logo
#

أحدث الأخبار مع #تسايت

قيادي ألماني يدعو إلى محادثات مع روسيا لتشغيل "نورد ستريم"
قيادي ألماني يدعو إلى محادثات مع روسيا لتشغيل "نورد ستريم"

Independent عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • أعمال
  • Independent عربية

قيادي ألماني يدعو إلى محادثات مع روسيا لتشغيل "نورد ستريم"

دعا قيادي في حزب المستشار الألماني فريدريش ميرتس الأحد إلى إجراء محادثات مع روسيا بشأن احتمال تشغيل خط أنابيب الغاز المثير للجدل "نورد ستريم". ووصف مايكل كريتشمر، رئيس وزراء ولاية ساكسونيا الواقعة في شرق ألمانيا، خط الأنابيب بأنه "مدخل محتمل لإجراء محادثات مع روسيا". في وقت سابق من هذا الشهر، انتقد ميرتس تقارير عن خطة أميركية روسية لتشغيل خط "نورد ستريم 2"، قائلا إن المشروع "لا يملك حاليا ترخيص تشغيل، ومن غير المتوقع أن يتغير هذا". وأفادت تقارير أن مبعوثين أميركيين وروس يناقشون تشغيل خط الأنابيب، هذه المرة بمشاركة مستثمرين أميركيين. تم الانتهاء من مشروع "نورد ستريم 2" في عام 2021 لكنه لم يدخل حيز التشغيل بعدما ألغت ألمانيا المشروع إثر بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وفي سبتمبر (أيلول) 2022، أسفرت انفجارات غامضة عن تخريب خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 1" الذي يعمل منذ عام 2011 ما تسبب في توقفه، ويبدو أن أحد أنابيب "نورد ستريم 2" لم يتضرر. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) دعا كريتشمر سابقا إلى مقاربة أقل تشدداً تجاه موسكو، وقال الأحد إن الحديث مع روسيا بشأن "نورد ستريم" قد يكون "مقاربة إيجابية" بدلا من "محاولة إجبار روسيا، كما هو الحال حتى الآن". وأضاف في تصريح لصحيفة "تسايت" الألمانية "ليس من قبيل الصدفة أنه تمت مناقشة أمر مماثل بين الدبلوماسيين في بروكسل قبل بضعة أشهر". وقد يكون تشغيل خط الأنابيب أيضا وسيلة لخفض تكاليف الطاقة المرتفعة التي أثرت على الاقتصاد الألماني، وبخاصة منذ بداية الغزو الروسي. لكنه أقر بأنه في الوقت الحالي "لا يوجد استعداد لتغيير الاستراتيجية" في صفوف معظم السياسيين الألمان.

المستشار الالماني: العقوبات الاضافية على روسيا قد تشمل أصولها المجمدة في أوروبا
المستشار الالماني: العقوبات الاضافية على روسيا قد تشمل أصولها المجمدة في أوروبا

ليبانون ديبايت

timeمنذ 6 أيام

  • أعمال
  • ليبانون ديبايت

المستشار الالماني: العقوبات الاضافية على روسيا قد تشمل أصولها المجمدة في أوروبا

صرح المستشار الألماني فريدريش ميرتس بأنه لا يستبعد أن تشمل العقوبات الإضافية ضد موسكوالأصول الروسية المجمدة في الاتحاد الأوروبي. وفي مقابلة مع صحيفة "تسايت" الألمانية، قال ميرتس إن الاتحاد يعمل حالياً على توضيح هذا الأمر وأضاف أنه إذا وُجدت إمكانية لاستخدام هذه الأموال على أساس قانوني سليم، فسيقوم الاتحاد بذلك، مشيراً أيضًا إلى المخاطر التي قد تترتب على مثل هذه الخطوة بالنسبة للأسواق المالية الأوروبية. وبحسب بيانات سابقة من المفوضية الأوروبية، تم تجميد حوالي 210 مليارات يورو من أصول البنك المركزي الروسي داخل الاتحاد الأوروبي، ويُحتفظ بمعظم هذه الأموال لدى مؤسسة "يوروكلير" المالية التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها. ومنذ منتصف العام الماضي، يستخدم الاتحاد الأوروبي عائدات الفوائد على هذه الأموال لتمويل شحنات الأسلحة والذخيرة التي يتم إرسالها إلى أوكرانيا.

من التّأثيرات الجانبية للحرب التجارية!الطاهر المعز
من التّأثيرات الجانبية للحرب التجارية!الطاهر المعز

