أحدث الأخبار مع #العصرالفيكتوري


الجزيرة
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
مسلمات العصر الفيكتوري.. قصة شمعتين أضاءتا بريطانيا في عصر مظلم
يسعى مسلمون جدد في بريطانيا إلى بناء ذاكرتهم الجماعية، بالتنقيب في تاريخ الإسلام المبكّر، وتدوين وقائعه، وإبراز دور الشخصيات المؤثرة فيه. والحلقتان المميزتان من سلسلة 'مسلمو العصر الفيكتوري' المتعلقتان بمسلمتين 'فاطمة إليزابيث كيتس' و'الليدي زينب كوبولد' مثال جيّد على ذلك. فقد عاشت كلتاهما إسلامها على طريقتها الخاصّة العميقة، فمثلتا نموذجين مختلفين للمرأة البريطانية المسلمة. سلسلة 'مسلمو العصر الفيكتوري' هي من إخراج 'ستيفن لونغدي'، وقد أنتجتها قناة الجزيرة الوثائقية، وعرضتها على شاشتها. يعوّل المخرج 'ستيفن لونغدين' أساسا على ناشطين مسلمين متحمسين لإحياء التاريخ، منهم 'رون جيفز' و'إيفون ريدلي' و'أميرة سكرسبريك'، وعلى مؤرخين وباحثين في تاريخ الإسلام والمسلمين في بريطانيا، منهم حامد محمود و'يحيى بيرت' مؤلفا كتاب 'فاطمة ليفربول: قصة فاطمة كيتس، المرأة الفيكتورية التي أسهمت في تأسيس الإسلام البريطاني'، وعلى كتابات المرأتين الشخصية. 'فاطمة كيتس'.. داعية مصلحة اهتدت إلى الإسلام نشأت 'فرانسيس إليزابيث موراي' (1865-1900) في عائلة مسيحية صارمة من الطبقة العاملة، وتعد أول امرأة تدخل الإسلام في ليفربول. ومع أنّ والدها ذا الأصل الأيرلندي كان يشتغل حمالا، فقد أسعف الحظ البنت، فتلقت تعليمها برغم ظروف العائلة المادية، فكانت من أوائل المجموعات التي استفادت من قانون إجبارية التعليم عام 1870، واستطاعت أن تبني شخصيتها المستقلة المتمرّدة. دفعتها استقلاليتها هذه إلى الانخراط في 'حركة الاعتدال'، وهي حركة اجتماعية نشطت في الولايات المتحدة وبريطانيا، وعملت على نشر الديمقراطية، ومناهضة العبودية، وفرض الحقّ النقابي. كما عملت على الحدّ من استهلاك الخمور ضمن تصورها للمجتمع المتوازن، ثمّ تولت الكتابة العامة لفرع الحركة في ليفربول، أما الحدث الذي غيّر حياتها، فهو لقاؤها 'عبد الله هنري كويليام'، ناشر الإسلام في الأرخبيل البريطاني. فقد أوقد فضولها للتعرّف على الدين الإسلامي، حين ذكر في خطبة له أنّ من العظماء الذين تستلهم منهم الحركة قيمها النبي محمد ﷺ، 'العربي العظيم الذي لا يشرب الخمر'. ثم لمّا أبدت حماستها للإسلام نصحها بقراءة القرآن أولا، ومنحها نسخة مترجمة منه، قائلا: لا تُصدِّقي ما أقول وما يقوله الآخرون عن الإسلام، من الأفضل أن تكتشفي ذلك بنفسك، اقرئي القرآن. وفي يونيو/ حزيران من سنة 1887 أعلنت إسلامها، وسمّت نفسها فاطمة. مسلمة صابرة على الأذى في سبيل الله بعد ترسّخ قناعاتها الدينية، شاركت 'فاطمة إليزابيث كيتس' مع 'كويليام' و'علي هاميلتون' في تأسيس جمعية ليفربول الإسلامية (Liverpool Muslim Society). وتمثّل دورها في الدعوة إلى الإسلام، وشرح تعاليمه، فكانوا يلتقون يوم الجمعة في مبنى مستأجر للصلاة وحفظ القرآن والتفقه في الدين. ولكن تحريض مناوئيهم دفع صاحب العقار إلى إنذارهم بوجوب إخلاء محلّه سنة 1887. وبعد سنتين، انتقلت الجمعية إلى مبنى أكبر حجما وأكثر جذبا للناس، فتعاظم دورها وأشعت صورتها الدولية، ثم تولت فاطمة تمثيلها وطنيا ودوليا، ونشرت كتاباتها ذات البعد الديني شعرا ونثرا في مجلة الله أباد. ولم تكن طريقها إلى الإسلام سالكة، فقد لقيت عراقيل كثيرة، أولها عائلتها، فقد حاولت أمها أن تمنعها من قراءة المصحف، وأن تأخذه منها لإحراقه. وتنقل الحلقة عنها قولها: لقد لجأت إلى غرفتي، وأقفلت الباب، وواصلت قراءة القرآن، الذي اكتشفت فيما بعد أنه أفضل الكتب على الإطلاق. ثم غضب عليها الناس لترك دينها، حتى رُمي مسكنها بالحجارة، وكُسرت نوافذه مرارا، ولُطّخ وجهها بروث البغال. وقد زوجها أهلها عنوة للخلاص مما وجدوه عبئا عليهم، ومع أن المصادر تعلن إسلام زوجها، فقد مثّل هذا الاقتران عقبة جديدة، فلم تسلم فاطمة من أذاه، الذي بلغ حدّ الشروع في القتل. ولمّا طلبت حماية الشرطة، اصطدمت بقانون صادر عام 1857، يرفض طلب النساء للطلاق، فأسعفت بانفصال عن زوجها مدة سنة، ولكن رباطهما انتهى حقا، فقد عاشت منفصلة عنه حتى وفاته سنة 1895. وفي المعهد عطّل خصوم الجمعية اجتماعات أعضائها، فمنعوا دون دخولهم مقرها، ورموهم بالخضر والقمامة، واعتدوا عليهم جسديا. ولم تمنعها تلك العقبات من التمسك بدينها، والمضي في تكوين مجتمع إسلامي بريطاني، فعلى يديها أسلمت أختاها 'كلارا' و'آن'، ونسوة من ليفربول منهن 'بيرثا بومان'، و'هانا ورودا روبنسون'، و'ليا بانكس'، و'إيمي موكايش'. لم تعمّر هذه المرأة الاستثنائية طويلا، فقد أصيبت بأنفلونزا، خلّفت لها التهابا رئويا أودى بحياتها عام 1900. ومع أنها أقيمت لها مراسم دفن إسلامية بمقبرة 'أنفيلد'، فقد ظل قبرها بلا علامات وأهمل لاحقا، حتى أخذ حامد محمود -وهو أحد مسلمي هذا الجيل- على عاتقه تحديد موقعه وإعادة بنائه، ثم سمى باسمها مدرسته الدينية لإحياء ذكراها. 