أحدث الأخبار مع #السياسة_الأميركية


سكاي نيوز عربية
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- سكاي نيوز عربية
زيارة ترامب.. الإمارات تعيد تشكيل التوازنات الإقليمية
جاءت زيارة ترامب إلى العاصمة الإماراتية بعد أشهر فقط من فوزه بولاية ثانية، في لحظة تشهد فيها المنطقة سباقًا بين مشاريع النفوذ، وتبدلًا في معادلات القوة التقليدية، وتطلعًا من واشنطن إلى رسم دور مختلف عن السياسة الأميركية التي سادت خلال العقد الأخير. أبوظبي.. من قوة اقتصادية إلى محور استراتيجي في هذا السياق، قال الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني نضال خضرة خلال حديثه إلى سكاي نيوز عربية إن " أبوظبي باتت تلعب دورا أكثر ديناميكية، متجاوزة الحدود الاقتصادية إلى التأثير السياسي والأمني في المنطقة". خضرة أشار إلى أن الزيارة تأتي ضمن سياق واضح لإعادة تموضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، معتبراً أن الإمارات لم تعد مجرد حليف لوجستي أو مركز اقتصادي، بل باتت تشارك في بلورة استراتيجيات إقليمية وأمنية. وأوضح: "الإمارات تتعامل الآن من منطلق الشراكة لا التبعية، وهي توازن بين الانفتاح السياسي والانخراط الأمني دون المغامرة أو التهور". التحول في دور الإمارات جاء نتيجة مسار طويل من تعزيز الكفاءة الدبلوماسية والاستثمار الذكي في الملفات الإقليمية الحساسة، ما جعل أبوظبي اليوم قادرة على التحدث بلغة المصالح مع جميع الأطراف، بما في ذلك واشنطن وطهران وموسكو. ذهب نضال خضرة بعيداً في تحليل أبعاد زيارة ترامب ، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي يتطلع بجدية إلى جائزة نوبل للسلام ، وهو ما قد يفسر سعيه إلى طرح مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة. ترامب يعيد تشكيل الدور الأميركي من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي حسين عبد الحسين إن "ترامب عاد إلى الخليج ليؤكد أن الفراغ الذي تركته الإدارات السابقة لن يستمر". وأضاف عبد الحسين أن الزيارة لا تعني فقط دعما للعلاقات الثنائية، بل تحمل في طياتها رسائل أبعد، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي يسعى إلى بناء محور جديد من الحلفاء الإقليميين. وتابع: "الزيارة تمثل تحولا من سياسة الانكفاء إلى سياسة الانخراط المشروط، حيث تسعى واشنطن إلى استخدام أدواتها الاقتصادية والدبلوماسية لبناء تحالفات صلبة دون التورط العسكري المباشر". وأشار عبد الحسين إلى أن دول الخليج تملك أصولا سيادية تقارب 4.9 تريليون دولار، وتمثل نحو 37% من احتياطات النفط و33% من احتياطات الغاز العالمية. كما أكد أن الإمارات باتت في مقدمة الدول عالمياً في تقنيات الذكاء الاصطناعي ، وهو ما يفسر اهتمام ترامب بتعزيز الشراكة معها. وأضاف عبد الحسين: "الإمارات اليوم تحظى بإجماع سياسي دولي غير مسبوق. من بايدن إلى بوتين ، من ماكرون إلى شي جينبينغ ، الكل يصف الشيخ محمد بن زايد بأنه قائد استثنائي. وهذا يضع الإمارات في قلب معادلة الدبلوماسية العالمية الجديدة. أحد أبرز محاور التحليل للزيارة يتمثل في الرسائل غير المباشرة التي وجهها ترامب إلى طهران. وهو ما أكده المستشار السابق لوزارة الخارجية الأميركية، براين هوك، الذي قال: "ترامب يدرك أن إيران لم تتغير، وأن تقويض نفوذها في الخليج لا يكون عبر المواجهة المفتوحة، بل عبر تقوية الحلفاء وتعزيز منظومة الردع". هوك أشار إلى أن أبوظبي أصبحت أكثر من مجرد عاصمة اقتصادية، بل قاعدة متقدمة للردع الناعم، حيث تشارك بفاعلية في التصدي للتهديدات العابرة للحدود، وتستثمر في التكنولوجيا والدفاع والأمن السيبراني. وأكد هوك أن واشنطن تعمل على "مقاربة مزدوجة"، تجمع بين الردع الصارم والتحالفات الإقليمية الجديدة، وأن ترامب يرى أن الإمارات والسعودية تشكلان حجر الأساس في هذه الاستراتيجية. في مداخلة لافتة، قالت السفيرة الأميركية السابقة في الإمارات، مارسيل وهبة، إن سوريا كانت حاضرة بقوة في محادثات ترامب في أبوظبي، مشيرة إلى أن إدارة ترامب تسعى إلى إشراك الإمارات في إعادة إعمار سوريا ، وتعزيز الحلول السياسية التدريجية. وأضافت: "الإمارات باتت قناة تواصل فعالة مع دمشق، ويمكن أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة ربط سوريا بالمجتمع العربي، بعيدًا عن النفوذ الإيراني". تحليل وهبة يتقاطع مع الرؤية العامة للزيارة، التي تُظهر سعي واشنطن إلى توظيف الدور الإماراتي في ملفات معقدة تتطلب توازنًا بين الحزم والانفتاح. وتُعدّ سوريا نموذجًا لهذا النوع من الملفات، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى حل تدريجي طويل الأمد، مدعوم إقليميًا. التحليل العام للزيارة يعكس واقعًا جديدًا في الشرق الأوسط، تقوم فيه بعض العواصم الخليجية، وعلى رأسها أبوظبي، بدور يتجاوز الجغرافيا إلى التأثير العالمي. وقد استطاعت الإمارات أن تخلق لنفسها مساحة مستقلة، تجمع بين الصلابة الأمنية والانفتاح الاقتصادي. وفي ظل هذا الواقع، لم يكن غريبًا أن يختار ترامب أبوظبي كمحطة رئيسية في جولته الخليجية، لما تحمله من رمزية متقدمة على صعيد الأمن، والاقتصاد، والدبلوماسية، والتكنولوجيا. تشير زيارة ترامب إلى أبوظبي إلى أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة من التوازنات، تقوم على شراكات وتحالفات وعلى تبادل المصالح لا التبعية. وفي هذا الإطار، تبدو الإمارات مستعدة للعب دور محوري، اعتمادًا على رصيدها من العلاقات والخبرة، واستنادًا إلى رؤيتها الاستراتيجية في مقاربة التحديات الإقليمية والدولية. الزيارة كانت رسالة واضحة مفادها أن الخليج لم يعد على هامش السياسات الكبرى، بل في صلب التحولات، وأن الإمارات، تحديدا، باتت تمتلك مفاتيح التأثير، ليس فقط في محيطها، بل في صياغة المشهد الدولي المقبل.


العربية
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- أعمال
- العربية
الرياض وواشنطن: التحالف في الزمن الصعب
ليست زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى كل من السعودية والإمارات وقطر مجرّد محطة دبلوماسية عابرة، بل هي حدث مفصلي يأتي في لحظة إقليمية فارقة، تشهد فيها المنطقة تحوّلات كبرى ستُحدّد ملامح مستقبلها لعقود مقبلة. فالعالم بأسره يمرّ بمخاض سياسي واقتصادي عميق، يزداد تعقيداً مع السياسات الجريئة وغير المألوفة التي تنتهجها إدارة ترمب، والتي يمكن اعتبارها انقلاباً على ثوابت عمرها أكثر من ثمانين عاماً. أهمية هذه الزيارة تتضاعف كونها ستشكل الخطوط العريضة للسياسة الأميركية المقبلة في الشرق الأوسط، وهي سياسة ترتكز - في جوهرها - على منطق اقتصادي واستثماري يقوم على الشراكات والتحالفات المالية، لكن من الخطأ الاعتقاد أن إدارة ترمب تختزل علاقتها بالمنطقة في لغة الأرقام فقط، فهي تدرك تماماً أن الإقليم لا يُفهَم من دون قراءة عميقة لمعادلاته السياسية، حيث يتداخل الاقتصاد مع النفوذ، والاستثمار مع الأمن، والمصالح مع التاريخ. قد تكون رؤية ترمب ستستخدم هذه الشراكات الاقتصادية للعبور من خلالها إلى الشأن السياسي، وتسوية النزاعات على أسس وقواعد اقتصادية إنمائية تهدف إلى رفع مستويات المعيشة، وتحسين ظروف عيش الناس. هذه الشراكات ستعبّد الطريق، برأيه، لتغيير الواقع السياسي الذي ما زال يكرر نفسه بين حروب، ومبادرات سلام، ونزاعات أهلية دون اجتراح حلول خلاقة لمنطقة أكثر استقراراً أمناً