ساحة التحرير

time١٨-٠٤-٢٠٢٥

  • أعمال
  • ساحة التحرير

من التّأثيرات الجانبية للحرب التجارية!الطاهر المعز

من التّأثيرات الجانبية للحرب التجارية! الطاهر المعز تندرج السياسات العدوانية للولايات المتحدة، من خلال قرارات رئيسها دونالد ترامب، ضمن محاولات بسط النّفوذ وتأكيد الهيمنة الأمريكية على العالم، ورفض أي شكل من أشكال المنافسة أو تقاسم النّفوذ في إطار التقسيم الدّولي للعمل والتبادل التجاري، وأدّى إعلان الحرب الإقتصادية والتّجارية إلى مجموعة من العواقب، خلال أقل من ثلاثة أشهر، وتحاول الفقرات الموالية تقديم أمثلة لما يحصل عَمَلِيًّا جراء هذه القرارات، وقد تكون بعض التفاصيل مُملّة لكنها أداة فَعّالة لمن يريد سَبْرَ أغوار تأثيرات هذه القرارات الأمريكية، وهذه بعضها: العلاقات الدّولية قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لصحيفة 'تسايت' الألمانية (16 أبريل/نيسان 2025) ردا على سؤال حول الدور القيادي المحتمل للاتحاد الأوروبي في ما سَمّته الصحيفة العالم الغربي: 'الغرب كما عرفناه جميعا لم يعد موجودا بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض'، وتجدر الإشارة إلى أن أورسولا فون دير لاين هي وزيرة ألمانية سابقة، ثَرِيّة (وكذلك زوجها) ومؤيدة لأميركا وأطلسية وصهيونية. تخطط الإدارة الأميركية للتفاوض مع أكثر من سبعين دولة للحصول على التزامات من شركائها التجاريين بعزل الصين اقتصاديا مقابل خفض الرسوم الجمركية التي فرضها البيت الأبيض، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال (16 نيسان/ابريل 2025)، بهدف هو مَنْعِ الصين من نقل البضائع إلى أراضي هذه البلدان أو عِبْرَها، ومنع الشركات الصينية من ترسيخ وجودها في هذه البلدان بهدف التحايل على الرسوم الجمركية الأميركية، ومنع دخول المنتجات الصناعية الصينية الرخيصة إلى أسواقها. من ناحية أخرى، تهدد الإدارة الأميركية بفرض رسوم جمركية بنسبة 245% على الواردات من الصين في سياق تصعيد درجة التوترات التجارية بين البلدين، بحسب بيان صادر عن مكتب الإعلام الصّحفي للبيت الأبيض، والذي يذكر بأنه في أوائل نيسان/ أبريل 2025، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 10% على جميع الدول ورسوماً جمركية إضافية على المنتجات من الدول 'التي تعاني الولايات المتحدة من أكبر عجز تجاري معها، من أجل تحقيق التوازن التجاري وضمان الأمن القومي الأميركي'، وفي وقت لاحق، أعلن البيت الأبيض أن أكثر من 75 دولة حول العالم 'بدأت بالفعل مفاوضات' مع واشنطن من أجل 'إبرام اتفاقيات تجارية جديدة'، وفي ضوء هذه المناقشات، تم تعليق الرسوم الجمركية على جميع الدول باستثناء الصين، التي ردّت بالمثل، ونتيجةً لهذه الإجراءات، قد تواجه الصين الآن رسومًا جمركية تصل إلى 245% على الواردات الأمريكية، وفقًا للبيان، ولم يقدم البيت الأبيض تفاصيل بشأن توقيت أو شكل الإجراءات المشددة. من جهتها، علّقت الصين صادراتها من مجموعة واسعة من المعادن والمغناطيسات الأساسية، مُهدّدة بخنق إمدادات المكونات الأساسية لشركات صناعة السيارات ومصنعي الطائرات وشركات أشباه الموصلات والمقاولين العسكريين حول العالم، وتوقفت شحنات المغناطيسات، الضرورية لتجميع كل شيء من السيارات والطائرات من دون طيار إلى الروبوتات والصواريخ، في العديد من الموانئ الصينية، ريثما تُصوغ الحكومة الصينية قرارات تنظيمية جديدة، وفق صحيفة «نيويورك تايمز»، وبمجرد تطبيقه، يُمكن للنظام الجديد أن يمنع وصول الإمدادات إلى شركات مُعيّنة، بما في ذلك المقاولون العسكريون الأميركيون، بشكل دائم، كما أعلنت الصين تعليق مشترياتها من شركة بوينغ بسبب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وأعلنت الحكومة الصينية وقف تسليم طائرات بوينغ لشركات الطيران الصينية، حسبما ذكرت وكالة بلومبرغ (16 نيسان/أبريل 2025)، ردًّا على فَرْض الولايات المتحدة زيادة حادّة في الرّسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية تصل إلى 145% منذ الثاني من نيسان/ابريل 2025، وفرضت الحكومة الصينية منذ يوم الرابع من نيسان/ابريل 2025، قيوداً على تصدير ستة معادن أرضية نادرة ثقيلة، تُكرّر بالكامل في الصين، بالإضافة إلى مغناطيسات أرضية نادرة، تحتكر الصين إنتاج نسبة 90% منها، ولا يُمكن الآن شحن هذه المعادن، والمغناطيسات الخاصة المصنوعة منها، خارج الصين إلا بتراخيص تصدير خاصة، لكن الصين لم تبدأ بعدُ – حتى منتصف نيسان/ابريل 2025 – في إنشاء نظام لإصدار التراخيص، مما أثار قلق مسؤولي الصناعة من احتمال إطالة أمد العملية، ومن احتمال انخفاض الإمدادات الحالية من المعادن والمنتجات خارج الصين، وإذا نفدت مغناطيسات الأرضية النادرة القوية من المصانع في مصانع السيارات بمدينة ديترويت الأمريكية وأماكن أخرى، فقد يمنعها ذلك من تجميع السيارات وغيرها من المنتجات المزوّدة بمحركات كهربائية تتطلب هذه المغناطيسات، وتتفاوت الشركات بشكل كبير في حجم مخزوناتها الاحتياطية لمثل هذه الحالات الطارئة، لذا يصعب التنبؤ بتوقيت انقطاع الإنتاج، وبحسب موقع «ستاتيكا» للإحصاءات، تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على واردات المعادن الأرضية النادرة من الصين، التي شكلت 70% من وارداتها بين سَنَتَيْ 2020 و2023، بينما تُعدّ ماليزيا واليابان وإستونيا المُوَرِّدِين الرئيسيِّين الثلاثة الآخرين للولايات المتحدة، ويُستورد الإيتريوم، أحد العناصر المشمولة بالقواعد الجديدة، بشكل شبه حصري من الصين، حيث تأتي 93% من مركبات الإيتريوم المستوردة إلى الولايات المتحدة بين سَنَتَيْ 2020 و2023 من الصين، ووفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، تعتمد الولايات المتحدة على استيراد الإيتريوم بنسبة 100%، وهو يُستخدم بشكل أساسي في المحفزات والسيراميك والإلكترونيات والليزر والمعادن والفوسفور. تُستخدم 'المعادن الأرضية النادرة الثقيلة' التي يشملها قرار الصين بتعليق التصدير في المغناطيسات الأساسية للعديد من أنواع المحركات الكهربائية، وتُعدّ هذه المحركات مكونات أساسية للسيارات الكهربائية والطائرات الآلية ( من دون طيار)، والروبوتات والصواريخ والمركبات الفضائية، كما تستخدم السيارات التي تعمل بالبنزين أيضاً محركات كهربائية مزودة بمغناطيسات أرضية نادرة لأداء مهام حيوية مثل التوجيه. كما تُستخدم المعادن النادرة أيضاً في المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع محركات الطائرات وأجهزة الليزر ومصابيح السيارات وبعض شمعات الاحتراق، وتُعدّ هذه المعادن النادرة مكونات أساسية في المكثفات، وهي مكونات كهربائية لرقائق الحاسوب التي تُشغّل خوادم 'الذكاء' الاصطناعي والهواتف 'الذكية'. صرّح رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «أميركان إليمنتس»، وهي شركة توريد مواد كيميائية مقرها لوس أنجليس، بأن شركته أُبلغت بأن الأمر سيستغرق 45 يوماً قَبْلَ إصدار تراخيص التصدير واستئناف صادرات المعادن الأرضية النادرة والمغناطيس، وأضاف أن شركته زادت مخزونها الشتاء الماضي تحسباً لحرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، ويمكنها الوفاء بعقودها الحالية أثناء انتظار التراخيص، وأعرب رئيس اللجنة الاستشارية للمعادن الحرجة في مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة ووزارة التجارة، عن قلقه بشأن شُح توافر المعادن النادرة، وقال: «هل من المحتمل أن يكون لضوابط أو حظر التصدير آثار وخيمة على الولايات المتحدة؟ نعم». وأكد رئيس قسم التجارة الدولية والأمن القومي في شركة «بوكانان إنغرسول وروني» للمحاماة، ضرورة إيجاد حل سريع لمشكلة المعادن النادرة لأن استمرار انقطاع الصادرات قد يضر بسمعة الصين باعتبارها مورداً موثوقاً، غير إن وزارة التجارة الصينية، التي أصدرت قيود التصدير الجديدة بالاشتراك مع الإدارة العامة للجمارك، مَنَعَت الشركات الصينية من التعامل مع قائمة متزايدة من الشركات الأميركية، وخصوصاً المقاولين العسكريين، وأعلن أحد رواد التعدين الأميركيين والرئيس التنفيذي لشركة «إم بي ماتيريالز»، إن إمدادات المعادن الأرضية النادرة للمقاولين العسكريين كانت مصدر قلق خاص، وأضاف: « إن الطائرات المسيرة والروبوتات هي الأسلحة التي سيتزايد استخدامها على نطاق واسع في الحروب المُستقبلية، وبناءً على كل ما نراه، فقد توقفت المدخلات الأساسية لسلسلة التوريد مما يثير تساؤلات حول مستقبل الصناعات الحربية المستقبلية '، وتجدر الإشارة إن الشركة التي يُديرها – «إم بي ماتيريالز» – تمتلك منجم المعادن الأرضية النادرة الوحيد في الولايات المتحدة، وهو منجم ماونتن باس في صحراء كاليفورنيا بالقرب من حدود نيفادا، وتأمل الشركة في بدء الإنتاج التجاري للمغناطيس في تكساس بنهاية العام 2025 لحساب شركة «جنرال موتورز» وغيرها من الشركات المصنعة. أما في اليابان، فإن بعض الشركات تحتفظ بمخزونات من المعادن الأرضية النادرة تزيد على إمدادات عام كامل، لأنها استخلصت الدّروس بعد أن تضررت سنة 2010، عندما فرضت الصين حظراً لمدة سبعة أسابيع على صادرات المعادن الأرضية النادرة إلى اليابان خلال نزاع إقليمي. بدأت قيود التصدير الصينية حيز التنفيذ قبل أن تعلن إدارة ترمب مساء الجمعة 11 نيسان/ابريل 2025 أنها ستعفي العديد من أنواع الإلكترونيات الاستهلاكية الصينية من أحدث تعريفاتها الجمركية، لكن صادرات المغناطيسات لا تزال محظورة هذا الأسبوع، وفق تصريحات خمسة مسؤولين تنفيذيين في صناعة العناصر الأرضية النادرة والمغناطيسات التي تخضع – مثل معظم السلع الصينية – لأحدث الرسوم الجمركية عند وصولها إلى الموانئ الأميركية، ولكن مَضت الصين قُدُمًا في التعامل بالمثل والرّد، خصوصًا وإنها تحتكر المعادن النادرة وأنتجت – حتى سنة 2023 – نحو 99% من إمدادات العالم من المعادن الأرضية النادرة الثقيلة، مع إنتاج ضئيل من مصفاة في فيتنام، لكن هذه المصفاة أُغلقت خلال العام 2024 بسبب نزاع ضريبي، مما ترك الصين في حالة احتكار، كما تنتج الصين 90% من إجمالي إنتاج العالم من مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، الذي يبلغ نحو 200 ألف طن سنوياً، وهي أقوى بكثير من مغناطيسات الحديد التقليدية، وتنتج اليابان معظم الكمية المتبقية، وتنتج ألمانيا كمية ضئيلة أيضاً، لكن اليابان وألمانيا تعتمدان على الصين في الحصول على المواد الخام، لأن أغنى رواسب المعادن الأرضية النادرة الثقيلة في العالم تقع في وادٍ صغير مُغطى بالأشجار على مشارف مدينة لونغنان في تلال الطين الأحمر بمقاطعة جيانغشي في جنوب وسط الصين، وتقع معظم مصافي التكرير ومصانع المغناطيس الصينية في لونغنان وغانتشو أو بالقرب منهما، وهي بلدة تبعد نحو 80 ميلاً، وتقوم المناجم في الوادي بنقل الخام إلى المصافي في لونغنان، وتتمثل عملية 'التّصْفِيَة' في إزالة الملوثات وإرسال المعادن النادرة إلى مصانع المغناطيس في قانتشو… تباطؤ النّمو يُمثل تباطؤ النّمو أحد أهم نتائج الحرب التجارية، إذْ أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( أونكتاد)، يوم الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025، إن النمو الاقتصادي العالمي ربما يتباطأ فينخفض من 2,8% سنة 2024 إلى 2,3% سنة 2025، بسبب التوتر التجاري وحالة الضبابية التي تؤدّي إلى الرّكود، ووَرَدت هذه التّوقّعات المتشائمة ضمن تقرير نشرته منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة ( أونكتاد) عن توقعات التجارة والتنمية لهذا العام 2025: 'يُمثل هذا تباطؤًا كبيرًا مقارنةً بمتوسط معدلات النمو السنوية المسجلة في فترة ما قبل جائحة كورونا، والتي كانت في حد ذاتها فترة من النمو الضعيف عالميًا'. أما الأسواق المالية فقد اضطربت منذ بداية شهر نيسان/ابريل 2025، بسبب حالة عدم اليقين الإقتصادي والتجاري، بعد إعلان بداية تنفيذ الرّسوم الجمركية الإضافية بداية من الثاني من نيسان/ابريل 2025، قبل تعليق تطبيقها على 12 اقتصاد، لكنها لا تزال سارية المفعول بنسبة 145% بخصوص واردات الولايات المتحدة من المنتجات الصينية، وفي فقرة أخرى من تقرير 'أونكتاد' وَرَدَ 'إن جولات متتالية من التدابير التجارية التقييدية والمواجهة الجيواقتصادية يحملان مخاطر حدوث اضطرابات حادة في خطوط الإنتاج العابرة للحدود وتدفقات التجارة الدولية، ما يؤدي بدوره إلى تراجع النشاط الاقتصادي العالمي وزيادة تخوفات المُستثمرين… ( ولذا) تتّسِمُ التوقعات العالمية للعام 2025 بأعلى مستوى من عدم اليقين السياسي الذي شهدناه هذا القرن، مما يتسبب في تكبد الشركات خسائر كبيرة وتأخير الاستثمار والتوظيف…' وحثت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إدارة ترامب على 'استثناء أفقر الاقتصادات وأصغرها من التعريفات الجمركية المتبادلة، ( لأن ذلك ) سيكون له تأثير ضئيل على أهداف السياسة التجارية للولايات المتحدة'. تراجع حركة التجارة الدّولية خفضت منظمة التجارة العالمية توقّعاتها لحركة التجارة الدّوْلية للسلع، لسنة 2025، من نمو قوي بنسبة 3% إلى نحو 0,2% بسبب زيادة الرسوم الجمركية الأميركية وامتداد تبعاتها وتأثيراتها التي يتوقّع أن تكون 'أشدَّ ركودٍ منذ ذروة جائحة كوفيد-19…' استنادًا إلى الإجراءات الأمريكية التي بدأ تطبيقها يوم الثاني من نيسان/ابريل 2025 وتوقعت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية انكماشًا حادًّا وانخفاضًا في حركة التجارة الدّولية بنسبة 1,5%، وهو أكبر تراجع منذ سنة 2020، مما يؤدّي إلى انخفاض نمو الناتج الإجمالي المحلي للدّول، وانكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 7% في الأمد البعيد، إذا لم يتم حل الإشكالات المطروحة حاليا، وإلى انعكاسات سلبية على الأسواق المالية وعلى قطاعات اقتصادية أخرى على نطاق واسع، خصوصًا في البلدان الفقيرة المُسمّاة 'نامية'، وقد تؤدّي هذه الحرب التجارية إلى فك الارتباط بين الاقتصادين الأميركي والصيني الذي قد يؤدِّي إلى 'عواقب وخيمة إذا ساهم في تفتيت أوسع للاقتصاد العالمي على أسس جيوسياسية وتحويله إلى كتلتين معزولتين'، وتتوقع منظمة التجارة العالمية انخفاض تجارة السلع بين البلدين ( الولايات المتحدة والصّين) بنسبة 81%، وهو معدل كان من الممكن أن يصل إلى 91% في حال عدم إعلان الاستثناءات الأخيرة لمنتجات من بينها الهواتف الذكية، ونقلت وكالة رويترز عن مُدير تنفيذي سابق بصندوق النّقد الدّولي 'أصبح التنبؤ بسيناريو أساسي موثوق مسألة مستحيلة تقريبا ( بسبب) تَراجُعِ ما تبقى من نظام التجارة القائم على القواعد، لصالح وضع فوضوي قائم على الصفقات، وتعتمد أي توقعات بشأنه على قدرة الحكومات على إبرام صفقات ثنائية مع الولايات المتحدة…' انخفاض قيمة الدّولار امتدّت وطأة التداعيات السلبية المباشرة للحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تثير تقلبات حادة في الأسواق كافة لتُصيب العُملة الأمريكية ( الدّولار) الذي كان يُعَدُّ ملاذًا آمنا، يرتفع أو يستقر سعرًهص خلال فترات الإضطراب، ولكنه لم يتمكّن من البقاء بعيدًا عن 'التّأثيرات الجانبية' لتلك الحرب، ولم يتمكّن من تجنّب التّقلّبات التي أثارت قلق الرأسماليين والمُضاربين بالأسهم ( المُستثمِرِين) وأَثّرت سلبًا في السوق المالية 'وول ستريت' فانخفض مؤشر الدّولار الذي يقيس قيمة العملة الأميركية مقابل سلة من العملات الرئيسية، إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات، خلال الأسبوع الثاني من شهر نيسان/ابريل 2025، بفعل تزايد حالة عدم اليقين التي أثارتها قرارات زيادة الرسوم الجمركية، وفي مقابل انخفاض قيمة الدّولار، ارتفعت قيمة اليورو الأوروبي والين الياباني بأكثر من %4 مقابل الدّولار، خلال الأسبوعَيْن الأوّلَيْن من شهر نيسان/ابريل 2025، بعد تسريب تقارير المصارف الأمريكية الكبرى بشأن احتمال حدوث انكماش النّمو الإقتصادي وارتفاع معدّلات البطالة في الولايات المتحدة، وعادةً ما يساهم تدهور الوضع الإقتصادي في زيادة الضُّغُوط على الأسواق وفي تراجع الطلب على الدّولار، وتراجع مؤشر الدولار الذي يفقد مكانته كملاذ آمن زمن الأزَمات، كما تراجع الطلب على السندات وعلى أسهم الشركات الأمريكية، ويُهدّد هذا الوضع مكانة الدّولار في النظام المالي الدّولي، ويزيد من البحث عن سُبُل 'فكّ الإرتباط' بالدّولار الذي يهيمن حاليا، وعلى مدى قصير وحتى متوسّط على التجارة العالمية وأسعار المواد الأولية ( ومن ضمنها المحروقات) وعلى