'زينب كوبولد'.. آثار الطفولة في البلاد العربية تنحدر 'إيفلين كوبولد' (1867-1965) من عائلة أرستقراطية، فقد كان والدها المستكشف 'إيرل دونمور السابع' يصطحب عائلته إلى ممتلكاته بشمال أفريقيا كل شتاء، هروبا من برد أسكوتلندا. لذلك فقد قضت أكثر طفولتها بين الجزائر والقاهرة، وخوّل لها ذلك أن تنغمس في أسلوب حياة العرب المسلمين، مستفيدة من براءة الأطفال وسلامتهم من التمييز العنصري والطبقي، فتعلمت العربية، وزارت المساجد، ونشأت على الانبهار بالشرق، وقد أثر ذلك في حياتها كلها. ولمّا بلغت سن الشباب تزوجت رجل أعمال ثريا من شرق إنجلترا، وقد كان متفهّما كرهها للحياة المستقرّة المترفة في إنجلترا، وتفضيلها حياة الإثارة والترحال، فاستأنفت رحلاتها إلى الشرق بدعم منه، بداية من 1911، قبل أن تدخل الإسلام. وفي عام 1912، نشرت كتابها الأول الذي يعرض رحلاتها تلك، بعنوان 'عابرة سبيل في الصحراء الليبية'، وفصّلت فيه مغامرات التخييم الممتعة في الصحراء وزيارة المساجد. 'لطالما كنت مسلمة في قلبي من دون أن أعي' ينقل الفيلم عن 'إيفلين موراي' قصّة إسلامها كما ترويها بنفسها لحفيدها. فتقول: مرّت عدة سنوات، وفي أحد الأيام كنت أقيم في روما مع بعض الأصدقاء الإيطاليين، فسألتني مضيفتي هل أرغب بزيارة البابا، فشعرت بسعادة غامرة، ولبست ثيابا سوداء وحجابا طويلا، ودخلت إلى حضرة البابا الموقّر مع مضيفي وأخته. وفجأة خاطبني حضرته وسألني هل أنا كاثوليكية، فصمتّ لحظة، ثم أجبته: أنا مسلمة. لا أستطيع أن أفسّر تماما ما دفعني إلى ذلك، فأنا لم أفكر في الإسلام سنين عددا، لكن ما حدث أربكني، وأنار شيئا في داخلي، فقد كنت عازمة على دراسة العقيدة الإسلامية، ولطالما كنت مسلمة في قلبي من دون أن أعي. ثم كتبتُ في مذكراتي: يسألونني متى ولماذا أصبحت مسلمة؟ فلا يسعني الرّد، فأنا لا أعرف اللحظة الدقيقة التي تفجرت فيها حقيقة الإسلام داخلي، لكن يبدو أنني كنت مسلمة دائما. سمت 'إيفلين' نفسها 'زينب كوبولد'، ثم عزمت على أداء فريضة الحج، لأنه أهم رحلة يخوضها المسلم، فطلبت من سفير السعودية في لندن أن يساعدها في مسعاها لتحقيق 'أمنيتها الأخيرة في الحياة'، ويبدو أن الأمر لم يكن هينا. يشرح الفيلم الصعوبات التي لقيتها، وينزّل زيارتها المفترضة ضمن سياقها السياسي، فقد تأسست الممالك العربية في شبه الجزيرة العربية على حساب الدولة العثمانية، وكانت علاقتها بالإمبراطورية البريطانية التي دعمتها تجمع بين الصداقة والحذر، ومن شأن مثل هذه الزيارة الغريبة يومئذ أن تثير الريبة، كما يرى الباحث في التراث الإسلامي البريطاني محمد صديق سدون. أضف إلى ذلك أن هذه المرأة كانت تنوي زيارة مكة بلا محرم، لذلك لم تتلق ردا سريعا من السلطات السعودية، ولم تستطع تحقيق حلمها إلا عام 1933، بعد مساعٍ كثيرة. يقرأ حفيدها الأصغر الذي يحتفظ بأرشيفها رسالتها إلى والده، وفيها تعبّر عن فخرها بكونها أول امرأة مسلمة بريطانية المولد تؤدي فريضة الحج. ويذكر أنها ألّفت بعد عودتها كتابا سردت فيه تفاصيل رحلتها المقدسة تلك، وقدمت المحاضرات وعرضت الصور. وتظهر الحلقة أنها أدّت المناسك بروح المستكشفة التي ورثتها من والدها. وبعد حجها بثلاثين سنة، توفيت في مركز لرعاية المسنين وقد بلغت 95 عاما، ودفنت في مرتفعات 'ويستروس' بأسكتلندا على وصيتها، بين الأيائل التي أدمنت صيدها، وقد صادف موتها موجة برد شديدة في التلال المتجمّدة، ولكن احتُرمت رغبتها في أن تدفن سريعا، على عادة المسلمين الذين يرون أن إكرام الميت دفنه. مسلمتان وتصوّران لإسلام المرأة البريطانية بعد إعادة اكتشاف قبر 'فاطمة إليزابيث كيتس' المهمل في مقبرة الأنفيلد سنة 2022، نُقش على شاهده الرخامي مقطع من شعرها، تستعرض فيه محنها التي واجهتها بعزيمة وصبر. ومنه: تتربص بنا جحافل من الأعداء مختبئين على امتداد الطريق علينا مواجهتهم بعزيمة لا تلين بالعمل والاجتهاد، والتضرع بالدعاء إنهم يراقبوننا، لينقضوا كوحوش كاسرة تبحث عن فريسة إذا غفلنا، ولو لحظة واحدة وتوقفنا عن العمل والدعاء فلنكن على يقظة من الإشارات التي أنعم الله بها علينا حتى نسير بأمان على الطريق.. الطريق الذي يقودنا إلى الجنة ف. إ. ك. (فاطمة إليزابيث كيتس)- (1892) ومقابل انخراط 'فاطمة إليزابيث كيتس' في إسلام نضالي دعوي، مثّل ارتباط الليدي 'زينب كوبولد' بالإسلام وبالشرق طريقة في الحياة، أكثر من كونه دخولا في ديانة، ومثّل تديّنها مسألة شخصية، فقد طوعته ليناسب حياتها الأرستقراطية المترفة. فلم تتخلّ عن أناقتها، وبقيت تعتمر القبعات والفساتين أو التنورات على طريقة سيدات المجتمع البريطاني، مع ما كان يميز رفقاءها المسلمين من المشايخ والأئمة من الالتزام، وكانوا يقبَلون منها ذلك، ولا يرون فيه حرجا. ولم تهجر هواية صيد الغزلان في مرتفعات أسكوتلندا، حيث كانت تمتلك منزلا، ومن خلال ألبوماتها التي يحتفظ بها حفيدها الأصغر تبدو فخورة بمهارتها وهي تقف بجانب فرائس الغزلان والأيائل الضخمة. هكذا مثلت 'فاطمة إليزابيث كيتس' الإسلام البريطاني النضالي، ومثلت 'الليدي زينب كوبولد' الإسلام الأرستقراطيّ الروحاني، ولا شكّ أنّ للبيئة الحضارية وللانتماء الطبقي لكلتيهما دورا في ذلك.