وأماناً. العقبة الكبرى أمام المهمة - المقاربة الترمبية هي انطلاقه من شبه فراغ كون الإدارات المتعاقبة بغالبيتها لم تتبنَّ استراتيجيةً تجاه المنطقة، بل سياسات تعالج كل أزمة على حدة. والعقبة الثانية هي سياسة «أميركا أولاً» التي يستند إليها في حل النزاعات، وتثير قلق الحلفاء والأعداء، من تفاهمه مع الحوثيين من طرف واحد دون حل أزمة تهديدهم للملاحة البحرية، إلى اتفاق المعادن مع أوكرانيا دون تسوية أزمتها، إلى مطالبته بوقف النار في غزة دون أفق سياسي للنزاع، وإعفاء السفن الأميركية من رسوم المرور في قناة السويس. ويعرف ترمب أن ثمة عقبات أخرى أمام مشروعه، تبدأ من طهران ولا تنتهي ببيروت، ويتصدرها الشأن الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من العنف المفرط والانسداد السياسي. سوريا التي نجحت باقتلاع نظام الأسد غارقة وسط مشاكل كيانية وطائفية وإثنية، كلها عقبات أمام بناء دولة حديثة مستقرة. أما لبنان حامل معضلة «حزب الله»، والمعتاد على التعايش مع الأزمات، فيواجه خطر العودة إلى المراوحة جراء هموم الاحتلال الإسرائيلي، ومقاومة مَن تبقَّى من قيادات «حزب الله». كل ذلك مطبات أمام أهداف ترمب، لا سيما تفعيل التطبيع العربي الإسرائيلي وتوسيعه. في عمق هذه الأزمات العالقة، تواجه إسرائيل إشكالية بانخراطها في رؤية ترمب، وبوادر التباينات بدأت تلوح بينهما. المشكلة الأولى هي أن إسرائيل مسكونة بهاجس الأمن والحل العسكري الآني دون استراتيجية بعيدة المدى. تريد أخذ كل شيء دون أي تنازلات، وهذا ما يشكِّل عقبةً مهمةً أمام نجاح رؤية ترمب. إنما لا بد من الاعتراف بأنها نجحت في تقويض «حماس» و«حزب الله»، وسقوط الأسد، وإخراج إيران من سوريا ولبنان، ومهَّدت الطريق بشكل أو بآخر أمام أهدافه ومشاريعه في الإقليم. أما إيران، فتواجه خيارات صعبة بعد الهزائم التي لحقت بالحلفاء. المستجد هو التفاؤل بالتوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي، وهو رغبة مشتركة عند الفريقين. وإذا فشلت المفاوضات فتبقى خيارات إيران محصورة بين نتائج عمل عسكري أميركي، أو أميركي -إسرائيلي مشترك، أو تسوية تجرها مرغمةً إلى نادي الدول الطبيعية، لتنخرط في الاجتماع الدولي، ما قد يفتح الباب أمام أزمات في الداخل تبقى، مهما بلغت مخاطرها، أقل تكلفة من الحرب وتداعياتها على مستقبل النظام. من دون مفاجآت على الطريقة الترمبية بالاعتراف بدولة فلسطين، يدرك الجانب العربي صعوبة إحداث اختراق بالشأن الفلسطيني، بل المرجح هو وقف للنار في غزة، وإطلاق بعض الرهائن، وتقديم مساعدات إنسانية وغذائية، من دون التطرق إلى مستقبل القطاع أو مسار للتسوية الشاملة. كما يسيطر الخوف في المنطقة من أن تنسحب طريقة ترمب لحل الأزمات الأخرى على حل الأزمة مع إيران: الحد من النووي دون تقييد تحركها وتدخلاتها في المنطقة. أمام هذه التوقعات، لا بد من الإفادة عربياً مما يمكن أخذه من ترمب في هذه المرحلة بالشأن الفلسطيني، مهما كان هزيلاً كون إسرائيل الحالية غير مستعدة لتنازلات واقعية ومقبولة. التركيز الخليجي، خصوصاً السعودي، لا بد أن ينصب على اتفاقات التعاون الاستراتيجي والسياسي والأمني المتوقعة، ومتابعة السعي لإطار يحد من دور إيران الإقليمي بعد الاتفاق النووي إذا قُدِّر له أن يتحقق، ويحول دون الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار. الشراكة الاستراتيجية الأميركية - الخليجية، واحتواء الدور الإيراني عاملا مساعدة رئيسيان لشق المسار باتجاه الدولة الفلسطينية، بجهود شراكة عربية - أميركية مدعمة بعلاقات وثيقة وموثوقة تحفظ لدول الخليج مصالحها، وضمان عدم المساس بها لتلاقي رؤية ترمب للتطبيع في منتصف الطريق.


