
الرياض وواشنطن: التحالف في الزمن الصعب
ليست زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى كل من السعودية والإمارات وقطر مجرّد محطة دبلوماسية عابرة، بل هي حدث مفصلي يأتي في لحظة إقليمية فارقة، تشهد فيها المنطقة تحوّلات كبرى ستُحدّد ملامح مستقبلها لعقود مقبلة. فالعالم بأسره يمرّ بمخاض سياسي واقتصادي عميق، يزداد تعقيداً مع السياسات الجريئة وغير المألوفة التي تنتهجها إدارة ترمب، والتي يمكن اعتبارها انقلاباً على ثوابت عمرها أكثر من ثمانين عاماً.
أهمية هذه الزيارة تتضاعف كونها ستشكل الخطوط العريضة للسياسة الأميركية المقبلة في الشرق الأوسط، وهي سياسة ترتكز - في جوهرها - على منطق اقتصادي واستثماري يقوم على الشراكات والتحالفات المالية، لكن من الخطأ الاعتقاد أن إدارة ترمب تختزل علاقتها بالمنطقة في لغة الأرقام فقط، فهي تدرك تماماً أن الإقليم لا يُفهَم من دون قراءة عميقة لمعادلاته السياسية، حيث يتداخل الاقتصاد مع النفوذ، والاستثمار مع الأمن، والمصالح مع التاريخ.
قد تكون رؤية ترمب ستستخدم هذه الشراكات الاقتصادية للعبور من خلالها إلى الشأن السياسي، وتسوية النزاعات على أسس وقواعد اقتصادية إنمائية تهدف إلى رفع مستويات المعيشة، وتحسين ظروف عيش الناس. هذه الشراكات ستعبّد الطريق، برأيه، لتغيير الواقع السياسي الذي ما زال يكرر نفسه بين حروب، ومبادرات سلام، ونزاعات أهلية دون اجتراح حلول خلاقة لمنطقة أكثر استقراراً أمناً وأماناً.
العقبة الكبرى أمام المهمة - المقاربة الترمبية هي انطلاقه من شبه فراغ كون الإدارات المتعاقبة بغالبيتها لم تتبنَّ استراتيجيةً تجاه المنطقة، بل سياسات تعالج كل أزمة على حدة. والعقبة الثانية هي سياسة «أميركا أولاً» التي يستند إليها في حل النزاعات، وتثير قلق الحلفاء والأعداء، من تفاهمه مع الحوثيين من طرف واحد دون حل أزمة تهديدهم للملاحة البحرية، إلى اتفاق المعادن مع أوكرانيا دون تسوية أزمتها، إلى مطالبته بوقف النار في غزة دون أفق سياسي للنزاع، وإعفاء السفن الأميركية من رسوم المرور في قناة السويس.
ويعرف ترمب أن ثمة عقبات أخرى أمام مشروعه، تبدأ من طهران ولا تنتهي ببيروت، ويتصدرها الشأن الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من العنف المفرط والانسداد السياسي. سوريا التي نجحت باقتلاع نظام الأسد غارقة وسط مشاكل كيانية وطائفية وإثنية، كلها عقبات أمام بناء دولة حديثة مستقرة. أما لبنان حامل معضلة «حزب الله»، والمعتاد على التعايش مع الأزمات، فيواجه خطر العودة إلى المراوحة جراء هموم الاحتلال الإسرائيلي، ومقاومة مَن تبقَّى من قيادات «حزب الله». كل ذلك مطبات أمام أهداف ترمب، لا سيما تفعيل التطبيع العربي الإسرائيلي وتوسيعه.
في عمق هذه الأزمات العالقة، تواجه إسرائيل إشكالية بانخراطها في رؤية ترمب، وبوادر التباينات بدأت تلوح بينهما. المشكلة الأولى هي أن إسرائيل مسكونة بهاجس الأمن والحل العسكري الآني دون استراتيجية بعيدة المدى. تريد أخذ كل شيء دون أي تنازلات، وهذا ما يشكِّل عقبةً مهمةً أمام نجاح رؤية ترمب. إنما لا بد من الاعتراف بأنها نجحت في تقويض «حماس» و«حزب الله»، وسقوط الأسد، وإخراج إيران من سوريا ولبنان، ومهَّدت الطريق بشكل أو بآخر أمام أهدافه ومشاريعه في الإقليم.
