أحدث الأخبار مع #الرافدين


الميادين
منذ 5 أيام
- سياسة
- الميادين
عبور الحدود أو كلّ هذه الخرائط المُخترعة!
كان الرحّالة القدماء يتجولون بين البلدان بلا جواز سفر! لم يحتج ابن بطوطة مثلاً إلى مراجعة حرس الحدود للانتقال من بلد إلى آخر، ففي كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، لن نقع على أختام وأوراق رسمية تخوّله الانتقال من مكان إلى آخر. ربما من حسن الطالع أنه لم يعش هذه اللحظة الجنونية التي مزّقت الخرائط إلى دويلات، واخترعت الحواجز داخل المدينة الواحدة. يروي الفلسطينيون مكابداتهم الجحيمية في العبور من حيّ إلى آخر، فيما تسعى "إسرائيل" إلى قضم ما تبقى من البلاد متفرّدة بأنها الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعترف بالحدود النهائية لدولتها المارقة! عشية انهيار الإمبراطورية العثمانية، كانت الجاسوسة البريطانية، غيرترود بيل، بوصفها خبيرة في جغرافيا الأسطورة والرمل، منهمكة في ترتيب حدود دولة العراق لتتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على بلاد الرافدين، بعد أن طرده الفرنسيون من سوريا. هكذا وضعت خرائط متشابكة أمامها لرسم حدود الدولة الجديدة من دون أن تنتهي إلى خطة نهائية. سيسألها أحد الضباط الانجليز عمّا تفعل؟ أجابته بنزق: "أحاول اختراع البلد الذي من المستحيل أن يُخترع". كان حدثا تاريخياً ومنعطفاً عالمياً، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وتفكك الإمبراطورية العثمانية، اشتغل الأوروبيون على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد. قسّمت إنجلترا وفرنسا المنتصرتان وفقاً لاتفاقية سايكس - بيكو عام 1916 ممتلكات الإمبراطورية العثمانية المفلسة في ما بينهما وخلقتا من أقاليمها دولاً جديدة. هكذا توحدت الولايات العثمانية، بغداد والبصرة والموصل، لتشكل هيكلاً متماسكاً، هيكل أصبح، اسمه ابتداء من عام 1921 المملكة العراقية، التي قامت بتأسيسها غيرترود بيل أو "خاتون بغداد" فحدّدت الجزء الأكبر من حدودها واختارت حاكمها! بالعبثية نفسها سيخترع ونستون تشرشل، سكرتير المستعمرات البريطانية حينذاك، في ظهيرة يوم أحد بلداً آخر بحدود سوريالية يدعى "إمارة شرق الأردن"، وذلك بضربة قلم خاطئة واكبت عطسة باغتته أثناء رسمه للحدود فجاء هذا الخط العشوائي كقدر نهائي للإمارة الوليدة، وبصرف النظر عن حقيقة هذه الواقعة أو بطلانها، فإن ما حدث فعلاً هو اختراع خرائط مرتجلة تنسف وحدة البلدان التي كانت تخضع للإمبراطورية العثمانية أو تركة "الرجل المريض". الخرائط الجديدة ألغت وحدة التضاريس، ولم يعد متاحاً للرحّالة والمغامرين الأجانب عبور الحدود الجديدة بلا قيود. ليست الجغرافيا وحدها إذاً، هي التي تتحكم بصنع الحدود بين البلدان، وإنما اللغة والقيم والأفكار والطبائع. في سياق آخر، تحضر صورة الفيلسوف، ابن رشد، في مرآتين مختلفتين، الأولى تحمل اسم ابن رشد، والثانية اسم "أفيروس" وفقاً لاسمه اللاتيني! سنجد الصورتَين معاً، ولكن من موقعَين متضادَين. ذلك أن الأول عاشَ مكابدات صعبة في محاولاته إعلاء شأن العقل وحده في مواجهة فقهاء الغيبيات؛ ما جعله يدفع ضريبة باهظة بنفيه إلى قرية جنوب قرطبة، وحرق كتبه بأمر من الخليفة العباسي المنصور، بينما سيتحوَّل "أفيروس" إلى