التحويلات المالية الدّولية، ولكن السلطات الأمريكية تُدْرِك جيّدًا الخسائر التي تُصيبها جراء التّخَلِّي عن الدّولار ولذلك هدّد دونالد ترامب الدّول ( بما فيها أعضاء مجموعة بريكس) التي تعتزم تقويم المبادلات التجارية بعملات أخرى غير الدّولار، وفي واقع الأمر ساهمت الولايات المتحدة في محاولات بعض الدّول خفض التعامل بالدّولار، بسبب القرارات الأمريكية الجائرة: الحَظْر والعُقوبات واستغلال النفوذ الإقتصادي والسياسي والإعلامي والعَسْكَرِي لابتزاز الدّوَل… يُؤَدِّي تراجع الدّولار إلى ارتفاع مكانة الذّهب كملاذ آمن ( بَدَل الدّولار)، فقد ارتفعت مشتريات المصارف المركزية من الذّهب مما رفع سعره بنسبة 27% منذ بداية العام 2025، وإلى مستوى قياسي ( 3359,5 دولارا للأونصة أو الأوقية) صباح الخميس، السابع عشر من نيسان/ابريل 2025، مما يزيد من تراجع الدّولار، وترافق ارتفاع سعر الذّهب مع ارتفاع سعر المعادن النفيسة الأخرى، كالفضة والبلاتين… خسائر شركات التكنولوجيا: انفيديا وأيه إم دي تأثّرت شركات التكنولوجيا الأمريكية باحتداد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، فقد أعلن متحدث باسم شركة 'إنفيديا'، يوم الثلاثاء 15 نيسان/ابريل 2025، إن قرارات الحرب التجارية وحظر التعامل مع الصين تؤدّي إلى خسارة الشركة نحو 5,5 مليار دولارا من التّكاليف الإضافية بعد أن حَدَّت الحكومة الأميركية من صادرات شريحتها للذكاء الاصطناعي، وفرضت قيودا على صادرات رقاقة الذكاء الاصطناعي (إتش20) إلى الصين، وهي سوق رئيسية لإحدى أشهر رقائقها، ويندرج هذا القرار ضمن محاولة مسؤولي الحكومة الأمريكية الحفاظ على صدارة سباق الذكاء الاصطناعي، مع الإشارة إلى سيطرة شركة إنفيديا على أكثر من 90% من سوق وحدات معالجة الرسومات المستخدمة بشكل أساسي في مراكز البيانات، وفقًا لشركة أبحاث السوق آي.دي.سي ( نهاية آذار/مارس 2025)، وانخفضت أسهم شركة إنفيديا بنسبة 6% لأن رقائق 'إتش 20 ' مطلوبة في السوق الصينية ومن قِبَل شركات صينية عديدة مثل 'علي بابا' و 'تينسنت' و 'بايت دانس' ( الشركة الأم لتطبيقات تيك توك ) وهي أكثر تطوّرًا من الرقائق الأخرى المعروضة في أسواق الصّين، وعلّلت الحكومة الأمريكية تقييد مبيعات (إتش20) للصين بسبب 'خطر استخدامها في حواسيب عملاقة' وسبق أن أعلنت شركة إنفيديا ( يوم الاثنين 14 نيسان/ابريل 2025) أنها تخطط لبناء خوادم ذكاء اصطناعي بقيمة تصل إلى 500 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة بمساعدة شركاء مثل تايوان سيميكوندكتور مانيوفاكتشرينج (تي.إس.إم.سي)، تماشيا مع سعي إدارة ترامب للتصنيع المحلي. بالإضافة إلى إنفيديا، أعلنت شركة صناعة أشباه الموصلات الأميركية أدفانسد ميكرو ديفايسز ( AMD – أيه.إم.دي) إنها تتوقع تكبد خسائر بقيمة 800 مليون دولار من إيراداتها نتيجة القيود التي قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرضها على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، وإنها ستسعى للحصول على تراخيص لتصدير منتجاتها إلى الزبائن في الصين، لكنها لا تستطيع التأكد من حصولها عليها، وفق وكالة بلومبرغ بتاريخ 15 نيسان/ابريل 2025، وتجدر الإشارة إن إدارة الرئيس 'الدّيمقراطي' جوزيف بايدن أصدرت قرارات عديدة تزيد من القيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين بذريعة احتمال ' تهديدات للأمن القومي' من منافس جيوسياسي. انخفضت أسهم شركات التكنولوجيا وتصنيع الرقائق، يوم الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025، بعد إعلان شركة إنفيديا أن الضوابط الأميركية الجديدة على صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي ستُكلفها 5,5 مليار دولار إضافية، وكانت إنفيديا قد أعلنت أنها ستبدأ إنتاج حواسيبها الفائقة للذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة لأول مرة، وانخفضت أسهم منافِستها «إيه إم دي» بنسبة 6,5%، كما انخفضت أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الآسيوية الكبرى، فتراجعت أسهم شركة أدفانتست، المُصنّعة لمعدات الاختبار، بنسبة 6,7% في طوكيو، وخسرت شركة ديسكو 7,6% ، بينما انخفضت أسهم شركة تي إس إم سي التايوانية بنسبة 2,4%… من أسباب التراجع الأمريكي عن الرسوم الجمركية أعلن بيان البيت الأبيض يوم الجمعة 11 نيسان/ابريل 2025، عن مجموعة من الإعفاءات الجمركية المؤقتة لبعض الواردات الإلكترونية من الصين (الهواتف الذكية والأجهزة المنزلية وأشباه الموصلات وخوادم الذكاء الاصطناعي)، وتُقَدَّرُ نسبتها ما بين 20% و25% من إجمالي الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، ولم يكن هذا التراجع ناتجا عن تأثير الرسوم الجمركية على أسعار الإستهلاك داخل الولايات المتحدة بل بسبب ارتفاع الطلب على سندات الخزانة الأمريكية التي تُعَدُّ أكبر وأكثر أسواق الدَّيْن الحكومي تطورًا، وهي شريان الحياة للميزانية العمومية الأمريكية، وجزءًا من أدوات الإستقرار الإقتصادي والمالي، وعادةً ما يلجأ المستثمرون – خصوصًا خلال الشدائد والأزمات – إلى الذهب، وصناديق الإستثمار المَوْثُوقة وإلى سندات الدّيْن الحكومية التي ترتفع أسعارها وترتفع عائداتها عند ارتفاع الطلب عليها، أي ارتفاع الدّيُون الحكومية وفوائدها، وهو ما حصل لسندات الخزانة الأمريكية مُؤَخّرًا، فالسندات الأمريكية تتميز بأنها مُقوّمة بالدّولار ( أي العملة المحلية للولايات المتحدة) وارتفعت العائدات على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 4,5% يوم الجمعة 11 نيسان/ابريل 2025… أدّت المخاوف بشأن المؤسسات الأمريكية والأضرار الاقتصادية الجسيمة الناجمة عن القرارات الحمائية الأمريكية، والقلق من احتمال تصاعد التوترات العالمية بين الولايات المتحدة وحلفائها، وعلى رأسهم الصين، والتوقعات السلبية بشأن دخول الإقتصاد الأمريكي في حالة ركود عميق، إلى تَحَوُّلٍ في الموقف تجاه الاقتصاد الأمريكي، ولم تَعُدْ صناديق التقاعد الدنماركية والكندية (وهما من أكبر المستثمرين في العالم) تعتبر الولايات المتحدة مصدرًا موثوقًا للنمو، وتَلَقَّى الاحتياطي الفيدرالي عددًا قياسيًا من طلبات المصارف المركزية الأجنبية لسحب احتياطياتها الذهبية من فرع الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وإعادتها فعليًا، ولا علاقة للصين بعمليات السّحت، فهي تمتلك حيازات ضخمة من الأصول والسندات الأمريكية، تُقدّر ب 759 مليار دولار، والصين ثاني أكبر دائن للولايات المتحدة… خاتمة: حَوّلت الإمبريالية الأمريكية شعار الإقتصاد الرأسمالي الليبرالي من 'دَعْهُ يعمل، دَعْهُ يَمُرّ' إلى شعار 'الولايات المتحدة ولا أحد غيرها' وتميزت هيمنة الإمبريالية الأمريكية على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بالإحتكار وحماية الحدود وعرقلة دخول الإنتاج الأجنبي – بما في ذلك إنتاج المَحْمِيّات مثل اليابان وألمانيا – إذا كان قادرًا على منافسة الإنتاج الأمريكي في السّوق الدّاخلية، واعتمدت على القوة العسكرية التي تسند الدّولار وتنتشر في كافة القارات والبحار، وعادت إلى الإحتلال المباشر – خصوصًا منذ بداية القرن الواحد والعشرين – مما يُحوّل الولايات المتحدة إلى كائن طُفَيْلي ( parasite ) وإلى خطر عالمي وإلى عدو لشعوب وبلدان العالم، بحكم دعمها الكيان الصهيوني وتهديد أي دولة تُفكّر في استبدال الدّولار بعملات أخرى، وبحكم حصار البلدان والشعوب وما إلى ذلك من ممارسات قُطّاع الطّرق ومجموعات الجريمة المُنظّمة… هناك العديد من الأسباب التي لا تُثير الكثير من النقاش لكنها تُساهم في تدهور مكانة الولايات المتحدة، ومن بينها اختطاف الطلاب الأجانب وإلغاء تأشيرات الإقامة والاحتجازات على الحدود، وأدّت هذه الممارسات إلى انخفاض حاد في أعداد الزائرين الجدد للولايات المتحدة، والباحثين وأصحاب المواهب والخبرات والكفاءات الذين كانوا يرغبون في الانتقال الدائم إلى الولايات المتحدة، وكان هؤلاء المهاجرون يُشكّلون حجر الأساس للابتكار التكنولوجي الأمريكي، وقد يُؤدّي غيابهم إلى ترجيح كفة الصين. وردت معظم المعلومات والبيانات بمواقع وكالتَيْ رويترز و بلومبرغ 16 و 17 نيسان/ابريل 2025 ‎2025-‎04-‎18