أما إيران، فتواجه خيارات صعبة بعد الهزائم التي لحقت بالحلفاء. المستجد هو التفاؤل بالتوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي، وهو رغبة مشتركة عند الفريقين. وإذا فشلت المفاوضات فتبقى خيارات إيران محصورة بين نتائج عمل عسكري أميركي، أو أميركي -إسرائيلي مشترك، أو تسوية تجرها مرغمةً إلى نادي الدول الطبيعية، لتنخرط في الاجتماع الدولي، ما قد يفتح الباب أمام أزمات في الداخل تبقى، مهما بلغت مخاطرها، أقل تكلفة من الحرب وتداعياتها على مستقبل النظام.
من دون مفاجآت على الطريقة الترمبية بالاعتراف بدولة فلسطين، يدرك الجانب العربي صعوبة إحداث اختراق بالشأن الفلسطيني، بل المرجح هو وقف للنار في غزة، وإطلاق بعض الرهائن، وتقديم مساعدات إنسانية وغذائية، من دون التطرق إلى مستقبل القطاع أو مسار للتسوية الشاملة. كما يسيطر الخوف في المنطقة من أن تنسحب طريقة ترمب لحل الأزمات الأخرى على حل الأزمة مع إيران: الحد من النووي دون تقييد تحركها وتدخلاتها في المنطقة. أمام هذه التوقعات، لا بد من الإفادة عربياً مما يمكن أخذه من ترمب في هذه المرحلة بالشأن الفلسطيني، مهما كان هزيلاً كون إسرائيل الحالية غير مستعدة لتنازلات واقعية ومقبولة. التركيز الخليجي، خصوصاً السعودي، لا بد أن ينصب على اتفاقات التعاون الاستراتيجي والسياسي والأمني المتوقعة، ومتابعة السعي لإطار يحد من دور إيران الإقليمي بعد الاتفاق النووي إذا قُدِّر له أن يتحقق، ويحول دون الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار.
الشراكة الاستراتيجية الأميركية - الخليجية، واحتواء الدور الإيراني عاملا مساعدة رئيسيان لشق المسار باتجاه الدولة الفلسطينية، بجهود شراكة عربية - أميركية مدعمة بعلاقات وثيقة وموثوقة تحفظ لدول الخليج مصالحها، وضمان عدم المساس بها لتلاقي رؤية ترمب للتطبيع في منتصف الطريق.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مباشر
منذ 29 دقائق
- مباشر
ريد بيرد توافق على شراء صحيفة تيليغراف البريطانية
مباشر- وافقت شركة ريد بيرد كابيتال بارتنرز على شراء صحيفة التلغراف في صفقة بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني (674 مليون دولار)، مما أنهى عامين من عدم اليقين بالنسبة لمجموعة الصحف البريطانية. وقالت شركة ريد بيرد كابيتال في بيان إن الشركة الاستثمارية الأميركية ستشتري المجلة من شركة ريد بيرد آي إم آي، وهي شركة تدعمها أيضاً وتملك الإمارات العربية المتحدة حصة الأغلبية فيها. أفادت شركة ريد بيرد أن مستثمرين بريطانيين في مجال الإعلام يجرون محادثات للانضمام إلى مجموعة الملكية الجديدة كمساهمين أقلية، دون أن تُسمّيهم. كما ستحتفظ شركة IMI، التابعة لنائب رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، بحصة صغيرة في الشركة ذات التوجه المحافظ، وذلك رهناً بالتشريعات البريطانية. طرحت شركة ريد بيرد آي إم آي صحيفة التلغراف للبيع قبل أكثر من عام، بعد أن أعلنت المملكة المتحدة عن خطط لمنع الدول الأجنبية من امتلاك الصحف. واستحوذت الشركة فعليًا على صحيفتي التلغراف وذا سبيكتاتور عام ٢٠٢٣ بعد اتفاقها على حزمة قروض بقيمة ٦٠٠ مليون جنيه إسترليني مع عائلة باركلي، المالكين السابقين. إلا أن ذلك أثار قلقًا في الأوساط السياسية والإعلامية بشأن التأثير المحتمل على حرية الصحافة، ما استدعى تدخل حكومة حزب المحافظين آنذاك. وضعت إدارة حزب العمال الحالية خططًا للسماح للدول الأجنبية بامتلاك ما يصل إلى 15% من الصحف البريطانية الرئيسية. وصرحت وزيرة الثقافة ليزا ناندي هذا الشهر بأن هذا التغيير المقترح سيحمي التعددية الإعلامية، ويساعد الناشرين المتعثرين على "جمع التمويل الضروري". أعلنت شركة ريد بيرد كابيتال، التي أسسها جيري كاردينالي ، أنها ستستثمر في العمليات الرقمية لصحيفة التلغراف لتعزيز الاشتراكات، بالإضافة إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. وستستهدف الشركة النمو الدولي، وخاصةً في الولايات المتحدة. شهدت شركة ريد بيرد كابيتال نشاطًا مكثفًا في صفقات الاستثمار خلال السنوات الأخيرة. فهي تمتلك حصة في شركة سكاي دانس ميديا ، التي من المقرر اندماجها مع عملاق التلفزيون والسينما باراماونت جلوبال ، وتمتلك نادي إيه سي ميلان الإيطالي لكرة القدم، كما أنها داعم لمجموعة فينواي سبورتس ، مالكة فريق بوسطن ريد سوكس للبيسبول ونادي ليفربول لكرة القدم . اشترت شركة RedBird IMI العام الماضي شركة All3Media ، وهي شركة الإنتاج التلفزيوني البريطانية التي تقف وراء عرض The Traitors . اشترى ملياردير صندوق التحوط بول مارشال مجلة "ذا سبيكتاتور" العام الماضي مقابل نحو 100 مليون جنيه إسترليني، ويرأس تحرير المجلة ذات النفوذ السياسي الآن وزير الحكومة المحافظ السابق مايكل جوف .