أيقونة أوروبية بوصفه جسراً بين ثقافتَين. هكذا فقدَ إسلام الأنوار مفكِّراً عظيماً، وأهداه مجاناً إلى الغرب. فالفيلسوف الذي دُفِن في مراكش، لم يسترح طويلاً في تراب أجداده. بعد 3 أشهر على دفنه، أُخرج جثمانه من القبر، وحُملَ إلى قرطبة ودُفن هناك مرةً ثانية، وقد حضر جنازته 3 أشخاص "فقيه، وناسخ، وابن عربي". من جهته، يتناول إدريس كسيكس في روايته "في مضيق أفيروس"، شخصية ابن رشد بوصفها جرحاً أو فجوة معرفية بتبنيه الاسم اللاتيني للفيلسوف، وهو بذلك يعترف بأن ما أبقى ميراث ابن رشد هو احتضان أوروبا لفلسفته العقلانية، وإلا لبقي منبوذاً في المدوَّنة الإسلامية بتهمة الإلحاد. عبور جثمان ابن رشد من مضيق جبل طارق إلى الأندلس لدفنه في قرطبة تعبير صريح عن "فضاء العبور والانفصال"، وتالياً، سيتخذ السرد حركة الأرجوحة في الذهاب والإياب، باستخدام الرسائل والاعترافات، والخطب، والوثائق، والتحقيق الصحفي، في الاشتغال على ترميم الصورة المهتزّة للسيرة الشقيّة، والعمل على تفكيك الفضاءات، وأشكال الكتابة، لإيقاظ الإرث الخامل. كانت الصورة النهائية لمشهد ترحيل جثمان ابن رشد من مراكش إلى قرطبة وفقاً لرؤية عبد الفتاح كيليطو على النحو الآتي: "وُضع الجثمان على الدابة في جهةٍ، وفي الجهة الأخرى كُتب الفيلسوف ليستقيم الحمل، ثم عبر الحدود نحو هوية أخرى باسم أفيروس". وكأن رحلة نفي العقل من جغرافيا إلى أخرى، لم تتوقّف يوماً. على المقلب الآخر، يلخّص الكاتب الأرجنتيني، أدريان برافي، في كتابه "غيرة اللغات" حدود وطنه تبعاً لإبحار اللغة من شاطئ إلى شاطئ آخر، وذلك بتشريح معنى الهجرة اللغوية والهجنة الثقافية والنزوح القسري، ومعنى أن تكون عالقاً بين لغتين وجغرافيتين. أن تفكّر بلغة، وتكتب بلغةٍ ثانية. كانت آخر ذكرياته في مدينة سان فرناندو، تتعلق بمنزل قديم متاخم للنهر الذي كان يفيض أحياناً فيغمر المنزل، وكانت أمه تضعه فوق طاولة أثناء انهماكها في صدّ المياه: "إذا كان عليّ اليوم، أن أقول ما هو وطني الحقيقي، فإنني أودُّ أن أقول إنّه تلك الطاولة هناك". ليس بمقدور لغةٍ جديدة إذاً، أن تحرّر المرء من موروث ماضيه، لكنه سينظر إليه بعدسة أخرى، فالمشاعر تتغيّر وفقاً للكلمات التي نستخدمها "لا يمكننا أن نروي القصة نفسها بلغتين مختلفتين"، يقول. هذا الصراع بين أمومة اللغة، وحيرة الابن ستقودنا إلى طبقات المعنى، من دون أن نتخلى عن الحليب الأول. ويوضح بأنه لم يعد ممكناً اليوم تصوّر الأدب داخل حدوده الوطنية، بعدما فرض "أدب الهجرة" حضوره، في تحرّكه على الحد الفاصل بين لغتين وثقافتين وتاريخين ومخيّلتين وموروثين. أدب يتّسم بتهجين عميق ينعكس على الأشكال الأدبية والأصوات السردية، عبر التداخل اللغوي الذي أطاح عذرية هذه اللغة أو تلك، فكل لغة تعيش مغمورة بجوقة من اللغات الأخرى نتيجة التلاقح والاحتكاك وتأثير أصوات اللغة الدارجة. هذه الانحرافات هي نتيجة لإرغام الكلمات وقواعد تركيب العبارات على قبول معانٍ أخرى، كأنها اكتشافات جديدة، على غرار نصوص صموئيل بيكيت مثلاً، الكتابة المرتحلة بين لغتين، ذهاباً وإياباً. وتالياً فإن نصوصه ليست تكراراً للأصل، بل هي افتراق عنه، نظراً لروحها الابتكارية وقدرتها على لفظ التناسخ خارجاً لمصلحة الثراء الإيقاعي. يخلص هذا الكاتب مزدوج