الشرق الأوسط
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
زيارة بتوقيت الشرق الأوسط
زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للخليج العربي تختلف عن زيارة أي رئيس أميركي سابق. فالتوقيت العالمي مزدحم بالحروب والصراعات، يُذكِّرنا بعشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، ورغم أن الشرق الأوسط يعاني من حروب متعددة ومركَّبة، فإنه يعد المكان الحيوي والصالح لترتيب أوضاع المسرح العالمي، فهو عصب الطاقة والمال والموقع الحاكم، والانطلاق منه بمثابة جواز مرور للنظام الدولي المحتمل. الرئيس ترمب يعي ذلك جيداً، فلديه مراكز تفكير خاصة به، لا تنتمي إلى مراكز التفكير الأميركية التقليدية، ويرى في الشرق الأوسط فرصة سانحة، وأرضاً بكراً، لتشكيل وتأكيد رؤيته: «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، ولا توجد منطقة عالمية أخرى تمثل له زخماً مثلما الحال في الشرق الأوسط، وبهذا يبتعد ترمب خطوات شاسعة عن السياسة الأميركية النمطية التي كانت تَعدّ إسرائيل رأس حربة صالحة لأميركا في الشرق الأوسط. ترمب يرى أن أصحاب الشرق الأوسط، الأكثرية، هم الرقم المهم للمصالح الأميركية الاستراتيجية المقبلة، وكان لافتاً أن يصرح السفير الأميركي لدى إسرائيل بأن أميركا لا تستأذن أحداً حين تقرر اتخاذ مواقف تصب في مصالحها، وكثيراً ما رأينا الرئيس ترمب يقُدم على اتخاذ خطوات لا تصب بالضرورة في مصالح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو؛ فمثلاً موقف ترمب من سوريا يختلف عن الموقف الإسرائيلي، وكذلك موقفه من الممرات البحرية والبحر الأحمر، وكذلك موقفه من المفاوضات غير المباشرة مع إيران، وكذلك موقفه من الزيارة التي خص بها المنطقة العربية بوصفها أول زيارة خارجية يقوم بها في ولايته الثانية، رغم الصراعات العميقة بين حليفته إسرائيل والمنطقة بالكامل. حقيبة ترمب تحمل ملفات كثيرة، يتساوى فيها الضيف والمضيف، فلكل طرف مصالح عميقة في اللقاء عند نقطة واحدة، فأوراق ترمب تتعلق بمستقبل الطاقة التقليدية من بترول وغاز، ذلك المستقبل الذي يجب أن يكون مفهوماً في سياق مشروعه الأميركي الجديد. أيضاً ثمة أوراق أخرى مهمة تؤكد جعل الممرات البحرية آمنة في الخليج العربي، والبحر الأحمر، وبحر العرب، والمضايق مثل: باب المندب وهرمز، ومنع القوى المنافسة الأخرى من الدخول على الخط، وطمأنة حلفائه العرب بأن أميركا الجديدة ستقدم لهم تصورات سياسية مختلفة، تقوم على الشراكة الاقتصادية والعلمية، والاحترام المتبادل، فمثلاً هناك اتفاق استراتيجي بين واشنطن والرياض في مشاريع الطاقة السلمية. لكنَّ مصالح العرب من هذه الشراكة تبدأ وتنتهي عند ضرورة وجود حل جذري وعادل في الأراضي الفلسطينية، والوصول إلى دولة فلسطينية حقيقية، يمكن أن تجعل أي اتفاقات أو اندماج لإسرائيل في المنطقة مقبولاً، وبغير ذلك تصبح كل هذه الشراكات منقوصة، وتدور في حلقة مفرغة. وترمب لا يرغب في الشراكات المنقوصة، فهو يرفع المصالح الأميركية العليا فوق أي اعتبار، حتى لو تعلَّق الأمر بإسرائيل، فضلاً عن أنه يريد تأكيد أنه رجل السلام، ويسعى للفوز بجائزة نوبل للسلام. في السياق ذاته، فإن الأوراق العربية قوية، ولا بد من استخدامها ببراعة، فلدى ترمب حاجة ماسة إلى تحقيق رؤية أميركية تختلف عن أي رؤية سابقة، فهو بالفعل يغادر نتائج الحرب العالمية الثانية، ويحاول طمس آثارها، وبناء ملامح أميركية جديدة، يتخلص فيها من أعباء حلف الناتو، وحماية الاتحاد الأوروبي، والتورط في حروب الإخوة السلاف (روسيا وأوكرانيا) أو جنوب آسيا أو شرق آسيا، أو حتى دعم إسرائيل بلا حدود. إزاء رغبة وأولوية ترمب في الشرق الأوسط، لما يمثله من جسر للوصول إلى تحقيق أحلامه، وسط موجات من الصراع على النفوذ، فإن الفرصة مواتية أمام العرب لوضع تصور شامل، وصياغة رؤية موحدة، لاستقرار الإقليم بالكامل، ووضع حد للحروب التي تنشأ بسبب وجود أكثر من رؤية في دول الإقليم العربي من جانب، وبسبب المطامح والمطامع الإسرائيلية المتطرفة التي تريد رسم خريطة تسيطر من خلالها على الشرق الأوسط، من جانب آخر. إن زيارة ترمب تمثل نقطة التقاء المصالح، ومن الفطنة السياسية تحويل هذه الزيارة إلى مشروع سياسي واستراتيجي، يقوم على قدم المساواة بين القوة الأميركية العظمى وبين أرض الحضارات والأديان. ومن دون اعتدال في كفتَي الميزان ستظل الحسابات مختلَّة.