المغرب اليوم
٢٦-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- المغرب اليوم
نقوش الأزهار لمسة من الطبيعة تنعش ديكورات المنزل وتواكب الموضة
القاهرة - المغرب اليوم تضفي نقوش الأزهار إيقاعاً ولوناً على مساحات المنزل الداخليّة، مُحوّلةً ما هو عادي إلى استثنائي، ففي عالم يبدو فوضويّاً، تُضفي التصاميم الزهرية شعوراً بالسكينة والتواصل مع الطبيعة، مُخففةً من وطأة حياتنا اليومية. من ورق الجدران إلى الأقمشة المُستخدمة في تنجيد المفروشات، مروراً بالستائر والوسائد، تحلّ الأزهار على عناصر شتى في الديكور، ممّا يجعل كلّ غرفة فيه أشبه بحديقةٍ تبعث في النفس دفقةً من الفرح. نقوش الأزهار من مصر القديمة إلى الديكور المعاصر لطالما كانت الأنماط أو النقوش الزهرية ركناً أساسيّاً في عالم الموضة، أكان الأمر يتعلّق بالملابس أو ديكور المنزل ، فهذه الأنماط، بألوانها النابضة بالحياة وتصاميمها المُعقّدة، تُضفي لمسة من الأناقة والأنوثة أينما تحلّ. جدير بالذكر أن للأنماط الزهرية تاريخاً عريقاً يعود إلى قرون مضت، وإلى حضارات قديمة مثل مصر وبلاد ما بين النهرين. فقد اشتهر المصريون، على وجه الخصوص، بزخارفهم المُعقّدة المُستوحاة من زهرة اللوتس وورق البردي، وذلك للترميز إلى التجدّد والخصوبة. لم تقتصر هذه الزخارف على الملابس فحسب، بل استُخدمت أيضاً في الاحتفالات الدينية والتصاميم المعمارية. وبالمثل، استخدم سُكّان بلاد ما بين النهرين الزخارف الزهرية لتمثيل الطبيعة ووفرة الأرض. تضمّنت تصاميمهم أزهاراً ونباتات مُنمّقة، تُظهر ارتباطهم بالعالم الطبيعي. مع مرور الوقت، انتشرت الزخارف الزهرية عبر ثقافات مختلفة، حيث أضافت كل حضارة لمستها الفريدة إلى التصاميم. على سبيل المثال، أدرج الإغريق الزخارف الزهرية في فخارهم ومنسوجاتهم، مُصوّرين مشاهد من الأساطير والحياة اليومية. شكّل العصر الفيكتوري نقطة تحوّل مُهمّة؛ فقد أدّى حبّ الملكة فيكتوريا للأزهار إلى انتشار الزخارف الزهرية، بخاصّة في ملابس النساء. لذلك، زيّنت الورود الرقيقة والأقحوانات وغيرها من الأزهار الفساتين والأكسسوارات، ممّا خلق جماليّة رومانسيّة وأنثوية. وأصبحت المطبوعات الزهرية رمزاً للأناقة والرقي، عاكسةً مُثُل العصر الفيكتوري في التواضع والجمال. اعتمدت نساء ذلك العصر الأنماط الزهرية ليس لجاذبيتها الجمالية فحسب، بل أيضاً كوسيلة للتعبير عن أنوثتهن ومكانتهن الاجتماعية. ولم تقتصر الزخارف الزهرية على الملابس بل شقّت طريقها أيضاً إلى ديكور المنزل، حيث أصبح كل من ورق الجدران والمفروشات الزهرية خيارات شائعة للديكورات الداخلية الفيكتورية. صوفا منجدة بقماش مطبوع بالأزهار في الوقت الراهن، تستمرّ الأنماط الزهرية في التطوّر والتكيف مع الأنماط المعاصرة؛ فقد أدرج المصممون زخارف زهرية جريئة ومُجرّدة في مجموعاتهم، جامعين بين العناصر الكلاسيكية والحديثة، إذ يتيح تنوّع الأنماط الزهرية تفسيرات إبداعية لا حصر لها. من الأزهار الكبيرة والنابضة بالحياة إلى الأزهار الرقيقة والدقيقة، هناك نمط أو نقش زهري يناسب ذوق كل فرد وأسلوبه. 5 أسباب تجعل من نقوش الأزهار دارجة على الدوام تعدّد الاستخدامات: من أهم أسباب "صمود" الطبعات الزهرية أمام اختبار الزمن هو تعدّد استخداماتها، إذ يُمكن تنسيق هذه النقوش مع مجموعةٍ واسعةٍ من عناصر الديكور، مثل: ورق الجدران والأقمشة المستخدمة في تنجيد الأثاث والستائر وتغليف الوسائد والسجاد. التواصل مع الطبيعة: تُجسّد الطبعات الزهرية جمال الطبيعة وصفائها. ففي عالمٍ تسيطر عليه التكنولوجيا والاصطناعية بشكلٍ متزايد، تربطنا هذه التصاميم بالعالم الطبيعي وتُذكّرنا بجمال الأزهار الزائل. إضافة إلى ذلك، للأزهار معنى رمزي عميق في العديد من الثقافات، إذ ترتبط بالتجدّد والحبّ والحياة نفسها، ممّا يمنحها صدىً عاطفيّاً دائماً. القدرة على التكيّف مع مختلف الأنماط والعصور: سواءً أكانت طبعات زمن الستينيّات من القرن الماضي الجذّابة أو التصاميم الجريئة اليوم، لطالما كانت الأزهار جزءاً لا يتجزّأ من عالم موضة الديكور. قدرة النقوش على التكيّف مع الأنماط والعصور المختلفة تضمن لها مكانةً في أي منزل في أي لحظة من التاريخ. التعبير عن الشخصيّة: تتيح الطبعات الزهرية لكلّ صاحبة منزل، التعبير عن شخصيتها وفرديّتها. سواء أكانت تُفضّل طبعة زهرية جريئة وجذّابة أو طبعة أكثر رقّةً، فلا حصر للخيارات. إلهام فنّي مستمر: لطالما ألهم جمال الأزهار الفنّانين والمُصمّمين عبر التاريخ، ولا يزال هذا المصدر اللامتناهي للإلهام يُغذّي الإبداع في عالم الموضة المعاصرة. من الانطباعيين إلى مُصمّمي الأزياء والديكور الأكثر طليعيّة، كانت الأزهار مصدر إلهام فنّي دائم. فتنوع أشكالها وألوانها وملمسها يتيح إمكانيات لا حصر لها للإبداع والتجريب في عالم التصميم المتداخل. نقوش الأزهار وموضة ديكور المنزل في 2025 في العام الجاري (2025)، يزدهر اتجاه تصميمي واحد يتفوّق على غيره: الأزهار الخضراء. يجمع هذا الاتجاه بين التأثيرات المُهدّئة للون الأخضر وجاذبية الأنماط الزهرية الخالدة، علماً أن اللون الأخضر عبارة عن حالة مزاجية مريحة، تخلق بيئةً هادئةً في المساحات داخل المنزل، سواءً استُخدم في غرف النوم أو المعيشة أو المكتب المنزلي. في هذا الإطار، سيضفي ورق الجدران الأخضر المنقوش بالأزهار لمسةً من الأناقة وسيعزّز الاسترخاء. لكن، تدعو النصيحة إلى تنسيق ورق الجدران المزهر الأخضر مع أثاث محايد وعناصر ذات ملمس طبيعي مثل الخشب أو الحجر. في العموم، تسترجع نقوش الأزهار حقبةً كلاسيكيّةً، إلا أن جعلها معاصرة لناحية الأسلوب يتحقق من خلال اختيار النقوش جريئة وكبيرة. غرفة طعام معاصرة مميزة بعناصرها، لا سيما ورق الجدران المنقوش بالأزهار جدير بالذكر أن التصميم البيوفيلي، هو نهج يدمج عناصر طبيعيّة بالديكور الداخلي، ويهيمن في عام 2025. تُجسّد الأزهار الخضراء هذا المفهوم ببراعة، حيث تُضفي لمسةً من الطبيعة على الداخل وتُعزّز التواصل مع الطبيعة. سواء أكانت قارئة هذه السطور تعيش في شقّة صغيرة في ضواحي المدينة أو منزل فسيح، يُمكن لورق الجدران الأخضر المُزيّن بالأزهار أن يُحوّل مساحتها إلى ملاذٍ غنيّ مُفعم بالحياة والترحاب. لإتمام المظهر، تصحّ إضافة وحداتٍ ذهبية أو نحاسيةً للمسةٍ من الفخامة، ونباتاتٍ خضراء في أصص لتعزيز الطابع الطبيعي، مع توزيع قطع أثاث بسيطة لغرض إبراز ورق الجدران المنقوش بالأزهار. طرق دمج المطبوعات الزهرية بديكور منزلك الكنب أو الكراسي الجانبية ذات الأقمشة المنجدة والمطبوعة بطبعات الأزهار. زاوية هادئة في المنزل وسائد الكنب. ستائر غرفة النوم أو غرفة الجلوس أو الحمّام. مفروشات السرير. السجاد. رأسية السرير (هيدبورد). لا حصر للأفكار المتعلقة؛ اجعلي ذوقك موجهاً لك، فالنقوش الزهرية تجعل منزلك مفعماً بالنضارة والأنوثة. موضة ألوان طلاء الجدران لعام 2024