الهوية إلى أن هوية أي بلد هي هوية لغوية قبل أن تكون هوية سياسية، إذ لطالما كان الأدب ينتج الأمة وليس العكس. لكن ريجيس دوبريه في كتابه "في مديح الحدود"، ينظر إلى المسألة من حيّز آخر معتبراً أن فحش هذا العصر "لا ينشأ عن الفائض بل عن الخسارة في الحدود". ذلك أنه لم يعد من حدود لأنه لم يعد من حدود "بين الشؤون العامة والمصالح الخاصة، بين المواطن والفرد، بين النحن والأنا، بين المصرف والكازينو، بين الخبر والإعلان التجاري، بين الدولة وجماعات الضغط، بين غرفة نوم رئيس الجمهورية ومكتبه، وقس علة ذلك". كما يعرّج على معنى الإقامة والترحال، وكيف تتفرع ثنائيات الفصل والوصل، القطيعة والاستمرارية، الجزئي والكلي، الخصوصي والعالمي… باعتبارها ثنائيات يخترقها المحلي من كل الجهات، "ثنائيات تجعلنا نضع لأنفسنا حدوداً نشعر إزاءها بالانتماء والسكينة". على الأرجح فإن الشركات العابرة للحدود خلخلت طمأنينة الحدود الآمنة للفرد وإلا ما تفسير وصول مشروبات الكوكاكولا إلى طفل حافي القدمين يعيش في قرية بائسة في عمق أدغال أفريقيا، أو نزوح الآلاف من مدنهم المنكوبة والموت غرقاً في البحر أو إقامة غيتو محلي مهاجر بكامل تقاليده الأصلية في أكثر المدن الأوروبية حداثة. لقد عملت العولمة على إلغاء الحدود لكن ما حصل فعلاً هو إيقاظ الهويات الصغرى وتفتيت المكان إلى حدود يحكمها العداء وتبادل الكراهية، وإذا بالعولمة تشطب الحدود بسطوة وإغراء السلع البرّاقة. كما ستعبر بندقية الكلاشينكوف معظم حدود العالم بوصفها رمزاً للثورات العالمية من أميركا اللاتينية إلى فلسطين، ثم استثمرتها الجماعات "الجهادية" في حروبها المتنقلة غير عابئة بالخرائط الصارمة لحدود لبلدان.


العربية
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- أعمال
- العربية
العراق يخصص تمويلات جديدة لـ 10 آلاف مشروع استثماري
أعلن مصرف الرافدين العراقي، اليوم الاثنين، عن انطلاق المرحلة الثانية من تمويل مشاريع مبادرة "ريادة" والتي تتضمن 10 آلاف مشروع جاهزة للتمويل. قال المدير العام لمصرف الرافدين، علي كريم، إن "المرحلة الأولى من مبادرة ريادة شهدت تمويل أكثر من 8 آلاف مشروع منتج على مستوى الأفراد، بمبلغ إجمالي تجاوز 107 مليارات دينار، ضمن خطة دعم التشغيل الذاتي وتحفيز الاقتصاد المحلي". وأضاف أن "المبادرة تستهدف دعم الشباب، وتنشيط الأسواق المحلية، وتأسيس قواعد جديدة لاقتصاد إنتاجي بعيد عن الريع والتوظيف العشوائي"، وفق وكالة الأنباء العراقية "واع". وأوضح أن "المصرف خصّص مبالغ كافية لتمويل المشاريع الجديدة الواردة عبر مبادرة ريادة، بعد استكمال متطلبات التقييم الفني والقانوني والجدوى الاقتصادية". ودعا مدير عام مصرف الرافدين، جميع المؤسسات العراقية وفي مقدمتها البنك المركزي إلى "الانخراط الفاعل في المبادرة من خلال تخصيص نوافذ تمويل ميسّرة للمشاريع الناشئة، وإطلاق صندوق وطني لضمان قروض الرياديين، ودمج مبادرة ريادة ضمن استراتيجية الشمول المالي المقبلة". وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي، حسين فلامرز، إن "المشاريع الجاهزة للتمويل تتجاوز 10 آلاف مشروع، ويوجد تعاون بين مصرف الرافدين والشركة العالمية للبطاقة الذكية كي كارد لتسهيل الإجراءات والوصول إلى المستفيدين".


