أحدث الأخبار مع #الحربالعالميّةالأولى،

الدستور
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- الدستور
امتزاجُ الخبراتِ الطبيّةِ والمتحفيّةِ في مسيرةِ «متحفِ تراث مِن عبقِ الترابِ»
نضال برقانانطلاقًا من مكانته التي ترسّخت في الوجدان الجمعي الفلسطيني والعربي بدايةً، بوصفِهِ أولَ مُتحفٍ خاصٍ في مجالِ التراثِ الفلسطيني، تمّ تأسيسُهُ في العام 1790، وتأكيدًا لمكانتِهِ العالميّة، إذ اعترفت به الإمبراطوريةُ العثمانيةُ رسميًّا في العام 1884، في ظلّ حكم السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918)، تاليًا، نواصلُ عبر هذا التقرير، وهو الثالثُ من سلسلةِ تقاريرَ تتأمّلُ السياقاتِ الاجتماعيّةِ والطبية والثقافيّةِ والسياسيّةِ لمسيرةِ (متحف تراث مِن عبقِ الترابِ)، ومقتنياته، منذ كانت مجموعةً في خيمة بـقرية «غزالة» بفلسطين، قبل أن تحطّ رحالَها في أكاديمية علم المتاحف الفلسطيني والعربي في العاصمةِ الفرنسيّةِ باريس.كنّا تتبعنا السياقِ الاجتماعيّ والثقافيّ الذي رافقَ المتحفَ في مرحلةِ التأسيس (1790–1884)، إضافة إلى حالِ المتحفِ قبل الحرب العالميّة الأولى، والتي تركت آثارًا مرعبة في منطقة بلاد الشام بعامّةٍ، وفي فلسطين بخاصّةٍ، أمّا ما حصلَ للمتحفِ ومقتنياتِهِ ما بين الحرب العالمية الأولى وما بين نكبة عام 1948 فهو ما سنتعرّف في هذا التقرير.شكّلت الطبيبة حليمة عايد ترابين (ولدت في غزالة عام 1894 وتوفيت في عام 2014)، نقلة نوعيّة في مسيرة المتحف، وهي ابنة الطبيبة حِسِن عايد ترابين وحفيدة حفيده الطبيبة حاكمة عايد ترابين، كرست شبابها لدراسة الطب العربي البدوي والحضري والسعي نحو الكمال في مهنتها وممارسة عملها. واصلت دراستها في كلية الطب في القسطنطينية حيث حصلت على شهادة الدكتوراة في الجراحة في عام 1916. بالتوازي مع كلية الطب، حضرت دروسًا متنوعة لزيادة المعرفة العلمية في الفلك والرياضيات بالقرب من مسجد الفاتح في القسطنطينية.خلال إقامتها في القسطنطينية، التقت الطبيبة حليمة عايد ترابين بالعديد من الطلاب والباحثين والدبلوماسيين الدوليين من فرنسا وألمانيا وروسيا والصين والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الجراحين والموسيقيين والفنانين والكتاب والمهندسين المعماريين. من خلال هذه التجارب المتنوعة، اكتسبت معرفة ورؤى لا تقدر بثمن اكتسبتها طوال حياتها. كما أشارت إلى أن العديد من معاصريها يفتقرون إلى فهم عميق للفلسطينيين وباقي سكان بلاد الشام وتراثهم الثقافي الغني.