الشرق الأوسط
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- أعمال
- الشرق الأوسط
الرياض وواشنطن: التحالف في الزمن الصعب
ليست زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى كل من السعودية والإمارات وقطر مجرّد محطة دبلوماسية عابرة، بل هي حدث مفصلي يأتي في لحظة إقليمية فارقة، تشهد فيها المنطقة تحوّلات كبرى ستُحدّد ملامح مستقبلها لعقود مقبلة. فالعالم بأسره يمرّ بمخاض سياسي واقتصادي عميق، يزداد تعقيداً مع السياسات الجريئة وغير المألوفة التي تنتهجها إدارة ترمب، والتي يمكن اعتبارها انقلاباً على ثوابت عمرها أكثر من ثمانين عاماً. أهمية هذه الزيارة تتضاعف كونها ستشكل الخطوط العريضة للسياسة الأميركية المقبلة في الشرق الأوسط، وهي سياسة ترتكز - في جوهرها - على منطق اقتصادي واستثماري يقوم على الشراكات والتحالفات المالية، لكن من الخطأ الاعتقاد أن إدارة ترمب تختزل علاقتها بالمنطقة في لغة الأرقام فقط، فهي تدرك تماماً أن الإقليم لا يُفهَم من دون قراءة عميقة لمعادلاته السياسية، حيث يتداخل الاقتصاد مع النفوذ، والاستثمار مع الأمن، والمصالح مع التاريخ. قد تكون رؤية ترمب ستستخدم هذه الشراكات الاقتصادية للعبور من خلالها إلى الشأن السياسي، وتسوية النزاعات على أسس وقواعد اقتصادية إنمائية تهدف إلى رفع مستويات المعيشة، وتحسين ظروف عيش الناس. هذه الشراكات ستعبّد الطريق، برأيه، لتغيير الواقع السياسي الذي ما زال يكرر نفسه بين حروب، ومبادرات سلام، ونزاعات أهلية دون اجتراح حلول خلاقة لمنطقة أكثر استقراراً أمناً وأماناً. العقبة الكبرى أمام المهمة - المقاربة الترمبية هي انطلاقه من شبه فراغ كون الإدارات المتعاقبة بغالبيتها لم تتبنَّ استراتيجيةً تجاه المنطقة، بل سياسات تعالج كل أزمة على حدة. والعقبة الثانية هي سياسة «أميركا أولاً» التي يستند إليها في حل النزاعات، وتثير قلق الحلفاء والأعداء، من تفاهمه مع الحوثيين من طرف واحد دون حل أزمة تهديدهم للملاحة البحرية، إلى اتفاق المعادن مع أوكرانيا دون تسوية أزمتها، إلى مطالبته بوقف النار في غزة دون أفق سياسي للنزاع، وإعفاء السفن الأميركية من رسوم المرور في قناة السويس. ويعرف ترمب أن ثمة عقبات أخرى أمام مشروعه، تبدأ من طهران ولا تنتهي ببيروت، ويتصدرها الشأن الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من العنف المفرط والانسداد السياسي. سوريا التي نجحت باقتلاع نظام الأسد غارقة وسط مشاكل كيانية وطائفية وإثنية، كلها عقبات أمام بناء دولة حديثة مستقرة. أما لبنان حامل معضلة «حزب الله»، والمعتاد على التعايش مع الأزمات، فيواجه