إدارة التراجع... ملامح السياسة الأمريكية الجديدة
إدارة التراجع... ملامح السياسة الأمريكية الجديدة

قاسيون

time٠٧-٠٤-٢٠٢٥

  • أعمال
  • قاسيون

إدارة التراجع... ملامح السياسة الأمريكية الجديدة

تتركز هذه الاستراتيجية على وضع الثقل على العداء مع الصين المنافس الأول للولايات المتحدة. ولعل من أهم السياسات التي يتبناها لمنع تراجع موقع الولايات المتحدة: إعادة توطين الصناعات الأهم في الولايات المتحدة، وإطباق السيطرة على قارة الأمريكيتين من غرينلاند شمالاً إلى أمريكا الجنوبية لتشكل الأمريكيتان معاً بحوالي المليار نسمة ككل، وزناً ديموغرافياً واقتصادياً أقدر على مواجهة الصين. استنزاف جمركي لإعادة توطين الصناعة في أمريكا يقود ترامب حرباً تجارية مع كثير من الدول: كندا، المكسيك، الاتحاد الأوروبي وبالطبع الصين. ومع أن الحديث الأولي كان يدور عن سعي الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات حمائية لسوقها، والرغبة بجني مزيد من الأموال ممن يستفيد من السوق الأمريكي. إلا أن الهدف المعلن لهذه الحرب التجارية هو دفع الشركات إلى نقل مواقع إنتاجها إلى الولايات المتحدة، عبر جعل التصدير أقل ربحية عبر الجمركة. ذكرت جريدة تسايت الألمانية، أن حسابات مؤسسة تاكس فاونديشن الأمريكية وضحت أن ما قد تجنيه الولايات المتحدة من التعرفة الجمركية الجديدة قد يصل 4.5 تريليون دولار في عشر سنوات، في حين أن ضريبة الدخل الفيدرالية قد تعود على الولايات المتحدة ب 16ـ18 تريليون دولار في حال تمت إعادة توطين عدد من الصناعات في الولايات المتحدة. وتسعى الولايات المتحدة لذلك عبر استنزاف الحلفاء من الدول الصناعية. بالطبع الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي قد تصيب الحلفاء ليست ضمن حسابات مشروع «أمريكا أولاً». القول أسهل من الفعل تتصاعد الأزمة الاقتصادية العالمية بسرعة، وبينما تسعى الولايات الأمريكية لإعادة ترتيب أوراقها فإن الدول الصاعدة تستمر في الصعود. بينت كثير من الدراسات، أن صحوة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الفخ الذي انزلقت به عبر نقل عمليات الإنتاج إلى بلدان حيث تكاليف الإنتاج أرخص، لا يمكن عكسها بهذه السهولة. مقالة في موقع فوربس أوضحت الأسباب العميقة لذلك. أولها: الأجور وتكاليف عملية الإنتاج. فمثلا، وبحسب مكتب إحصاء العمالة الأمريكي، بلغ متوسط أجر العامل في القطاعات الصناعية في الولايات المتحدة حوالي 30 دولار في الساعة في منتصف عام 2024، مقارنةً بحوالي 7 دولارات فقط في الساعة في الصين، وأقل من ذلك بكثير في العديد من الدول النامية الأخرى. هذا الفرق الكبير في تكاليف العمالة وحده ينعكس في شكل منتجات أرخص للمستهلكين، وهوامش ربح أعلى للشركات. ثانياً: هو تعقيد سلاسل التوريد العالمية التي تطورت على مدى عقود. وقد قامت الشركات بتحسين هذه السلاسل بهدف تقليل التكاليف وتعظيم الكفاءة، وغالباً ما تعتمد على نظام «الإنتاج حسب الطلب» لتقليل تكاليف التخزين. إنّ إعادة توطين التصنيع في الولايات المتحدة يتطلب إعادة هيكلة شاملة لهذه السلاسل الراسخة، ليس لدى الولايات المتحدة الوقت الكاف لإنجازها في حال افترضنا أن جميع رؤوس الأموال همّت على الفور لتنفيذ هذا المخطط. ثالثاً: نقص العمالة المتخصصة في الصناعات التي هاجرت قبل عقود. الأمريكيتان للولايات المتحدة! لا ينفك ترامب يكرر أن كندا يجب أن تكون الولاية 51 لبلاده. كذلك يسعى لضم غريندلاند التي تتمتع بحكم مستقل تابع للدنمارك، لأهميتها الاستراتيجية في منطقة القطب الشمالي، في وقت يتقلص فيه الجليد القطبي، ويبدأ فيه المحيط المتجمد الشمالي ليصبح ساحة للصراعات الدولية، للسيطرة على طريق التجارة الشمالي. كذلك تسعى الولايات المتحدة بشراسة متزايدة لضمان خضوع كامل لدول أمريكا اللاتينية، يُنغصها باستمرار الأنظمة اليسارية في كوبا، فنزويلا، ونيكاراغوا، الدول التي وصفها وزير الخارجية الأمريكي من أصول لاتينية، ماركو روبيو، في 4 شباط الفائت بـ «أعداء الإنسانية». في أمريكا اللاتينية، نحن أمام كتلتين: إحداها تقدمية والأخرى موالية للولايات المتحدة كالأرجنتين، الإكوادور، والسلفادور، والتي تعاني من أزمات مالية خانقة. ترى هذه الأخيرة في الديون ودعم صندوق النقد الدولي المخرج الوحيد لأزماتها، بدل النظر إلى طاقاتها الداخلية، والقوة الكامنة في تحالف القارة لمواجهة تغوّل الولايات المتحدة. مع تراجع الدور الأمريكي، ومعها المؤسسات التي تقودها كصندوق النقد الدولي، قد تجد هذه الدول أيضاً في التعددية القطبية مخرجاً يتيح لها خيارات أوسع لتنويع العلاقات الاقتصادية، إضافة إلى أن الشعوب اليوم في حالة من الاستنفار قد تنبئ بمفاجآت، حتى في دول تبرعت السلطات فيها لتلعب دور كلب الحراسة للمصالح الأمريكية.

