أحدث الأخبار مع #الرواية_التاريخية


الرياض
منذ 5 أيام
- ترفيه
- الرياض
بهجـة المتخيل وقيد المستندالرواية والتاريخ
لطالما كانت العلاقة بين الرواية والتاريخ موضوعًا معقدًا وملحًّا في الأدب ككل والسرد على وجه الخصوص، لتداخل المتخيل مع الوثائقي، والفني مع العلمي. وبالرغم من أن الرواية تتناول حدثًا أو أحداثًا تاريخية معينة، فإنها تميل إلى إعادة تشكيلها من خلال التخييل الفني، مما يجعلها -أي الرواية- تختلف عن المستند التاريخي المعتمد على الأدلة الوثائقية والمعايير العلمية الصارمة. لذا، يبقى سؤالنا المحوري: هل يمكن للرواية التاريخية أن تعتبر مستندًا موثوقًا؟! الرواية التاريخية هي تفاعل بين الواقع والتخييل، إذ تسعى لتمثيل أحداث محددة ضمن قالب أدبي يهدف لإحياء الماضي لا كما هو، بل كما يمكن أن يكون، في أعين الذين عاصروه أو قرأوه أو تناقلوه ضمن ارثٍ تاريخي لا يقبل المساس أو التنازل. وإذا كانت الرواية تستند إلى حقائق تاريخية، فإن الخيال الأدبي يلعب دورًا بارزًا باعادة تشكيلها ضمن رؤية معينة تتيح للكاتب أن يترك بصمته الخاصة. وبحسب الناقد د. عبدالله ابراهيم، والذي طرح مفهومًا جديدًا بأن يحل «التخييل التاريخي» محل الرواية التاريخية التقليدية، حيث يفرد المجال للجمع بين المستند والفن في تأويل جديد للأحداث. من خلال التخييل، الذي تتحول معه الرواية من مجرد سرد تاريخي إلى حقل جديد للإبداع الفكري الذي يمد القارئ بجسرٍ يصل بين الحقيقة التاريخية وأبعادها الإنسانية. من حيث أن يحل هذا التخييل محل الرواية التاريخية، بل أن الأوان قد حان لهذا القول حسب اعتقاد الأخير. التخييل التاريخي: بين فن الرواية وقيد المستند وبالرغم من أن الروايات التاريخية تكون على حقائق تاريخية قائمة، إلا أن الرواية كفن تعتمد في جوهرها على إعادة تشكيل الأحداث وإدخال العنصر الإبداعي في قوامها الأساس. لذلك ومن وجهة نظر نقدية لا يمكننا الاعتماد عليها كمصدر أساس لتحقيق الوقائع التاريخية. فالمستند التأريخي لا يقتصر على نقل الوقائع كما حدثت فحسب، بل يعتمد على أدلة ووثائق يمكن التحقق منها بشكل موضوعي. في المقابل يعمل التخييل التاريخي على تقديم رؤية إنسانية وفنية للأحداث، ما يفتح الباب أمام تفسير وتخيّل إضافي لواقع استدعاء الماضي كحاضر لا لاستدعائه فقط، بل لاستشراف مستقبل ينقد الواقع بمافيه محاولًا عبر « الفن الروائي» جعل الماضي في قلب الحاضر كداعم كبير للمعرفة بعيدًا عن قيد المستند. ومن أهم ما يعول عليه في الرواية التاريخية هي التأصيل لحقبة بعينها من خلال التقاطات لفترة زمنية تُسقى بالمتخيل السردي لتقدم أحداث تدعم الحقيقة وتشفع لمشروعية الفن الروائي باستخدامه لها كمادة صالحة للاستخدام الفني وفق معايير يراها الكاتب من وجهة نظرٍ تخصه وقارئه المفترض. عليه فالتخييل التاريخي لا يعمل على إعادة سرد الأحداث فقط ، بل يعيد تصوّرها في سياق التجربة الإنسانية، على ألَّا تُغفل أبعاد العاطفة والذاكرة الجمعية التي تشخص كيف عاش الناس تلك الأحداث. كما أنه يقدم إضافة فكرية تُغني التاريخ بوصفه مجرد سلسلة من الوقائع، فالتاريخ عبر الرواية لا يُسرد كـ «مجموعة من الحقائق» بل كمجموعة من القصص الحية التي تتنفس في اللحظات المتخيلة. -الرواية التاريخية: جدوى الاعتداد والتحديات وإذا كانت الرواية التاريخية توفر قراءة فنية للعواطف والتجارب الإنسانية، فإنها تبقى غير قادرة على ملئ فجوة الحقيقة التاريخية القائمة على المستندات الرسمية. لذا، يمكن القول إن الرواية التاريخية لا يمكن أن تحل محل التوثيق العلمي، بل تظل بمثابة أداة إبداعية تُسهم في تقديم التاريخ بصورة إنسانية وجمالية أكثر من كونها وسيلة موثوقة لتوثيق الحقائق. ومع ذلك، لا يمكننا إغفال أهمية الرواية التاريخية في التأثير على الذاكرة الثقافية الجمعية للأمم. فهي تُكمّل المستند التاريخي، وتعمل على تقديم التاريخ الحي الذي قد يظل غامضًا أو مفقودًا في السجلات الرسمية. من هنا يمكننا القول إن الرواية التاريخية والتخييل التاريخي يُعيدان تشكيل التاريخ وفقًا لـ تصورات المجتمع والإنسانية، مما يُقدّم رؤية مغايرة عن القراءة الرسمية للتاريخ. وبالرغم من عدم إمكانية الاعتماد على الرواية كمستند تاريخي كما أسلفنا، فإنَّ الرواية التاريخية تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الذاكرة الجمعية للأمم. فهي لا تسجل فقط الأحداث الواقعية، بل تعيد تشكيلها من خلال التجارب العاطفية والإنسانية التي مرت بها الشخصيات. هذا النمط من السرد يساعد الأجيال الجديدة على التفاعل مع الماضي وفهم كيف أثرت تلك الأحداث على الأفراد والجماعات.