مجلة سيدتي
٢٤-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- مجلة سيدتي
نقوش الأزهار تنعش ديكورات المنزل وتجعلها مواكبة للموضة على الدوام
تضفي نقوش الأزهار إيقاعاً ولوناً على مساحات المنزل الداخليّة، مُحوّلةً ما هو عادي إلى استثنائي، ففي عالم يبدو فوضويّاً، تُضفي التصاميم الزهرية شعوراً بالسكينة والتواصل مع الطبيعة، مُخففةً من وطأة حياتنا اليومية. من ورق الجدران إلى الأقمشة المُستخدمة في تنجيد المفروشات، مروراً بالستائر والوسائد، تحلّ الأزهار على عناصر شتى في الديكور، ممّا يجعل كلّ غرفة فيه أشبه بحديقةٍ تبعث في النفس دفقةً من الفرح. نقوش الأزهار من مصر القديمة إلى الديكور المعاصر لطالما كانت الأنماط أو النقوش الزهرية ركناً أساسيّاً في عالم الموضة، أكان الأمر يتعلّق بالملابس أو ديكور المنزل، فهذه الأنماط، بألوانها النابضة بالحياة وتصاميمها المُعقّدة، تُضفي لمسة من الأناقة والأنوثة أينما تحلّ. جدير بالذكر أن للأنماط الزهرية تاريخاً عريقاً يعود إلى قرون مضت، وإلى حضارات قديمة مثل مصر وبلاد ما بين النهرين. فقد اشتهر المصريون، على وجه الخصوص، بزخارفهم المُعقّدة المُستوحاة من زهرة اللوتس وورق البردي، وذلك للترميز إلى التجدّد والخصوبة. لم تقتصر هذه الزخارف على الملابس فحسب، بل استُخدمت أيضاً في الاحتفالات الدينية والتصاميم المعمارية. وبالمثل، استخدم سُكّان بلاد ما بين النهرين الزخارف الزهرية لتمثيل الطبيعة ووفرة الأرض. تضمّنت تصاميمهم أزهاراً ونباتات مُنمّقة، تُظهر ارتباطهم بالعالم الطبيعي. مع مرور الوقت، انتشرت الزخارف الزهرية عبر ثقافات مختلفة، حيث أضافت كل حضارة لمستها الفريدة إلى التصاميم. على سبيل المثال، أدرج الإغريق الزخارف الزهرية في فخارهم ومنسوجاتهم، مُصوّرين مشاهد من الأساطير والحياة اليومية. شكّل العصر الفيكتوري نقطة تحوّل مُهمّة؛ فقد أدّى حبّ الملكة فيكتوريا للأزهار إلى انتشار الزخارف الزهرية، بخاصّة في ملابس النساء. لذلك، زيّنت الورود الرقيقة والأقحوانات وغيرها من الأزهار الفساتين والأكسسوارات، ممّا خلق جماليّة رومانسيّة وأنثوية. وأصبحت المطبوعات الزهرية رمزاً للأناقة والرقي، عاكسةً مُثُل العصر الفيكتوري في التواضع والجمال. اعتمدت نساء ذلك العصر الأنماط الزهرية ليس لجاذبيتها الجمالية فحسب، بل أيضاً كوسيلة للتعبير عن أنوثتهن ومكانتهن الاجتماعية. ولم تقتصر الزخارف الزهرية على الملابس بل شقّت طريقها أيضاً إلى ديكور المنزل ، حيث أصبح كل من ورق الجدران والمفروشات الزهرية خيارات شائعة للديكورات الداخلية الفيكتورية. في الوقت الراهن، تستمرّ الأنماط الزهرية في التطوّر والتكيف مع الأنماط المعاصرة؛ فقد أدرج المصممون زخارف زهرية جريئة ومُجرّدة في مجموعاتهم، جامعين بين العناصر الكلاسيكية والحديثة، إذ يتيح تنوّع الأنماط الزهرية تفسيرات إبداعية لا حصر لها. من الأزهار الكبيرة والنابضة بالحياة إلى الأزهار الرقيقة والدقيقة، هناك نمط أو نقش زهري يناسب ذوق كل فرد وأسلوبه. 5 أسباب تجعل من نقوش الأزهار دارجة على الدوام لماذا لا تزال الطبعات الزهرية رائجة؟ تعدّد الاستخدامات: من أهم أسباب "صمود" الطبعات الزهرية أمام اختبار الزمن هو تعدّد استخداماتها، إذ يُمكن تنسيق هذه النقوش مع مجموعةٍ واسعةٍ من عناصر الديكور، مثل: ورق الجدران و الأقمشة المستخدمة في تنجيد الأثاث والستائر وتغليف الوسائد والسجاد. التواصل مع الطبيعة: تُجسّد الطبعات الزهرية جمال الطبيعة وصفائها. ففي عالمٍ تسيطر عليه التكنولوجيا والاصطناعية بشكلٍ متزايد، تربطنا هذه التصاميم بالعالم الطبيعي وتُذكّرنا بجمال الأزهار الزائل. إضافة إلى ذلك، للأزهار معنى رمزي عميق في العديد من الثقافات، إذ ترتبط بالتجدّد والحبّ والحياة نفسها، ممّا يمنحها صدىً عاطفيّاً دائماً. القدرة على التكيّف مع مختلف الأنماط والعصور: سواءً أكانت طبعات زمن الستينيّات من القرن الماضي الجذّابة أو التصاميم الجريئة اليوم، لطالما كانت الأزهار جزءاً لا يتجزّأ من عالم موضة الديكور. قدرة النقوش على التكيّف مع الأنماط والعصور المختلفة تضمن لها مكانةً في أي منزل في أي لحظة من التاريخ. التعبير عن الشخصيّة: تتيح الطبعات الزهرية لكلّ صاحبة منزل، التعبير عن شخصيتها وفرديّتها. سواء أكانت تُفضّل طبعة زهرية جريئة وجذّابة أو طبعة أكثر رقّةً، فلا حصر للخيارات. إلهام فنّي مستمر: لطالما ألهم جمال الأزهار الفنّانين والمُصمّمين عبر التاريخ، ولا يزال هذا المصدر اللامتناهي للإلهام يُغذّي الإبداع في عالم الموضة المعاصرة. من الانطباعيين إلى مُصمّمي الأزياء والديكور الأكثر طليعيّة، كانت الأزهار مصدر إلهام فنّي دائم. فتنوع أشكالها وألوانها وملمسها يتيح إمكانيات لا حصر لها للإبداع والتجريب في عالم التصميم المتداخل. نقوش الأزهار وموضة ديكور المنزل في 2025 في العام الجاري (2025)، يزدهر اتجاه تصميمي واحد يتفوّق على غيره: الأزهار الخضراء. يجمع هذا الاتجاه بين التأثيرات المُهدّئة للون الأخضر وجاذبية الأنماط الزهرية الخالدة، علماً أن اللون الأخضر عبارة عن حالة مزاجية مريحة، تخلق بيئةً هادئةً في المساحات داخل المنزل، سواءً استُخدم في غرف النوم أو المعيشة أو المكتب المنزلي. في هذا الإطار، سيضفي ورق الجدران الأخضر المنقوش بالأزهار لمسةً من الأناقة وسيعزّز الاسترخاء. لكن، تدعو النصيحة إلى تنسيق ورق الجدران المزهر الأخضر مع أثاث محايد