ألمانيا تندفع نحو اليمين وسط تمرد الناخبين على الطبقة السياسية
ألمانيا تندفع نحو اليمين وسط تمرد الناخبين على الطبقة السياسية

الشرق السعودية

time٢١-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشرق السعودية

ألمانيا تندفع نحو اليمين وسط تمرد الناخبين على الطبقة السياسية

عندما اجتمع السياسيون، الذين سيتنافسون في الانتخابات الألمانية المقبلة يوم 23 فبراير، في ستديو برنامج "كلارتكست" على قناة "ZDF"، للرد على أسئلة المواطنين بإجابات واضحة ومباشرة، بدا المرشحون لمنصب المستشار وكأنهم يعيشون في زمن آخر، أو عالم موازٍ للعالم الذي يعيش فيه الألمان العاديون، والذي وصفته صحيفة "تسايت" الألمانية بأنه "مختلف وغاضب". الرئيس الأميركي دونالد ترمب صدم أوروبا بـ"خطة سلام" لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وأُثير جدلٌ حول زلة لسان من المستشار الألماني أولاف شولتز وصف فيها سياسياً من أصول إفريقية ينتمي إلى الحزب الديمقراطي المسيحي CDU، بأنه "مهرج البلاط"، ثم أعقب ذلك حادث دهس عندما هاجم لاجئ أفغاني بسيارته مظاهرة تابعة لنقابة "فيردي" العمالية بمدينة ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا جنوبي ألمانيا، أصيب فيه 30 شخصاً، ولا تزال حالة بعضهم حرجة، ما أعاد مجدداً خطة فريدريش ميرز، زعيم CDU، الجريئة واليمينية بشأن الهجرة إلى طاولة البحث. ورفض هذه الخطة في وقت سابق من فبراير، بعد أن تمكن ميرز من تمريرها كتوصية في مرحلة أولية، بمقامرة عالية المخاطر، بالاعتماد على أصوات "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف الذي يدعو إلى عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين. ويبدو أن التأثير اليميني الشعبوي على المشهد السياسي يتزايد ليس في ألمانيا وحدها، بل في عموم أوروبا أيضاً. لكن كيف تمرّد هؤلاء على العُرف السياسي السائد؟ التمردات جميعها تبدأ في الخفاء. تتراكم ببطء دون أن تُسمع أو تُرى، وقد تستغرق أجيالاً، قبل أن تنفجر وكأنها ظهرت من العدم. وغالباً، تتكشف الأنماط التي أشعلت الفتيل، وأفضت إلى الفوضى بعد فوات الأوان. ولا يزال بالإمكان تذكر أنه حتى وقت قريب، لم يكن هناك حزب يميني شعبوي يقترب من نسبة 10% من أصوات الناخبين في أوروبا، ففي فرنسا مثلاً، حصلت قوى اليمين المتطرف عام 1981 في الانتخابات البرلمانية على 0.36% من الأصوات. وفي بريطانيا، حصل الحزب القومي عام 1983 على 0.06% فقط. أما في السويد، فلم تشهد البلاد في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ترشح أي حزب يميني على المستوى الوطني. وفي ألمانيا، حصل الحزب القومي الديمقراطي في انتخابات البرلمان لعامي 1980 و1983 على 0.2% فقط من الأصوات فقط. لكن تلك أيام مضت، فالأحزاب اليمينية الشعبوية حصدت في الانتخابات الأخيرة 54% من أصوات الناخبين في المجر، وأكثر من 40% في إيطاليا، و37% في فرنسا، و14% في بريطانيا. واكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة في بعض من أغنى بلدان العالم، مثل فنلندا وسويسرا وهولندا والنرويج، كما يحضر اليمين الشعبوي ككتل برلمانية في التشيك وإستونيا ورومانيا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا ولاتفيا واليونان وقبرص. وفاز بانتخابات الرئاسة في الأرجنتين والبرازيل والولايات المتحدة. ويرى الكاتب والباحث البريطاني هانس كوندناني، الذي نشر عدداً من الكتب عن الشأن الألماني، لمجلة "نيويوركر" الأميركية، أن حالة العداء المتصاعد للحكومات الوسطية الحالية، هي "ردة فعل على فشلها في تقديم حلول لمشكلات المواطنين. فمع تزايد نفوذ اليمين المتطرف قوةً، تندفع الأحزاب الوسطية إلى توحيد صفوفها والتحالف ضدّ التطرّف، من دون أن تقدّم برنامجاً ذا فائدة حقيقية للناس، ومن ثم يستمر اليمين المتطرّف في الصعود"، وفق قول كوندناني. كيف حدث هذا التحول لليمين بهذه السرعة والامتداد؟ لتفسير هذا الانعطاف الكبير نحو اليمين، يجب الرجوع بالزمن إلى الوراء، وتتبع السياسات التي أفضت إلى هذه النتيجة. تبدأ القصة مع فيلي برانت، أشهر مستشار ألماني بعد الحرب العالمية الثانية، والحائز على "جائزة نوبل للسلام"، عندما وقف في 28 أكتوبر عام 1969، أمام النسر الفيدرالي العملاق في مبنى البرلمان القديم بمدينة "بون"، وقرأ على مدار ساعة كاملة 35 صفحة، تُشكّل بيان حكومته، بوصفه أول مستشار من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) منذ عام 1930. ولا يزال يعلق في أذهان الألمان واحدة من أبرز جمل ذلك الخطاب، عندما قال برانت "نريد أن نتجرأ أن نكون أكثر ديمقراطية". لكن برانت تحدث في خطابه الطويل عن أمور أخرى أيضاً، فقدم خططاً ضريبية، ووعد بدعم قطاع الزراعة، وتحدث عن دعم الرياضة وأبحاث الفضاء وإصلاح قانون العقوبات، إلى جانب بناء جامعات في جميع أنحاء البلاد بأسرع ما يمكن. وقال أيضاً: "الهدف هو تنشئة مواطنٍ ناقد قادر على إصدار الأحكام، مواطن مهيأ للتعرف على ظروف وجوده الاجتماعي، والتصرف بناءً عليه من خلال عملية تعلم دائمة". وفي الأعوام التالية، تصاعد عدد طلاب الجامعات في ألمانيا، وبعد أن كان 380 ألفاً في العام الدراسي 1969، تضاعف بعد 5 سنوات عدة مرات، ووصل عام 1990 إلى أكثر من 1.5 مليون طالب. واليوم يبلغ عدد الطلاب نحو 2.8 مليون. كما أن أكثر من ثلث القوى العاملة في ألمانيا تحمل شهادة جامعية، أو تخرجت من جامعة تطبيقية أو أكاديمية مهنية. الجامعيون يميلون إلى اليسار.. والأقل تعليماً إلى اليمين جرت عملية مماثلة في البلدان الغربية جميعها، حيث توسعت الجامعات القديمة، وتأسست أخرى جديدة، وتزايد أعداد الطلاب في شتى أرجاء القارة. واستفاد خريجو هذه الجامعات من دراستهم لتحسين معيشتهم، والصعود على سلم التراتب الاجتماعي. وتشير البيانات الرسمية في ألمانيا إلى أن كل سنة دراسية إضافية ترفع الدخل بنحو 18%. وطبقاً لبيانات مكتب الإحصاء الفيدرالي، فإن متوسط دخل الحاصلين على درجة الدكتوراه يبلغ نحو 8 آلاف و687 يورو شهرياً قبل اقتطاع الضريبة، بينما يصل متوسط دخل الحاصلين على شهادة دبلوم أو ماجستير إلى 6 آلاف و188 يورو، أما من يملكون شهادة مهنية من معهد التدريب المهني، فيتقاضون نحو 3 آلاف و521 يورو فقط. ولا يختلف الوضع كثيراً في البلدان الأوروبية الأخرى. وهكذا، بدأت الفجوة التعليمية وصدام الطبقات، واتسعت الهوّة تدريجياً بين حملة الشهادات الجامعية، والذين لم يتخرجوا من الجامعات. وقام الباحث الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، مع زميلَين له، بتحليل نتائج الانتخابات في 21 دولة ديمقراطية غربية بين عامي 1948 و2020، منها ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وفنلندا وأستراليا. ووجدت