ومن الشخصيات التي كان لها أثر متميّز في مسيرة المتحف الطبيب أحمد منيف عثمان محمد عايد ترابين (1886–1962)، واسم عائلته معروف بسوريا بعائلة العائدي أو العائد، وهو ابن عم الطبيبة حليمة عايد ترابين، والذي تردّد كثيرًا على القسطنطينية. ولعب دورًا حاسمًا كأحد مؤسسي المعهد الطبي العربي في دمشق في عام 1918. والتي شكلت نواة لجامعة دمشق اليوم، وقد شارك في تقديم النصائح الدراسة القيمة مع الطبيبة حليمة عايد ترابين، والتي كانت تزوده بمعلومات عن الكتب والمعلمين والتقنيات الجراحية. تبادلوا خبراتهم الطبية: ناقشت الطبيبة حليمة الطب البدوي من النقب ومصر وفلسطين، في حين شارك الطبيب أحمد منيف معرفته بالطب الحديث من القسطنطينية وسوريا. شارك كلاهما في تحليل ما بين الثقافات وطرحا مقترح ما يُعرف الجمهور الغربي بالثقافة الفلسطينية وباقي المنطقة العربية من خلال إرسال ممثل عن القبيلة إلى القارة الأوروبية. تركت هذه المناقشات انطباعًا دائمًا على الطبيبة حليمة، التي وضعت هذه الأفكار موضع التنفيذ من خلال تعيين أحد أحفادها لتمثيل متحف «التراث من عبق التراب» وتعزيز الثقافة الفلسطينية والعربية في الخارج، بعد ثمانين عامًا.يتذكر د. متحف عايد ترابين، وهو مؤسس أكاديمية علم المتاحف الفلسطيني والعربي في العاصمة الفرنسية باريس، وحفيد الطبيبة «حاكمة» من الجيل السادس، الحياة السعيدة من خلال وجوده في سانت بطرسبورغ: «لم تكن أسرتي مجتمعًا مغلقًا؛ ولأكثر من ألف عام، استكشف الرجال والنساء الثقافة والطب والقانون وطرق التجارة، وحماية الضعفاء، وما إلى ذلك. على حد علمي، إن ذلك منغرس في حمضها النووي. كانت جدتي «حليمة» مثل والدتها، وكذلك جدتها. لقد نشأت بنفس الطريقة وربّتني بنفس الطريقة..».كرست الطبيبة حليمة عايد ترابين، على غرار والدتها وجدتها، نفسها لإثراء ودراسة مجموعات المتحف. منذ تعيينها مديرة للمتحف في عام 1920 حتى إغلاق المتحف بسبب أحداث عام 1948، سافرت على نطاق واسع إلى جميع أنحاء فلسطين للحصول على فهم أفضل للتراث الإثنوغرافي للقرويين الفلسطينيين وسكان الحضر والبدو وشبه البدو. خلال رحلاتها، حصلت على مقتنيات اعتبرتها ذات قيمة وذات صلة بمجموعة المتحف.كانت المقتنيات الموجودة في المجموعة بمثابة وسيلة لعلاج المشاكل الصحية للسكان المحليين والمساعدة في شفاء المرضى. أنشأت الطبيبة حليمة عايد ترابين عيادة حَجَرِية رسمية مجاورة للمتحف، مجهزة تجهيزًا كاملاً بجميع المعدات الطبية اللازمة التي يحتاجها السكان قرية غزالة المحليين. في عام 1935، كان لديها عشرة أجنحة بنيت للمتحف، من بينها أجنحة لدراسة وعرض النباتات والبذور والتمائم والأزياء الشعبية والكثير من المنتوجات النسيج والحلي والأدوات الزراعية والأسلحة البيضاء والنحاسيات والعملات ومكتبة فيها الكثير من الوثائق والمخطوطات المتداولة بين غرف التجميع والغرفة الطبية وغرفة الحرف اليدوية، عكست الالتزام بالحفاظ على وظائف هذه المقتنيات على قيد الحياة لصالح المجتمع الفلسطيني. لم يساهم هذا النهج المتكامل في الحفاظ على التراث الفلسطيني فحسب، بل كفل أيضًا استمرارية تقاليدهم.وبعد النكبة عام 1948 تمّ إعادة إحياء رسالة المتحف، كما تمّت ولادة جديدة لعلم المتاحف الفلسطيني بين عامي (1967-2000)، وهو ما سنتوقف عند في تقرير لاحق.