مباشر
منذ 29 دقائق
- مباشر
الصين تبيع 10% من أكبر شركة إدارة أصول لقطر
مباشر - وافقت الصين على شراء جهاز قطر للاستثمار، صندوق الثروة السيادي القطري، عشرة بالمئة في ثاني أكبر صندوق استثمار لديها، وهو أول استثمار من نوعه في القطاع من مستثمر كبير من الشرق الأوسط في وقت يتصاعد فيه التوتر مع الغرب. وأظهرت وثيقة رسمية صادرة عن هيئة تنظيم الأوراق المالية الصينية أمس الخميس أنها وافقت على أن يصبح جهاز قطر للاستثمار مساهما في الشركة الصينية تشاينا إيه.إم.سي لإدارة الأصول. ولم يتم الكشف بعد عن سعر الحصة. وتشير وثائق سابقة قدمها أكبر مساهم في تشاينا إيه.إم.سي إلى أن سعر العشرة بالمئة لن يقل عن 490 مليون دولار. وكانت رويترز أول من أورد في أبريل نيسان من العام الماضي اتفاق الصندوق السيادي القطري على الاستثمار في صندوق صيني. وسيصبح جهاز قطر للاستثمار ثالث أكبر مساهم في تشاينا إيه.إم.سي، التي تتجاوز قيمة أصولها 1.8 تريليون يوان (249.98 مليار دولار) وتوفر صناديق استثمار وصناديق متداولة في البورصة للمستثمرين من الأفراد والمؤسسات. وتمت الموافقة على الصفقة في ظل نشاط مكثف بين الصين ودول الخليج بهدف توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية والمالية بين الجانبين.


صحيفة سبق
منذ 39 دقائق
- صحيفة سبق
لا حج بلا تصريح... قوات أمن الحج تُفعّل طائرات مسيّرة وتقنيات حديثة لضبط المخالفين
فعّلت قوات أمن الحج منظومة من التقنيات الحديثة، من أبرزها الطائرات المسيّرة، والتي تُستخدم لمراقبة الحركة في المشاعر المقدسة وتحديد المخالفين الذين يحاولون أداء الحج بدون تصريح نظامي، وذلك ضمن جهودها لضمان أمن وسلامة ضيوف الرحمن خلال موسم حج هذا العام. ونشر حساب "الأمن العام" عبر منصة "X" مقطع فيديو لطائرة مسيّرة مزودة بكاميرا عالية الدقة تقوم بجولات رقابية لرصد المخالفين والمركبات التي تحاول التسلل وتحمل المخالفين لأداء الحج بدون تصريح في إشارة إلى مستوى التطور الذي وصلت إليه المنظومة الأمنية في موسم الحج، مؤكدًا التزام الجهات الأمنية بتطبيق شعار "لا حج بلا تصريح"، وتفعيل العقوبات بحق المخالفين. وتُعدّ هذه الطائرات جزءًا من خطة رقابية دقيقة تشمل تقنيات الذكاء الاصطناعي، والكاميرات الحرارية، ونقاط التفتيش المتقدمة، وتأتي ضمن جهود المملكة لتعزيز التحول الرقمي في قطاع الأمن وتقديم موسم حج آمن ومنظّم لجميع الحجاج.