صحيفة الخليج
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- رياضة
- صحيفة الخليج
قائمة أولية لـ«أسود الرافدين» تنصف لاعبين تجاهلهم كاساس
بغداد: زيدان الربيعي كشفت مصادر مقربة من الطاقم التدريبي الجديد للمنتخب العراقي الأول لكرة القدم، بقيادة الأسترالي غراهام أرنولد، عن القائمة الأولية لتشكيلة «أسود الرافدين» قبل مواجهة منتخبي كوريا الجنوبية والأردن في الخامس والعاشر من الشهر المقبل ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026. ضمت القائمة بعض اللاعبين الذين كان المحللون والإعلاميون يطالبون بضمهم إلى تشكيلة المنتخب العراقي في المباريات السابقة، إلا أن المدرب الإسباني السابق خيسوس كاساس كان يتجاهل تلك الطلبات بشكل غريب، ومن أبرز هؤلاء المحترف في الدوري الهولندي دانيلو سعيد، وحسن عبد الكريم ومحمد قاسم، آدم طالب وغيرهم. وتألفت التشكيلة من كل من: جلال حسن، أحمد باسل، علي كاظم، محمد صالح، لحراسة المرمى، ولخط الدفاع آدم طالب، أحمد مكنزي، أحمد يحيى، أكام هاشم، فرانس بطرس، حسين علي، ميرخاس دوسكي، مناف يونس، مصطفى سعدون، ريبين سولاقا، مهند جعاز، زيد تحسين. وضمت من لاعبي خط الوسط، هارون أحمد، محمد الطائي، علي جاسم، بيتر كوركيس، أمير العماري، أمجد عطوان، دانيلو سعيد، حسين علي، إبراهيم بايش، لؤي العاني، ماركو فرج، منتظر الماجد، محمد قاسم، يوسف الأمين، كرار نبيل، سجاد جاسم، حسن عبد الكريم، أسامة رشيد، حيدر عبد الكريم، إيمار شير وريوان أمين. ولخط الهجوم تم اختيار اللاعبين أيمن حسين، مهند علي «ميمي»، حسين عبد الله لاوندي، علي الحمادي، باشانغ عبد الله. وسيتم تقليص القائمة في 20 من هذا الشهر، بعد أن يقوم الأسترالي غراهام أرنولد باختيار القائمة النهائية للاعبي المنتخب العراقي من أجل الدخول في معسكر تدريبي مغلق في محافظة البصرة. وقد قوبلت القائمة بنوع من الرضا والقبول من قبل متابعي المنتخب العراقي، لأنها أنصفت بعض اللاعبين الجيدين الذين كان المدرب الإسباني السابق خيسوس كاساس يتجاهل قدراتهم لأسباب غير معروفة لغاية الآن. الجدير بالذكر أن المدرب الأسترالي غراهام أرنولد وطاقمه المساعد ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى بغداد بدأ بمتابعة مباريات دوري نجوم العراق لكرة القدم من أجل تكوين صورة عن اللاعبين الذين يرغب بضمهم إلى تشكيلة «أسود الرافدين».