الشرق الأوسط
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الشرق الأوسط
الرواية «النسوية» تعيد كتابة تاريخ الوطن
في كتابه «الرواية التاريخية النسوية»، الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يتوقف الناقد والأكاديمي المصري د. سيد إسماعيل ضيف الله بالتفصيل عند ثلاثة نماذج روائية تجمع بينها تغطية حقب تاريخية ماضوية، كما أنها مكتوبة بقلم مبدعات يمتلكن وعياً نسوياً يتمثل ببساطة في الوعي بوجود خلل في منظومة علاقات القوى في المجتمع ضد المرأة والسعى من خلال الكتابة الأدبية لمقاومة هذا الخلل. يتخذ المؤلف من روايات «سيدات القمر» للكاتبة العمانية جوخة الحارثي، و«النبيذة» للروائية العراقية إنعام كجه جى، و«غيوم فرنسية» للروائية المصرية ضحى عاصي، نماذج تطبيقية ترصد علاقة النص الأدبي بـ«الهوية الجندرية» والطبقة الاجتماعية والاستعمار والرؤى الوطنية. ويشير في البداية إلى أنه لم يهدف من وراء اختياره هذه الروايات للإيهام بتمثيل جغرافي عربي ما، ووجود مشترك بين الدول العربية في تاريخ حركاتها النسائية، ولا في نوعية مشكلات النساء فيها ومستواها، فمن وجهة نظره فإن التباين العربي العربي في كل النقاط السابقة أكبر من أن ينفيه أي عدد من النصوص الروائية يمكن لناقد أن يعالجها للإيهام بالحديث عن ظاهرة أدبية مجتمعية ثقافية تتعلق بالأمة العربية. ويلفت إلى أن اختياره للنصوص الروائية غير منفصل عن آلية التحليل التي تبناها في هذه الدراسة، وهي «الجندر» وتقاطعاته مع العرق والاستعمار والدين في ضوء التفات النظرية النسوية لذلك، وما ينسجم معها من مصطلحات نقدية مثل التمثيل والأصوات السردية. ويوضح أيضاً أنه ليس ممن يؤمنون بما ذهبت إليه المدرسة النسوية الأميركية من التعويل على الطبيعة البيولوجية للمؤلف للقول بسمات أدبية مشتركة بين كل جنس بيولوجي، ذكراً أو أنثى، وليس ممن يؤمنون بما ذهبت إليه المدرسة النسوية الفرنسية من عدم سيطرة المؤلف على نصه، وإنما يفضل أن يتعامل الناقد مع النصوص الأدبية بوصفها نصوصاً «مجندرة»، أي وضعتها مؤلفة ذات وعي مذكر أو وعي مؤنث، وبناء عليه يكون نصاً بوعي ذكوري أو نسوي. والمقصود بالجندر هنا «مجموعة من الخصائص التي تشكلت ثقافياً، ويتم إضفاؤها على الإناث والذكور لتحديد أدوراهم الاجتماعية في سياق تاريخي معين». وتتميز «سيدات القمر» بأنها تجمع بين كونها رواية تاريخية وكونها «رواية أجيال»، حيث تغطي مساحة زمنية تصل لنحو مائة وثلاثين عاماً تمتد من منتصف القرن التاسع عشر حتى ثمانينات القرن العشرين، وهي فترة زمنية طويلة شهدت انتقال سلطنة عمان من مرحلة المجتمع التقليدي القبلي الواقع تحت الاستعمار الإنجليزي إلى المجتمع المتحرر من الاستعمار في سعي حثيث نحو تكوين دولة حديثة. تربط المؤلفة بين تاريخ الأسرة الممتد عبر ثلاثة أجيال وتاريخ الوطن، وذلك من خلال تحولات أجيال أسرة عزان وسالمة بنت الشيخ مسعود وبناتهما: «ميا، خولة، أسماء» التي ارتبطت بعلاقة مصاهرة بعائلة التاجر «سليمان» المتوفاة زوجته من خلال زواج عبد الله بـ«ميا» ابنة عزان. سكنت العائلتان قرية معزولة اسمها «العوافي»، حتى تم الانتقال إلى مدينة مسقط مع الجيل الثاني بتكوين أسرة عبد الله وميا، وفيها نشأ وعاش الجيل الثالث وهم أبناؤهما «لندن، سالم، محمد». ولا تكتفي الرواية برصد العلاقات الاجتماعية