وعناصر ذات ملمس طبيعي مثل الخشب أو الحجر. في العموم، تسترجع نقوش الأزهار حقبةً كلاسيكيّةً، إلا أن جعلها معاصرة لناحية الأسلوب يتحقق من خلال اختيار النقوش جريئة وكبيرة. جدير بالذكر أن التصميم البيوفيلي ، هو نهج يدمج عناصر طبيعيّة بالديكور الداخلي، ويهيمن في عام 2025. تُجسّد الأزهار الخضراء هذا المفهوم ببراعة، حيث تُضفي لمسةً من الطبيعة على الداخل وتُعزّز التواصل مع الطبيعة. سواء أكانت قارئة هذه السطور تعيش في شقّة صغيرة في ضواحي المدينة أو منزل فسيح، يُمكن لورق الجدران الأخضر المُزيّن بالأزهار أن يُحوّل مساحتها إلى ملاذٍ غنيّ مُفعم بالحياة والترحاب. لإتمام المظهر، تصحّ إضافة وحداتٍ ذهبية أو نحاسيةً للمسةٍ من الفخامة، ونباتاتٍ خضراء في أصص لتعزيز الطابع الطبيعي، مع توزيع قطع أثاث بسيطة لغرض إبراز ورق الجدران المنقوش بالأزهار. طرق دمج المطبوعات الزهرية بديكور منزلك إضافة إلى ورق جدران، إليك طرق دمج المطبوعات الزهرية بديكور منزلك: الكنب أو الكراسي الجانبية ذات الأقمشة المنجدة والمطبوعة بطبعات الأزهار. وسائد الكنب. ستائر غرفة النوم أو غرفة الجلوس أو الحمّام. مفروشات السرير. السجاد. رأسية السرير (هيدبورد). لا حصر للأفكار المتعلقة؛ اجعلي ذوقك موجهاً لك، فالنقوش الزهرية تجعل منزلك مفعماً بالنضارة والأنوثة.


الجزيرة
١٩-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
'روبرت رشيد ستانلي'.. الرجل الذي أخفت عائلته إسلامه عن أحفادها
تبدأ الحلقة الأولى من السلسلة الوثائقية 'مسلمو العصر الفيكتوري' بمشاهد داخلية من منزل 'ستيفن لونغدين'، وهو مسيحي ملتزم يدفعه ولعه بالبحث في الأديان إلى الدخول في الإسلام منذ كان ابن 20 سنة، والذهاب إلى القاهرة لتعلم العربية. ويسعفنا حوار مع أفراد عائلته بالمعلومة الضرورية، التي تمثل لنا قاعدة بيانات، نفهم بها مرامي الحلقة. فهو يستعدّ مع زوجته وابنه لاستقبال العائلة الموسعة، التي تمثل نموذجا للترابط الأسري في المجتمع الإنجليزي المحافظ، مع تعدّد انتماءات أفرادها الدينية التي تتوزع بين مسيحيين ومسلمين ولا دينيين. خبر الإسلام الذي فاجأ العائلة ليست دعوة الأهل حدثا عابرا، فاللقاء مرتب يحاول فيه أن يميط اللثام عن سر جدّه الأكبر 'روبرت رشيد ستانلي' (1828-1911) لعموم المتفرّجين، بعد أن تكتم أسلافه على هويته الدينية، وأبقوا إسلامه مخفيا لمدة قرن تقريبا بعد وفاته. وسيمثل هذا اللقاء القادح الذي سيحكم السلسلة بأسرها، وهو الكشف عن عدد كبير من القصص المشابهة عن مسلمي العصر الفيكتوري في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد كان والده 'بريان' قد اهتم في أواخر التسعينيات بتاريخ العائلة إثر تقاعده، وإذا بقريب له يمنحه نسخة ممزقة من مجلة تسمى 'الهلال' بتاريخ أبريل/نيسان 1907، فيها خبر عن هذا الجد الأكبر، فكان الطربوش التركي الذي يلبسه والتأكيد على إسلامه -في متن المقالة- مفاجأة هزّت العائلة المسيحية الإسرائيلية التقليدية، وقد استدرجتنا هذه الحلقة إلى قصة إسلام 'ستيفن' أولا، ثم أخذتنا إلى القصة الأعمق المتعلّقة بسيرة هذا الجد السرية. تاريخ الجد المدفون.. حرج أصبح مجدا للعائلة ظلت سيرة 'روبرت رشيد ستانلي' طي الكتمان، فقد تكتم أهله على إسلامه، حتى زال من الأذهان، ولم يكتشف إلا صدفة. فهل يعني هذا أن الأسلاف كانوا يرون ذلك عملا معيبا، ووجدوا أن دفنه في مقبرة المسيحيين -مع وجود مقبرة للمسلمين- عملية شطب لتاريخه وغسل للعار الذي لحق بالعائلة؟ مهما يكن من أمر، ففي حضور العائلة اليوم للتداول في سيرة جدهم إعادة اعتبار له، وإعلان للفخر بسيرته، يؤكده احتفاؤها بما بقي لديها من أشيائه القليلة. فالأب 'بريان' يحتفظ بدبوس ربطة عنق قد وجده في صندوق مجوهرات والدته، ويعرض طربوشه الذي منحه أحد أبناء عمومته المسنين. وفي الحالين تتضح هويته الدينية، فالهلال والنجمة اللذان يحليان الدبّوس الفضي يرمزان إلى أركان الإسلام الخمس، أما الطربوش الأحمر فقد ارتبط بالأتراك، وبتأثيرهم في العالم الإسلامي من الشام إلى المغرب الكبير، ووضعه إعلان لهذه الهوية الدينية الإسلامية على رؤوس الملأ. ويتجلى فخر 'كريستينا لونغدين' -أخت 'ستيفن' الكبرى- في إجرائها بحوثا معمقة حول هذا الجد، وتأليفها أثرين من منطلقها؛ أما الكتاب الأول 'الرجل الفريد والمسلم الفيكتوري المخفي: حياة روبرت رشيد ستانلي وعصره'، فتتقمص فيه دور الباحث في التاريخ على نحو ما. ثم تنزع منزع التخييل في الكتاب الثاني 'لنتخيل روبرت: مشاهد من حياة روبرت رشيد ستانلي'، الذي كتبت البارونة سعيدة وارسي في تقديمه أنه 'متجذر في الماضي، وشخصي للغاية، ويشكل حاضرنا.. قراءة ضرورية تظهر في الوقت المناسب الذي يدور فيه نقاش حول الهوية والانتماء'. ويحتفل 'ستفين' بسَلفه، لا سيما وهو يشترك معه في الإسلام، فيسمي ابنه الأصغر 'روبرت رشيد'، ويعمل على مزيد من التقصي حول هذا الجد، فيرافق ابنة أخته الطالبة الشغوفة 'روبي'، لتشاركه رحلته في البحث عن الجذور، وإعادة تشكيل صورة هذا الجد. 'روبرت رشيد ستانلي'.. مسيرة بقّال مثقف متمرد لكي نفهم مزاج 'روبرت رشيد ستانلي' وتربيته والبيئة التي أثرت فيه، يعود الفيلم إلى مراحل من حياته ومن شتى تجاربه. ففي أيام طفولته لم يكن التعليم إلزاميا، فلما بلغ 10 سنين احتضنه عمه 'جون'، ومكّنه من العمل في متجره لتجارة الشاي في 'أشتون أندر لاين'، ثم ورث عنه هذه المهنة لاحقا. كان ذلك العصر متقلبا، بعد أن خلّفت الثورة الصناعية البريطانية والإصلاحات التقدمية في العصر الفيكتوري، عنفا وتطرفا وأعمال شغب، فانخرط 'روبرت ستانلي' في الحراك الاجتماعي، بحثا عن العادلة ومناصرة للطبقة العاملة، وما كان لينجح في نيل المكانة في مجتمعه لولا نصيبه من الثقافة. فمن حسن حظه، أنه نشأ في عائلة تجلّ العلم، وتوفر الكتب العزيزة المنال في ذلك العهد، وتقرأ الصحف التي كانت مصدرا للتثقيف، ومن خلالهما استطاع أن يتعلّم ذاتيا أولا، وأن يتحدى نفوذ أصحاب المصانع الأثرياء الذين يرشون العمال أثناء الانتخابات، فيدخل غمارها ويفوز فيها، ثم يتدرّج في السلّم الاجتماعي حتى أصبح أحد أول قضاة الطبقة العاملة وعُمَدها في بريطانيا. تولى'روبرت ستانلي' منصب عمدة 'ستاليبريدج' مرتين، واستقبلت الصحف صعوده بسخرية، فكتبت 'جدّت واقعة غريبة فيما يخصّ مجلس المدينة هذا الأسبوع، فقد انتخب بائع بقالة لمنصب العمدة'. ثم دخل مجلس العموم مستشارا خبيرا للجنة البرلمانية عام 1869، ومن خلال مركزه هذا، واستنادا إلى الأرشيف البرلماني، وإلى سجلات اللجنة المختارة التي شارك في أعمالها، كان يعمل على الحيلولة دون تدخل الأعراف وأرباب العمل لإجبار عمالهم على التصويت لمن يريدونهم هم. وتقول 'كريستينا' في مقالة لم يتعرض لها الفيلم: كُتبت صحائف كثيرة تسجل ما قاله، كان من الرائع رؤية كلماته الحقيقية. لم يترك أي سجل مكتوب آخر على الإطلاق، وكان يتحدث إلى أكبر الأسماء في السياسة البريطانية. 