السوسنة
١٠-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- السوسنة
نهاية العولمة أم الظلّ الطويل
في البدء كانت العولمة، ثم جاء ترامبتلك هي الحكاية التي سيطرت على شاشات تلفزيونات العالم وعناوين صحفه خلال الأسبوعين الماضيين.تعرفات جمركيّة زلزاليّة، لم يُشهد لها مثيلٌ منذ أكثر من قرن، تفرضها إدارة الرئيس ترامب على الجميع: الحلفاء والشركاء والخصوم، فلا توفّر أحداً. ويضطر البعض لفرض تعرفات مضادة، لترد الولايات المتحدة بتعرفات أعلى، فيما تهوي أسواق الأسهم، ويفر المستثمرون من السندات الأمريكيّة – التي طالما كانت ملاذاً آمناً في الملمات – وتتخبط الصناعات والتجارة الدّولية وشركات الشحن البحري في التنبؤ بالتالي، ويقرّ السير كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، في مقالة له في صحيفة «التليغراف» أن «العالم كما عرفناه قد انتهى»، وأن على بريطانيا «أن تنهض لمواجهة اللحظة»، فيما ستتولى حكومته «تبني سياسات للمساعدة في حماية الشركات البريطانية من العاصفة».العولمة: سياق مديدمن طريق الحرير، الممتد عبر الصين وآسيا وصولاً إلى إيطاليا إلى بدايات الرأسماليّة الحديثة وتطوير الباخرة والقطار والتلغراف، كانت العولمة هي الأقرب إلى النظام الطبيعيّ للأشياء، وبلغت ذروتها عشية الحرب العالميّة الأولى، حيث سافر الناس، وشحنت البضائع، ونقلت الأخبار حول العالم بسرعة غير مسبوقة، وازدهرت التجارة، وسَهُلت الهجرة، وغلب الظنّ على المراقبين بأن الترابط الاقتصادي بين الأمم، ورغم النزعات العسكرية والإمبريالية، وتنافس البرجوازيات الوطنية، والاحتكارات، والقيود التجارية، سيفرض في المحصلة سلاماً وبحبوحة للكوكب برمته.وحتى فترة الاضطرابات الكبيرة في أوروبا بين الحربين العالميين ومرحلة الكساد الكبير بينهما التي أفقدت التجارة العالميّة ثلثي حجمها، فقد بدت وكأنها مجرد نبضة عابرة في سياق تاريخ العولمة المديد. إذ ما لبث العالم وشهد في الربع الأخير من القرن العشرين تسارعاً كبيراً للعولمة، فانفتحت أبواب التجارة بين الصين والغرب، وانهارت الكتلة الشيوعية واندرجت مكوناتها في المنظومة الرأسماليّة، وتوسع الاتحاد الأوروبي، وتسابقت المصالح الرأسمالية إلى تصدير صناعاتها إلى مواقع أقرب للعمالة الرخيصة التكاليف والموارد الأساسيّة، وبنيت شبكات توريد كثيف فاعلة عبر البحر والبر والجو، بحيث يتسنى لأمريكيّ في قلب نيويورك أن يقود سيارة ألمانية مزودة بوقود فنزويلي ومرتدياً «تي شيرتاً» صنع في بنغلادش أن يذهب لتسوق ألعاب لأطفاله صممت في ميلانو في إيطاليا، وصنعت في الصين، لشركة مقرها هونغ كونغ، نصف رأسمالها بريطاني، ونقلت على متن سفينة شحن دنماركيّة، بحارتها فلبينيون، عبر قناة السويس.كيف وصلنا إلى اللحظة الترامبيّة إذن؟لعل التغطيات التلفزيونية والصحافيّة العاجلة الباحثة أبداً عن الإثارة مسؤولة عن إظهار تعرفات ترامب الجمركيّة وكأنّها خبط عشواء لإدارة يقودها شعبويون مهووسون بالقوة. لكن تأملاً متأنياً سيخلص حتماً إلى أننا لم نصل إلى هذه اللحظة «الترامبيّة» – إن جاز التعبير- بمحض الصدفة، ولا عفو الخاطر، وإنما هي تتويج لسياق يكاد يكون طبيعياً لفشل النخب الرأسماليّة في توزيع ثمار العولمة المزدهرة على الأكثريّة. لقد تولى الليبراليون – بمدارسهم وتلاوينهم – والذين حكموا اقتصاد العالم طوال الربع الأخير من القرن العشرين تعميق اللامساواة بين البشر، لا بين المراكز الغربيّة الثرية والأطراف الفقيرة، بل وأيضاً داخل المجتمعات الغربيّة ذاتها، فاستأثرت أقليّة مستهترة بالأرباح، وعبثت بالأموال المتراكمة، ولم تترك للأكثرية سوى فتات الفتات. لقد كانت أولى إرهاصات