خطر العودة إلى المراوحة جراء هموم الاحتلال الإسرائيلي، ومقاومة مَن تبقَّى من قيادات «حزب الله». كل ذلك مطبات أمام أهداف ترمب، لا سيما تفعيل التطبيع العربي الإسرائيلي وتوسيعه. في عمق هذه الأزمات العالقة، تواجه إسرائيل إشكالية بانخراطها في رؤية ترمب، وبوادر التباينات بدأت تلوح بينهما. المشكلة الأولى هي أن إسرائيل مسكونة بهاجس الأمن والحل العسكري الآني دون استراتيجية بعيدة المدى. تريد أخذ كل شيء دون أي تنازلات، وهذا ما يشكِّل عقبةً مهمةً أمام نجاح رؤية ترمب. إنما لا بد من الاعتراف بأنها نجحت في تقويض «حماس» و«حزب الله»، وسقوط الأسد، وإخراج إيران من سوريا ولبنان، ومهَّدت الطريق بشكل أو بآخر أمام أهدافه ومشاريعه في الإقليم. أما إيران، فتواجه خيارات صعبة بعد الهزائم التي لحقت بالحلفاء. المستجد هو التفاؤل بالتوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي، وهو رغبة مشتركة عند الفريقين. وإذا فشلت المفاوضات فتبقى خيارات إيران محصورة بين نتائج عمل عسكري أميركي، أو أميركي -إسرائيلي مشترك، أو تسوية تجرها مرغمةً إلى نادي الدول الطبيعية، لتنخرط في الاجتماع الدولي، ما قد يفتح الباب أمام أزمات في الداخل تبقى، مهما بلغت مخاطرها، أقل تكلفة من الحرب وتداعياتها على مستقبل النظام. من دون مفاجآت على الطريقة الترمبية بالاعتراف بدولة فلسطين، يدرك الجانب العربي صعوبة إحداث اختراق بالشأن الفلسطيني، بل المرجح هو وقف للنار في غزة، وإطلاق بعض الرهائن، وتقديم مساعدات إنسانية وغذائية، من دون التطرق إلى مستقبل القطاع أو مسار للتسوية الشاملة. كما يسيطر الخوف في المنطقة من أن تنسحب طريقة ترمب لحل الأزمات الأخرى على حل الأزمة مع إيران: الحد من النووي دون تقييد تحركها وتدخلاتها في المنطقة. أمام هذه التوقعات، لا بد من الإفادة عربياً مما يمكن أخذه من ترمب في هذه المرحلة بالشأن الفلسطيني، مهما كان هزيلاً كون إسرائيل الحالية غير مستعدة لتنازلات واقعية ومقبولة. التركيز الخليجي، خصوصاً السعودي، لا بد أن ينصب على اتفاقات التعاون الاستراتيجي والسياسي والأمني المتوقعة، ومتابعة السعي لإطار يحد من دور إيران الإقليمي بعد الاتفاق النووي إذا قُدِّر له أن يتحقق، ويحول دون الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار. الشراكة الاستراتيجية الأميركية - الخليجية، واحتواء الدور الإيراني عاملا مساعدة رئيسيان لشق المسار باتجاه الدولة الفلسطينية، بجهود شراكة عربية - أميركية مدعمة بعلاقات وثيقة وموثوقة تحفظ لدول الخليج مصالحها، وضمان عدم المساس بها لتلاقي رؤية ترمب للتطبيع في منتصف الطريق.