'الأمر كله يتعلق بالمنطق والعقل.. الطريق إلى الإسلام ينحدر 'روبرت ستانلي' من طائفة مسيحية إسرائيلية تحترم طقوس يوم السبت اليهودي، وفي الآن نفسه تؤمن بأن المسيح هو ابن الله، وتلتزم بالتعاليم الإبراهيمية التوحيدية. وتُظهر شهادة زواجه أنه تزوج في مزار المسيحيين الإسرائيليين في المدينة، وتثبت وثائق أخرى أنه كان زعيما لقومه. ويبدو أنّ طائفته لم تكن تحظى بتعاطف وطني كبير، بسبب ما تسميه 'كريستينا' حفيدته 'فضيحة العذارى السبع' في عشرينيات القرن التاسع عشر. ولكن يبدو أنّ عناصر عدة ومتداخلة مثلت عوامل مهمة في إعلانه لإسلامه لاحقا. كانت شخصية 'ستانلي' ميالة إلى التمرّد، وكانت مواقفه رافضة للسياسة البريطانية، لا سيما أن مهنته قد خولت له التواصل مع بعض المسلمين، أو جعلته يسمع قيمهم والممارسات البريطانية ضدهم. فقد أصبح ظهور البحارة المسلمين في الموانئ البريطانية أمرا عاديا، بالنظر إلى انضمامهم للعمل في الأسطول التجاري البريطاني. ثم لقي 'دفيد أوركاهارت'، وكان دبلوماسيا أرسل للتجسس على تركيا، ولكنه عاد محملا برؤية مختلفة للعالم وللحياة ولثقافة المسلمين. وتأثرا بهذه الثقافة عُرف بالتطهري، لإقلاعه عن شرب الكحول. وفي عام 1898، باع حانته وقرر أن يسلم، وكان قد بلغ 69 عاما، بعد أن التقى 'عبد الله كويليام' الملقب شيخ الإسلام في الجزر البريطانية، ومؤسس أول مسجد في البلاد في ليفربول، وهو من المسلمين الإنجليز الأوائل. انتقل 'روبرت ستانلي' إلى مانشستر، وأصبح نائبا لصديقه 'كويليام' في إدارة شؤون المسجد، وصار يكتب في مجلة 'الهلال' باستمرار، تلك الصحيفة الإسلامية الأولى في بريطانيا التي كانت تصدر أسبوعيا، لتوزع في جميع أنحاء العالم. وفيها شرح سبب تحوله إلى الإسلام. وتجمل كريستينا ذلك في قولها: الأمر كله يتعلق بالمنطق والعقل. حرج من عزلة مستشار الخليفة قدرنا أن العائلة ربما أخفت إسلام 'روبرت رشيد ستانلي' لحرج ما أصاب العائلة، فقد كانت مسيحية ملتزمة. والسؤال نفسه طرح على الأحفاد وتداولوا الآراء بشأنه، فالرّجل كان مسكونا بروح التمرد. ومما كشفه تنقيب 'كرستينا' في وثائق الدولة القديمة أنه كان يلتقي بالتجار الدوليين، على هامش تجارة الشاي، ويطّلع على زوايا نظر شتى حول السياسة العالمية عبر محاورتهم، وأنه مرة أدار نقاشا مشهودا في 'ستاليبريدغ' حول تجارة الرقيق والحرب الأهلية الأمريكية. وممّا سبب له عزلة عن محيطه موقفه في عام 1876 من حادثة 'واقعة الرعب البلغارية' التي قُتل فيها آلاف من البلغار. فقد استدعت الحكومة رؤساء البلديات لعقد اجتماعات لإدانتها، لكن 'روبرت' -وكان عمدة 'ستاليبريدغ' يومئذ- رفض التصويت، متعلّلا بأن للأنشطة البريطانية دورا ما فيما حصل. في هذه الأثناء كانت روسيا تستقطب العملاء، وقد تصاعد التقارب التركي الألماني من ناحية، وتوثقت العلاقات بين مسجد ليفربول وتركيا من ناحية ثانية. وكان 'روبرت' نائب رئيس المسجد الأول، وكان يقدّم المشورة للخليفة العثماني بشأن أشياء شتى مع 'كويليام'. لقد ولّدت هذه العناصر جميعا الشك في ولائه للمملكة خاصّة وجعلته موضع شك بصفته 'خائنا محتملا'، وعليه، فالأرجح -وفق تقدير الأحفاد- أن ذلك التستر كان بسبب الخوف والإحراج من سيرة الجد غريب الأطوار. من الهاجس الذاتي إلى الطرح الموضوعي ربما كان الهاجس الذاتي عاملا فاعلا في إنشاء هذه الحلقة من سلسلة 'مسلمو العصر الفيكتوري'. فلا يمكن تجاهل عمل 'ستيفن لونغدين' على الاستجابة لهاجسين شخصي وعائلي. فقد أسلم أثناء عرضه سيرة جدّه الأكبر، وذلك دفاع ضمني عن وجاهة قناعاته الدينية وتأصيل لإسلامه ضمن مساق المسلمين الأوائل، الذين كابدوا وواجهوا مجتمعاتهم بشجاعة، في سبيل هذه القناعات. فقد كان يوصم المسلمون بعبارة 'التترك' القادحة، وتعني التحالف مع الأتراك أو اكتساب الهوية التركية، وتشير ضمنا إلى الخيانة. وفيه شيء من الفخر العائلي الذي يتشارك فيه مع شتى أفراد الأسرة، أو شيء من التكفير عن ذنب الأسرة، التي غيّبت الرّجل بعد موته وزيّفت هويته الدينية. ولكن الحلقة تخطّت هذه الاعتبارات الخاصّة، لتتبسط في سيرة ملهمة لرجل تخطى بتميّزه محدودية انتمائه الاجتماعي، فتدرّج في الوظائف حتى بلغ أسماها، وواجه مجتمعه ودولته دفاعا عمّا يراه حقّا وعدالة. لقد عوّل 'ستيفن لونغدين' كثيرا على كتاب أخته 'الرجل الفريد والمسلم الفيكتوري المخفي: حياة روبرت رشيد ستانلي وعصره'، حتى بدت لنا الحلقة ونحن نطّلع على محتوى الكتاب وعلى محاضرات أخته لعرض تفاصيل مؤلفها، اقتباسا له على نحو ما. ولكن تُحسب له أمانته العلمية وطرحه الموضوعي، فلم يُخف مصادره، وقارب مسألة تدين جده بعيدا عن العاطفة، فلم نجد عبارات مثل 'الكشف الرباني' أو 'الهداية الإلهية' لتفسير إسلامه، بل تداول مع أخته العوامل الموضوعية التي جعلت الجد يتحول من عمدة فيكتوري نموذجي ومسيحي إسرائيلي إلى مسلم. وقد نزّلا إسلامه ضمن سياقه التاريخي، كخيبة الأمل تجاه القيم المسيحية، التي كان الساسة المتنازعون يستغلونها لأغراض سياسية وانتخابية، أو كارتفاع الأصوات المتمردة على المنظومة الرأسمالية ونزعاتها التوسعية، أو كالإصلاحات السياسية والدستورية التي سمحت بحرية الضمير، ومنها حق المرء في تغيير ديانته، وإعلان ذلك للعموم والتعديلات التي أدخلت على القانون الانتخابي، مما سمح له بالترشح وسمح لأصحاب الخلفيات المتواضعة بالتصويت.


