أحدث الأخبار مع #ترمبالأولى


الوطن
٢٤-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الوطن
واشنطن تتبنى سياسة الحذر والتدرج تجاه دمشق
منذ اندلاع الأزمة السورية، لم تستطع الولايات المتحدة بلورة سياسة واضحة وفعّالة تجاه ما يحدث هناك. والسبب ليس في غياب الرؤية، بل في كثرة الأولويات المتضاربة التي واجهتها الإدارات المتعاقبة، بدءًا من أوباما وصولًا إلى إدارة ترمب الحالية، الذي اختار نهجًا أكثر واقعية يركّز على حماية مصالح واشنطن لا حل مشاكل سوريا. فوضى الأولويات وأظهرت التجربة أن محاولات إدارة أوباما لقيادة عملية انتقال سياسي أو إسقاط النظام لم تنجح، بسبب ازدحام الطاولة بقضايا إنسانية وعسكرية ودبلوماسية. وكما يقول المثل: «حين تكون كل القضايا أولوية، لا تكون أي منها أولوية فعلًا». وفي المقابل، اختارت إدارة ترمب الأولى سياسة مركزة: تدمير خلافة داعش وتقليص النفوذ الإيراني. لم تُحل الأزمة السورية، لكنها منحت واشنطن موقعًا أفضل لحماية مصالحها. مشهد جديد فالإطاحة المفاجئة ببشار الأسد في ديسمبر، وظهور أحمد الشرع في موقع القيادة، غيّرا ملامح الساحة. ورغم تبني ترمب لنهج «أمريكا أولًا»، إلا أن إدارته لم تتخذ خطوات جدية لوقف التدخلات الإسرائيلية المتكررة داخل الأراضي السورية، والتي أسهمت في زيادة التوتر الإقليمي، وأعطت ذريعة جديدة لتدخلات أطراف أخرى كإيران ووكلائها. ومع كل غارة إسرائيلية، كانت دائرة الصراع تتسع، فيما اكتفى البيت الأبيض بالصمت، أو التبرير تحت شعار «ردع إيران». وهذا الغياب للضوابط الأمريكية جعل من إسرائيل لاعبًا عسكريًا غير قابل للمساءلة، ما أضعف جهود التهدئة، وأفقد واشنطن القدرة على ضبط المشهد أو قيادة تحالف متماسك. وبحسب مدير مركز الأمن الأمريكي، في معهد أمريكا أولا، الكاتب جاكوب أوليدورت، يرى أنه بدلا من التورط في معركة سياسية جديدة داخل دمشق، تقترح رؤية «أمريكا أولًا» تركيز الجهود على الأطراف وهي دعم الجهود في الجنوب لردع إيران والجماعات المتطرفة، وتحويل الوجود العسكري الأمريكي في الشرق من مكافحة داعش فقط إلى احتواء النفوذ الإيراني بالتعاون مع الحلفاء. وما تحتاجه سوريا فعلًا ليس تصعيدًا جديدًا ولا تدخلًا غربيًا إضافيًا، بل دعمًا لاستقرار المناطق المنكوبة ومنع انفجار المزيد من الصراعات. أي مقاربة واقعية يجب أن تضع مصلحة الشعب السوري أولًا، من خلال وقف تغذية التوترات واحتواء التدخلات الإقليمية المتضاربة، تمهيدًا لمرحلة انتقالية آمنة وشاملة. وتؤكد الرؤية التي يتبناها أوليدورت أن على الولايات المتحدة الاعتراف بأن الأزمة السورية لا يمكن حلّها حاليًا، وأن التركيز يجب أن يكون على منع المخاطر التي قد تضر بمصالح واشنطن وشركائها. فحسب تعبير ترمب بعد سقوط الأسد: «هذه ليست معركتنا». وبالتالي، فإن إعطاء الأولوية للتهديدات المباشرة، وبناء تحالف إقليمي فعّال، يمثل الطريق العملي الذي لا يحل الأزمة فقط، بل يمنع ولادة أزمات جديدة. ملخص سياسات ترمب الحالية تجاه سوريا: 1. تقليص المساعدات الإنسانية: قامت واشنطن بإنهاء بعض عقود المساعدات الخارجية، مما أثر على تقديم المساعدات الغذائية في دول مثل سوريا واليمن. 2. فرض تعريفات جمركية مرتفعة: فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية بنسبة 41 % على الواردات السورية، مما قد يعيق جهود التعافي الاقتصادي في سوريا بعد الحرب. 3. انسحاب جزئي للقوات العسكرية: أعلنت الإدارة عن سحب بعض القوات الأمريكية من شمال سوريا، مما أثار انتقادات من الذين اعتبروا القرار «كارثيًا» وقد يؤدي إلى عودة ظهور تنظيم داعش. 4. حماية حقول النفط: رغم الانسحاب الجزئي، تم الإبقاء على وجود عسكري أمريكي لحماية حقول النفط في سوريا من الوقوع في أيدي داعش. 5. إنهاء الحماية: حيث ترى واشنطن أن الأزمة السورية لا يمكن حلّها حاليًا، وأن التركيز يجب أن يكون على منع المخاطر التي قد تضر بمصالح واشنطن.