الشرق الأوسط
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
فانس: المحادثات النووية مع إيران «جيدة حتى الآن»
رحلة في عقل ترمب (3) خيوط العنكبوت: من يهمس في أذن الرئيس؟ في دهاليز السياسة الأميركية، حيث تتشابك المصالح وتتقاطع الأجندات، يبرز دونالد ترمب ظاهرةً فريدةً. فالرجل الذي عاد إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات من الغياب بات محوراً لشبكة معقدة من دوائر التأثير، يتداخل فيها الشخصي مع السياسي، والمالي مع الإعلامي، والجماهيري مع الآيديولوجي. ترمب ليس رئيساً تقليدياً، بل مشروعاً سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، يجمع بين المال والسلطة والإعلام في توليفة تجذب حولها شبكة معقدة من خيوط النفوذ تجتمع كلها تحت شعار واحد: «اجعل أميركا عظيمة مجدداً». في فترة ترمب الأولى، شهدت الإدارة تغييرات متكررة في المناصب الرئيسية بسبب خلافات جوهرية وصدام علني مع مسؤولين من التيار التقليدي. أما في الفترة الثانية، فنلاحظ توجهاً نحو تماسك أكبر، محوره الآيديولوجيا المشتركة، واختيار للشخصيات مبني على الولاءات أولاً. خيوط دائرية يحيكها بصمت عنكبوت الحُكم في البيت الأبيض، تترجم إلى سياسات وقرارات يستشعر وقعَ تحركاتها العالمُ أجمع. وهنا يبرز التساؤل: ما الدوائر التي تعمل وراء الكواليس لتصوغ القرارات، ومن يملك الجرأة والنفوذ ليهمس في أذن الرئيس؟ الدائرة الأولى: العائلة... الحصن المنيع في سابقة تختلف عن نهج الرؤساء السابقين، اختار ترمب منذ فترته الأولى دمج عائلته في صميم منظومة الحكم. وفي فترته الثانية، تستمر هذه الظاهرة وإن كانت بشكل مختلف. فبينما ابتعدت إيفانكا ترمب وزوجها جاريد كوشنر نسبياً عن الواجهة، برز دونالد ترمب جونيور مستشاراً غير رسمي في قضايا الطاقة والبيئة ولارا ترمب تولت منصباً قيادياً في اللجنة الوطنية الحزبية، لتعزز سيطرة العائلة على الحزب الجمهوري. وحتى جاريد كوشنر، رغم عدم توليه منصباً رسمياً، يستمر في التأثير على قرارات السياسة الخارجية، خاصة في ملفات الشرق الأوسط، مستفيداً من شبكة علاقاته التي بناها خلال الفترة الأولى. أما بارون ترمب، الابن الصامت الذي كبر بعيداً عن الأضواء، فقد فاجأ الجميع بمشاركته المؤثرة في الحملة الانتخابية، خاصة في استراتيجيات استهداف الجيل الجديد عبر «البودكاست». وكأن العائلة كلها تتحول تدريجياً إلى غرفة عمليات بديلة للبيت الأبيض. الدائرة الثانية: مهندسو مشروع 2025... الآيديولوجيا في السلطة في مفارقة سياسية لافتة، نجد أن ترمب الذي أنكر خلال حملته الانتخابية أي صلة «بمشروع 2025»، ووصفه بأنه «سخيف وبائس»، وهو مبادرة سياسية نشرتها مؤسسة «هيرتدج» تهدف لتغيير واسع النطاق في كل جوانب السلطة، إلا أنه عاد ليعين مؤلفي ومؤثري هذا المشروع في مناصب رئيسية في إدارته الجديدة. على رأس هؤلاء، راسل فوت، رجل الإدارة والميزانية، لا يرى نفسه موظفاً حكومياً بل «ترجمان عقل الرئيس» وقد شارك في كتابة فصل في مشروع 2025 حول السلطة الرئاسية. وفي تصريحات مثيرة له قال: «لن ننقذ بلادنا دون بعض المواجهة». إلى جانبه يقف ستيفن ميلر مهندس سياسات الهجرة، صاحب الجملة القاطعة: «أميركا للأميركيين» وهي رؤية بدأت تُترجم إلى سياسات فعلية في قرارات ترمب. كل من فوت وميلر، كما هو واضح، يشتركان مع ترمب في نظرته الصدامية، وإثارة الجلبة، والمواجهة الصاخبة. الدائرة الثالثة: رجال الأعمال... كفاءة أم مصالح؟ يُحيط دونالد ترمب بعدد من رجال الأعمال والدوائر الاقتصادية، منهم من مول برنامجه السياسي وآخرون لديهم معهم مصالح اقتصادية مشتركة. وفي خطوة جريئة وغير مسبوقة، عين ترمب الملياردير إيلون ماسك ورجل الأعمال فيفيك راماسوامي لقيادة «إدارة كفاءة الحكومة» الجديدة. قرار يعكس رغبة ترمب في إعادة كتابة قواعد اللعبة: الرئيس لا ينتظر موافقة الكونغرس، بل يتحرك كمن يقود شركة عملاقة. لكن هذا الطموح يصطدم بعواصف غضب من المؤسسات التقليدية، التي ترى في هذه التجربة تهديداً لـ«روح الدولة». تمثل دوائر رجال الأعمال المؤثرة في ترمب مزيجاً من قطاعات الطاقة والمال والتكنولوجيا والعقارات. والنفوذ الذي يُمارسونه، إما عبر التمويل المباشر، أو التأثير غير المباشر من خلال الإعلام والتشريعات الاقتصادية. الدائرة الرابعة: الموالون السياسيون... وتغيير الجلد ترمب يجيد فن استقطاب الأضداد. من ماركو روبيو، الذي هاجمه بشراسة عام 2016، ليصبح اليوم وزير خارجيته، إلى بيت هيغسيث، مذيع «فوكس نيوز» الذي يدير البنتاغون كمنصة إعلامية لا كوزارة دفاع. أما التعيين الأشد إثارة للجدل، فهو روبرت كينيدي جونيور وزيراً للصحة، في تحدٍ صارخ للمؤسسة الطبية الأميركية. ترمب لا يبحث عن خبراء، بل عن «محاربين»، حتى وإن كانوا خارج الصندوق... أو ضده. الدائرة الخامسة: الإعلام... سلاح لا يصدأ لم تعد وسائل الإعلام مرآة تعكس الحدث في عهد ترمب، بل شريكاً في صناعته. فوكس نيوز ونيوزماكس تجاوزتا حدود البث لتتحولا إلى غرف عمليات سياسية. الإعلام عند ترمب لا يراقب الدولة، بل يخدم سرديتها. وجود إعلامية بارزة مثل تاكر كارلسون، وشون هانيتي تلعب دوراً كبيراً في حياة ترمب السياسية، وفي زمن ما بعد التلفاز، يتقدم البودكاست كمنصة سياسية بديلة. أصوات مثل جو روجان ولوجان بول لم تعد مجرد «مؤثرين»، بل أصبحوا «وسطاء رأي»، ينقلون ترمب إلى الجيل Z بطريقة لا يجيدها أي حزب تقليدي. يتردد كثيراً أن ترمب علّق التعريفات الجمركية التي فرضها على العالم بعد أن شاهد لقاء لبعض رجال الأعمال على شاشة «فوكس نيوز»، وسط تغطية إعلامية صاخبة لردود الفعل السلبية في الأسواق المالية، مما اضطر ترمب إلى التحدث مع مستشاريه، بعد أن أعرب قادة الأعمال والاقتصاديون عن قلقهم من تأثير التعريفات الضار على التجارة والاقتصاد، وخلق ذلك سرداً يوحي بعدم اليقين الاقتصادي. الدائرة السادسة: مستشارو الظل وراء الكواليس، يتحرك رجال لا يظهرون في المؤتمرات الصحافية، لكن كلماتهم تُسمع في القرارات المفاجئة. يحيط ترمب نفسه بمجموعة من المستشارين في الظل، يعملون بصمت لصياغة أغلب قراراته الصادمة. ومن هؤلاء ستيفن ميران، وهو العقل الاقتصادي الأول للرئيس ويدعو لتأسيس نظام تجاري واقتصادي عالمي جديد. يأتي بعده كل من هوارد لوتنيك وجون بولسون، وهم من شخصيات وول ستريت، رجال المال والتجارة الذين يصيغون سياسات ترمب بلغة الأرقام والجمارك، لا الخطب. يضاف إليهم أيضاً بيتر نافارو الخبير الاقتصادي ومهندس السياسات الحمائية والتصعيد التجاري مع الصين. دونالد ترمب، في ولايته الثانية، لم يعد يُخفي معالم مشروعه. إنه لا يحكم بأدوات الدولة بل يعيد تشكيلها. يتحرك كمن يعلن أن «أميركا القديمة» لم تعد موجودة، وأن الزمن هو زمن القائد - لا المؤسسة. تحولات ترمب ليست إلا مرآة لأميركا، وتعبير عن تحولات عميقة داخل المجتمع الأميركي، حيث تتصارع النخب القديمة مع تحالفات جديدة تجمع بين المال والسياسة والدين. وتنتقل من الاعتماد على المؤسسات التقليدية إلى الولاءات الشخصية، ومن التوازن بين السلطات إلى تركيز السلطة في يد الرئيس. في حقبة ترمب الثانية، لم تعد السياسة الأميركية تُصنع في دوائر الحكم المعلنة، بل في مطبخ المصالح المتشابكة... وترمب، بجرأته وشخصيته المتفردة، حوّل هذا المطبخ إلى مصنع كبير. لكن السؤال الذي يظل معلقاً كخيط عنكبوت في غرفة القرار: هل هذه الخيوط محكمة كفاية لتبني بيتاً جديداً، أم أنها ستقع عند أول هبة ريح من الدولة العميقة؟