بين أفراد العائلتين في حدود الانتقال داخل الوطن نفسه من القرية إلى المدينة، وإنما تنفتح زاوية الرؤية لتستحضر علاقة الذات العمانية بالآخر الغربي من خلال العلاقة الاستعمارية التي شهدها جيل «عزان وسالمة والتاجر سليمان». كما يرصد النص حالة الانبهار بالغرب والهجرة إليه من خلال هجرة ناصر ابن أخ عزان إلى كندا وزواجه من امرأة كندية، ثم عودته مضطراً للزواج من ابنة عمه خولة لاسترداد ميراثه، بحسب اشتراط أمه. وتستمد الرواية عنوانها «سيدات القمر» بالإشارة إلى أسطورة يونانية قديمة تقول بأن الإنسان كان أحادي الجنس، ثم انفصل إلى ذكر وأنثى، ومن ثم تصبح هذه الأسطورة مدخلاً لقراءة الرواية في ضوء علاقة «الهوية الجندرية» وتقاطعاتها، وكيفية حضورها عبر الأجيال وعبر مختلف العلاقات الاجتماعية، خصوصاً علاقة عزان بنجية، القمر التي عشقته فأثارت بشخصيتها الاستثنائية الصراع بين مؤسسة الزواج الشرعي التقليدي والعلاقة الحرة بين الرجل والمرأة. إن نجية العاشقة المعشوقة تحسن الفعل، في حين أن عزان يحسن الكلام، ومايا تحسن الصمت، أما عبد الله فكثير الكلام في مونولوغات عن علاقته بأبيه وبمايا زوجته وعلاقته بمحظية أبيه «ظريفة» وبغيرهم من الشخصيات عبر الرواية. من جهتها تتبنى إنعام كجه جي في رواية «النبيذة» سردية نسوية لتاريخ العراق الحديث تمتد على مدى ثمانين عاماً، تبدأ من القرن الماضي حيث تم تأسيس المملكة العراقية وحصولها على الاستقلال من الانتداب البريطاني عام 1932 وحتى سقوط بغداد في يد الجيش الأميركي 2003 وما تلا ذلك من ثورات «الربيع العربي». تتكئ الرواية على سبع شخصيات تاريخية واقعية، خمس منها كانت ثانوية لكنها تقاطعت بفاعلية مع الشخصيات الرئيسية المتخيلة في الرواية في لحظة من لحظات حياتها وهي: الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، والجزائري الأسبق أحمد بن بلة، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، والشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري والرئيس الفنزويلي تشافيز. أما الشخصيات الرئيسية المتخيلة في الرواية فهي ثلاث منها شخصيتان نسائيتان عراقيتان هما «تاج الملوك عبد المجيد» و«وديان»، أما الشخصية الثالثة فلرجل فلسطيني اسمه «منصور البادي». تبدأ الرواية مع «تاج الملوك»، وهي في مستشفى بباريس تعاني من أمراض الشيخوخة لنكتشف تدريجياً أن لها عدة أسماء تشير لتعدد هوياتها إلى درجة يصعب تخيلها دون تتبع رحلة الهوية الأنثوية المطاردة وهي تضيق بقالب واحد لهوية ضيقة ثابتة لا تستجيب بسهولة لحضورها الأنثوي دون مقايضة. وتعد رواية «غيوم فرنسية» لضحى عاصي قراءة نقدية لتاريخ مصر الحديث من منظور نسوي بامتياز، إذ ترصد المجتمع المصري في لحظة فارقة من لحظات تشكل هوية مصر المدنية الحديثة، وهي لحظة فشل الحملة الفرنسية (1798 - 1801) في الاستمرار في مصر التي كانت تابعة للخلافة العثمانية. والأهم هنا أن هذا الفشل الفرنسي يتم الخروج منه عبر تفاوضات بين الفرنسيين والعثمانيين، ما يجعل من الأفراد المصريين، رجالاً ونساء، أمام مأزق، حيث إن الصراعات العسكرية يتم تسويتها ظاهرياً على الأقل بالتفاوض بين المتصارعين، أما الأفراد فيخوضون رغماً عنهم صراعات ثقافية وجدانية لا يُعترف لهم فيها بالحق في الانحياز لمصالحهم إذا ما تعارضت مع ما يتصور الآخرون أنه في صالح الأمة.