الجزيرة
١٠-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
'مسلمو العصر الفيكتوري'.. سلسلة للجزيرة الوثائقية تتبع آثار مسلمي بريطانيا الأوائل
تتعقب الجزيرة الوثائقية سير مسلمي بريطانيا الأوائل، في عهد مثلت فيه 'الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس' قوة عظمى، تبسط سلطانها في أنحاء كثيرة من المعمورة. ولهيمنتها تلك كانت تفرض لغتها وتصوراتها عن الحياة، وتفرض ثقافتها ثقافة كونية. ولكن سلسلة 'مسلمو العصر الفيكتوري' التي أنتجتها الجزيرة الوثائقية، تكشف أن صلتها بالعالم وبمستعمراتها خاصّة، لم تكن دائما أحادية الاتجاه أو التأثير، بحيث يكون الأقوى هو من يفرض ثقافته على الضعيف، وتبرز أنّ قولة ابن خلدون في مقدمته إن 'المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده' لا تنسحب على الجانب الثقافي هنا. وحتى نتمثل السياق التاريخي والحضاري الذي تتنزل فيه أحداث هذه السلسلة، لا بدّ أن نتوقف عند مصطلح 'العصر الفيكتوري' الوارد في عنوان السلسلة. العصر الفيكتوري.. حقبة أشهر الملوك في أيام الاستعمار يستعمل المؤرخون مصطلح 'العصر الفيكتوري'، ويقصدون به في دلالته الأولى أيام حكم الملكة 'فيكتوريا'، التي امتدت من سنة 1837 إلى 1901، وكانت ملكة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا، ثم أصبحت إمبراطورة الهند، بعد تصويت البرلمان البريطاني سنة 1876. وقد اعتمدوا هذا المصطلح بالنّظر إلى حكمها الذي استمر نحو 64 سنة كاملة، لكنّ دلالته توسّعت لاحقا لتفيد الحقبة التاريخية التي كانت فيها بريطانيا تعيش ذروة هيمنتها على العالم، بعد عصر الثورة الصناعية الأولى، بما في ذلك مرحلة ما قبل تولي الملكة 'فيكتوريا' مهامها. ويشير المصطلح أحيانا إلى مناطق أخرى من القارة الأوروبية خارج الإمبراطورية البريطانية، وقد توسعت الدلالة حتى أفادت خصائص بعينها، تسِم الوعي والسياسة والاجتماع، فميزتها عن حقب أخرى قريبة منها. فمن خصائص هذا العصر اتجاهه المتزايد نحو الليبرالية، بما تعنيه من إصلاحات سياسية واجتماعية على المستوى الدّاخلي. ولارتباط فلسفتها السياسية بمفهوم الحقوق الفردية، أصبحت الخصوصية من القيم الراسخة، بما في ذلك حرية المعتقد، ناهيك عن تزامن هذا المفهوم مع مراجعات عميقة، أجراها العقل الغربي على علاقة الأفراد بالدين في التصوّر المسيحي. أما على المستوى الخارجي، فلمّا كانت حاجة الصناعة الغربية إلى المواد الأولية للثورة الصناعية أكيدة، ارتبط هذا العصر بانتهاك حرمة الأوطان، واستعمار الدول لنهب مواردها، وخرق مبدأ حرية الشعوب في تحديد مصيرها واختياراتها في الحياة. الصدام الثاني الكبير بين بريطانيا والعالم الإسلامي مثّل مسلمو العصر الفيكتوري أول المسلمين الإنجليز، وهو زمن متأخر كثيرا، مقارنة بوصوله إلى الأصقاع البعيدة من العالم، وربما يُفسّر الأمر بكون بريطانيا أرخبيلا قصيا من قارة أوروبا، وعزلته الجغرافية هذه جعلته بمنأى عن كثير من الأحداث والمؤثرات. فقديما كان دور بريطانيا محدودا في الحركة الصليبية، لا يناسب مكانتهم السياسية آنذاك، واكتفوا بالدّعم المالي للمؤسسات العسكرية والدينية الصليبية في الأرض المقدسة، وحديثا ظلت أرضا منيعة، لم يطلها الخراب الكثير الذي أصاب أوروبا في الحربين العالميتين، فقد حالت عزلتها هذه دون وصول قوات 'أدولف هتلر' إليها. ولهذه المعطيات جميعا، مثّل العصر الفيكتوري التماس الإسلامي البريطاني الثاني، بعد حملة الملك 'ريتشارد الأول' الصليبية الثالثة التي عدّت استثناء، وقد تحقق ذلك التماس على مراحل. أولاها سياسة الامتيازات؛ فقد فرضت يومئذ إجراءات استثنائية على بلدان المغرب الكبير في التعامل مع مواطنيها، وجرّت تونس والجزائر والمغرب إلى معاهدات، تقدّم تسهيلات لأساطيلها التجارية، في سياق عالمي يتأثر بشدة بالتنافس التجاري البريطاني الفرنسي، بُغية السيطرة على حوض المتوسط. وكان لبريطانيا تماس ثان مع العالم الإسلامي في أفغانستان والهند، بعد أن احتلت شبه القارة الهندية منذ منتصف القرن الثامن عشر. ثم مثلت 'المسألة الشرقيّة' التماس الثالث. وهي تحالفات قامت بين الدّول الأوروبية في أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية، لتقاسم أملاكها وهي على وشك الانهيار. وكانت بريطانيا ممن أرادوا إطالة حياتها، فكانت ترى أن بقاء 'الرجل مريضا' سيكون أقلّ خطرا من موته، الذي سيسمح لجيوش روسيا بالتقدّم في اتجاه الغرب الأوروبي. وفي الحالين -في القرون الوسطى أو العصور الحديثة- كانت بريطانيا طرفا فاعلا ومؤثرا، يفرض رؤاه وتصوراته. التبشير والاستشراق.. وسائل الهيمنة البريطانية فضلا عن قوة السلاح، كانت بريطانيا -شأنها شأن سائر الدول الغربية- تعوّل على الجانب الثقافي، لإخضاع البلدان الإسلامية بعدة طرق، منها حركة التبشير أو التنصير، وحركة الاستشراق. أما حركة التبشير فكانت دعامة من دعامات استعمارها، وأداة من أدوات غزوها فكريا، فكانت تستهدف هدم الهوية الدينية والثقافية