الشرق الأوسط
٠٥-٠٢-٢٠٢٥
- أعمال
- الشرق الأوسط
عن عالم ترمب وعوالم أخرى... عودة أخرى
كانت بداية هذا الشهر بإعلان الرئيس الأميركي ترمب عن فرض تعريفات جمركية على الدولتين الجارتين المؤسستين مع الولايات المتحدة، في عام 1992، لاتفاقية «النافتا»، التي ألغت التعريفة الجمركية عن السلع الداخلة في التجارة بين البلدان الثلاثة، كما ألغت تدريجياً القيود التي كانت مفروضة على حركة التجارة والاستثمار بينها. عُدّلت الاتفاقية في فترة حكم ترمب الأولى بمبادرة منه، بعدما وصفها بأنها الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، بما يستدعي تعديلها وهو ما حدث. استمرت الاتفاقية الجديدة، المعروفة بحروفها الأولى المنسوبة للبلدان الثلاث «يو إس إم سي إيه»، في نهج الأولى مع تعديلات زيادة فرص التصنيع الأميركية للسيارات والتحقق من قواعد المنشأ التجارية، وتطوير القواعد المنظمة لسوق العمل، وحررت سوق منتجات الألبان، وطورت المواد المتعلقة بقطاع التكنولوجيا والتحول الرقمي، كما دعمت من الاشتراطات البيئية، ودخلت حيز التنفيذ في عام 2020. حققت التجارة البينية للولايات المتحدة فائضاً لصالح المكسيك بلغ 157 مليار دولار، بينما حققت كنداً فائضاً بلغ 55 مليار دولار، بما جعلهما هدفاً لتهديد الرئيس ترمب باستخدام سلاحه الغاشم البتار الذي لوّح باستخدامه أكثر من مرة، ألا وهو زيادة التعريفة الجمركية. فإذا كان هناك ما يؤرقه من هجرة غير شرعية أشار إليه؛ فإذا ما تردد حديث عن مجرد تفكير لدول الـ«بريكس» في عملة لها قد تستغني بها، ولو جزئياً، عن الدولار صرح بأن التعريفة الجمركية ستثنيهم عن هذه الفعلة؛ وإذا ما نما إلى علمه زيادات في وفيات الأميركان من تعاطي مخدرات الفينتانيل القاتلة المهربة عبر الحدود لم يجد في جعبته إلا زيادة التعريفة الجمركية. وقد صرح الرئيس الأميركي في أكثر من مناسبة بأن التعريفة الجمركية ستتحمل البلدان الواقعة عليها أعباءها، وستشجع التصنيع المحلي وستجبر المصدرين إلى أميركا بتصنيع ما يصدرونه فيها، كما ستحقق دخلاً للخزانة العامة سيعوض في تقديره نقصان الإيرادات العامة إذا ما قرر تخفيض الضرائب. وكل هذه المزايا مطعون على صحتها بالأدلة الاقتصادية الدامغة. فضرر زيادة التعريفة الجمركية يتجاوز نفعها. وحتى إن قاس من يتبناها مزاياها بمنطق أن لها أضراراً، ولكن الخصم سيكون أكثر تضرراً منها، لكن الأوضاع الحالية للاقتصاد الأميركي ستجعل الضرر عليه بالغ السوء. فهو لم يبرأ بعد من التضخم وتداعياته ويعتمد مستهلكوه على سلع صينية، التي أعلن الرئيس ترمب أنه سيفرض 10 في المائة تعريفة جمركية إضافية عليها، فضلاً عن إسهام كندا والمكسيك بسلع تتمتع بمزايا نسبية في إنتاجها كان نصيبها من الإعلان الرئاسي 25 في المائة زيادة في التعريفة الجمركية. على النحو الذي تم إعلانه، فنحن بصدد بداية لحرب اقتصادية عالمية