الدراسة أن الهوّة ذاتها التي أخذت تتسع منذ الثمانينيات في هذه الدول، بين حَمَلة الشهادات الجامعية الذين كانوا سابقاً يصوتون بغالبية كبيرة للأحزاب المحافظة، صاروا يميلون بقوة نحو اليسار، في حين اتجه الذين لم يدخلوا الجامعة قط نحو اليمين أكثر فأكثر. وبات اليمين الشعبوي الوجهة السياسية لكل مَنْ لم يواكب "الموجة الأكاديمية" الكبرى، أو ما أطلق عليهم "المُهمّشون". في مراحل لاحقة، سيتلقى هؤلاء ضربة أخرى، أقوى وأشد هذه المرة. ففي 12 أغسطس عام 1981، كشفت شركة IBM عن جهاز الكمبيوتر الشخصي (PC) الأول من نوعه، وحل تدريجياً محل وظائف تتعلق بالسكرتارية والمحاسبة والمساعدات المكتبية. وبدأت الصناعات تعتمد شيئاً فشيئاً على أتمتة الوظائف الروتينية بروبوتات قامت بمهام ملايين العمال الذين كانوا سابقاً يُجمّعون السيارات، ويصبّون الفولاذ ويقطعون المعادن. واختفت تدريجياً في المكاتب والمصانع على حد سواء، الوظائف القائمة على اتّباع روتين محدد وقواعد ثابتة، وكان من السهل استبدالها بالآلات. مع ذلك، لم يؤدِّ هذا الانتقال إلى بؤس جماعي وفوري، إذ اتجه قسم من الموظفين إلى تطوير مهاراتهم، وانتقلوا إلى أعمال أفضل أجراً، أما الآخرون فاضطروا إلى الكفاح في سوق عمل بات أكثر شراسة وسرعة وتطلباً، وانحدروا إلى وظائف قطاع الخدمات التي لا تتطلب مؤهلات جامعية، كالخدمة في المطاعم، وتوصيل الوجبات، والتنظيف، والبستنة. وبحسب دراسة أجرتها جامعة أكسفورد، فإن الاستقطاب في سوق العمل، أدى إلى تقلّص الطبقة الوسطى وانتقال كتلة منها إلى الأعلى، وكتل أخرى إلى الأسفل، فازداد عدد الأغنياء، لكن زاد أكثر عدد الذين اضطروا إلى الانتقال لوظائف مؤقتة وغير مستقرة. وما بدا وكأنه "تقدم" عند الطرف الأعلى من الطبقة الوسطى، شعر به الآخرون في أسفل الطبقة على أنه "تدهور"، فالذين حصدوا مكاسب التطورات الاقتصادية الكبرى في تلك السنوات الماضية، كانوا غالباً حملة الشهادات الجامعية، أما الذين تضرروا هم الأشخاص الذي لا يحملون شهادات. وبينما ربح الأكاديميون معركة التكنولوجيا والعولمة، انحدر الآخرون إلى وضع غير مستقر. وتزايدت اللامساواة في البلدان الغنية المنضوية تحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، التي تنتمي إليها ألمانيا، بنحو 10% بين عامي 1980 و2018، وهي زيادة واضحة، ولكن لم تصل درجة الكارثة. مع ذلك كان أثرها ملموساً على جزء من السكان، وزعزع الاستقرار في حياتهم، واهتزت الثقة بالنفس لدى الأشخاص الذي لم يدخلوا الجامعة. خلال تلك الفترة وثّق الباحثان الاجتماعيان نوام جيدرون وبيتر هال هذه التحولات في دراسة دولية واسعة، طرحت أسئلة على أشخاص من أكثر من 30 دولة على مدار سنوات عدة، حول نظرتهم إلى مكانتهم الاجتماعية على سلم من 1 إلى 10. وتبين أنه مع مرور السنوات، بات الذين لم يدخلوا الجامعة يصنفون مكانتهم الاجتماعية على درجات أدنى فأدنى. وشملت الدراسة دولاً مثل ألمانيا والنرويج وبريطانيا وبولندا والولايات المتحدة. كما أصبح الأكاديميون يعيشون في ظل أمان مادي، وتراجع قلقهم من الظروف المعيشية، فاتسعت نظرتهم الحياتية لتشمل قضايا البيئة والمناخ وحماية الأقليات واللاجئين، وانفصلت المواقف السياسية للأكاديميين عن بقية المجتمع الذي انكمش على نفسه مع تصاعد مخاوفه من الانحدار على السلم الطبقي. وبدأ أفراد الطبقة الوسطى الدنيا يتوجهون نحو اليمين، رغم أنهم لم يكونوا يرزحون في الفقر المدقع، فوظائفهم تتسم بأجر لا يُعد سيئاً، لكن لديهم مخاوف من فقدانها، بحسب دراسة نشرتها جامعة زيورخ السويسرية عام 2021. وانتشرت "عدوى" هذه المخاوف بآليات لا يزال الباحثون يحاولون فك طلاسمها، ففي دراسة أجرتها جامعة "كونستانس" الألمانية، وشملت 11 بلداً أوروبياً، أظهر الباحثان طارق أبو شادي وتوماس كورر أن مجرد وجود شخص واحد في الأسرة بوظيفة غير آمنة يكفي كي ينحو كل أفراد الأسرة (حتى أصحاب الوظائف الآمنة) لتأييد الأحزاب اليمينية بصورة أكبر. وبحسب دراسة جامعة زيورخ، كان ثمة فئة بعينها أكثر عرضة لدعاية الأحزاب اليمينية الشعبوية، أولئك الذين يعدُّون أنفسهم في مكانة اجتماعية أرفع بكثير مما يسمح به دخلهم الفعلي. ويبدو أن أشخاصاً يصعب عليهم الجمع بين واقعهم وطموحهم، يعانون عقدة المقارنة مع الآخرين. "قبول أو رفض فارق الدخل" في أوائل ستينيات القرن الماضي، أراد عالم الاجتماع الإنجليزي والتر جاري رانسيمان دراسة الكيفية التي يتعامل بها الناس مع التفاوت الاجتماعي. لاحظ رانسيمان أن ردود فعل الناس على فارق الدخل يصعب التنبؤ بها، فأحياناً يتقبلون تفاوتاً كبيراً من دون أي اعتراض على ذلك، وأحياناً يثورون لوجود تفاوت بسيط. وأراد أن يكتشف السر. كتب رانسيمان كتاباً بعنوان "الحرمان النسبي والعدالة الاجتماعية"، أجرى خلاله مقابلات في أنحاء بريطانيا يسأل الناس عن دخلهم، وما إذا كانت لديهم سيارة أو تلفاز أو غسالة، ومدى رضاهم عن ظروفهم المعيشية، ومن هم الأشخاص الذين يتخيلون أن يصبحوا مثلهم عندما يفكرون في كسب المزيد من المال. اكتشف رانسيمان أن معظم الناس لا تُقارن نفسها إلا بدائرة ضيقة جداً، ولا ترى التفاوت في المجتمع ككل، بل في شريحة محدودة منه، وما تقع عليه أعينها في محيطها المباشر الذي يحدد مدى رضاها أو سخطها، حيث وجد أن العمال في المصانع والمناجم ممن يحصلون على أجور جيدة كانوا أكثر رضاً مقارنة بموظفي المكاتب الذين يتقاضون الدخل نفسه، لأن أولئك العمال يُعدون أصحاب الأجر الأعلى ضمن بيئتهم، فيرون أنفسهم "في القمة" مقارنة ببقية زملائهم، أما موظفو المكاتب فمحاطون بمديرين وأصدقاء أعلى دخلاً، فيرون أنهم أقل شأناً، ويشعرون بالغبن وعدم الرضا. ولولا الثورة التقنية، لما تزايد بهذه السرعة أعداد الناس الذين يشعرون بعدم الرضا عن ظروفهم المعيشية، فأولاً، جعلت شبكات التواصل الاجتماعي حياة الناس أكثر عرضة للمقارنة والمفاضلة. واتسعت الدائرة التي تُجري فيها الناس المقارنات مع حال الغير،؛ كما أن حالة الرخاء التي يعيشها أولئك الأشخاص الذي استفادوا من التحولات الرقمية، أصبحت فاقعة للغاية، وفي موضع مقارنة عند الذين يشعرون أنهم خسروا كثيراً. وثانياً، استخدمت الأحزاب اليمينية المنصات الاجتماعية للوصول إلى جمهور واسع، ما أتاح لملايين البشر أن يطلعوا على الرسائل التي يبثونها بطريقة مباشرة وسريعة. ورغم أنه يصعب قياس ذلك بدقة، إذ نادراً ما تتيح الشبكات الاجتماعية بيانات شاملة، لكن الباحثين لجأوا إلى مراقبة الفترة التي تشكّلت فيها البنية التحتية للعالم الرقمي، أي لحظة تزامن فيها العالم الجديد القائم على الإنترنت، مع العالم القديم الذي كان ما يزال سائداً. توسّع شبكات الإنترنت وارتفاع رصيد الأحزاب الشعبوية درس الاقتصادي الروسي سيرجي