أولا، بتشكيك المبشرين في حضارة المسلمين قيما دينية وفكرا وتاريخا، ثم تستدرجهم إلى المسيحية ثانيا، بصفتها 'السبيل القويم لتأسيس حضاري وفكري وديني سليم'. وأما حركة الاستشراق فهي الدعامة الثانية، وقد ظهرت عند استعمارها للهند في منتصف القرن الثامن عشر، وكانت ترمي إلى فهم ثقافات الشرق وأديانه، ثم توسعت لتركز أنشطتها على العالم الإسلامي خاصّة. ومع أن المستشرقين أنجزوا الكثير، وبذلوا جهودا في خدمة الثقافة العربية بإخلاص، فإن أغلب اتجاهات الاستشراق ظلت ظهيرا للنزعة الاستعمارية الغربية وسلاحا للغزو الثقافي. فالتبشير والاستشراق حركتان متفاعلتان غالبا، نشأت بينهما أكثر من صلة. ومن الوسائل المعتمدة للهيمنة، استمالة المسلمين بمنحهم هامشا من الحرية الدينية، أو مكاسب صورية، من ذلك السماح ببناء مسجد شاه جهان، وهو ملك هندي مسلم، وقد بُني المسجد في جنوب غرب لندن عام 1889. ظهور الإسلام في الأرخبيل البريطاني لم تكن الفتوحات السبيل الوحيد لانتشار الإسلام في أصقاع العالم، فوصوله إلى شعوب المحيط الهندي مثلا كان على يد البحارة المسلمين، وكان للرياح دور في ذلك، فهي التي كانت تحدد مراسي السفن، لأنها تكون قوية في أشهر الشتاء، وتهب غرب الهند والصين، أما في الربيع والصيف فتهب في الاتجاه المعاكس. وكان التعويل عليها لدفع السفن منشأ لتواصل ثقافي بين البلاد العربية وشرق أفريقيا وبين الصين والشرق الآسيوي عامة. أما في أفريقيا جنوب الصحراء فقد كان للدعاة وللحركات الصوفية وللرحالة والجغرافيين المسلمين دور في ذلك. وما نكتشفه من هذه السلسلة -التي تعرض جانبا منسيا من التاريخ البريطاني أواخر القرن التاسع عشر- هو أن تأثير الصدام البريطاني الإسلامي كان عكسيا أحيانا، مخالفا لما خطط له السّياسيون. فكما هو شأن شعوب المحيط الهندي وشرق أفريقيا، فقد وفّر التماس لبعض النّخب الإنجليز فرصة لاكتشاف الدين الإسلامي والإيمان به، فكانوا النواة الأولى من مسلمي بريطانيا. قصص مثيرة من حياة المسلمين الإنجليز المنسية تستدعي السلسلة الوثائقية كثيرا من سير مسلمي العصر الفيكتوري، فتعرض سيرة 'روبرت رشيد ستانلي'، الذي يكتشف أحفاده إسلامه وإسهامه الفاعل في خدمة المسلمين الإنجليز، بعد أن أخفي لأسباب تجتهد حلقته في فهمها. ثم تعرض سيرة 'عبد الله كويليام'، وهو مؤسس أول مسجد في بريطانيا، ويلقب بشيخ الإسلام في الجزر البريطانية، لجهوده في نشر الإسلام فيها. ثم سيرة 'فاطمة إليزابيث كيتس' التي دعاها 'عبد الله كويليام' لتتابع محاضرة له، ثم أهداها نسخة من القرآن، فتحولت حياتها جوهريا، فأسلمت وانخرطت في الحركات الاجتماعية، ثم سيرة 'الليدي زينب كوبولد' التي كانت أول مسلمة بريطانية تؤدي فريضة الحج. وفي هذه السلسلة ما يمنحها قيمتها المضاعفة، فكاتب السيناريو الأمريكي الشهير 'سيد فيلد' يقول في كتابه 'السيناريو'، متحدثا عن ابتكار الأفلام وخلق شخصياتها: أصنع سياق الشخصية أولا، ثم أملأ السياق بالمضمون. فالسياق والمضمون مبدآن مجردان، يقدمان لك أداة لا غنى عنها في أي عملية إبداعية. وهذا هو الأساس الذي استند إليه 'ستيفن لونغدين' الذي أعد السلسلة، فقد صنع سياقا خاصّا ليجمع شخصياته في أفق واحد، وهو أحد أحفاد 'روبرت رشيد ستانلي'، وكان قد علم من والده أن جده الأكبر كان مسلما، ولما أسلم هو نفسه منذ كان ابن 20 رحل إلى الشرق ليتعلم العربية، وتعرف على المسلمين من قرب. وقد وجد في نبش قصة هذا الجد وإسلامه -الذي ظل مجهولا- الحافز الضروري، للبحث في تاريخه، وللبحث في محيطه، وخلق من صلته به هذا السياق الجامع. ومن هنا جاء عنوان 'مسلمو العصر الفيكتوري'. وفضلا عن الهدف الموضوعي الذي ترمي إليه السلسلة، وهو عرض بعض القصص المثيرة، وتصفح حياة المسلمين المنسية التي أهملها المؤرخون، لم يخلُ هذا العمل الوثائقي الشجاع من حافز ذاتي، فـ'ستيفن لونغدين' وهو ينبش في تاريخ الجد وتاريخ من عاصره من المسلمين الإنجليز الأوائل، إنما كان يبحث عن امتداده البعيد، باعتبار صلة الدم والمعتقد التي تجمعه بـ'روبرت رشيد ستانلي'. رهان إعادة تشكيل سير مسلمي العصر الفيكتوري لعل السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف لـ'ستيفن لونغدين' أن يعيد تشكيل هذه السّير بعد قرن من النسيان؟ بعد أن نتعرّف إلى قصة جده في الحلقة الأولى، يأخذنا 'ستيفن' في رحلة تتقصى سير هؤلاء المسلمين المنسيين، فيخص كلا منهم بحلقة، يجمع فيها شهادات عائلته، أو يقدّم معطيات مما يجد من منشوراتهم في الكتب والمجلات والصحف، أو من التقارير أو الصور القديمة، وقد يسعفه الحظ فيجد بعضا من أخبارهم لدى المؤرخين. ومن البديهي أن يواجه معضلة في توفير الموارد البصرية الضرورية، لذلك يعول على تجسيد وضعيات كثيرة بمواقف تمثيلية قصيرة، تقرب الصورة إلى المتفرج، وفي أثناء ذلك يتولى التعليق المباشر، أو يضع صوت سارد من خارج الإطار، باحثا عن خيط ناظم يجمع بين هذه السير، مبرزا كيفية إسلام أصحابها، وما لقوا من تحديات، عارِضا آثارهم الباقية بعدهم.