الآتي إحدى أولى علامات المتاعب مؤتمر منظمة التجارة العالمية عام 1999 في سياتل، حيث واجه المندوبون عشرات الآلاف من المتظاهرين المناهضين للعولمة التي أفقرت شعوب الأطراف والأغلبيات في الغرب، وأفقدت الناس أي إحساس بالعدالة في ظل الرأسمالية. لكن الأقليّة لم ترتدع إلى أن انهارت لعبة القمار التي أدمنتها في العام 2008، وتغّولت حينها السلطات على الأموال العامّة لتنقذ الأثرياء وبنوكهم، وفرضت لتعويض الفجوة المالية الهائلة سياسة تقشف قاس غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، فتقلصت المدفوعات الاجتماعية للفقراء والعاطلين عن العمل، وتوقف الاستثمار في المشاريع العامّة والبنية التحتيّة، وانعدمت فرص العمل الجديدة مع انكماش القدرة الشرائية، ليجد جيل كامل ممن وصل إلى سوق العمل بداية من 2008 بأن لا مستقبل له سوى الجوع، أو اللجوء لبيت العائلة بانتظار تبدل في الأحوال لم يأت أبداً، لا بل وازداد سوءاً مع جائحة كوفيد وتوقف التجارة، وحرب أوكرانيا وما أتت به من كساد، وقبلها ما سمي بالربيع العربي وما نشأت عنه من موجات الهجرة نحو الغرب.لقد أدى غضب الناس العاديين إلى تصعيد نوع جديد من السياسيين الشعبويين الذين اكتسحوا كل انتخابات أجريت في جميع أنحاء العالم، وحصل هؤلاء على النجومية عبر توجيه الحنق المتراكم نحو الجهات التي ارتبطت بالعولمة – واقعاً أو خيالاً – مهاجرين، وبضائع أجنبيّة، وصفقات سريّة، وصوتت أمريكا لدونالد ترامب مرة أولى، وأخذت الحدود والجدران، المالية والمادية، بالارتفاع، لتتوج بعودة مظفرّة بأصوات أكثرية للرئيس ترامب، الذي كان جليّاً حتى من أوقات ولايته الأولى – بأنّه يحمل أجندة انعزاليّة، وبرنامجاً لا يتورع عن توظيف القوة لفرض إرادة أمريكا على العالم، مسلحاً بتأييد الأكثرية الغاضبة على التردي الذي قادت إليه الليبرالية والعمولة، ومسنوداً بجبروت الإمبراطورية الغاشم.سيناريوهات اليوم التاليلن تذهب العولمة إلى أي مكان. لقد فشلت كل محاولات الأنظمة الشمولية، سواء في ألمانيا النازية أو إيطاليا الفاشيّة أو روسيا الشيوعيّة في تحقيق الاكتفاء الذاتي لشعوبها، ولم يتمكن الفلاحون والعمال الألمان والإيطاليون من إنتاج ما يكفي من المحاصيل والسلع لتأمين مستوى معيشي مرتفع للجميع. وغالباً ما أدى ذلك إلى حروب تمدد توسعيّة كان ثمنها باهظاً.فإذا كان التاريخ دليل كاف، فإن الولايات المتحدة، رغم كل غناها وتنوع مواردها، لن تكون بدورها في موقع الاستغناء عن التجارة مع العالم، لكن ترامب لن يستسلم بسرعة، وهو إن أكمل ولايته الثانية بعد أربع سنوات قد ينقل السلطة إلى وريث ترامبي النزعة يمكن أن يستمر بدوره في السلطة لثماني سنوات بعدها، ومن غير المستبعد أن تمد الولايات المتحدة يدها في هذه الأثناء لموارد العالم الأثمن في الكونغو وأوكرانيا وغرينلاند وكندا، وتخوض حروباً تجارية قاسية مع شركاء كبار، وسيعامل المهاجرون والأقليّات في أمريكا ككبش فداء بوصفهم من نتاج العولمة الشريرة، وسيتسبب التضخم المفرط والكساد في إفقار ملايين البشر ودفعهم إلى حافة هاوية الجوع.لم يكن صعود الفاشيات في أوروبا نتيجة للحرب العالمية، أو معاهدة فرساي، أو النزعة العسكرية الألمانية، أو المزاج الإيطالي المغامر، بقدر ما كان رداً على الإهانات التي فرضتها النخب الليبرالية الاقتصادية وعولمتها غير العادلة. وها هي الفاشيّة بلون أحمر هذه المرّة قد أطلت برأسها من جديد، وستكون رحلة التعافي منها صعبة دون شك، لكن العالم لن يستعيد استقراره ويفتح نوافذه للعولمة من جديد قبل ظهور تدابير مغايرة لحماية كرامة الإنسان من توحش الرأسماليّة وتغوّل الأقلية إيّاها. إعلامية وكاتبة لبنانية