الشرق السعودية
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الشرق السعودية
نيتشه والموسيقى الجديدة: قوة تشحن العالم
تحتل الموسيقى موقعاً مركزياً في المشروع الفلسفي لدى نيتشه، فهي لا تعدّ فناً جمالياً ثانوياً، بل صدى للوجود نفسه، ووسيط ميتافيزيقي يتجاوز حدود اللغة والعقل، ليكشف عن إيقاع الحقيقة وعمقها الخفي. يستعرض الناقد والصحفي الفرنسي بيار لاسير في كتابه "أفكار نيتشه حول الموسيقى"، الصادر حديثاً عن دار الرافدين في بغداد، ترجمة علي شمس الدين، العلاقة العميقة والمعقّدة التي ربطت نيتشه بالموسيقى، منذ طفولته وحتى أيامه الأخيرة. يأتي الكتاب بلغة تتطلب تمعّناً وإعادة قراءة، لفهم ترابط الأفكار وتسلسلها. ففي مواضع عدّة، يشعر القارئ بشيء من التشتّت أو الغموض، ربما بسبب طبيعة الترجمة، أو نتيجة الأسلوب الذي اختاره الكاتب الأصلي لعرض مادته. ليست مجرد فن ترفيهي الموسيقى عند نيتشه ليست مجرّد فن ترفيهي يخاطب الذوق والمشاعر، بل تجربة وجودية تلامس الأصل، وتكشف التوتر العميق بين النظام والفوضى، بين الحلم والانفعال. الفن عند نيتشه، يمرّ عبر البوابة الإغريقية، حيث يتصارع الإلهان "أبولو" و"ديونيسوس"، لا كرمزين دينيين فحسب، بل كمبدأين جماليين يتجاذبان كل تجربة فنية. إذ يمثّل أبولو مبدأ النظام، والعقل والوضوح والشكل والشعر الملحمي، أي كل ما هو متّزن ومنضبط. أما ديونيسوس، فيرمز إلى الفوضى، والغريزة والسُكر والنشوة. التوتر الخلّاق بين هذين المبدأين، لا يقوم على الانفصال، بل على الانسجام الجدلي، ومن هذا التوتر وُلد الفن الإغريقي الأصيل، المتوازن بين الشكل والعاطفة. تأثّر نيتشه بعمق بهذا التوتر، انجذب إلى صوت الناي الديونيزوسي، لأنه رأى فيه تلك القوة الغامضة التي تسبق كل عقل وكل شكل. فهي محرك للوعي، وصوت يعبّر عن الكينونة قبل أن تتشكّل في قوالب الثقافة. ورأى في الفن الإغريقي مثالاً أعلى للجمال، لا يولد من الانسجام السطحي بل من الصراع. الموسيقى قوّة منذ كتابه المبكر "ولادة التراجيديا"، بدأ نيتشه برسم ملامح هذا التصوّر؛ حيث قدّم الموسيقى كقوة خلّاقة تعيد شحن العالم بالحياة والرهبة. لم تكن بالنسبة إليه، سعياً نحو الانسجام، بل خرقاً له، لحظة شعورية تتقدّم كل تشكّل ثقافي. من هنا، رسم صورة الفنان بوصفه الإله الأخير: لا يسنّ القوانين بل يخلقها، لا يهيمن بل يعاني ويبدع. في خلفية هذا التصوّر، يظل شوبنهاور حاضراً بقوّة. فقد تأثّر نيتشه بكتابه "العالم كإرادة وتمثّل"، وتبنّى منه تصوّراً ميتافيزيقياً للموسيقى، باعتبارها الفن الوحيد الذي لا يُحاكي، بل يُجسّد الإرادة مباشرة. إن كل نغمة، عند شوبنهاور، ليست تمثيلاً بل حضوراً، ومن هنا رآها نيتشه فناً روحياً بامتياز، قادراً على تجاوز الدين لا تمثيله، لأنه يواجه الألم والحياة من دون أوهام. فاغنر والموسيقى في هذا السياق، كان لفاغنر أثر محوري في خيال نيتشه وتفكيره. رآه، في بداياته، مخلّصاً للفن الألماني، ولعالم ثقافي مأزوم، إذ لمس في موسيقاه الأولى عودة إلى الروح الديونيزوسية، إلى ذلك الصوت العميق الذي يخترق الفرد ليوقظ فيه الحلم الجمعي ويحرّك الغرائز. لم يكن إعجاب نيتشه بفاغنر فنياً فقط، بل اتخذ طابعاً مقدساً، إذ رآه نبياً لفن جديد يعيد إلى الموسيقى قداستها الميتافيزيقية. جاء اللقاء الأول بين نيتشه وفاغنر كمفصل حاسم، إذ رأى في الأخير تجسيداً حيّاً لأفكار شوبنهاور في الموسيقى. ففي أوبرا "تريستان وإيزولده"، شعر نيتشه أن الإرادة تتكلم بلغة الموسيقى، وأن الغريزة والموت والنشوة تنصهر في سيمفونية لا تُفسّر بل تُعاش. غير أن هذا الحلم لم يدم؛ فمع مرور الزمن تحوّل إلى كابوس، حين رأى نيتشه أن فاغنر لم يعد صوت الحياة، بل صوت الانحطاط. لقد صارت الموسيقى عند فاغنر، بحسب نيتشه، وسيلة دعائية تخدّر وتهيمن، في خدمة قومية مسيحية شمولية. لم يعد فاغنر، في نظره، ذلك الفنان الحر، بل أصبح أداة لسطوة أخلاقية وثقافية، لا تعبّر إلا عن الرداءة والانحلال. هكذا انهار مشروع الخلاص الجمالي. ساحةً للصراع الفلسفي عند هذه النقطة، انتقلت الموسيقى في تجربة نيتشه من كونها تجربة جمالية إلى ساحة للصراع الفلسفي. لم يكن يعارض الانفعال، بل الانفعال الفارغ؛ ولم يرفض التأثير، بل التأثير الذي لا يُحرّك الوعي بل يُخدّره. فالموسيقى العظيمة ليست ما يُسمع، بل ما يُعاش، ما يخترق وعي المتلقي، لا ما يُبهره بسطحية. لذلك، ظهرت عنده مفاهيم مثل "الانحطاط" و"النشاز"، لا كمفاهيم تقنية، بل كتشخيصات لحالة حضارية تنحدر، وتجعل من الموسيقى مرثية لعالم محتضر، بدل أن تكون نشيده. حتى بيتهوفن، الذي ألهم نيتشه في بداياته، لم يسلم من التقييم القاسي. فقد رآه لاحقاً موسيقياً جنائزياً، ينشد على أطلال أوروبا المنهارة، بدل أن يعيد إحياءها. فتحول الفن في نظره، من بوابة إلى المطلق، إلى صدى لحضارات لم يبقَ لها سوى ظلالها الباهتة في الذاكرة الجمعية. ومع ذلك، لم ينسحب نيتشه من عالم الموسيقى، بل صار أكثر قرباً منه، مشدداً على الحاجة إلى فن جديد: موسيقى تُفكر، لا تُفتن، تُحرر، لا تُخدّر، تخاطب الأعماق، لا تُسلّي. اللافت في معالجة نيتشه للموسيقى، ليس فقط جرأته في نقد الأسماء الكبرى، بل شجاعته في إعادة تعريف الجمال ذاته. فقد كان سبّاقاً في مهاجمة فن المتعة السهلة، وهنا يبدو نيتشه أقرب إلى الفنان منه إلى الفيلسوف؛ إذ لا ينظر إلى الجمال كمفهوم نظري بل كألم ناضج، كتجربة تحفر في الذات قبل أن تبهجها. من هذا المنظور، لم يكن نيتشه ناقداً للموسيقى، بقدر ما كان مناضلاً يطالبها الوفاء بوعدها: أن تكون صدى للوجود، وصوت الإرادة نفسها. الدعوة إلى موسيقى جديدة غير أن الموسيقى الرومانتيكية الحديثة، وخصوصاً الألمانية منها، لم ترقَ إلى هذا المثال. فقد رآها نيتشه غريبة عن الروح الإغريقية، مخدّرة، تغري المشاعر السطحية، وتفتقر إلى البنية الصارمة. كانت، في نظره، أقرب إلى إدمان الحنين منها إلى نداء الوعي، وهاجمها بوصفها تجسيداً لانهيار الذوق، لأنها تهرب من الوضوح إلى التشويش، وتروّج لمتعة مائعة لا توقظ بل تُخدّر. من هنا، جاءت دعوته إلى الحذر من هذا الذوق، بل إلى تحريمه على النفس الطامحة إلى صفاء الفكر. لقد دعا إلى موسيقى جديدة، قويّة، نابعة من الجنوب، تتمتع بصحة فنية وروحية، وتثأر من الانهيار الرومانتيكي. ورغم هذا النقد العنيف، لم يعمد نيتشه إلى التخلي عن حلمه الشخصي بأن يكون مؤلفاً موسيقياً. فكتب مقطوعات موسيقية تجسّد رؤيته، مثل "صدى ليلة من ليالي سيلفستر"، التي طوّرها لاحقاً إلى "تأملات في المانفريدي"، ساعياً إلى تحويل ألمه الشخصي، إلى شكل فني يتجاوز السمع نحو نداء داخلي عميق. وعلى الرغم من التحوّلات، ظل نيتشه وفياً لفكرة جوهرية، مفادها أن الفن والموسيقى في صميمه، ليسا للزينة بل للحقيقة. كانت رؤيته للموسيقى ثورة على الذوق الكسول، وحلماً بموسيقى تنقذ الإنسان من الرداءة، لا تلهيه عنها.


