فوجدته يعد سيفه ويقول شعرا فهمت منه أن يرثى نفسه وصاحت رضى الله عنها: ـ وا ثكلاه.. ينعى الحسين نفسه، ليت الموت أعدمنى الحياة، ماتت أمى فاطمة وأبى علىّ وأخى الحسن، ولم يترك غيرك يا خليفة الماضين وثمالة الباقين.. وهرعت سيدات البيت النبوى إلى معسكر الإمام الحسين، فرأينه والكرب يعصف بقلوبهن، وخاطبهن الإمام: ـ يا أختاه، يا أم كلثوم وأنت يازينب، وأنت ياسكينة، وأنت يافاطمة، وأنت يارباب، إذا أنا قتِلت، فلا تشق إحداكن علىَّ جيبا، ولا تخمشن وجها، ولاتقلن هجرا. وأطرقن واجمات، وخيم على المكان حزن ثقيل، ما لبث أن مزقه نشيج مؤلم، كانت "سُكينة" تبكى، وهى التى كانت تؤنس أباها كلما داهمه الحزن والهمّ، وأقبل ـ الإمام الحسين ـ نحوها وقال : ـ لقد هان على "سُكينة" أن توجع قلب أبيها ببكائها .. وسألها: ـ أفلا يهوّن عليك الأمر أننى أدفع حياتى ثمنا للدفاع عن حق ودفعا لباطل، وإننى ملاق غدا جدى الرسول وأمى الزهراء وأبى الإمام على وأخى الحسن وابن عمى مسلم بن عقيل وحمزة بن عبدالمطلب، وأنت لابد لاحقة بنا فى غد قريب أو بعيد.. ولم تكف "سُكينة" عن البكاء، والإمام الحسين يرنو إليها، ويقول لها بصوت المؤمن الراضى بقضاء الله عز وجل: ـ سيطول بُعدى عنك يا "سُكينة"، فهلّا ادخرت البكاء لغد وما غد ببعيد.. وكان الغد، هو اليوم الأسود الكئيب، هو يوم التاسع من المحرم سنة 61 هجرية، لما اقتحم عسكر بنى أمية خيمة "سُكينة"، وأخرجوها عنوةً لترى أشلاء أبيها وأعمامها وشقيقها "عبدالله بن الحسين" وأخويها لأبيها "على الأكبر" و"جعفر"، ووقفت مذهولة، وساقوها مع نساء آل البيت إلى "الكوفة"، وكانت حاسرة الرأس وهى تخاطب الذين خذلوا أباها الشهيد: ـ إن الحسين غداة الطف يرشقه بكف شر عباد الله كلهم نسل البغايا وجيش المُرق والفسَقة. ومضت "سُكينة" ضمن ركب السبايا، إلى "دمشق"، ومنها إلى "المدينة المنورة" ثم سافرت مع "السيدة زينب" إلى مصر، وقال مؤرخون إنها عادت مرة ثانية إلى الحجاز، وتؤكد ـ بنت الشاطئ ـ فى الكتاب الذى خصصته لها أنها تزوجت ثلاث زيجات: مصعب بن الزبير، وعبدالله الخزامى، وزيد الخزامى، وسعت الباحثة الكبيرة إلى تفنيد مزاعم المستشرقين حولها، مثل قوله إن الشاعر "عمر بن أبى ربيعة" قال فيها قصيدة غزل: ـ وقد أنكر "السيد الفكيكى" أن تكون قيلت "أى القصيدة" فى سُكينة بنت الحسين، وظنها من مفتريات الدكتور "زكى مبارك" الذى قال إنه اعتمد فى هذه الأخبار على "الأغانى" و"الأمالى" و"زهر الآداب" وقال "الفكيكى": ـ ونحن أيضا رجعنا إلى هذه الموضوعات الأدبية وغيرها من المصادر المعتبرة وأمهات الكتب فى لغة العرب ومختلف تواريخها، فلم نعثر على ما عثر عليه "الدكتور مبارك" من أن هذه "القصيدة" قالها ابن أبى ربيعة فى "سُكينة" ولم يذكر "الأغانى" سوى بيتين هما: ـ أحب لحبك من لم يكن صفيا لنفسى ولا صاحبا وأبذل مالى لمرضاتكم وأعتب من جاءكم عاتبا. ـ والحق أيضا أن القصيدة لم ترد فى كل النسخ الخطية للأغانى وإنما نقلت فى طبعة دار الكتب عن المخطوطة التيمورية، ولعل سقوطها من بعض النسخ هو الذى جعل "السيد الفكيكى" يؤكد أن صاحب "الأغانى" لم يأت منها بغير بيتين اثنين، ودون أن يشير إلى إنها قيلت فى "سُكينة"، وهذه الصورة تلتئم مع عصر يمثله شعر "عمر بن أبى ربيعة"، فليس شىء من هذا الذى قيل فى "بنت الحسين" بمستبعد، إذا صح ما ذكروا من أن المجتمع الحجازى قد أباح لعمر أن يطلق لسانه فى شريفات قريش، غير متحرج ولا هيّاب، ووصدق ما ذهبوا إليه من تغزُّل "عمر" بإحدى هؤلاء، كان شهادة معترفا بها لصاحبتها بالحسن والجمال، تحرص كل حسناء على الظفر به وتتكلف فى سبيلها ما يباح وما لايباح، و"سُكينة" كانت سيدة نساء عصرها ملاحةً وظُرفاً وأناقةً، فربما يؤذى جمالها ـ عند هؤلاء ـ أن يسكت "عمر" فلايمنحها الشهادة الرسمية المعترف بها وحدها فى سوق الجَمال، بعد أن أقر له الشعراء بأنه أقدرهم على وصف ربّات الحجال، وشعره فى "سُكينة" ليس فيه من الفُحش ما يقاس بشعره فى أُخريات من حسناوات ذلك العصر. صاحبة المقام وهنا يثور سؤال حول المقام الموجود فى شارع الخليفة بالقاهرة، والحقيقة التى تعرفها قلوب أهل التصوف هى أن "سُكينة" مدفونة فى هذا الضريح الموجود داخل المقام المعروف، والشعرانى ـ وهو من أئمة التصوف ـ يقول: ـ لما دخلت السيدة نفيسة مصر، كانت عمتها السيدة سكينة ـ المدفونة قريبا من دار الخلافة، مقيمةً بمصر ولها الشهرة العظيمة. وهناك رأى يقول إن "السيدة سُكينة" جاءت إلى مصر مرتين، مرة مع عمتها "السيدة زينب"، والمرة الأخرى حين خطبها "الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان" الذى خطبها من أخيها "على زين العابدين" وبعث مهرها إلى المدينة المنورة، فحملها أخوها "على زين العابدين" إلى مصر، فلما وصلت، مات "الأصبغ" وكان واليا على مصر، فأقامت بمصر حتى فاضت روحها إلى بارئها، ويدلل البعض على وجود جسد السيدة "سُكينة" الطاهر فى مصر، أنه حين أنشأ "عبد الرحمن كتخدا" المسجد الحالى الذى يحمل اسمها فى العام 1173 هجرى كتب عليه: ـ حرم يا بنت الحسين مؤرَّخ لسكينة تصبو المواهب كلها ذا مسجد يا آل طه مؤرّخ شمس هدى بنت الحسين سُكينة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store