جوريف من "كلية لندن لإدارة الأعمال" عملية اتساع شبكات الهاتف المحمول (G3) في أوروبا بين 2008 و2017. واستفاد مع زميلَين له من حقيقة أن توسيع الشبكة لم يكن بالوتيرة نفسها في المناطق كلها. في بعض المناطق كانت الوتيرة أسرع، فتتبعوا التغير السياسي المتوازي مع انتشار الإنترنت المحمول السريع، وقد وجدوا أنه حيثما توفرت شبكات الجيل الثالث الأسرع، ارتفعت أصوات اليمين الشعبوي بنحو 6.9% في المتوسط، وهو ارتفاع كبير. وفي دراسة أخرى، وجد المختص بالعلوم السياسة ماكس شوب من جامعة هامبورغ مع زميله الإيطالي دافيدي موريسي أن الأصوات المؤيدة للأحزاب الشعبوية ارتفعت في ألمانيا وإيطاليا مباشرة بعد توسيع شبكة نطاق الإنترنت العريض. وتُقدّر الدراسة أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) حقّق في المناطق ذات الإنترنت السريع نسبة أصوات أعلى بواقع الربع، مقارنة بالمناطق ذات سرعات الإنترنت البطيئة. "فزّاعة" المهاجرين تٌغذي اليمين الآن، وقد تشكّلت الصورة التي ينتشر بها اليمين المتطرف، فإنهم يحتاجون إلى "عدو" يصبّون عليه جام غضبهم. وليس ثمة فريسة أسهل من نحو 280 مليون لاجئ عالمياً. فالساسة اليمينيون المتطرفون يركزون خطابهم على هؤلاء المهاجرين الذين يغادرون بلدانهم سنوياً سعياً وراء حياة أفضل، وهم يشكلون صورة "العدو" بامتياز، نظراً لسهولة توجيه "الغضب" نحوهم، وسهولة إقناع شريحة واسعة من الناخبين للإدلاء بأصواتهم لترحيل هؤلاء المختلفين ثقافياً، إلّا أن الواقع، ولحسن الحظ، أكثر تعقيداً من ذلك. ولفهم ذلك، نأخذ ألمانيا مثالاً. فخلال أشهر معدودة عام 2015، وصل إلى ألمانيا أكثر من نصف مليون سوري. ورغم القلق في بداية الأمر، إلا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خرجت يوم 31 أغسطس وقالت: " Wir schaffen das"، (نستطيع أن نقوم بذلك). وانتشر ما سُمّي حينها بـ"ثقافة الترحيب" (Willkommenskultur)، واستُقبل السوريون بترحيب شعبي واسع، وخرج الألمان يصفقون لهم عند وصولهم إلى محطات القطارات. ثم انقلب الوضع، وتعرّضت بعض مراكز اللجوء إلى حرائق متعمدة، ودعت قيادية في "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) إلى إطلاق النار على اللاجئين عند الحدود، وبدأ الحزب يحقق نجاحات متصاعدة في استطلاعات الرأي والانتخابات. لكن خلال تلك الأثناء، كان يجري شيء مختلف، درسه الباحث الاجتماعي ماركو جيسلمان من جامعة زيورخ مع زميلين له، واستفاد من التوزيع غير المتكافئ للسوريين في أنحاء ألمانيا، ففي بعض المناطق بلغت نسبة اللاجئين أكثر من 10% من السكان، بينما كانت النسبة أقل بكثير في مناطق أخرى. الأقل احتكاكاً بالمهاجرين أكثر نقمةً عليهم بدأ جيسلمان بإجراء استطلاعات للرأي منذ عام 2016، ووجد أن أكثر من 85% من المشاركين أبدو قلقهم من الهجرة، وقفزت نسبة تأييد الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى 7 أضعاف تقريباً خلال 5 سنوات تالية، لكن هذا الاتجاه بدأ يتغير في مناطق استضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين، والتي سارت بعكس الاتجاه العام، ذلك أن توجهها نحو اليمين أقل بكثير. والسبب هو كثرة الاحتكاك المباشر مع اللاجئين في الحياة اليومية، في التسوق والمدارس ورياض الأطفال، حيث كلما ازداد التواصل، تضاءل تصديق الناس لما يدّعيه اليمين المتطرف، فالألمان الذين لم يحتكوا مع اللاجئين إلا عن بعد، كانوا يميلون أكثر نحو اليمين المتطرف. وهكذا، على المدى الطويل، بدأ يتقلّص نفوذ اليمين في المجتمعات متعددة الثقافات التي يحتك فيها الأفراد بعضهم بعضاً، وذلك وفقاً لدراسة جيسلمان التي نشرها عام 2024. ولمواجهة هذا التطبيع المحتمل، لجأ اليمين المتطرف إلى تكتيك آخر، ففي عام 2016، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، أجرى الباحثان رافائيل دي تيلا وخوليو روتمبرغ من كلية "إدارة الأعمال" بجامعة هارفارد، تجربة طريفة، إذ قدموا نصاً قصيراً لنحو 4 آلاف ناخب حول أهمية وجود ساسة أكفاء. في تلك الفترة، كان معظم أنصار المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية حينها، دونالد ترمب، يقرّون بأن منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، أكثر كفاءة. وبعد قراءة النص، مال غالبية المشاركين أكثر للتصويت لصالح كلينتون، باستثناء البيض الذين لم يحصلوا على شهادة جامعية، حيث زاد تمسكهم بترمب. وفسَّر الباحثان نتائج بحثهما في دراسة نشرت عام 2018، وأوضحا خلالها أن هذه الفئة من الناخبين تشعر بأنها خُذلت بشدة من "النظام السياسي"، لدرجة أنها تُفضّل عمداً المرشح الأقل كفاءة، لأنها تسعى إلى تخريب النظام ذاته، حيث وجدت الدراسة أن "التدمير ليس نتيجة عرضية، بل هو الهدف بحد ذاته". ولا يُخفي اليمين المتطرف ميله للانسحاب من الاتفاقيات والتحالفات التي يرى أنها لا تتوافق مع رؤيته، وترحيل المهاجرين، بمعزل عن حاجة سوق العمل للأيدي العاملة منهم. وقد يبدو ذلك صعباً على الاستيعاب للوهلة الأولى، فما الذي سيدفع طبقة متوسطة في الغرب تعيش حياة جيدة نوعاً ما، إلى الرغبة في التدمير والتخريب؟ لتفسير ذلك، لجأ العلماء إلى "لعبة الإنذار الأخير" (Ultimatum Game)، ومفادها أن أحد اللاعبَيْن يحصل على مبلغ من المال، مثلاً 100 دولار، ويُطلَب منه تقسيمه مع لاعب آخر كما يشاء، سواء بالنصف أو نسبة أقل بكثير. ولا يُسمح لهما بالتحدث. المشكلة أن اللاعب الثاني يستطيع رفض العرض، وفي حال رفضه، لن يحصل أي منهما على المال. من الناحية المنطقية البحتة، يُفترض أن يقبل الشخص الثاني أي مبلغ يُعرض عليه، حتى لو كان ضئيلاً، لأن ذلك أفضل من لا شيء، لكن التجارب تُظهر أن غالبية الناس لا يتصرفون بهذه البراغماتية الباردة، فهم يرفضون العروض المجحفة، ويفضلون معاقبة اللاعب الأول بحرمانه من المبلغ، حتى لو حُرموا هم أيضاً منه. في تجارب معينة، انتابت معظم الناس مشاعر غضب لمجرد أن العرض لم يكن مناصفة (أقل من 30%)، ويرفضونه تماماً، حتى لو كان المبلغ كبيراً. على عكس الكائنات الأخرى، يبدو البشر عرضة للمشاعر السلبية حتى الإضرار بأنفسهم، طالما أنها تلحق الضرر بمن يرونه "ظالماً" أو متكبراً. واستخدم الفيلسوف وعالم الأحياء باتريك فوربر من جامعة تافتس في الولايات المتحدة "لعبة الإنذار الأخير"، بهدف فهم "دوافع السلوك الهدّام"، حيث وجد أن هذه النزعة تظهر غالباً في صراع المكانة الاجتماعية، فحينما يشتد التنافس على تراتب الهرم الاجتماعي، يحاول "المهمّشون" إلحاق الأذى بالآخرين لاستعادة التراتبية، ولسان حالهم يقول: "إن صار الجميع أفقر نسبياً، فإن مكانتي الاجتماعية النسبية ستصبح أفضل". وهي لعبة الجميع فيها خاسرون".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store