بلد نيوز
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- رياضة
- بلد نيوز
الأسترالي غراهام أرنولد مدرباً لـ«أسود الرافدين»
نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي: الأسترالي غراهام أرنولد مدرباً لـ«أسود الرافدين» - بلد نيوز, اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025 10:53 صباحاً أعلن الاتحاد العراقي لكرة القدم عن تعاقده مع المدرب الأسترالي غراهام أرنولد، لكي يتولى مهمة تدريب المنتخب العراقي الأول لكرة القدم خلفاً للمدرب الإسباني المقال خيسوس كاساس. وقال مصدر في الاتحاد العراقي لكرة القدم في تصريحات: إن «الاتحاد أنهى في ساعة متأخرة عملية تعاقده مع المدرب الأسترالي غراهام أرنولد، لكي يتولى مهمة تدريب المنتخب العراقي الأول خلفاً للمدرب السابق خيسوس كاساس الذي تمت إقالته في شهر مارس/ آذار الماضي بسبب خسارة (أسود الرافدين) أمام المنتخب الفلسطيني في عمان1-2». وأوضح المصدر، أن «أرنولد، سيأتي معه طاقم تدريبي متكامل من اختياره يتألف من 7 مساعدين، ولن يعمل معه أي مدرب عراقي». وتابع، أن «العقد مع أرنولد واضح المعالم، فهو سيتولى مهمة تدريب المنتخب العراقي في مباراتيه المقبلتين ضمن التصفيات المؤهلة لمونديال 2026، الأولى أمام منتخب كوريا الجنوبية التي ستقام في 5 من الشهر المقبل على ملعب البصرة الدولي، بينما المباراة الثانية ستقام في ملعب عمان في الأردن أمام المنتخب الأردني في 10 من الشهر ذاته، وفي حال فوز المنتخب العراقي في تلك المباراتين وتأهله بشكل مباشر إلى المونديال، فأن العقد مع أرنولد سيستمر إلى نهاية عام 2027، وفي حال لم ينجح المنتخب العراقي في التأهل المباشر، فأن أرنولد سيقود المنتخب العراقي في مباريات الملحق». وأردف، أن «عملية إنهاء العقد مع أرنولد ستكون مفتوحة ولا يوجد فيها شرط جزائي على الاتحاد العراقي، لأنه تمت صياغة العقد بين الطرفين بشكل واضح جداً ولا يوجد فيه أي لبس يذكر». وأكد، أن «أرنولد عندما يصل إلى العراق، فأن الاتحاد العراقي لكرة القدم سيجتمع معه من أجل التعاون معه في ترتيب معسكر تدريبي قصير لـ (أسود الرافدين) وحسب المنهاج الذي سيضعه هو، لأن الاتحاد سيكون حريصاً جداً على توفير كل ما يحتاجه المدرب الجديد، إذ سيتم إيقاف مباريات دوري نجوم العراق، لكي تكون هناك فسحة من الزمن للمدرب حتى يطلع عن قرب على مستويات اللاعبين، والأمور ستكون طيبة بالنسبة للاعبي المنتخب العراقي الذين يحترفون في الدوريات الأوربية، لأن تلك الدوريات ستنتهي قبل نهاية هذا الشهر».