بتداعيات سلبية على معدلات التضخم ومن ثم أسعار الفائدة مع تراجع في معدلات النمو الاقتصادي. ولهذه الحرب آثار محتمة في الأجل القصير على البلدان النامية التي ستتعرض لمخاطر تقلبات في أسعار الصرف وارتفاع تكاليف التمويل مع زيادة احتمالات إغراقها بسلع مستوردة. أما عن الآثار في الأجلين المتوسط والطويل، فهناك تداعيات لهذه السياسات الحمائية على بلدان عالم الجنوب فما حققه بعضها من إنجاز في التنمية وزيادة فرص العمل ومكافحة الفقر منذ التسعينات من القرن الماضي، لم يكن إلا بفضل التوسع في تجارته الدولية تصديراً واستيراداً لمكونات الإنتاج وزيادة التنافسية لتحسين نوعية السلع المنتجة والخدمات المقدمة محلياً وللتصدير؛ وهو ما جذب إليها استثمارات محملة بتمويل لمشاريعها وتكنولوجيا متطورة. وإذا ما كانت منافع التجارة الدولية حيوية للاقتصادات الأكبر حجماً فهي لا غنى عنها للبلدان التي تعاني صغر الأسواق، بما لا يمكنها من توليد فرص عمل أو زيادة دخول سكانها اكتفاءً بمواردها المحلية. فلا بديل لها عن زيادة فرص التصدير والاستثمار لدفع النمو، ولن تؤثر إجراءات إحلال الواردات في علاج اختلالات موازين التجارة والمدفوعات إلا في القطاعات التي تتمتع بها البلدان بمزايا نسبية وتنافسية ممكنة لها من ذلك. فالبلدان النامية التي اتبعت سياسات صناعية في إطار استراتيجيات متكاملة للتنمية، بتمويل منضبط لاستثماراتها حقق لها نمواً مرتفعاً، بما هيأ لها الانتقال من حدة الفقر المدقع إلى مراتب متقدمة في الاقتصاد العالمي. وفي ظل هذه التوترات والصراعات الجيوسياسية أصبح التعاون الدولي المنشود بطيئاً قليل التمويل، معوقاً لتطوير المؤسسات المالية والتنموية الدولية، مضعفاً لحوكمتها، وقدرتها على القيام بمهامها في مكافحة الفقر ومعاونة الدول النامية في التعامل مع الأزمات. ولك أن تطلع على التقرير الجديد لمركز التنمية العالمية بواشنطن تحت عنوان «مستقبل المساعدات الإنمائية الرسمية» لتعلم ما يتعرض له العون الإنمائي من تحديات مبدلة لمساره - وقد صدر هذا التقرير قبل التطورات الأخيرة - التي لم تكتمل معالمها بعد - لهيئة المعونة الأميركية. يحاول الاقتصاديون وعلماء السياسة التنقيب في التاريخ بما يعين على فهم الهوجة الترمبية، فمنهم من يشبهها بالقرار الأحادي للخروج من اتفاق «بريتون وودز» في عام 1971 بمنع تحويل الدولار تلقائياً إلى الذهب، فيما عُرِف بـ«صدمة نيكسون». ومنهم من يقارن الإجراءات الحالية والتهديد بغيرها بسلسلة المناوشات والحروب التجارية التي كان أسوأها ما جرى في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، ومن أشهرها ما يُعرَف بقانون التعريفة الجمركية «سموت – هولي» لعام 1930، ويعزى إلى هذه الإجراءات الحمائية ما وصل إليه الاقتصاد العالمي من أزمة الكساد الكبير، التي لم يفق منها الناس إلا بطبول الحرب العالمية الثانية.